الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أن الأخطل لم يحتفظ بمكانته فى الأدب العربى فى نظر الأجيال المتأخرة (مثال ذلك الرأى الذى يجنح إلى الحذر الذى أبداه طه حسين فى كتابه "حديث الأربعاء"، جـ 2، ص 77 وما بعدها). وحتى اليوم لم يكن الأخطل موضوع دراسات فى الغرب إلا من حيث سيرته.
المصادر:
(1)
الأغانى، الطبعة الأولى، جـ 7، ص 169 - 188 = الأغانى الطبعة الثالثة، جـ 8، ص 280 - 320.
(2)
المرزبانى: الموشح، ص 132 وما بعدها.
(3)
Notice sur: Caussin de Perceval les poetes Akhtal، Ferazdaq et j، ar فى. Jour. As جـ 13، ص 289 وما بعدها؛ جـ 15، ص 5 وما بعدها.
(4)
فى، سنة 1894، ص 94 - 176، 193 - 241، 381 - 465.
(5)
الكاتب نفسه Omayade Mo'awia Ter عنم regne du Calife، بيروت، سنة 1908 م، ص 397 - 404.
(6)
Der Wein in al-: 1. Krachkowskiy Fests-: G. Jacob ،i Akhtal's Gedischter chr ص 146 - 164.
(7)
وثمة تفصيلات أخرى فى بروكلمان، جـ 1، ص 49 - 52؛ قسم 1، ص 83 وما بعدها.
(8)
Raccolta di Scritti: C.A. Nallino . جـ 6، ص 73 - 76 La Litterature) -arabe des origins a 1'epoque de la dy .umayyade ءْ nastie، ترجمة بلا، باريس سنة 1950 م، ص 115 - 120)
خورشيد [بلاشير R. Blachere]
أخلاق
" أخلاق" جمع خُلُق: والأخلاق هى صفات الإنسان الأدبية، وعلم الأخلاق هو هذه الصفات معروضة على وجه تعليمى .. ونجد كثيرًا من النبذ عن الأخلاق فى عدة فروع مختلفة من كتب الأدب: نجدها عند الشعراء، ونجدها فى
الأمثال والقصص؛ ولا حاجة بنا إلى القول بأننا نجدها فى القرآن وتفاسيره وفى الأحاديث؛ ونجدها كذلك عند الفقهاء الذين تبدو الأخلاق عندهم يحثًا فى حالات الضمير الجزئية (1) ونجدها أخيرا عند المؤرخين ورواة الأخبار الذين يتحدثون عن الأخلاق كلما دعت الظروف إلي ذلك. ولكن علم الأخلاق منفصل عن كل هذا قائم بذاته، وليس مقتطفًا من مختلف المصنفات. هو فى الحقيقة علم يتصل بالمتوارث من الفلسفة اليونانية، سواء أكانت هذه الوراثة شفوية نقلتها المدارس الفلسفية والأديرة فى مصر والشام وفارس، أم كانت مدونة فى الكعب التى وصلت إلينا والتى أحياها المترجمون.
وقد عرف حاجى خليفة علم الأخلاق فقال: "قسم من الحكمة العملية"(حاجى خليفة، طبعة فلوكل جـ 1، ص 200) وهذا التعريف يتضمن التفريق بين الفلسفة العملية والفلسفة النظرية، وهو أمر سبق وجوده عند أفلاطون، ولكن العرب عرفوه بصفة خاصة من المدارس الفلسفية المختلفة التى تناقلت فيما بينها هذا الرأى. وأضاف حاجى خليفة راويًا عن ابن صدر الدين الشروانى المتوفى عام 1036 هـ (1626 - 1627 م) وهو قاض من أصحاب الوزير نصوح ومؤلف كتاب "الفوائد الخاقانية" أن علم الأخلاق:"هو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها لتتجلى النفس بها، وبالرذائل وكيفية توقيها لتتخلى عنها. فموضوعه الأخلاق والملكات والنفس الناطقة من حيث الاتصاف بها" وهذا القول يحد إذن علم الأخلاق فى دراسة منهجية للفضائل والرذائل، وبذلك لا يكون علم الأخلاق سوى الفلسفة الخلقية المعروفة عند المشائين.
وهناك اعتراض مبدئى يوجه إلى إمكان تحقق جزء من هذا العلم: ذلك أنه لما كان خلق كل إنسان هو قوام شخصه وذاته، فإنه يبدو أن الخلق مغروز فى طبيعة الإنسان نفسه
(1) حالات الضمير الجزئية ترجمة (من أى حالة) ومعناه أن هناك حالات جزئية لا تنطبق عليها المبادئ العامة التى يقررها علم الأخلاق لما تثيره فى الضمير من التردد بين واجبين ظاهريين ومن ثم تحتاج كل حالة منها إلى حكم خاص.
ولا يمكن أن يتغير. فيمكن إذًا أن يوجد علم يصف هذه الأخلاق، ولكن لا يمكن أن توجد صناعة تغيرها.
ينسب حاجى خليفة هذا الاعتراض إلى ابن صدر الدين، ونجده عند كثير من علماء الأخلاق: عند يحيى بن عدى والغزالى ونصير الدين الطوسى مثلاً.
وقد دعم ابن صدر الدين هذا الاعتراض بقوله المحكم: "السيرة تقابل الصورة وهى لا تتغير". وقد أجاب عن هذا الاعتراض بأن الأخلاق بعضها طبيعى والبعض الآخر مكتسب بالعادة فأما الطبيعى فهو ثابت، وأما المكتسب بالعادة فيمكن تغييره. وهذا القول الذى يتقق مع المتوارث من الفلسفة الإغريقية يؤيده الحديث الشريف: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، . وهذه الشبهة والرد عليها نجدهما بالتقريب عند الغزالى ولكن فى صورة أكثر قوة وتفصيلاً.
ويجب أن لا نخلط علم الأخلاق -كما سبق تعريفه- بما سماه العرب "الأدب". فالأدب أقل عمقًا من علم الأخلاق وأكثر شمولًا منه؛ لأن معنى هذا اللفظ يتضمن ثقافة أدبية حسنة لا سبيل إلى عدها بين الفضائل أو على الأقل بين أمهات تلك الفضائل. ويتصل بعلم الأخلاق "النصائح" و"الوصايا" ويندرج تحت هذين الموضوعين كثير من الأقوال التى تضيفها المؤلفات العربية إلى شخصيات هامة والتى تتضمن مبادئ خلقية، ولكنها ليست عرضا لعلم الأخلاق على أسلوب منهجى، وعلى هذا فإن هذه الأقوال يجب أن توضع إلى جانب الأمثال والحكم. ولنشر هنا على سبيل المثال إلى وصايا نزار المتوفى عن أربعة أولاد، وقد ذكرها الأصمعى (مجانى الأدب، بيروت، سنة 1896 م، جـ 1، ص 53).
