الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مناهج مؤرخي الفرق في ذكر فرق الخوارج
عندما يريد الباحث حصر فرق الخوارج الأصلية منها أو الفرعية يفاجأ بكثرة اختلاف العلماء في ذلك، وذلك لأن كتب الفرق الإسلامية لم تتفق أبدا على تقسيم فرقهم الرئيسية أو الفرعية على عدد معين، فنجد بعضهم يعدها أربعا، وبعضهم يعدها خمسا، وبعضهم يعدها سبعا، وبعضهم يعدها ثماني، وآخرون خمسا وعشرين
…
إلخ.
وهكذا يتباين عددهم عند علماء الفرق، وهذا يعود بالطبع إلى عوامل هامة ومنها:
أن الخوارج كانوا من الفرق الثائرة المضطهدة من جهة خصومهم وهم عامة الناس، الأمر الذي أدى إلى عدم التمكن من الدراسة الدقيقة لفرقهم في عصر خروجهم.
أنهم هم أنفسهم ساهموا في إخفاء أمرهم بحيث أخفوا كتبهم عن أعين الناس؛ إما خوفا عليها منهم أو ضنا بها عنهم وهي قليلة جدا قلة فراغ الخوارج الذين وهبوا كل أوقاتهم للحرب أو الإعداد لها على طول حياتهم.
أنهم لم ينعموا بالاستقرار والهدوء الذي ينتج عنهما نظرهم في العلوم وتحقيقهم لمذهبهم وتأريخهم لفرقهم المختلفة تأريخا مضبوطا يساعد على حصرها حصرا صحيحا.
أنهم كانوا – كما قلنا سابقا – سريعي التفرق؛ إذ حصول أقل سبب تافه كان كافيا لتفرقهم إلى فرق.
ولهذا تشعبت فرقهم واختلط أمرها على المؤرخين.
وقد ذكر العلماء أقوالا كثيرة في ندرة كتبهم وفي صعوبة الوصول إلى حقيقة أمرهم وشكوا من هذا الأمر الذي يوقف الباحث أمام مشكلة هامة، وقد مر بنا الحديث في هذه المسألة في مقدمة الرسالة. وقد نتج عن سرعة تفرقهم لأقل سبب يحدث أن كثر رؤساؤهم وفرقهم كثرة اختلط أمرهم بسببها على المؤرخين، وفي هذا يقول أحمد أمين عنهم: والخوارج لم يكونوا وحدة، ولم يكونوا كتلة واحدة، وإنما كان واضحا فيهم الطبيعة العربية البدوية فسرعان ما يختلفون وينضمون تحت ألوية مختلفة يضرب بعضها بعضا ولو اتحدوا لكانوا قوة في منتهى الخطورة (1).وكذلك يقول الشيخ أبو زهرة؛ فإنه يرجع سبب تفرقهم إلى فرق متباينة إلى " كثرة الاختلاف فيما بينهم وتحيز كل فرقة لما ارتأت وتجمعها حوله حتى صاروا مذاهب وجماعات متباينة" (2). ويقول الأستاذ محمد الطاهر النيفر عنهم: وكانوا كثيري التشاجر فيما بينهم لأتفه الأسباب، وربما كان هذا هو السر في انهزامهم مع قوة شكيمتهم في القتال (3).
وفيما يلي بيان للاختلاف البعيد بين علماء الفرق في عد فرق الخوارج. فالأشعري يرى أنهم أربع فرق: الأزارقة، والنجدات، والإباضية والصفرية. ثم يقول: وكل الأصناف سوى الأزارقة والإباضية والنجدية فإنما تفرعوا من الصفرية " (4).ويشاركه في هذا الحصر ابن عبد ربه، إلا أنه ذكر البهيسية مكان النجدات فهي عنده من فرقهم الكبرى (5)، بينما هي عند غيره فرقة فرعية. ويرى صاحب إبانة المناهج أنها خمس فرق رئيسية وذكر الفرق التي تقدمت عند الأشعري وابن عبد ربه مثبتا أن الكل من كبار فرقهم، ويلاحظ عليه أنه اختلط عليه اسم عبد الله بن إباضي بعبد الله بن يحيى طالب الحق فنسب الإباضية إليه، وهو خطأ تاريخي (6).ويرى البعض أنها سبع فرق رئيسية ومنهم محيي الدين الدبسي حيث أضاف إلى ما تقدم في إبانة المناهج فرقة المحكمة والعجاردة (7)، وذكر أن فروع الإباضية عنده أربع فرق والعجاردة عشر فرق، ومثله الشاطبي فهو يعدها سبع فرق وهي: المحكمة، والبيهسية، والأزارقة، والحراث، والعبدية، والإباضية.
