المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحمد جودت باشا - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌أحمد جودت باشا

(12)

وأحمد بن عثمان الشرنوبى (حوالى عام 950 هـ - 1543 م)، مخطوط ببرلين رقم 337.

(13)

وثمة قصيدة قيلت فى أحمد، برلين رقم 5432، 8115/ 3.

(14)

على مبارك: الخطط الجديدة، ج 13، ص 48 - 51، وجل اعتماده على الشعرانى وعبد الصمد.

(15)

وقد نشر ليتمان Littmann وترجم: "مديح السيد البدوى وبيان كراماته العظيمة" بعنوان- il Ahmed Ein Leid auf den and Agypitichen Natingen heilonal Badawi، ماينز سنة 1950 م.

(16)

Brockelmann، ج 1، ص 450؛ قسم 1، ص 808.

خورشيد [فولرز وليتمان Littmann - Vollres]

‌أحمد جودت باشا

من علماء الترك البارزين وسياستهم وهو من أسرة لقبت بقطاع الرقاب أصلها من قرن كليسا، ثم استوطنت لوفجه (جنوبى بلونة) منذ أوائل القرن الثامن عشر، وحارب أحد أجداده بطرس الأكبر عند نهر بروث، واشتغل جد آخر بالإفتاء وقد حج أبوه وجده إلى مكة، وولد أحمد جودت عام 1238 هـ (1822 - 1823 م) وتعلم مبادئ العلوم الإسلامية فى مسقط رأسه، ولكن سرعان ما اجتذبته الأستانة التى كانت مركز النشاط العقلى عام 1255 هـ (1839 - 1840 م) ودأب على الدرس واستغرق فى علم الكلام، والفلسفة، والأدب العربى، والرياضيات، وطبقات الأرض، وعلم النجوم، كما حذق الفارسية على أيدى الدراويش والشاعر فهمى؛ وبعد أن درس مدة أربعة أعوام فقط -وهى فترة عجيبة فى قصرها- جاز الامتحان بتفوق، ومنكنه أن يجد لتوه عملا، وأن يتقاضى أجرًا؛ وحصل بعد ذلك بمدة قصيرة على إجازة مكنته من القيام بالتدريس فى أحد مساجد العاصمة التركية، وما إن أتم شرح ديوان صائب حتى استطاع أن يدخل فى سلك التدريس بمصلحة المعارف، كما استطاع أن ينال منصب مدير حلقات البحث فى المدارس المتوسطة العامة.

ص: 489

واشترك مع مولاه فؤاد فى البعثة المشهورة إلى بخارست عام 1448 م، وبعد عودته كتب هو وفؤاد -وكانا فى بروسة- القواعد العثمانية التى تعتبر أساس النحو فى اللغة التركية، وترجمها إلى الألمانية (كلكرن، هلسنكفورث عام 1855 م)، ثم صحب فؤاد هذا فى رحلة قصيرة إلى مصر. وفى عام 1270 هـ (1853 - 1854 م)، أى خلال حرب القريم، كلفه السلطان عبد المجيد كتابة تاريخ عام للأتراك من صلح كوجوق قينارجه إلى القضاء على الإنكشارية (من عام 1826 - 1774 م). واستطاع أن يقدم لمولاه فى العام التالى المجلدات الثلاثة الأولى التى كتبها فى عبارة طلية وأسلوب حماسى فكافأه على ذلك بتعيينه مؤرخًا للدولة، كما كافأه على مصنفه الثانى "المعاملات الإسلامية" - الذى ظهر بعد ذلك بعامين بعنوان "النص الثابت" والذى قوبل عند ظهوره بالتهليل والإكبار - بأن عينه عضوًا فى هيئة العلماء التى كانت تقوم فى ذلك الوقت بتنقيح القانون المدنى كما أقامه ناظرًا على لجنة الأملاك. ولازمه التوفيق فأخذ يتدرج فى المناصب العالية، نخص بالذكر منها منصب الوزارة الذى ضحّى من أجله بلقب مؤرخ الدولة عام 1281 هـ (1864 - 1865 م) ومنصب رئيس اللجنة التى كانت وظيفتها تنقيح القانون المدنى (1284 هـ) تلك اللجنة التى ظهر نشاطها عند توليه رياستها وقد ولى حكم حلب وبروسة ومرعش ويانينا على التعاقب، وأصبح بعد ذلك واليًا على الشام مرتين، ثم ناظرًا للمعارف ثلاث مرات، ثم ناظرًا للحقانية مرتين، والداخلية والتجارة مرة، ثم وكيلا للمجلس المخصوص. وخير عمل قام به كان فى أثناء نظارته للمعارف، إذ أدخل الروح العصرية فى المدارس العامة.