ويعنى علم الأخلاق فى جوهره بالإنسان على وجه العموم، ولكنه مع ذلك توجد رسائل فى الأخلاق تتصل بصنف خاص من الناس، أهمها ما يتصل بأخلاق ذوى السلطان، وهذه تدخل فى باب السياسة التى اعتبرها العرب كما اعتبرها قدماء الفلاسفة فرعًا من الأخلاق، ولكنه فرع هام جدير بأن يفرد له بحث خاص. وتوجد كذلك
رسائل فى خلق أهل الورع. ولكن هذه الرسائل لاتتصل فى الواقع بعلم الأخلاق، لأن علم الأخلاق -إذا نظرنا إليه فى ذاته- يجب أن يتميز عن التصوف والزهد.
ولسنا نعرف على وجه التحقيق أى كتب اليونان فى علم الأخلاق وصلت إلى العرب: فقد روى أن إسحاق بن حنين نقل كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس لمؤلفه أرسطو فى اثنى عشر مجلدًا بعنوان "كتاب الأخلاق"؛ ولكن كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس لا يقع إلا فى عشرة مجلدات، فهل لنا أن نفرض أنه قد أضيف إلى الترجمة العربية كتاب هو "المقالات الكبار فى الأخلاق"، أو نقول إن ما روى عن هذا الكتاب تحريف لرواية أخرى تذهب إلى أن إسحاق بن حنين -لا حنين بن إسحاق- قد نقل شرح فورفريوس على كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس فى اثنى عشر مجلدًا، وهذا العدد نفسه إنما صار كذلك بإضافة كتابى "المقالات الكبار فى الأخلاق" أيضا ونحن نعلم إلى ذلك أن إسحاق بن حنين قد نقل شروح ثامسطيوس إلى السريانية، وربما كان قد نقلها إلى العربية أيضا. وقد عرف الفارابى كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس والمقالات الكبار فى الأخلاق و"المقالات الصغار فى الأخلاق" التى كتبها أرسطو إلى أوذيمس. وللفارابى نفسه شرح على بعض هذه الكتب. وقد شرح ابن رشد بعد ذلك كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس ونقل رجل يدعى ابن الخمَار كتابًا فى الأخلاق، يذهب فنريش Wenrich إلى أنه عين كتاب أرسطو فى الأخلاق. ولا توجد فى دور كتبنا الترجمة العربية لكتاب أرسطو. ويروى أن الطبيب أبا الفرج عبد الله بن الطيب المتوفى عام 435 هـ (1043 م) شرح كتاب أرسطو المذكور؛ وقد بقى لهذا الطبيب مقالة لأرسطو فى الفضيلة ترجمها من السريانية إلى العربية.
أما مؤلفات أفلاطون فى الأخلاق فإنها تتصل بالسياسة أكثر منها بالأخلاق البحتة، وحسبنا أن نذكر هنا أن كتابه "النواميس" قد ترجمه حنين ابن إسحاق كما نقله يحيى بن عدى. ولا نعرف من كتب فلوطرخس فى
الأخلاق غير كتاب الرياضة الذى ترجمه قسطا بن لوقا، وقد نسب إلى أفلاطون كتاب فى "أدب الصبيان" نقله أبو عمرو يوحنا بن يوسف؛ وقد رأى فنريش: Wenrich دون أن يستند إلى سند قوى- أن يصحح هذه النسبة فيجعل الكتاب لفلوطرخس بدلًا من أفلاطون.
وعرف العرب من المدرسة الفيثاغورسية "المذهَبات" وهى أشعار تدخل فى باب الحكم، كما عرفوا منها حكم الفيلسوف سكندوس Secundus واستبقى ابن مسكويه رسالة طريفة فى الأخلاق عنوانها "لغز قابس" وهو كتاب يظهر أنه رواقى (طبعة Elichmann فى ليدن عام 1640 م الجزائر سنة 1898 م). وهناك رسالة منهجية فى الأخلاق تغلب عليها النزعة الأفلاطونية هى "معاتبة النفس" (طبعها باردنهور Hermetis tri-: Bardenhewer -smegisti qui apud Arabes fertur de cas Ratione animae libellum، بون سنة 1873 م) تنسب حينا إلى هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة، وينسبها حينا آخر ابن أبى أصيبعة إلى سقراط وإلى أفلاطون، كما تنسب فى مخطوط بمكتبة بودليان Bodleian إلى أرسطو ولكن بعنوان "زجر النفس" ولا نعرف أصل هذه الرسالة. أما باردنهور فيعتقد أنها من تصنيف مسلم ويقارنها برسائل إخوان الصفاء، بينما يميل شتينشنيدر (Die: Steinschneider -arabischen Ubersetzungen aus deco Grie o rhisrhen، ص 23) إلى اعتبارها مصنفًا يونانيًا لنصرانى شرقى.
ولنذكر إلى جانب "الوصايا" المختلفة و"كتاب التفاحة"، وهو محاورات منتحلة بين أرسطو عند احتضاره وتلاميذه نسج فيها على منوال محاورات فيدون: رسالة فى تدبير المنزل كتبها رجل نصرانى توجد بمكتبة الإسكوريال، وكتابا لعلى بن
رضوان المتوفى عام 453 هـ (1061 م) أو 460 هـ (1068 م) وهو ضرب من الترجمة الذاتية أودع فيه فصلاً فى الأخلاق والسياسة، وقد نسب هذا الكتاب فيما بعد إلى أرسطو وترجم إلى العبرية. كما نذكر رسالة فى الأدب
يقال إن أرسطو كتبها إلى الإسكندر توجد بالمتحف البريطانى (الفهرس، ص 203) وانظر فيما يختص بهذه الترجمات سواء أكانت حقيقية أم منتحلة (ليبسك سنة 1842 م؛ جـ 12، ليبسك سنة 1893 م)
والمسلمون الذين كتبوا فى الأخلاق بطريقة منهجية قليلون، والذين اشتهروا منهم إنما اشتهروا جميعًا -على التقريب- بما كتبوه فى غير الأخلاق، وفى هذا ما يدفعنا إلى القول بأن الأخلاق باعتبارها علمًا مستقلاً قائمًا بذاته لم يلق الحظوة عند المسلمين. وهناك ثلاثة عناوين تتكرر عندهم على وجه ظاهر أكثر من غيرها، هى:"كتاب الأخلاق". وقد مر الآخلاق، و، مكارم الآخلاق". وقد مر بنا من قبل هذا التعبير الآخير، والكتب التى تذكر يهذا العنوان هى فى العادة كتب فى أخبار الأنبياء وغيرهم تنزع إلى الحض على الفضائل المختلفة وتمجيدها.
