الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد بن طولون
مؤسس الدولة الطولونية وهو أول ولاة مصر والشام الذين لم يكونوا تابعين للخلافة إلا بالاسم، وقد حذا حذوه مؤسسو جميع الدويلات التى قامت على أنقاض الخلافة. وكان أبوه طولون واحدًا، من الرقيق الذين جلبوا إلى بلاط بغداد عام 200 هـ (815 - 816 م). وسرعان ما ارتقى إلى منصب رفيع. ويقال إنه رزق بولده أحمد فى الثالث والعشرين من رمضان عام 220 هـ (20 سبتمبر سنة 835 م) أو بعد ذلك التاريخ بقليل. ونال أحمد حظًا وافر، من التعليم الحربى والدينى، وتلقى بعض علومه الدينية فى طرسوس، وقد أتيحت له فرصة التبريز فى سن مبكرة، ونال الحظوة لدى الخليفة المستعين الذى حبس فيما بعد وقام أحمد على حراسته. ولم يشترك أحمد فى اغتيال هذا الخليفة، بل هو على العكس من ذلك قد احتفل بجنازته ثم عاد إلى مواطنيه الترك فى سامراء. وبعد ذلك بقليل أقطعت ديار مصر إلى بايكباك زوج أمه، فاستخلف هذا ابن طولون لينوب عنه فى حكمها، فدخل أحمد الفسطاط فى الثالث والعشرين من رمضان عام 254 هـ (15 سبتمبر 868) م.
وحاول أحمد قبل كل شئ، أن يجمع إلى القيادة الحربية الإشراف على الأمور المالية التى كانت فى يد ابن المدبر، وهو رجل مهر فى تدبير الشئون المالية، ولكنه أغضب الناس بما فرضه من ضرائب جديدة، فعمد ابن المدبر إلى مناوأة ابن طولون. وتنازع كلاهما السلطة مدة طويلة، بنفسيهما فى مصر وبطريق أتباعهما فى سامراء. وكان أحمد قويا بمواهبه وأعوانه، ومع ذلك فقد ظل يصارع أربع سنوات حتى نجح فى إبعاد ابن المدبر عن مصر، وسرعان ما هيمن أحمد على مالية البلاد وصار من ثم مطلق اليد فى الميزانية وذلك بتدبير أداء جزية منتظمة. وقد أتاحت له الفرصة المواتية قبل ذلك أن يؤلف جيشًا مستعدًا لخوض غمار المعارك؛ فقد سمح له الخليفة أن يشترى عددًا عظيمًا من الرقيق لإخماد فتنة قامت ببلاد الشام (عهد الخليفة إلى شخص
آخر القيام بهذا الأمر فيما بعد) وأصبح هذا الرقيق عماد جيوشه، واستطاع أن يزيد فى عددهم حتى بلغوا مائة ألف رجل. وتمكن ابن طولون -بفضل نظام الجاسوسية الذى وضعه- من فضح الدسائس التى كانت تحاك حوله بمصر أو فى بلاط الخليفة قبل أن يستفحل أمرها، وكان لا يتردد فى اصطناع الرشوة أو العنف فى سبيل القضاء عليها. وأصبح نفوذ أحمد بن طولون حوالى نهاية عام 258 هـ (871 - 872 م) شيئًا يخشى بأسه فى سامراء، بعد أن ضمت إليه الإسكندرية وبرقة والأقاليم الواقعة على تخوم الديار المصرية.
واستعادت الحكومة المركزية سلطانها من جديد فى نفس ذلك الوقت تقريبًا عندما أناب الخليفة المعتمد أخاه الموفق للإشراف على أمور الدولة. وفى الحق أن الموفق لم يشرف إلا على النصف الشرقى من الدولة، بينما ترك النصف الغربى -ومنه مصر- فى يد المفوض ولد الخليفة، ولكن لما تحرج موقف الموفق فى ثورة الزنج رغب فى أن يستحوذ على خراج مصر، فأنكر عليه ذلك أحمد بن طولون، وفشلت المحاولة التى بذلت لإرغامة على ذلك، للعجز الكبير فى أموال الحكومة
المركزية، ولما توفى والى الشام عام 264 هـ (877 - 878 م) احتل أحمد بلاد الشام دون أن يجسر أهلها على معارضته، ففتحت الرملة ودمشق وحمص وحماة وحلب أبوابها أمامه، ولم يدخل عنوة إلا أنطاكية، وقد عكرت عليه نشوة هذا الانتصار فتنة ابنه العباس الذى أنابه عنه فى مصر، فعاد أحمد مسرعا إلى وادى النيل وقبض ثانية على ناصية الأمور فيه، وهكذا أصبح واليًا على الشام ومصر، وقد أشارت إلى ذلك العملة التى سكت منذ عام 266 هـ (879 - 880 م).
