الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كلام الرافضي على أبي بكر أنه أَهْمَلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يَقْتَصَّ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ والرد عليه]
(فَصْلٌ)(1)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " وَأَهْمَلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يَقْتَصَّ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَلَا حَدَّهُ حَيْثُ (3) قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَكَانَ مُسْلِمًا (4) ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ [فِي] (5) لَيْلَةَ قَتَلَهُ وَضَاجَعَهَا، وَأَشَارَ عَلَيْهِ (6) عُمَرُ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ "(7) .
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: إِنْ كَانَ تَرْكُ قَتْلِ قَاتِلِ الْمَعْصُومِ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْأَئِمَّةِ، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةِ شِيعَةِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا بِلَا تَأْوِيلٍ مُسَوِّغٍ لِقَتْلِهِ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَقْتُلْ قَتَلَتَهُ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا امْتَنَعَتْ بِهِ شِيعَةُ عُثْمَانَ عَنْ مُبَايَعَةِ عَلِيٍّ ;
(1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ.
(2)
فِي (ك) ص 135 (م) .
(3)
ك: حِينَ.
(4)
عِبَارَةُ، " وَكَانَ مُسْلِمًا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .
(5)
فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب)، وَفِي (ك) : مِنْ.
(6)
ك: إِلَيْهِ.
(7)
ح، ب: فَلَمْ يَقْتُلْهُ، ر، ي، ي: فَلَمْ يَقْبَلْ، ك: فَلَمْ يَقْتُلْ.
فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَعُذْرُ أَبِي بَكْرٍ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ أَقْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَعَلِيٌّ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ.
وَأَمَّا مَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَتَرْكِ إِنْكَارِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى عَلِيٍّ ; فَهَذَا مِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ.
وَكَذَلِكَ إِنْكَارُهُمْ عَلَى عُثْمَانَ كَوْنَهُ لَمْ يَقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِالْهُرْمُزَانِ، هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (1) .
وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلِيٌّ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ ; لِأَنَّ شُرُوطَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ: إِمَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَعْيَانِ الْقَتَلَةِ، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِمْ ذَوِي شَوْكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قِيلَ: فَشُرُوطُ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ فِي قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَقَتْلِ قَاتِلِ الْهُرْمُزَانِ ; لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ.
(1) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ " ص 106 - 108 (ط. السَّلَفِيَّةِ 1371) بِتَحْقِيقِ أُسْتَاذِي مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ رحمه الله حَيْثُ قَالَ: " وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ عَنْ قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهُرْمُزَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْ فَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، وَالْأَمْرُ فِي أَوَّلِهِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْهُرْمُزَانَ سَعَى فِي قَتْلِ عُمَرَ، وَحَمَلَ الْخِنْجَرَ وَظَهَرَ تَحْتَ ثِيَابِهِ، وَكَانَ قَتْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ لَهُ وَعُثْمَانُ لَمْ يَلِ بَعْدُ، وَلَعَلَّ عُثْمَانَ كَانَ لَا يَرَى عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ حَقًّا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ حَالِ الْهُرْمُزَانِ وَفِعْلِهِ. . "، وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الطَّبَرِيِّ مِنْ خَبَرِ الْقَمَاذَبَانِ بْنِ الْهُرْمُزَانِ الَّذِي قَالَ إِنَّ عُثْمَانَ مَكَّنَهُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ:" يَا بُنَيَّ هَذَا قَاتِلُ أَبِيكَ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنَّا، فَاذْهَبْ فَاقْتُلْهُ "، وَكَيْفَ عَفَا عَنْهُ الْقَمَاذَبَانُ. . إِلَخْ، وَانْظُرْ أَيْضًا " الْعَوَاصِمَ مَنِ الْقَوَاصِمِ " ص 146
وَإِذَا قَالُوا: عُمَرُ أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ (1) ، وَعَلِيٌّ أَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قِيلَ: وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا أَشَارُوا عَلَى عَلِيٍّ بِقَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالْقَوَدِ، أَقَامَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً سَلَّمُوا لَهَا (2) : إِمَّا لِظُهُورِ الْحَقِّ مَعَهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.
وَعَلِيٌّ لَمَّا لَمْ يُوَافِقِ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ، جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ مَا قَدْ عُلِمَ، وَقَتْلُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَهْوَنُ مِمَّا جَرَى بِالْجَمَلِ وَصِفِّينَ (3) ، فَإِذَا كَانَ فِي هَذَا اجْتِهَادٌ سَائِغٌ، فَفِي ذَلِكَ أَوْلَى.
