الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُنْحَرِفُونَ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ الْبَاطِلَةِ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِذَا صَفَّى الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ، فَاضَتْ عَلَيْهِ الْعُلُومُ بِلَا تَعَلُّمٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ تَكُونُ عِبَادَتُهُ (1) مُبْتَدَعَةً، بَلْ مُخَالِفَةً لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، فَيَبْقُونَ (2) فِي فَسَادٍ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ، وَفَسَادٍ مِنْ نَقْصِ الْعِلْمِ، حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَكَثِيرٌ مَا يَقَعُ مِنْ (3) هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَتَقْدَحُ كُلُّ طَائِفَةٍ فِي الْأُخْرَى، وَيَنْتَحِلُ كُلٌّ مِنْهُمُ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ.
وَالرَّسُولُ لَيْسَ مَا جَاءَ بِهِ مُوَافِقًا لِمَا قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 67] ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ، وَلَا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَوُّفِ، بَلْ كَانَ عَلَى مَا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ.
[الرد على أهل النظر وأهل الرياضة]
وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ، بِلَا عِبَادَةٍ وَلَا دِينٍ وَلَا تَزْكِيَةٍ لِلنَّفْسِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ بِمُجَرَّدِهِ تَحْصُلُ الْمَعَارِفُ (4) ، بِلَا تَعَلُّمٍ وَلَا نَظَرٍ، وَلَا تَدَبُّرٍ لِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.
(1) ح، ب، ر: عِبَادَاتُهُ.
(2)
ح، ب: فَيَقَعُونَ.
(3)
مِنْ: كَذَا فِي (و) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَيْنَ.
(4)
ن، م: طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ الْمُجَرَّدَةِ تَحْصُلُ الْمَعَارِفُ، و: طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ بِمُجَرَّدِ تَحْصِيلِ الْمَعَارِفِ، ح، ب: طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ بِمُجَرَّدِهَا تَحْصُلُ الْمَعَارِفُ.
وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ غَالِطٌ، بَلْ لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ بِالْعِلْمِ وَتَقْوَى اللَّهِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ، لَكِنْ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَظَرٍ وَتَدَبُّرٍ وَفَهْمٍ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ. وَلَوْ تَعَبَّدَ الْإِنْسَانُ مَا عَسَى أَنْ يَتَعَبَّدَ، لَمْ يَعْرِفْ مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَظَرَ وَاسْتَدَلَّ مَاذَا عَسَى أَنْ يَنْظُرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَطْلُوبُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّعَلُّمُ الْمُطَابِقُ (1) النَّافِعُ إِلَّا مَعَ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [سُورَةُ الصَّفِّ: 5] .
وَقَالَ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ - وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [سُورَةُ الِأَنْعَامِ: 109 - 110] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 155]، وَقَالَ تَعَالَى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 14] .
وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 100] .
وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا - وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا - وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 66 - 68] .
(1) ح، ب: اللَّائِقُ.
وَقَالَ: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 15 - 16] .
وَقَالَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 138] .
وَقَالَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 2] .
وَكَذَلِكَ لَوْ جَاعَ وَسَهِرَ وَخَلَا وَصَمَتَ وَفَعَلَ مَاذَا عَسَى أَنْ يَفْعَلَ لَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا إِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِالْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَقَّ عِلْمَ الْغَيْبِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ.
قَالَ تَعَالَى لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ الَّذِي كَانَ أَزْكَى النَّاسِ نَفْسًا، وَأَكْمَلَهُمْ عَقْلًا قَبْلَ الْوَحْيِ:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [سُورَةُ الشُّورَى: 52] .
وَقَالَ: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 50] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}
[سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 36] أَيْ: عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْشُ عَنْهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى كَلَامِهِ وَلَا يَخَافُ عِقَابَهُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 50]، وَقَوْلُهُ:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 2]، وَشَاهِدُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [سُورَةُ طه: 124] ثُمَّ قَالَ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 126] فَكُلُّ مَنْ عَشَا عَنِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يُقَيَّضُ لَهُ شَيْطَانٌ يُضِلُّهُ، وَلَوْ تَعَبَّدَ بِمَا تَعَبَّدَ.
" وَيَعْشُ " رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " يَعْمَى " وَكَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ:" تُظْلِمُ عَيْنُهُ "(1) وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَرَجَّحَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: " يُعْرِضُ ". وَالْعَشَا ضَعْفٌ فِي الْبَصَرِ، وَلِهَذَا قِيلَ: فِيهِ يَعْشُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعْرِضُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ (2)، وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; فَإِنَّ قَوْلَهُ:" يَعْشُ " ضُمِّنَ مَعْنَى " يُعْرِضْ " وَلِهَذَا عُدِّيَ بِحِرَفِ الْجَارِّ (3)" عَنْ " كَمَا يُقَالُ: أَنْتَ أَعْمَى عَنْ مَحَاسِنِ فُلَانٍ، إِذَا أَعْرَضْتَ فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا. فَقَوْلُهُ:" يَعْشُ " أَيْ: يَكُنْ (4) أَعْشَى عَنْهَا (5) ، وَهُوَ دُونَ الْعَمَى (6) ، فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا إِلَّا نَظَرًا ضَعِيفًا.
(1) ن، ر: عَيْنَيْهِ.
(2)
انْظُرْ " زَادَ الْمَسِيرِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 7/314 - 315
(3)
ب فَقَطْ: الْجَرِّ.
(4)
يَكُنْ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ يَكُونُ.
(5)
ح: مِنْهَا.
(6)
الْعَمَى: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ الْأَعْمَى.
وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الضَّلَالِ الَّذِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيهِ كَمَا يَنْظُرُونَ فِي كَلَامِ سَلَفِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَهُمُ الَّذِينَ عَشَوْا عَنْهُ فَقُيِّضَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ، تَقْتَرِنُ بِهِمْ وَتَصُدُّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.
وَلِهَذَا لَا تَجِدُ فِي كَلَامِ مَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بَيَانَ الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا أَبَدًا ; لِكَثْرَةِ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ (1) .
وَحَدَّثَنِي غَيْرُ مَرَّةٍ رَجُلٌ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالذَّكَاءِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالدِّينِ، أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَ عَلَى شَخْصٍ سَمَّاهُ لِي، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، دُرُوسًا مِنَ " الْمُحَصَّلِ " لِابْنِ الْخَطِيبِ، وَأَشْيَاءَ مِنْ " إِشَارَاتِ " ابْنِ سِينَا. قَالَ: فَرَأَيْتُ حَالِي قَدْ تَغَيَّرَ، وَكَانَ لَهُ نُورٌ وَهُدًى، وَرُؤِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ سَيِّئَةٌ، فَرَآهُ صَاحِبُ النُّسْخَةِ بِحَالٍ سَيِّئَةٍ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: هِيَ مِنْ كِتَابِكَ.
وَإِشَارَاتُ ابْنِ سِينَا يَعْرِفُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهَا إِلْحَادًا كَثِيرًا، بِخِلَافِ " الْمُحَصَّلِ " يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ فِيهِ بُحُوثًا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ.
قَالَ فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ: مُحَصَّلٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ حَاصِلُهُ مِنْ بَعْدِ تَحْصِيلِهِ أَصْلٌ بِلَا دِينِ أَصْلُ الضَّلَالَاتِ وَالشَّكِّ الْمُبِينِ فَمَا فِيهِ فَأَكْثَرُهُ وَحْيُ الشَّيَاطِينِ
قُلْتُ: وَقَدْ سُئِلْتُ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى " الْمُحَصَّلِ " مَا يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ فِيمَا
(1) ح، ب: الشَّيْطَانِ.
ذَكَرَهُ، فَكَتَبْتُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ (1) ، وَكَذَلِكَ تَكَلَّمْتُ عَلَى مَا فِي الْإِشَارَاتِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ (2) .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الْجُمَلِ، فَمَا (3) فِي " الْمُحَصَّلِ " وَسَائِرِ كُتُبِ الْكَلَامِ الْمُخْتَلِفِ أَهْلُهُ: كُتُبُ (4) الرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، وَكُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ، لَا يُوجَدُ فِيهَا مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ، بَلْ يُوجَدُ فِيهَا حَقٌّ مَلْبُوسٌ بِبَاطِلٍ.
