الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعاون عند قوله: "ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وافترقا عليه"، وشاهدنا من الحاضرين رغبة مفرطة، وإقبالاً زائداً على تلقي التعاليم الدينية.
*
قسنطينة:
بارحت "عين البيضاء" في الساعة السادسة صباحاً، فوصلنا "قسنطينة" بعد مسير الرتل ست ساعات تقريباً، وأعدنا الاستطلاع على بعض معالمها الدينية، وآثارها القديمة والحديثة. بهذه المدينة مدرسة إسلامية معدة لتخريج القضاة والعدول، وثلاثة جوامع تقام فيها الجمعة: الجامع الكبير، والجامع الأخضر، والآخر يسمى: بجامع سيدي الكتاني، وفي هذا الجامع منبر من الرخام مرقوم فيه بيت من الشعر يتضمن اسم مؤسسه، وتاريخ تأسيسه، وهو:
بنى منبراً بالعزّ والنصر صالح
…
له سبل الخيرات تاريخه رشد (1)
وأسس الجامع الأخضر سنة 1256 هـ، وبها مكتبة عمومية تحتوي على عدة من الكتب المطبوعة المتداولة. والتقينا بأشهر علمائها الشيخ حمدان بن الونيسي الذي كان زار الحاضرة منذ عهد قريب. والعالم الشيخ أحمد بن الحبيبات، وهو رجل عليه سمة أهل الخير والصلاح، ولما حان وقت صلاة العشاء، ذهبت إلى الجامع الكبير، وبعد انقضاء الصلاة، رأيت جماعة مستديرة في جانب من الجامع، والناس يستبقون نحوها زمراً، فأخبرني بعض من معي بأن للشيخ حمدان درساً في التفسير، فدنوت منه، وأصغيت
(1) كلمة رشد مجموع حروفها بحساب الجمل عند المغاربة يساوي ر 200 + ش 1000 + د 4 = 1204
إليه، فإذا هو يقرئ في قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106} الآية. بتفسير الخازن.
وبعد أن تم الدرس، تقدم إلينا بعض الطلبة الذين سبقت لهم بنا معرفة مسترشداً عن مسائل، منها: كيف يجمع بين قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]؟
فكان الجواب: أن الله لا يؤاخذ أحداً بزلة أحد، وإنما يستحق العقوبة صاحب الذنب، إلا أن الله فرض على كل مسلم رأى منكراً أن يغيره، فإذا لم يفعل ما استطاع من تغييره، وسكت، كان عاصياً، فينخرط مع صاحب الذنب في العقوبة، أحدهما بفعله، والآخر برضاه. قال تعالى:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79].
فالفتنة في الواقع لا تصيب إلا صاحب الذنب، كما قال عمر رضي الله عنه: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عملوا المنكر جهاراً، استحقوا العقوية.
واجتمعنا بأحد الثقات من بلد "المسيلة"، فحكى لنا أن بعض الطلبة في تلك الجهة يعمل في صيامه بقواعد الحساب، وتارة يؤم الناس في صلاة العيد وهو صائم، فقلنا: ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا غمّ عليكم، فاقدروا له"، فذهب مطرف بن عبد الله أحدُ التابعين إلى أنّ معنى "اقدروا له": احسبوا له بحساب المنجمين، واستدل بقوله تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
والحق أن معنى "اقدروا": أكملوا العدد ثلاثين، بدليل رواية:"فإن غمّ عليكم، فكملوا العدد ثلاثين"، ثم إن الشرع مبني على ما تعلمه الجماهير،