المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: بم يدرك حسن الأفعال وقبحها والثواب عليها والعقاب عند المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: أفعال التولد

- ‌المبحث الخامس: رأي المعتزلة في اللطف والصلاح والأصلح ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: مسالة اللطف

- ‌المطلب الثاني: مسألة الصلاح والأصلح

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في بعثة الرسل

- ‌الفصل الرابع: الأصل الثالث الوعد والوعيد

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في الوعد

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الوعد مع المناقشة

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوعيد

- ‌المطلب الأول: شبهات المعتزلة التي أيدوا بها رأيهم في الوعيد مع المناقشة:

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الشفاعة ورأي المعتزلة فيها

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الشفاعة مع المناقشة

- ‌المبحث الرابع: الإحباط والتكفير عند المعتزلة ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإحباط

- ‌الفصل الخامس: الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين

- ‌الفصل السادس: الأصل الخامس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقسامه

- ‌المطلب الأول: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة وأقسامه:

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكم الخروج على السلطان وقتال المخالف لهم، وهل يفرقون بين قتال الكافر والفاسق

- ‌المبحث الثالث: مناقشة رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان رأي أهل السنة:

- ‌المبحث الأول: حقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابع: منهج المعتزلة في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد

- ‌المبحث الأول: منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من السنة

- ‌المبحث الثالث: صور من انحرافات المعتزلة عن السنة

- ‌المبحث الأول: التطور الفكري للمعتزلة

- ‌المبحث الثاني: التطور السياسي للمعتزلة

- ‌المطلب الأول: نشأة الفرقة وتكونها في العصر الأموي

- ‌المطلب الثاني: المعتزلة في العصر العباسي

- ‌المطلب الثالث: المعتزلة بعد المتوكل

- ‌المطلب الرابع: المعتزلة في عصر البويهيين

- ‌المبحث الأول: وظيفة العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مجال العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نشأة الفرق العقلية

- ‌المبحث الرابع: مفهوم العقل عند المعتزلة

- ‌المبحث الخامس: من مباحث المعتزلة المجافية للعقل والمخالفة للسنة

- ‌المبحث الأول: موقف المعتزلة من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثاني: أثر أصولهم الخمسة العقدية في آرائهم الأصولية

- ‌المبحث الثالث: مناقشة المعتزلة في خوارق العادات

- ‌المبحث الرابع: موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل

- ‌المبحث الخامس: ذكر ما حرفت المعتزلة من معاني التنزيل لإبطال صفة الكلام

- ‌المبحث السادس: بين المعتزلة والقدرية والجهمية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نماذج من تأويلات المعتزلة لنصوص الصفات والقدر

- ‌المطلب الثاني: مقارنة بين منهج المعتزلة ومنهج الجهمية في التأويل

- ‌المطلب الثالث: ذكر شبه المعتزلة في القول بخلق القرآن ونقضها

- ‌المطلب الرابع: أفول المدرسة العقلية القديمة:

- ‌المطلب الخامس: موقف السلف من المعتزلة وتأويلاتهم

- ‌المبحث الثامن: المعتزلة في ميزان أئمة السلف

- ‌المبحث الأول: المدرسة العقلية الحديثة وفكر الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: نشأة المدرسة العقلية الحديثة

- ‌المطلب الأول: جمال الدين الأفغاني

- ‌المطلب الثاني: محمد عبده

- ‌المبحث الرابع: أثرها في الفكر الإسلامي الحديث

- ‌المبحث الخامس: موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية

- ‌المبحث السادس: موقف علماء المسلمين منهم

- ‌المبحث السابع: موقف الاستعمار البريطاني منهم واعترافه بما قدموه له من خدمات

- ‌النتيجة

- ‌الخاتمة

- ‌الفصل الأول: وجود الخوارج في الماضي والحاضر

- ‌المبحث الأول: تعريف الخوارج لغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الخوارج اصطلاحا

- ‌الفصل الثالث: نشأة الخوارج

- ‌الفصل الرابع: أسماء الخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: النزاع حول الخلافة

