الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- "وكنت في برلين آخذ دروساً في الطبيعة والكيمياء عن المستشرق الدكتور (هردل)، فأخبرني الدكتور بأن أحد الألمان قرأ القرآن، وأسلم، وقال الدكتور: إن الإسلام حقيقة تكلم في التوحيد بما لم يتكلم به دين آخر"(1).
*
شعره في ألمانيا:
ومن روائع شعره تحت عنوان: "العرب والسياسة":
يقول الإمام محمد الخضر حسين: "كنت في قطار بضواحي برلين يرافقني مدير الأمور الشرقية بوزارة الخارجية، وكان يتحدث مع شاب ألماني باللغة الألمانية، ثم أقبل عليّ وقال لي: أليس هكذا يقول ابن خلدون: إن العرب أبعد الناس عن السياسة؟ فقلت: يريد العرب قبل دخولهم الإسلام، وبهذه المناسبة نظمت هذه الأبيات":
عذيري من فتى أزرى بقومي
…
وفي الأهواء ما يلد الهذاءَ (2)
يقول: العربُ ظلوا في جفاء
…
وما عرفوا السياسةَ والدهاءَ
سلوا التاريخ عن حكم تملَّت
…
رعاياه العدالةَ والرخاءَ (3)
عزوفِ النفس عن ترفٍ ذكورٍ
…
لعقبى من أجاد ومن أساءَ (4)
(1) مجلة "لواء الإسلام" - العدد السابع من السنة الحادية عشر. الصادر بالقاهرة في ربيع الأول 1377 هـ - أكتوبر 1957 م من مقال: "الدعوة القائمة على حق".
(2)
العذير: العاذل. أزرى به: وضع منه، أو قصّر به. الهذاء: القول الباطل.
(3)
تملى: استمتع، يقال: تمليت عمري؛ أي: استمتعت به.
(4)
عزوف: يقال: عزفت النفس عن الشيء: زهدت فيه، وانصرفت عنه، أو ملته، فهي عزوف عنه. العقبى: جزاء الأمر، الآخرة.
همامٍ كان سامرُه وأقصى
…
بلاد في مهابته سواءَ (1)
هو الفاروق لم يدرك مداه
…
أمير هزَّ في الدنيا لواءَ (2)
- وتحت عنوان (قوس الغمام):
أيخفى ضمير المرء يوماً ولو سما
…
إلى الذروة القصوى ضحى ودهاءَ
إذا كتمتنا الشمس ألوانها ضحى
…
يبوح بها قوس الغمام مساءَ (3)
- ويصف (حمرة الشفق):
هذا الدجى اغتال النهار ودسّه
…
تحت التراب مضرجاً بدمائه (4)
ما حمرةُ الشفق التي تبدو سوى
…
لطخ من الدم طار نحو ردائه (5)
ونجد في هذين البيتين أثر الحرب المشتعلة في نفس الإمام الشاعر.
وفي قرية "لنداو"، والثلج على الأشجار، وقد طلعت عليه الشمس فأخذ يذوب، وقرية "لنداو" على بحيرة "بودن" بألمانيا:
- (عبرات الأشجار):
نسج الغمام لهذه الأشجار من
…
غَزْلِ الثلوج براقعاً وجلاببا
(1) الهمام: الملك العظيم الهمة، والسيد الشجاع، وهو من أسماء الأسد. السامر: مجلس السمار، يقال: أمسيت البارحة في سامر الحي؛ أي: في مجلس مسامرتهم.
(2)
الفاروق: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحق والباطل".
(3)
قوس الغمام: وكذلك قوس السحاب، يحدث في الأفق عقب المطر، وألوانه مختلفة.
(4)
الدجى: الظلمة.
(5)
الشفق: الحمرة في الأفق من الغروب إلى العشاء الآخرة، أو إلى قريب العتمة،
اللطخ: اليسير القليل من كل شيء.
