المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا في سفر ما النبي - التفسير الوسيط - مجمع البحوث - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا في سفر ما النبي

وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا في سفر ما النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَه رجل على راحلته، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان معه فضل ظهر فَلْيَعُدْ به على من لا ظَهْرَ له. ومن كان له فضلٌ من زاد فَلْيَعُدْ به على من لا زاد له".

فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حقَّ لأَحدٍ منا في فضل.

فمما سبق - يعلم أن الصدقة لا تكون إلا بعد كفاية العيال.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

}:

أي مثل هذا البيان الواضح في الخمر والميسر والنفاق: يبين الله لكم آيات الأحكام وغيرها، لكي تتفكروا وتتدبروا في شئون الدنيا والآخرة، فتاخذوا بما هو أصلح لكم. ولعَلَّ هنا، للتعليل.

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} :

‌سبب النزول:

أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنه قال:

لما أنزل الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

} (1) و {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى

} (2) الآية. انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شَرَابِه، فَجَعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله، أو يفسد فيرمي. فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأَنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ

} الآية: فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه" واللفظ لأَبي داود.

(1) الأنعام:153

(2)

النساء:10

ص: 356

والمعنى: ويسألك الناس عن أمر اليتامي، قل إصلاح لهم خير من تركهم أو ظلمهم. والإصلاح يتناول كل نفع يعود عليهم من: تنمية أموالهم، وحسن تربيتهم، وتوليتهم بعض أُمورهم المالية، ليديروها تحت رقابة أَوصيائهم، ونحو ذلك.

ولذا نَكَّر {إِصْلَاحٌ} ليتناول كل فروعه. ونَكَّرَ {خَيْرٌ} ولم يقيد بقيد، ليفهم منه أنه "خير" مطلق: يعم الأَوصياءَ والأيتام. فالخير للأَوصياءِ: جزيل الثواب وحسن الذكر. والخير للأيتام: يسارهم وطيب نشأَتهم، ليكونوا نافعين لأنفسهم وأُمتهم.

{وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} :

أي: إن تخالطوهم - في الطعام والشراب والمسكن - تؤدوا اللائق بكم، فإنهم إخوانكم في الدين.

والمقصود: الحث على المخالطة، بشرط الإصلاح.

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} :

وقد حذر الله المخالطين من الإفساد عند المخالطة لها فيجازي كلا منهما بما يستحقه، فإن الله لا تخفى عليه خافية:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1).

فالمؤْمن ينبغي أن يراعي هذا، فيرغب في إصلاح أحوال اليتيم: طلبًا لثواب الله، ويرغب عن الإفساد، خشية عقاب الله:

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} :

أي: ولو شاء الله لضيق عليكم، بأَن لم يُجَوِّزْ لكم مخالطتهم، لترعوا مصالحهم دون مخالطة. ولكنه - سبحانه - رحيم بعباده، رءوف بهم، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} (2).

{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} :

أي إن الله غالب على كل شيءٍ: لا يعجزه أمر أراده، وفي جملته إعانتكم {حَكِيمٌ} فيما يشرعه من أحكام. ومن جملة ذلك: أنه شرع لكم ما تقتضيه الحكمة، وتتسع له الطاقة البشرية: التي هي أساس التكليف.

(1) غافر: 19

(2)

الحج: 78

ص: 357

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}

المفردات:

{تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} : تتزوجوهنّ.

{تُنكِحُوا الْمُشْرِكينَ} : تُزَوِّجوهم.

{الْمُشْرِكِينَ} : المراد بهم هنا، الكافرون مطلقًا.

{الْمُشْرِكَاتِ} : المراد بهن، الوثنيات، ومن لا دين لهن.

{وَلَأَمةٌ} : الأَمة، المرأة المملوكة.

التفسير

221 -

{وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ

} الآية.

الربط:

تناولت الآية السابقة، توصية الأولياء والأوصياء بالإصلاح المطلق لشئون اليتامى. وأَعقبتها هذه الآية متضمنة أساس صلاح الأُسرة، وهو الاشتراك في الدين بين الزوجين، وبذلك اشتركت الآيتان في أَن كلتيهما: تتناول لونًا من أَلوان الإصلاح في البيئة الإسلامية.

ص: 358