وأول أخلاقيى العرب هو ابن المقفع المترجم المشهور لكتاب "كليلة ودمنة" وأهم الأخلاقيين بعده: إخوان الصفاء وابن مسكويه والغزالى ونصير الدين الطوسى صاحب الكتاب المعروف "أخلاق ناصرى"، ونضيف أيضًا كتابى "أخلاق جلالى" و"أخلاق كاشفى" وهما كتابان واسعا الانتشار فى بلاد الشرق (انظر باريس سنة 1902 م).
وليس من السهل أن نلخص فى قليل من السطور ما جاء فى هذه الكتب من التعاليم الخلقية، فلنكتف هنا إذن بذكر يعض ما يعده الأذهان لدراسة هذا النوع من الكتب.
يترتب على ما لاحظناه سابقًا من أن معظم أخلاقيى الإسلام اشتهروا فى الغالب بمصنفات فى غير الأخلاق، أن تعاليمهم الخلقية إنما هى صورة من طبيعة تقكيرهم وتصنيفهم الشائعة فى باقى مؤلفاتهم، وعلى هذا فإن للمؤلف
الصوفى تعاليم فى الخلق غير تعاليم المؤلف الدينى، ويخالف المؤلف الدينى الفيلسوف، والفيلسوف الشاعر والمؤرخ. ثم إننا إذا عرفنا المدرسة الفلسفية التى ينتسب إليها مؤلف ما، فإن من السهل أن نعرف إذا كانت تعاليمه الخلقية أقرب إلى تعاليم أفلاطون أو تعاليم أرسطو أو إلى تعاليم أصحاب الحكم والأقوال المأثورة، أو آباء الكنيسة؛ فنحن نجد فى الكتاب المسمى "معاتبة النفس" -وقد لا يكون هذا الكتاب من تأليف رجل مسلم- وصفًا للفضائل على أسلوب أفلاطونى، فأمهات الفضائل فيه هى: الحلم والحكمة والشجاعة. ونجد الفضائل عند نصير الدين الطوسى الذى ينتسب إلى مدرسة الفلاسفة مقسمة وموصوفة على نحو ما هى عليه عند المشائين وفلاسفة العصور الوسطى، ولو أن هذا المؤلف أفرد "للعدالة" مكانة هامة وعالجها على نحو أفلاطونى. -ونجد عند الغزالى- الذى هاجم الفلاسفة والذى يشبه إلى حد كبير آباء الكنيسة فى طبيعة تفكيرهم دقة فى التحليل وعمقًا فى النظر وحوارة فى العاطفة خالية من التنظيم والترتيب، ولكنها تذكرنا بمجاهدة رجال الدين فى سبيل رياضة النفس. ونجد عند الإبشيهى بنوع خاص محاولة مشكورة فى ربط عدد كبير من الحقائق الجزئية المستمدة من الحوادث التاريخية ربطًا فلسفيًا. وهناك صفات مشتركة بين هؤلاء الأخلاقيين جميعًا: فهم ينزلون بعض الفضائل منزلة خاصة كالإيثار والقناعة بما قسم وضبط اللسان والصبر. وهذه الفضائل كثيرًا ما تذكر فى كتبهم، وهى تنم عن روح الإسلام بصفة خاصة. وهم يشتركون كذلك فى اعتبار الرذائل أمراضًا نفسية، وفى تشبيه الأخلاق بالطب، ويبلغ مذا التشبيه كماله عند المتصوفة الذين يشبهون الطبيب
الروحانى بطبيب الأجساد. وعلى هذا فعلم الأخلاق هو صناعة مداواة الأمراض وحفظ الصحة. وغايته الحصول على السعادة، وتلك غاية رسمها أرسطو وأفلاطون. وتلاحظ كذلك عند هؤلاء المؤلفين نزعة -كنزعات فلاسفة العصور الوسطى-إلى تقسيم الفضائل تقسيمًا منهجيًا -ويقوم هذا التقسيم على تحليل قوى
النفس، فلكل قوة فضيلتها ورذيلتها، وتعتبر الرذيلة حينًا ضد الفضيلة، وحينًا آخر يذهب الأخلاقى إلى أن هناك رذيلتين إحداهما نتيجة الإفراط والأخرى نتيجة التفريط وهما طرفان وسطهما الفضيلة، وذلك هى نظرية "الوسط بين الطرفين" المعروفة. وهناك فضائل أخرى غير ما تقدم عنى بها المسلمون: كبهجة النفس والتسامى فى النظر والكرم وعرفان الجميل والتسامح والرفق والعفة. أما الرذائل المذمومة فهى: الكذب والحسد والغضب والتهور والكبرياء. وكثيرًا ما تفرد الفصول الخاصة بالكلام فى الصداقة، ومعاشرة الناس، والواجبات الخلقية التى ينبغى أن تكون عليها كل طبقة من طبقات الناس.
المصادر:
(1)
حاجى خليفة، فى كلامه على الأخلاق.
(2)
ابن أبى الربيع: كتاب سلوك المالك فى تدبير الممالك، القاهرة سنة 1286 هـ.
(3)
ابن مسكويه فى تهذيب الأخلاق، القاهرة سنة 1298 - 1299 هـ.
(4)
الماوردى: أدب الدنيا والدين، الآستانة، 1299 هـ؛ القاهرة 1309 - 1310 هـ.
(5)
الغزالى: كتاب أيها الولد.
(6)
الغزالى: كيمياء السعادة، بكلكتة ولكنهؤ وبومباى، وترجمه إلى الإنكليزية Albany ،9 Homes. نيويورك سنة 1873 م.
(7)
الكاتب نفسه: ميزان العمل. ترجمة عبرية، طبعة Godentha، سنة 1839 م.
(8)
نصير الدين الطوسى: أخلاق ناصرى، طبع فى بومباى، كلكتة، لكنهؤ، لاهور وغيرهما.
(9)
جلال الدين الدَوَّانى: أخلاق جلالى (أو لوامع الإشراق).
(10)
حسين واعظ كاشفى: أخلاق محسنى، طبع عدة مرات فى الشرق.
(11)
على بن عمر الله: أخلاق علائى، طبعة بولاق سنة 1248 هـ
(12)
وانظر dr ran. PhiloL، فيما يختص بالمؤلفات الفارسية التى كتبت عن الأخلاق، جـ 2، ص 348 - 349 والفهرس، جـ 2، ص 722، مادة أخلاق.
[كارا ده فو]
+ الأخلاق (جمع خلق)
(1)
عرض للأخلاق فى الإسلام.
(2)
الأخلاق الفلسفية.
(1)
عرض للأخلاق فى الإسلام.