وَيَكْفِيكَ نَفْسُ مَسْأَلَةِ خَلْقِ الرَّبِّ مَخْلُوقَاتِهِ لَا تَجِدُ فِيهَا إِلَّا قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ والْجَهْمِيَّةِ وَالدَّهْرِيَّةِ: إِمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي تُثْبِتُهَا الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ، أَوِ الْقَادِرُ الَّذِي تُثْبِتُهُ الْمُعْتَزِلَةُ والْجَهْمِيَّةُ. ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ أَثْبَتَ تِلْكَ الْإِرَادَةَ الْكُلَّابِيَّةَ (5) ، وَمَنْ عَرَفَ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ مُخَالَفَةٌ لِصَرَائِحِ الْعُقُولِ (6) .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي النُّبُوَّاتِ، فَالْمُتَفَلْسِفَةُ تُثْبِتُ النُّبُوَّةَ عَلَى أَصْلِهِمُ
(1) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 37: " وَلَهُ كِتَابُ شَرْحِ أَوَّلِ الْمُحَصَّلِ مُجَلَّدٌ "، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ " ص 19 وَالْمَقْصُودُ كِتَابُ " مُحَصَّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ " لِلرَّازِيِّ.
(2)
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " كِتَابِ الصَّفَدِيَّةِ " 2/281: " كَمَا قَدْ كَتَبْنَا بَعْضَ كَلَامِ النُّظَّارِ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فِي الْكَلَامِ " الْمُحَصَّلِ " وَعَلَى " مَنْطِقِ الْإِشَارَاتِ " وَعَلَى " الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ ": مُصَنَّفٌ كَبِيرٌ وَمُصَنَّفٌ مُخْتَصَرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ ".
(3)
ن، م: كَمَا.
(4)
ح، ب: وَكُتُبُ، ر: كَكُتُبِ.
(5)
ح، ب: ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ مَنْ أَثْبَتَ تِلْكَ الْإِرَادَاتِ الْكُلِّيَّةَ، ي، ر: ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ مَنْ أَثْبَتَ تِلْكَ الْإِرَادَةَ الْكُلِّيَّةَ.
(6)
ح، ب: لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ.
الْفَاسِدِ: أَنَّهَا قُوَّةٌ قُدْسِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُ النُّفُوسِ (1) ; لِكَوْنِهَا أَقْوَى نَيْلًا لِلْعِلْمِ، وَأَقْوَى تَأْثِيرًا فِي الْعَالَمِ، وَأَقْوَى تَخَيُّلًا لِمَا تَعْقِلُهُ (2) فِي صُوَرٍ مُتَخَيَّلَةٍ وَأَصْوَاتٍ مُتَخَيَّلَةٍ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ عِنْدَهُمْ خَاصَّةُ النَّبِيِّ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَا فَهُوَ نَبِيُّ الْقُوَّةِ الْقُدْسِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالتَّأْثِيرُ فِي الْهَيُولِيِّ، وَمَا يَتَخَيَّلُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَصْوَاتٍ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ، وَمِنْ صُوَرٍ هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةُ [اللَّهِ](3) .
وَمَعْلُومٌ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَ الْعَالَمَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُوجَدُ لِكَثِيرٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلِهَذَا طَمِعَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ عِلْمًا بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَلَا قُدْرَةً، وَلَا كَلَامًا يَتَكَلَّمُ بِهِ تَنْزِلُ بِهِ مَلَائِكَتُهُ (4) .
ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ تَارَةً رَدًّا مُقَارِبًا، وَتَارَةً رَدًّا ضَعِيفًا ; لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا صَانِعَ الْعَالَمِ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلِينَ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَجَعَلُوا الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَزَعَمَ أَكْثَرُهُمْ (5) أَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ لَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، فَفَزِعُوا (6) مِنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. وَلَفْظُ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ مُجْمَلٌ، فَالَّذِي ادَّعَتْهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ بَاطِلٌ ;
(1) ح، ب: يَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ.
(2)
ب فَقَطْ: يَعْقِلُهُ.
(3)
ن، ب: هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةٌ، ح، ي: عِنْدَهُمْ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، ر: هِيَ عِنْدَهُمْ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، وَ: هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ.
(4)
ب: يَنْزِلُ بِهِ مَلَائِكَتُهُ، وَ: يُنْزِلُ مَلَائِكَةً.
(5)
ن: بَعْضُهُمْ.
(6)
ن، م، ب: فَفَرَعُوا.
فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا مُوجِبًا بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ مَفْعُولَاتِهِ، حَتَّى لَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ شَيْءٌ، وَأَثْبَتُوا لَهُ مِنَ الْوَحْدَةِ مَا يُضَمِّنُونَهُ نَفْيَ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَقَالُوا: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ الَّذِي ادَّعُوهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.
وَالْكَلَامُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَإِبْطَالِهَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَنَاقُضًا وَاضْطِرَابًا، وَأَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمَعْلُولِ (1) أَزَلًا وَأَبَدًا فَاسِدَةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: هُوَ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِبُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ ; فَهَذَا هُوَ الْفَاعِلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَتَسْمِيَةُ الْمُسَمَّى لَهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ.
وَأَكْثَرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَلْزَمُ وُجُودُ مَقْدُورِهِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، فَيُرَجِّحُ (2) إِنْ حَصَلَ بِلَا مُرَجِّحٍ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ تُثْبِتُ نُبُوَّةً لَا تَسْتَلْزِمُ فَصْلَ صَاحِبِهَا وَلَا كَمَالَهُ، وَلَا اخْتِصَاصَهُ قَطُّ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ (3) النَّاسِ نَبِيًّا.
ثُمَّ الْجَهْمِيَّةُ الْمَحْضَةُ عِنْدَهُمْ يَخْلُقُ اللَّهُ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ الْمَلَكُ. وَأَمَّا الْكُلَّابِيَّةُ فَعِنْدَهُمُ النُّبُوَّةُ تَعَلُّقُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ بِالنَّبِيِّ، بِمَعْنَى أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي. فَيَقُولُونَ فِي النُّبُوَّةِ مِنْ جِنْسِ مَا قَالُوهُ فِي
(1) ن، م: لِلْمَفْعُولِ.
(2)
و: فَرَجَّحَ.
(3)
ح، م، ب: مَنْ هُوَ أَجْهَلُ.
أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْحُكْمِ مَعْنًى إِلَّا تَعَلُّقُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ بِهِ، وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ لَا يُثْبِتُونَ (1) فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْأَعْمَالِ الصَّالْحَةِ خَاصَّةً تَمَيَّزَتْ بِهِ (2) عَنِ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى أَمَرَ بِهَا لِأَجْلِهَا، وَكَذَلِكَ فِي النُّبُوَّةِ.
وَالْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ شَرِيعَةً بِالْقِيَاسِ عَلَى عِبَادِهِ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُحَرَّمُ (3) عَلَيْهِمْ، وَلَا يَجْعَلُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ، وَرِضَاهُ وَسُخْطَهُ - لَهُ ثأثيرٌ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ صِفَاتُهَا ثَابِتَةٌ بِدُونِ الْخِطَابِ، وَالْخِطَابُ مُجَرَّدُ كَاشِفٍ، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ بِمَا هِيَ مُتَّصِفَةٌ بِهِ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَالِاصْطِفَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ التَّصْفِيَةِ، كَمَا أَنَّ الِاخْتِيَارَ افْتِعَالٌ مِنَ الْخِيرَةِ، فَيَخْتَارُ مَنْ يَكُونُ مُصْطَفًى. وَقَدْ قَالَ:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 124](4) فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَجْعَلُهُ رَسُولًا مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلْهُ رَسُولًا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ يَصْلُحُ لِلرِّسَالَةِ (5) لَامْتَنَعَ هَذَا.
وَهُوَ عَالِمٌ بِتَعْيِينِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها لَمَّا فَجَأَ الْوَحْيُ النَّبِيَّ (6)
(1) ح: لَا يُثْبِتُونَهُ.
(2)
ب: بِهَا.
(3)
ح: مَا يُحَرِّمُونَ.
(4)
ن، م، و: حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ.
(5)
ح، ر: يَصِلُ إِلَى الرِّسَالَةِ، ي: يَصِلُ لِلرِّسَالَةِ.
(6)
فَجَاءَ الْوَحْيُ النَّبِيَّ: كَذَا فِي (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالنَّبِيِّ.
