المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أحمد من أسماء النبى محمد [صلى الله عليه وسلم]، واسم علم - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌أحمد من أسماء النبى محمد [صلى الله عليه وسلم]، واسم علم

‌أحمد

من أسماء النبى محمد [صلى الله عليه وسلم]، واسم علم عند المسلمين، وهو ببنيته إما مأخوذ من: محمود وحميد، بمعنى الأكثر أو الأعظم استحقاقًا للحمد؛ وإما من: حامد، وهذه أقلها احتمالا، والمعنى: الأكثر أو الأعظم حمدًا لله. على أنه إذا استخدم علما فإنه يكون متميزًا عن غيره من الصيغ الاشتقاقية الأخرى التى تتصل به، بما فى ذلك الاسم محمد. وهو لم يرد إلا عرضًا بين عرب الجاهلية وكان عندهم أقل شيوعًا من محمد. وفى النقوش الصفوية الشمالية العربية لمشارف الشام يبدو أن ثمة أسماء بهذه البنية مختصرات لمركبات من اسم الله مثل "حمد الله". أما أن يصدق هذا على العربية الفصيحة فى الحجاز فموضع شك.

والأساس فى استعمال أحمد عند المسلمين هو القرآن (سورة الصف، الآية 6): {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} .

وليس ثمة نظير واضح لهذه الآية فى الإنجيل. ومن ثم قيل إن أحمد هو ترجمة بركلوتوس، أي المشهور. وهي بدورها قد تكون تحريفًا لبَرَكليتوس الوارد فى سفر يوحنا (الإصحاح 14، الآية 16؛ الإصحاح 15، الآية 23 - 27). ولكن تاريخ النص وترجمات الإنجيل مضافًا إلى ذلك أن بركلوتوس لم يكن مشهورًا فى اليونانية التى كانت معاصرة، كل هذا يدل على أن ذلك مستحيل، وفى الحق إن المسلمين لم يطلقوا على محمد اللقب المبشر به قبل منتصف القرن الثانى للهجرة (انظر ابن هشام، ص 150، فى روايته عن ابن إسحاق) ولكن المصطلحين المستعملين هما الكلمة الإغريقية بَرَكليتوس، أو ترجمتها الآرامية الصحيحة مِنَحِّمانا؛ والقول بأنهما واحد لا يعتمد إلا على تشابه الجرس بين الكلمة الآرامية والاسم محمد. والظاهر أن القائلين بهذا هم النصارى الذين أسلموا.

ومع أن المسلمين قد استعملوا الاسم "محمدا" منذ حياة النبى [صلى الله عليه وسلم] إلى ما بعد ذلك، وأن صيغ: محمود وحَمِيد وحُمَيْد، وردت فى القرن الأول الهجرى

ص: 462

أيضًا، فإن استعمال كلمة "أحمد" علمًا بين المسلمين يبدو أنه لم يبدأ إلا حوالى سنة 125 هـ (740 م) ومن ذلك انتهى إلى أن كلمة "أحمد" فى القرآن (سورة الصف، الآية 6) لا تؤخذ على أنها اسم علم بل على أنها صفة (ومن ثم قد تحتمل هذه الآية إشارة غامضة إلى سفر يوحنا، الإصحاح 14، الآية 12) وأنها لم تفهم على أنها اسم علم إلا بعد ما قيل إن محمدًا هو برقليط، وعلى ذلك فإن الإشارات العارضة إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] بأحمد فى شعر القرن الأول الهجرى تؤول على أنها من ضرورات الشعر، والأحاديث التى تروى أن اسم النبى [صلى الله عليه وسلم] هو أحمد (ابن سعد، جـ 1، قسم 1، ص 64) تقدم تفسيرًا غير واضح فى جميع الأحوال. ولكن تردد المسلمين أصلًا فى استخدام اسم أحمد نجد له مبررًا كافيًا فى استعمال الكلمة فى صيغة التفضيل ولو أنها كانت منذ البداية اسم علم.