وبلغت الخصومة المتأصلة بين أحمد ابن طولون والموفق أقصى حدودها عندما انحاز لؤلؤ قائد الجيوش الطولونية ببلاد الشام إلى الموفق، ولكى يفسد أحمد عليهما هذا الأمر ألح على الخليفة المعتمد -الذى كان كالسجين فى يد أخيه الموفق- أن يلتجئ إلى مصر، وبادر هو نفسه إلى الشخوص إلى بلاد الشام، ولكن الموفق حال دون
التقائهما فى آخر لحظة، فأخذ أحمد يدافع عن الخليفة السجين، ونادى بسقوط الموفق فى دمشق بعد أن حصل على فتوى أجمع عليها الفقهاء من أنصاره، ومع ذلك لم يفكر فى امتشاق الحسام لفك عقال الخليفة، بل رأى أن يغتنم هذه الفرصة للتخلص من البقية الباقية من سلطان الحكومة المركزية عليه. أما الموفق فقد نصب واليًا جديدًا على مصر والشام، ولكنه ظل واليًا بالاسم فقط، ولم يجسر الموفق كذلك على الاحتكام إلى السيف، واكتفى الاثنان بتبادل السباب من فوق منبريهما كل فى وطنه. وبعد ذلك بقليل مهد الموفق للصلح على أن تظل الحال رسميا على ما هى عليه، وما كادت تبدأ المفاوضات حتى مرض أحمد فى غزوة له بشمال الشام، وتوفى فجأة فى ذى القعدة عام 27 هـ (مايو 884 م).
ويرجع توفيق أحمد فى حياته إلى مقدرته وحظه، وإلى الصلات الودية التى أنشأها مع جيرانه. وأراد أحمد أن يحتفظ بسلطانه فعمد منذ بداية أمره إلى تدعيم حكومته بجيش قوى، كان الترك والزنج قوامه؛ ولم يكن من المستطاع الاحتفاظ بهذا الجيش إلا بعد زيادة الموارد المالية، لذلك عنى عناية خاصة بتدبير الإدارة ومالية البلاد، وأوقف أحمد تدفق الأموال إلى بغداد فاستطاع أن يطلق يده فى إنفاق هذه الأموال على مرافق البلاد وبخاصة على العمائر، كما تمكن بطبيعة الحال من أن يظهر بلاطه فى مظهر فخم رائع، وأصبحت الفسطاط مدينة كبيرة فخمة، ونشأ إلى جانبها حى جديد هو القطائع، وأسس جامع ابن طولون وغيره من المنشآت العامة، وعلى هذا الوجه مهد أحمد سبيل النجاح الذى سلكته الأسرة الطولونية رغم مناوأة الحكومة المركزية لها. وتدل جميع مظاهر هذه الأسرة على أنها كانت تنزع فى كل الأمور إلى محاكاة الأنظمة التى أدخلها الفرس فى بغداد وسامراء. وكانت هذه الأسرة فاتحة عهد جديد فى حياة مصر الثقافية.
المصادر:
(1)
الطبرى، ج 3، ص 1670 وما بعدها.
(2)
اليعقوبى، طبعة هوتسما، ج 2، ص 615 وما بعدها.
(3)
ابن سعيد، طبعة فولرز Vollers فى Semitist.Studien: Bezold ج 1
(4)
المقريزى، الخطح، ج 1، ص 313 وما بعدها؛ ج 3، ص 178 وما بعدها.
(5)
ابن خلدون: العبر، ج 4، ص 297 وما بعدها.
(6)
أبو المحاسن طبعة كوينبول وغيره، ج 2، ص 1 وما بعدها.
(7)
ابن إياس، ج 1، ص 27 وما بعدها.
(8)
Egyrt: Marcel، فصل 6 وما بعده.
(9)
Gemaldenesaal: Hammer- Purgstall.
(10)
Die Statthalter uon: Wilstenfeld Agypten
(11)
Abul Abbasi Am-: T. Rooda .edis Tulounidarum primi uita et res gestae
(12)
Die Islam im mor -: A Muller gen und Abendland ج 1، ص 557 وما بعدها.