والشمس تبعث في الضحى بأشعة
…
تسطو على تلك الثياب نواهبا
فبكت لكشف حجابها أَوَ ما ترى
…
عَبراتها بين الغصون سواكبا
- (ريح تنسف في روضة):
جاد هذا الروض غيثٌ فازدهى
…
وغدا بُلبلُه يطري السحابا
وتمادى مسهباً في مدحه
…
فحثت في وجهه الريح ترابا
- (زجاجات المصور):
عذرتك إذ صورت في نفسك الهدى
…
ضلالاً وصورت الضلال رشادا
فإن زجاجات المصور تقلب الـ
…
ـسواد بياضاً والبياض سوادا
- أبيات قالها في برلين سنة 1335 هـ عقب زيارة المرحوم محمد فريد وإسماعيل لبيب:
جرس يصيح كحاجب
…
طلق اللسان معربدِ (1)
حيناً ينوح كموجع
…
من لطمة المتعمّد
والآن رنّ كمزهرٍ
…
جسته أنمل معبد (2)
زار الصديق فهزّه
…
من بعد ضغطة جلمد (3)
والود يسكن في الحشا
…
لكن يحس من اليد
(1) المعربد والعربيد: مؤذي نديمه في سكره، والشرير.
(2)
أنمل: جمع أنملة، وهي رأس الأصبع. معبد: نابغة الغناء العربي في العصر الأموي، نشأ في المدينة، ورحل إلى الشام، واتصل بأمرائها (
…
- 126 هـ).
(3)
الجلمد: الرجل الشديد الصلب.
- (البرد في الحديقة):
هزّ النسيم غصون الروض في سحر
…
كما يهز بنانُ الغادة الوترا (1)
لذّ الحفيف على سمع الغمام أما
…
تراه يحثو على أدواحه دُررا (2)
- (العيد في برلين):
قيلت في برلين عندما أدركه عيد الفطر هناك:
أسِوارٌ من عسجد وجُمانِ
…
تقتنيه الحسان في الأقراط (3)
أم هلال حفته في ليلة العيـ
…
ـد نجوم ببهجة واغتباط
هذه طلعة الهلال وما لي
…
لم أجد في الفؤاد بعضَ انبساطي
يوم عيد وما تفتق كِمٌّ
…
عن أنيس ولو كسَمٍّ الخياط (4)
ما تملى سمعي تهانئ صيغت
…
في قلوب موصولةٍ بنياطي (5)
أين جيراننا وأين المصلى
…
وخطيبٌ يهدي لخير صراطِ (6)
أين مني شفيقةُ القلب تُهدي
…
دعواتِ مثلَ الظباء عواطي (7)
(1) البنان: أطراف الأصابع، الواحدة: بنانة. الغادة: المرأة الناعمة اللينة الأعطاف.
(2)
الحفيف: صوت أغصان الشجر. يحثو التراب: هاله بيده.
(3)
العسجد: الذهب. الجمان: اللؤلؤ. الأقراط: جمع قرط: ما يعلق في شحمة الأذن من درة ونحوها.
(4)
الكِمُّ: الغلاف الذي ينشق عن الثمر، غطاء الزهر. سم الخياط: ثقب الإبرة، قال تعالى:{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40].
(5)
النياط: الفؤاد.
(6)
الصراط: الطريق.
(7)
شفيقة القلب: يقصد بها والدته السيدة البارة حليمة بنت مصطفى بن عزوز =
لو تقاضيت في اغترابي أمراً
…
نهضت همتي له ونشاطي
لأدرت العِنان نحو دمشقٍ
…
وحمدت السُّرى على الأشواط (1)
- (ثلج في السحر):
تطاول هذا الليل والجو مزبِدٌ
…
تضيق بأمواج الثلوج مسالكُهْ
كأني أُذيبُ الصبح بالحدق التي
…
يقلبها وجدي وتلك سبائكُهْ
- (الملك الطبيعي أو راعي الغنم):
قيلت في قرية "ويزندورف" بضواحي برلين:
تقلَّد الملكَ بين الضَّال والسَّلم
…
وهبَّ يفتحُ من غَورٍ إلى عَلَم (2)
فعرشُه ربوةٌ حاكت خميلتها
…
يد الغمامة إذ جادت بمنسجم (3)
وتاجه الشمس تبدو فوق مفرقه
…
تاج مصونٌ بلا جند وسفك دم (4)
سراجه الكوكب الدُّرِّيُّ يرسل من
…
عليائه بسناً ينساب في الظُّلم
والظَّبي يرقُمُ في طِرْس الفلاة خُطاً
…
أحلى لناظره من جولةِ القلم (5)
صفت مناظر غدرانٍ فكان له
…
فيها مزايا جلاها صاقل النَّسَمِ
= المتوفاة بدمشق في رمضان سنة 1335 هـ. الظباء: الواحد ظبي، وهو الغزال.
