المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل: وأما الشرك فى العبادة فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف - منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

[عبد اللطيف آل الشيخ]

الفصل: ‌ ‌فصل: وأما الشرك فى العبادة فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف

‌فصل:

وأما الشرك فى العبادة فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف أمراً فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لاإله إلا الله. وأنه لا يضر وينفع ويعطى ويمنع إلا الله عز وجل. وأنه لا إله غيره، ولا ربّ سواه، ولكن لا يخلص لله معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله تعالى من عمله وسعيه نصيب. هذا حال أكثر الناس وهو الشرك الذي قال فيه النبي فيما رواه ابن حبان فى صحيحه:"الشرك فى هذه الأمة أخفى من دبيب النمل! قالوا: وكيف ننجوا منه يا رسول الله؟ قال: قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" فالرياء كله شرك. قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] أي كما أنه إله واحد لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد بالالهية يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو الخالى من الرياء المقيد بالسنة. وكان من دعاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"اللهم اجعل عملى كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً".

وهذا الشرك فى العبادة يبطل ثواب العمل، وقد يعاقب عليه، إذا كان العمل واجباً، فإنه ينزله منزلة من لم يعمله فيعاقب على ترك الأمر، فان الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ

ص: 279

وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة:5] فمن لم يخلص لله عبادته لم يفعل ما أمر به، بل يكون الذي أتي به شيء غير المأمور به فلا يصح ولا يقبل منه. ويقول سبحانه وتعالى:"أنا أغني الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك معى فيه غيري فهو للذى أشرك معي وأنا منه برئ".

وهذا الشرك ينقسم إلي مغفور [وغير مغفور]، وأكبر وأصغر. والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر وليس شيء منه مغفور فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم: أن يحب مخلوقاً كما يحب الله فهذا من الشّرك الذي لا يغفره الله، وهو الشّرك في الدين. قال سبحانه وتعالى فيه:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة: من الآية165]، وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم يوم القيامة وقد جمعتهم الجحيم:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97ـ98] . ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه وتعالى فى الخلق والرزق والاماتة والإحياء والملك والقدرة، وإنما سووهم به فى الحب والتأله لهم، والخضوع والذلة، وهذا غاية الظلم والجهل، فكيف يسوي التراب برب الارباب؟ وكيف يسوي العبد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوي الفقير بالذات الضعيف العاجز بالذات المحتاج بالذات الذي ليس له من ذاته إلا العدم بالغنى بالذات القادر بالذات الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟ فأي ظلم أقبح من هذا؟ وأيّ حكم أشد جوراً منه؟ حيث عدل من لا عدل له يخلقه كما قال تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] فعدل المشرك من خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض فيا له من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه.

ص: 280