الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرد المنافقين من المسجد النبوي
غير أن هدم النبي صلى الله عليه وسلم لوكر تآمر المنافقين (مسجد الضرار) لم يحل بين هؤلاء المنافقين وبين مواصلة نشاطهم للتشويش علي المسلمين والسخرية منهم وإيصال الضرر إلى دعوة الإسلام.
فقد ظلوا على تكتلهم وتحزبهم للعمل ضد العهد الجديد، وحتى في المسجد النبوي وقت اجتماعهم للصلاة مع المسلمين كانوا يتكتلون ويجلس بعضهم إلى بعض، ويباشرون نشاطهم التخريبي ضد عقيدة الإسلام، محاولين التفريق بين المسلمين. ولما تزايد شرهم ووصل نشاطهم المعادي للنبي ودعوته إلى المسجد النبوي في أوقات العبادة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطردهم من المسجد علنًا تأديبًا لهم وتجنبًا لشر دسائسهم، لأن المسجد كان مجمع الأمة كلها في أوقات الصلاة، وهذا مما ييسر لهؤلاء المنافقين بث سمومهم بين البسطاء.
قال ابن إسحاق: وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع يومًا في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم، خافضى أصواتهم
(1) التوبة 107.
قد لصق بعضهم ببعض. فأمر بهم فأُخرجوا من المسجد إخراجًا عنيفًا.
وهكذا صار اليهود والمنافقون يسببون المتاعب ويخلقون المشاكل للنبي صلى الله عليه وسلم ويحاولون تهديم المجتمع الإسلامي الجديد وهو لم يزل وليدًا.
ولكن الله (دائمًا) يكبتهم ويجعل محاولاتهم كلها تنتهي بالفشل، وبالرغم من أن مشاغبات اليهود والمنافقون قد جلبت متاعب على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن أعمالهم الخبيثة قد كشفتهم للمسلمين وجعلتهم (منذ بداية عهدهم الجديد) يراقبونهم ولا يركنون إليهم في شأن من شؤونهم، وخاصة الحربية والسياسية باعتبارهم طابورًا خامسًا يعمل بين المسلمين ضدهم.
ولما كانت الظروف بالنسبة للعهد الإسلامي الجديد. ظروفًا خطيرة، أحاطت فيها الأخطار بالمسلمين من كل جانب. إذ هم في بداية عهد جديد، لا يزال أكثر سكان الجزيرة العربية يقفون منه موقف العداء والخصومة، لا سيما قريش، التي تشعر عن تجربة (أكثر من غيرها) بخطورة الدين الجديد الذي لا يعني انتصاره شيئًا أكثر مما يعني نسف كيانها الوثني.
ولما كانت الظروف هكذا وعلى ذلك الجانب من الخطورة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذ أي إجراء تأديبي ضد اليهود والمنافقين بالرغم من تأكده أنهم يمثلون داخل جسم المجتمع الجديد غدة مرض ستظل تسبب الآلام لهذا الجسم إذا لم تستأصل منه، فتركهم وشأنهم حتى جاء دور التصفية النهائية، وخاصة بالنسبة لليهود الذين بلغ بهم الغدر إلى درجة إشهار
السلاح في وجه المسلمين، ونقض المعاهدات والانضمام إلى أعداء المسلمين المحاربين في أحلك الظروف وأدق ساعات الحرج، كما فعل بنو قريظة في غزوة الأحزاب، حينما نقضوا العهد الذي بينهم وبين المسلمين المحاصرين في المدينة، فكان جزاءُ غدرهم في تلك الظروف الحرجة أن نفذ النبي صلى الله عليه وسلم حكم الإعدام في جميع رجالهم وصادر أموالهم وسبى نسائهم وذراريهم -كما سنفصل ذلك في غزوة الأحزاب إن شاء الله.
[خريطة]