وبعد أن اعتزل مناصب الحكومة قضى بقية حياته الطويلة موفور الصحة والنشاط مشغوفا بالقراءة التى كان ينفق فيها جل وقته، حجم التواضع وقد دلتنا مؤلفات أبنائه وبناته على أنه كان أبا مخلصًا وقضى نحبه بعد مرض لم يمهله طويلا فى بيته الريفى فى ببك على شاطئ البسفور فى ليلة الخامس والعشرين من مايو عام 1859 م.

ص: 490

وله -إلى جانب مصنفه القواعد العثمانية الذى ظل ينشر كاملا وملخصًا فى طبعات منقحة على الدوام- مصنفان لغويان آخران يستحقان الثناء هما "معيار سداد" و"آداب سداد" وهما مقدمتان فى الأسلوب الأدبى. وكان يجيد اللغة العربية والفارسية قراءة وكتابة كاللغة التركية سواء بسواء، كما كان يحذق الفرنسية والبلغارية، وقد بقى القليل من أشعاره وهى تمتاز بالبساطة، وإن كانت أقرب إلى الصناعة منها إلى الشاعرية على الرغم من خلوها من الأخطاء.

وقد أكمل وطبع أثناء نظارته الثانية للحقانية (1293 - 1294 هـ - 1876 - 1877 م) أكبر عمل قضائى فى عصره وهو القانون المدنى التركى.

واشتهر أحمد جودت خاصة بالتاريخ]. ففي أواخر عهد السلطان عبد العزيز وعند ما لهجت الأفواه جميعًا بالثناء عليه أتحف أحمد جودت الشعب التركى بألمع درة فى عالم المصنفات الشرقية ألا وهى "قصص الأنبياء وتاريخ الخلفاء" وهو مصنف ختمه بمقتل الخليفة عثمان وكل من يحاول فى الوقت الحاضر دراسة الأدب القومى -ولو كان يعيش فى أقصى الأقاليم التركية- عليه أن يبدأ أولا وقبل كل شئ بقراءة هذا الكتاب ولكن المصنف الذى خلد اسمه فى عالم التأليف حقا هو كتابه فى تاريخ تركية المسمى "وقائع دولت عليّه" الذى تناول فيه الحوادث من عام 1188 - 1124 هـ (1774 - 1825 م) ويقع فى اثنى عشر مجلدًا طبعت الطبعة الأولى منه فى الأستانة عام (1271 - 1301 هـ) وتكرر طبعه فيما بعد، ما ظهرت الطبعة الأخيرة منقحة تنقيحًا سياسيًا.

ولم يعتمد أحمد جودت فى تاريخه على المحفوظات الرسمية فحسب، بل اعتمد أيضًا على مؤرخى الدولة أمثال واصف وأنورى وأديب ونورى ويرتو وعاصم وشانى زاده، كما اعتمد فى بعض المناسبات على المؤرخ العربى الكبير الجبرتى وغيره.

