الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأَولى
اللهم صل على محمد سيد المكافحين وإمام المجاهدين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأَصحابه الأوفياء الصامدين.
اللهم نستمد منك العون والتوفيق.
وبعد، لقد عزمنا (بعون الله تعالى) على وضع سلسلة تاريخية مفصلة عن معارك الإسلام الفاصلة، التي قلبہت موازين القوى وغيرت ارتكزت عليها وحملت لواءَها في العالمين.
إن هذه السلسلة لن تقتصر على المعارك الكبرى التي تم الفوز فيها للإسلام فقط، كمعركة بدر الكبرى.
بل سنتناول كبريات المعارك الهائلة الشهيرة الأَخرى التي خاضها المسلمون وتمت الغلبة فيها لأعدائهم كمعركة أُحد في يثرب، ومعركة بلاط الشهداء في فرنسا.
والهدف الأَول من وضع هذه السلسلة هو إزاحة الستار (وخاصة أَمام الشباب المثقف ثقافة عصرية) عن جزء ثمين من كنوز تاريخنا الإسلامي الزاخر بالبطولات والتضحيات، والذي تآمر عليه العدو من الخارج بالاتفاق مع فئات آثمة في الداخل.
فئات اصطنعها العدو الخارجي (أَيام حكمه) وأَجلسها أَمام قيادات التربية والتعليم، وجعل لها الهيمنة على مركز الصحافة وقيادة الإذاعة والنشر.
فأَجرمت في حق تاريخنا الإسلامي إجرامًا كبيرًا، إذ طمست (في فصل المدرسة ومدرج الكلية)، عن عمد وإصرار، كل جانب مشرق من جوانب هذا التاريخ العظيم، وخاصة جانب البطولة والفداء والنجدة الذي يتمثل في المعارك الفاصلة إلى خاضها الإيمان ضد الكفر، وقادها العدل ضد الطغيان، والتي تجلى فيها زخم العقيدة وشرف المبدأَ.
فقد رأَينا ولا نزال نرى حتى هذا اليوم، هذه الفئات التي شاء لها الأَجنبي أَن تضع (حسب وحيه ورغبته) برامج التعليم ومقررات التدريس للنشء الإسلامي في كثير من أَقطارنا الإسلامية.
نعم رأَينا ولا نزال نرى هذه الفئات الآثمة، تجعل هذا الجيل الناشئ يتلهى (في مراحل دراسته التاريخية)، بالنظر في وقائع تاريخ مبتوت الصلة كليًّا بتاريخنا الإسلامي.
وإذا ما تعرضت هذه الفئات الخطيرة للتاريخ الإسلامي، (سواء تدريسًا أَو محاضرة أَو إذاعة) لا تتعرض (في الغالب) إلا لما كان نزاعًا واختلافًا بين المسلمين.
كالحوادث المؤسفة التي حدثت أَيام عمان وبعد موته، بين علي ومعاوية (1)
(1) هو معاوية بن أَبي سفيان، صخر بن حرب الأَموى القرشي، أَول من وضع أَسس الدولة الأَموية العظيمة في الشام، ولد بمكة وأَسلم يوم فتحها، وكان أحد كتاب الوحي، تولى قيادة إحدى الكتائب تحت قيادة أَخيه يزيد في حرب الروم في الشام، بأَمر من الخليفة أَبي بكر، كان على رأَس الجيوش التي فتحت بيروت وصيداء وعرفة وجبيل، قاد الجناح الأَكبر من المعارضة المسلحة لخلافة علي، بعد أَن اتهمه بدم عثمان، بايعه المسلمون بالخلافة العامة سنة إحدى وأَربعين من الهجرة، وذلك بعد وفاة أَمير المؤمنين علي، فقد تنازل له الحسن بن علي وبايعه بالخلافة إطفاء للفتنة وحقنا لدماء المسلمين، كان معاوية أَحد عظماء الفاتحين في الإسلام، فقد وصلت طلائع جيوشه إلى شواطئ المحيط الأَطلسي في الشمال الإفريقي، وفي أَيامه ثم فتح السودان، وكان أَول من حاصر القسطنطينية (أَسطنبول) برًا وبحرًا، ومعاوية هو الذي قام بإنشاء أَول أَسطول بحري =
وعائشة (1) وطلحة والزبير رضي الله عنهم أَجمعين.
فتطنب هذه الفئات في ذكر تلك الحوادث وتتفلسف في أَسبابها ومسبباتها، وتنشرها بين الطلبة تدريسًا ومطالعة ومحاضرة، وكأَنها وحدها هي التاريخ الإسلامي.
بينما تهمل إهمالًا كاملًا. باقي الجوانب الوضاءَة المشرقة التي يمكن أن تكون حافزًا للشباب المسلم على السير في طريق الرجولة والتضحية والاستقامة تحت لواء القرآن.
ولا شك أَن هذا عمل تخريبي مقصود، سارت عليه هذه الفئات الآثمة في المدرسة والجامعة، منذ عشرات السنين، لتثبيت دعائم الاستعمار الثقافي والفكري -الذي هو الاستعمار الأَكبر- والذي قرر الأَعداء أَن يكون خليفة الاستعمار السياسي - الذي هو الاستعمار الأَصغر وهذا ما حدث فعلًا، عندما رحل الأَجنبي بجلدته عن أَكثر الأَوطان الإسلامية.
إن القصد من إهمال التاريخ الإسلامي - إلا ما كان نادرًا، أَو خلافًا بين المسلمين أَو مجونًا ولهوًا من بعض حكامهم -هو قطع الصلة
= للإسلام، وهو أَول حاكم مسلم قام بأَول حملة بحرية ضد الرومان في البحر الأَبيض المتوسط، وقام أسطوله باحتلال جزائر كريت ورودس وقبرص، وجزر الدردنيل، ويقدر بعض المؤرخين أَسطول الإسلام الذي أَنشأَه معاوية بأَلف وسبعمائة سفينة يعيب عليه الكثير أَخذه البيعة لابنه يزيد الذي لم يكن أَهلا لها، ومطاعن الشيعة فيه أَكثر من أَن تحصى وغلاتهم يعتبرونه كافرًا، مات معاوية بدمشق سنة ستين من الهجرة.
(1)
هي أَم المؤمنين، عائشة بنت أَبي بكر الصديق غنية عن التعريف، أَفقه نساء المسلمين وأَكثرهن علمًا بالدين والأَدب، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، كانت أَكثر النساء حديثًا عن رسول الله. روى المحدثون عنها 2210 حديثًا. كانت أَحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، شهدت معركة الحمل، وكانت من الناقمين على قتلة عثمان توفيت رضي الله عنها سنة ثمان وخمسين من الهجرة =
بين الشباب المسلم وبين الاطلاع على الصفحات الناصعة المشرقة، من تاريخ أَسلافهم المجيد، الذي يخشى الأَجنبي الحاقد على الإسلام، أَن يحملهم النظر في هذا التاريخ على التأَسي بأَولئك الأَبطال الميامين الذين اجتذبهم الإِسلام من الكهوف وأَغوار الوديان، حفاة أَشباه عراة، ثم أَقعدهم (بعد أَن صهرهم في بوتقة الإيمان) أَمام دفة قيادة الدنيا، فصنعوا بالإِسلام، وصنع الإسلام بهم تاريخًا، لم تشهد الدنيا مثله في البناءِ والعظمة والنزاهة والإشراق، من لدن آدم حتى يومنا هذا.
تاريخًا لو اعتنى به الأَستاذ في مدرسته والعميد في جامعته؛ لصنعت لنا هذه المدارس والجامعات، شبابًا قويًّا في عقيدته، متينًا في خلقه، عظيمًا في بطولته، فذًا في استقامته، مفلح في قيادته.
شبابًا بإمكانه أَن يجمع بين صدق أَبي بكر، وعدل عمر، ونبل عثمان، وبسالة عليّ، وفروسية خالد، وحنكة عمرو، وحلم معاوية، وإقدام ابن الزبير.
ولما خلقت لنا هذه المشكلة الخطيرة التي نواجهها في كل قطر إسلامي .. مشكلة هذا القطيع الهائج، ممن يسمون أَنفسهم التقدميين، المتحررين، الذين أَصبحوا، أَشد ضررًا على الإسلام، وأَعظم تجريحًا لتاريخه من أَعدائه الأَصليين الذين قاموا بتفريخهم في معامل استعمارهم الثقافي ، أَيام سيطرتهم وحكمهم.