المصادر:

(1)

Das Leben and die: A. Sprenger Lehre des Mohammed، جـ 1، سنة 1861 م، ص 158 وما بعدها.

(2)

Gesch. des Qor. جـ 1، ص 9، تعليق.

(3)

H.Grimme فى Zeitchrift Fur Semi- tistik، سنة 1928 م، ص 24 وما بعدها.

(4)

E. A. Ficher فى Ber. Verh. Sachs Ak. Wiss. Phit. hist. Kt، سنة 1932 م، رقم 3.

(5)

M. W. Watt فى Muslim World سنة 1953 م، ص 110 وما بعدها.

الأبيارى [شاخت J. Schacht]

تعليق على مادة "أحمد"

إن التبشير بالنبى العربي [صلى الله عليه وسلم] سبقت به كتب سماوية سبقًا عامًا وسبقًا خاصًا، وأعنى بالسبق العام الذى جاء يحمل الإشارة إليه [صلى الله عليه وسلم] ولا يحمل التنويه باسمه.

ومن هذا الشق الأول ما جاء فى التوراة على لسان موسى عليه السلام فى وصيته مبشرًا بعيسى [عليه السلام] ثم بالنبى العربى [صلى الله عليه وسلم] من بعده، وذلك حين يقول موسى:"جاء الرب من سيناء وأشرق من ساعير واستعلى من فاران".

ص: 463

وفى هذا إشارة إلى ظهور الرسل الثلاثة: موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، فسيناء موطن موسى عليه السلام؟ وساعير -التى هي جبال فلسطين- حيث ظهر عيسى عليه السلام؛ وفاران -التى هي مكة- موطن محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد أورد هذا ياقوت فى كتابه معجم البلدان فى رسم "فاران" وقال: فاران: كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة. وقيل: اسم لجبالها

ثم قال: ومجئ الرب من سيناء تكليمه لموسى عليه السلام، وإشراقه من ساعير -وهي جبال فلسطين- هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام، واستعلاؤه من فاران: إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.

وانظر فى ذلك أيضًا: صفة جزيرة العرب للهمدانى، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام للنهروانى.

وتذكر التوراة (الآية الثانية عشرة، الإصحاح الثامن عشر، السفر الخامس، سفر التثنية): "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك".

وما نظن هذه الآية تشير إلى عيسى عليه السلام، إذ كان من بني إسرائيل، وإنما هي لا شك وصفت هذا النبى على أنه من إخوتهم، أي من بني إسماعيل، فنحن نعلم أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] من ولد إسماعيل، وإسماعيل أخو إسحاق، وإسحاق جد بني إسرائيل.

ولست أذهب إلى هذا التأويل غير معتمد على دليل، بل دليلى من التوراة نفسها، فهي تبين هؤلاء الإخوة، وذلك حيث تقول: هؤلاء هم بنو إسماعيل

وسكنوا -أي بنو إسماعيل- من حويلة إلى أشور التى أمام مصر حينما تجئ نحو أشور أمام جميع إخوته نزل (سفر التكوين، الإصحاح 35، الآيات 16 - 18)، وكذلك حيث تقول: "وتدعين اسمه إسماعيل

وأمام جميع إخوته يسكن (سفر التكوين، الإصحاح 16، الآيتان 11، 12).

هذا ما جاء فى التوراة عن الشق الأول، وإليك ما جاء فى الإنجيل عنه، فقد جاء فى رؤيا يوحنا اللاهوتى (الإصحاح التاسع عشر، الآية 11): "ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض

ص: 464

والجالس عليه يدعى أمينًا وصادقًا وبالعدل يحكم ويحارب".

ومن يكون هذا المبشر به بعد عيسى عليه السلام، والذى وصف بالأمين وبالصادق، غير محمد [صلى الله عليه وسلم]؟

وجاء كذلك في رؤيا يوحنا اللاهوتى (الإصحاح التاسع عشر، الآية 15): "ومن فيه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم

وهو يدوس معصرة خمر".