- صلى الله عليه وسلم وَخَافَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: " كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "(1) ، وَكَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ رضي الله عنها أَعْقَلُ وَأَعْلَمُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، حَيْثُ رَأَتْ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ لِعَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، لَا يُخْزِيهِ اللَّهُ فَإِنَّ حِكْمَةَ الرَّبِّ تَأْبَى ذَلِكَ.
وَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ هَذَا لَا يَعْلَمُ، بَلْ قَدْ يُخْزِي مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُنَبَّأُ شَرُّ النَّاسِ، كَأَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْمَازِرِيُّ (2) وَغَيْرُهُ عَلَى خَدِيجَةَ، كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى هِرَقْلَ اسْتِدْلَالَهُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الْمَشْهُورِ لَمَّا سَأَلَ عَنْ صِفَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3) .
(1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/419 - 420
(2)
ح، ر، ي: الْمَازِنِيُّ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ الْمَازِرِيُّ، مُحَدِّثٌ وَمِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، يُنْسَبُ إِلَى مَازِرَ بِجَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ، وُلِدَ سَنَةَ 453 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 536 هـ، وَلَهُ كِتَابُ " الْكَشْفِ وَالْإِنْبَاءِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ "، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/413 الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ لِابْنِ فَرْحُونَ ص 279 - 281 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/114 الْعِبَرِ 4/100 - 101، الْأَعْلَامِ 7/164، وَانْظُرْ سِيرَةَ الْغَزَالِيِّ ص 72 - 73 - 79 - 81، 109 - 110، 112 - 121
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/434 وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ هِرَقْلَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهم فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 1/4 - 6 (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ بَابٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) ، انْظُرِ الْمَوَاضِعَ الْأُخْرَى فِي طَبْعَةِ د. الْبُغَا فِي الْأَرْقَامِ 51، 2535، 2650، 2738، 2778، إِلَخْ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 3/1393 - 1397 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ. .)، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/110 - 114 وَقَالَ أَحْمَدُ شَاكِر رحمه الله (ص 110) :" وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ ابْنُ مَاجَهْ، كَمَا قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ 1/70 "
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا اتَّخَذَ رَسُولًا فَضَلَّهُ بِصِفَاتٍ أُخْرَى لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِيهِ قَبْلَ إِرْسَالِهِ، كَمَا كَانَ يَظْهَرُ لِكُلِّ مَنْ رَأَى مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ. وَتِلْكَ الصِّفَاتُ غَيْرُ الْوَحْيِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُجَرَّدُ صِفَةٍ إِضَافِيَّةٍ كَأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ كَمَا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ.
وَلِهَذَا [لَمَّا](1) صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ - كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ - لَيْسَ عِنْدَهُمْ إِلَّا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، تَجِدُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَفِي سَائِرِ كُتُبِهِمْ، يَذْكُرُونَ أَقْوَالًا كَثِيرَةً مُتَعَدِّدَةً كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، لَا يَذْكُرُونَ الْحَقَّ، مِثْلَ تَفْسِيرِهِ لِلْهِلَالِ (2)، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 189] فَذَكَرَ قَوْلَ أَهْلِ الْحِسَابِ فِيهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يَحْدُثُ فِيهِ الضَّوْءُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا لِحِكْمَةٍ (3) .
وَكَذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الْمَطَرِ يَذْكُرُ قَوْلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَهُ حَاصِلًا عَنْ مُجَرَّدِ الْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ وَالْمُنْعَقِدِ فِي الْجَوِّ، وَقَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ أَحْدَثَهُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ بِلَا سَبَبٍ، وَيَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ نَزَلَ مِنَ
(1) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ح) ، (ر) ، (ي)
(2)
أَيِ الرَّازِيِّ.
(3)
انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ " التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ " أَوْ " مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ "، " ط. عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد، الْقَاهِرَةِ 1357 1938) 5/132 - 136 وَانْظُرْ قَوْلَهُ (ص 132) : " وَأَمَّا السَّنَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الزَّمَانِ الْحَاصِلِ مِنْ حَرَكَةِ الشَّمْسِ مِنْ نُقْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْفَلَكِ بِحَرَكَتِهَا الْحَاصِلَةِ عَنْ خِلَافِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، إِلَى أَنْ تَعُودَ إِلَى تِلْكَ النُّقْطَةِ بِعَيْنِهَا، إِلَّا أَنَّ الْقَوْمَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ تِلْكَ النُّقْطَةَ. . إِلَخْ ".
الْأَفْلَاكِ. وَقَدْ يُرَجِّحُ (1) هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ (2) ، وَيَجْزِمُ بِفَسَادِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ، [بَلْ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ](3) مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَطَرَ نَزَلَ مِنَ السَّحَابِ.
وَلَفْظُ " السَّمَاءِ " فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَلَا، فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِلْعَالِي، لَا يَتَعَيَّنُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِمَا يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 15]، وَقَالَ:{الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 99]، وَقَالَ:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ تَبَارَكَ: 16] ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ الْعُلُوُّ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ هُنَا بِالسَّقْفِ وَنَحْوِهِ، وَهُنَا (4) بِالسَّحَابِ، وَهُنَاكَ بِمَا فَوْقَ الْعَالَمِ كُلِّهِ.
فَقَوْلُهُ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 99] أَيْ مِنَ الْعُلُوِّ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جِسْمٍ مُعَيَّنٍ. لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِنُزُولِهِ مِنَ السَّحَابِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ - أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 68 - 69] وَالْمُزْنُ: السَّحَابُ.
(1) ن، م: رَجَّحَ.
(2)
انْظُرْ مَثَلًا تَفْسِيرَ الرَّازِيِّ 4/223
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(4)
ب: وَهُنَاكَ.
وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [سُورَةُ النُّورِ: 43]، وَالْوَدْقُ: الْمَطَرُ، وَقَالَ تَعَالَى:{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 48] ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَبْسُطُ السَّحَابَ فِي السَّمَاءِ.
وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالسَّمَاءِ هُنَا الْأَفْلَاكَ ; فَإِنَّ السَّحَابَ لَا يُبْسَطُ فِي الْأَفْلَاكِ، بَلِ النَّاسُ يُشَاهِدُونَ السَّحَابَ يُبْسَطُ فِي الْجَوِّ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ: إِمَّا عَلَى جَبَلٍ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَالسَّحَابُ يُبْسَطُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَيَنْزِلُ مِنْهُ الْمَطَرُ، وَالشَّمْسُ فَوْقَهُ.
وَالرَّازِيُّ (1) لَا يَثْبُتُ عَلَى قَوْلٍ [وَاحِدٍ](2) ، بَلْ هُوَ دَائِمًا يَنْصُرُ هُنَا قَوْلًا، وَهُنَاكَ مَا يُنَاقِضُهُ لِأَسْبَابٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَفْهَمُونَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنًى فَاسِدٌ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ يُعَارِضُ الْعَقْلَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ " دَرْءَ تَعَارُضِ (3) الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَذَكَرْنَا فِيهِ عَامَّةَ مَا يَذْكُرُونَ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَقَعُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَا سَمَّى مَعْقُولًا فَاسِدًا، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى كَلَامِ أَهْلِ الْبِدَعِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ (4) مَا أُضِيفَ
(1) ر، و، ي: وَالرَّازِيُّ رحمه الله.
(2)
وَاحِدٍ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .
(3)
و: فِي مُصَنَّفٍ كَثِيرٍ لَعَلَّ الصَّوَابَ: كَبِيرٍ مُفْرَدٍ مَنْعَ تَعَارُضِ.
(4)
ح، ر، ب، ي: أَوْ يَكُونُ.
إِلَى الشَّرْعِ لَيْسَ مِنْهُ: إِمَّا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَإِمَّا فَهْمٌ فَاسِدٌ مِنْ نَصٍّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِمَّا نَقْلُ إِجْمَاعٍ بَاطِلٍ.
وَمِنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ذَمَّ الْأَحْكَامَ النُّجُومِيَّةَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا مَذْمُومَةٌ بِالشَّرْعِ مَعَ الْعَقْلِ، وَأَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا أَضْعَافُ الصَّوَابِ، وَأَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي تَصَرُّفَاتِهِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.
