المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل ونذكر لك هنا طرفاً من معتقد عباد القبور والصالحين، وحقيقة - منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

[عبد اللطيف آل الشيخ]

الفصل: ‌ ‌فصل ونذكر لك هنا طرفاً من معتقد عباد القبور والصالحين، وحقيقة

‌فصل

ونذكر لك هنا طرفاً من معتقد عباد القبور والصالحين، وحقيقة ما هم عليه من الدين، ليعلم الواقف عليه أي الفريقين أحق بالأمن، إن كان الواقف ممن اختصه الله بالفضل والمن، ولئلا يلتبس الأمر بتسميتهم لكفرهم ومحالهم تشفعاً وتوسلاً واستظهاراً، مع ما في التسمية من الهلاك المتناهي عند من عقل الحقائق.

من ذلك محبتهم مع الله محبة تأله وخضوع ورجاء، ودعاؤهم مع الله في المهمات والملمات والحوادث التي لا يكشفها ولا يجيب الدعاء فيها إلا فاطر الأرض والسموات والعكوف حول أجداثهم، وتقبيل أعتابهم، والتمسح بآثارهم، طلباً للغوث، واستجابة للدعوات وإظهاراً للفاقة، وإبداء للفقر والضراعة، واستنزالا للغوث والأمطار، وطلباً للسلامة من شدائد البر والبحار، وسؤالهم تزويجهم الأرامل والأيامى، واللطف بالضعفاء واليتامى، والاعتماد عليهم في المطالب العالية، وتأهليهم لمغفرة الذنوب والنجاة من الهاوية، وإعطاء تلك المراتب السامية. وجماهيرهم لما ألفت ذلك طباعهم وفسدت به فطرهم، وعز عنهم امتناعهم، لا يكاد يخطر ببال أحدهم ما يخطر ببال آحاد المسلمين، من قصد الله تعالى والإنابة إليه، بل ليس لذلك عندهم إلا الولي الفلاني ومشهد الشيخ فلان. حتى جعلوا الذهاب إلى المشاهد عوضاً عن الخروج للاستسقاء والإنابة إلى الله في كشف الشدائد والبلوى. كل هذا رأيناه وسمعناه عنهم، وقد حدّث الشيخ مصطفة البولاقي أن بعض رؤساء

ص: 50

الجامع الأزهر عادة لما اشتكى عينيه، وقال له: هلا ذهبت إلى مولد الشيخ أحمد البدوي فقد حكي أن إنساناً شكا إليه هاب بصره، فسمع قائلاً يقول من الضريح: أعطوه عين كذا وكذا.

فانظر إلى ما خطر ببال هذا المتكلم من تعظيم الميت وتأهيله لتلك المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله القاهر الغالب. وقصد الوساطة هنا على ما فيها ما أظنها تخطر بباله أصلاً. فهل سمعت عن جاهلية العرب مثل هذه الغرائب التي ينتهي عندها العجب؟ والكلام مع ذكي القلب يقظ الذهن قوي الهمة العارف بالحقائق، وأما ميت القلب بليد الذهن وضيع النفس جامد القريحة ومن لا تفارق همته التشبث بأذيال التقليد، والتعلق على ما يحكى عن فلان وفلان من معتقد أهل المقابر والتنديد، فذاك فاسد الفطرة معتل المزاج، وخطابه محض عناء ولجاج.

ومما بلغنا عن بعض علماء زبيد: أن رجلين قصدا الطائف، فقال أحدهما لصاحبه ـ والمسئول ممن يترشح للعلم ـ: أهل الطائف لا يعرفون الله إنما يعرفون ابن عباس، فأجابه: بأن معرفتهم لابن عباس كافية، لأنه يعرف الله!.

فأيّ ملّة ـ صان الله ملّة الإسلام ـ لا تمانع هذه الكفريات ولا تدافعها؟.

وذكر الزبيدي أيضاً أن رجلا كان بمكة عند بعض المشاهد، فقال لمن عنده: أريد الذهاب إلى الطواف، فقال بعض غلاتهم: مقامك هنا أكرم.

ومن وقف على كتاب مناقب الأربعة المعبودين بمصر، وهم: البدوي، والرفاعي، والدسوقي، ورابعهم فيما أظن أبو العلا ـ فقد وقف على ساحل كفرهم، وعرف صفة إفكهم.

