الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحرام
مصدر أحْرَم، والأصل "حرم"، ومعناه المنع كما فى لسان العرب (جـ 15، ص 11) وضده "الإحلال". وقد أصبح لفظ الإحرام لفظًا اصطلاحيًا للدلالة على الإمساك عن أمر من الأمور بدائع دينى، والممسك على هذا الوجه يسمى "مُحْرِم"، فالصائم مثلًا يسمى محرمًا، علىَ أن لفظ الإحرام لا يستعمل إلا للدلالة على حالتين: حالة الإمساك عند العمرة أو الحج، وحالة الإمساك عند الصلاة. ويمكن استعمال هذا اللفظ فى معنى ثالث للدلالة على اللباس الذى يرتدى عند أداء الحج أو العمرة.
1 -
الإحرام للحج والعمرة: ينص الشرع على أن الحاج يثاب إذا أحرم منذ بدء رحلته إلى مكة. ولما كان هذا الأمر شاقًا فقد جرت العادة ألا يحرم الحاج إلا عند اقترابه من الحَرَم. ولكن يحدث فى كثير من الأحوال أن الحجاج الذين ينتقلون على البواخر يُحْرِمون بمجرد وصولهم إلى جدة. وقد بيّن الشرع بعض المواقيت التى يستطيع فيها الحاج أن يحرم وهي ذو الحُلَيْفَة للقادمين من المدينة، والجُحْفَة للقادمين من الشام ومصر، وقَرْن المنازل للقادمين من نجد، ويَلَمْلَم للقادمين من اليمن، وذات عرْق للقادمين من العراق. ومن يتأخر إحَرامه عن هذه المواقيت وجبت عليه الفدية، ويقال أيضًا للميقات "مَهَلّ" أي الموضع الذى يبدأ فيه الإهلال، والإهلال هو الدعاء "لبيك، لبيك". وعلى هذا يستعمل لفظ الإهلال
بمعنى لفظ الإحرام فيقال مثلًا: أهل بالحج بمعنى أحرم بالحج، ويوجب الشرع كذلك على القاطنين داخل البقاع التى تحدها المواقيت الإحرام فى ديارهم (التنبيه، طبعة كوينبول ص 72) إذا اعتزموا الحج، أما إذا أرادوا العمرة فيجب عليهم الانتقال إلى حدود "الحِلّ" وهم ينتقلون عادة إلى "التَنْعيم" التى يسميها المحدثون خطأ "العمرة" للاعتمار فيها.
ولما كان المرء لا يستطيع أن يحرم إلا بعدأن يجتنب كل ما يعده الشرع نجسًا، كان عليه قبل الإحرام أن يقوم بالشعائر المندوبة كالغسل وتخضيب الأظافر (1) والتطيب وغيرها، وتلك
(1) المعروف هو تخضيب اليدين إلى الكوعين للمرأة.
شعائر كانت تتصل قديمًا بالصلوات التي يقصد بها طرد الشياطين. وكثيرًا ما يقص الشخص شعره ويحف لحيته ويقلم أظافره (A Pilgrimage: Burton لندن، سنة 1857 م، جـ 2، ص 133، 377؛ البتنونى، الرحلة الحجازية، الطبعة الثانية، ص 172؛ وانظر عن مغزى قص الشعر ما سيأتى بعد). ثم يرتدى المرء ثوبًا خاصًا غير مخيط، ويتكون هذا الثوب من قطعتينْ "الإزار" وهو ثوب يستر الجسم من السرة إلى الركبتين؛ و"الرداء" وهو ثوب يرسل على الكتف الأيسر والظهر والصدر ويعقد طرفاه عند الجانب الأيمن، ويسمى الرداء "وشاحًا" لطريقة عقده. وقد ندب الشرع أن يكون لون هذين الثوبين أبيض، ويجوز توشيتهما أيضًا بالخطوط الحمراء (انظر الصورة الموجودة في كتاب، Burton جـ 2، أمام ص 58). ونلاحظ أن ثوب الإحرام كان الثوب المقدس عند قدماء الساميين، إذ إن الجزء الأعلى من الثوب الذي كان يرتديه الكاهن الأعظم في "العهد القديم" كان غير مخيط كما يقول يوسفوس (Antiq: Josephus جـ 2، 7، س 4) ويرتدى كهنة اليهود الأفود (الصُّدرة) حول الحرقفتين والمعيل حول الكتفين. ونجد لهذا شبيهًا في الإسلام عند الصلاة وفي تكفين الميت. وكذلك كان العرب في جاهليتهم عندما يستنبئون كاهنهم يلبسون رداء ومئزرًا، كما كان الزهاد المتأخرون يرتدون مثل هذا الثوب (Goldziher في Wierner Zeitschr. F. Kunde des Mor - genlandes، جـ 14، ص 138، 338. Reste: Wellhausen، الطبعة الثانية، ص 122): يضاف إلى ذلك أن اللون الأبيض يعد مقدسًا في كثير من الأديان، فكان في أول الأمر دليلًا على الحداد (انظر Wilken: Verpreide Ges- chriften طبعة V. Ossenbruggen، جـ 3، ص 416 - 422) ثم اتخذ بعد ذلك رمزًا للتقديس، لذلدُ كان أفود الكهان وأردية الزهاد بيضاء (انظر Some: J. Wensinck Semitic rites of mourming and religion فى Verhandl. der Kon. Akad. van DI Nieuwe Reeks. Westenschappen، 18، رقم 1).
