المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - صفات الله تعالى - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: بم يدرك حسن الأفعال وقبحها والثواب عليها والعقاب عند المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: أفعال التولد

- ‌المبحث الخامس: رأي المعتزلة في اللطف والصلاح والأصلح ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: مسالة اللطف

- ‌المطلب الثاني: مسألة الصلاح والأصلح

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في بعثة الرسل

- ‌الفصل الرابع: الأصل الثالث الوعد والوعيد

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في الوعد

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الوعد مع المناقشة

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوعيد

- ‌المطلب الأول: شبهات المعتزلة التي أيدوا بها رأيهم في الوعيد مع المناقشة:

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الشفاعة ورأي المعتزلة فيها

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الشفاعة مع المناقشة

- ‌المبحث الرابع: الإحباط والتكفير عند المعتزلة ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإحباط

- ‌الفصل الخامس: الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين

- ‌الفصل السادس: الأصل الخامس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقسامه

- ‌المطلب الأول: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة وأقسامه:

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكم الخروج على السلطان وقتال المخالف لهم، وهل يفرقون بين قتال الكافر والفاسق

- ‌المبحث الثالث: مناقشة رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان رأي أهل السنة:

- ‌المبحث الأول: حقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابع: منهج المعتزلة في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد

- ‌المبحث الأول: منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من السنة

- ‌المبحث الثالث: صور من انحرافات المعتزلة عن السنة

- ‌المبحث الأول: التطور الفكري للمعتزلة

- ‌المبحث الثاني: التطور السياسي للمعتزلة

- ‌المطلب الأول: نشأة الفرقة وتكونها في العصر الأموي

- ‌المطلب الثاني: المعتزلة في العصر العباسي

- ‌المطلب الثالث: المعتزلة بعد المتوكل

- ‌المطلب الرابع: المعتزلة في عصر البويهيين

- ‌المبحث الأول: وظيفة العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مجال العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نشأة الفرق العقلية

- ‌المبحث الرابع: مفهوم العقل عند المعتزلة

- ‌المبحث الخامس: من مباحث المعتزلة المجافية للعقل والمخالفة للسنة

- ‌المبحث الأول: موقف المعتزلة من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثاني: أثر أصولهم الخمسة العقدية في آرائهم الأصولية

- ‌المبحث الثالث: مناقشة المعتزلة في خوارق العادات

- ‌المبحث الرابع: موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل

- ‌المبحث الخامس: ذكر ما حرفت المعتزلة من معاني التنزيل لإبطال صفة الكلام

- ‌المبحث السادس: بين المعتزلة والقدرية والجهمية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نماذج من تأويلات المعتزلة لنصوص الصفات والقدر

- ‌المطلب الثاني: مقارنة بين منهج المعتزلة ومنهج الجهمية في التأويل

- ‌المطلب الثالث: ذكر شبه المعتزلة في القول بخلق القرآن ونقضها

- ‌المطلب الرابع: أفول المدرسة العقلية القديمة:

- ‌المطلب الخامس: موقف السلف من المعتزلة وتأويلاتهم

- ‌المبحث الثامن: المعتزلة في ميزان أئمة السلف

- ‌المبحث الأول: المدرسة العقلية الحديثة وفكر الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: نشأة المدرسة العقلية الحديثة

- ‌المطلب الأول: جمال الدين الأفغاني

- ‌المطلب الثاني: محمد عبده

- ‌المبحث الرابع: أثرها في الفكر الإسلامي الحديث

- ‌المبحث الخامس: موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية

- ‌المبحث السادس: موقف علماء المسلمين منهم

- ‌المبحث السابع: موقف الاستعمار البريطاني منهم واعترافه بما قدموه له من خدمات

- ‌النتيجة

- ‌الخاتمة

- ‌الفصل الأول: وجود الخوارج في الماضي والحاضر

- ‌المبحث الأول: تعريف الخوارج لغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الخوارج اصطلاحا

- ‌الفصل الثالث: نشأة الخوارج

- ‌الفصل الرابع: أسماء الخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: النزاع حول الخلافة

- ‌المبحث الثاني: قضية التحكيم

- ‌المبحث الثالث: جور الحكام وظهور المنكرات بين الناس

- ‌المبحث الرابع: العصبية القبلية

- ‌المبحث الخامس: العامل الاقتصادي

- ‌المبحث السادس: الحماس الديني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نشأة فرق الخوارج وأسبابها