وما أظننى إلا على التأويل الحق حين أقول: إن هذه الآية تحمل إشارتين صريحتين، إحداهما عن كلام الله الذي أجرى به تعالى لسان محمد [صلى الله عليه وسلم] وخرج من فيه أقوى مضاء من السيف في حجته وقطعه؛ وثانيهما ما جاء به الإسلام من تحريم الخمر، وما كانت محرمة على عهد عيسى عليه السلام، فلقد روى أنه صير الماء خمرًا في عرس قانا، كما حكى عنه أنه قال عن الخمر إنها دمه.

هذا ما جاء عن الشق الأول، وهو العام، في التوراة والإنجيل. وأما ما جاء عن الشق الثاني فيهما، وهو الذي فيه تنويه بالاسم، فإليك إجماله:

جاء في التوراة عن الترجمة العبرية (كمبردج سنة 1934 م): "وعن إسماعيل سمعتك، هأنا باركته وأيمنته بمادماد"(سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، الآية 20).

واهولى بمادماد: حصد [صلى الله عليه وسلم].

يقول ابن قيم الجوزية في كتابه: جلاء الأفهام (ص): وأما قول كثير من المفسرين إن المراد بهذين الحرفين: جدًا جدًا، ولكون لفظة "ماد" قد جاءت مفردة في التوراة بمعنى: جدًا، فهذا لا يصح، لأجل الباء المتصلة بهذا الحرف، فإنه ليس من الكلام المستقيم قول القائل: أنا أكرمك بجدًا

وإذا كان هذا الحرف قد نقل من التوراة الأزلية وفيها هذا الحرف موصولًا بالباء، علم أن المراد غير ما ذهب إليه من قال هي بعنى "جدَّا" إذ لا تأويل يليق بها غير هذا التفسير، بدليل ما جاء في التوراة في غير هذا الموضع عن ولد إسماعيل: إنه يلد اثنى عشر شريفًا، ومن شريف واحد يكون شخص يسمى بمادماد. فقد صرحت التوراة أن هذين الحرفين اسم علم لشخص شريف معين من ولد إسماعيل، فبطل قول من قال إنه بمعنى

ص: 465

المصدر للتوكيد، فإن التصريح بكونه اسم عين يناقض من يدعى أنه اسم معنى". ويقول عياض فى كتابه "الشفاء" (جـ 3، ص 439): "ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم فى الكتب السالفة: ماذ ماذ، ومعناه: طيب طيب".

وقيده البرهان فى كتابه "المقتفى"، وكذا الخفاجى شارح "الشفا"، والقسطلانى فى كتابه "المواهب اللدنية"، والسهيلى فى كتابه "الروض الأنُف".

وظاهر أن الترجمة العربية التى بين أيدينا هي على هذا الوجه الذى استبعده ابن قيم الجوزية، ففيها:"وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا اثنى عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة كبيرة"(سفر التكوين، الإصحاح 17، الآية 30).

وبعد نص التوراة هذا يجئ نص الإنجبلي يسوقه ابن هشام فى كتابه "السيرة"(1: 348، طبعة الحلبى) ناقلًا عن ابن إسحاق: "وقد كان، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله فى الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أثبت يحنس الحوارى لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام، فى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال: من أبغضنى فقد أبغض الرب، ولولا أنى صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلى ما كانت لهم خطيئة، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزوننى -أى يغلبوننى- وأيضًا للرب، ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التى فى الناموس: أنهم أبغضونى مجانا -أى باطلًا- فلو قد جاء "المنحمنا" هذا الذى يرسله الله إليكم من عند الرب وروح القدس، هذا الذى من عند الرب خرج، فهو شهيد علىّ وأنتم أيضًا؛ لأنكم قديمًا كنتم معى، فى هذا قلت لكم لكيما لا تشكوا".