- ‌المبحث الثاني: قضية التحكيم

- ‌المبحث الثالث: جور الحكام وظهور المنكرات بين الناس

- ‌المبحث الرابع: العصبية القبلية

- ‌المبحث الخامس: العامل الاقتصادي

- ‌المبحث السادس: الحماس الديني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نشأة فرق الخوارج وأسبابها

- ‌المبحث الثاني: مناهج مؤرخي الفرق في ذكر فرق الخوارج

- ‌المطلب الأول: المحكمة

- ‌المطلب الثاني: الأزارقة

- ‌المطلب الثالث: النجدات

- ‌المطلب الرابع: الإباضية

- ‌المطلب الخامس: البيهسية

- ‌المطلب السادس: الصفرية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حركات الخوارج على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النهروان

- ‌المبحث الثاني: حركات الخوارج الثورية ضد الحكم الأموي

- ‌المبحث الثالث: حركات الخوارج الثورية على الدولة العباسية

- ‌المبحث الأول: شجاعتهم وسرعة اندفاعهم

- ‌المبحث الثاني: مبالغتهم في العبادة والزهد

- ‌المبحث الثالث: فصاحتهم وقوة تأثيرهم

- ‌المبحث الرابع: صدقهم في الحديث

- ‌المبحث الخامس: ميلهم إلى الجدل وقوتهم فيه

- ‌المطلب الأول: بين العقل والشرع في التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: بين ظاهر النص والتأويل

- ‌تمهيد

- ‌1 - صفات الله تعالى

- ‌2 - رؤية الله تعالى

- ‌3 - القول بخلق القرآن

- ‌4 - القدر

- ‌1 - وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة

- ‌2 - عذاب القبر

- ‌3 - الشفاعة

- ‌4 - الميزان

- ‌5 - الصراط

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حقيقة الإيمان

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

- ‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

- ‌المطلب الثالث: حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية

- ‌المطلب الرابع: وجوب الوعد والوعيد

- ‌المطلب الخامس: أدلة الخوارج على تكفير العصاة والرد عليها

- ‌أ- أدلتهم من الكتاب والرد عليها:

- ‌ب- أدلة الخوارج من السنة والرد عليها:

- ‌المطلب السادس: أدلة الإباضية على تكفير المذنبين كفر نعمة والرد عليها

- ‌المطلب السابع: تعقيب على آراء الخوارج في أمر العصاة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الإمامة

- ‌المطلب الثاني: وحدة الإمامة

- ‌المطلب الثالث: شروط الإمام

- ‌المطلب الرابع: محاسبة الإمام والخروج عليه

- ‌المطلب الخامس: رأي الخوارج في إمامة المفضول

- ‌المطلب السادس: رأي الخوارج في إمامة المرأة

- ‌المطلب السابع: الفرق بين الخوارج والشيعة في الإمامة

- ‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تمهيد:

- ‌أ- القول بعدم جواز التقية

- ‌ب- القول بجواز التقية قولا وعملا

الفصل: ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

وبناءً على ما قدمنا من أن الخوارج يقولون باعتبار العمل جزءاً من الإيمان، يقوم رأيهم في مسألتي زيادة الإيمان ونقصه وحكم مرتكب الكبيرة، وسوف نبين رأيهم في حكم مرتكب الكبيرة في الفصل التالي.

أما فيما يتعلق بالمسألة الأولى وهي زيادة الإيمان ونقصه، فإن الخوارج ينقسمون فيها إلى فريقين: الإباضية منهم بصفة خاصة، وبقية غيرهم من الخوارج بصفة عامة، فغير الإباضيين من الخوارج يرون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو إما أن يبقى كله، وإما أن يذهب كله (8)، وذهاب الإيمان عندهم يكون بنقص بعض الأعمال، أو ارتكاب بعض الكبائر، وعلى هذا فإن نقص البعض يؤدي إلى ذهاب الكل في نظرهم.

