الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا
…
ولم تدر أني للمقام أطوفُ
وقال ابن دراج:
ألم تعلمي أن الثواء هو النوى
…
وأن بيوت العاجزين قبور
ويروى: أن المأمون أراد الخروج في بعض الحروب، فوقفت له جارية ممن شغف بهن، ورغبت إليه أن لا يخرج، فقال: لولا قول جرير:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
…
دون النساء ولو باتت بأطهارِ
لما خرجت.
*
فوائد الرحلة:
إذا درسنا تاريخ العلماء والأدباء الذين رحلوا عن أوطانهم، ووجهنا النظر إلى ما نتج عن رحلاتهم من فوائد تعود عليهم أنفسهم، أو على قومهم، أو على الأوطان التي نزلوا بها، وقفنا على فوائد كثيرة يقدرها الباحثون عن وسائل رقي الأفراد والجماعات.
*
أثر الرحلة في حياة الراحل:
من أنفس ما يكسبه الرجل في رحلته: أن يعلم أشياء لم يكن يعلمها من قبل، فكم من عالم لم يبلغ المقام الذي يشار إليه بالبنان إلا بالرحلة! ولابن خلدون في "المقدمة" مقالة افتتحها بقوله:"إن الرحلة في طلب العلم ولقاء الأساتذة مزيد كمال من التعلم"، وختمها بقوله:"فالرحلة لابد منها في العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ والتلقي عن الرجال".
وفي الرحلة عون على التمكن من بعض الأخلاق السامية، مثل: خلق
الصبر؛ لكثرة ما يلاقيه الراحل من متاعب بدنية، وآلام نفسية، ومثل: أدب المداراة؛ فإن البعيد عن وطنه أشد شعوراً بالحاجة إلى هذا الأدب ممن يعيش بين قوم يعرفون من حسبه ومكانة بيته ما يجعل صراحته خفيفة على أسماعهم.
ولا يخلو الراحل من أن يلاقي في رحلته رجالاً صاروا مثلاً عالية في مكارم الأخلاق، فيزداد بالاقتداء بهم كمالاً على كمال.
بقي يحيى بن يحيى بن بكير النيسابوري عند مالك بعد أن أتم الرواية عنه، وقال: أقمت لأستفيد من شمائله.
وقد يرى الرجل في وطنه سلطاناً طاغياً، وحكماً جائراً، فيتخلص بالرحلة إلى بلد يكون مجال الحرية فيه أوسع.
كان أَبو جعفر أحمد بن صابر القيسي كاتباً للأمير أبي سعيد فرج بن الأحمر ملك الأندلس، فكان يرفع يديه في الصلاة على ما صح في الحديث، فبلغ ذلك السلطان، فتوعده بقطع يده، فقال: إقليم تمات فيه سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يتوعد بقطع اليد عليها، لجدير أن يرحل منه، فخرج، وقدم مصر.
وقد ينشأ الفتى في نبوغ، ويضيق بلده عن أنظاره الواسعة، فيرحل إلى مدينة تكون أوسع مجالاً للآراء الخطيرة، فتعظم مكانته، ويكثر الانتفاع بحكمته، ولولا الرحلة، لما عظم شأنه، ولما كثرت ثمرات نبوغه.
أذكر أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام مر عند خروجه من الشام بالكرك، فتلقاه صاحبها، وسأله الإقامة عنده، فقال له الشيخ: بلدك صغير عن علمي. وتوجه إلى القاهرة.
وأسوق شاهداً على هذا: أن القاضي يوسف بن أحمد بن كج الدينوري
قد بلغ في العلم مرتبة كبيرة، وقال له بعض من لقيه: يا أستاذ! الاسم لأبي حامد الغزالي، والعلم لك، فقال القاضي: ذاك رفعته بغداد، وأنا حطتني الدينور.
وقد تكون رحلة العالم أو الأديب من أسباب ظهور علمه أو أدبه، وانتشاره في الآفاق.
قال الأديب أَبو بكر المعروف بابن بقي:
ولي همم ستقذف بي بلاداً
…
نأت إما العراق أو الشآما
لكيما تحمل الركبان شعري
…
بوادي الطلح أو وادي الخزامى
وكيما تعلم الفصحاء أني
…
خطيب علّم السجع الحماما
وقد أطلعتهن بكل أرض
…
بدوراً لايفارقن التماما
وربما أدرك الرجل في وطنه ضيق عيش يخشى أن يعوقه عن الازدياد من العلم، أو التفرغ لنشره بالتدريس والمذاكرة، فيرحل حيث يلقى كفافاً أو يساراً يساعده على أن يقبل على الدرس والبحث بنفس مطمئنة.
رحل القاضي عبد الوهاب بن نصر من بغداد إلى مصر، ونبه على سبب رحلته فقال:
سلامٌ على بغداد في كل موطنٍ
…
وحوّلها مني السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها على قلى لها
…
وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ بأسرها
…
ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكذلك قال أَبو سعد النبرماني:
فقد سرت في شرق البلاد وغربها
…
وطوّفت خيلي بينها ورِكابِيا