1 -
لم يتخذ علم الأخلاق فى الإسلام صورته إلا تدريجًا، ولم يستقر المأثور الخلقى بعناصره المختلفة فى ثوبه النهائى قبل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، وهو فى ذلك يخالف ما حدث فى العالم اليونانى، ذلك أن الأخلاق العامة فيه قد هذبها التفكير الفلسفى وأعاد صياغتها من غير أن تقع بينهما فرقة، ومن غير أن يبدو عليها أثر محسوس لأى مذهب دخيل، ومن ثم انتهى الأمر إلى أن أصبحت الفلسفة تعبر عن القيم الأخلاقية التى تحكم حيوات الطبقات المثقفة. أما فى الإسلام فقد ظهرت الأخلاق فى اكتمالها مزاجًا طريفًا، موفقًا بصفة عامة، لتقاليد العرب فى الجاهلية وتعاليم القرآن وعناصر غير عربية ترجع فى جوهرها إلى أصول فارسية ويونانية دخلت فى التكوين الإسلامى العام أو اندمجت فيه. وامتداح "الخلق الحسن" والقيمة المعزوة إليه شائع بين السلفيين والمتصوفة والفلاسفة، وأولئك الكتاب الذين يستهدفون بذل النصائح العملية للحكام وعمال الدولة. غير أن آراءهم فى الكمال الخلقى مستقى من مصادر جد مختلفة، ولو أنهم يحاولون جميعًا أن يوفقوا بين هذه اللآراء وبين مثل الإسلام الأساسية (وهى فى ذاتها غير جامدة) منتهجين فى ذلك شتى الطرق. ومن ثم فإن هضم هذه النزعات المختلفة، بل المتعارضة فى بعض الأحيان، وتوحدّها آخر الأمر قد امتد زمنًا طويلًا.
2 -
ولعل من الخطأ أن نذهب إلى أن ضروب الأخلاق المختلفة التى تبدت فى الأدب على تعاقب العصور من
عصر الشعراء الجاهليين حتى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) تمثل عملية تراكم للأنماط، بمعنى أن كل نمط جديد كان بمجرد ظهوره يحل محل نمط آخر أقدم منه أو ينسخه، بل لقد كان الأمر على العكس من هذا، فقد تعايشت هذه الطبقات مدة طويلة على تفاوت فى ذلك؛ ولما ظهر الإسلام لم تنقرض بحال السنة القبلية لعرب الجاهلية التى تقوم على المعاملات والعادة، وهى السنة التى وصفها كولدتسيهر (جـ 1) وغيره (مثل بشر فارس: Les Arabes avant l'Islam، ياريس سنة 1932 م). ومنذ أن أصبح الأدب الجاهلى آخر الأمر جزءًا من الآداب العربية الرفيعة لم تنس كل النسيان قط القيم الخلقية التى عبر عنها: وهى العِرض، والحماسة والروح القبلية، وإكرام الضيف والصبر والحلم والمروءة ومن البين أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم قد أحدثت كذلك تغييرًا أساسيًا فى القيم الخلقية التى أصبحت تقوم على ما إباحه الدين الجديد وعلى خشية الله والخوف من يوم الحساب، فالشفقة والعدل والرحمة والرأفة والسماحة والحلم والإخلاص والأخوة بين المؤمنين من الفضائل الجديدة التى حلت محل الأخلاق القبلية، وقد غدت هذه الفضائل أركان مجتمع أخلاقى أو قل أنها كانت على الأقل البرنامج المرسوم لهذا المجتمع.
واتسع الخلق الدينى القرآنى من بعد وفصَل تفصيلاً ضافيًا، فعل ذلك المحدثون فى صورة الأحاديث التى تعتمد صراحة على السنّة او قل الخلق الكامل للرسول، وأكملوا فى كثير من الأحيان هذا المصدر بأحاديث الصحابة واقتباس مواد من المأثورات الثقافية للديانات القديمة. ولا نستطيع أن نقدر ما للحديث من شأن فى تكوين المثل الأخلاقية العامة للجماعة الإسلامية والمحافظة عليها فى كل العصور وفى جميع الأقطار. زد على ذلك أن الحديث كان أكبر دعامة للهيكل الخلقى للفقه الإسلامى النامى، وهو الذى قامت عليه أركان عملية التوحدَ التى أشرنا إليها
آنفًا، ويمكن أن نقول بصفة عامة أن مجموح الحديث كله هو السفر الذى يضم يين دفتيه أصول الأخلاق الإسلامية من حيث أن الرأى الإسلامى الغالب يقول بأن أداء الواجبات الدينية على وجهها السليم وفهم العقيدة فهما صحيحًا هما جزآن لا ينفصلان من الحياة الخلقية. على أننا نجد فى إطار هذا الهيكل الشامل بعض صور خلقية تُدرج على وجه أخص تحت مصطلح الأدب مع أنها تحمل فى هذا النص الدينى القديم مفهومًا خلقيًا على التحديد (انطر على سبيل المثال: ، ماده أدب) - وثمة ما يغرى المرء على الظن بأن إصطناع هذا المصطلح للدلالهَ على الأخلاق الفارسية الأصل المتباينة البواعث التى أفاض فيها كتاب القرن الثانى الهجرى (القرن الثامن الميلادى؛ انظر الفقرة 4 من هذه الماده) هو الذى أدى إلى أن يستبدل بالأدب المصطلح "أخلاق"، وهو مصطلح يظهر فى مختلف الأخبار عند الثناء على مكارم الأخلاق (انطر، ص 11 أ، وبشر فارس: مكارم الأخلاق، سنة 1937 م، ص 417 = مباحث عربية، القاهرة سنة 1939، ص 21 وما بعدها) وحديث الرسول الذى اتخذه الكتّاب المتأخرون شاهدا على الأخلاق الإسلامية "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" لم يرد فى كتب الأحاديث الصحاح (بشر فارس: الكتاب المذكور). وتحت هذا العنوان صنفت عدة مجموعات من الأحاديث الخلقيه منذ القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، مثل ابن أبى الدنيا (جـ 1، ص 160) والخرائطى قسم 1، ص 250) والطَبَرْسى (جـ 1، ص 513؛ قسم 1، ص 709) - والطبرسى هو الكتاب الشيعى المأثور فى هذا الموضوع (انظر أيضًا: بشر فارس، ص 411 - 412).