وبالرغم من أنه كان يكتب فى عصر سيطرت فيه فرنسا على نصف القارة

ص: 491

الأوربية فإنه لم يرجع إلى أى مصدر فرنسى سوى مذرات نابوليون التى كتبها فى سانت هيلانة وأعاد صياغة مصنفات أسلافه، بيد أنه كان مستقلا فى الرأى إلى حد أن سرده للحوادث كان يتسم بطابع عبقريته وعقله الناضج وفى أثناء حكم عبد المجيد وعبد العزيز تمكن أحمد من الرجوع إلى المحفوظات الرسمية، ولكن يلوح لنا أنه لم يرجع إليها فى تأليفه المجلدات الثلاثة الأخيرة. كما نستطيع أن نقول بصفة عامة إنه رتب الحوادث ترتيبًا زمنيًا، ولو أنه كان من المهارة بحيث لم يمزج الحروب بالحوادت المحلية مزجًا عشوائيا فى سبيل المحافظة على الترتيب الزمنى. ولم يكن أسلوبه مشرقا، بل سار فى المجلدات الخمسة الأولى على طريقة المؤرخين القدماء فكان أسلوبه خطابيًا فخما ثم تنحى عن هذأ الأسلوب فجأة فى أوائل المجلد السادس، فتوخى البساطة التى بدأ الكتاب يتوخونها فى هذا العصر. على أننا نستطيع أن نعتمد على هذا المصنف بوجه عام، وكان يذكر فى إلماته السريعة بالقرون الماضية حوادث ليست بذات بال ويجعل منها غزوات موفقة وانتصارات حاسمة فى حين أنه مرّ مر الكرام على هزيمة الترك المنكرة التى كان من نتائجها ضياع المجر بأجمعها من أيديهم ولكننا نستطيع مع ذلك أن نغتفر له مثل هذا التجاهل إذا أخذنا المؤرخ تاكيتوس Tacitus نموذجا ومثالا.

وكان أحمد جودت باشا مقتنعًا تمام الاقتناع بفائدة دراسة التاريخ فى التربية فهو يحذر مواطنيه دائمًا من فساد الإدارة عند الشرقيين، كما كان يوجه اهتمامه إلى عهود التقدم مهما تضاءلت يستعرضها فى إيجاز بليغ ويجعل منها وسيلة لإنهاض وطنه؛ يظهر هذا بصفة خاصة فى أفكاره القيمة التى وردت كثيرًا فى المجلدات الخمسة الأولى، ولعل أكثر ما كان يضجره هذا الانتقال الفجائى من الركود التام إلى النشاط العجيب الذى كان يتمثل جليًّا فى القرون الماضية وليس هناك شخص تأخذه الحماسة لانتصارات العلم أكثر من أحمد جودت باشا كما أنه يفيض وطنية عندما يشيد

ص: 492

بما قامت به تركية من فتوح فى ميدان الحضارة، كالفصل بين السلطات الحربية والمدنية الذى تم فى القرن التاسع عشر، وتركيز الإدارة وإصلاح العملة على يد الدولة. أما فى ميدان السياسة الخارجية فلم يكن هناك شئ أكثر تأثيرا فى نفسه من أن يرى تركية تتحالف مع النمسا على روسا، لأن هاتين الدولتين وكلتاهما من الجنس الذى تمتزج فيه الدماء الصقلبية بغيرها، ليس أمامهما سوى الاتفاق بدل التنابذ إذا أرادنا أن تواجها طغيان فكرة الجامعة الصقلبية.

ونذكر أيضًا من مصنفات أحمد جودت باشا بصفة خاصة بيان العنوان، ومعلومات نافعة، وتقويم الأدوار، ثم إتمامه لترجمة ابن خلدون إلى التركية.

المصادر:

(1)

جمال الدين وأحمد جودت: عثمانلى تاريخ ومؤرخلرى، الأستانة سنة 1341 هـ.

(2)

إسماعيل حقى: كتَّاب الترك فى القرن الرابع عشر، سنة 1308 هـ (3) جورجى زيدان: مشاهير الشرق ب 2، ص 153 وما بعدها

[سوسهايم K. Sussheim].