والمنحمنا، بالسريانية: محمد: وهو بالرومية: البرقليطس.

وهذا النص الذى ساقه ابن إسحاق نقلًا عن أصل قديم يعزى إلى يحنس الحوارى، يسوقه إلينا النص العربي المترجم عن اليونانية (كمبردج سنة

ص: 466

1934 م): "الذى يبغضنى يبغض أبى أيضًا. لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالًا لم يعملها أحد غيرى لم تكن لهم خطية. أما الآن فقد رأوا وأبغضونى أنا وأبى. لكي تتم الكلمة المكتوبة فى ناموسهم إنهم أبغضونى بلا سبب. ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذى من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي (إنجيل يوحنا، الإصحاح الخامس عشر، الآيات 23 - 26).

ولقد جاءت كلمة "المعزى" مرة أخرى قبل هذه فى الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا أيضًا الآية 16: "وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد".

وإن صح أن الأصل فى الموضعين واحد، فتكون هذه الكلمة هي مكان "المنحمنا" السريانية و"البرقليطس" الرومية.

ويقول الخفاجى فى شرح الشفا، عن "المنحمنا" (2: 440) نقلًا عن البرهان فى كتابه "المقتفى"، وكذا الصفدى فى "التذكرة" وابن سيد الناس فى سيرته:"وهو بالسريانية: محمد، وبالرومية: البرقليطس". على نحو ما نقل ابن إسحاق.

ويقول القسطلانى فى المواهب اللدنية: "فمعناه بالسريانية: محمد".

ويزيد الزرقانى شارح المواهب: فمعناه: روح القدس.

وأما عن البارقليط، فيقول عياض (438: 2) وهو يذكر أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم: وروح الحق، وهو معنى البارقليط فى الإنجيل. وقال ثعلب: البارقليط الذى يفرق بين الحق والباطل. ويقول الخفاجى شارح الشفاء: والذى عليه أصحاب الإنجيل أن معناه: المخلص، وعبارة الإنجيل: إنى ذاهب إلى أبى وأبيكم ليبعث إليكم الفارقليط (ذكر بالباء وبالفاء).

ويقول الدوانى فى شرح هياكل النور: هو لفظ عبرانى، معناه: الفارق بين الحق والباطل. ويقول السيوطى فى الرياض الأنيقة: معناه الحامد، أو الحماد.

ويقول ابن الأثير فى كتابه "النهاية""فرق": إن اسمه عليه الصلاة والسلام فى الكتب السالفة: فارق ليطا، أى يفرق بين الحق والباطل.

ص: 467

وثمة حديث يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن [صلى الله عليه وسلم] قال: اسمى فى القرآن محمد وفى الإنجيل أحمد وفى التوراة أحيد؛ لأنى أحيد أمتي عن نار جهنم.

وانظر لهذا: الشفاء (2: 440) وشرح المواهب (3: 188) وتهذيب الأسماء واللغات للنووى (1: 22).

ويروى مسلم فى كتاب الفضائل فى الباب الرابع والثلاثين فى أسمائه [صلى الله عليه وسلم](4: 1828 م، طبعة الحلبى) حديثًا يرفع إلى محمد بنْ جبير ابن مطعم عن أبيه: أن النبى [صلى الله عليه وسلم] قال: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على عقبى، وأنا العاقب.

والعاقب: الذى ليس بعده نبى.

ويقول ابن هشام فى سيرته (1: 166، طبعة الحلبى): ويزعمون أن آمنة بنت وهب حين حملت برسول الله [صلى الله عليه وسلم] كانت تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا ما وقع إلى الأرض فقولى: أعيذه بالواحد من شر

كل حاسد، ثم سميه محمدًا.

ويقول السهيلى فى كتابه "الروض الأنُف": وبه -أى بمحمد- سماه جده عبد المطلب، وذلك أنه لما قيل له: ما سميت ولدك؟ قال: محمد، فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟ فقال: لأنى أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب.