3 -
وتهذيب الفكر الأخلاقى وتطويره على أساس الحديث قد مضيا فى طريقهما بفضل الحركتين الدينيتين اللتين بدأتا فى النماء فى نطاق الإسلام السنى فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى). فمن جهة نجد فى أوساط المتكلمين أن الصراع بين النزعة
المنكرة للجبر عند المعتزلة وما أعقبها من إصرار متكلمى المعتزلة على الحكم الخلقى على الأشياء والمسؤولية الشخصية قد أثارا مناقشة واسعة فى هذه الموضوعات وتحليلًا لها، وبفضل هذه الحركة المعتزلية التى اتصلت بدورها بالفكر اليونانى والكتب اليونانية المتأخرة التى تدافع عن المسيحية، وبفضل ردّ أهل السنة عليها مهد الطريق لتقبل الأخلاق الفلسفية اليونانية وأصبح ذلك ممكنًا. ونجد من جهة أخرى أن حركة الصوفية المناهضة للعقل والموسومة بالزهد قد استحدثت نمطًا من الأخلاق الإسلامية مختلفًا بعض الاختلاف، واستطاع هذا النمط أن يكون له سلطان متزايد حتى لقد أوشك آخر الأمر أن يسيطر على العالم الإسلامى. وغدًا الفقر وإذلال النفس والإنكار المطلق للذات هى أرفع القيم فى الحياة عند دعاة الصوفية. وحسبنا فى هذا المقام أن نذكر إمامًا من أئمة الكتاب الصوفية المتقدمين وهو المُحاسبى المتوفى سنة 213 هـ (857 م) الذى كان له أثر حاسم فى الغزالى حين جعل الغزالى التصوف جزءًا ثابتًا من الأخلاق الإسلامية فى كتابه العمدة "إحياء علوم الدين" (انظر M. Smith: An Early Mystic of Baghdad لندن سنة Journ. of the Royal As. soc 1935 م وسنة 1936 ص 65).
4 -
لقد كان دخول الفكر الفارسى الأخلاقى فى التراث الإسلامى سابقًا على معرفة المسلمين للأخلاق عند اليونان. وخير ممثل للفكر الفارسى المذكور هو ابن المقفع؛ وإذا صرفنا النظر عن كتابه "كليلة ودمنة" الذى يستأهل الذكر فى هذا المقام، فإن معظم هذا الفكر الفارسى نجده فى كتابين ينسبان إليه:"الأدب الكبير"(انظر الترجمة الفرنسية بقلم C. F. Detsree، بروكسل سنة 1902 م، نقلا عن الترجمهَ الهولندية التى قام بها C'- van Vloten` الترجمة الألمانية بقلم i cher فى tal. Sprachen، Westasiat. St alien، سنة 1917) م و"الأدب الصغير"(الترجمة الألمانية بقلم، سنة 1915 م)، وقد شك فى صحة نسبتهما إليه وإن كان لم ينكر هذه النسبة كل من ريختر
(G. Richter فى sl، سنة 1930 م، ص 278) وكابرييلى (Gabriel فى Rivista؛ al فى 4 studi orient، سنة 1932 م، ص 219 وما بعدها). وهذان الكتابان (انظر أيضا مادة "اردشير بزرجمهر") لا يقومان على أى مبدأ فلسفى، بل هما يذكران القارئ بالخطابة اليونانية، فيبذلان النصيحة عن سبل النجاح للحكام وعمال الدولة المدنيين والأشخاص الذين يريدون التقدم فى الحياة. والإشارات الإسلامية الموجودة فى هذا الأدب نادرة وشكلية وإن كانت الصلة بين هذا المأثور والدين تُؤكِّد باطراد. ومن ثم ينظر إلى الإسلام على اعتبار أنه دين دولة يرتبط بالسلطة العليا ارتباط الدين بالسلطة السياسية فى الدولة الفارسية القديمة (انظر: les Sassanides: A.Christensen L'Iran s 5. الطبعة الثانية، كوبنهاغن، سنة 1944 م، الفصل الثالث): "الدين والدولة شقيقان". وهذه النصيحة التى تبذل فى أسلوب طلى مؤثر فى النفس تعتمد على اعتبارات انتهازية وعلى الاعتراف بالقوة التى يعرف العاقل كيف يسوسها على الوجه السليم. على أن هذا التراث الأدبى الدخيل الأصل قد طوّع للمثل الإسلامية على تفاوت فى ذلك، ثم دخل آخر الأمر فى الهيكل المقرر للأدب الإسلامى فى كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ (889 - 890 م). وهذا الكتاب - الذى يمكن أن نقول إنه أوفى موجز شامل فى الأخلاق الإسلامية- قد جمع ووحَد إلى حد عجيب ذخيرة القرآن والحديث والجاهلية والفرس فى الأخلاق، واستطاع -باستبعاد العناصر الناشزة من الأخلاق فى الجاهلية وعند الفرس- أن يحدد ويوحد بصفة عملية العناصر التى يتركب منها البناء الأخلاقى السنَّى فى مرحلته السابقة للفلسفة والتصوف. وهناك ضروب من الأدب تتصل بهذا مثل "مرايا الملوك" والحكمة الشعبية التى تتبدى فى الأمثال.
5 -
ولقد استحدثت الأخلاق الفلسفية المستقاة من اليونان أول ما استحدثت على يد الأوساط المحدودة التى انصرفت إلى دراسة الفلسفة. ودرست تفصيلات نموها بين الفلاسفة
المسلمين فى القسم الثانى من هذه المادة. وأحدثت الأخلاق الفلسفية، كما بُيِّن فى الفقرات من 8 إلى 10 من هذا القسم، أثرًا فى كتب الأدب، بل إن ثمة أمرا يزيد عن ذلك فى أهميته زيادة كبيرة، وهو أن الأخلاق الفلسفية على الصورة التى أبرزها بها مسكويه وجدت قبولًا تامًا عند متكلم مسموع الكلمة كالغزالى، وبذلك اندمجت فى التراث الدينى. وقد عُرف مذهب مسكويه أيضًا عن طريق آخر هو المؤلفات الفارسية لكتاب مثل الطوسى والدوّانى. على أن الأخلاق الصوفية الصرف أصبح لها بفضل فحول الشعراء الفرس سلطان ضخم فى العالم الإسلامى الشرقى بما فى ذلك تركية، وهو سلطان كان يقابله ويدغمه فى جميع البلاد ما كان للطرق الصوفية من مكانة اجتماعية عظيمة الشأن وتغلغل أعضائها من غير المتصوفة فى جميع الطبقات.
6 -
وقد كان للتحول القوى عن الصوفية فى أوساط المسلمين السنيين أثناء القرن الأخير أثر موازٍ له فى الفكر الإسلامى الأخلاقى، فقد انتقض على السلبية المطلقة التى تتسم بها الأخلاق عتد المتصوفة وجتح إلى الاتجاه نحو أخلاق فعالة عبر عنها بشئ من التحفظ زعماء من أمثال جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، كما عبر عنها آخرون فى أسلوب معتزلى أصرح. وفى خارج الأوساط الدينية، أثارت هذه النزعة نفسها -يدعمها ما أحدثته الفلسفات الغربية من أثر، وتقترن بها التطورات الداخلية الاجتماعية والسياسية- أنماطًا من النظر الأخلاقى أكثر ثورية، وخاصة عند عالم الاجتماع التركى ضيا كوك آلب والشاعر الهندى محمد إقبال، على أن من الأصوب أن ننظر إلى جميع هؤلاء على اعتبار أنهم يملكون مراحل انتقال فى الفكر الإسلامى الحديث.