ولكنه الاستعمار الحقود، وسماسرته من المحسوبين علينا، دبروا (في غفلة منا طويلة) خطة اغتيال هذا التاريخ، ونجحوا في إهالة التراب عليه، بأَيدي رجال ينتسبون إلينا، فلم يبقوا منه في مقررات التدريس، إلا مقاطع لا تصلح لشيء، إلا للنيل من ماضي الإسلام والطعن على بناة دولته، والتشهير بمن قادوا معارك الإسلام والحط من
مكانتهم (1) كتطاولهم على عثمان وابن الزبير (2) ومعاوية وعمرو بن العاص (3) وتوسعهم في نشر ما يظنه خصومهم طعنًا في دينهم وأَمانتهم، وكتعمدهم الإسهاب في نظرية أَبي ذر الغفاري رضي الله عنه
(1) قرأت مرة قصة فِلم في مجلة المصور، عن خالد بن الوليد وإذا أبرز ما في الفلم قصة قتل مالك بن نويرة وغرام خالد بزوجة القتيل نوار التي يقول بعض المؤرخين إن خالدًا تزوجها بعد قتله ابن نويرة (كمرتد) في حروب الردة، وأوجع منظر رأيته أن ممثل البطل في الفلم، قد ظهر ملتصقًا (في حالة مزرية) بممثلة أخرى، على اعتبار أن هذا الممثل هو خالد بن الوليد، والممثلة نوار، زوجة القتيل مالك بن نويرة، وهكذا يشن فروخ الاستعمار حربًا واسعة على قادة الإسلام وأبطاله حتى في الأفلام السينمائية.
فقد عز علي هؤلاء العملاء أن يمر هذا الفلم في جميع أدواره مرور البطولة الكاملة المنزهة عن نزوات الجنس، فأفسدوه بذلك المنظر الذي كان من أسباب كساده.
(2)
هو عبد الله بن الزبير بن العوام أشهر من نار علي علم، كأن فارس قريش في زمنه، كان أحد القادة الذين اشتركوا في فتح تونس، وهو الذي قتل جرجس ملك الرومان هناك، نازع بني أمية الخلافة، أعلن نفسه خليفة عقيب موت يزيد بن معاوية فتمت له السيطرة على الحجاز ومصر والعراق واليمن وخراسان وأكثر الشام، كانت له مع الأمويين وقائع رهيبة، تغلب عليه عبد الملك بن مروان في آخر الأمر، حاصرته جيوش الشام في الحرم بقيادة الحجاج، فقاتل قتال الأبطال حتى قتل وهو في الثمانين وذلك سنة ثلاث وسبعين: كان أول مولود في المدينة بعد الهجرة استمرت خلافته تسع سنين:
(3)
هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، قال صاحب كتاب (الأعلام) كان أحد عظماء العرب ودهاتها وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم، كان عمرو من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، سافر إلى الحبشة للإيقاع بالمسلمين فيها عند النجاشي فلم يفلح، أسلم في هدنة الحديبية وكان إسلامه وخالد بن الوليد في آن واحد، ولاه الرسول قيادة جيش (ذات السلاسل) وأمده بأبي بكر وعمر، ثم جعله عاملا علي منطقة عمان، كان أحد القادة الأربعة الكبار الذين تولوا فتح الشام، إليه يعود الفضل في فتح فلسطين ومصر، ولاه ابن الخطاب إمارة فلسطين ثم مصر، عزله عثمان عن الإمارة، كان في جانب معاوية أيام الفتنة، وتولي مصر بعد أن تم الأمر لمعاوية ومات وهو أمير عليها، كان ابن الخطاب من المعجبين برجاحة عقله ودهائه، كان يقول إذا رأى رجلا يتلجلج كلامه: .. إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد، توفي رضي الله عنه في مصر سنة ثلاث وأربعين من الهجرة.
التي خالف بها جميع الصحابة ونفاه الخليفة الثالث من أَجل التمسك بها .. إلى الربذة.
وكتوسعهم في تدريس القصص والتمثيليات (المفتعل أَكثرها) التي تصور بذخ ومجون بعض الخلفاء من بني أُمية وقادتهم الذين لم يكره الصليبيون والوثنيون والمجوس، محاربين إسلاميين أَعظم منهم. لأَن زحف الإِسلام وقوته العسكرية وهيبته السياسية وصلت (أَيام هؤلاء الخلفاءِ والقادة) إِلى درجة لم يصل إليها أَحد قبلهم ولا بعدهم.
فبينما كانت جيوشهم تتوغل في أَحشاءِ أوروبا الغربية، ويقف منها (أَيام بني أُمية) خمسمائة أَلف مقاتل علي بعد ثلاثمائة كيلو مترًا من باريس، كانت مئات الآلاف من جنود دمشق الأُموية .. وقادتها تندفع كالطوفان نحو الشرق جارفة أَمامها معالم الوثنية وآثار المجوسية.
وهذا هو السبب في الحقد المشبوب من هذا الثالوث المعادي علي هؤلاءِ القادة والخلفاءِ، هذا الحقد الذي نراه متمثلًا فيما يدرسه وينشره ويذيعه فروخ الصليبيين من أَدعياءِ الإِسلام، من طعن في خلفاءِ الإِسلام وكبار قادته ممن خاض الإِسلام بقيادتهم أعنف المعارك ضد الصليبيين في الغرب والوثنيين والمجوس في الشرق.
إن إِهمال التاريخ الإِسلامي في فصل المدرسة ومدرج الكلية أَو الاقتصار على مقاطع مشوهة مما نسب إليه، إنما يخدم الأَعداءَ ويزهد الشباب المسلم، بل ويكرهه في تاريخ الإِسلام.
وهذا أَقصي ما يهدف إليه أَعداءُ الإِسلام الذين نجحوا (بواسطة المخربين من أَبنائه) في أَن ينحرفوا بالشباب المسلم (إلا من عصم الله، وقليل ما هم) عن الاتجاه الإِسلامي الصحيح، واتجهوا به نحو أَوروبا
وحضارة وعظمة رجالها، حتى أَصبحوا لا يرون شيئًا جديرًا بالدرس وأَولى بالإِعجاب والتقدير إلا ما كان آتيًا عن أَوروبا، وأَوروبا وحدها.
والسبب في ذلك أَنهم (منذ تفتح أَعين عقولهم)، وطيلة مراحل التدريس لم يسمعوا ولم يقرأُوا في معرض تاريخ البطولات والمعارك والحضارات والتضحية والعلوم إلا عن معارك الطرف الأغر، ووقائع (واترلو) وبطولات انطونيو، وغرام كليوبترا، وشجاعة نابليون وثبات ولنجتون، وبسالة نلسون، ومغامرات كرستوف كولمبس، وحضارات الفراعنة، ومدنيات روما، وفلسفات اليونان، وصلاح سانت ماريا، وعفة جان دارك، وغير ذلك مما لا يجعلون معه أَي مكان في ذهن الطالب المسلم لما يجب أَن يعرفه عن تاريخ دينه، وأَخبار بطولات رجالاته، وشجاعة قادته، ونزاهة حكامه، وعدل خلفائه وإِشراق حضاراته وعظمة مدنياته ونباهة علمائه، وذكاءِ فلاسفته.
والأَغرب من هذا أَن هؤلاء الآثمين في حق التاريخ الإِسلامي، عندما يضطرون إِلى التحدث عن تاريخ الإسلام، يتجنبون ذكر الإِسلام كليًا، ويتحدثون عنه كتاريخ قومي مجرد وكأَنه قد بنته سواعد لا علاقة لها بهذا الدين البتة.
سأَلت (مرة) أحد هؤلاءِ الحائزين علي الشهادات العالية من تلك الجامعات، سأَلته عن معركة الصواري، فاستغرب هذا الاسم، وقال ضاحكًا، إنه لم يسمع بمعركة تحمل هذا الاسم الغريب.
بينما هذه المعركة تعد من أَهم المعارك البحرية الفاصلة في تاريخ حروب الإِسلام والإِمبراطورية الرومانية، فقد هزم الأسطول الإِسلامي الأُسطول الروماني في هذه المعركة شر هزيمة لم تقم بعدها للرومان
قائمة وذلك في عصر الخليفة عثمان بن عمان وبقيادة الأَمير عبد الله بن سعد بن أَبي سرح بالقرب من المياه التونسية.
ولكني عندما سأَلت هذا الجامعي المثقف (الذي يجهل معركة الصواري) عندما سأَلته عن معركة الطرف الأَغر (1) أَخذ يشرح لي تفاصيل هذه المعركة وكأَنه أَحد الذين شهدوها، فقد اندفع يتحدث عن بسالة نلسون وثباته وكيف جرح وهو على ظهر سفينة القيادة يدير دفة العركة، وكيف انهزم الأُسطول الفرنسي بعد أَن خسر ثماني عشرة سفينة وكيف أَسر الإِنكليز قائد الأُسطول الفرنسي.
وما هذا الجهل بالتاريخ الإِسلامي والإِلمام بالتاريخ الأَجنبي إلا حصيلة التثقيف الحديث الذي أَخذه شبابنا المسلم حسب المخطط التعليمي الذي وضعه أَعداءُ الإِسلام منذ عشرات السنين.
نسأَل الله تعالى بأَسمائه الحسني وصفاته المثلي أَن يثبتنا علي ديننا ويأْخذ بأَيدينا للسير علي الصراط السوي إنه على كل شي قدير.
محمد أحمد باشميل
مكة المكرمة
…
رمضان المبارك 1382 هـ - 1963 م
(1) معركة بحرية شهيرة دارت بين الأسطول الفرنسي والبريطاني بالقرب من الشواطئ الأسبانية في عهد نابليون بونابرت عام 1805 م.