(1)
السُّرى: سير عامة الليل. الأشواط: الواحد شوط: الجري مرة إلى الغاية.
(2)
الضال والسلم: من أشجار البادية. الغور: ما انحدر من الأرض، ويقابله النجد، والقعر من كل شيء. العلم: الجبل الطويل.
(3)
الخميلة: الشجر الكثير الملتف حيث كان.
(4)
المفرق: وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر.
(5)
الظبي: الغزال للذكر والأنثى. الطرس: الصحيفة.
وآلةُ الطَّرب الحُملان ترتع في
…
خِصبِ فيسمع منها أطيب النَّغم (1)
عَيناهُ: ذي سارَقَتْ جَفْنَ المها نظراً
…
وتلك ناظرةٌ شزراً إلى الأجم (2)
لم يتَّخذ سامراً يوحي إليه بما
…
يهوى ويخضب بعض الحق بالكَتَم (3)
وما امتطى مركباً كيلا يضايق
…
في مسيره نَفَسَ العجفاء والهرم
ومن تولَّى زمام الأمر في ملأٍ
…
لم يغلُ إن ساسهم سعياً على قدم
- (أحمد الظعن):
قيلت على لسان قلم أهداه لأحد الكتاب بعد عودته من برلين سنة 1334 هـ:
أطوي المراحل من "برلين" في أمل
…
لم يجن زهرته كفُّ الذي قَطَنا (4)
وأحمد الظعنَ إن الظعن أظفرني
…
بأنمل تخدمُ الإسلامَ والوطنا (5)
- ومن أجمل شعره وأبدعة قصيدته التي قالها عند رجوعه من برلين سنة 1337 هـ، وعنوانها:"من برلين إلى دمشق"، وقد ركب الباخرة من ميناء "هامبورغ" في ألمانيا، ورافقه في العودة عدد من المجاهدين، وقضى عشرين
(1) الحملان: جمع الحمل: الصغير من أولاد الضأن.
(2)
المها: جمع المهاة: البقرة الوحشية. الشزر: نظر الغضبان بمؤخر العين، أو النظر عن يمين وشمال. الأجم: جمع الأجمة: الشجر الكثير الملتف، وهي مأوى الأسد.
(3)
السامر: مجلس السمار. الكتم: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه، ويريد الشاعر بذلك: ما يخفي وجه الحق.
(4)
المراحل: جمع مرحلة: المسافة التي يقطعها المسافر في اليوم.
(5)
الظعن: السير. الأنمل: جمع أنملة: رأس الأصبع.
يوماً في البحر حتى وصل إلى ميناء بيروت.
يصف الإمام في هذه القصيدة الرائعة ما لاقاه من مخاطر السفر على الماء، ويتحدث عن الإنكليز، وجفاء طباعهم، ويذكر عند مروره في جبل طارق أرضَ الأندلس، ويحزن عند مروره بإستنبول وقد هوت بعد الهزيمة، ويرى في طرابلس العلم الفرنسي، (وذاك علامة الوطن المهان).
يقول الإمام الشاعر في القصيدة:
سئمت، وما سئمت سوى مُقامي
…
بدارٍ لا يروج بها بَياني
فأزمعتُ الرحيل، وفرط شوقي
…
إلى بردى تحكَّمَ في عِناني
بكرت إلى القطار فسار توّاً
…
إلى مَرسى السَّفين كأُفعوانِ (1)
نهضتُ إلى السَّفينة في رفاق
…
سَلوتُ بأنسهم نُوَبَ الزَّمانِ
وقضَّينا بها عشرين يوماً
…
فلم نلج البلاد ولا المواني
تقلِّبها العواصفُ كيف شاءت
…
وتقذفها بأمواجٍ سمانِ
ألا بُعداً لما تذكيه ريحٌ
…
على الدَّأماءِ من حربٍ عَوانِ (2)
رست بمياه لندنَ وهي قُصوى
…
فلا بَشراً نُحِسُّ ولا المغاني (3)
ووافاها العريف ومُسْعِدوه
…
سراعاً في زوارقَ كالهِجانِ (4)
وأبصرنا جفاء في وجوه
…
مقطِّبة وأَحْداقٍ رواني
(1) مرسى السفين: ميناء هامبورغ بألمانيا.