الأب قنواتى [فالتزر وجب walm- Gibb]
(2)
الأخلاق الفلسفية
1 -
تعد الأخلاق فى تصنيف فروع الفلسفة المختلفة هى و"العلم المدنى" Politics و"تدبير المنزل" جزءا من الفلسفة العملية، ويصف
حنين بن إسحاق فى رسالته عن الترجمات السريانية والعربية كتاب "فى الأخلاق" لجالينوس فيقول إن جالينوس يتناول فيه "الأخلاق" على اختلافها ودلالاتها وعلاجها (طبعة rgs، رقم 119؛ وانظر رسائل سنيكا، جـ 95، ص 65)، ويكاد الغزالى يستعمل نفس الكلمات اذ يقول (المنقذ من الضلال، ص 99) إن الأخلاق فرع من الفلسفة يشمل "حصر صفات النفس وأخلاقها وذكر أجناسها وأنواعها، وكيفية معالجتها ومجاهدتها". وهذا التعريف نفسه يرد بعد فيما رواه حاجى خليفة فى مادة أخلاق عن ابن صدر الدين الشروانى المتوفى سنة 1036 هـ. (1626 - 1627 م): "هو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها لتتحلى النفس بها، وبالرذائل وكيفية توقِّيها لتتخلى عنها، فموضوعه الأخلاق والملكات والنفس الناطقة من حيث الاتّصاف بها". والأخلاق من حيث هى مذهب فلسفى لم تجتذب أول الأمر إلا أوساطًا محدودة من أشخاص اهتموا بالفلسفة اليونانية. فلما أكد القائلون بهذه الفلسفة أن الأخلاق الفلسفية لا يقصد بها مخالفة الإسلام بل تكملته أو تثبيته أمكن إدماج هذه الأفكار آخر الأمر فى التراث الدينى والاحتفاظ ببعض سلطانها حتى فى القرون المتأخرة.
2 -
سلكت الفلسفة الأخلاقية اليونانية فى بلوغها العرب طرقًا شتى تقاربت فى النهاية، ذلك أن أمهات الكتب التى أثِرَت عن أيام اليونان القديمة وقرئت فى المدارس الفلسفية المتأخرة -مثل جمهورية أفلاطون، وطيماوس، والقوانين- قد عرفت فى نصها الأصلى وشروحها ومختصراتها وعرف "كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس" لأرسطو الذى يضم بين دفتيه أحد عشر مجلدًا، من ترجمة إسحاق بن حنين له. وقد اكتشفت المجلدات الثامن والتاسع والعاشر والحادى عشر من النص العربى المطابقة للمجلدات من 7 - 10، بحسب التقسيم المأثور للكتاب، فى مخطوط مراكشى (انظر o A.J. Arberry فى Oriental and African Studies. سنة
1955 م، ص 1 وما بعدها). ويشتمل هذا المخطوط نفسه على موجز لكتاب الأخلاق إلى نيقوماخس بقلم نيقولاوس الدمشقى (القرن الأول قبل الميلاد). وقد نقل شرح فورفريوس (انظر كتاب الفهرست و Vie de Porphyre J. Bidez، كاند وليبسك سنة 1913 م، ص 56 - 58) وأفاد منه فيما يرجح إفادة عظيمة مسكويه فى كتابة الفصول الثالث والرابع والخامس من كتابه "تجارب الأمم"(انظر الفقرة 7 فيما يلى). وكان العرب يعرفون أيضًا موجزًا يونانيًا متأخرًا لكتاب الأخلاق إلى نيقوماخس (موجز السكندريين) ومنه مقتطفات فى مخطوط بمكتبة تيمور باشا (أخلاق 290، رقم 16). وقد ترجم هذا الموجز إلى اللاتينية هرمان الجرمانى سنة 1234 أو 1244 م (Aristotles Latinus. جـ 2، كمبردج سنة 1955 م، ص 1308). وقد كتب الفارابى شرحًا على مقدمة كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس أشار إليه الكتاب الأسيان من أعيان القرن الثانى عشر (انظر Al-Farabi: M. Steinschneider سانت بطرسبرغ سنة 1869 م، ص 60).
وشرح ابن رشد الأوسط الذى كتب سنة 1177 م محفوظ فى ترجمة لاتينية قام بها هرمان نفسه سنة 1240 م (انظر، جـ 2، ص 1308) وفى ترجمة عبرية ترجع إلى سنة 1321 م قام بها صموئيل ابن يهوذا من أهل مرسيليا (hebr Uber-: M. Steinschneider ص 217).
ومن الكتب اليونانية غير المعروفة كثير، فى التراث الغربى وإن كانت واسعة الانتشار فى العالم العربى رسائل ثلاث لجالينوس:
(1)
رسالة: "فى الأخلاق" وقد فقد أصلها اليونانى ولم تبق إلا فى ثوبها العربى (الموجز العربى الذى نشره فى مجلة كلية الآداب بالجامعة المصرية، مجلد 5، جـ 1، وانظر s R. Walter فى Quarterly سنة 1949 م، ص 82 وما بعدها؛ الكاتب نفسه فى Harvard Theological Review، سنة 1954 م، ص 243 وما بعدها؛ sical Quarterly، سنة 1956 م).
(2)
"تعريف المرء عيوبه"(انظر. Graec جـ 5، ص 4، 11؛ حنين: رسالة، رقم 118).
(3)
"انتفاع الأخيار بأعدائهم"(فقد أصلها اليونانى وبقيت ترجمة حنين رقم 121). وقد استشهد مسكويه برسالة لثامسطيوس وأخطأ فى ذكر اسمها. وثمة رسالة أخرى منسوبة له بقيت باللغة العربية (نشرها لويس شيخو فى مجلة المشرق، سنة 1920 م، ص 887 - 889، ترجمها Arch. de Philosophie سنة 1924 م، ص 15 وما بعدها). ولاشك أنه كانت هناك كتب يونانية متأخرة أخرى انتهى إلى العرب بوساطتها الفكر اليونانى الأفلاطونى الأوسط تشوبه مسحة قليلة من الأفكار الأفلاطونية المحدثة. ومن الرسائل الأخرى التى درسها العرب فى الفلسفة الأخلاقية السابقة للأفلاطونية المحدثة رسالة فى "لغز قايس" the Platonist التى نقلها مسكويه فى كتابه "جاوذان خرد"(طبعة بدوى، ص 229 وما بعدها؛ وهناك نسخ منفصلة قام بها El is. ليدن سنة 1640 م و Rene Basset ، الجزائر سنة 1898 م) ورسالة بريسون الفيثاغورى المحدث فى تدبير المنزل. (obwwc: ). ولم يبق إلا ترجمتها العربية التى أمعن مسكويه فى الاستشهاد بها (طبعة
Pless، هيدلبرغ سنة 1928 م)؛ "المذهبات" المنسوبة إلى فيثاغوراس والمقالة المنحولة لأفلاطون فى تأديب الأحداث هما وثيقتان فيثاغوريتان تأثر بهما مسكويه (انظر senthal فى prienmlia، سنة 1941 م، ص 104 وما بعدها، 383 وما بعدها).