وقد سبق أن ذكرنا عند عرضنا لحقيقة الإيمان عندهم ما أثبته ابن حزم عنهم من أنهم "يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال"، أي أنه ليس هناك زيادة ولا نقص فيه. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض بيانه لأهل البدع في زيادة الإيمان ونقصانه:"وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان، فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله، لم يبق منه شيء، ثم قالت الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق، كما قال أهل الحديث، قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء، فيخلد في النار"(1).

ويستطرد ابن تيمية في هذا الموضوع، ويكرر أن رأي الخوارج هو القول بذهاب الإيمان جملة عن أهل الذنوب، وأنهم متى خرجوا عن الإيمان خرجوا عن الإسلام أيضاً، إذ لا فرق بين الإسلام والإيمان عندهم فيقول: "وأما الخوارج والمعتزلة فيخرجونهم من اسم الإيمان والإسلام، فإن الإيمان والإسلام عندهم واحد، فإذا خرجوا عندهم من الإيمان خرجوا من الإسلام.

ومما يجدر ذكره هنا أن الخوارج وإن أشبهوا المعتزلة في قولهم بعدم زيادة الإيمان ونقصه، وخروج مرتكب الكبيرة من مفهوم الإيمان، إلا أن المعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين، ويحكمون عليه بالخلود في النار، وأما الخوارج فإنهم يحكمون عليهم بالكفر، كما سنفصل رأيهم بعد قليل في حكم مرتكب الكبيرة. ويقول بدر الدين الحنبلي في مختصره لفتاوى ابن تيمية عن رأي الخوارج في زيادة الإيمان ونقصه:"فأولئك – يعني بهم الخوارج والمعتزلة – اعتقدوا أن الإيمان متى ذهب بعضه ذهب جميعه"(2).

وعلى هذا فإن الإيمان عندهم لا ينقص بالمعصية، بل إن الشخص يخرج عن الإيمان ويحبط ما قدم من خير بمجرد أن يرتكب أي كبيرة؛ لأن الإيمان إما أن يبقى جملة أو يذهب جملة، فلا زيادة ولا نقص ولا مغفرة لكبيرة، فهي تهدم الإيمان ولا تنقصه. كما يقول أيضاً في تأكيد ما سبق:"وخالف الخوارج والمعتزلة فقالوا: إن من أتى كبيرة استحق العقوبة حتماً، فتحبط جميع حسناته بتلك الكبيرة، ويستحق التخليد في النار، لا يخرج منها بشفاعة ولا غيرها"(3).

(1)[8499])) ((الإيمان)) (ص 186)

(2)

[8500])) ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص 204)

(3)

((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص 576)

ص: 433

أما الفريق الثاني من الخوارج – وهم الإباضية كما قلنا – فإنهم يرون أن الإيمان يزيد وينقص، وهم بذلك يخالفون عامة الخوارج، ويتفقون في هذا القول مع مذهب السلف، ومن يذهب إليه من غيرهم من المتكلمين. يقول علي يحيى معمر الإباضي:"يرى الأشاعرة أن الإيمان يزيد وينقص، ويرى الحنفية وإمام الحرمين أنه لا يزيد ولا ينقص، ويتفق الإباضية مع الأشاعرة في هذه المقالة"(1).وقد أورد الربيع بن حبيب في مسنده الجامع الصحيح (وهو أصح كتب الحديث عند الإباضية) هذين الحديثين اللذين يدلان على أن الإيمان يتفاضل، فقال:((وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمن أفضل إيمانا؟ فقال: أحسنهم خلقا)) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:((الإيمان مائة جزء، أعظمها قول: لا إله إلا الله: وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (3).