(2)
الدأماء: البحر. حرب عوان: هي الحرب التي قوتل فيها مرة بعد أخرى.
(3)
لندن: عاصمة إنكلترا. قصوى: بعيدة. المغاني: جمع المغنى: المنزل.
(4)
العريف: القيم بأمر القوم الذي عرف بذلك. الهجان من الإبل: البيض الكرام.
فقل للإنكليز صرعت خصماً
…
وحزت السَّبق في يوم الرهانِ
فخلِّ الشَّرق ينهض مستقلاً
…
فما هو باليؤوس ولا الجبان
أربَّان السفينة قف مليّاً
…
نؤبِّن فاتحاً ثبت الجنان (1)
كأن رياح هذا الصبح مرَّت
…
بأرواح تنعَّم في الجنانِ (2)
أرى جبلاً تسنَّمه قديماً
…
دعاةُ الحقِّ والسُّنن الحسان (3)
وساسوا أرض أندلس بعدل
…
كما صنعوا بأرض القيروان
وما انقلبت إلى الإسبان إلَّا
…
على أيدي المزاهر والقيان
عبرنا الدردنيل ضحىً وجئنا
…
فَروقَ وقد تهاوت في هَوانِ (4)
لمحتُ على الوجوه بها كسوفاً
…
وكدت أرى التَّجَهُّمَ في المباني
يميس بأرضها الحلفاء سكرى
…
وإن لم يحتَسُوا بنتَ الدِّنانِ (5)
ولم أعهد بها إلَّا حصوناً
…
كستها روعة السيف اليماني
برحت فَروقَ مأسوفاً وهذي
…
ربي إزميرَ حالِكةُ الدِّجان (6)
(1) الفاتح: طارق بن زياد. الجنان: القلب.
(2)
الجنان: جمع الجنة: الحديقة ذات الشجر.
(3)
تسَنَّم الشيء: علاه.
(4)
الدردنيل: مضيق الدردنيل يقع بين شبه جزيرتي البلقان وآسية الصغرى، ويصب بحر إيجة ببحر مرمرة. فروق: إستنبول.
(5)
بنت الدنان: الخمر.
(6)
أزمير: مرفأ في تركيا على بحر إيجة. الدِّجان: جمع الدّخن: إلباس الغيم الأرض وإقطار السماء.
يجوسُ خلالها اليونانُ مَرحى
…
مِراحَ الفُرسِ يومَ المهرجانِ (1)
فيا نكدي يسوس الخصمُ أمري
…
وكنتُ أذقته حرَّ الطعانِ
قصدت إلى الشَّآمِ ولست أدري
…
أيقسو أم يلين بها زماني
وللإفرنجِ في بيروتَ عينٌ
…
يُسمَّى من يُساجِلُهم بجاني (2)
وصلت إلى طرابلسٍ وحيداً
…
أعاني بالتنكّرِ ما أعاني (3)
يَشينُ قِبابها علمٌ غريبٌ
…
وذاك علامةُ الوطن المُهانِ
هلمَّ حقيبتي لأحُطَّ رحلي
…
فنفخُ زهورِ جِلَّق في تداني
فخض بي أيها الحادي رُباها
…
وألق عصا التَّرحُّل غير واني (4)
حللتُ بها ولم أفقد ندامى
…
على أدب وعيشاً في ليان (5)
وللأقدارِ في الدُّنيا صروفٌ
…
طويتُ على الحديث بها لساني (6)
- وإليكم هذه الصورة الشعرية، وكأنها لوحة رسام شاعر:
(سرق الغمام):
سرق الغمام اليوم ظلي بعد أن
…
رسمته في "لنداو" شمس ضحاها (7)
(1) المراح: التبختر والاختبال.
(2)
العين: الجاسوس. ساجل: بارى وفاخر وعارض.
(3)
طرابلس: مدينة ساحلية في لبنان.
(4)
الواني: الضعيف البدن.
(5)
ليان: رخاء العيش ونعيمه.
(6)
الصروف: جمع الصرف: حدثان الدهر ونوائبه.
(7)
لنداو: قرية ألمانية على بحيرة بودن قرب برلين.