3 -
والظاهر أن رسائل الكندى الفلسفية (الفهرست، رقم 190 - 191، 193 - 196؛ وانظر أيضًا Racentha: Al-.Sarakhsi جـ 2 أ، ص 10 - 12، 16 - 17) قد قدرها الكتّاب المسلمون اللاحقون؛ وأفاد مسكويه
(التهذيب، ص 70 وما بعدها) وابن سينا وغيرهما من رسالته "كتاب دفع الأحزان" (طبعة: H. Ritter-R-Waltzer ، Studi su Kind رومة سنة 1938 م؛ M . Pohlenz ، فى Gouinger Gelehrte
سنة 1938 م، ص 404 وما بعدها). وربما كان مسكويه (ص 61) قد نقل شاهدًا آخر من كتاب الكندى المفقود "فى الأخلاق" وهذا الكتاب عرفه الغزالى أيضاً (F. Rosenthal فى lia سنة 1940 م، ص 186 وما بعدها). ولا يشذ الكندى (انظر "الحدود" فى الرسائل طبعة أبو ريده، ص 177 - 178 وغير ذلك من مواضع فى رسائله) عن الفلاسفة الرواقيين جالينوس وغيره من الفلاسفة اليونانيين، ذلك أنه اعتمد فى فلسفته الأخلاقية على تقسيم النفس إلى ثلاث نفوس أو قوى: هى النفس الناطقة والنفس الانفعالية والنفس المشتهية، وعلى التحديد الأفلاطونى لأمهات الفضائل وهى الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة ويرتبط كل من هذه الفضائل بدوره بعدد من الفضائل الفرعية. ويمكن أن يقارن هذا التقسيم، مع خلاف فى التفصيلات، بالتقسيم الرواقى للفضائل والرذائل أو بكتاب "فى الفضائل والرذائل" المنحول لأرسطو (بروكلمان، قسم 1، ص 884). وقد اقترن عنده التعريف الأرسطى للفضيلة بأنها وسط بين طرفين بنزعة أفلاطونية (انظر فرفوريوس، الفصل 32، ص 2 و: معانى النفس، ص 20) والراجح -فيما يبدو لنا- أن مسكويه قد اعتمد فى الفصل الأول من كتابه "تهذيب الأخلاق" على دراسة الكندى للفضائل والرذائل، ولو أن الشواهد الميسورة لنا فى كتبه القليلة الباقية قليلة بشكل واضح. ويمكننا أن نقول بصفة عامة إنه ليس فى فلسفة الكندى العامة المائلة إلى الأفلاطونية أية نزعة متطرفة من الأفلاطونية المحدثة، وتمتزج فى فلسفته هذه العناصر الأفلاطونية والمشائية والرواقية على نحو ليس غريبًا عن الرسائل الأخلاقية العامة فى العالم اليونانى المتأخر وما بعده.
4 -
وتعتمد رسالة قسطا بن لوقا النصرانى "فى الطبائع" وهى التى تناول فيها أسباب الخلاف بين الناس فى أخلاقهم وطرق حياتهم ورغباتهم الخلقية (طبعة الأب شباط P. Sbath فى Bulletin de I'Institut Egyptien، سنة
1941) على التقسيم الأفلاطونى الثلاثى للنفس كما تعتمد بعامة على آراء نجدها عند جالينوس.
5 -
والظاهر أن رسالة الكندى "كتاب الطب الروحانى" فقدت، ولكن بحث الرازى الرائع للموضوح نفسه ميسور فى نسخة نقدية للنص العربى ra Philosophical طبعة kraus ص 15 - 196؛ الترجمة الإنكليزية التى قام بها. دول لندن سنة 1950 م) وقد كتب هذا البحث -كما ينتظر من هذا المسلم" الأفلاطونى" - بنزعة افلاطونية قاطعة، ولا أثر فيه للعناصر الأرسطية التى نجدها فى الكندى ومسكويه. ويجب أن يدرس مع دفاعه المستقى من سيرته الذاتية عن الأسلوب الفلسفى فى الحياة). opera، ص 98 - 111؛ الترجمة الفرنسية التى قام بها. p kraus فى Orienwlia سنة 1935 م، ص 300 وما بعدها؛ الترجمة الإنكليزية التى نشرها Arberry: Asiatic Review سنة 1949). على أن تفسير الرازى للفلسفة الأخلاقية عند اليونان لم يؤثر فى المجرى الرئيسى للاخلاق الفلسفية فى الاسلام.
6 -
وتعرض رسالة الفيلسوف اليعقوبى يحيى بن عدى، "فى تهذيب الأخلاق" صورة أخرى للفكر اليونانى وليس فيها أية أفكار مسيحية متميزة كما أنها خلت من أثر أرسطو كما هى الحال عند الرازى. وتعتمد هذه الرسالة على التقسيم الثلاثى الأفلاطونى للنفس، ولكنها لا ترجع على التخصيص الفضائل الإحدى والعشرين والرذائل المقابلة لها إلى النفوس الثلاث ولا تخضعها لأمهات الفضائل الأربع ومقابلاتها (التى أثبتت ضمنها). والراجح أن هذا التقسيم يعتمد فى النهاية على أصل يونانى مفقود ينتسب للفلسفة السابقة للأفلاطونية المحدئة. أما الفصل الأخير فى هذه الرسالة الخاص بالكلام على الإنسان الكامل الذى يعتمد فى حياته على مطالب نفسه العاقلة ويروض نفسه على أن يحب كل إنسان من البشر، فإنه يجمع بين النزعتين الرواقية والأفلاطونية المحدثة ولا يختلف كثيرا عن أفكار الفارابى.