وَإِنْ قَالُوا: عُثْمَانُ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ.
قِيلَ لَهُمْ: فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ إِبَاحَةَ دَمِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ أَظْهَرُ مِنْ إِبَاحَةِ دَمِ عُثْمَانَ، بَلْ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ (4) ،
(1) ن، م، ي: بِقَتْلِ الْهُرْمُزَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ، (وَفِي هَامِشِ ي صُحِّحَتْ بِقَوْلِهِ: لَعَلَّهُ: بِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) .
(2)
ن، م: سَلَّمُوهَا.
(3)
ن: وَبِصِفِّينَ.
(4)
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " 6/321 - 322 عَنْ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّمِيمِيِّ (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْأَعْلَامِ 6/145) : " كَانَ قَدْ صَانَعَ سَجَاحَ حِينَ قَدِمَتْ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا اتَّصَلَتْ بِمُسَيْلِمَةَ - لَعَنَهُمَا اللَّهُ - ثُمَّ تَرَحَّلَتْ إِلَى بِلَادِهَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ نَدِمُ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَتَلَوَّمَ فِي شَأْنِهِ، وَهُوَ نَازِلٌ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْبِطَاحُ، فَقَصَدَهَا خَالِدٌ بِجُنُودِهِ. . فَلَمَّا وَصَلَ الْبِطَاحَ وَعَلَيْهَا مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ فَبَثَّ خَالِدٌ السَّرَايَا فِي الْبِطَاحِ يَدْعُونَ النَّاسَ فَاسْتَقْبَلَهُ أُمَرَاءُ بَنِي تَمِيمٍ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَبَذَلُوا الزِّكَوَاتِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فَإِنَّهُ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِهِ، مُتَنَحٍّ عَنِ النَّاسِ، فَجَاءَتْهُ السَّرَايَا فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا مَعَهُ أَصْحَابَهُ، وَاخْتَلَفَتِ السَّرِيَّةُ فِيهِمْ، فَشَهِدَ أَبُو قَتَادَةَ - الْحَارِثُ بْنُ رَبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ -، أَنَّهُمْ أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُؤَذِّنُوا بِالصَّلَاةِ وَلَا صَلُّوا فَيُقَالُ: إِنَّ الْأُسَارَى بَاتُوا فِي كُبُولِهِمْ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَنَادَى مُنَادِي خَالِدٍ: أَنْ أَدْفِئُوا أَسْرَاكُمْ، فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَتْلَ، فَقَتَلُوهُمْ، وَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَيُقَالُ بَلِ اسْتَدْعَى خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ فَأَنَّبَهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ مُتَابَعَةِ سَجَاحَ وَعَلَى مَنْعِهِ الزَّكَاةَ، وَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا قَرِينَةُ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ يَزْعُمُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَهُوَ صَاحِبُنَا وَلَيْسَ بِصَاحِبِكَ؟ يَا ضِرَارُ اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. .، إِلَخْ، وَانْظُرْ إِلَى ص 323 وَقَدْ أَسْلَمَتْ سَجَاحُ بَعْدَ مَقْتَلِ مُسَيْلِمَةَ انْظُرِ الْأَعْلَامَ 3/112
وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَنَا. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ، وَبَيْنَ عُثْمَانَ وَمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ مِنَ الْفَرْقِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلِيًّا مَعْصُومَ الدَّمِ، وَلَا الْحُسَيْنُ ; فَإِنَّ عِصْمَةَ دَمِ عُثْمَانَ أَظْهَرُ مِنْ عِصْمَةِ دَمِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ، وَعُثْمَانُ أَبْعَدُ عَنْ (1) مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مِنْ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ، وَشُبْهَةُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَضْعَفُ بِكَثِيرٍ مِنْ شُبْهَةِ قَتَلَةِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا، وَلَا قَاتَلَ أَحَدًا عَلَى وِلَايَتِهِ [وَلَمْ يَطْلُبْ قِتَالَ أَحَدٍ عَلَى وِلَايَتِهِ] (2) أَصْلًا (3) ; فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: مَنْ قَتَلَ خَلْقًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وِلَايَتِهِ [إِنَّهُ](4) مَعْصُومُ الدَّمِ، وَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا فَعَلَهُ، فَلَأَنْ يُقَالَ: عُثْمَانُ مَعْصُومُ الدَّمِ، [وَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا فَعَلَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْوِلَايَاتِ (5) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
(1) ح، ر، ي: مِنْ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
أَصْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) .
(4)
إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)(م) ، (ب) .
(5)
ح، ب: وَالْوِلَايَةُ.
ثُمَّ يُقَالُ: غَايَةُ مَا يُقَالُ: فِي قِصَّةِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ: إِنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ] (1) ، وَإِنَّ خَالِدًا قَتَلَهُ بِتَأْوِيلٍ، وَهَذَا لَا يُبِيحُ قَتْلَ خَالِدٍ، كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ [يَا أُسَامَةُ، (2) . أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟] » (3) فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً.
وَكَذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ قَتَلَ بَنِي جَذِيمَةَ مُتَأَوِّلًا، وَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ:" «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» "(5) ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا.
فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْتُلْهُ مَعَ قَتْلِهِ (6) غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(2)
عِبَارَةُ يَا أُسَامَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ي)
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/560 "
(4)
انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 9/76 - 78
(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/487
(6)
ح: مَعَ قَتْلِ.
الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ لِلتَّأْوِيلِ (1) ، فَلِأَنْ لَا يَقْتُلَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقَتْلِهِ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ مِنْ فِعْلِ خَالِدٍ بِبَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْتُلْهُ، فَكَيْفَ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حُجَّةً لِأَبِي بَكْرٍ فِي أَنْ لَا يَقْتُلَهُ؟ ! لَكِنْ مَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ أَعْمَاهُ عَنِ اتِّبَاعِ الْهُدَى.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ عُمَرَ أَشَارَ بِقَتْلِهِ.
فَيُقَالُ: غَايَةُ هَذَا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةَ اجْتِهَادٍ، كَانَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا أَنْ لَا يُقْتَلَ خَالِدًا، وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ فِيهَا قَتْلَهُ، وَلَيْسَ عُمَرُ بِأَعْلَمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا عِنْدَ السُّنَّةِ (2) ، وَلَا عِنْدَ الشِّيعَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَرْكُ رَأْيِهِ لِرَأْيِ عُمَرَ، وَلَمْ يَظْهَرْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ الرَّاجِحُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِثْلَ هَذَا عَيْبًا لِأَبِي بَكْرٍ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِلْمًا وَدِينًا؟
وَلَيْسَ عِنْدَنَا أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ جَرَى عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ قَتْلَ خَالِدٍ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَزَوُّجِهِ بِامْرَأَتِهِ لَيْلَةَ قَتْلِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ ثُبُوتُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ هُنَاكَ تَأْوِيلٌ يَمْنَعُ الرَّجْمَ، وَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ: هَلْ تَجِبُ لِلْكَافِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا: هَلْ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ عِدَّةُ وَفَاةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ (3) بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ; فَإِنَّ تِلْكَ سَبَبُهَا (4) الْوَطْءُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ. وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَتَجِبُ
(1) ن، م: مَعَ التَّأْوِيلِ.
(2)
ب: السُّنِّيَّةِ.
(3)
ح ر، ي: فِي الْمُسْلِمِينَ.
(4)
ح، ب: بِسَبَبِ.
بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهَلْ تَعْتَدُّ مِنَ الْكَافِرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَقَدْ حَاضَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْضَةً.
هَذَا إِذَا كَانَ الْكَافِرُ أَصْلِيًّا، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ إِذَا قُتِلَ، أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ، بَلْ عِدَّةُ فُرْقَةٍ بَائِنَةٍ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ بَطَلَ بِرِدَّةِ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ لَيْسَتْ طَلَاقًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهِيَ طَلَاقٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ; وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهَا عِدَّةَ وَفَاةٍ، بَلْ عِدَّةَ فُرْقَةٍ بَائِنَةٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، كَمَا لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنَ الطَّلَاقِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَالِدًا قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ ; لِأَنَّهُ رَآهُ مُرْتَدًّا، فَإِذَا كَانَ (1) لَمْ يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (2) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةٍ لَا بِعِدَّةٍ كَامِلَةٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، وَفِي الْآخَرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَلَيْسَ عَلَى امْرَأَتِهِ عِدَّةُ وَفَاةٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةٍ فَقَدْ تَكُونُ حَاضَتْ. وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَجْعَلُ بَعْضَ الْحَيْضَةِ اسْتِبْرَاءً، فَإِذَا كَانَتْ فِي آخِرِ الْحَيْضِ جَعَلَ ذَلِكَ اسْتِبْرَاءً لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَنَحْنُ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ الْقَضِيَّةَ وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَالطَّعْنُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
(1) ن، م: فَإِنْ.