وسوف نرى عند دراستنا التالية لحكم مرتكب الكبيرة عند الخوارج، كيف أن الإباضية مع موافقتهم في القول بزيادة الإيمان ونقصه للسلف والأشعرين، أنهم وإن لم يحكموا على مرتكب الكبيرة بالكفر كفر ملة كبقية الخوارج إلا أنهم يخالفون السلف والأشعريين، فيحكمون عليه بالكفر كفر نعمة. ولقد كان مقتضى القول بزيادة الإيمان ونقصه أن لا يخرج مرتكب الكبيرة عن حقيقة الإيمان عند الإباضية، وهذا هو ما ذهبوا إليه فعلاً – كما ذهب إليه السلف والأشعريون، إلا أن الإباضية خالفوهم، فقالوا بالحكم عليه بلقب الكفر، وإن لم يكن كفر ملة كما قلنا، وبغض النظر عن ما يبنيه الخوارج من أحكام على ما يرونه في مسألة زيادة الإيمان ونقصه – مما سيكون موضع دراستنا وتعقيبنا قريباً – فإنه يتبين لنا مما سبق أنهم يذهبون في هذه المسألة إلى رأيين:

الرأي الأول: هو القول بعدم زيادته ونقصه، بل هو إما أن يبقى كله أو يذهب كله بذهاب بعضه، وهذا رأي عامة الخوارج.

الرأي الثاني: وهو القول بزيادة الإيمان ونقصه، وهو ما تقول به الإباضية منهم، والواقع أن الحق الذي يؤيده الكتاب والسنة، ويشهد له صحيح المعقول، وتؤكده أقوال السلف في هذه المسألة، هو القول بزيادة الإيمان ونقصه، فإن الناس يختلفون في أداء الأوامر واجتناب النواهي، وفي الرضى بما قدر الله، واليقين به تعالى، والتوكل عليه على درجات يلحظها الشخص في نفسه وفي غيره، ففي بعض الأوقات يحس الإنسان أن إيمانه وثقته بالله أقوى منها في بعض الأحيان.

وهذا هو ما دل عليه كلام الله، وكلام رسول الله، وكلام العلماء من سلف الأمة وخلفها، قال تعالى إخباراً عن المنافقين الذين في قلوبهم مرض في مساءلتهم غيرهم عند نزول الآيات: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124]، وقال تعالى في وصف المؤمنين عندما رأوا الأحزاب من حولهم: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَاّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب: 22]، وقال تعالى مبيناً حالة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما خوفوا من قريش وغيرهم: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران: 173].

(1)((الإباضية بين الفرق)) (ص 441)

(2)

رواه الطبراني في الأوسط (4671) والحاكم (4/ 582) من حديث ابن عمر. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الهيثمي ((مجمع الزوائد)) (5/ 320): رجاله ثقات.

(3)

((الجامع الصحيح)) (3/ 7)

ص: 434

وقال تعالى في السبب الذي من أجله جعل أصحاب النار ملائكة، وفي عدتهم أيضاً وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَاّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: 31]، وقال تعالى في أصحاب الكهف: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13]، وقال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى. والآيات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله تعالى، وإذا ثبتت الزيادة، فإن مقابلها وهو النقص ثابت أيضا؛ لأن ما قبل الزيادة يقبل النقص، وقد استدل البخاري رحمه الله في صحيحه بهذه الآيات، وأثبت أن الإيمان "يزيد وينقص"(1).

وأما الأدلة من الحديث فقد وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تشير إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الناس يتفاضلون فيه. قال صلى الله عليه وسلم:((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) (2). قال علي الحنفي: "والمراد نفي الكمال"((3)، وقد وصف صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين؛ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين (4). فقد وصفهن عليه السلام بنقص الدين، وذلك بسبب نقص الطاعات. قال النووي:"وإذا ثبت هذا، علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه"(5).أما نقص الإيمان بالمعاصي، فقد وردت عدة أحاديث فيها ذكر مجموعة من المعاصي، تنقص إيمان من ارتكب منها واحدا، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) (6)، وفي رواية عن أبي هريرة:((ولا ينتهب نهبة ذات شرف، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)) (7). إلا أن هذا الحديث وما في معناه ليس المراد به نفي الإيمان مطلقاً كما تقول الخوارج، ولكن المقصود به نفي كمال الإيمان. يقول النووي:"فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله"(8).

(1)((صحيح البخاري)) (1/ 17)، وانظر:((شرح الطحاوية)) (ص 288).

(2)

رواه مسلم (44). من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

((شرح الطحاوية)) (ص 290)

(4)

رواه البخاري (304) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومسلم (79) ، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(5)

((شرح النووي)) (1/ 68)

(6)

رواه البخاري (5578)، ومسلم (57).