- ‌المبحث الثاني: مناهج مؤرخي الفرق في ذكر فرق الخوارج

- ‌المطلب الأول: المحكمة

- ‌المطلب الثاني: الأزارقة

- ‌المطلب الثالث: النجدات

- ‌المطلب الرابع: الإباضية

- ‌المطلب الخامس: البيهسية

- ‌المطلب السادس: الصفرية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حركات الخوارج على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النهروان

- ‌المبحث الثاني: حركات الخوارج الثورية ضد الحكم الأموي

- ‌المبحث الثالث: حركات الخوارج الثورية على الدولة العباسية

- ‌المبحث الأول: شجاعتهم وسرعة اندفاعهم

- ‌المبحث الثاني: مبالغتهم في العبادة والزهد

- ‌المبحث الثالث: فصاحتهم وقوة تأثيرهم

- ‌المبحث الرابع: صدقهم في الحديث

- ‌المبحث الخامس: ميلهم إلى الجدل وقوتهم فيه

- ‌المطلب الأول: بين العقل والشرع في التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: بين ظاهر النص والتأويل

- ‌تمهيد

- ‌1 - صفات الله تعالى

- ‌2 - رؤية الله تعالى

- ‌3 - القول بخلق القرآن

- ‌4 - القدر

- ‌1 - وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة

- ‌2 - عذاب القبر

- ‌3 - الشفاعة

- ‌4 - الميزان

- ‌5 - الصراط

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حقيقة الإيمان

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

- ‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

- ‌المطلب الثالث: حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية

- ‌المطلب الرابع: وجوب الوعد والوعيد

- ‌المطلب الخامس: أدلة الخوارج على تكفير العصاة والرد عليها

- ‌أ- أدلتهم من الكتاب والرد عليها:

- ‌ب- أدلة الخوارج من السنة والرد عليها:

- ‌المطلب السادس: أدلة الإباضية على تكفير المذنبين كفر نعمة والرد عليها

- ‌المطلب السابع: تعقيب على آراء الخوارج في أمر العصاة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الإمامة

- ‌المطلب الثاني: وحدة الإمامة

- ‌المطلب الثالث: شروط الإمام

- ‌المطلب الرابع: محاسبة الإمام والخروج عليه

- ‌المطلب الخامس: رأي الخوارج في إمامة المفضول

- ‌المطلب السادس: رأي الخوارج في إمامة المرأة

- ‌المطلب السابع: الفرق بين الخوارج والشيعة في الإمامة

- ‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تمهيد:

- ‌أ- القول بعدم جواز التقية

- ‌ب- القول بجواز التقية قولا وعملا

الفصل: ‌1 - صفات الله تعالى

‌1 - صفات الله تعالى

هذه المسألة لم أجد فيما تيسر لي الاطلاع عليه من كتب علماء الفرق بياناً لرأي الخوارج فيها بصفة عامة.

وقد ذكر الشهرستاني عن فرقة الشيبانية قولاً لأبي خالد زياد بن عبد الرحمن الشيباني في صفة العلم لله أنه قال: ((إن الله لم يعلم حتى خلق لنفسه علما، وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها)) (417).

وأما بالنسبة لفرقة الإباضية بخصوصهم –فقد تبين من أقوال علمائهم أنهم يقفون منها موقف النفي أو التأويل؛ بحجة الابتعاد عن اعتقاد المشبهة فيها كما تقدم.

وموضوع الصفات والبحث فيها يحتاج إلى دراسة مستقلة، وبالرجوع إلى أي كتاب من كتب السلف يتضح الحق فيها بكل يسر وسهولة.

وأما بالنسبة لما ذكر عن رأي زياد بن عبد الرحمن أو الإباضية؛ فلا شك أنه لا يتفق مع المذهب الحق- مذهب السلف- ولو كان الأمر يخص زياد بن عبد الرحمن وحده لما كان له أدنى أهمية، ولكن الأمر أخطر من ذلك، فقد اعتقدت الجهمية ذلك أيضاً. وبطلان هذا القول ظاهر والتناقض فيه واضح.

