الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ مَا أَسْقَطَهُ عَلَى الْهَنَاتِ.
فَعَلِيٌّ حَرَّقَ جَمَاعَةً بِالنَّارِ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ مُنْكَرًا، فَفِعْلُ عَلِيٍّ أَنْكَرُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُ عَلِيٍّ مِمَّا لَا يُنْكَرُ مِثْلُهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ، فَأَبُو بَكْرٍ أَوْلَى أَنْ لَا يُنْكَرَ عَلَيْهِ.
[كلام الرافضي أن أبا بكر خفي َلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ والرد عليه]
(فَصْلٌ)(1)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ (3) يَعْرِفْ حُكْمَ الْكَلَالَةِ، وَقَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُ (4) صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ (5) خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى قُصُورِهِ فِي الْعِلْمِ ".
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ. كَيْفَ (6) يَخْفَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَقْضِي وَيُفْتِي إِلَّا هُوَ؟ ! وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (7) مِنْهُ لَهُ وَلِعُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْظَمَ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ ثُمَّ عُمَرُ.
(1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر)، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ.
(2)
فِي (ك) ص 134 (م) .
(3)
ح، ب، ن، م: وَلَمْ.
(4)
ح، ب: يَكُنْ، ك: كَانَ.
(5)
ك: كَانَ.
(6)
ب: وَكَيْفَ.
(7)
ن، م: مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِثْلُ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرِهِ، إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ. وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي وَلَايَتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَصَّلَهَا هُوَ بِعِلْمٍ يُبَيِّنُهُ لَهُمْ، وَحُجَّةٍ يَذْكُرُهَا لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ مَوْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقِرَاءَتَهُ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ (1) ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ مَوْضِعَ دَفْنِهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةَ [لَمَّا اسْتَرَابَ فِيهِ عُمَرُ](2) ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، لَمَّا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَكُونُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ.
وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَوَّلِ حَجَّةٍ حُجَّتْ مِنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعِلْمُ الْمَنَاسِكِ أَدَقُّ مَا (3) فِي الْعِبَادَاتِ، وَلَوْلَا سَعَةُ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ اسْتَخْلَفَهُ فِيهَا، وَلَوْلَا عِلْمُهُ بِهَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ غَيْرَهُ لَا فِي حَجٍّ وَلَا فِي صَلَاةٍ.
وَكِتَابُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهُ أَنَسٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ.
وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْأَلَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ غَلِطَ فِيهَا، وَقَدْ عُرِفَ لِغَيْرِهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَدْ تَنَازَعَتِ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ فِي مَسَائِلَ: مِثْلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَمِثْلِ
(1) فِي هَامِشِ (ر) ، (ي) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ، " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ. .) الْآيَةَ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
مَا سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .
الْعُمْرَتَيْنِ، وَمِثْلِ الْعَوْلِ (1) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ (* الْفَرَائِضِ وَتَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةِ (2) . الْحَرَامِ، وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ، وَالْخَلِيَّةِ (3) .، وَالْبَرِيَّةُ (4) ، وَالْبَتَّةُ (5) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ.
وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي مَسَائِلَ *) (6) . صَارَتْ مَسَائِلَ نِزَاعٍ بَيْنَ الْأُمَّةِ إِلَى الْيَوْمِ. وَكَانَ تَنَازُعُهُمْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نِزَاعَ اجْتِهَادٍ مَحْضٍ: كُلٌّ مِنْهُمْ يُقِرُّ صَاحِبَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ، كَتَنَازُعِ (7) . الْفُقَهَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
وَأَمَّا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَقَوِيَ النِّزَاعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، حَتَّى صَارَ يَحْصُلُ كَلَامٌ غَلِيظٌ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَلَكِنْ لَمْ يُقَاتِلْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْيَدِ (8) . وَلَا بِسَيْفٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَأَمَّا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ فَتَغَلَّظَ النِّزَاعُ، حَتَّى تَقَاتَلُوا بِالسُّيُوفِ.
(1) ن: الْعَزْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي " التَّعْرِيفَاتِ " لِلْجُرْجَانِيِّ:" الْمَيْلُ إِلَى الْجَوْرِ وَالرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: زِيَادَةُ السِّهَامِ عَلَى الْفَرِيضَةِ، فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ إِلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ، فَيَدْخُلُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ ". وَفِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ "، وَالْعَوْلُ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ:" زِيَادَةُ الْأَنْصِبَاءِ عَلَى الْفَرِيضَةِ فَتَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ الْحِصَصِ ".