لَكِنْ قَدْ (1) يَرُدُّونَهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجَهْمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ بِأَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِشَيْءٍ مِنَ الْعُلْوِيَّاتِ فِي السُّفْلِيَّاتِ أَصْلًا: إِمَّا عَلَى طَرِيقَةِ (2) الْجَهْمِيَّةِ، لَكِنْ تِلْكَ لَا تَنْفِي الْعَادَاتِ الِاقْتِرَانِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ سَبَبًا وَمُسَبَّبًا وَحِكْمَةً، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى نَفْيِ الْعَادَةِ (3) فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ قَدْ يُنَازِعُونَ (4) فِي اسْتِدَارَةِ الْأَفْلَاكِ، وَيَدَّعُونَ شَكْلًا آخَرَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي جَوَابِ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلْتُ عَنْهَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالْأَسَانِيدِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوْضِعِهَا، بَلْ قَدْ نَقَلَ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (5) ، الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِالْمَنْقُولَاتِ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي، أَحَدِ أَكَابِرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ
(1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و)
(2)
ن، م، و: الطَّرِيقَةِ.
(3)
وَ: الْعِبَادَةِ، ب: الْعَادَاتِ.
(4)
ن، و: تَنَازَعُوا.
(5)
انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الْمَسْأَلَةِ الْعَرْشِيَّةِ " فِي فَتَاوَى الرِّيَاضِ 6/545 - 583، وَخَاصَّةً 557، وَانْظُرْ إِجَابَتَهُ لِمَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا 6/586 - 591
أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ (1) ، وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيِّ، وَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ.
وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي " الْإِحَاطَةِ "(2) وَغَيْرِهَا.
وَكَذَلِكَ الْمَطَرُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُهُ مِنَ الْهَوَاءِ وَمِنَ الْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ، لَكِنَّ خَلْقَهُ لِلْمَطَرِ مِنْ هَذَا، كَخَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ، وَخَلْقُهُ لِلشَّجَرِ وَالزَّرْعِ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، فَهَذَا مَعْرِفَةٌ (3) بِالْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا، وَنَفْسُ الْمَادَّةِ لَا تُوجِبُ مَا خُلِقَ مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِمَّا بِهِ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ (4) عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ الْحَكِيمِ، الَّذِي يَخْلُقُ الْمَطَرَ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَالْبَلَدِ الْجُرُزِ (5) يَسُوقُ إِلَيْهِ (6) الْمَاءَ مِنْ حَيْثُ أَمْطَرَ، كَمَا قَالَ:
(1) أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنَادِي، وُلِدَ سَنَةَ 256 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 336، عَالِمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَمِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/3 - 6، الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 11/219، الْمَنْهَجِ الْأَحْمَدِ فِي تَرَاجِمِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلِيمِيِّ 2/37 - 39 (ط. الْمَدَنِيِّ، بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ مُحْيي الدِّينِ عَبْدِ الْحَمِيدِ 1383 1963) ، مَنَاقِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تَحْقِيقِ الدُّكْتُورِ عَبْدِ اللَّهِ التُّرْكِيِّ) ص 617، تَارِيخَ بَغْدَادَ 4/69 - 70، الْأَعْلَامَ 1/103
(2)
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ (الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ) ص 51 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (الْإِحَاطَةِ الْكُبْرَى) وَفِي ص 52 (وَالْإِحَاطَةِ الصُّغْرَى) .
(3)
ح، ر، ب، ي: مَعْرِفَتُهُ.
(4)
ح: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَادَّةٍ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّوَرَ، ر: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَادَّةٍ تَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَاءٍ بِهِ تُخْلَقُ تِلْكَ الصُّورَةُ، م: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَائِهِ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ.
(5)
فِي " اللِّسَانِ ": " وَأَرْضٌ مَجْرُوزَةٌ وَجُرُزٌ وَجُرْزٌ وَجَرْزٌ: لَا تُنْبِتُ كَأَنَّهَا تَأْكُلُ النَّبْتَ أَكْلًا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي قَدْ أُكِلَ نَبَاتُهَا، وَقِيلَ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ ".
(6)
ح، ب: إِلَيْهَا.
{يَسْمَعُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 27] ، فَالْأَرْضُ الْجُرُزُ لَا (1) تُمْطِرُ مَا يَكْفِيهَا، كَأَرْضِ مِصْرَ: لَوْ أَمْطَرَتِ الْمَطَرَ الْمُعْتَادَ لَمْ يَكْفِهَا ; فَإِنَّهَا أَرْضٌ إِبْلِيزٌ (2) . وَإِنْ أَمْطَرَتْ كَثِيرًا مِثْلَ مَطَرِ شَهْرٍ خَرُبَتِ (3) الْمَسَاكِنُ، فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَارِي وَرَحْمَتِهِ أَنْ أَمْطَرَ مَطَرًا أَرْضًا بَعِيدَةً، ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ الْمَاءَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ (4) يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى عِلْمِ الْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَإِثْبَاتِ الْمَادَّةِ الَّتِي خَلَقَ مِنْهَا الْمَطَرَ وَالشَّجَرَ وَالْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ (5) .
وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا قَطُّ خُلِقَ إِلَّا مِنْ مَادَّةٍ، وَلَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِمَخْلُوقٍ إِلَّا مِنْ مَادَّةٍ.
وَكَذَلِكَ كَوْنُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا لِبَعْضِ الْحَوَادِثِ هُوَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ، فَفِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا
(1) ح، ر: مَا.
(2)
ح، ر: تَلِينُ، ي: إِبْلِينٌ، وَفِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ " الْإِبْلِيزُ:" الطِّينُ الَّذِي يُخَلِّفُهُ نَهْرُ النِّيلِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ ذَهَابِهِ ".
(3)
ح: أَخْرَبَتِ.
(4)
ح، ب: الْآيَةُ.
(5)
ح، ر، و، ي: الْحِكْمَةِ.
لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عز وجل يُخَوِّفُ [اللَّهُ] بِهِمَا (1) عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ» " (2) .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِرُكُوعٍ زَائِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَأَنَّهُ طَوَّلَهَا تَطْوِيلًا لَمْ يُطَوِّلْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَوَاتِ الْجَمَاعَاتِ، وَأَمَرَ عِنْدَ الْكُسُوفِ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَالْعَتَاقَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ (3) .
وَقَوْلُهُ: " «يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 59] ، وَلِهَذَا كَانَتِ الصَّلَوَاتُ مَشْرُوعَةً عِنْدَ الْآيَاتِ عُمُومًا، مِثْلَ تَنَاثُرِ الْكَوَاكِبِ وَالزَّلْزَلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالتَّخْوِيفُ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا هُوَ سَبَبٌ لِلشَّرِّ الْمُخَوِّفِ، كَالزَّلْزَلَةِ وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ. وَإِلَّا فَمَا وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَخْوِيفٌ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْكُسُوفَ سَبَبٌ لِلشَّرِّ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ (4) عَنْهُ شَرٌّ، ثُمَّ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ: هَلْ هُوَ سَبَبٌ؟ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ، أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ اقْتِرَانِ عَادَةٍ كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ؟
وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ عِنْدَ (5) أَسْبَابِ الشَّرِّ بِمَا يَدْفَعُهَا مِنَ
(1) ن، ح، ر: يُخَوِّفُ بِهِمَا.
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 299
(3)
انْظُرْ إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 3/126 - 132 وَانْظُرِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَتَعْلِيقَ الْأَلْبَانِيِّ عَلَيْهَا.
(4)
بِ: ثُمَّ قَدْ لَا يَكُونُ، و: ثُمَّ هَلْ هُوَ قَدْ يَكُونُ.
(5)
ب فَقَطْ: عَنْ.
الْعِبَادَاتِ، الَّتِي تُقَوِّي مَا انْعَقَدَ (1) سَبَبُهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَتَدْفَعُ أَوْ تُضْعِفُ مَا انْعَقَدَ سَبَبُهُ مِنَ الشَّرِّ. كَمَا قَالَ:" «إِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَلْتَقِيَانِ فَيَعْتَلِجَانِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» "(2) .
وَالْفَلَاسِفَةُ تَعْتَرِفُ (3) بِهَذَا، لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ بِنَاءً (4) عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةَ تُؤَثِّرُ؟ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَيُحْكَى عَنْ بَطْلَيْمُوسَ (5) أَنَّهُ قَالَ: " ضَجِيجُ الْأَصْوَاتِ، فِي هَيَاكِلِ الْعِبَادَاتِ، بِفُنُونِ اللُّغَاتِ، تَحْلُلُ (6) مَا عَقَّدَتْهُ الْأَفْلَاكُ الدَّائِرَاتُ "، وَعَنْ
(1) ن: مَا اعْتَقَدَ.