1 -

أحمد جودت باشا: من أئمة الكتَّاب ورجال الدولة العثمانيين، ولد فى 28 جمادى الآخرة سنة 1237 هـ (22 مارس سنة 1822 م) فى لوفجه (لوفك) بشمالى بلغاريا حيث كان أبوه حاجى إسماعيل أغا عضوًا فى مجلسها الإدارى وكان أقدم جد له معروف قد نبت فى قوقلرى (قرق كليسا)، واستقر فى لوفجه بعدأن اشترك فى حملة نهر بروث سنة.1711 م وقد أظهر أحمد فى سن باكرة مقدرة خارقة وجلدا عجيبًا، فلما بلغ سنة 1839 م سن السابعة عشرة أرسل إلى "مدرسة" فى إستانبول ليمضى فى تعليمه وهناك تابع أحمد مناهج "المدرسة" التقليدية ولم يكتف بدراسة الرياضيات الحديثة بل صرف وقت فراغه أيضًا فى دراسة الفارسية على الشاعر سليمان فهيم وشرع هو نفسه فى نظم الأشعار

ص: 493

بالأسلوب التقليدى ومن فهيم تلقى اسمه الشعرى (مخلص) جودت وأضافه من ثم إلى اسمه.

وحصل أحمد على الإجازة (إجازت) التى تبيح له الالتحاق بالسلك القضائى، ثم تقاضى أول مرتب له ولكنه لم يعين رسميًا فى منصب القاضى إلا سنة 1260 هـ (1844 - 1845 م). وعندما تسنم مصطفى رشيد باشا أريكة الصدارة العظمى سنة 1846 م، وطالب بأن يشغل منصب شيخ الإسلام عالم واسع الأفق مزود بالقدر اللازم من العلم بالشريعة الذى يؤهله لأن يضع على خير وجه مشروعات القوانين والنظم (نظامنامه) التى فكر فى إصدارها، وقع اختياره على جودت ومن يومها إلى حين وفاة رشيد باشا مضت أربع عشرة سنة ظل فيها جودت وثيق الصلة به لقد أقام فى منزله وغدا مؤدبا لأولاده وفى هذه الأثناء تعرف أحمد أيضًا بعالى باشا وفؤاد باشا، واضطلع بفضل نفوذ رشيد بمهام سياسية وإدارية وفى أغسطس سنة 1850 م حصل على أول وظيتفة بالمعنى الصحيح إذ أقيم ناظرًا لدار المعلمين وعضوا فى مجلس المعارف (مجلس معارف) بوصفه كبير كتاب عصره.

وفى أثناء نظارته لدار المعلمين التى انتهت فيما يبدو فى السنة التالية حقق جودت إصلاحات فى دخول الدار والإنفاق على الطلبة الذين يلتحقون بها وامتحاناتهم. وقد كتب بوصفه كاتب سر مجلس المعارف تقريرا أدى إلى إنشاء "أنجمن دانش" فى يولية سنة 1851 م التى كرس جهده لخدمتها بعد أن صحب فؤاد باشا فى زيارته الرسمية لمصر فى مارس سنة 1852 م، وبدأ خير كتبه:"تاريخ وقائع دولت عليه" الذى أتم المجلدات الثلاثة الأولى منه أثناء حرب القريم تحت رعاية هذه الجمعية، ولما قدم هذه المجلدات إلى السلطان عبد المجيد رقى إلى رتبة السليمانية وفى فبراير سنة 1855 م عين مؤرخا للدولة (وقعة نويس) وفى سنة 1856 م أقيم "ملآ" لغلطة. وفى سنة 1857 م نال رتبة بك فى السلك القضائى وفى هذه الأثناء أى وقت

ص: 494

الحرب، عين عضوا فى لجنة ألفت لوضع كتاب عن أحكام الشريعة فى المعاملات التجارية، على أن هذه اللجنة حلت بعد أن نشرت كتاب البيوع فقط.

وفى سنة 1857 م ألحق بمجلس التنظيمات وتولى الصدارة فى وضع قانون (قانوننامه) جنائى جديد، وشارك بوصفه رئيسا لـ "أراضى سيئة قومسيونى" فى وضع قانون (قانون ننامه) عن الـ "تابو"(وهى ضريبة زراعية).