(13)
History OF Egypt: Lane- Poole ص 59 وما بعدها.
(14)
، The Life and work of: Corbet Ahmad Ibn Tulun مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، سنة 1891، ص 527 وما بعدها.
(15)
Beirrage zur: C.H.Bccker GESH AGYPTEN ج 2، ص 141 - 198.
[بكر C.H.Bccker]
+ أحمد بن طولون: مؤسس الدولة الطولونية وأول والٍ مصرى مسلم ضم الشام إليه. وكان بتبعيته الاسمية فحسب للخليفة مثالا للمماليك الأتراك الذين جندوا منذ أيام هارون الرشيد فى الخدمة الخاصة للخليفة وكبار عمال الدولة، وسرعان ما استطاعوا بطموحهم ونزعة التآمر عندهم واستقلالهم، أن يصبحوا السادة الحقيقيين لبلاد الإسلام، ويقال إن والد أحمد كان أرسل مع الخراج من والى بخارى إلى الخليفة المأمون حوالى سنة 200 هـ (815 - 816 م) وارتقى حتى ولى أمر حرس الخليفة الخاص.
ولد أحمد فى رمضان سنة 220 هـ (سبتمبر سنة 855 م) وتلقى تدريبه العسكرى فى سامراء ثم درس العلوم الدينية من بعد فى طرسوس. ونال بفضل شجاعته الحظوة لدى الخليفة المستعين الذى اختار عند خلعه سنة 135 هـ (866 م) أن يمضى إلى منفاه فى حراسة أحمد. ولم يكن لأحمد يد فيما حدث بعد من قتل المستعين، والراجح أن السبب فى ذلك أنه لم يدع إلى المشاركة فى هذا القتل. وأقطع الخليفة المعتز سنة 354 هـ (868 م) مصر القائد التركى باكباك الذى تزوج أرملة طولون، وأقيم أحمد نائبا لزوج أمه ودخل الفسطاط فى الثالث والعشرين من رمضان سنة 254 هـ (15 سبتمبر سنة 868 م).
وانشغل أحمد فى السنوات الأربع التالية بالسعى إلى انتزاع الإشراف على الإدارة من ابن المدبر ناظر المالية القوى البارع الذى ضاق المصريون بابتزازاته التى لا تطاق ومكره وجشعه فكرهوه، واشتجر النزاع بينهما إلى غايته بوساطة عملائهما وأقربائهما بسامراء فى الغالب، وانتهى بإقصاء ابن المدبر. ولما قتل باكباك أقطعت مصر "يرجوخ" الذى كان قد زوج بنتًا من بناته لأحمد بن طولون، وثبت أحمد فى منصبه نائبًا للوالى ووكل إليه حكم الإسكندرية وبرقة وغيرهما من نواحى الحدود التى كانت حتى ذلك الحين خارج سلطانه. وأمدت فتنة أماجور والى فلسطين أحمد بفرصة الحصول من الخليفة على تفويض بشراء عدد كبير من المماليك لإخضاع هذا المتمرد. صحيح أن هذه المهمة قد نيطت من بعد بغيره، إلا أن هذا الجيش السليم كان عماد سلطان ابن طولون، فقد أصبح لمصر للمرة الأولى قوة حربية كبيرة مستقلة عن الخلافة. واستطاع أحمد بفضل هداياه الكريمة أن ينال الحظوة لدى رجال البلاط العباسيين، ونجح فى إلغاء أمر أصدره الخليفة باستدعائه. وكان ابن طولون، وليس خليفة ابن المدبر، هو الذى وجه إليه الخليفة مطالبه بانصبة مصر فى تزويد خزائن مال الخلافة. ووكل الخليفة أمر القيام على الشئون المالية بمصر والتخوم الشمالية إلى أحمد حتى يستطيع أن ينتفع بهذه
الأنصبة شخصيًا بكتمان مقدارها عن أخيه الموفق. وفى سنة 258 هـ (872 م) حل جعفر -ابن الخليفة، الذى لقب من بعد بالمفوض- محل يردوخ فى إقطاع مصر. وكان المعتمد قد بايع لأخيه الموفق بالخلافة بعد ابنه، وقسّم الإمبراطورية بين هذين الوريثين للعرش، فكان من نصيب الموفق الولايات الشرقية إقطاعا له، وخص المفوض الولايات الغربية، وأقيم للمفوض نائب هو موسى بن بغا التركى ليعاونه فى الحكم. والحق إن الموفق كان يباشر السلطة العليا. على أن الخلافة كانت تتهددها من الشرق الهجمات والحركات الرامية إلى الاستقلال، ومن الجنوب فتنة الزنج التى شغلت جيوش الموفق، وكان الموفق فى الوقت نفسه -وهو الرجل الوحيد الذى يستطيع الوقوف فى وجه ابن طولون- مهدد فوق ذلك بالاضطرابات التى طرأت على الحكم وبالمنازعات الداخلية بينه وبين الخليفة من جهة، وبينه وبين قواد الكتائب التركية من جهة أخرى.
