المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبو حنيفة النعمان - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌أبو حنيفة النعمان

وأخوه الحارث بن هشام قد حملا نسيبهما عياش بن ربيعة على الرجوع من المدينة واحتجزاه بمكة (وربما كان ذلك قسرًا). وكان نفوذ أبى جهل يقوم على مكانته التجارية والمالية. وكانت سرية حمزة إلى سيف البحر فى السنة الأولى من الهجرة (623 م) قد مرت قريبًا من قافلة كبيرة يقودها أبو جهل. وفى السنة الثانية من الهجرة (624 م) حين انتهى إلى مكة أن قافلة أبى سفيان العائدة من الشام قد هم بها المسلمون خرج أبو جهل فى ألف رجل لتخليضها، وهلك أبو جهل فى وقعة بدر. ولقد سعى أبو جهل فى حرب المسلمين حتى بعد أن علم أن القافلة نجت. ولعل ذلك كان طمعًا فى كسب مجد حربى إذ كانت القيادة لأبى سفيان إذا حضر. وبعد موت أبى جهل كان زعماء جماعات العشائر المنضمة إلى مخزوم: صفوان بن أميَّة (جُمح)، وسهيل بن عمرو (عامر)، وأخيرًا عكرمة بن أبى جهل.

المصادر:

(1)

ابن هشام والواقدى والطبرى، انظر فهارس هذه الكتب.

(2)

ابن معد: الطبقات، جـ 3، قسم 1، ص 194؛ جـ 3، قسم 2، ص 55؛ جـ 8، ص 193، ص 220.

(3)

اليعقوبى، جـ 2، 27.

(4)

Annali: Caetani، جـ 1، ص 294 - 295، 309، 478، 491 .... إلخ.

(0)

at: Montagomery Watt Muhammad Mekka، انظر الفهرس.

(1)

الأزرقى، طبعة فستنفلد، ص 455، 469.

الأبيارى [مونكومرى وات W. Montgomery Wan]

‌أبو حنيفة النعمان

ابن ثابت: متكلم وفقيه، وهو رأس المدرسة الحنفية، مات سنة. 150 هـ (767 م) عن سبعين عاما. لذا فإن مولده كان حوالى سنة 80 هـ (699 م).

ص: 318

ويقال أن جده زوطى كان عبدا جلب من كابل إلى الكوفة، وأطلق سراحه واحد من قبيلة عربية من تيم الله بن ثعلبة. وغدا هو وأحفاده على هذا من موالى تلك القبيلة. وكان أبو حنيفة يلقب أحيانا التيمى. ولا يعرف عن حياته إلا القليل جدا، فلا نعرف غير أنه عاش فى الكوفة خزازا يبيع الخز، ومن المؤكد أنه حضر مجالس الدرس لحماد ابن سليمان المتوفى سنة 120 هـ الذى كان يدرّس الفقه الدينى فى الكوفة، وربما حضر بمكة فى ذهابه للحج مجالس عطاء بن أبى رباح المتوفى سنة 114 هـ أو 115 هـ ويجب أن نتداول بحذر الأثبات الطويلة التى دونها من ترجموا له بآخرة عن الثقات الذين يقدر أنه سمع عنهم الأحاديث. وبعد موت حماد أصبح أبو حنيفة عمدة الثقات فى مسائل الفقه بالكوفة والممثل الرئيسى لمدرسة الكوفة الفقهية. وقد جمع حوله عددا كبيرا من خاصة المريدين الذين لقنهم مذهبه. ولم يل القضاء أبدا. ومات فى السجن ببغداد حيث دفن.

وفى سنة 459 هـ (1066 م) بنيت على قبره قبة. ولايزال الحى الذى حول الضريح يسمى الأعظمية، وكان الإمام الأعظم هو اللقب الشائع لأبى حنيفة.