فلباس الإحرام والحالة هذه قديم جدًا ولا يرجع أصله إلى الإسلام، زد
على ذلك أن لبس الحذاء محرم كذلك، وأقصى ما يسمح به هو لبس النعل. وهذه أيضًا عادة سامية قديمة: فقد كان اليهود يسيرون في حدادهم حفاة الأقدام كما كان يفعل كهنتهم. ويجب على المحرم أيضًا ألا يغطى رأسه، وربما كانت هذه عادة من عادات الحزن قبل الإسلام (انظر سفر حزقيال، الإصحاح 24، الآية 17).
وليست النساء في حاجة إلى ارتداء ملابس خاصة، ولكن في العادة يرتدين ثوبًا طويلًا يرسل من الرأس إلى القدمين، بينما يحجبن وجوههن -التى كان يجب أن تسفر (1) - بنوع من النقاب (انظر الرسم الموجود في كتاب Burton، جـ 2، ص 58).
ويضلى المحرم ركعتين ثم ينوى نية الحج. ويمكن أن تكون النية على ثلاثة أوجه لأن الإحرام إما أن يكون:
(أ) للحج أو للعمرة، ويقال له حينئذ "إفراد":
(ب) للعمرة، ولو أنه يقوم أيضًا بالحج ويقال له "تمتع"(بالعمرة إلى الحج).
(جـ) لكل من العمرة والحج معًا، ويقال له "قِران".
وهناك مؤلفات إسلامية عدة تبحث عن أصل وقيمة هذه الأوجه الثلاثة من النية. وتختلف المذاهب الأربعة في قدر الثواب الذي يثاب به المرء على كل نية من هذه النيات ولفظ "التمتع" مأخوذ من آية قرآنية (سورة البقرة، الآية 196 {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}) ثم أصبح بعد ذلك اصطلاحًا. وقد ذهب سنوك هركرونى (Het Mek-: Snouck Hurgronje kaansche Feesi، ص 86 وما بعدها) إلى أن قيود الإحرام قد غدت قاسية في نظر النبى [صلى الله عليه وسلم]، لذلك نجده أثناء مكثه في مكة قبل الحج يتحلل من هذه القيود، فلما نظر إليه صحابته نظرة عتاب واستفهام نزلت الآية: {وَأَتِمُّوا
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى [صلى الله عليه وسلم] قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" وفي رواية قال: سمعت النبى [صلى الله عليه وسلم] ينهى النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب". (راوه أحمد وأبو داود)
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة البقرة، الآية 196). وعلى ذلك فإن ما تراءى للنبى [صلى الله عليه وسلم] ومعاصريه أنه إهمال يستوجب التكفير قد غدا في نظر الأجيال اللاحقة أمرًا مباحًا. والحجاج الذين يبلغون مكة قبل الحج بوقت طويل يتخلصون مما حرم عليهم "بالتمتع" فهم يخلعون ملابسهم بالإحرام عقب الانتهاء من العمرة ولكنهم يعودون فيرتدونها عند اقتراب موعد الحج. والتمتع محرم على الذين عندهم هدى للفدية (سورة البقرة، الآية 199)(1) وكانت العمرة في الأصل تحدث في شهر رجب، وتذكر بعض الروايات أن العمرة إبان الحج لم تكن معروفة في الجاهلية.
وبعد النية تبدأ التلبية التي تردد بقدر المستطاع ولا يفرغ منها إلا بعد حلق الشعر في العاشر من ذى الحجة. وقد منع الشرع المحرم من جملة أمور: النكاح والتطيب وإراقة الدم والصيد، كما حرم عليه اقتلاع النبات. ونلاحظ بهذه المناسبة أن بعض الأديان السامية يحرم النكاح في حالات أخرى غير الإحرام، ونخص بالذكر من هذه الأديان ما يقول بالتوحيد. وكان إهمال العناية بالبدن ظاهرة معروفة بين الشعوب السامية في الأحوال الدينية، وتصور لنا الروايات أن النادبات في الجاهلية كن قذرات ذوات شعر أشعث (ديوان الخنساء، طبعة شيخو، بيروت سنة 1896 م، ص 28، البيت الرابع).
ويمتنع اليهود مدة حدادهم عن الاستحمام وتقليم الأظافر. ويذكرون أن الحجاج في الجاهلية وفي عصر النبي كانوا يضمخون شعورهم بالأدهان وقت الإحرام تخفيفًا لوطأة
(1) الذي يفهم كان الآية أن التمتع يجوز ويجبر بفدية.