ولما توفى رشيد باشا سنة 1858 م اقترح عالى باشا وفؤاد باشا على جودت وجوب تركه سلك العلماء والانتقال إلى سلك الحكومة بقبوله منصب والى ودين على أنه لم يخط هذه الخطوة إلا بعد ذلك بثمانى سنوات أخرى، وإن كان فى هذه الأثناء قد كلف مرتين ببعثتين إداريتين "مندوبا فوق العادة" الأولى فى خريف عام 1861 م إلى إشقودرة، والثانية (صحبة قائد يلى أمر فرقه) فى صيف سنة 1865 م إلى قوزان فى إقليم طوروس لتهدئة الخواطر فى هذه المناطق بإدخال الإصلاحات المطلوبة. وقد بلغ من نجاحه فى البعثة الأولى أن أرسل فى مارس 1863 م "مفتشا" إلى البوسنة مع منحه رتبة قضائية هي "قاضى عسكر" الأناضول، وهناك نجح مرة أخرى نجاحا مشهودا فى إعادة النظام وذلك فى الثمانية عشر شهرا التالية. وفى أثناء هذه المدة عين أيضًا عضوا فى لجنة إصلاح الجريدة الرسمية "تقويم وقائع" ثم عضوا فى "مجلس والا".

وقد ترك أحمد جودت سلك العلماء فى يناير 1866 م عندما اعتزل منصب "وقعة نويس"، واستبدل برتبة "العالم" مرتبة الوزارة" وأقيم واليا لولاية حلب طبقا لتشكيلها الجديد بمقتضى قانون "الولايات"، على أنه استدعى إلى قضية البلاد فى فبراير سنة 1868 م ليلى رئاسة "ديوان أحكام عدلية"، وهو إحدى الهيئيتين اللتين حلتا وقتذاك محل "مجلس والا" و"شوراى دولت" ويرجع معظم الفضل فى استحداث المحاكم النظامية إلى الجهود التى بذلها جودت وهو يلى رئاسة الديوان المذكور كما يرجع إلى تلك الجهود انقسام هذا الديوان بمرور

ص: 495

الزمن إلى "محكمة تمييز" و"محكمة استئناف" وجعل رئاسته وزارة وقد حدث فى المدة الأولى لتوليه وزارة العدل أن وضع منهجا قضائيا يدرسه القضاة فى الوزارة لزيادة تثقيفهم وتحسين الإجراءات القضائية كما بدأ فى وضع مجموعة قوانين على أساس الفقه الحنبلى تحت رعاية جمعية ألفت لهذا الغرض وقد عمد جودت فى الحصول على الموافقة على وضع هذه المجموعة التى تقوم على الأحكام الإسلامية إلى الاستعانة بفؤاد باشا وشرووانى زاده رشدى باشا لمواجهة معارضة عالى باشا الذى كان يؤيد اقتباس القانون المدنى الفرنسى.

وظل جودت باشا (وكان قد منح لقب الباشوية وقتئذ) وزيرا للعدل حتى نهاية أبريل سنة 1870 م، وما وافى هذا التاريخ حتى كان قد أتم نشر أربعة مجلدات من المجلة على أنه ما إن أتم المجلد الخامس حتى كان قد صرف عن الوزارة ولو أنه أقيم واليا على بروسه، ثم لم يلبث أن صرف عن هذا المنصب أيضًا وبقى جودت بعيدا عن الوظائف حتى أغسطس من العام التالى، وهنالك دعى إلى رئاسة الجمعية المشرفة على وضع مجموعة القوانين (المجلة) ومصلحة التنظيمات من "شوراش دولت" وفى غضون هذه الفترة نشر المجلد الخامس من المجلة، كما نشر المجلد السادس الذى لم يكن لجودت فيه يد وكانت المآخذ على هذا المجلد هى السبب الأكبر فى استدعائه، فبادر لتوه إلى استدراك ذلك بإصدار نسخة جديدة، ومن هذا التاريخ حتى نشر المجلدات الأخيرة من المجلة، استمر جودت يشرف على وضع مجموعة القوانين، ولو أنه استخدام أيضًا فى مناصب هامة شتى، بعضها فى الولايات. وكان من أهم هذه المناصب تعيينه فى أبريل سنة 1873 م وزيرا للمعارف، وقد حقق وهو يلى هذه الوزارة إصلاحا فى المدارس الابتدائية للصبيان (صبيان مكتبلرى)، ووضع مناهج للمدارس الرشدية وللمدارس الإعدادية التى كانت بعد فى دور التكوين، وهى خطوات استوجبت تأليف كتب زولية جديدة للتعليم كتب بنفسه ثلاثة منها على أنه حدث بعد تعيين حسين عونى باشا صدرا أعظم -وكان