(7)

رواه مسلم (57).

(8)

((شرح النووي)) (1/ 41)، وانظر:((اللمع)) (ص124)

ص: 435

وورد في الحديث أن الأعمال تتفاضل، وأن بعضها يفضل بعضها، والمفضول يكون ناقصاً عن الفاضل، كما يشير إليه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في روايته الآتية:"قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده".وقد أورده البخاري شاهداً على قبول الإيمان للزيادة والنقص (1)؛ لأنه كما قال ابن حجر: "الإسلام والإيمان عنده مترادفان"(2).ويشهد لهذا أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحيا – أو: الحياة – شك مالك، وهو أحد رواة الحديث- فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية)) (3).وقد وردت عن السلف أقوال كثيرة في زيادة الإيمان ونقصه، أورد منها البخاري ما قاله معاذ لأحد الصحابة:"اجلس بنا نؤمن ساعة"، وقول ابن مسعود:"اليقين الإيمان كله"، وقول ابن عمر:"لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر"(4).

ومثل ما سبق عند البخاري ما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه، حيث قال:"من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص".وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً"(5).

وقد استفاض النقل عن السلف أنهم يرون الإيمان يزيد وينقص. يقول بدر الدين الحنبلي في مختصر الفتاوى، بعد أن عرف الإيمان بأنه قول وعمل – قال: وهو – أي الإيمان – "يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والحسنات وينقص بالفسوق والعصيان"(6).ويقول أيضاً: "والإيمان يتبعض ويتفاضل الناس فيه"(7).ويقول الأشعري في إبانة قول أهل الحق والسنة – إنهم يقولون: إن "الإيمان يزيد وينقص"(8)، وهذا هو ما يذهب إليه أصحاب الحديث وأهل السنة ويقرون به ((9).

وأخيراً نقول: إن ما يراه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص، وأن أهله يتفاضلون فيه كل بما رزقه الله ووفقه وشرح صدره، لذلك هو ما يشهد به العقل ويثبته الواقع، إذ أن من أول البديهيات التي تدل على تفاضل الناس في الإيمان ما يشاهد من إخلاص بعضهم وقوة صبرهم على احتمال أوامر الله ونواهيه بصدر رحب، وطمأنينة تامة، بينما نر البعض الآخر لا يؤدي ما أوجبه الله عليه إلا بكره من نفسه وكسل تام، وهذا أمر ظاهر.

ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم وهم خير الأمة يعرفون تفاضلهم فيه، كما تشهد بذلك أقوالهم، وإنه لمن غير الإنصاف والعدل أن نقول: إن إيمان ويقين أي شخص كان كإيمان أبي بكر ويقينه، وحبه للرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه له، إلا إذا كابرنا الحق وتجنبنا الطريق الواضح، كما هو رأي الخوارج في عدم زيادة الإيمان ونقصه، وقد قدمنا كثيرا من النصوص والبراهين التي تبطل زعمهم هذا، ويكفي دليلاً على بطلانه – بعد تلك الأدلة- ما رتبوه عليه من نتائج خطيرة، كتكفيرهم لعصاة المسلمين، والقول بتخليدهم في النار، واستحلالهم أخذ أموالهم، وسبي نسائهم وذراريهم، كما سنبين هذا في بحث الكبيرة إن شاء الله.

‌المصدر:

الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص258

(1) رواه البخاري (11). ورواه مسلم (42).

(2)

((فتح الباري)) (1/ 55)

(3)

رواه البخاري (22).

(4)

((صحيح البخاري)) (1/ 8). وقال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (1/ 18): لم أقف عليه.

(5)

رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في ((السنة)) (1/ 368). وانظر: ((شرح الطحاوية)) (ص290).

(6)

((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص267)، وانظر ((الإبانة للأشعري)) (ص10).

(7)

((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص142)، وانظر:((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص144)

(8)

((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص10)

(9)

((المقالات)) (1/ 347)

ص: 436