وينسبون إلى عبد المطلب فى ذلك شعرًا قاله حين التمس حفيده فلم يجده، وكان عندها ابن خمس سنين، وكانت حليمة قد رجعت به لترده إلى أهله، فاضلها فى الناس، فالتمسته فلم تجده، فأتت عبد المطلب فأخبرته، فقام عند الكعبة ينشد، بعد أن التمسه هو الآخر فلم يجده:

لا هم أد راكيي محمدًا

أده إلىّ واصطنع عندي يدا

أنت الذى جعلته لى عضدا

لا يبعد الدهر به فيبعدا

أنت الذى سميته محمدا

ص: 468

وتجد ابن سعد فى كتابه "الطبقات"(64، 61: 1، طبعة مصر) ينقل خبرًا يرفعه إلى أبى جعفر محمد بن علي، وهو ابن الحنفية، قال: أمرت آمنة، وهى حامل يرسول الله [صلى الله عليه وسلم]، أن تسميه أحمد.

وينقل ابن سعد أيضًا خبر، مثل هذا يرفعه إلى ابن الحنفية أيضًا "الطبقات 1: 64 - 65) أنه سمع علي بن أبى طالب يقول: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سميت أحمد.

ولقد سماه القرآن الكريم "أحمد" فى موضع واحد، حيث جاء على لسان المسيح مبشرًا به {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف: 6).

وسماه محمدًا فى مواضع أربعة، قال تعالى:(وما محمد إلا رسول) آل عمران: 144. وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} الأحزاب: 40، وقال تعالى: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} محمد: 2، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: 29.

وثمة سورة من سور القرآن الكريم، وهى السورة السابعة والأربعون، تحمل اسم محمد، ويذكر الإربلى عمر ابن محمد فى كتابه "وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين" نقلا عن ابن عباس مائة وثمانين اسمًا للرسول [صلى الله عليه وسلم].

ويذكر الزرقانى أكثر من أربعمائة.

ويرفعها ابن العربي إلى ألف (شرح المواهب، 3: 112).

ويعقب الزرقانى: هي أوصاف مدح، فلا تضاد العلمية فيها الوصفية.

ويضيف ابن قيم الجوزية: إن محمدًا علم وصفة فى حقه [صلى الله عليه وسلم]، وإن كان علمًا محضًا فى حق غيره.

ويجلو ابن سعد (الطبقات 1: 66) ذلك بيانًا فيذكر حديثًا يرفعه إلى أبى هريرة، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: يا عباد الله، انظروا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم -يعني قريشًا؛ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا، وأنا محمد.

ويقول ابن قيم الجوزية (جلاء الأفهام: 113): إن اسم النبى [صلى الله عليه وسلم] فى

ص: 469

التوراة: محمد، كما هو فى القرآن: محمد، وأما المسيح فإنه سماه أحمد، كما حكاه الله عنه فى القرآن، فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدًا فى التوراة، ومتقدمة على تسميته محمدًا فى القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما، وهذان الاسمان صفتان فى الحقيقة، والوصفية فيهما لا تنافى العلمية، وإن معناهما مقصود.

ومن هذا التمهيد نتبين:

1 -

أن التبشير بالنبى العربى فى الكتب السماوية حقيقة مقررة.

2 -

وأن هذا التبشير:

(أ) عام، يحمل الوصف دون التنويه بالموصوف.

(ب) خاص، يجلو الموصوف.

3 -

وأن هذا العام بما يحمل يتفق وما كان عليه النبى العربى، وأنه يمهد لذلك الخاص، ولذا قدمناه.

4 -

وأن هذا الخاص الذى ينوه بالموصوف لايخرج فى مدلوله عن مسمى محمد وحامد، أى محمد وأحمد.

5 -

وأن ما ألقى فى روع آمنة، يستوى فيه أن يكون الذى طلب إليها أن تسميه به: محمدًا أو أحمد. إذ الموصوف بهما لا يختلف بينهما.

6 -

وأن ما سماه به جده عبد المطلب عن رؤيا كان استملاءً من هذا الوصف العام وهو الحمد، وكلا اللفظين محمد وأحمد مؤد.

7 -

وأن ما جاء فى القرآن على لسان عيسى عليه السلام من هذا الوصف العام، وكذا اللفظين أحمد ومحمد مؤد، لهذا كان لا بد من كلمة عن مدلول اللفظين وأدائهما، وهو ما سنطالعك به بعد قليل.

والمتقصى لمن تسموا بهذا الاسم أو ذاك، أعنى محمد، أو أحمد، قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يجد منهم إلا قلة، ذكرهم عياض فى الشفاء (2: 412) ونقلهم عنه الزرقانى فى "شرح المواهب 3: 158)، وهم:

1 -

المسمون بأحمد: أحمد بن غُجيان -بغين معجمة، على وزن سفيان- وقال عنه: لا أصل له. وقيل: تسمى فى الجاهلية قبل الإسلام بزمن

ص: 470

طويل- وأحمد بن ثمامة الطائى، وأحمد بن دومان البكيلى، وأحمد بن زيد بن خراش السكسكى، ومن القبائل: بنو أحمد، فى همدان؛ وبنو أحمد، فى بكيل؛ وبنو أحمد، فى طيئ.

وأول من تسمى بهذا الاسم بعد الإسلام فيما يقال: أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدى، أبو الخليل النحوى.

2 -

المسمون بمحمد: محمد بن آحيحة بن الجلاح الأوسى، محمد بن مسلمة الأنصاري، محمد بن براء البكرى، محمد بن سفيان بن مجاشع التميمى، محمد بن حمران الجعفى، محمد بن خزاعة السلمى.

ولقد قصرهم السهيلى -أعنى من تسموا بمحمد- على ثلاثة، وجعلهم مغلطاى فى سيرته ثمانية، وجعلهم القسطلانى خمسة عشر.

ولعل الدافع إلى هذه التسمية أو تلك كان التيمن بما يحمد، وما من شك فى أن هذه الأوصاف المحمودة كان لها وجودها فى البيئة العربية على حال ما، وقد تكون تلك الدلالات التى حملتها الكتب المقدسة بمعنى هذا الاسم أو ذاك لها هي الأخرى أثرها، وما بعدت البيئة العربية عن جيران لها من يهود ونصارى. وما يدرينا لو تقصينا أن نجد من تسموا بهذين الاسمين أو بأسماء قريبة منهما لم يبعدوا كثيرًا عن هذا المحيط المؤله، وإذ كانت البيئة العربية فى جاهليتها غارقة فى الوثنية إلى الأذقان لهذا لم تقبل على هذا اللون من التسمية إقبالها على غيره مما يحمل طابع ما دانوا به.

ولقد ذهب بعض كتاب السيرة السابقون إلى أن هذا كان صونًا للاسم من أن يشارك فيه حتى لا تقع الشبهة، وأن الله منع ذلك بحكمته. وهذا الذى ذهبوا إليه -لو صح- لا يقوم دليلًا، إذ حسبنا أن نجد واحدًا تسمى بهذا الاسم أو ذاك، فما بالك وهم غير واحد، وقد يكون ثم غيرهم لم تصلنا أسماؤهم. ثم إليك ما وعدنا به من كلمة عن مدلول اللفظين وأدائهما:

فالاسمان -محمد وأحمد- واقعان على المفعول، وهو المختار، فأحمد على هذا يعني أنه [صلى الله عليه وسلم] يحمد أكثر مما يحمد غيره وأفضل مما يحمد غيره، وذلك أبلغ فى مدحه وأتم معنى.

ص: 471

ولو أريد بأحمد معنى الفاعل لسمى: الحماد، وهو الكثير الحمد، كما سمى محمدًا، وهو المحمود كثيرًا، فإنه [صلى الله عليه وسلم] كان أكثر الخلق حمدًا لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى: حمادًا.