ص: 496

حسين فيما يظهر يتدبر من قبل فى خلع السلطان عبد العزيز- أن أقيم جودت واليا على يانينا فى الثانى من نوفمبر سنة 1874 م لإبعاده عن قصة الدولة على اعتبار أنه من المعارضين المحتملين لهذه الحركة، ولم يرد جودت إلى منصبه الأول إلا فى يونيه من العام التالى عقب سقوط حسين عونى وفى نوفمبر سنة 1875 م عين للمرة الثانية وزيرا للعدل وحقق بذلك نقل المحاكم التجارية إلى وزارته وكانت حتى ذلك الحين تابعة لوزارة التجارة. ولكنه أثار سخط محمود نديم باشا أثناء توليه الصدارة العظمى للمرة الثانية، بمعارضته له فى منخه امتيازات جمركية للرأسماليين الأجانب فأرسل جودت أولا فى جولة تفتيشية بالروملّى فى هارس سنة 1876 م، ثم أقيل من وزارة العدل وكان على وشك المضى إلى الشام واليا عليها؛ وإذا بمحمود نديم يسقط من الصدارة العظمى ويدعى جودت لتولى وزارة المعارف للمرة الثالثة.

ولم يكن لجودت أى شأن فى عزل السلطان عبد العزيز الذى وقع فى آخر هايو، ولما جلس السلطان عبد الحميد الثانى على العرش عاد جودت فى نوفمبر إلى وزارة العدل وهنالك استفحلت الوحشة بين مدحت باشا وبينه وتأصلت نتيجة لما عدّه مدحت موقفا رجعيا من جودت حيال الدستور أثناء المناقشات التى كان قد بدأ جودت يساهم فيها: ومع ذلك فإن مدحت قد أبقى جودت فى منصبه طوال توليه الصدارة العظمى، ولم يترك هذا المنصب إلى وزارة الداخلية المنشأة حديثاً إلا بعد سقوط مدحت وحلول ساقزالى أدهم باشا محله وظل جودت وزيراً للداخلية خى اقتربت الحرب بين تركية والروسيا من النهاية سنة 1877 م، وكان يعارض تورط الباب العالى فيها، وتولى وزارة الأوقاف الشاهانية مدة قصيرة ثم أقيم للمرة الثانية واليًا على الشام.

وقضى جودت فى الشام تسعة أشهر اكتسب خلالها معرفة خاصة

ص: 497

بهذه المنطقة وأخمد بشخصه فتنة أخرى فى قوزان. وفى ديسمبر من السنة نفسها حل محله مدحت، واستدعى جودت إلى الآستانة ليلى أمر وزارة أخرى أيضًا هى وزارة التجارة، ولما صرف الصدر الأعظم خير الدين باشا عن منصبه فى أكتوبر سنة 1879 م تولى جودت باشا رئاسة مجلس الوزراء عشرة أيام، ولما تولى الصدارة كوجوك سعيد باشا عين جودت للمرة الرابعة وزيرًا للعدل. وكانت هذه المرة بعدُ هى أطول مرة شغل فيها المنصب إذ قضى جودت فيه ثلاث سنوات وقد أحيل مدحت للمحاكمة فى عهد ولايته لهذه الوزارة، وكان أحمد فيما يظهر قد اتهمه من قبل بممالأة النصارى عن خيانة، على أن الظروف جعلته يتنكب طريقه، ذلك أنه كان فيما سبق رئيسا للقوة التى نيط بها القبض على مدحت وإشخاصه إلى الآستانة، وقد اقتضاه ذلك أن يسافر شخصيًا إلى أزمير فى شأن هذه المهمة.

