الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عودة السفير إلى مكة
وبعد أَن اطمأَن سفير الإِسلام الأَول (مصعب) إِلى نجاح الدعوة وشاهد مغتبطًا، سرعة انتشار دين الله بين تلك القبائل القحطانية العظيمة التي صارت فيما بعد أَعظم قوة حربية اعتمد عليها الإِسلام في عهده الأَول، وبعد أَن قضى هذا السفير النبوى بين أَهل يثرب تسعة أَشهر، عاد إِلى مكة يحمل إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشائر الفوز، وقدم له تقريرًا ضافيًا عن النجاح الباهر المطَّرد الذي تلاقيه دعوة الإِسلام بين قبائل الأَوس والخزرج، وقص على النبي صلى الله عليه وسلم خبر هذه القبائل، وما هي عليه من منعة وقوة .. فسر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا النصر العظيم الذي سجلته دعوة الإِسلام في يثرب على يد ذلك السفير الشاب التقى الصالح مصعب بن عمير.
معاهدة العقبة الثانية
وفي العام التالي للبيعة الأُولى (أَى سنة اثنين قبل الهجرة النبوية) حضر لأَداء مناسك الحج من أَهل يثرب ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأَتان ممن أسلموا. وقد جاءُوا ضمن حجاج قومهم من أهل الشرك.
وبمجرد وصولهم إِلى مكة، جرت الاتصالات (سرًّا) بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وانتهت هذه الاتصالات بالاتفاق على أَن يجتمع الفريقان في اليوم الثاني من أَيام التشريق، على أَن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة وفي ظلام الليل، وقد حددوا مكانًا لهذا الاجتماع .. الشِّعب من منى عند العقبة حيث الجمرة الأُولى، أَو الشيطان الكبير (كما يسميه العامة اليوم).
وفي الميعاد المحدد من تلك الليلة، حضر النبي صلى الله عليه وسلم إِلى الشعب عند العقبة وأَخذ الأَنصار يتوافدون على النبي، واحدًا بعد واحد (في
ظلام الليل) خوفًا من أَن ينكشف أَمرهم لكفار مكة والمشركين من قومهم أهل يثرب.
ولنترك أَحد قادة الأَنصار يصف لنا كيف تم ذلك الاجتماع التاريخي الذي كان بداية التحول الخطير في تاريخ الصراع بين الإِسلام والوثنية .. وهو كعب بن مالك (1) رضي الله عنه:
قال كعب .. ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أَوسط أَيام التشريق، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام (2)، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له .. يا أَبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أَشرافنا، وإنا نرغب بك عما أَنت فيه أَن تكون حطبًا للنار غدًا، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأَخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال .. فأَسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبًا.
قال كعب، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحلنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأَتان من نسائنا .. نسيبة بنت كعب، أُم عمارة، إحدى نساء بني مازن بن النجار، وأَسماء بنت عمرو، وهي أُم منيع ..
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب - وهو يومئذ على دين قومه -. إلا أنه أحب أَن يحضر أَمر أن يحضر أمر ابن أخيه ويوثق له، وكان أَول متكلم
(1) انظر ترجمته في كتابنا (غزوة أحد).
(2)
سيرة ابن هشام ج 1 ص 441.