الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسلمهم وكافرهم) إلا أبا لهب (عم النبي صلى الله عليه وسلم) فإنه صارحهم العداوة ورفض الانضمام إليهم وانضم إلى خصومهم.
وبهذا التصريح الذي أدلى به أبو طالب وأَبلغه زعماءَ مكة رسميًا، دخل النزاع بين الوثانية والإسلام في طور جديد، وازدادات مخاوف قريش أَكثر من ذي قبل، لا سيما بعد موقف التحدي الذي وقفته لهما وزنهما الكبير بين القبائل المكية، سواءٌ كان ذلك في ميدان الحرب أو السياسة.
ولا شكَّ أن قريشًا قد فكرت في شن حرب دموية على قبيلتي بني الإسلام، ولكن عقلاءَ قريش خافوا مغبة هذه الحرب الأَهلية التي خوفهم منها دائمًا هو الذي كان يحول بينهم وبين الإقدام على قتل النبي الأَعظم.
ولذلك عدلوا هذه المرة (أيضًا) عن اتباع خطة الحرب الدموية لمقاومة دعوة الإسلام (ولو مؤقتًا) ولجأُوا (بدلا عنها) إلى حرب المقاطعة، وهي لا شك حرب قاسية لا تقل ضررًا عن الحرب الدامية، ففرضوا الحصار الاقتصادي على قبيلتي بني هاشم وبني المطلب، كما اتبعوا خطة عزل هاتين القبيلتين عن المجتمع القرشي عزلا تامًّا.
قريش تساوم الرسول شخصيًا
غير أن قريشًا قبل أن تقدم على تنفيذ مخطط الحصار الاقتصادى والعزل الاجتماعى، لجأَت إلى مساومة النبي صلى الله عليه وسلم شخصيًا، لعله يقبل المساومة فتنتهى الخصومة.
فقد تحدث مرة عتبة بن ربيعة في برلمان مكة واستعرض تزايد خطر الدعوة المحمدية بشدة إقبال الناس عليها وخاصة الشباب القرشي، وكان عتبة هذا من سادات بني عبد مناف وذوي الحلم والرأى فيهم وبعد مناقشات ومداولات وافق برلمان مكة (دار الندوة) على انتداب عتبة هذا شخصيًا، ليتصل بمحمد شخصيًا أيضًا فيساومه ويعرض عليه كل ما يمكن أن يرضيه من منصب أو جاه أو مال لقاءَ سكوته عن دعوته.
وفعلا تم الاجتماع الشخصي بين الزعيم القرشي (عتبة) والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الاجتماع (الذي كاد يكون سريًا) قال عتبة لمحمد صلى الله عليه وسلم:
يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأَمر عظيم فرَّقت به جماعتهم، وسفهت أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفَّرت به من مضي من آبائهم، فاسمع مني أَعرض عليك أُمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
قل يا أبا الوليد أسمع.
قال: يا ابن أَخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أَموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدناك علينا حتى لانقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأْتيك رئيًا (1) تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا لك فيه أَموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع (2) على الرجل حتى يداوي منه.
(1) الرئي (بفتح الراء وكسرها) ما يتراءي للإنسان من الجن.
(2)
التابع من يتبع الناس من الجن.