(2)
لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ رَوَى الْمُنْذِرِيُّ فِي " التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ " 3/142 (ط. مُصْطَفَى مُحَمَّد عِمَارَة 1352 1933) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يُغْنِي حَذَرٌ عَنْ قَدْرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ:" رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، يَعْتَلِجَانِ: أَيْ يَتَصَارَعَانِ وَيَتَدَافَعَانِ ".
(3)
و: تَعْرِفُ
(4)
ن، م: لَكِنْ هُوَ بِنَاءً.
(5)
بَطْلَيْمُوسُ الْقَلْوَذِيُّ الْعَالِمُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ كِتَابِ الْمَجَسْطِي فِي الْفَلَكِ، إِمَامٌ فِي الرِّيَاضَةِ، كَانَ فِي أَيَّامِ أَنْدَرْيَاسْيُوسْ وَفِي أَيَّامِ أَنْطَمْيُوسْ مِنْ مُلُوكِ الرُّومِ وَبَعْدَ أَيْرَقِسْ بِمِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، فَأَمَّا كِتَابُ الْمَجَسْطِي فَهُوَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَقَالَةً، وَأَوَّلُ مَنْ عُنِي بِتَفْسِيرِهِ وَإِخْرَاجِهِ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ. انْظُرْ عَنْهُ: تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ ص 95 - 98 طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 35 - 38 الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ ص [0 - 9] 67 - 268 خُطَطَ الْمَقْرِيزِيِّ 1/154
(6)
ح، ر: تَحُلُّ.
أَبِقْرَاطَ (1) أَنَّهُ قَالَ: " وَاعْلَمْ أَنَّ طِبَّنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّ أَرْبَابِ الْهَيَاكِلِ كَطِبِّ الْعَجَائِزِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّنَا ".
فَالْقَوْمُ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِمَا وَرَاءَ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلَكِيَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَطَائِفَةٌ (2) ، بَلْ مَلَائِكَةٌ مَلْءُ (3) الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَالْجِنُّ أَيْضًا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ قَدْ وَكَّلَ الْمَلَائِكَةَ بِتَدْبِيرِ هَذَا الْعَالَمِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ.
وَالْمَلَائِكَةُ أَحْيَاءٌ نَاطِقُونَ، لَيْسُوا أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا، كَمَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ. وَلَا هِيَ مُجَرَّدُ الْعُقُولِ الْعَشْرَةِ وَالنُّفُوسِ التِّسْعَةِ، بَلْ هَذِهِ (4) بَاطِلَةٌ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ (5) .
(1) أَبِقْرَاطُ Hippocrates طَبِيبٌ مَاهِرٌ عَاشَ خَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، تَتَلْمَذَ فِي الطِّبِّ عَلَى أَسْقَلِيمْبِيُوسْ، تَكَلَّمَ عَنْهُ مُبَشِّرُ بْنُ فَاتَكٍ فِي كِتَابِهِ (مُخْتَارُ الْحِكَمِ) وَحُنَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ:" نَوَادِرُ الْفَلَاسِفَةِ " تُوُفِّيَ سَنَةَ 357 ق. م. انْظُرْ: عُيُونَ الْأَنْبَاءِ فِي طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 24، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ وَالْحُكَمَاءِ لِابْنِ جُلْجُلٍ ص 16 - 19 تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص 90 الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ ص 287 - 288.
(2)
ح، ب: وَطَائِفَتُهُ.
(3)
بَلْ مَلَائِكَةٌ مَلْءُ: كَذَا فِي (و) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَلْ بِمَلِيكِهِ بَلْ.
(4)
ن، م: هِيَ.
(5)
انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِي " مُقَارَنَةٌ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ "(ط. دَارِ الْقَلَمِ، الْكُوَيْتِ 1395 1975) ص 89 - 92 مِنْ رَدِّ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ وَمَوَاضِعُ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ. وَانْظُرِ: الرَّدَّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص 493 - 499 الصَّفَدِيَّةَ 1/196 - 202
وَمَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْمُجَرَّدَاتِ الْمُفَارَقَاتِ لَا يَحْصُلُ مَعَهُمْ مِنْهُ غَيْرُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ ; فَإِنَّهَا تُفَارِقُ بَدَنَهَا. وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهُمْ عَلَى طَرِيقِهِمْ إِلَّا الْمُجَرَّدَاتُ الْمَعْقُولَةُ فِي الْأَذْهَانِ، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْمَعْقُولَةُ، وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، كَمَا يَظُنُّ شِيعَةُ أَفْلَاطُونَ (1) ثُبُوتَ الْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ فِي الْخَارِجِ، فَتَثْبُتُ (2) كُلِّيَّاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ مُفَارِقَةٌ (3) كَإِنْسَانٍ كُلِّيٍّ.
وَهَذَا هُوَ غَلَطُهُمْ (4) ، حَيْثُ ظَنُّوا مَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ مَوْجُودًا فِي الْأَعْيَانِ، وَكَذَلِكَ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْعَقْلُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَشِيعَةِ أَفْلَاطُونَ (5) تُثْبِتُ جَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الدَّهْرُ، وَجَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الْخَيْرُ، وَتُثْبِتُ جَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الْمَادَّةُ الْأُولَى الْمُعَارِضَةُ لِلصُّورَةِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي يُثْبِتُونَهَا إِذَا حُقِّقَتْ غَايَةَ التَّحْقِيقِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُورٌ مَعْقُولَةٌ فِي النَّفْسِ، فَيَتَصَوَّرُهَا فِي نَفْسِهِ، فَهِيَ مَعْقُولَاتٌ فِي قَلْبِهِ، وَهِيَ مُجَرَّدَةٌ عَنْ جُزْئِيَّاتِهَا الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ ; فَإِنَّ الْعَقْلَ دَائِمًا يَنْتَزِعُ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَشْهُودَةِ كُلِّيَّاتٍ مُشْتَرَكَةً عَقْلِيَّةً، كَمَا يَتَصَوَّرُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ إِنْسَانًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا يَنْطَبِقُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ،
(1) م، ر، و: أَفْلَاطُنَ.
(2)
ن، و: فَيَثْبُتُ.
(3)
ن، م: مُقَارِنَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(4)
ح، ر: وَعَلَى هَذَا مِنْ غَلَطِهِمْ.
(5)
ن، م، و، ر: أَفْلَاطُنَ.
وَلَكِنَّ هَذَا الْمُشْتَرَكَ إِنَّمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ وَذِهْنِهِ، يَعْقِلُهُ بِقَلْبِهِ، لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِنْسَانٌ مُشْتَرَكٌ كُلِّيٌّ يَشْتَرِكُ (1) فِيهِ هَذَا وَهَذَا، بَلْ كُلُّ إِنْسَانٍ يَخْتَصُّ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا قَامَ بِهِ قَطُّ.
وَإِذَا قِيلَ: الْإِنْسَانِيَّةُ مُشْتَرَكَةٌ أَوِ الْحَيَوَانِيَّةُ، فَالْمُرَادُ أَنَّ فِي هَذَا حَيَوَانِيَّةً وَإِنْسَانِيَّةً تُشَابِهُ مَا فِي هَذَا مِنَ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ، وَذَلِكَ الْمُسَمَّى إِذَا أَخَذَ مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَهُوَ تَارَةً يُوجَدُ (2) مُطْلَقًا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ، إِلَّا مَنْ أَثْبَتَ الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ فِي الْخَارِجِ. وَتَارَةً يُوجَدُ (3) مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَاتِ، وَهَذَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنًا مُقَيَّدًا مَخْصُوصًا. فَيُقَالُ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا الْحَيَوَانُ، وَهَذَا الْفَرَسُ، وَأَمَّا وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ [مَعَ](4) كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي الْخَارِجِ فَهَذَا بَاطِلٌ.
وَلِهَذَا كَانَ مِنَ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ ثَابِتَةٌ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَمَعْنَاهُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَا هُوَ كُلِّيٌّ إِذَا كَانَ فِي الذِّهْنِ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيًّا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ (5) : مَا يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ قَدْ يُوجَدُ فِي
(1) ن، م: مُشْتَرَكٌ.
(2)
ح، ر: يُؤْخَذُ.
(3)
ح، ر: يُؤْخَذُ.
(4)
مَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(5)
ح: كَمَا يَقُولُ.
الْخَارِجِ وَقَدْ لَا يُوجَدُ، وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ (1) نَفْسَ الصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ تَكُونُ بِعَيْنِهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ أَنَّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الذِّهْنِ قَدْ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ، كَمَا يُوجَدُ أَمْثَالُهُ فِي الْخَارِجِ.
كَمَا يَتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ (2) دَارًا يَبْنِيهَا وَعَمَلًا يَعْمَلُهُ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: جِئْتَ بِمَا كَانَ فِي نَفْسِي، وَفَعَلْتَ هَذَا كَمَا كَانَ فِي نَفْسِي، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:" زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فِي بَدِيهَتِهِ بِأَحْسَنَ مِنْهَا ". وَهَذَا كُلُّهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ ; فَإِنَّ الشَّيْءَ لَهُ وُجُودٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَهُ مِثَالٌ مُطَابِقٌ [لَهُ](3) فِي الْعِلْمِ، وَلَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ، وَخَطٌّ يُطَابِقُ ذَلِكَ اللَّفْظَ. وَيُقَالُ: لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ، وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ (4) ، وَوُجُودٌ عَيْنِيٌّ، وَعِلْمِيٌّ، وَلَفْظِيٌّ، وَرَسْمِيٌّ، كَالشَّمْسِ الْمَوْجُودَةِ، وَالْكَعْبَةِ الْمَوْجُودَةِ، ثُمَّ إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ الشَّمْسَ يُمَثِّلُهَا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ: شَمْسٌ، وَكَعْبَةٌ، ثُمَّ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ: شَمْسٌ، وَكَعْبَةٌ، فَإِذَا كَتَبَ وَقِيلَ: هَذِهِ الشَّمْسُ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، وَهَذِهِ الْكَعْبَةُ الَّتِي يُصَلِّي إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الْخَطَّ هُوَ الشَّمْسُ وَالْكَعْبَةُ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ.
كَمَا إِذَا قَالَ (5) : يَا زَيْدُ، فَالْمُنَادِي لَا يُنَادِي الصَّوْتَ، وَإِذَا قَالَ: ضَرَبْتُ
(1) أَنَّ: كَذَا فِي (م) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ أَنَّهُ.
(2)
و: الرَّجُلُ.
(3)
لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(4)
ح، م: الْبَيَانِ.
(5)
ب: قِيلَ.
زَيْدًا، لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ ضَرَبَ الْحُرُوفَ، لَكِنْ قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إِذَا أَطْلَقَ الْأَسْمَاءَ فَالْمُرَادُ مُسَمَّيَاتُهَا الَّتِي جُعِلَتِ الْأَسْمَاءُ دَالَّةً عَلَيْهَا، وَإِذَا كُتِبَتِ الْأَسْمَاءُ فَالْمُرَادُ بِالْخَطِّ مَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ. فَإِذَا قِيلَ: لِمَا فِي الْوَرَقَةِ هَذِهِ الْكَعْبَةُ مِنَ الْحِجَازِ، فَالْمُرَادُ الْمُسَمَّى (1) بِالِاسْمِ اللَّفْظِيِّ الَّذِي طَابَقَهُ الْخَطُّ.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ. فَإِذَا قِيلَ لِمَا فِي النَّفْسِ: لَيْسَ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، أَيْ: مَا تَصَوَّرْتَهُ [فِي](2) النَّفْسِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ يُطَابِقُهُ مُطَابَقَةَ الْمَعْلُومِ لِلْعِلْمِ.
فَإِذَا قِيلَ: الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْ: يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مَا يُطَابِقُهُ الْكُلِّيُّ (3) الطَّبِيعِيُّ، فَإِنَّهُ الْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطٍ، فَيُطَابِقُ الْمُعَيَّنَاتِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُطَابِقُ الْمُعَيَّنَاتِ.
وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: [إِنَّ](4) فِي الْخَارِجِ أَمْرًا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا فِيهِ بِعَيْنِهِ، هُوَ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ وَهَذَا الْمُعَيَّنِ، فَهَذَا (5) بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ طَائِفَةٌ، وَأَثْبَتُوا مَاهِيَّاتٍ مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ عَنِ الْمُعَيَّنَاتِ، وَقَالُوا: إِنَّ تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ غَشِيَتْهَا غَوَاشٍ غَرِيبَةٌ، وَإِنَّ أَسْبَابَ الْمَاهِيَّةِ غَيْرُ أَسْبَابِ الْوُجُودِ، وَهَذَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْطِقِ وَعَلَى " الْإِشَارَاتِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبُيِّنَ أَنَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَذْهَانِ لَيْسَ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي
(1) ح: بِالْمُسَمَّى.
(2)
فِي سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(3)
ح: بِالْكُلِّيِّ.
(4)
إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ب) ، (ر) .
(5)
ن: وَهَذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
الْأَعْيَانِ، فَمَنْ عَنَى بِالْمَاهِيَّةِ مَا فِي الذِّهْنِ، وَبِالْوُجُودِ مَا فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ مُصِيبٌ فِي قَوْلِهِ: الْوُجُودُ مُغَايِرٌ لِلْمَاهِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا عَنَى بِالْمَاهِيَّةِ مَا فِي الْخَارِجِ، وَبِالْوُجُودِ مَا فِي الْخَارِجِ، وَبِالْمَاهِيَّةِ مَا فِي الذِّهْنِ، وَبِالْوُجُودِ مَا فِي الذِّهْنِ، وَادَّعَى أَنَّ فِي الذِّهْنِ شَيْئَيْنِ، وَأَنَّ فِي الْخَارِجِ شَيْئَيْنِ: وُجُودٌ وَمَاهِيَّةٌ، فَهَذَا يَتَخَيَّلُ (1) خَيَالًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ الْحَاصِلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَلَفْظُ " الْمَاهِيَّةِ " مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ: مَا هُوَ؟ وَمَا هُوَ سُؤَالٌ عَمَّا يَتَصَوَّرُهُ الْمَسْئُولُ لِيُجِيبَ عَنْهُ، وَتِلْكَ هِيَ الْمَاهِيَّةُ لِلشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلَّفْظِ ; فَتَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالتَّضَمُّنِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى لَازِمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالِالْتِزَامِ (2) .
وَلَيْسَتْ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ، كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَا دَلَالَةَ (3) التَّضَمُّنِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَلَا دَلَالَةَ (4) الِالْتِزَامِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ.
بَلْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَبَيْنَ مَا عَنَاهُ الْمُتَكَلِّمُ بِاللَّفْظِ، وَبَيْنَ مَا يَحْمِلُ الْمُسْتَمِعُ عَلَيْهِ اللَّفْظَ، فَالْمُتَكَلِّمُ إِذَا اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي
(1) و: مُتَخَيَّلٌ.
(2)
فِي هَامِشِ (ر) كَتَبَ مَا يَلِي: " كَلَامٌ فِي أَقْسَامِ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ: الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ ".
(3)
ح، ب، و: وَدَلَالَةُ.
(4)
ح، ب.، و: وَدَلَالَةُ.
مَعْنًى فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي عَنَاهُ بِاللَّفْظِ، وَسُمِّيَ " مَعْنًى "(1) لِأَنَّهُ عَنَى بِهِ (2) أَيْ قُصِدَ وَأُرِيدَ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ وَمَقْصُودُهُ بِلَفْظِهِ.
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا [فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا](3) فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ الْمَجَازُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَمِيعِ فِي الْبَعْضِ، وَمِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَى، وَهِيَ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّلَالَةُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازِيَّةً (4)، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ: إِذَا كَانَ لَهُ جُزْءٌ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ تَضَمُّنٌ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ تَضَمَّنَ (5) ذَلِكَ الْجُزْءَ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى لَازِمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى هِيَ دَلَالَةُ الْمَلْزُومِ، وَكُلُّ لَفْظٍ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى فَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ مُطَابِقَةٌ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ طَابَقَ الْمَعْنَى بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ، سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا.
فَالْمَاهِيَّةُ الَّتِي يَعْنِيهَا الْمُتَكَلِّمُ بِلَفْظِهِ دَلَالَةُ لَفْظِهِ عَلَيْهَا [دَلَالَةً](6) مُطَابِقَةً، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهَا دَلَالَةُ تَضَمُّنٍ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ.
(1) و: مَعْنَاهُ.
(2)
بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) .