(2)
ن: مَسَائِلِ
(3)
فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ ": " وَالْخَلِيَّةُ كَلِمَةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ: إِذَا نَوَى الْقَائِلُ بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ "
(4)
فِي " الْمُحَلَّى " لِابْنِ حَزْمٍ 10/186 " ط. الْمُنِيرِيَّةِ 1352 ": " وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ أَلْبَتَّةَ، نَوَى بِهَا طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ، لَا فِي فُتْيَا وَلَا فِي قَضَاءٍ، مِثْلَ الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ، وَقَدْ بَارَأْتُكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، وَالْحَرَجُ، وَقَدْ وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، أَوْ لِمَنْ يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَهْلِ. .)
(5)
فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ ": " بَتَّ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ جَعَلَهُ بَاتًّا لَا رَجْعَةَ فِيهِ ". وَانْظُرِ الْمُحَلَّى 10/187 - 194
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)
(7)
ن، م: كَسَائِرِ
(8)
ب (فَقَطْ) : بِيَدٍ
وَأَمَّا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ ; وَذَلِكَ لِكَمَالِ عِلْمِ الصِّدِّيقِ، وَعَدْلِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي تُزِيلُ النِّزَاعَ، فَلَمْ يَكُنْ يَقَعُ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ إِلَّا أَظْهَرَ الصِّدِّيقُ مِنَ الْحُجَّةِ الَّتِي تَفْصِلُ النِّزَاعَ مَا يَزُولُ مَعَهَا (1) . النِّزَاعُ، وَكَانَ عَامَّةُ الْحُجَجِ الْفَاصِلَةِ لِلنِّزَاعِ يَأْتِي بِهَا الصِّدِّيقُ ابْتِدَاءً، وَقَلِيلٌ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُهُ عُمَرُ أَوْ غَيْرُهُ، فَيُقِرُّهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ.
وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ وَرَعِيَّتَهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ وَرَعِيَّتِهِ، وَعُثْمَانَ وَرَعِيَّتِهِ، وَعَلِيٍّ وَرَعِيَّتِهِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَعِيَّتَهْ أَفْضَلُ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ الْأَقْوَالُ الَّتِي خُولِفَ فِيهَا الصِّدِّيقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، قَوْلُهُ فِيهَا أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَطَرْدُ ذَلِكَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ الصِّدِّيقِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِهِمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْإِخْوَةُ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ (2) . مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، كَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَيُذْكَرُ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ.
وَالَّذِينَ قَالُوا: بِتَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ، كَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، اخْتَلَفُوا (3) . اخْتِلَافًا مَعْرُوفًا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَالَ قَوْلًا خَالَفَهُ فِيهِ الْآخَرُ، وَانْفَرَدَ بِقَوْلِهِ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
(1) ب: مَا يَزُولُ بِهِ، ح: مَا يُزِيلُ مَعَهُ
(2)
ن، ر: طَائِفَةٍ
(3)
ح، ر، ي: وَاخْتَلَفُوا
فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَبَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ الصِّدِّيقِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، [لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا](1) . .
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي زَمَنِ صِدِّيقِ الْأُمَّةِ رضي الله عنه مِنْ جَوَازِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ بِالتَّمَتُّعِ، وَأَنَّ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ هُوَ الرَّاجِحُ، دُونَ مَنْ يُحَرِّمُ الْفَسْخَ وَيُلْزِمُ بِالثَّلَاثِ ; فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، دُونَ الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حَالِ الصِّدِّيقِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ وَلِيَ الْأُمَّةَ، بَلْ وَمِمَّنْ وَلِيَ غَيْرَهَا مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ وَيَكْثُرُونَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:" فُوا (2) بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ» "(3) .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ (4) . مَنْ تَوَلَّى بَعْدَ الْفَاضِلِ إِذَا كَانَ فِيهِ نَقْصٌ كَثِيٌر عَنْ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 59 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ:" وَلَهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ " وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُفْرَدَةٌ لَمْ تُنْشَرْ فِيمَا أَعْلَمُ. وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضِمْنَ إِجَابَتِهِ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ فِي ص 342 - 343 مِنْ مُجَلَّدِ 31 مِنْ فَتَاوَى الرِّيَاضِ
(2)
ح، ب: أَوْفُوا.
