المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ - التفسير الوسيط - مجمع البحوث - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}

المفردات:

{فِي سَبِيلِ اللهِ} : أي في طريقه الموصل إلى مرضاته، والمراد منه: الجهاد، وأعمال البر المتنوعة.

{سَنَابِلَ} : جمع سنبلة وهي: ما يتكون فيه الحب.

{يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} : يزيد الأجر لمن يشاءُ من أهل الإحسان، على النحو الذي يشاؤُه من الزيادة. كسبعمائة وما دونها، وأكثر منها.

والضعف: المثل.

{وَاسِعٌ} : جزيل الثواب.

التفسير

261 -

{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ

} الآية.

لما قص الله ما في القصص السابقة من البراهين على البعث، حث على الإنفاق في سبيل الله، لينال المنفقون ثوابهم بعد البعث الذي أثبته الله لهم بتلك البراهين. فقال جل ثناؤه:

{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ

} الآية.

‌سبب النزول:

رُوي أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفا، وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حث الناس على الصدقة - حين أراد

ص: 449

الخروج إلى غزوة تبوك - جاءه عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، وقال: أقرضتها لربي .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بارك الله لك فيما أمسكت، وفيما أعطيت".

وقال عثمان: يا رسول الله، عليَّ جهازُ مَنْلا جهاز له. فنزلت الآية فيهما.

وقيل: نزلت في نفقة التطوع.

والمعنى: أراد الله - تعالى - أن يصور لعباده الثواب العظيم، الذي ينالونه على الإنفاق في سبيل الله، الشامل للجهاد ووجوه البر المتنوعة، فضرب لهم في ذلك مثلًا مشاهدًا، ليحثهم، ويحرضهم على مواصلة الإنفاق فيه، فَشَبَّه لهم الذين ينفقون أموالهم لوجه الله سبحانه - بالزارع المفلح الناجح، الذي يضع الحبة في الأرض الطيبة فتنبت نباتًا حسنًا، ويتضاعف خيرها وثمرها، فيخرج منها سبع سنابل، في كل سنبلة منها مائة حبة، فيكون المجموع سبعمائة حبة.

ثم عقب لله بقوله:

{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} :

أي يضاعف تلك المضاعفة، أو دونها أو فوقها لمن يشاءُ، حسب حال المنفق، من إخلاصه وتعبه.

{وَاللَّهُ وَاسِعٌ} :

كثير الجود، فلا يضيق بهذه المضاعفة.

{عَلِيمٌ} :

بِنِيَّةِ المنفق، ومصدر ما ينفقه، ومقداره، فيجازيه حسب حاله.

روي مسلم، وأحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى ما شاء الله

" الحديث.

والمقصود من العدد هنا: الدلالة على الكثرة، لا التحديد.

ص: 450

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} .

المفردات:

{مَنًّا} : المن، أن يذكر المنفق لمن أحسن إليه فضله، مستوجبًا به حقه عليه.

{أَذًى} الأذى هنا، أن يتطاول المنفق على آخذ الصدقة بالقول أو العمل.

التفسير

262 -

{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى

} الآية.

هذه الآية مستأنفة، جيء بها لبيان كيفية الإنفاق المستتبع لمضاعفة الثواب، التي مرت في الآية السابقة.

ومعنى الآية: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، من جهاد وغيره من وجوه البر، ابتغاء مرضاته تعالى، ثم لا يُتبعون ما أنفقوا منًّا على ما أنفقوا عليهم: بأن يَذْكُرُوا لهم إحسانهم ويعتدوا به عليهم ولا يفهمونهم أنهم أوجبوا به حقًّا عليهم، ولا يتبعونه أذى لهم بالقول، أو بالفعل - هؤلاء:

{لَّهُمْ أَجْرُهُمْ} :

الذي سبق بيانه في الآية السابقة.

{عِندَ رَبِّهِمْ} :

في دار الكرامة والمثوبة.

ص: 451

{وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} :

في الدارين من لحوق مكروه بهم.

{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} :

على فوت مطلوب لهم، فمطالبهم حاضرة بين أيديهم، ومسراتهم دائمة بين جوانحهم.

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}

المفردات:

{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} : المعروف، اسم لكل فعل يُعرف حسنه. والمراد بالقول المعروف هنا. القول الجميل، للسائل.

{ومَغْفِرَةٌ} : المغفرة، عدم العقوبة.

{حَلِيمٌ} : لا يعاجل بالعقوبة.

التفسير

263 -

{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى

} الآية.

القول المعروف: أن يردَّ المسئول على من يسألة الصدقة بالقول الجميل، الذي تقبله النفوس ولا تنكره ولا تتأذى منه، كأن يعتذر إليه بعدم استطاعته، أو يَعِدَه بالمعاونة في المستقبل، أو يدعوَ له بالتيسير والفرج، والمغفرة له: هي العفو عنه إذا وجد منه إلحاحًا في الطلب، أو ثقلا في السؤَال.

