الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن والتفسير
القرآن هو المصدر الأول للعقيدة والشريعة الإسلامية، لهذا عني به علماءُ المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الآن تلاوة وتدبرًا، ودراسة من جمع نواحيه:
البلاغية والتشريعية، والاجتماعية والخُلقية والعلمية.
وهو المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودستور العفيدة والشريعة والاخلاق لأُمته.
والقرآن الكريم في أعلى درجات البلاغة، بحيث لا تصل إِلى مثله قدرة البشر؛ ومع هذا فقد كان ميسر اللهم للعرب الذين نزل بلغتهم، وقلما كانوا يحتاجون إلى بيان مَقصد غامض فيه، فإذا جدَّ لهم ذلك سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم ببانه عملا بقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1)
ومن ذلك أنه لما نزل في إباحة الفطر في ليالى رمضان قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (2). سأل عدى بن حاتم رسول الله عن الخيطين، فقال: هما بياض النهار، وسواد الليل.
ولما اتسعت الفتوح الإسلامية، واختلط العرب بالأعاجم، فسدت عروبتهم بما شابها من لغات هؤُلاء الأعاجم، وأُترف المسلمون، فأصابتهم أمراض الترف، من ضعف في التدين، ثم اقتراف للمآثم وإشاعة للبدع. فخاف المصلحون من العلماء الأَعلام على كتاب ربهم أن يفسره من لا يحسن تفسيره، أو من يزيغ به عن معناه لغرض في نفسه، كبدعة يريد ترويجها، فألفوا التفاسير، ووضعوا قيودًا وشروطًا للمفسر، لا يصح تجاوزها، حتى يسلم كتاب الله من التأويلات الفاسدة، الناشئة عن الجهل، أو مرض القلوب.
وأول المبينين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شرح من الآيات ما التبس فهمه على أصحابه، ثم تلاه بعض أصحابه، ثم تدفق الخبر من التابعين ومن يليهم، ممن آتاهم الله بسطة في العلم، ورسوخا في الإيمان.
(1) النحل: 44
(2)
البقرة: 187
ومن أبرز مفسري الصحابة: عبد الله بن عباس، فقد عُرِف- لدقة فهمه، وصدق حسه - بأَنه ترجمان القرآن، وأنه حبر الأُمة.
روى البخاري عن دقة فهمه أَنه قال: "كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر، فكأَن بعضهم وجد فى نفسه، فقال: لِمَ يدخل هذا معنا، وإِن لنا ابناء مثله؟
فقال عمر: إِنه ممن علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخلهم معه، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} ؟ فقال بعضم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجَلُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: إذا جاء نصر الله والفتح، فذلك علامة أجلك، فسبح بحمد، بك واستغفره إنه كان توابًا، فقال عمر:"لا أعلم إلا ما تقول".
وقد كثرت الروايات عنه عناية بآرائه.
وما يروى له من اختلاف في الرأى في المسألة الراحدة أحيانًا، فإن مرجعه إلى اختلاف الروايات قوة وضعفا، أو أنه بدا له فيها من الأدلة ما لم يبد له أولًا، فعدل إلى ما رآه راجحًا، وذلك حق الله على كل مجتهد.
وقد عرف بالتفسير من الصحابة أيضًا: الخلفاءُ الأربعة، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأَبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم. ولم يتوقف أحد في قبول تفسير الصحابة وإنما الأمر في التابعين.
وقد وقع الإجماع على وجوب تفسير القرآن بما صحت روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أما ما روى عن الصحابة في تفسيره، فقد أخذ به الكثيرون: لسلامة عروبتهم ودقة فهمهم، واحتمال سماعهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الأئمة من كان يأخذ في فهم الآية بما رجح عنده من أدلة الرجحان، وإن خالف به فهم الصحابي، ما دام لم ينسبه الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكما اجتهد الصحابة في فهمه، يجتهد غيرهم من أثبات العلماء؛ أهل الاقتدار وسلامة الدين.
ولما جاء عصر التدوين، جمع بعض المفسرين الأقوال المأثورة في التفسير، عن الرسول والصحابة والتابعين، واقتصروا عليها. وجنح آخرون إلى إِضافة ما هداهم الله إلى فهمه في الذكر الحكيم مع المأْثور، ليكون القارىءُ على بينة مما قيل في تفسيره، فيختار ما رجح عنده مما قوى دليله.
ومنهم من كانت عنايته بالأحكام الفقهية أعظم، كالقرطبى، والجصاص.
ومنهم من كانت عنايته بوجوه الإعجاز فيه أبلغ كأبي بكر الباقلاني.