ثم إن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التى لأجلها استحق أن يسمى محمدًا وأحمد، فهو الذى يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التى تفوت عدد العادين سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة فى القدر والصفة (جلاء الأفهام 107 - 108). وينقل القرطبي فى تفسيره (18: 38 - 84): وأحمد: اسم نبينا [صلى الله عليه وسلم] وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل. فتلك الصفة هي "أفعل" التى يراد بها التفضيل، فمعنى أحمد، أى أحمد الحامدين لربه.

وأما محمد [صلى الله عليه وسلم] فمنقول من صفة أيضًا، وهى فى معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة. كما أن المكرم من كرم مرة بعد مرة، وكذلك الممدح ونحو ذلك.

ويقول ابن قيم الجوزية: والفرق بين محمد وأحمد من وجهين:

أحدهما: أن محمدًا هو المحمود حمدًا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، وأحمد أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الذى يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد زيادة حمد فى الكمية، وأحمد زيادة فى الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر.

والوجه الثاني: أن محمدًا هو المحمود حمدًا متكررًا، وأحمد هو الذى حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين "محمد" على كونه محمودًا، ودل الاسم الثاني، وهو"أحمد" على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس. فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل ولا يبنيان من فعل المفعول، بناء على أن أفعل التعجب

ص: 472

والتفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم لا من المتعدى، ولهذا يقدرون نقله من "فعل" بفتح العين وكسرها إلى بناء "فعل" بضم العين.

ونازع فى ذلك آخرون، وقالوا: يجوز بناء فعل التعجب والتفضيل من فعل الفاعل ومن الواقع على المفعول، تقول العرب: ما أشغله بالشئ، وهذا من: شُغل به، على وزن سئل - فالتعجب من المشغول بالشيء لا من الشاغل.

ويقول ابن قيم الجوزية فى كتابه "زاد المعاد": وأما أحمد، فهو اسم على زنة أفعل التفضيل مشتق أيضًا من الحمد، وقد اختلف الناس فيه: هل هو بمعنى فاعل أو مفعول:

فقالت طائفة: هو بمعنى الفاعل، أى حمده لله أكثر من حمد غيره له، فمعناه: أحمد الحامدين لربه. ورجحوا هذا القول بأن قياس أفعل التفضيل أن يصاغ من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول، ولهذا لا يقال: ما أضرب زيدا، ولا زيد أضرب من عمرو، باعتبار الضرب الواقع عليه؛ ولا ما أشربه للماء، وآكله للخنزير؛ لأن أفعل التفضيل وفعل التعجب إنما يصاغان من الفعل اللازم.

ومضى بعد ذلك يلخص ما قاله قبل فى "جلاء الأفهام".

وقال عياض ("الشفاء"، 2: 408 - 409): فأما اسمه أحمد، فأفعل، مبالغة فى صفة الحمد، ومحمد مفعل، مبالغة من كثرة الحمد، فهو [صلى الله عليه وسلم] أجل من حَمد، بالبناء الفاعل - وأفضل من حُمد، بالبناء للمجهول.

هذا بعض ما قيل عن محمد وأحمد، اشتقاقًا ومعنى، وهو يؤيد ما قلناه قبل، وأنهما على معنى، إن لم يكن واحدًا، فهو أقرب إلى ذلك، لهذا لم يكن الخلاف حول التسمية بهذا أو ذاك مما يخلق قضية.

وبعد، فلقد تخلفت التسمية بعد الرسول بهذين الاسمين، وقد قدمنا أن أول من تسمى بأحمد هو والد الخليل. وإذا علمنا أن ميلاد الخليل كان حوالى سنة 100 هـ أدركنا أن هذه التسمية كانت مع أواخر القرن الأول الهجرى لم تتخلف عنه كثيرًا. وما نظن التسمية

ص: 473