وبلغنا عن بعض الثقات أن جماعة من المدعين للعلم بزبيد كانوا

ص: 51

يقرؤون صحيح البخاري، فإذا فرغوا منه ـ إما أحياناً أو مطلقاً ـ ذهبوا إلى قبر البحيرة أو غيره، فوقفوا عاكفين ما شاء الله، وعليهم من السكينة والوقار وضروب الخضوع لنازل الحفرة. قال من نقله: فالله أعلم، أهو شيء وجدوه في صحيح البخاري أو غيره، أو ما هو؟.

ورأيت في حاشية الشيخ إبراهيم الباجوريّ على السنوسية نقلاً عن الدردير فيما أظن عن الشعراني: أن الله وكل بقبر كل ولي ملكاً يقضي حاجته من سأل ذلك الولي.

فقف هنا وانظر ما آل إليه شركهم وإفكهم (1)، فأين هذا من قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الآية [البقرة:186] ، وقوله:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف: من الآية55]، وقوله:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7ـ8]، وقوله تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: من الآية62]، وقوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية [غافر:60] وأيّ حجّة في هذا الذي قال الشعرانيّ لو كانوا يعلمون؟ ولكن القوم أصابهم داء الأمم قبلهم. فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلو الشياطين.

ومن هذا الجنس: ما ذكره الشعراني في ترجمة الملقب بشمس الدين الحنفي أنه قال في مرض موته: من كانت له حاجة فليأت قبري ويطلب مني أن أقضيها له، فإنما بيني وبينه ذراع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل. انتهى.

وقد اجتمع جماعة من الموحدين من أهل الإسلام في بيت رجل من أهل مصر وبقربه رجل يدّعي العلم، فأرسل إليه صاحب البيت، فسأله بمسمع من الحاضرين فقال له: كم يتصرف في الكون؟ فقال: يا سيدي، سبعة، قال: من هم؟ قال: فلان وفلان وعدّ أربعة من المعبودين بمصر، فقال

(1) بل زاد كفر الشعراني عن هذا، فقد زعم في كتاب العهود المحمدية: أنه إبريق شيخه الخواص كان يقضي الحاجات، ويجيب الدعاء.

ص: 52

صاحب الدار لمن بحضرته من الموحدين: إنما بعثت لهذا الرجل وسألته لأعرفكم قدر ما أنتم فيه من نعمة الإسلام. أو كلاماً نحو هذا.

وباب تصرف المشايخ والأولياء قد اتسع حتى سلكه جمهور من يدعي الإسلام من أهل البسيطة. وخرقه قد هلك في بحاره أكثر من سكن الغبراء وأظلته المحيطة حتى نسي القصد الأول من التشفع والوساطة، فلا يعرج عليه عندهم إلا من نسي عهود الحمى. وقد ذكر هذا شيخ الإسلام في منهاجه عن غلاة الرافضة في علي، فعاد الأمر إلى الشرك في توحيد الربوبية والتدبير والتأثير، ولم يبلغ شرك الجاهلية الأولى إلى هذه الغاية، بل ذكر الله جل ذكره أنهم كانوا يعترفون له بتوحيد الربوبية ويقرون به، ولذلك احتج عليهم في غير موضع من كتابه بما أقروا به من الربوبية والتدبير على ما أنكروه من الإلهية.

ومن ذلك ـ وهو من عجيب أمرهم ـ ما ذكره حسين بن محمد النعمي اليمني في بعض رسائله: أن امرأة كف بصرها فنادت وليها: أما الله فقد صنع ما ترى، ولم يبق إلا حسابك. انتهى.

وحدثني سعد بن عبد الله بن سرور الهاشمي رحمه الله أن بعض المغاربة قدموا مصر يريدون الحجّ، فذهبوا إلى الضريح المنسوب إلى الحسين رضي الله عنه بالقاهرة فاستقبلوا القبر وأحرموا ووقفوا وركعوا وسجدوا لصاحب القبر حتى أنكر عليهم سدنة المشهد وبعض الحاضرين، فقالوا: هذا محبة في سيدنا الحسين. وذكر بعض المؤلفين من أهل اليمن أن مثل هذا واقع عندهم.