والآية الكريمة تفيد: أن المسئول إذا سلك مع السائل هذا المسلك، فإنه يكون أحسن وأفضل من أن يعطيه صدقة، ثم يتبعها تطاوله عليه، أو إيذاءَه له بقول أو عمل.

ص: 452

{وَاللَّهُ غَنِيٌّ} :

فلا يحوج الفقراء إلى تحمل مئونة المن والأذى، بل يرزقهم من جهة أُخرى.

{حَلِيمٌ} :

لا يعجل بالعقوبة لأصحاب المن والأَذى، لعلهم يتوبون.

فعلى الغَنِيِّ المسلم: أن يتعظ بهذا التذكير، فيعطي بلا مَنَّ ولا إيذاءٍ، أو يرد السائل ردًّا جميلا، مع حسن الاحتمال لما يثقل من السائل.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}

المفردات:

{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم} : لا تبطلوا ثوابها بالمنّ أَو الأَذى.

{رِئَاءَ النَّاسِ} : مراءَاة للناس.

{صَفْوَانٍ} : الصفوان، الحجر الأَملس.

{وَابِلٌ} : الوابل، أشد المطر، أو المطر العظيم القَطْر.

{صَلْدًا} : الصلد، الحجر الصُّلب.

ص: 453

التفسير

264 -

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى

} الآية.

يا أيها الذين آمنوا لا تضيعوا على أنفسكم ثواب صدقاتكم بالفخر على الفقراءِ، الذين تدفعونها إليهم، أو بالتطاول عليهم، وإيذائهم بالقول أو الفعل.

{كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} :

شبهت الآية الكريمة المتصدق الذي يُتْبِعُ صدقاته بالمن والأذى، بالذي يتصدق بالأموال، ليرائي بها الناس، وهو - مع هذا - لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر. فهو لا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا من الله، بل يلتمس بصدقته رضوان الناس، لا رضوان الله.

{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا} :

شبه الله المرائي ونفقته التي لا ثواب لها، بحجر أملس عليه تراب، هطل عليه وابل أي مطر شديد ضخم القطر، فأزال عنه التراب، وتركه ناعمًا أملس خاليًا من التراب.

والغرض من هذا التشبيه: أن المرائي بنفقته، الذي بالله واليوم الآخر: لا ثواب له كما سيأتي التصريح به.

{لَّا يَقْدِرُ ونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا} :

أي هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاءَ الناس، ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر، لا يقدرون يوم القيامة على نيل ثواب شيءٍ مما بذلوه في الدنيا، لأنهم لم يعملوا لمعادهم، ولا لطلب ما عند الله في الآخرة.

وإذا كان هذا الضياعُ مآل أُولئك المرائين، فكذلك مآل من يشبههم، وهم الذين يبطلون ثواب ما أنفقوا بالمن والأذى.

{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} :

والله سبحانه وتعالى لا يوفق هؤلاء الكفار لإصابة الحق في نفقاتهم، لأنهم آثروا الرياءَ على ابتغاء مرضاة الله، فتركهم في ضلالهم يعمهون.

ص: 454

وقد نهى الله المؤمنين - بهذا التشبيه - عن أن ينزلقوا فيما انزلق فيه هؤلاء الكفار. فإن في الآية تعريضًا بأن كُلًّا من: الرياءِ، والمن والأذى، من خصائص الكفار، ولابد للمؤنين أن يجتنبوها.

{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}

المفردات:

{ابْتِغَآءَ مَرْضَاةِ اللهِ} : طلبًا لرضا الله سبحانه.

{وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ} : أي وتثبيتًا للبذل والإنفاق في أنفسهم، حتى يكون ذلك عادة لهان فلا تترد فيه.

{جَنَّةٍ} : الجنة، البستان.

{بِرَبْوَةٍ} : الربوة، المكان المرتفع عن الأرض.

{فَآتَتْ أُكُلَهَا} : أَعطت مأكُولها وثمرها.

{ضِعْفَيْنِ} : مثلين. أي مثلَىْ ما كان يعهد منها، أَو مثَلي ما يعطيه غيرها عادة.

{وَابِلٌ} : مطر عظيم القطر.

{فَطَلٌّ} : مطر خفيف، صغير القطر، وهو الرذاذ.

ص: 455

التفسير

265 -

{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْأَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْيُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ

} الآية.

لما نهى الله المؤمنين - في الآية السابقة - عن أن يبطلوا صدقاتهم بالمن بها على من أعطوهم، وزجرهم عن أن يؤذوهم بتعدادها والفخر بها عليهم، وحذرهم من مشابهة المرائين بالنفقاتن فإن الرياء والمن والأذى من صفات الكافرين - أتبع ذلك بيان جزاء الإنفاق في سبيل الله، ومعناه: ومثل إنفاق المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في وجوه البِرِّ، طلبا لمرضاة الله تعالى، وتثبيتًا للبذل من أنفسهم، حتى يصبح الإنفاق في سبيل الله عادة لنفوسهم، وطبيعة فطرية لها، فلا يترددوا في وضع صدقاتهم في مواضعها الجديرة بها كلما دعا داع إلى ذلك - مثل هذا الإنفاق، كمثل بستان بمكان مرتفع من الأرض تجود فيه الأشجار، وتزكو الثمار: أنعم الله عليه بالماء الغزير، فزاد ذلك في خصبه، وضاعف من ثماره، فأعطى أصحابه من الثمار ضعفين، لطيب تربته، وغزارة مائه.

ثم يقول الله تعالى:

{فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}

فرذاذ يكفيها، لتجود بثمرها، فهي - في كلتا الحالتين - مثمرة نافعة.

وهذا مثل ضربه الله - تعالى - للطائعين المنفقين في سبيل الله بحسب نياتهم ونفقاتهم، فكلما حسنت نياتهم، وزاد بذلهم في نفقاتهم في سبيل الله - تضاعف ثوابهم كما يتضاعف ثم البستان المرتفع: الطيب التوبة، الغزير المطر.

وإن حسنت نياتهم وقَلَّ بذلهم وإنفاقهم في سبيل الله وعندهم الكثير، أثيبُوا كذلك على قدر بذلهم ونياتهم، كما يثمر البستان المرتفع الخصب: الذي يصيبه الطل ويسقى نباته المطر القليل.

قال الآلوسي: وخلاصة هذا التشبيه: أن نفقات هؤلاءِ زاكية عند الله، لا تضيع بحال، وإن كانت تتفاوت بحسب تفاوت ما يوازنها من الإخلاص والتعب وحب المال، والإيصال إلى الأحوج التقي وغير ذلك.

ص: 456

ثم ختمت الآية بقوله تعالى:

{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} :

للإيذان بأنه مطلع على أعمالهم، فيعلم قلتها وكثرتها، وإخلاصهم فيها إن أخلصوا، ودرجة هذا الإخلاص، ويعلم رياءَهم فيها إن لم يخلصوا، ودرجة هذا الرياءِ، وأنه يجازي كلًّا على حسب حاله.

ففي هذه الجملة: ترغيب للمنفقين في الإِخلاص، ووعيد للمرائين، وتحذير لهم من عاقبة الرياء.

وفي الحديث القدسي: "أَنا أَغنى الشُّركاء عَنِ الشِّرْك، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشَرِيكَهُ".

{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}

المفردات:

{إِعْصَارٌ} : الإعصار، الريح التي تهب بشدة فتحتاج ما أمامها.

التفسير

266 -

{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ

} الآية.

ص: 457

الاستفهام هنا، للنفي. والمعنى: لا يحب أحد أن يحدث له ما أوردته الآية الكريمة، وهو: أن يكون له بستان فيه نخيل وأعناب - وهما من أنفس أشجار الفواكه المعروفة وأكثرها نفعًا - والأنهار تتخلل هذه الأشجار، ويملك في هذا البستان - إلى جانب النوعين السابقين - جميع أنواع الأشجار المثمرة، ثم يصيبه التلف.؟! على ما سيأتي بيانه في بقية الآية.

{وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} :

أي وتقدمت السن بصاحب هذا البستان، فصار شيخًا كبيرًا، عاجزًا عن الكسب، على حين أن له أولادًا ضعافًا لا يقدرون على الكسب .. وهذه الحديقة هي مصدر أرزاقهم ومعاشهم.

{فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} :

فأصابت الحديقَةَ - بغنة - ريحٌ عاصفة مدمرة: فيها نار شديدة، فاحترقت.

يروي: أن عُمَرَ سأَل عن هذه بعض الصحابة، فقالوا: الله أعلم. فقال عُمَرُ: قولوا: نعلم أو لا نعلم.

فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، يا أميرَ المؤْمنين.

فقال عمرُ: قل يا ابن أخي، ولا تحقر نفسك. فقال ابن عباس: ضُربَتُ مثلا لعمل.

فقال عمرُ: لأَي عمل؟

فقال ابن عباس: لرجل غنيٍّ يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق - أو أحرق - أعماله كلَّها.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} :

أي مثل ذلك البيان الواضح، يوضح الله لكم الآيات، لكي تتفكروا وتعتبروا بما فيها من العظات وتعملوا بموجبها.

ص: 458