وانتهت ولايته الرابعة لوزارة العدل فى نوفمبر سنة 1882 م بتعيين أحمد وفيق باشا صدر، أعظم ولم يرد إلى منصبه هذا فيليه للمرة الأخيرة إلا فى يونية سنة 1886 م، وقد شغله هذه المرة أربع سنوات؛ اختير خلالها أيضًا عضوًا من ثلاثة أعضاء فى المجلس الخاص الذى ألفه السلطان عبد الحميد لمناقشة المشاكل السياسية، كما رأس لحجنة أقيمت لوضع فرمان يشمل شتى التعديلات فى النظم الخاصة بحكم كريت بعد إخماد فتنة سنة 1989 م وفى مايو سنة 1890 م

استقال من الوزارة للخلافات التى قامت بينه وبين الصدر الأعظم كامل باشا وفى أثناء السنوات الثلاث عشرة الباقية من حياته -وقد قضى تسعا منها معتكفا- صرف جودت جل اهتمامه إلى التأليف بشتى ضروبه بما فى ذلك كتابة المجلدات الأخيرة من تاريخه وتوفى أحمد فى 25 مايو سنة 1895 م، بعد مرض قصير فى قصره (يالى) فى ببك.

وقد كشف جودت فى سلوكه وفى أعماله عن مزيج عجيب من التقدمية

ص: 498

والمحافظة فبينما هو ينادى دائمًا بزيادة تنوير أفهام المجتمع العثمانى، ويستنكر بشدة أى مظهر من مظاهر الجهل والتعصب وحب الذات بين الطبقة الحاكمة، إذ بنظرته تتأثر فى جوهرها بالتعليم الذى تلقاه فى "المدرسة" ومن ثم نجده فيما كتب أيام صدر حياته ينتقد ما فى معاصريه من وجوه النقص بنغمة مأمولة، على حين يكشف فى خريف حياته عن خيبة أمله فى التنظيمات بلغة مرة فى كثير من الأحيان. وربما بدا لنا أن السبب فى هذا التبدل فى نظرته يرجع فى بعضه على الأقل إلى صدامة مع مدحت الذى كان يجابهه خاصة بالسخرية من عجزه فى اللغة الفرنسية ومن ثم قصوره فى معرفة الفكر الأوربى. ولذلك يظهر أنه كان تحت رحمة الظروف على تفاوت فى شدتها، بل كان فوق ذلك كله واقعًا تحت سيطرة الدور الخسيس الذى لعبه فى محاكمة مدحت، باتخاذه موقفًا رجعيًا يتسق تمام الاتساق مع الروح التى كانت تسود نظام الحكم الحميدى، وكتب التاريخ هى أهم الكتب العديدة، التى ألفها جودت وثمة ثلاثة من تواريخه تستحق الذكر خاصة بصرف النظر عن كتابه "قصص أنبيا وتواريخ خلفا" وهو مصنف تعليمى فى 12 مجلدًا (يبدأ بآدم وينتهى بالسلطان مراد الثانى) وقد صنفه فى آخر حياته؛ و"قريم وقوقاز تأريخجه سى" (يعتمد فيه جل الاعتماد على "كلبون وخانان " لحليم كراى" وهذه التواريخ هى:(1) تاريخه المعروف عامة باسم "تاريخ جودت" وهو أيضًا فى 12 مجلدًا تشمل الفترة من سنة 1774 م إلى سنة 1826 م (أى من معاهدة كوجوك قينارجه إلى إلغاء الإنكشارية)، وقد مضت ثلاثون سنة بين بدئه فيه وانتهائه منه، تغيرت فى أثنائه نظرته بالتغيرات المعاصرة الكبرى التى طرأت على الحياة العثمانية ويتمثل هذا بخاصة في اصطناعه ابتداء من المجلد السادس أسلوبًا أبسط وأقل تمسكًا بالتقاليد وقد التزم جودت بخطة الكتاب الأصلية فى معظم الطبعات المختلفة

