الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مواعظ عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنه
-
إنَّه: عبد الله بن الزُّبير بن العوَّام بن خُويلدٍ، يُكنَّى (أبا بكرٍ) و (أبا خبيبٍ)، القرشيُّ، الأسديُّ، المكِّيُّ، ثم المدنيُّ، أحد الأعلام.
كان أوَّل مولودٍ للمهاجرين بالمدينة، وُلِدَ: سنة اثنتين، وقيل: في السنة الأولى، وله صحبةٌ ورواية أحاديث.
عداده في صغار الصحابة، وإن كان كبيرًا في العلم، والشرف، والجهاد، والعبادة، وكان فارس قريشٍ في زمانه، وله مواقف مشهودةٌ.
قيل: إنَّه شهد اليرموك وهو مراهقٌ، وفتح المغرب، وغزو القُسطنطينيَّة.
أدرك من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمانية أعوامٍ وأربعة أشهرٍ، وكان ملازمًا للولوج على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خرجت به أمه حين هاجرت حُبْلَى، فنُفِست به بقُباءٍ، قالت أمُّه: فجاء بعد سبع سنين ليبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ أباه أمره بذلك، فتبسَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقبلًا، ثم بايعه.
وقد روى أهل السِّير أنَّه لمَّا قدم المهاجرون المدينة، أقاموا مُدَّةً لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود، حتى كثرت القالة في ذلك، فكان هو أوَّل مولودٍ، فكبَّر المسلمون تكبيرةً واحدةً حتى ارتجَّت المدينة.
كان عبد الله قويًّا في العبادة، حدَّث عنه التابعيُّ الجليل عمرو بن دينارٍ قائلًا:«ما رأيت مصلِّيًا قطُّ أحسن صلاةً منه» ، وكان معروفًا بقيام الليل وصوم النهار؛ حتى لُقِّب بـ (حمامة المسجد).
وقال بعض من عرفه: كان لا ينازع في ثلاثةٍ: شجاعةٍ، ولا عبادةٍ، ولا بلاغةٍ.
ومن مناقبه: أنَّ عثمان رضي الله عنه أشركه في اللجنة العلميَّة التي اختارها لكتابة المصحف الشريف، وقال له ولأصحابه الثلاثة الباقين: إذا اختلفتم أنتم وزيدٌ في شيء، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنَّما نزل بلسانهم.
وقال هشام بن عروة: أوَّل من كسا الكعبة الدِّيباج ابن الزُّبير، وكان يُطيِّبها حتى يُوجد ريحها من طرف الحرم.
قُتِل رضي الله عنه في جمادي الآخرة، سنة ثلاثٍ وسبعين، وعاش نيِّفًا وسبعين سنةً (1).
لقد رُويت عن ابن الزبير بعض المواعظ؛ منها ما ذكره وُهيب بن كيسان رحمه الله حيث قال (2):
* * *
• كتب إليَّ عبد الله بن الزبير بموعظةٍ:
لباس التقوى هو خير الألبسة على الإطلاق: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ
(1) ينظر: سير أعلام النبلاء، ط. الرسالة (3/ 363).
(2)
حلية الأولياء (1/ 336).
خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، وهي أشرف القمامات التي يوفَّق لها العبد، وكم ادَّعاها من مُدَّعٍ، وانتسب إليها من مُنتسبٍ!
والعبرة ليست بالدعاوى- فما أكثرها! - بل بالحقائق والبراهين. قال تعالى في صفة المتَّقين: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 134، 135]. وقال أيضًا - جلَّ وعلا- في بيان صفاتهم: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 49]. وموعظة ابن الزبير تأتي في هذا السياق، فهو يقول:«أمَّا بعد، فإنَّ لأهل التَّقوى علاماتٍ يُعرفون بها، ويَعرِفُونها من أنفسهم؛ من صبر على البلاء، ورضًا بالقضاء، وشكر النَّعماء، وذلٍّ لحكم القرآن» ، فاعرض نفسك على هذه الصفات، وانظر موقعك منها.
كيف أنت إذا نزل بك البلاء؟ وأين تجد قلبك مع مُرِّ القضاء؟ وهل أنت ممَّن يلهج بالشكر عند النَّعماء؟ وتاج ذلك كلِّه، الجامع لهذه الخصال: كيف أنت من حكم القرآن؟ أأنت تقطع خياراتك الشخصية لخيار الشرع؟ وتسلِّم لحكم الله ورسوله؟ وأنت تستشعر قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، وتتذكَّر جيِّدًا قوله سبحانه:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].