وقد سيقت قصة سيرته على أن الخليفة العباسى المنصور أشخصه إلى عاصمته الجديدة التى بناها وأراد أن يوليه قضاءها وأنه سجنه لإبائه الصريح. وثمة رواية أخرى تقول إن الوالى الأموى يزيد بن عمر بن هبيرة الذى كان عاملا لمروان الثانى عرض عليه من قبل قضاء الكوفة وضربه بالسياط مرة ومرة ليقبل، ولكن دون جدوى. وهذه وشبيهاتها من قصص قصدبها القاء ضوء على نهاية أبى حنيفة فى السجن، وأن الإمام يجب ألا يكون قاضيا، وإن بدا هذا غريبا فى نظر الأجيال المتأخرة. والصحيح -فيما يرجح- أنه قد يكون ورط نفسه بتلميحات ليس فيها احتراس وقت فتنة العلويين: النفس الزكية وأخيه إبراهيم سنة 145 هـ، فأشخص إلى بغداد

ص: 319

وسجن هناك (الخطيب البغدادى جـ 13، ص 329).

وأبو حنيفة نفسه لم يضع تصنيفا ما فى الفقه، ولكنه ناقش تلاميذه آراءه وأملاها عليهم. وبعض مصنفات تلامدذه هؤلاء هى من ثم الأصول المعتمدة للمذهب الحنفى، وخاصة كتاب:"اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى"، و"الرد على سير الأوزاعى" لأبى يوسف، و"الحجج"، وشرح موطأ مالك للشيبانى، (والإسناد المعول عليه: الشيبانى، عن أبى يوسف، عن أبى حنيفة، الذى تردد فى كثير من أعمال الشيبانى دالا على أنه يمثل وحدة الصلة العامة بين التلميذ وشيخه، ليس يعنى شيئا فى هذا الخصوص) إذ أن القول بأن أبا حنيفة تلقى عن حماد يرجع أساسا إلى آثار أبى يوسف وآثار الشيبانى، وإن الموازنة بين خلف أبى حنيفة وبين سلفه تمكننا من أن نقدر ما حققه فى تطوير الفكر الإسلامى فقها وعقيدة.

والفكر الفقهى لأبى حنيفة أرقى كثيرا من هذا الذى كان لمعاصره ابن أبى ليلى (المتوفى سنة 148 هـ) الذى كان يلى قضاء الكوفة فى زمانه.

أما عنه وعن التفكير الفقهى المعاصر فى الكوفة بصفة عامة فإن أبا حنيفة كان له فيما يظهر شأن الواضع لأسس النظرية التى حققت تقدما كبيرا فى الفكر الفقهى الاصطلاحى. وبعده عن القضاء جعله أقل تقيدا من ابن أبى ليلى بمقتضيات التطبيق، كما كان فى الوقت نفسه أقل تثبتا لبعده عن الاسترشاد بما يفيده من يمارس القضاء، . ومذهب أبى حنيفة بصفة عامة مذهب متكامل متسق من حيث منهجه، وفيه الكثير جدا من الأفكار الفقهية الجديدة الصريحة حتى إن جزءا كبيرا منها قد وجدت فيه مآخذ أنكرها تلامذته، ولا يتميز فكره الفقهى بأنه كان أوسع أفقا فى أساسه من فكر معاصريه الأكبر منه سنا، وأكثر أخذا به من فكرهم فحسب، بل كان أيضا أرقى اصطلاحا فى إحكامه وتحوطه ولطف نظرته.

والطابع الغالب على الفكر الفقهى بصفة عامة عند أبى حنيفة هو الإنعام

ص: 320

فى التعقل. مما يجعل هذا التفكير يشوبه فى كثير من الأحيان شئ من الأناة والتأرجح مع قلة عناية بالتطبيق. وقد اعتمد أبو حنيفة على الرأى والقياس، ولم يجاوز فى ذلك الحد المألوف عند مدارس الفقه الأخرى فى زمانه، وقد جرى على نهج ممثلى المذاهب الأخرى، كارآء أهل المدينة، فكان مثلهم قليل الميل إلى العدول عن مذهب السلف بالنسبة لأحاديث الآحاد، وهى الأحاديث التى بدأت تشيع فى الفقه الإسلامى فى حياة أبى حنيفة فى النصف الأول من القرن الثانى للهجرة.