ومنهم من كانت عنايته بالنحو أكثر كأبى حيان. ومنهم من فسره بحسب الآراء الفلسفية أو الطائفية.
ومنهم من فسره وفق النظريات العلمية، وبالغ في ذلك مبالغة كبيرة، مع أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا فسر بما يظهر مع الأيام فساده، كان في ذلك خطورة على عصمته من الباطل، والله تعالى يقول:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (1).
أما تفسيره بالحقائق العلمية الوطيدة، فلا مانع منه إِن كان بغير تكلف، بل بحسن نية. هذا، إلى أن سيلا جارفًا من الأساطير الإسرائيلية، والأقاصيص الخرافية، تطرق إلى بعض كتب التفسير التي ألفها أعلام العلماء، ونقلت عنهم من بعدهم بحسن نية.
وأكبر الظن أن هذه الأساطير والخرافات، سرت إِلى كتب القوم من أعداءٍ الإسلام الذين عجزوا في وقت ازدهاره عن حربه علنًا، فنسخوا كتب أُولئك العلماء ودسوا فيها تلك الأكاذيب، بعد رحيلهم إِلى دار الخلود في غفلة عن عيون الرقباء، لتضعف الثقة بالقرآن وبعقليات المفسرين!
وبذلك يتم لهم ما أَرادوا من حرب الإسلام عن طريق القلم، بدلا من حربه بالسيف.
وهناك من المفسربن، من أوجزوا في التفسير، فبالغوا في الإيجاز حتى قل الانتفاع به. وهناك من أطنبوا فجاوزوا القصد، وضموا إلى تفسيرهم بعض المصطلحات الفنية التى لا يفهمها إلا المتخصصون، فعسرت الاستفادة منه.
(1) فصلت: 42
لهذا كله، كان المثقفون المعاصرون - على اختلاف ثقافاتهم - في أشد الحاجة إلى تفسير وسيط: يخلو من الإسرائيليات والخرافات، ويبتعد عن الخلافات الطائفية، ويتجنب الجدل الفلسفي ما أمكن، ويتضمن الأحكام الفقهية التي يساعد عليها ظاهر النصوص في إيجاز، ويبتعد عن الصطلحات النحوية والبلاغية إلا ما دعت إِليه الضرورة، ولا يذْكُر من الأُمور العلمية والكونية إلا ما ثبت منها قطعًا، وما اتفق مع النص بلا تكلف، ويعرض لربط الآيات والسور بعضها مع بعض، ويبيّن أَسباب النزولِ، كل ذلك في لغة سهلة محببة إلى القارىء: تستدعى المتابعة، وتلتقى مع الرغبة في الاستفادة.
وقد أدرك (مجمع البحوث الاسلامية) حاجة المسلمين في هذا العصر إلى مثل هذا التفسير؛ ليروى ظمأهم من معانى كتاب الله تعالى، فقرر إخراجه استجابة منه لتلك الدواعى الشريفة.
فلذلك عهد إلى ثلاثة من أعضائه، بالإشراف على إخراج هذا التفسير، من حيز التفكير إلى حيز التنجيز. واستعان بمجموعة من العلماء الفضلاء الأثبات، للقيام بهذا التفسير، وانتظم من الجميع مؤْتمر عام تعددت جلساته.
واستقر الرأى- أخيرًا- على النهج الذي ينبغى أن يمضى فيه المشروع، وتكونت لجان فرعية؛ كل لجنة مؤلفة من عالمين يقومان بالتأليف، وخصت كل لجنة بحزبٍ من أحزاب القرآن، فإن فرغت من تفسيره، أخذت سواه. وهكذا.
واقتضت دقة العمل وتوحيد المنهج والأسلوب والروح، تأْليف لجنة لتنسيق ما يؤَلفه السادة الاعضاءُ، مكونة من أعضاء المجمع الثلاثة الذين تقرر إشرافهم على العمل، ومن لفيف من الخبراء الباحثين، حتى يخرج التفسير على نسق واحد محققًا الأمل المنشود.
ولما كانت بعض آى الذكر الحكيم، تشير إلى نوع من الحقائق العلمية في ملكوت السموات والأرض، وعوالم الإنسان والحيوان والنبات، أو تقضى استيفاءَ بعض الأحداث التاريخية، أو الاستيثاق من بعض الآراء التي ينبغى أن تشرح الآيات بها، رأت اللجنة أن تستعين بالخبراء المختصين بتلك الشئون، عملا بقوله تعالى:" .... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(1).
(1) الأنبياء: 7