(3)
مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/117
(4)
ب فَقَطْ: أَنْ
سِيَاسَةِ الْأَوَّلِ، ظَهَرَ ذَلِكَ (1) . النَّقْصُ ظُهُورًا بَيِّنًا، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ الْوُلَاةِ إِذَا تَوَلَّى مَلِكٌ بَعْدَ مَلِكٍ، أَوْ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ، أَوْ شَيْخٌ بَعْدَ شَيْخٍ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ الثَّانِي إِذَا كَانَ نَاقِصَ الْوَلَايَةِ نَقْصًا بَيِّنًا ظَهَرَ ذَلِكَ فِيهِ، وَتَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ الَّتِي كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ نَظَّمَهَا وَأَلَّفَهَا، ثُمَّ الصِّدِّيقُ تَوَلَّى بَعْدَ أَكْمَلِ الْخَلْقِ سِيَاسَةً، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْإِسْلَامِ نَقْصٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، بَلْ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ حَتَّى عَادَ الْأَمْرُ إِلَى مَا كَانَ [عَلَيْهِ](2) ، وَأَدْخَلَ النَّاسَ فِي الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَّمَ الْأُمَّةَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ، وَقَوَّاهُمْ لَمَّا ضَعُفُوا، وَشَجَّعَهُمْ لَمَّا جَبُنُوا، وَسَارَ فِيهِمْ سِيرَةً تُوجِبُ صَلَاحَ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِسَبَبِهِ الْأُمَّةَ فِي عِلْمِهِمْ، وَقُدْرَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا حَفِظَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْأُمَّةِ دِينَهَا، وَهَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِخِلَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْكَلَالَةِ حَتَّى قَالَ فِيهَا بِرَأْيهِ ".
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ عِلْمِهِ ; فَإِنَّ هَذَا الرَّأْيَ الَّذِي رَآهُ فِي الْكَلَالَةِ قَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِي الْكَلَالَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَالْقَوْلُ بِالرَّأْيِ هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، لَكِنَّ الرَّأْيَ الْمُوَافِقَ لِلْحَقِّ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ
(1) ح، ب: ظَهَرَ لَكَ
(2)
عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ر) ، (ي) .
أَجْرَانِ، كَرَأْيِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي غَايَةُ صَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
وَقَدْ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ هَذَا: أَلِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟ فَقَالَ: بَلْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (1) . .
فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الرَّأْيِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ مَا حَصَلَ، لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا، فَكَيْفَ بِذَلِكَ الرَّأْيِ الَّذِي اتَّفَقَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى حُسْنِهِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِي الْجَدِّ (2) . بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً، فَهَذَا كَذِبٌ. وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا نُقِلَ هَذَا عَنْ [أَبِي بَكْرٍ](3) ، بَلْ نَقْلُ هَذَا عَنْ أَبِي
(1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ مَرَّتَيْنِ فِي: مُسْلِمٍ 4/2143 - 2144 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، أَوَّلَ الْكِتَابِ الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 9، 10)، وَنَصُّ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: قُلْتُ لِعَمَّارٍ أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ فِي أَمْرِ عَلِيٍّ، أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنَّ حُذَيْفَةَ أَخْبَرَنِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ وَأَرْبَعَةٌ " لَمْ أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 17/125: أَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فِي أَصْحَابِي " فَمَعْنَاهُ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى صُحْبَتِي، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ:" فِي أُمَّتِي " وَسَمُّ الْخَيَّاطِ بِفْتَحِ السِّينَ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، الْفَتْحُ أَشْهَرُ، وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ، وَهُوَ ثُقْبُ الْإِبْرَةِ، وَأَمَّا الدُّبَيْلَةُ فَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِسِرَاجٍ مِنْ نَارٍ. . " وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ)
(2)
ن: الْحَدِيثَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(3)
ن، م: عَنْهُ.
بَكْرٍ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الرَّوَافِضِ وَكَذِبِهِمْ، وَلَكِنْ نَقَلَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَاطِلٌ (1) ، عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي خِلَافَتِهِ سَبْعُونَ جَدًّا كُلٌّ مِنْهُمْ كَانَ لِابْنِ ابْنِهِ إِخْوَةٌ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْوَقَائِعُ تَحْتَمِلُ سَبْعِينَ قَوْلًا مُخْتَلِفَةً، بَلْ هَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يَحْتَمِلُهُ كُلُّ جَدٍّ فِي الْعَالَمِ (2) .، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ فِي الْجَدِّ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ أَبًا، وَهُوَ قَوْلُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ [كَأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، كَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ، وَيُذْكَرُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ](3) . كَمَا تَقَدَّمَ (4) .، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي الدَّلِيلِ.
وَلِهَذَا يُقَالُ: لَا يُعْرَفُ لِأَبِي بَكْرٍ خَطَأٌ فِي الْفُتْيَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ (5) فِي الْجَدِّ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَالَّذِينَ وَرَّثُوا الْإِخْوَةَ مَعَ الْجَدِّ، وَهُمْ عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُمَرُ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، تَفَرَّقُوا فِي ذَلِكَ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَالْفُقَهَاءُ فِي الْجَدِّ: إِمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ الَّذِي أَمْضَاهُ عُمَرُ. وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُتْيَا إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ، وَذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ; فَإِنَّ زَيْدًا قَاضِي عُمَرَ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ زِيدٍ.
(1) ن، م، ي: مَعَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ، ر: مَعَ هَذَا بَاطِلٌ.