كانت هذه هى حال الخلافة فى الوقت الذى اختاره ابن طولون للسعى إلى الاستقلال بعد أن سيطر على الشئون المالية لأملاكه. وقد رأى الموفق -القائد الأعلى للحملات التى شنت على الزنج- أن طول هذه الحملات وتكاليفها الباهظة تعطيه الحق فى طلب معونة مالية من جميع الولايات التابعة للخلافة، وتسلم الموفق من ابن طولون مبلغًا من المال لم يرضه، فأنفذ جيشه بقيادة موسى بن بغا سنة 263 هـ (877 م) لإقصائه عن حكم مصر، ولكن مطالب الجنود والمخاوف التى أثارتها فى النفوس جيوش ابن طولون أدت إلى التخلى عن هذه المحاولة. وهنالك تشجع ابن طولون على احتلال الشام سنة 264 هـ (878 م) متذرعًا بالمشاركة فى الجهاد والدفاع عن حدود آسية الصغرى ضد الروم، ولكنه اضطر إلى العودة إلى مصر بعد وقت قصير ليعالج الفتنة التى أثارها ابنه عباس، وكان قد أقامه نائبًا له فى حكم مصر.
وبدأ ابن طولون، بعد الحملة الشآمية يضيف اسمه إلى اسمى
الخليفة وجعفر على السكة الذهبية (ويجب أن نلاحظ أن ابن طولون دأب على الاعتراف بالخليفة المعتمد نفسه، وربما كان ذلك لسبب واحد هو أنه كان لا حول له ولا قوة). وفى سنة 269 هـ (882 م) دعا أحمد الخليفة إلى أن يلجأ إلى مصر ضيفًا عليه فيها، وأراد بذلك أن يركز السلطة الشرعية كلها فى مصر وأن ينال شرف المنقذ للخليفة الذى أصبح وقتئذ خليفة بالاسم دون الفعل. على أن محاولة المعتمد أحبطت، وأقام الموفق إسحق بن كنداج واليًا على مصر والشام. ورد أحمد بن طولون على ذلك بأن أعلن فى مجلس من الفقهاء عقد فى دمشق إسقاط حق الموفق فى أن يلى الخلافة. ولم يكن من الموفق إلا أن أجبر الخليفة بلعن أحمد فى المساجد، وفعل أحمد المثل فى حق الموفق بمساجد مصر والشام. صحيح
أن الموفق انتصر آخر الأمر فى إخماد فتنة الزنج، إلا أنه سعى إلى إقرار الحالة الراهنة آملًا أن ينال من أحمد بالرفق والسياسة ما لم ينله بالحرب.
ورد أحمد ردًا مرضيًا على الخطوات الأولى التى بذلها الموفق للتقرب، ولكن المنية أدركته فى ذى القعدة سنة 270 هـ (مارس سنة 884 م).
ونجاح أحمد لا يرجع إلى مواهبه، ومهارته، وقوة جيوشه من مماليك الترك والسودان فحسب، بل يرجع أيضًا إلى فتنة الزنج التى حالت بين الموفق وبين التفرغ لمجابهة فعال أحمد العدوانية. وقد وجه ابن طولون إصلاحاته الزراعية والإدارية نحو تشجيع الفلاحين على زراعة أراضيهم فى إقبال وحماسة بالرغم من الضرائب الثقيلة التى كانت لا تزال مفروضة على محاصيلهم، ووضع حدًا لابتزازات القائمين على الإدارة المالية سعيًا إلى تحقيق المغانم الشخصية. ويرجع السبب الجوهرى فى رخاء مصر تحت حكم ابن طولون إلى أن الجزء الأكبر من موارد الدولة لم تعد تستنزفه الحكوهة المركزية فى بغداد ومن ثم استخدمت هذه الموارد فى إنعاش التجارة والصناعة وإقامة حى جديد