فإن صفات الله عز وجل قديمة بقدمه غير مخلوقة، وما يخلق الله من الموجودات فإنما يخلقه عن علم وإرادة؛ إذ يستحيل التوجه إلى الإيجاد مع الجهل، ثم كيف علم الله أنه بغير علم حتى يخلق لنفسه علماً؟ هذا تناقض ظاهر.

لم أجد- فيما اطلعت عليه – من كتب علماء الفرق بياناً لرأي الخوارج في الصفات الإلهية بصفة عامة والصفات الخبرية بصفة خاصة، اللهم إلا ما ذكره الشهرستاني عن رأي فرقة الشيبانية في صفة العلم بقوله:"وينقل عن زياد بن عبد الرحمن الشيباني ابن خالد أنه قال: إن الله تعالى لم يعلم حتى خلق لنفسه علماً، وإن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها"(1).

وبطلان هذا القول ظاهر؛ فصفات الله قديمة بقدمه غير مخلوقة وما يخلق الله من الموجودات إنما يخلقه عن علم وإرادة، فيستحيل التوجيه إلى الإيجاد مع الجهل، ثم كيف علم الله أنه بغير علم حتى يخلق لنفسه علماً؟! هذا تناقض ظاهر.

وأما الإباضية فقد رجعنا إلى كتبهم هم أنفسهم لنرى رأيهم في الصفات الإلهية، فتبين لنا أنهم يقفون منها موقف النفي أو التأويل بحجة الابتعاد عن اعتقاد المشبهة فيها، ويرون أن إثباتها يؤدي إلى التشبيه المذموم الذي حذروه – بزعمهم- بينما هو لم يخطر على بال الصحابة الذين تلقوا تعليمهم الصافي من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم طرياً قبل أن تعرف تلك التعقمات الباطلة والخوض في تلك المهامه المقفرة من علم الكلام. وخلاصة القول ما يذهب إليه الإباضية في هذا المقام هو أنهم يرجعون صفات العلم والقدرة والإرادة .. إلخ تلك الصفات التي أثبتها الله لنفسه، والتي هي صفات كمال، من لم يتصف بها كان فيه من النقص والعيب ما لا يدرك إلا في الجمادات - أرجعوا تلك الصفات، إلى الذات فقالوا: إنه عالم بذاته وقادر بذاته .. وهكذا، كما يقول صاحب كتاب (الأديان) الإباضي:"وقال أهل الاستقامة: إن الله سبحانه عالم بذاته، وقادر بذاته لا بقدرة سواه، وحي بذاته، ومريد بذاته، ومتكلم بذاته، وسميع وبصير بذاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"(2).

وقال أحمد بن النضر وهو من الإباضية أيضاً:

وهو السميع بلا أداة تسمع

إلا بقدرة قادر وحداني

وهو البصير بغير عين ركبت

في الرأس بالأجفان واللحظان

جل المهيمن عن مقال مكيف

أو أن ينال دراكه بمكان

أو أن تحيط به صفات معبر

أو تعتريه هماهم الوسنان (3)

ويقول السالمي:

أسماؤه وصفات الذات ليس بغير

الذات بل عينها فافهم ولا تحلا

ولا يحيط به سبحانه بصر

دنيا وأخرى فدع أقوال من نصلا

(1)((الملل والنحل)) (1/ 133).

(2)

((الأديان والفرق)) (ص 57).

(3)

كتاب ((الدعائم)) (ص 34).

ص: 406

وهو على العرش والأشياء استوى وإذا

عدلت فهو استواء غير ما عقلا

وإنما استوى ملك ومقدرة

له على كلها استيلاء وقد عدلا

كما يقال استوى سلطانهم فعلا

على البلاد فحاز السهل والجبلا (1)

وأنهم يشاركون في تأويل الصفات الخبرية غيرهم من الفرق المأولة كالمعتزلة والأشاعرة وفيما يتعلق بالصفات الخبرية التي ذكرنا تأويلها التي أولها السالمي في أبياته السابقة.

فقد شنع الورجلاني أيضاً على الذين يثبتونها لله مدعياً أنهم رجعوا بذلك إلى التشبيه الذي وقع فيه عباد الأوثان ومن هذه الصفات التي أوردها صفات: اليد، والوجه، والجنب، والساق، والعين، واليمين، والاستواء، وهو يرى أن مخالفي الإباضية المثبتين لتلك الصفات يمتنعون - كما يقول - من مذهب المسلمين الذين صرفوا هذه المعاني إلى ما يليق بالباري سبحانه وتعالى وموجود في لغة العرب أن اليد النعمة والقدرة والوجه ذاته، واليمين القدرة والقوة، والجنب والكتف والساق والشدة".ثم قال أيضا:"ولم يصرحوا (أي الإباضية) بالمعنى المكروه والأولون (أي المثبتون لتلك الصفات بدون تأويل) قد ردوا على الله عز وجل قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ تجاهلوا فهم جاهلون"(2).وقد استدل العيزابي عقلياً على ضرورة تأويل تلك الصفات بقوله في الاستواء: "الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه وإلا لزم التحيز وصفات الخلق"(3).وقال في الحجاب: "الحمد لله الذي احتجب عن خلقه لا بحجاب إذ الحجاب من صفات خلقه بل بمنه إياهم عن مشاهدته"(4).

وهكذا قال في النزول والمجيء وغيرها من صفات أخرى ذكرها ثم أولها تأويلاً باطلاً لا معنى له غير التعطيل.

وقد عقد الربيع بن حبيب فصلاً في مسنده "الجامع الصحيح" أورد فيه عدة أحاديث عن الصحابة، كلها تشير إلى التأويل المحض للصفات التي تقدم ذكرها، وغيرها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما من الصحابة بما لا يمكن استقصاؤه هنا.

فقد فسر فيما يرويه عن ابن عباس وغيره قوله تعالى وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، أي في ملكه، وفسر اليد "بالملك والقدرة" ومثلها اليمين، وأن قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي بل رزقه مبسوط على جميع خلقه.

وفسر مجيء الله بمجيء أمره لفصل القضاء.

وأول قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] ، إلى معنى ارتفاع ذكره، وثناؤه على خلقه. وفسر الوجه بالذات، والعين بالحفظ، والنفس بالعلم، والسابق بالشدة، وهكذا يورد الربيع بن حبيب الأحاديث والآثار الكثيرة في تأويل الصفات وإنكار الرؤية (5).

والواقع أن موضوع الصفات الإلهية من أهم الموضوعات في مباحث الإلهيات؛ وذلك لعلاقته بتوحيد الله تعالى في ذاته وصفاته.

ولسنا بصدد عرض اختلافات المذاهب في تلك القضية بين التعطيل والتمثيل والتأويل، ولكننا نقتصر في المقام على مجرد التعقيب على رأي الإباضية مبينين ما فيه من زيف وبطلان على هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم.

(1)((غاية المراد)) (ص 7).

(2)

((الدليل لأهل العقول)) (ص 32).

(3)

((الحجة في بيان المحجة)) (ص 6).

(4)

((الحجة في بيان المحجة)) (ص 18).

(5)

انظر: ((الجامع الصحيح)) من (ص 35 - 60).

ص: 407

ففيما يتعلق بنفيهم لصفات الكمال الإلهي من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحياة وغيرها، وأنه ليس هناك إلا الذات مجردة عن صفاتها القائمة بها؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد أثبت لنفسه تلك الصفات، وقال تعالى في إثبات صفة العلم: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: 166]، وقال تعالى: حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ [التوبة: 6] ، وقد سمى الله تعالى نفسه بالأسماء الحسنى كالحي القيوم، وعالم الغيب والشهادة، والقوي المتين، والسميع البصير، إلى غير ذلك من الأسماء المشتقة التي يستحيل تسمية الله تعالى بها بدون أن تقوم بها مصادرها الاشتقاقية وهي الصفات القائمة بذاته تعالى من العلم والحياة والسمع والبصر .. إلخ، ولو لم يكن إلا الذات لكان العلم قدرة، والقدرة إرادة، ثم كيف تكون الذات الإلهية مجردة عن كمالاتها ثم يكون لها علم بالأشياء أو قوة عليها أو إرادة لها؟!

إن من المستحيل وجود الذات بدون صفات، وهكذا يستحيل خلو الذات الإلهية من صفاتها القائمة بها. هذا ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح مثل هذا النفي لصفات الله تعالى عن ذاته، بل نعتوه سبحانه وتعالى بكل نعوت الكمال والعظمة والجلال، دون أن يجدوا فيما أثبتوه له تشبيهاً له سبحانه وتعالى بخلقه، فكما تنزهت ذاته عن مشابهة ذوات المخلوقين، فكذلك تتنزه صفاته عن مشابهة صفاتهم.

وفيما يتعلق بالصفات الخبرية التي أولها الإباضية – سواء منها صفات الذات أو صفات الفعل- فإنهم لم يفعلوا أكثر من ترديدهم لما قاله غيرهم من المؤولة. ومذهب السلف في أمثال هذه الصفات هو ما قاله عنهم ابن تيمية من "أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، ومن غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل"(1)، وهذا هو التوحيد في الصفات كما سماه بذلك في كتابه (الرسالة التدمرية) (2).ويقول ابن القيم:"لا ريب أن الله وصف نفسه بصفات وسمي نفسه بأسماء، وأخبر عن نفسه بأفعال، وأخبر أنه يحب ويكره ويمقت ويغضب ويسخط ويجيء ويأتي وينزل إلى السماء الدنيا، وأنه استوى على عرشه، وأن له علماً وحياة وقدرة وإرادة وسمعاً وبصراً ووجهاً، وأن له يدين وأنه فوق عباده وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل من عنده، وأنه قريب وأنه مع المحسنين ومع الصابرين ومع المتقين، وأن السموات مطويات بيمينه، ووصفه رسوله بأنه يفرح ويضحك، وأن قلوب العباد بين أصابعه وغير ذلك"(3).

ثم استمر ابن القيم بعد هذا الكلام في مناقشة المتأولة لتلك الصفات، مثبتاً في مواضع كثيرة عقيدة السلف وطريقتهم في إثبات تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلال الله وعظمته دون تعطيل أو تمثيل أو تأويل، مما يطول المقام لو نقلنا كلامه فيه. ويقول ابن تيمية:"ومن تمام التوحيد أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، ويصان ذلك عن التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل"(4).

(1)((الفتوى الحموية)) (ص 101).

(2)

((الرسالة التدمرية)) (ص 6).

(3)

((مختصر الصواعق)) من (ص 16 - 29).

(4)

((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 284).

ص: 408

فقد وصف الله نفسه بعدة صفات فقال تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: 27]، وقال تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة: 64]، وقال تعالى إخباراً عن عيسى أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116]، وقال تعالى وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، وقوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ [البقرة: 210]، وقوله: رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة: 19] ،، وقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54]. وقوله في الكفار وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح: 6] ،، وقوله اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد: 28] ،، وقوله كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة: 46] ، وقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] ،، وكذا قوله: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء [الملك: 16]،ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:((ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)) (1)، وبقوله:((يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)) (2)، وقوله:((يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة)) (3)، وقوله للجارية:((أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)) (4).وفي إثبات ما تقدم يقول ابن قدامة رحمه الله: "فهذا وأمثاله مما صح سنده وعدلت رواته، نؤمن به ولا نرده، ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله سبحانه لا شبيه له ولا نظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11] ، وكل ما يتخيل في الذهن إن خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه"(5).

وهكذا يرد مذهب السلف في الصفات الخبرية كل ما ادعاه الإباضية وغيرهم من المأولة؛ من أن إثبات هذه الصفات يؤدي إلى التشبيه وإثبات الجوارح، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فإثبات الكتاب والسنة لتلك الصفات هو في حدود قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: 1 - 2] ، وهذا التنزيه لا يتنافى مع إثبات الكمالات لله تعالى، حسبك أن ترى آية التنزيه في القرآن أثبتت لله صفتي السمع والبصر مع إثبات صفات الكمال، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، فسمعه وبصره ليس كأسماعنا وأبصارنا، وهكذا كل ما وصف الله به من الصفات وأسند إليه من الأفعال.

‌المصدر:

الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص267

(1) رواه مسلم (758). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه أحمد (4/ 151)(17409)، والطبراني (17/ 309)، وأبو يعلى (3/ 288). من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 273)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (ص151): إسناده حسن. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (2843): إسناده جيد.

(3)

رواه البخاري (2826)، ومسلم (1890). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه مسلم (537). من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.

(5)

انظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص 12 - 14)

ص: 409