(1)((فجر الإسلام)) (ص 259).
(2)
((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (ص 80).
(3)
((أهم الفرق الإسلامية)) (ص61).
(4)
((مقالات الأشعري)) (1/ 183).
(5)
((العقد الفريد)) (2/ 391).
(6)
((إبانة المناهج)) (ص 155).
(7)
((رسالة الدبس)) في فرق الشيعة والخوارج وتكفير غلاتهم (ص26).
والغريب في هذا التقسيم ذكر فرقة الحراث فلم يذكرها غيره في فرق الخوارج لا الرئيسية ولا الفرعية. وجوز الشيخ محمد رشيد رضا أن تكون هي النجدات وقد صحفها النساخ. وأيضا ذكر الشاطبي العبدية وهي كذلك مذكورة عند المؤرخين في فرق الخوارج، إلا أن يكون قصده المعبدية فهي وإن كانت من فرق الخوارج إلا أنها فرقة فرعية صغيرة من فرق الثعالبة، وقد ذكرها هو نفسه بأنها من فرق الثعالبة حين ذكر تقسيم الثعالبة، وقد قسم الإباضية إلى أربع فرق، والعجاردة إلى إحدى عشرة فرقة، والثعالبة التي هي إحدى فرق العجاردة أربع فرق (1).ويعدها الشهرستاني ثماني فرق وهي كبار فرق الخوارج عنده مضيفا إلى ما ذكره الدبس فرقة الثعالبة بأنها من فرقهم الكبار، وبعد أن ذكر تلك الفرق قال:" والباقون فروعهم "(2).أما البغدادي فقد أوصلها إلى عشرين فرقة ذاكرا لها جميعا في موضعين من كتابه (الفرق بين الفرق)، وكان ذكره لفرق الخوارج في كل منهما عاما؛ لم يبين الفرق التي يعتبرها أصولا ولا الفرق التي يعتبرها فروعا، وإنما قال:" وأما الخوارج فإنها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها "(3). ثم شرع في بيان تلك الأسماء سردا. أما عند الرازي فهم إحدى وعشرون فرقة (4)، بينما هم عند الملطي خمس وعشرون فرقة (5).
وهكذا يجد الباحث نفسه أمام اختلاف العلماء في هذا العدد الكثير من فرق الخوارج، كل واحد قد اختار لنفسه العدد الذي وصل إليه اجتهاده ونظره، ولقد صدق الأستاذ الغرابي حين قال:" ونتيجة لما تقدم من أن الخوارج يكونون على رأي واحد ثم لا يلبث أن يحصل بينهم خلاف على رأي فينقسمون ويخرجون على إمامهم – قد انقسمت الخوارج إلى فرق كثيرة لم يتفق المؤرخون على عددهم ".
ويقول: " والحق أنه لا يمكن معرفة فرق الخوارج ولا ضبطها؛ لأن الخلافات كانت توجد بينهم على أقل شيء ". ويقول أيضا: " وأنه كما قلت ليس من السهل الاتفاق على كيفية تقسيم فرق الخوارج وأيها فروع، كما أنه ليس من السهل ضبط عدد فرقها كذلك لكثرة اختلافاتها وتقلباتها وخروج بعضها على بعض لأمر قد يكون بسيطا "(6).
وعلى كل فسوف أقدم هنا تعريفا موجزا بجميع الفرق التي ذكرها المؤرخون سواء ما اتفقوا على ذكره أو اختلفوا فيه، وسواء ما اتفقوا كذلك على كونه أصليا أو فرعيا وما اختلفوا فيه، مركزين على الجانب التاريخي لكل فرقة، أما آراؤهم فموضعها القسم الثاني من هذا البحث إن شاء الله.
المصدر:
الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص193
(1)((الاعتصام)) (2/ 219).
(2)
((الملل والنحل)) (1/ 115).
(3)
((الفرق بين الفرق)) (ص24، 72).
(4)
((اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)) (ص46، 72).
(5)
((التنبيه والرد)) (ص167).
(6)
((تاريخ الفرق الإسلامية)) (ص266، 268، 271).