القذارة (صحيح البخاري كتاب الحج، الباب 126؛ مسلم، مع شرح النووى، القاهرة سنة 1283 هـ، جـ 3، ص 205؛ وانظر لسان العرب، جـ 4، ص 391). وفي حديث ذكره ابن ماجه (باب ما يوجب الحج) أن النبي [صلى الله عليه وسلم] عندما سئل من هو الحاج أجاب أنه هو "الأشعث التَفِل. وربما كان مغزى هذه الشعائر بما فَيها قص الشعر عند بدء الإحرام هو أن كل ما ينمو فوق الجسم إبان هذه الفترة إنما هو للحج. وكثيرًا ما يحدث في نهاية الإحرام أن يضحى الإنسان بشعره. وقد يكون لسعى المرء أن يغم شخصه على الناس شأن في هذه الأمور.
وليس على المحرم أن يصوم، ولكن هناك جملة أحاديث يثبت بعضها ذلك وينكره بعضها الآخر، وربما كانت هذه الشعيرة من شعائر الزهد مرتبطة بغيرها من الشعائر في الأزمان القديمة.
وعند ما ينتقل المحرم من ميقاته إلى مكة يقوم فيها بالطواف والسعى وقد يشرب من ماء زمزم، ويقص شعره إذا كان الإحرام بقصد العمرة فقط؛ إما إذا كان بقصد الحج فلا يقص شعره ولا يحف لحيته إلا في العاشر من ذى الحجة في مني بعد أن تنتهى مناسك الحج، ويستطيع الحاج بعد ذلك أن يرتدى لباسه العادى، على أنه قد جرت العادة أن يرتدى ثيابًا جديدة (Travels: Burckhardt، لندن سنة 1829 م، جـ 2، ص 60). وقد قضى الشرع بطواف آخر بمكة، ولهذا فإن كثيرًا من الحجاج لا يرتدون لباسهم العادى إلا بعد هذا الطواف، وأخيرًا فإن الحاج عندما يترك هذه المدينة المحرمة يقوم بعمرة الوداع، ولهذا فهو يذهب إلى التنعيم ويصلى ركعتين ثم يعود إلى مكة ليقوم بالطواف والسعى، ثم يخلع عنه لباس الإحرام نهائيًا.
2 -
الإحرام للصلاة: وهنا أيضًا لا يدخل الإنسان الصلاة إلا إذا كان طاهرًا في ثياب نُصّ عليها، ووقف خلف سُتْرَة. وتستهل الصلاة بالتكبير، ويقال له أيضًا "تكبير الإحرام"؛ وعند ذلك تبدأ الصلاة التي لا تصح إلا مع هذا الإحرام، إذ يجب على الإنسان أن يجتنب كل ما يفسده، أي أن يجتنب كل
فعل أو قول لا تقتضيه الصلاة. ويخص الفقهاء بالذكر من هذه الأفعال التحية وتكلف العطاس والسعال والضحك وكل ما يتصل بالنكاح وأخباث البدن، وكانت هذه الأمور وغيرها تنسب قديمًا إلى فعل الشياطين والأرواح. وكثيرًا ما يقال إن الملائكة تكون حاضرة إبان هذا الإحرام (انظر تفسير سورة بني إسرائيل، الآية 78).
وتنتهى الصلاة بتسليمتين أولاهما إلى اليمين والأخرى إلى اليسار. ويقول بعض الفقهاء إن الغرض من التسليمتين: الأولى هو خروج المرء من الصلاة وتحية من معه، أما الأخرى فلتحية من معه فقط. وقد اختلفوا فيمن معه: فقال البعض إنهم الملائكة الذين لبوا تكبيرة الإحرام والذين ينصرفون عند تسليمة الإحلال.
ولما كان المصلى يخاف من الوقوع تحت تأثير الشياطين بعد خروجه من حرمة الصلاة فإنه يدفعها بما يسمى "القُنوت"(انظر: Goldziher في. Orient Studien. Theod. Noldeke gewidomet جـ 1، ص 223 وما بعدها).
المصادر:
(1)
كتب الفقه والحديث، باب الحج.
(2)
كتب الفقه، باب الصلاة.
(3)
Reste arabischen Hei-: Wellhausen dentums، الطبعة الثانية، ص 122 وما بعدها.
(4)
Het Mek-: Snouck Hurgonje Kaansche Feesi ص 68 وما بعدها.
(5)
Handb. des Islam Ge-: Juynboll setzes ص 143 وما بعدها.
(6)
Lectures on: W. Robertson Smith the religion of the Semites الطبعة الثانية، ص 481 وما بعدها.
(7)
رحلة كل من Burckhardt و Burton.
(8)
H. Kazem Zadeh فى Revue du Monde Musulman جـ 19، ص 198 وما بعدها.
(9)
Some Semitic Rites: A. J. Wensinck of mourning and Religion فى Verhandl. der جـ 18.
(10)
Der Islam: A. J. Wensinck نشره Becker، جـ 8، ص 229 - 232.
[فنسفك A. J. Wensinck]