ولما أصبحت هذه الأحاديث من المسلمات لدى المعنيين بالتحديث بفضل ماجاء به الشافعى بعد ذلك بجيلين اتخذ أبو حنيفة لأسباب وقعت اتفاقا كبشا للفداء على اعتبار أنه يعارض الأحاديث النبوية، كما اتخذ كذلك كبشا للفداء لقوله بالرأى فى المذاهب الفقهية القديمة، ولكثير من الأقوال التى نسبت إليه وصادفت هوى من نفوس الناس الذين جاءوا من بعده.

وكان الخطيب البغدادى المتوفى سنة 463 هـ (1071 م) هو لسان تلك النزعة المعادية لأبى حنيفة. وكان مما نُقد أيضا الحيل الفقهية التى نماها أبو حنيفة فى المسلك المألوف حين تدليله الفقهى الاصطلاحى. ولكن هذه الحيل أصبحت بعد من خصائص شهرته (انظر Schacht في Isl، سنة 1926، ص 221 وما بعدها).

وقد كان لأبى حنيفة من حيث هو متكلم أيضا أثر كبير، فهو أصل مأثور عام من الفقه العقائدى. يعنى عناية خاصة بأفكار جماعة المسلمين والمبدأ الذى يوحدها وهو السنة، وبجمهور المؤمنين الذين يتبعون طريقا وسطا ويتجنبون التطرف، ويعتمد على الكتاب أكثر من اعتماده على البراهين العقلية، وهذا المأثور يمثله كتاب "العالم والمتعلم" الذى ينسب خطأ إلى أبى حنيفة، و"الفقه الأبسط" الذى نشأ بين تلامذة أبى حنيفة ثم فى أعمال المتكلمين الحنفيين بعد ذلك، بما فيها أقوال الطهاوى المتوفى سنة 321 هـ

ص: 321

(933 م) ، وتعاليم أبى الليث السمرقندى المتوفى سنة 383 هـ (993 م) ، التى كانت دائما كثيرة الشيوع فى الملايو وإندونيسيا وفى الأراضى التى تدين بمذهب الشافعية فى الفقه لا تتحول عنها.

وهذا المأثور العقائدى نما من أصل عام أساسه الحركة الكلامية للمرجئة التى كان أبو حنيفة نفسه ينتمى إليها. والوثيقة الوحيدة الموثوق بها التى نملكها لأبى حنيفة هى فى الحق رسالته إلى عثمان البتى التى ينافح فيها عن آرائه الإرجائية بأسلوب مهذب (طبعت هذه الرسالة هى "والعالم والمتعلم" و"الفقه الأبسط" فى القاهرة سنة 1368 = 1949 م) ومن أسماء الكتب الأخرى التى نسبت إلى أبى حنيفة "الفقه الأكبر" الذى بين فنسنك أن الكتاب المعروف بالفقه الأكبر (1) هو دون سواه الذى ينطبق عليه، وهذا الكتاب يوجد مطويا فى شرح نسب خطأ إلى الماتريدى (طبع تحت رقم (1) فى مجموعة شروح الفقه الأكبر، حيدر آباد سنة 1321 هـ) ويحتوى المتن نفسه على عشر مواد فى العقيدة تلم بموقف أهل السنة من الخوارج والقدرية والشيعة والجهمية ولم ترد فيها آراء ضد المرجئة ولاضد المعتزلة، وهذا يدل على أن المؤلف كان من المرجئة وأنه عاش قبل ظهور المعتزلة. وجميع نظريات الفقه الأكبر (1) قد وردت أيضا فى الفقه الأبسط إلا واحدة، والفقه الأبسط يحتوى على أقوال لأبى حنيفة فى مسائل الكلام ردا على أسئلة وجهها إليه تلميذه أبو مطيع البلخى المتوفى سنة 183 هـ (799 م). ومن ثم فإن محتويات الفقه الأكبر (1) هى آراء موثوق فى نسبتها إلى أبى حنيفة، على أنه ليس ثمة ما يصح دليلا على أنه قد ألف حقا المتن المختصر، غير أن الكتاب المعروف بالفقه الأكبر (3) و"وصية أبى حنيفة" ليسا لأبى حنيفة، ولم يستوثق بعد من صحة نسبة عدد من الرسائل الأخرى المنسوبة إلى أبى حنيفة، ومن ثم فهى على الأقل مشكوك فيها. والوصية الموجهة إلى تلميذه

ص: 322

يوسف بن خالد السمتى تمثل آداب رجال البلاط الإيرانى، ولا يمكن تصور أنها من عمل متخصص فى الفقه الإسلامى.

وقد أراد أعداء أبى حنيفة المتأخرون أن ينتقصوا من قدره فلم يكتفوا بأن رموه بالآراء المسرفة المستقاة من أقوال المرجئة، بل تجاوزوا ذلك فرموه بجميع أصناف المبادئ المارقة التى لا يمكن أن يكون قد اعتنقها. مثال ذلك أنهم نسبوا إليه القول بأن النار ليست خالدة، وهو قول من أقوال الجهمية التى عارضها أبو حنيفة صراحة فى الفقه الأكبر، كما نسبوا اليه أنه قال إن الخروج على الحكومة ليس فيه ما ينافى الشرع، وهو مذهب يخالف مخالفة مباشرة ميول أبى حنيفة كما يتبين ذلك من "العالم والمتعلم"، بل لقد رمى بأنه من المرجئة الذين يؤمنون بالسيف (وهو أمر مخالف لشيمته) وربما كان هذا الاستنتاج اعتمد فيه على رأيه أيام فتنة النفس الزكية.

وقد برز من أعقابه فى الفقه ابنه حماد وحفيده إسماعيل قاضى البصرة والرقة المتوفى سنة 212 هـ (827 م) ونذكر من تلاميذه الأكثر أهمية زفر بن الهذيل المتوفى سنة 158 هـ (775 م) وداود الطائى المتوفى سنة 165 هـ (781 - 782 م) وأبا يوسف وأبا مطيع البلخى (انظر ما سبق)، والشيبانى وأسد بن عمرو المتوفى سنة 190 هـ (806 م) وحسن بن زياد اللؤلئى المتوفى سنة 204 هـ (819 - 820 م). وكان يقدره أعظم التقدير من بين المحدثين عبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181 هـ (797 م).

وبازدياد سلطان الأحاديث جمع أتباعه ابتداء من يوسف بن أبى يوسف أحاديث الرسول التى استشهد بها أبو حنيفة فى تدليله الفقهى، وحين أخذت الأخبار الموضوعة فى الشيوع، وهو مظهر خاص من المظاهر التى شابت الفقه الإسلامى، زاد أيضا عدد الأحاديث الموضوعة إلى أن قام أبو

ص: 323

المؤيد محمد بن هحمود الخوارزمى المتوفى سنة 655 هـ (1257 م) بجمع خمسى عشرة رواية مختلفة من الأحاديث التى رواها أبو حنيفة فى كتاب واحد، هو"جامع مسانيد أبى حنيفة"(طبعة حيدر آباد سنة 1332 هـ)، وما تزال قادرين على أن نميز هذة الروايات المختلفة ونقارن بينها، ولكن ليس بينها واحدة تصح نسبتها إلى أبى حنيفة.

المصادر:

(1)

الأشعرى: مقالات الإسلاميين، ص 138 وما يعدها.

(2)

الفهرس، ص 201.

(3)

الخطيب البغدادى: تاريخ بغداد، جـ 8، ص 323 - 454.

(4)

أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكى ومحمد بن محمد القدرى: مناقب الإمام الأعظم، حيدر آباد سنة 1321 هـ

(5)

ابن خلكان، رقم (ترجمة ده سلان، جـ 3، ص 555 وما بعدها).

(6)

الذهبى: تذكرة الحفاظ جـ 1، ص 158 وما بعدها.

(7)

أحمد أمين: ضحى الاسلام، جـ 2، ص 176 وما بعدها.

(8)

محمد أبو زهرة: أبو حنيفة، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1947.

(9)

zahiriten: I. Goldziher جـ 3، ص 12 وما بعدها.

(10)

Muslim Creed: A. J. Wensinck الفهرس.

(11)

H. S. Sibay في I.A.، جـ 4، ص 20 وما بعدها.

(12)

Muhammedan: J. Schacht Origins of Jurisprudence الفهرس.

(13)

Brockelmann ، جـ 1، ص 176، قسم 1، ص 284 وما بعدها (وفيه أخطاء كثيرة)

الأبيارى [شاخت J. Schacht]

ص: 324