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(4)
ح، ر: حَقِيقَةً أَوْ مَجَازِيَّةً، و: حَقِيقَتَهُ أَوْ مَجَازَتَهُ.
(5)
ح، ر: يَضْمَنُ.
(6)
دَلَالَةً: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
فَإِذَا قِيلَ: الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ الدَّاخِلَةُ فِي الْمَاهِيَّةِ وَالْخَارِجَةُ عَنِ الْمَاهِيَّةِ، وَعُنِي بِالدَّاخِلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِالتَّضَمُّنِ، وَبِالْخَارِجِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ (1) ، فَهَذَا صَحِيحٌ.
وَهَذَا الدُّخُولُ وَالْخُرُوجُ هُوَ بِحَسَبِ مَا تَصَوَّرَهُ الْمُتَكَلِّمُ، فَمَنْ تَصَوَّرَ حَيَوَانًا نَاطِقًا فَقَالَ: إِنْسَانٌ، كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مُطَابِقَةً، وَعَلَى أَحَدِهِمَا تَضَمُّنٌ، وَعَلَى اللَّازِمِ - مِثْلَ كَوْنِهِ ضَاحِكًا - الْتِزَامٌ، وَإِذَا تَصَوَّرَ إِنْسَانًا ضَاحِكًا كَانَتْ دَلَالَةُ إِنْسَانٍ عَلَى الْمَجْمُوعِ مُطَابِقَةً، وَعَلَى أَحَدِهِمَا تَضَمُّنٌ، وَعَلَى اللَّازِمِ مِثْلَ كَوْنِهِ (2) نَاطِقًا الْتِزَامٌ.
وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ اللَّازِمَةُ لِلْمَوْصُوفِ فِي الْخَارِجِ: بَعْضُهَا دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ، [وَبَعْضُهَا خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ](3) ، وَالدَّاخِلُ هُوَ الذَّاتِيُّ، وَالْخَارِجُ يَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمٍ لِلْمَاهِيَّةِ (4) وَالْوُجُودِ، وَإِلَى لَازِمٍ لِلْوُجُودِ دُونَ الْمَاهِيَّةِ ; فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ [فِي مَوَاضِعَ](5) ، وَبَيَّنَّا مَا فِي الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ مِنَ الْأَغَالِيطِ، الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ مُعَلِّمِهِمُ الْأَوَّلِ، وَبَعْضُهَا مِنْ تَغْيِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَتَكَلَّمْنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ [وَاحِدًا وَاحِدًا](6) كَابْنِ سِينَا
(1) و: بِالْإِلْزَامِ.
(2)
ح، ي، ر: وَعَلَى كَوْنِهِ ضَاحِكًا الْتِزَامٌ، و: وَعَلَى كَوْنِهِ ضَاحِكًا إِلْزَامٌ، ن، م: مِثْلَ كَوْنِهِ نَاطِقًا الْتِزَامٌ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(4)
ن: إِلَى اللَّازِمِ لِلْمَاهِيَّةِ، ح، و: إِلَى لَازِمِ الْمَاهِيَّةِ.
(5)
فِي مَوَاضِعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
وَاحِدًا وَاحِدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَّهُ (1) يُوجَدُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنْفُسِهِمْ (2) ، وَمِنْ رَدِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، مَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْسِيمِ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْمَوْصُوفِ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ، إِلَّا إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الذِّهْنِ مِنَ الْمَاهِيَّةِ، لَا بِاعْتِبَارِ مَاهِيَّةٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ.
وَكَذَلِكَ مَا فَرَّعُوهُ عَلَى هَذَا مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ (3) ذِهْنِيٌّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَتَرَكُّبُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ مِنْ جِنْسِ تَركُّبِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالضَّاحِكِ، إِذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنَ الصِّفَتَيْنِ (4) لَازِمًا مَلْزُومًا، وَأُرِيدَ الضَّاحِكُ بِالْقُوَّةِ وَالنَّاطِقُ بِالْقُوَّةِ (5) .
وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: [فِي الْخَارِجِ](6) الْإِنْسَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَوْصُوفٌ بِهَذَا وَهَذَا، فَهَذَا (7) صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ (8) إِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْإِنْسَانِ، الَّتِي لَا يَكُونُ إِنْسَانًا إِلَّا بِهَا، كَالْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّاطِقِيَّةِ، وَالضَّاحِكِيَّةِ، وَبَيْنَ مَا يَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ، فَهَذَا صَحِيحٌ.
أَمَّا إِذَا قِيلَ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ، وَهِيَ أَجْزَاءٌ لَهُ، وَهِيَ
(1) ن: فَإِنَّهُ.
(2)
ح، ب: بِأَنْفُسِهِمْ.
(3)
و: الْمُرَكَّبَ.
(4)
ح، ر، و: الصِّنْفَيْنِ.
(5)
ن: وَبِالنَّاطِقِ بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (م) .
(6)
فِي الْخَارِجِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(7)
ن: فَهُوَ.
(8)
ح، ر، ب، ي: وَهَكَذَا.
مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا ذَاتِيًّا - فَإِنَّ الْجُزْءَ قَبْلَ الْكُلِّ، وَالْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ -، وَأُرِيدَ بِذَلِكَ التَّرْكِيبُ فِي الْخَارِجِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ. فَإِنَّ الصِّفَةَ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ، فَكَيْفَ تَكُونُ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؟
وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّاطِقِيَّةِ، أَوْ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جَوْهَرَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَوْصُوفٍ جَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ بِعَدَدِ صِفَاتِهِ، فَيَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ جَوْهَرٌ هُوَ جِسْمٌ، وَجَوْهَرٌ هُوَ حَسَّاسٌ، وَجَوْهَرٌ هُوَ نَامٍ، وَجَوْهَرٌ هُوَ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ، وَجَوْهَرٌ هُوَ نَاطِقٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ، بَلِ الْإِنْسَانُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، فَيُقَالُ: جِسْمٌ حَسَّاسٌ (1) نَامٍ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ نَاطِقٌ.
وَإِنْ أُرِيدَ [بِهِ](2) أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ عَرَضَيْنِ، فَالْإِنْسَانُ جَوْهَرٌ، وَالْجَوْهَرُ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ أَعْرَاضٍ لَاحِقَةٍ لَهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً لَهُ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ.
وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي جَعْلِ الْأُمُورِ الذِّهْنِيَّةِ الْمَعْقُولَةِ فِي النَّفْسِ، فَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أُمُورًا مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ، فَأَصْحَابُ فِيثَاغُورْسَ الْقَائِلُونَ بِالْأَعْدَادِ الْمُجَرَّدَةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ هُنَا كَانَ غَلَطُهُمْ (3) ،
(1) ن: جِسْمٌ جَوْهَرٌ حَسَّاسٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(2)
بِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(3)
فِيثَاغُورْسُ Pythagoras فَيْلَسُوفٌ وَرِيَاضِيٌّ شَهِيرٌ، عُرِفَ حَوَالَيْ مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ السَّادِسِ قَبْلَ الْمِيلَادِ. قَالَ: إِنَّ الْعَالَمَ أَشْبَهُ بِعَالَمِ الْأَعْدَادِ مِنْهُ بِعَالَمِ الْمَاءِ أَوِ النَّارِ أَوِ التُّرَابِ، وَقَالَ: إِنَّ الْمَوْجُودَاتِ أَعْدَادٌ وَأَنَّ الْعَالَمَ عَدَدٌ وَنَغَمٌ، وَقَالَ بِالتَّنَاسُخِ، انْظُرْ عَنْهُ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/78 - 79، تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص 258، 259، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ، 1/60 - 68، تَارِيخَ ابْنِ الْعِبْرِيِّ ص 50، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِكَرَمٍ ص 20 - 26، فَجْرَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، ص 70 - 92، نَشْأَةَ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ 38 - 60، رَبِيعَ الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ ص 106 - 116، الْفَلْسَفَةَ عِنْدَ الْيُونَانِ ص 69 - 82 Greek Philosophy، pp، 36 - 40.
وَأَصْحَابُ أَفْلَاطُونَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ مِنْ \ هُنَا كَانَ غَلَطُهُمْ (1) ، وَأَصْحَابُ صَاحِبِهِ أَرِسْطُو الَّذِينَ أَثْبَتُوا جَوَاهِرَ مَعْقُولَةً مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ مُقَارَنَةً لِلْجَوَاهِرِ الْمَوْجُودَةِ الْمَحْسُوسَةِ، كَالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَالْمَاهِيَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، مِنْ هُنَا كَانَ غَلَطُهُمْ (2) .
وَهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ، قِيلَ لَهُمْ: أَهِيَ فِي الذِّهْنِ أَمْ فِي الْخَارِجِ؟ فَفِي أَيِّهِمَا أَثْبَتُوهَا ظَهَرَ غَلَطُهُمْ، وَإِذَا قَالُوا: نُثْبِتُهَا مُطْلَقَةً، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ
(1) أَفْلَاطُونَ، وَجَاءَ فِي (ن) ، (و)، (ر) أَفْلَاطُنَ Plato: هُوَ الْفَيْلَسُوفُ الْيُونَانِيُّ الشَّهِيرُ. وُلِدَ 428 ق. م وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 348 ق. م انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ آرَائِهِ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/94 - 101، تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص 17 - 27، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ 78 - 84، أَفْلَاطُونْ لِلدُّكْتُورِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِيّ، مَكْتَبَةُ النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَاهِرَةِ 1954، الْفَلْسَفَةَ عِنْدَ الْيُونَانِ، ص 165 - 243، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِيُوسُفَ كَرَم ص 62 - 111، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْغَرْبِيَّةِ لِبِرْتِرَانْد رَسِل تَرْجَمَةُ د. زَكِي نَجِيب مَحْمُود ص 176 - 257 Greek Philosophy pp 58 - 255 AE Taylor: Plato، London، 1963
(2)
أَرِسْطُو الَّذِي عُرِفَ بِالْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَشْهَرُ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وُلِدَ سَنَةَ 384 ق. م وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 322 ق. م انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ آرَائِهِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/128 - 145 تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ ص 27 - 53، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 84 - 105، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، ص 112 - 209، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْغَرْبِيَّةِ ص 258 - 331، الْفَلْسَفَةَ عِنْدَ الْيُونَانِ ص 245 - 364، أَرِسْطُو لِلدُّكْتُورِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِي، مَكْتَبَةُ النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ 1944 Greek Philosophy pp، 257 - 380. Ross Aristotle London، 1974.
عَنْ هَذَا، وَهَذَا أَوْ أَعَمَّ (1) مِنْ هَذَا وَهَذَا، قِيلَ: عَدَمُ نَظَرِ النَّاظِرِ لَا يُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: إِمَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِمَّا فِي الْخَارِجِ.
وَمَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهَا فَهُوَ أَيْضًا فِي الذِّهْنِ ; فَإِنَّكَ إِذَا قَدَّرْتَ مَاهِيَّةً لَا فِي الذِّهْنِ، وَلَا فِي الْخَارِجِ لَمْ تَكُنْ مُقَدِّرًا (2) إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ فِي الذِّهْنِ، لَا أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الَّتِي قِيلَ: عَنْهَا لَيْسَتْ فِي الذِّهْنِ - هِيَ فِي الذِّهْنِ، بَلِ الْمَاهِيَّةُ الَّتِي تَصَوَّرَهَا الْإِنْسَانُ فِي ذِهْنِهِ يُمْكِنُهُ تَقْدِيرُهَا لَيْسَتْ فِي ذِهْنِهِ، مَعَ أَنَّ تَقْدِيرَهَا لَيْسَتْ فِي ذِهْنِهِ هُوَ فِي ذِهْنِهِ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا.
بَلْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُقَيَّدَةِ بِكَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ، وَبَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي لَا تَتَقَدَّرُ بِذِهْنٍ وَلَا خَارِجٍ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ أَيْضًا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِنْ أَعْرَضَ الذِّهْنُ عَنْ كَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ. فَكَوْنُهَا فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ آخَرُ.
وَهَؤُلَاءِ يَتَصَوَّرُونَ (3) أَشْيَاءَ وَيُقَدِّرُونَهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَكِنْ حَالَ مَا يَتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ [شَيْئًا](4) فِي ذِهْنِهِ وَيُقَدِّرُهُ، قَدْ لَا يَشْعُرُ بِكَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ، كَمَنْ رَأَى الشَّيْءَ فِي الْخَارِجِ، فَاشْتَغَلَ بِالْمَرْئِيِّ عَنْ كَوْنِهِ رَائِيًا لَهُ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمُ الْفَنَاءَ، الَّذِي يَفْنَى بِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ،
(1) م، ب: وَأَعَمَّ
(2)
ن، م: لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً
(3)
ن، م: وَهَؤُلَاءِ يُصَوِّرُونَ، ح،: وَهُمْ لَا يَتَصَوَّرُونَ
(4)
شَيْئًا: فِي (ب) وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ
وَبِمَحْبُوبِهِ عَنْ مَحَبَّتِهِ، وَبِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا يُقَدِّرُ الشَّيْءَ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا قَدَّرَ أَنَّ الْجَبَلَ مِنْ يَاقُوتٍ، وَالْبَحْرَ مِنْ زِئْبَقٍ، فَتَقْدِيرُ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ هُوَ تَقْدِيرُ اعْتِقَادَاتٍ بَاطِلَةٍ.
وَالِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ لَا (1) تَكُونُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ، فَمَنْ قَدَّرَ مَاهِيَّةً لَا فِي الذِّهْنِ وَلَا فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ مِثْلُ مَنْ قَدَّرَ مَوْجُودًا لَا وَاجِبًا وَلَا مُمْكِنًا، وَلَا قَدِيمًا وَلَا مُحْدَثًا، وَلَا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي الذِّهْنِ.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَيَّنَّا فَسَادَ احْتِجَاجِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ بِالتَّقْدِيرَاتِ الذِّهْنِيَّةِ عَلَى الْإِمْكَانَاتِ الْخَارِجِيَّةِ، كَمَا يَقُولُهُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ: الْمَوْجُودُ إِمَّا دَاخِلَ الْعَالَمِ، وَإِمَّا خَارِجَ الْعَالَمِ، وَإِمَّا لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَكُلٌّ (2) مَوْجُودٍ إِمَّا مُبَايِنٌ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا مُحَايِثٌ لَهُ، وَإِمَّا لَا مُبَايِنٌ وَمُحَايِثٌ ; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: الْمَوْجُودُ إِمَّا مُتَحَيِّزٌ وَإِمَّا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، وَإِمَّا لَا مُتَحَيِّزٌ، وَلَا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ الْقِسْمِ [الثَّالِثِ] (3) وَهَذَا غَلَطٌ ; فَإِنَّ هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: الْمَوْجُودُ إِمَّا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَإِمَّا لَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى إِمْكَانِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَإِنَّ هَذَا غَلَطٌ.
(1) وَالِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ لَا: عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ تَنْتَهِي نُسْخَةُ (و) الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ فِي ص 282 مِنْهَا، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ.
(2)
ر، ي: أَوْ كُلُّ.
(3)
الثَّالِثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)
وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: إِمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا مُحْدَثٌ، وَإِمَّا لَا قَدِيمٌ وَلَا مُحْدَثٌ، وَإِمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُمْكِنٌ، وَإِمَّا لَا وَاجِبٌ وَلَا مُمْكِنٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذَا.
وَدَخَلَ الْغَلَطُ عَلَى هَؤُلَاءِ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ مُجَرَّدَ تَقْدِيرِ الذِّهْنِ وَفَرْضِهِ يَقْتَضِي إِمْكَانُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الذِّهْنُ يَفْرِضُ أُمُورًا مُمْتَنِعَةً، لَا يَجُوزُ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَا تَكُونُ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا ذِكْرُ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْحَالَ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ: هَلْ يُمْكِنُ [كُلُّ](1) أَحَدٍ اجْتِهَادٌ يَعْرِفُ بِهِ الْحَقَّ؟ أَمِ (2) النَّاسُ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِ قَادِرٍ؟ .
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْمُجْتَهِدُ الْعَاجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ: هَلْ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ أَمْ لَا يُعَاقِبُ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ بَعْضِ الصَّوَابِ؟
وَإِذَا عُرِفَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ، فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم[جَمِيعُ](3) مَا يُطْعَنُ بِهِ فِيهِمْ أَكْثَرُهُ كَذِبٌ، وَالصِّدْقُ مِنْهُ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً، وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، وَالذَّنْبُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (4) أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يُوجِبُ النَّارَ
(1) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(2)
ن: بَلْ.
(3)
جَمِيعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ر، ب، ي: أَحَدًا.