7 -
وأعظم الكتب أثرًا فى الفلسفة الأخلاقية هو كتاب "تجارب الأمم" لمسكويه المتوفى سنة) mfr (1030 م؛ وثمة تحليل لمحتوياته فى كتاب ده بور، ص 507 Donaldson j. ص 127 - 133؛ أما الترجمة الإنكليزية لهذا الكتاب التى أعدها. (. ول M. Craig فهى تحت الطبع). ويرفض مسكويه رفضا قاطعا أن يدخل الشعراء الجاهليين فى عداد المعلمين ولكنه لا ينكر التراث الفارسى فى الأخلاق، وهو يؤكد فى عدة نظرات تستلفت النظر أن الفلسفة الأخلاقية اليونانية تتفق مع العقائد الأساسية للإسلام. على أنه يحاول أن يوائم بين الحقيقة التى جاء بها الوحى والحقيقة الفلسفية على أساس من الفكر العقلى. ولهذا السبب لا يستطيع مفكر دينى صريح أن يتقبل آراءه إلا إذا مال بها ميلًا خاصًا. أما الكتاب اليونان القلائل الذين يذكرون بالاسم أو تنقل عنهم شواهد مطولة، فجميعهم من القرون المتأخرة للإمبراطورية الرومانية، وهم جالينوس) انظر الفقرة 2 آنفا)، وبرايسون (فى التأديب الصحيح للصبيان، انظر 560 المصدر المذكور) وفرفوريوس فى شرحه كتاب الأخلاق لأرسطو، وثامسطيوس الذى استشهد به فالتبس اسمه بسقراط (انظر nthal فى Culture سنة 1940 م، ص 403). وترد فى نص هذه الكتب المتأخرة إشارات إلى أرسطو وأفلاطون. ومع أن الكندى لا يذكر بالاسم إلا مرتين فحسب، فإن مسكويه فيما يرجح مدين للكندى إلى حد كبير (انظر الفقرة 3 آنفاً). وهو ينقل فى الفصول الثالث والرابع والخامس من كتابه نقلاً أدخل فى النقل الحرفى ما كتبه أفلاطونى محدث فى شرح بعض أقسام من كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس مما يذكر المرء بالتعاليم الأخلاقية للمشائين المتأخرين والشروح الباقية لكتاب الأخلاق دون أن تكون هذه الفصول مطابقة لأى منها. على أنه يبرز فى الوقت نفسه العناصر الأفلاطونية فى كتاب الأخلاق مما يجعل أرسطو أصرح فى نزعته الأفلاطونية من حقيقته. وقد كان فضل مسكويه على هذه الشروح الموروثة، إن كان له فضل على الإطلاق، هو زيادة التنويه بهذه الأنظار الأفلاطونية المحدثة
لهذه الفلسفة الأخلاقية إذا صرفنا النظر عن بيانه لإمكان المواءمة بين الفلسفة اليونانية وبين الإسلام (انظر: R. Walzer Miskawaih's Tahdhib Al of ASPesTs som Akhlaq فى رومة سنة 1956 م).
8 -
وقد لاحظ ده بور أثر الأخلاق الفلسفية فى كتب الأدب، واختار لذلك مثلا دالاً هو"كتاب أدب الدنيا والدين، للماوردى المتوفى سنة 450 هـ (1058 م) فقد عرض فيه الماوردى المادة الأخلاقية الماثورة وبعث فيها الحياة وجددها بإدخال مواد من القرون المتأخرة تشمل أفكارًا فى الفلسفة والزهد، وجمع بين هذه الأفكار وبين المواد القديمة على نحو لا يلتزم خطة أو منهجاً، ولكنه ساقها مساقاً لا يختلف عما انتحاه الغزالى من بعد (انظر الترجمة الألمانية لكتاب بقلم Rescher سنة 1932 - 1933 م)
9 -
وقد ذهب الغزالى المتوفى سنة 505 هـ (111 م) فى طريقة المزج هذه إلى مدى أبعد من ذلك بكثير وأوثق صلة بالجوهر، ذلك أنه استبعد من جهة العناصر الشكلية والسطحية المحضة من عناصر التراث الأدبى، وأقام بيانه من جهة أخرى على أساس متين من التحليل الروحى النافذ الذى نمَّاه أئمة الصوفية (انظر القسم 2، الفقرة 3 فيما سبق). ومن الواضح أنه رأى فى الوقت نفسه أن كتاب مسكويه معقول فى ذاته مؤيد بالبرهان، ويسلم بأن ما جاء فيه لا يتعارض مع الكتاب ولا مع السنة. ومن ثم أصبحت الأفكار الفلسفية اليونانية الأصل التى يناقشها مسكويه ويشرحها جزءاً من المذهب التهذيبى المقرر بصفة عامة الذى نجده فى إحياء علوم الدين. ويعتمد الغزالى فى كتاب رياضة النفس -وهو الكتاب الثانى من المربع الثالث من الاحياء- على تهذيب الأخلاق لمسكويه. وأثر مسكويه واضح أيضاً لا يخطئه النظر فى غير ذلك من كتب الغزالى، كما أن مذهبه فى الأخلاق قد اندمج آخر الأمر فى صميم التراث الدينى (انظر: A-7 - Wensinck؛ Pencee de Ghazal، باريس سنة 1946 م، وخاصة الفصل الثانى؛ . m
Plessner: الكتاب المذكور، فينا سنة 1925 Al Ghazzali،: Rittert، Das Elixier der Gluckseligeit فينا سنة 1925 م.
10 -
إلى أى حد نجح الغزالى فى التاثير على كتب الأخلاق المتأخرة وعلى التفكير من بعده بمزجه بين تلك العناصر؟ لاتزال هذه المسألة تتطلب البحث. والشواهد الأدبية تفيد لأول وهلة أن تأثيره -إذا كان له تأثير- كان غير مباشر، وأن النزعات المختلفة للفكر الأخلاقى استمرت تعيش جنباً إلى جنب. ومضى كتاب مسكويه يحدث أثره، وخاصة فى المصنفات الفارسية. فقد اقتفى نصير الدين الطوسى الشيعى الآخذ بمذهب ابن سينا أثر ابن سينا أو مسكويه عن كثب، كما يصرح هو نفسه فى القسم الخاص بالأخلاق من كتابه "اْخلاق ناصرى (تم سنة 633 هـ = 1233 م؛ انظر الكتاب المذكور). وبعد ذلك بقرنين جاء الدوانى المتوفى سنة 907 هـ (1501 م) صاحب كتاب "أخلاق جلالى" (الترجمة الإنكليزية وعليها تعليقات قيمة بقلم o- Y Practical Philosophy: W.F.Thompson of the Muhammadan People، لندن سنة 1839 م؛ وثمة تحليل موجز للكتاب بقلم Donaldson ص 184) فتخير مادته الأساسية من كتاب الطوسى، ولكنه يشير أيضا إلى الغزالى بوصفه مرجعاً إسلامياً إضافياً.
المصادر:
بالنسبة للقسمين (1)، (2) من المادة لم يكتب بعد تاريخ شامل للأخلاق فى الإسلام
(1)
Studies in: D. M Donadson Musli،n Ethics، لندن سنة 1953 م وله قيمة لا تقدر.
(2)
وثمة عرض موجز ولكنه موقظ للأذهان فيما كتبه T.J. de Boer فى مادة + Ethics and Moralit عند المسلمين فى Hasting: Encyclopaedia of Religion and Ethics ج 5، سنة 1912 م.
وثمة مواد متفرقة فى عدد من الكتب. وعلاوة على المواد التى ذكرت فى هذه المادة من الدائرة فإن وجوها مختلفة لموضوع الأخلاق قد تناولها: