المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من مواعظ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - مواعظ الصحابة لعمر المقبل

[عمر المقبل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيدٌ

- ‌من مواعظ الصِّدِّيق رضي الله عنه

- ‌من مواعظ الفاروق عمر رضي الله عنه

- ‌من مواعظ الفاروق عمر رضي الله عنه

- ‌من مواعظ ذي النُّورين رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌والزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌من مواعظ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌من مواعظ ابن مسعودٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ ابن مسعودٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ ابن مسعودٍ - رضي الله

- ‌من مواعظ ابن مسعودٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌من مواعظ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

- ‌من مواعظ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي الدَّرداء رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي الدَّرداء رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي الدَّرداء رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي الدَّرداء رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي ذرٍّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ ابن عمر رضي الله عنهما

- ‌من مواعظ ابن عمر رضي الله عنهما

- ‌من مواعظ ابن عمر رضي الله عنهما

- ‌من مواعظ ابن عمر رضي الله عنهما

- ‌من مواعظ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أُبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌من مواعظ عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌من مواعظ عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌من مواعظ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه

- ‌من مواعظ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌من مواعظ عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما

- ‌من مواعظ عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما

- ‌من مواعظ عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنه

- ‌من مواعظ ابن الزبير رضي الله عنهما:

- ‌من مواعظ أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما

الفصل: ‌من مواعظ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

‌من مواعظ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

-

(2/ 2)

• ومن مواعظه رضي الله عنه قوله (1):

«إنَّ الحقَّ ثقيلٌ، وهو مع ثقله مريءٌ، وإنَّ الباطل خفيفٌ، وهو مع خفَّته وبيءٌ، وترك الخطيئة أيسر -أو قال: خيرٌ -من طلب التوبة، وربَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزنًا طويلًا» .

تضمَّنت هذه الموعظة جملتين مهمَّتين:

الأولى: وصف فيها الحقَّ والباطل، فقال:«إنَّ الحقَّ ثقيلٌ، وهو مع ثقله مريءٌ» ، ومراده بالثِّقل هو ثقل التحمُّل، وثقل العبْء الذي يترتَّب على حمله، كما قال سبحانه وتعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]، وكما أشارت إليه آية الأمانة في خواتيم سورة الأحزاب:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]، ومع كون الحقِّ ثقيلًا، فإنَّه مريءٌ؛ أي: سهل التقبُّل؛ لأنَّ الحقَّ موافقٌ للفطر السليمة، بخلاف الباطل، فإنَّه خفيفٌ؛ لموافقته لغالب الأهواء والشهوات، فتنقاد معه، وتستسلم له؛ ولهذا تجود النفوس في هذا السبيل بالأموال والجهود، لكن مع ذلك فهو وبيءٌ وخطير العاقبة، وهكذا هي حال المحرَّمات

(1) الزهد؛ لابن المبارك (291).

ص: 123

كلِّها؛ يتعاطاها أهلها لذَّةً عابرةً، ثمَّ تعقبها حسراتٌ لا يعلمها إلا الله.

«وأجهل الجهَّال من آثر عاجلًا على أجلٍ لا يأمن سوء مغبَّته! فكم قد سمعنا عن صاحب مالٍ أطلق نفسه في شهواتها، ولم ينظر في حلالٍ وحرامٍ، فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذَّ، ولقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرةً كلُّ لذةٍ! ولو كان هذا فحسب، لكفى حزنًا، كيف والجزاء الدائم بين يديه؟!» (1).

يقول ابن القيِّم رحمه الله: «فالمعرض عن الله له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعَّم في الدُّنيا بأصناف النِّعم، ففي قلبه من الوحشة والذُّلِّ والحسرات التي تقطِّع القلوب، والأمانيِّ الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه، وإنَّما يواريه عنه سكرات الشهوات والعشق وحبِّ الدُّنيا والرِّياسة) (2).

والجملة الثانية التي تضمَّنتها موعظة حذيفة رضي الله عنه: «وترك الخطيئة أيسر - أو قال: خيرٌ - من طلب التوبة، وربَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزنًا طويلًا» ، وصدق رضي الله عنه؛ فإنَّ ترك المعصية وإن كان فيه ثقلٌ، إلا أنَّه أيسر من طلب التوبة؛ إذ قد لا يدركها العبد، ولو أدركها زمانًا، فقد لا يوفَّق لها؛ عقوبةً له على تقحُّم الحِمَى؛ ولهذا قال رضي الله عنه:«وربَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزنًا طويلًا» ؛ ذلك أنَّ اللذَّة في المعصية -مهما طال زمنها - فما تورثه من حزن أطول وأشقُّ، ومن تأمَّل في آثار معصية إطلاق النظر المحرَّم، أدرك معنى هذه الحقيقة التي أشار إليها حذيفة رضي الله عنه، «فالنظرة تجرح القلب جُرحًا، فيتبعها جُرحٌ على جُرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها .. وقد قيل: إنَّ حبس

(1) صيد الخاطر (188) بتصرف يسير.

(2)

الجواب الكافي (120).

ص: 124

اللحظات، أيسر من دوام الحسرات» (1).

وبالجملة، فإنَّ ألم الصبر على ترك المعصية أقلُّ وأيسر من آلام وحسرات الآثار التي يجدها العاصي بعد ذلك، والتي لو لم يكن منها إلا أنَّها تضعف وتوهن سير القلب إلى الله، والوحشة العظيمة التي تقع في قلب العاصي، لكفى بهما مصيبةً، فإن لم يشعر العاصي بهاتين العقوبتين، فليبحث عن قلبه؛ فليس له قلبٌ!

* قيل لحذيفة (2):

أتركت بنو إسرائيل دينها في يومٍ واحدٍ؟ قال: «لا، ولكنَّهم كانوا إذا أمروا بشيءٍ تركوه، وإذا نهوا عن شيءٍ ركبوه، حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه» .

يا لها من موعظةٍ مخيفةٍ!

فحذيفة رضي الله عنه يبيِّن حقيقةً قد تخفى على بعض الناس، وهي أنَّ الانسلاخ من الإيمان لا يكون فجأةً في الأمَّة، أو الجماعة، ولكنَّه يأتي شيئًا فشيئًا، ولا يظلم ربُّك أحدًا.

إنَّ من أخطر ما تبتلى به الأمة أن تركب ما ركبه بنو إسرائيل، حين تترك الأوامر، أو تركب النواهي، وهذا وإن لم ولن يحدث للأمَّة كلِّها، إلا أنَّه لا يسلم منه بعض الأفراد، وفي كلمة حذيفة تصريحٌ بالسبب العامِّ لهذا الانسلاخ الذي يعاقب به بعض الناس.

ومن الآيات المخيفة التي تتحدَّث عن الانسلاخ من الدِّين قوله

(1) الجواب الكافي (154).

(2)

السُّنَّة؛ للخلال (4/ 118).

ص: 125

تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175، 176].

فاتِّباع الهوى وإيثاره على مراد الله، والتعلُّق الشديد بالدُّنيا الذي قطع قلبه عن الله والدار الآخرة؛ كلُّ ذلك كان سببًا في انسلاخه -والعياذ بالله -!