(2)
ح، ب: الْفُقَهَاءِ، ز، ي: الْفُقَهَاءِ الْعُلَمَاءِ.
(فَصْلٌ)(1)
قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " وَخَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3) فِي تَوْرِيثِ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَنَعَهَا فَدَكًا (4) ، وَتَسَمَّى بِخَلِيفَةِ (5) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ ".
وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْمِيرَاثُ فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، مَا خَلَا بَعْضَ الشِّيعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ بَاطِلٌ قَطْعًا.
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَ مِنْ فَدَكٍ، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمْ يَتَعَلَّقَا مِنْ فَدَكٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنَ الْعَقَارِ بِشَيْءٍ وَلَا أَعْطَيَا أَهْلَهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَدْ أَعْطَيَا بَنِي هَاشِمٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ ذَلِكَ.
ثُمَّ لَوِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَمْنَعُ الْمَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، حَتَّى أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْضَ مَالِ الْبَصْرَةِ وَذَهَبَ لَهُ، لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا بِأَنَّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ قَاصِدٌ لِلْحَقِّ، لَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ.
وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَأَبُو بَكْرٍ
(1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) وَفِي (ي) الْفَصْلُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ.
(2)
فِي (ك) ص 136 (م) .
(3)
ك: أَمْرَ اللَّهِ.
(4)
ح، ب: فَدَكَ.
(5)
ك: وَيُسَمَّى خَلِيفَةُ.
أَعْظَمُ مَحَبَّةً لِفَاطِمَةَ وَمُرَاعَاةً لَهَا مِنْ عَلِيٍّ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بِعَلِيٍّ أَشْبَهُ مِنْ فَاطِمَةَ بِأَبِي بَكْرٍ ; فَإِنَّ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى فَاطِمَةَ أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ عَلِيٍّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلَيْسَ تَبْرِئَةُ (1) الْإِنْسَانِ لِفَاطِمَةَ مِنَ الظَّنِّ وَالْهَوَى بِأَوْلَى مِنْ تَبْرِئَةِ (2) أَبِي بَكْرٍ ; فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِمَامٌ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمَالُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفَاطِمَةُ تَطْلُبُ لِنَفْسِهَا، وَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ (3) أَنَّ بُعْدَ الْحَاكِمِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْخَصْمِ الطَّالِبِ لِنَفْسِهِ ; فَإِنَّ عِلْمَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ بِمِثْلِ (4) هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِكَثْرَةِ مُبَاشَرَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِ فَاطِمَةَ.
وَإِذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِعِلْمِ مِثْلِ (5) ذَلِكَ، وَأَوْلَى بِالْعَدْلِ، فَمَنْ جَعَلَ فَاطِمَةَ أَعْلَمَ (6) مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَعْدَلَ، كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، لَا سِيَّمَا وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا غَرَضَ لَهُمْ هُمْ (7) مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَجَمِيعُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُوَرِّثُونَ مَالًا، وَكُلُّهُمْ يُحِبُّ فَاطِمَةَ وَيُعَظِّمُ قَدْرَهَا رضي الله عنها، لَكِنْ لَا يُتْرَكُ مَا عَلِمُوهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يَأْخُذُوا دِينَهُمْ مِنْ غَيْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: لَا عَنْ أَقَارِبِهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِهِ.
(1) ح، ر، ي، م: تَنْزِيهُ.
(2)
ح، ر، ي، م: تَنْزِيهِ.
(3)
ح، ب: تَعْلَمُ.
(4)
ح، ب: لِمِثْلِ.
(5)
مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .
(6)
ح، ب: أَعْظَمَ.
(7)
هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) فَهُمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا (1) أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» "(2) ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْأُمَّةِ أَنْ تَعْدِلَ عَمَّا عَلِمَتْهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يُحْكَى عَنْ فَاطِمَةَ فِي كَوْنِهَا طَلَبَتِ الْمِيرَاثَ، تَظُنُّ أَنَّهَا تَرِثُ (3) .
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ هُوَ الْمُسْتَخْلَفُ، كَمَا ادَّعَاهُ هَذَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اسْتَخْلَفَهُ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ
(1) ح، ب: مَا.
(2)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه وَنَصُّهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/8 (كِتَابُ الْبُخَارِيِّ بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ)، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَلْحَقُ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً "، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي الْبُخَارِيِّ 9/55 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ. .) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/360 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ 60 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَنَدِيُّ) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/200 (كِتَابُ آدَابِ الْقُضَاةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ اسْتِعْمَالِ النِّسَاءِ) ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ، مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ (تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ، أَسْنَدُوا. .) . انْظُرْ 5/38، 43، 47، 50، 51
(3)
ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ إِحْسَان إِلَهِي ظَهيِر فِي كِتَابِهِ " الشِّيعَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ "، أَنَّ مِنَ الشِّيعَةِ مَنْ قَالَ بِمُوَافَقَةِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه. يَقُولُ الْأُسْتَاذُ إِحْسَانُ (ص 84 - 85 ط. بَاكِسْتَانُ 1403 1983) بَلْ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الشِّيعِيَّةِ أَنَّهَا رَضِيَتْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَرْوِيهِ ابْنُ الْمِيثَمِ فِي شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ:" إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: إِنَّ لَكِ مَا لِأَبِيكِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ يَأْخُذُ مِنْ فَدَكٍ قُوتَكُمْ، وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ وَيَحْمِلُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ أَنْ أَصْنَعَ بِهَا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ وَأَخَذَتِ الْعَهْدَ عَلَيْهِ بِهِ "(شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ لِابْنِ مَيْثَمٍ الْبَحْرَانِيِّ ج [0 - 9] ص 107 ط. طَهْرَانَ) ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ذَكَرَ الدُّنْبُلِيُّ فِي شَرْحِهِ " الدُّرَّةَ النَّجَفِيَّةَ " ص 331، 332 (ط. إِيرَانَ) ، وَانْظُرِ " الشِّيعَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ " ص 84 - 92
الْخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي خَلَفَ غَيْرَهُ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ كَمَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ - لَمْ يَحْتَجْ فِي هَذَا الِاسْمِ إِلَى الِاسْتِخْلَافِ.
[وَالِاسْتِعْمَالُ الْمَوْجُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ: سَوَاءٌ اسْتَخْلَفَهُ](1) أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 14]، وَقَوْلِهِ [تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 165]، وَقَالَ:] (2){وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 60]، وَقَوْلِهِ:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 69]، وَفِي الْقِصَّةِ الْأُخْرَى:{خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 74]{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 142] فَهَذَا اسْتِخْلَافٌ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 62]، وَقَالَ:{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سُورَةُ يُونُسَ: 6] أَيْ: هَذَا يَخْلُفُ هَذَا، وَهَذَا يَخْلُفُ هَذَا، فَهُمَا يَتَعَاقَبَانِ، وَقَالَ مُوسَى:{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
[سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 129]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 55]، وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30]، وَقَالَ:{يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ ص: 26] .
فَغَالِبُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِيَكُونَ الثَّانِي خَلِيفَةً عَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ.
وَسُمِّيَ الْخَلِيفَةُ خَلِيفَةً ; لِأَنَّهُ يَخْلُفُ مَنْ قَبْلَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ يَخْلُفُهُ، كَمَا جَعَلَ اللَّيْلَ يَخْلُفُ النَّهَارَ، وَالنَّهَارَ يَخْلُفُ اللَّيْلَ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَلِيفَةٌ عَنِ اللَّهِ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالنَّاسُ يُسَمُّونَ وُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءَ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» "(1) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلِيًّا، وَعُمَرُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَاحِدًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ يَقُولُ:" إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ، وَإِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ ".
وَكَانَ مَعَ هَذَا يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ خُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ مَنْ قَبْلَهُ. فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْمَ عَامٌّ فِيمَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ.
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164
وَفِي الْحَدِيثِ -[إِنْ صَحَّ]- (1) : " «وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ» " أَوْ قَالَ: " «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى خُلَفَائِي ". قَالُوا: وَمَنْ خُلَفَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي، وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ» "(2) .
وَهَذَا إِنْ صَحَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَضَعَهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْخَلِيفَةِ " فِيمَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، فَإِذَا قَامَ مَقَامَهُ وَسَدَّ مَسَدَّهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فَهُوَ خَلِيفَةٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ.
(1) إِنْ صَحَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " 1/535 وَأَوَّلُهُ: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى خُلَفَائِي وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " أَبُو النَّصْرِ السِّجْزِيُّ فِي الْإِبَانَةِ كِرْ " ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ " عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.