وقد حدثني الشيخ خليل الرشيدي بالجامع الأزهر أن بعض أعيان المدرسين هناك قال: لا يدق وتد في القاهرة إلا بإذن أحمد البدوي. قال: فقلت له: هذا لا يكون إلا لله ـ أو كلاماً نحو هذا ـ. فقال: حبي في سيدي أحمد اقتضى هذا. وحكي أن رجلاً يأل الآخر: كيف رأيت الجمع

ص: 53

عند زيارة الشيخ الفلاني؟ فقال: لم أر أكثر منه إلا في جبل عرفات، إلا أني لم أرهم يجدوا لله سجدة قط، ولا صلوا مدة ثلاثة الأيام، فقال السائل: قد تحملها الشيخ!. قال بعض الأفاضل: وباب تحمل الشيخ مصراعاه ما بين بصرى وعدن، قد اتسع خرقه وتتابع فتقه، ونال رشاش زقومه الزائر والمعتقد وساكن البلد. انتهى.

وقد اشتهر ما يقع من السجود على أعتاب المشاهد، وقصد التبرك ـ مع ما فيه ـ لا يمنع حقيقة العبادة الصورية. ومن المعروف عنهم شراء الوالدان من الولي بشيء معين، يبقى رسماً جارياً يؤدى كل عام، وإن كانت امرأة فمهرها أو نصف مهرها لأنها مشتراة منه، ولا يماري في هذا إلاّ مكابر. لأنه استفاض واشتهر. فلا ينكره إلا مكابر في الحسيات، وإن فقد بعض أنواعه في بعض البلاد فكم له من نظائر وهذا أشد وأشنع مما ذكر الله جل ذكره عن جاهلية العرب بقول:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} الآية [الأنعام:136] . وكذلك جعل السوائب باسم الولي لا يحمل عليها ولا تذبح، وسوق الهدايا والقرابين إلى مشاهد الأولياء وذبحها حباً للشيخ، وتقرباً إليه، وهذا وإن ذكر اسم الله عليه فهو أشد تحريما مما ذبح للحم وذكر عليه اسم غير الله كعيسى مثلاً، فإن الشرك في العبادة أكبر من الشرك بالاستعانة.

ومن ذلك ترك الأشجار والكلأ والعشب إذا كا بقرب المشهد وجعله حرماًَ له.

ومنها الحج إلى المشاهد في أوقات مخصوصة مضاهاة لبي الله. فيطوفون حول الشريح ويستغيثون ويهدون لصاحب القبر ويذبحون، وبعض مشائخهم يأمر الزائر بحلق رأسه إذا فرغ من الزيارة، وقد صنف بعض غلاتهم كتاباً سماه حج المشاهد، ومنها التعريف في بعض البلاد عند من يعتقدونه من أهل القبور فيصلون عشية عرفة عند القبر خاضعين سائلين. والعراق فيه من ذلك الحظ الأكبر والنصيب الأوفر. بل فيه البحر الذي لا

ص: 54

ساحل له والمهامة التي لا ينجو يالكها، ولا يكاد، ومنحوه درح الكفر وظهر الشرك والفساد، كما يعرف ذلك من له إلمام بالتاريخ. ومبدأ الحوادث في الدين، ومن شاهد ما يقع منهم عند مشهد الحسين ومشهد علي والكاظم عند رافضتهم وعبد القادر والحسن البصريّ، والزبير وأمثالهم عند سنييهم: من العبادات وطلب العطايا والمواهب والتصرفات وأنواع الموبقات: علم أنهم من أجهل الخلق وأضلهم، وأنهم في غاية من الكفر والشرك، ما وصل إليها من قبلهم ممن ينتسب إلى الإسلام. والله المسئول أن ينصر دينه ويعلي كلمته بمحو هذه الأوثان، حتى يعبد وحده، فتسلم الوجوه له، وتعود البيضاء كانت ليلها كنهارها.

ومن ذلك ـ وإن كان يعلم مما تقدم: اتخاذها أعياداً ومواسم، مضاهاة لما شرعه الله ورسوله من الأعياد المكانية والزمانية.

ومنها: ما يقع ويجري في هذه الاجتماعات من الفجور والفواحش، وترك الصلوات وفعل الخلاعات التي هي في الحقيقة خلع لربقة الدين والتكليف؛ ومشابهة لما يقع في أعياد النّصارى والصابئة والإفرنج ببلاد فرنسا وغيرها من الفجور والطبول والزمور والخمور.

وبالجملة فما أحدثه عباد القبور يعز حصره واستيفاؤه.

ص: 55