ومن تأمَّل في كلام الأئمة، وجد فيه تنصيصًا على جملةٍ من الأسباب التفصيليَّة لهذا الانسلاخ الذي تضرب به بعض القلوب والعياذ بالله، ومن ذلك ما عبَّر عنه ابن القيِّم في نونيَّته:

والله ما خوفي الذُّنوب فإنَّها

لعلى طريق العفو والغفران

لكنَّما أخشى انسلاخ القلب من

تحكيم هذا الوحي والقرآن

ورضا بآراء الرِّجال وخرصها

لا كان ذاك بمنَّة الرَّحمن

فبأيِّ وجهٍ ألتقي ربِّي إذا

أعرضت عن ذا الوحي طول زمان

وعزلته عمَّا أريد لأجله

عزلًا حقيقيًا بلا كتمان

• ومن مواعظه رضي الله عنه قوله (1):

«معروفكم اليوم منكر زمانٍ قد مضى، وإنَّ منكركم اليوم معروف زمانٍ قد أتي، وإنَّكم لا تزالون بخيرٍ ما عرفتم الحقَّ، وكان العالم فيكم غير مستخفٍّ به» .

(1) إحياء علوم الدين (1/ 80).

ص: 126

«ولقد صدق؛ فإنَّ أكثر معروفات هذه الأعصار منكراتٌ في عصر الصحابة رضي الله عنهم» (1).

وكلمة حذيفة هذه تلتقي تمامًا مع كلمةٍ لأنسٍ رضي الله عنه: «إنَّكم لتعملون أعمالًا هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعر، إن كنا لنعدُّها على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الموبقات» (2)، بوَّب عليه البخاريُّ بقوله: باب ما يتَّقى من محقَّرات الذُّنوب.

وسبب ذلك: «أنَّ معرفة الصحابة بجلال الله أتمُّ، فكانت الصغائر عندهم -بالإضافة إلى جلال الله تعالى -من الكبائر» (3).

وما أشار إليه حذيفة يدركه المشاهد لواقع الناس بلا تكلُّفٍ والشأن كلَّ الشأن في المعنيين الأخيرين اللذين ذكرهما حذيفة، وهما:

1 -

عدم خفاء الحقِّ، ومعرفته، وألا ينقلب المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا؛ ولهذا لمَّا قيل للإمام أحمد رحمه الله في أيام المحنة: يا أبا عبد الله، أولا ترى الحقَّ كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: كلَّا، إنَّ ظهور الباطل على الحقِّ أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحقِّ (4).

وأمَّا المعنى الثاني الذي نبَّه عليه حذيفة، فهو:

2 -

معرفة قيمة العالم، وعدم الاستخفاف به، يقول ابن المبارك رحمه الله:«من استخفَّ بالعلماء، ذهبت آخرته» (5)، ومن الكلمات السائرة كلمة ابن عساكرٍ رحمه الله: «لحوم العلماء مسمومة،

(1) إحياء علوم الدين (1/ 80).

(2)

البخاري ح (6492).

(3)

إحياء علوم الدين (4/ 32).

(4)

سير أعلام النبلاء (11/ 238).

(5)

تاريخ دمشق؛ لابن عساكر (32/ 444).

ص: 127

وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة» (1).

ومن المعلوم أنَّ التنبيه على خطورة الانتقاص من العلماء -أو الاستخفاف بهم -لا يعني جواز الاستخفاف بغيرهم كما يشغب بذلك بعض من ينتقد هذه العبارة! وإنَّما عبارة ابن عساكرٍ واضحة المغزى، ظاهرة المراد، وإلا فمن المُحكمات المقرَّرة: ما دلَّ عليه حديث أبي بكرة في الصحيحين: (فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربَّكم، ألا هل بلَّغت؟)(2).

ولنختم بهذه الموعظة القصيرة المعبِّرة لهذا الصحابيِّ الجليل، حيث يقول:

«ما من صباحٍ ولا مساءٍ إلا ومنادٍ ينادي: أيُّها الناس، الرحيل الرحيل!» (3).

هذه نبذٌ من مواعظ هذا الصحابيِّ الجليل حذيفة رضي الله عنه، جمعنا الله به في دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

(1) تبيين كذب المفتري؛ لابن عساكر (29).

(2)

البخاري ح (67) ومسلم ح (1679).

(3)

إحياء علوم الدين (4/ 32).

ص: 128