ص: 499

التى خرجت إلى الناس وهو ماض فى تأليفه مع إدخال تصويبات عليها وإضافة زيادات ولكن الكتاب كله قد تغير تغيرًا أساسيًا فى طبعته الأخيرة (ترتيب جديد) التى تمت ما بين سنة 1885 م وسنة 1891 - 1892 م، فأصبح المجلد الأول كله مقدمة (2)"تذاكر جودت" وهى مجموعة من المذكرات كتبها عن الحوادث المعاصرة بوصفه مؤرخ الدولة (وقعة نويس)، وسلم معظمها لخلفه لطفى، ولم يبق مما سلمه إلا أربع تذكرات، نشرت فى تاريخ عثمانى (تورك) تاريخى أنجمنى مجموعة سى (الأعداء من 44 - 47) وفى يكى مجموعة (ج 2، ص 454).، والمذكرات التى استبقاها محفوظة بالخط فى "شهر وانقلاب موزه سى" بإستانبول، وقد كان عليها اعتماد ابنته فاطمة عليه خانم فى كتابها:"جودت باشا وزمانى"(3) مصنفه "معروضات" وهو سلسلة طويلة من الملاحظات رفعها إلى السلطان عبد الحميد بناء على طلبه، ويتناول فيها حوادث الفترة من سنة 1839 م إلى سنة 1876 م، فى خمسة أجزاء، وقد نشرت الأجزاء الثانى والثالث والبرابع فى "تاريخ عثمانى (تورك) تاريخى أنجمنى مجموعة سى"(الأعداد 78 - 80 - 82، 84، 87 - 89، 91 - 93)، واتضح. أن الجزء الأول فقد أما الجزء الخامس فيتحدث عن مصير عبد العزيز.

وآثار جودت الأدبية الخالصة ترجع إلى الأيام التى قضاها فى "المدرسة" وليس لها إلا شأن قليل. ومعظم الأشعار التى جمعها بناء على رغبة السلطان عبد الحميد فى ديوان (ديوانجه) نظمت فى ذلك الوقت المبكر. وأهم من هذه الآثار ما كتبه فى نحو اللغة التركية: "قواعد عثمانية"(كتب النسخة الأولى منه بالاشتراك مع فؤاد باشا سنة 1850 م)؛ وله مقدمة لهذا الكتاب كتبها لصبية المدارس الإبتدإئية سماها "قواعد تركية"(1292 هـ = 1875 م) ومصنفاته الأخرى هى: بلاغت عثمانيه" وهو كتاب فى أوليات

ص: 500

البلاغة ألفه لطلبته فى مدرسة الحقوق؛ "تقويم أدوار"(1387 هـ -1870 - 1871 م) أثار فيه لأول مرة مسألة إصلاح التقويم؛ إكماله للترجمة التى قام بها بيرى زاده محمد صائب لمقدمة ابن خلدون إلى اللغة التركية، وقد تأثر بها جودت كثيرًا فى كتاباته فى التاريخ؛ وكان جودت أيضًا هو الباعث على نشر مجموعة القوانين المعروفة بالدستور ما بين سنتى 1862 - 1863 م؛ وكذلك كانت له الصدارة، كما بينا من قبل، فى وضع "مجلة أحكام عدلية".

المصادر:

(1)

إسلام أنسيكلوييدياسى، مادة جودت باشا بقلم على أولمز أوغلى

(2)

أبو العلا ماردين: مدنى حقوق حبهه سندن أحمد جودت باشا، إستانبول أو نيفرسته سى حقوقه فاكولته سى مجموعه سى، سنة 1947

(3)

محمود جواد: معارف أميّه نظارتى تاريخيه تشكيلات وإجراءات، ج 1، ص 47، 52، 128، 136 - 139، 149، 163 - 173

(4)

عثمان إركين: تركيا معارف تاريخى" ص 316، 317، 319، 370 - 371، 390 - 391

(5)

ابن الأمين محمود كمال عنان: صوك تورك شاعرلرى، ص 236 - 240.

(6)

الكاتب نفسه: عثمانلى دورنده صوك صدر أعظملر، ص 345، 355، 387.

(7)

أ. أوزون جارصيلى: مدحت ورشدى باشلرك توقيفلرينه داير وثيقة لر" الفهرس

(8)

م. ز. باك آلين: صوك صدر أعظملر وباشو كيللر، ج 1 - 2، الفهرس

(9)

جرجى زيدان: تراجم مشاهير الشرق.

خورشيد [بوون H. Bowen]

ص: 501