(2)
ن، م: فِي الْعِلْمِ
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب)
(4)
عِبَارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي (ن) ، (م) ، (ب) فَقَطْ
(5)
ح: قَوْلَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.
وَعُمَرُ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي الْجَدِّ، وَقَالَ:" ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَهُنَّ لَنَا: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا "(1) . .
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْجَدَّ أَبًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 27]، وَقَوْلُهُ:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 78]، وَقَدْ قَالَ:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} ، {يَا بَنِي آدَمَ} ، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَإِذَا كَانَ ابْنُ الِابْنِ ابْنًا، كَانَ أَبُو الْأَبِ أَبًا، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ النِّزَاعِ ; فَإِنَّهُ يُسْقِطُ وَلَدَ الْأُمِّ كَالْأَبِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ، سِوَى الْبَنِينَ كَالْأَبِ، وَيَأْخُذُ مَعَ الْوَلَدِ السُّدُسَ كَالْأَبِ، وَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مَعَ الْبَنَاتِ كَالْأَبِ.
وَأَمَّا فِي الْعُمَرِيَّتَيْنِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَزَوْجَةٍ (2) وَأَبَوَيْنِ ; فَإِنَّ الْأُمَّ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ (3) .، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا (4) . جَدٌّ لَأَخَذَتِ الثُّلُثَ كُلَّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ إِلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ مِنَ الْجَدِّ،
(1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 7/106 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ)، وَنَصُّهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا. . الْحَدِيثَ، وَهُوَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي مُسْلِمٍ 4/2322 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ بَابٌ فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/444 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ)
(2)
ب فَقَطْ: أَوْ زَوْجَةٍ
(3)
ن، م: لِلْجَدِّ
(4)
ح، ر، ي: مَعَهُمَا
وَإِنَّمَا الْجَدَّةُ نَظِيرُ الْجَدِّ، وَالْأُمُّ تَأْخُذُ مَعَ الْأَبِ الثُّلُثَ، وَالْجَدَّةُ لَا تَأْخُذُ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا السُّدُسَ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوَّى بِهِ الْجَدُّ ; وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ مَعَ الْجَدِّ الْأَدْنَى كَالْأَعْمَامِ مَعَ الْجَدِّ الْأَعْلَى.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى يُقَدَّمُ عَلَى الْأَعْمَامِ، فَكَذَلِكَ الْجَدُّ الْأَدْنَى يُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ ; لِأَنَّ نِسْبَةَ الْإِخْوَةِ إِلَى الْجَدِّ الْأَدْنَى كَنِسْبَةِ الْأَعْمَامِ إِلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى ; وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَوْ كَانُوا لِكَوْنِهِمْ بَنِي الْأَبِ (1) . يُشَارِكُونَ الْجَدَّ، لَكَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ كَذَلِكَ، كَمَا يَقُومُ بَنُو الْبَنِينَ مَقَامَ آبَائِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يُشَارِكُونَ الْجَدَّ، كَانَ آبَاؤُهُمُ الْإِخْوَةُ كَذَلِكَ، وَعَكْسُهُ الْبَنُونَ: لَمَّا كَانَ الْجَدُّ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْبَنِينَ، فُرِضَ لَهُ مَعَ بَنِي الْبَنِينَ (2) . .
وَأَمَّا الْحُجَّةُ الَّتِي تُورَى عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي أَنَّ الْإِخْوَةَ يُشَارِكُونَ الْجَدَّ، حَيْثُ شَبَّهُوا ذَلِكَ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ خَرَجَ مِنْهَا فَرْعٌ، خَرَجَ مِنْهُ غُصْنَانِ، فَأَحَدُ الْغُصْنَيْنِ أَقْرَبُ إِلَى الْآخَرِ مِنْهُ إِلَى الْأَصْلِ، وَبِنَهْرٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ آخَرُ، وَمِنْهُ جَدْوَلَانِ، فَأَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ (3) . مِنَ الْجَدْوَلِ إِلَى النَّهْرِ الْأَوَّلِ.
فَمَضْمُونُ هَذِهِ الْحُجَّةِ: أَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ مِنَ الْجَدِّ.
وَمَنْ تَدَبَّرَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ عَلِمَ أَنَّ حُجَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ لَا تُعَارِضُهَا هَذِهِ الْحُجَّةُ ; فَإِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَ بَنُو الْأَخِ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ، وَلَكَانَ الْعَمُّ أَوْلَى مِنْ جَدِّ الْأَبِ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ إِلَى
(1) ن، م: لِكَوْنِهِمْ مِنَ الْأَبِ
(2)
ح: مَعَ ابْنِ الْبَنِينَ
(3)
ر: فَأَحَدُهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْآخَرِ