المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: بم يدرك حسن الأفعال وقبحها والثواب عليها والعقاب عند المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: أفعال التولد

- ‌المبحث الخامس: رأي المعتزلة في اللطف والصلاح والأصلح ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: مسالة اللطف

- ‌المطلب الثاني: مسألة الصلاح والأصلح

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في بعثة الرسل

- ‌الفصل الرابع: الأصل الثالث الوعد والوعيد

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في الوعد

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الوعد مع المناقشة

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوعيد

- ‌المطلب الأول: شبهات المعتزلة التي أيدوا بها رأيهم في الوعيد مع المناقشة:

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الشفاعة ورأي المعتزلة فيها

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الشفاعة مع المناقشة

- ‌المبحث الرابع: الإحباط والتكفير عند المعتزلة ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإحباط

- ‌الفصل الخامس: الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين

- ‌الفصل السادس: الأصل الخامس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقسامه

- ‌المطلب الأول: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة وأقسامه:

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكم الخروج على السلطان وقتال المخالف لهم، وهل يفرقون بين قتال الكافر والفاسق

- ‌المبحث الثالث: مناقشة رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان رأي أهل السنة:

- ‌المبحث الأول: حقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابع: منهج المعتزلة في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد

- ‌المبحث الأول: منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من السنة

- ‌المبحث الثالث: صور من انحرافات المعتزلة عن السنة

- ‌المبحث الأول: التطور الفكري للمعتزلة

- ‌المبحث الثاني: التطور السياسي للمعتزلة

- ‌المطلب الأول: نشأة الفرقة وتكونها في العصر الأموي

- ‌المطلب الثاني: المعتزلة في العصر العباسي

- ‌المطلب الثالث: المعتزلة بعد المتوكل

- ‌المطلب الرابع: المعتزلة في عصر البويهيين

- ‌المبحث الأول: وظيفة العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مجال العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نشأة الفرق العقلية

- ‌المبحث الرابع: مفهوم العقل عند المعتزلة

- ‌المبحث الخامس: من مباحث المعتزلة المجافية للعقل والمخالفة للسنة

- ‌المبحث الأول: موقف المعتزلة من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثاني: أثر أصولهم الخمسة العقدية في آرائهم الأصولية

- ‌المبحث الثالث: مناقشة المعتزلة في خوارق العادات

- ‌المبحث الرابع: موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل

- ‌المبحث الخامس: ذكر ما حرفت المعتزلة من معاني التنزيل لإبطال صفة الكلام

- ‌المبحث السادس: بين المعتزلة والقدرية والجهمية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نماذج من تأويلات المعتزلة لنصوص الصفات والقدر

- ‌المطلب الثاني: مقارنة بين منهج المعتزلة ومنهج الجهمية في التأويل

- ‌المطلب الثالث: ذكر شبه المعتزلة في القول بخلق القرآن ونقضها

- ‌المطلب الرابع: أفول المدرسة العقلية القديمة:

- ‌المطلب الخامس: موقف السلف من المعتزلة وتأويلاتهم

- ‌المبحث الثامن: المعتزلة في ميزان أئمة السلف

- ‌المبحث الأول: المدرسة العقلية الحديثة وفكر الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: نشأة المدرسة العقلية الحديثة

- ‌المطلب الأول: جمال الدين الأفغاني

- ‌المطلب الثاني: محمد عبده

- ‌المبحث الرابع: أثرها في الفكر الإسلامي الحديث

- ‌المبحث الخامس: موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية

- ‌المبحث السادس: موقف علماء المسلمين منهم

- ‌المبحث السابع: موقف الاستعمار البريطاني منهم واعترافه بما قدموه له من خدمات

- ‌النتيجة

- ‌الخاتمة

- ‌الفصل الأول: وجود الخوارج في الماضي والحاضر

- ‌المبحث الأول: تعريف الخوارج لغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الخوارج اصطلاحا

- ‌الفصل الثالث: نشأة الخوارج

- ‌الفصل الرابع: أسماء الخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: النزاع حول الخلافة

- ‌المبحث الثاني: قضية التحكيم

- ‌المبحث الثالث: جور الحكام وظهور المنكرات بين الناس

- ‌المبحث الرابع: العصبية القبلية

- ‌المبحث الخامس: العامل الاقتصادي

- ‌المبحث السادس: الحماس الديني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نشأة فرق الخوارج وأسبابها

- ‌المبحث الثاني: مناهج مؤرخي الفرق في ذكر فرق الخوارج

- ‌المطلب الأول: المحكمة

- ‌المطلب الثاني: الأزارقة

- ‌المطلب الثالث: النجدات

- ‌المطلب الرابع: الإباضية

- ‌المطلب الخامس: البيهسية

- ‌المطلب السادس: الصفرية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حركات الخوارج على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النهروان

- ‌المبحث الثاني: حركات الخوارج الثورية ضد الحكم الأموي

- ‌المبحث الثالث: حركات الخوارج الثورية على الدولة العباسية

- ‌المبحث الأول: شجاعتهم وسرعة اندفاعهم

- ‌المبحث الثاني: مبالغتهم في العبادة والزهد

- ‌المبحث الثالث: فصاحتهم وقوة تأثيرهم

- ‌المبحث الرابع: صدقهم في الحديث

- ‌المبحث الخامس: ميلهم إلى الجدل وقوتهم فيه

- ‌المطلب الأول: بين العقل والشرع في التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: بين ظاهر النص والتأويل

- ‌تمهيد

- ‌1 - صفات الله تعالى

- ‌2 - رؤية الله تعالى

- ‌3 - القول بخلق القرآن

- ‌4 - القدر

- ‌1 - وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة

- ‌2 - عذاب القبر

- ‌3 - الشفاعة

- ‌4 - الميزان

- ‌5 - الصراط

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حقيقة الإيمان

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

- ‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

- ‌المطلب الثالث: حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية

- ‌المطلب الرابع: وجوب الوعد والوعيد

- ‌المطلب الخامس: أدلة الخوارج على تكفير العصاة والرد عليها

- ‌أ- أدلتهم من الكتاب والرد عليها:

- ‌ب- أدلة الخوارج من السنة والرد عليها:

- ‌المطلب السادس: أدلة الإباضية على تكفير المذنبين كفر نعمة والرد عليها

- ‌المطلب السابع: تعقيب على آراء الخوارج في أمر العصاة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الإمامة

- ‌المطلب الثاني: وحدة الإمامة

- ‌المطلب الثالث: شروط الإمام

- ‌المطلب الرابع: محاسبة الإمام والخروج عليه

- ‌المطلب الخامس: رأي الخوارج في إمامة المفضول

- ‌المطلب السادس: رأي الخوارج في إمامة المرأة

- ‌المطلب السابع: الفرق بين الخوارج والشيعة في الإمامة

- ‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تمهيد:

- ‌أ- القول بعدم جواز التقية

- ‌ب- القول بجواز التقية قولا وعملا

الفصل: ‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

وعلى هذا المعتقد فرقة الإباضية كما تقدم. ومع هذا فإنهم يحكمون على صاحب المعصية بالنار إذا مات عليها، ويحكمون عليه في الدنيا بأنه منافق، ويجعلون النفاق مرادفاً لكفر النعمة ويسمونه منزلة بين المنزلتين أي بين الشرك والإيمان وأن النفاق لا يكون إلا في الأفعال لا في الاعتقاد.

وهذا قلب لحقيقة النفاق؛ إذ المعروف أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله كان نفاقهم في الاعتقاد لا في الأفعال، فإن أفعالهم كانت في الظاهر كأفعال المؤمنين.

أدلتهم:

تلمس الخوارج لما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب بعض الآيات والأحاديث، وتكلفوا في رد معانيها إلى ما زعموه من تأييدها لمذاهبهم، وهي نصوص تقسم الناس إلى فريقين: مؤمن وكافر، قالوا: وليس وراء ذلك الحصر من شيء.

ونأخذ من تلك الأدلة قوله تعالى:

1 -

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [التغابن: 2].

2 -

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44].

3 -

ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].

إلى غير ذلك من الآيات.

ووجه استدلالهم بالآية الأولى:

أن الله تعالى حصر الناس في قسمين: قسم ممدوح وهم المؤمنون، وقسم مذموم وهم الكفار، والفساق ليسوا من المؤمنين، فإذاً هم كفار لكونهم مع القسم المذموم واستدلالهم هذا لا يسلم لهم؛ أن الناس ينحصرون فقط في الإيمان أو الكفر.

فهناك قسم ثالث وهم العصاة لم يذكروا هنا، وذكر فريقين لا يدل على نفي ما عداهما، والآية كذلك واردة على سبيل التبعيض بمن، أي بعضكم كفار وبعضكم مؤمن. وهذا لا شك في وقوعه، ولم تدل الآية على مدعي الخوارج أن أهل الذنوب داخلون في الكفر.

وأما وجه استدلالهم بالآية الثانية:

فقد زعموا أنها شاملة لكل أهل الذنوب؛ لأن كل مرتكب للذنب لابد وأنه قد حكم بغير ما أنزل الله. وقد شملت الفساق؛ لأن الذي لم يحكم بما أنزل الله يجب أن يكون كافراً، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله حين فعل الذنب. وهذا الاستدلال مردود كذلك؛ لأن الآية قد تكون واردة على من استحل الحكم بغير ما أنزل الله، أما أن يدعي الشخص إيمانه بالله ويعترف بأن الحق هو حكم الله فليس الكافر، وإنما هو من أصحاب المعاصي حتى تقام عليه الحجة (1).

وأما وجه استدلالهم بالآية الثالثة:

فهو أن صاحب الكبيرة لا بد وأن يجازى –على مذهبهم- وقد أخبر الله في القرآن الكريم أنه لا يجازي إلا الكفور، والفاسق ثبت مجازاته عندهم فيكون كافراً. وهذا الدليل مردود عليهم، وينقضه أن الله يجازي الأنبياء والمؤمنين وهم ليسوا كفاراً، وبأن الآية كانت تعقيباً لبيان ذلك العقاب الذي حل بأهل سبأ، وهو عقاب الاستئصال، وهذا ثابت للكفار لا لأصحاب المعاصي (2).وأما ما استدلوا به من السنة على بدعتهم في تكفير العصاة من المسلمين فقد أساءوا فهم الأحاديث وحمَّلُوها المعاني التي يريدونها، ومن تلك الأحاديث ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن)) (3).

ولهم أدلة أخرى نكتفي منها بهذا الحديث.

(1) انظر: ((تفسير الفخر الرازي)) لهذه الآيات من سورة سبأ. وانظر: ((تفسير الطبري)) (6/ 252)، ((فتح القدير)) (2/ 45).

(2)

انظر: ((تفسير الفخر الرازي)) لهذه الآيات من سورة سبأ. وانظر: ((تفسير الطبري)) (6/ 252)، ((فتح القدير)) (2/ 45).

(3)

رواه البخاري (5578)، ومسلم (57).

ص: 444

فقد فهموا من هذا الحديث نفي الإيمان بالكلية عن من فعل شيئاً مما ذكر في الحديث، وهذا لا حجة لهم فيه، فإن الحديث –كما يذكر العلماء- إما أن يكون وارداً فيمن فعل شيئاً مما ذكر مستحلاً لتلك الذنوب، أو أن المراد به نفي كمال الإيمان عنهم، أو أن نفي الإيمان عنهم مقيد بحال مواقعتهم لتلك الذنوب.

ولو كانت تلك الكبائر تخرج الشخص عن الإيمان لما اكتُفي بإقامة الحد فيها، ولهذا فقد ذكر بعض العلماء أن هذا الحديث وما أشبهه يؤمن بها ويمر على ما جاء، ولا يخاض في معناها. وقال الزهري في مثل هذه الأحاديث:(أمروها كما أمرها من قبلكم)(1).وقد جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر)) (2).

والكلام في أهل الكبائر مبسوط في موضعه من كتب التوحيد وكتب الفرق، والمقصود هنا هو التنبيه على خطأ الخوارج فيما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب من المسلمين، مخالفين ما تضافرت النصوص عليه من عدم كفر مرتكبي الذنوب كفر ملة إلا بتفصيلات مقررة في مذهب السلف.

وهذا هو الرأي الثاني من آراء الخوارج وهو للإباضية، وهم يرون في ذلك أن من ارتكب كبيرة من الكبائر فهو موحد إذ أنه غير مشرك لكنه ليس بمؤمن إذ أنه يخلد في النار خلود الكافرين إذا مات وهو على كبيرته، وهو لذلك كافر كفر نعمة لا كفر ملة. يقول قطب الأئمة منهم في رسالته (المخطوطة) لدى سالم بن يعقوب الجبري:"وأما كون مرتكب الكبيرة موحداً غير مؤمن فهو مذهبنا"(3).ويقول الأشعري عنهم: "وقالوا إن كل طاعة إيمان ودين وإن مرتكبي الكبائر موحدون وليسوا بمؤمنين"(4).وقال أيضاً: "والإباضية يقولون: إن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان، وإن كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك، وإن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون فيها"(5).وكذا الشهرستاني فيما يرويه عن الكعبي أن هذا الرأي هو رأي الإباضية بالإجماع، وهو ما أكده الحارثي الإباضي (6).

ولا ندري وجهاً للتفرقة بين التوحيد والإيمان في حكم مرتكب الكبيرة، حيث يثبتون له التوحيد وينفون عنه الإيمان. فالتوحيد إيمان بالله الواحد، اللهم إلا أن يكون مرادهم هو وصفه بالتوحيد لمجرد نطقه بكلمة التوحيد ولو ظاهراً.

ثم إنهم عندما ينفون عن المذنب الإيمان يلزمهم القول بتكفيرهم له كفر ملة فنفي أحد النقيضين يستلزم ثبوت الآخر، فما وجه حكمهم على الذنب بالتكفير كفر نعمة لا كفر ملة وهو عندهم غير مؤمن ومخلد في النار كما هو مذهب عامة الخوارج، ثم إنهم يستدلون على عدم إيمانه بخلوده في النار، بينما أن خلوده في النار إنما هو نتيجة لعدم إيمانه وهذا خلط وتناقض في الرأي وما ذكرناه سابقاً من حكم الإباضية على مرتكبي الكبائر بالخلود في النار خلود الكافرين إنما هو في شأن من مات مصراً على كبيرته، وفي هذا يقول النفوسي من علمائهم:

ودنا بإنفاذ الوعيد وحكمه

وتخليد أهل النار في النار والهون

فحد الكبير الحد في عاجل الدنا

وسوء عذاب النار يا شر مسكن

(1) انظر: ((شرح النووي لصحيح مسلم)) (2/ 41 - 42).

(2)

رواه البخاري (5827)، ومسلم (94). من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

(3)

نقلاً عن ((الإباضية بين الفرق)) (ص484).

(4)

((المقالات)) (1/ 185، وانظر: ((الإباضية بين الفرق)) (ص320).

(5)

((المقالات)) (1/ 189، وانظر (ص204) وانظر: ((الفصل)) لابن حزم (4/ 46) وانظر ((العقود الفضية)) (ص285).

(6)

((الملل والنحل)) (1/ 135) وانظر: ((العقود الفضية)) (ص170، ص288).

ص: 445

ثلاثة أسماء معان تجاوزت

كبير وكفر والعقاب بمقرن

فمن مات من أهل الكبائر آبياً

مصراً فما أقصاه عن جنة العدن (1)

وصاحب (كتاب الأديان) وهو إباضي أيضاً بعد أن استشهد بقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73]، وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71]، وقوله تعالى: وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران: 131]، قال:"فقد سمى الله من دخل النار كافراً لعيناً، وكل من عصى الله بكبيرة ومات مصراً عليها فقد كفر بنعمة الله ويخلد في النار بكبيرته"(2).ثم أثبت أيضاَ أن هذا هو اعتقاد أهل الاستقامة ويعني بهم الإباضية وأن من اعتقادهم "أن صاحب الكبيرة إذا مات مصراً يرى حسناته محبطة وسيئاته مثبتة، وصاحب التوبة والإقلاع عن المعصية يرى حسناته مثبتة وسيئاته محبطة"(3).وفي هذا يقول الأشعري أيضاً: "وقالوا الإصرار على أي ذنب كان كفر"(4). وهو عندهم في منزلة البراءة والبعد حتى يتوب من ذنبه كما تقول مصادر الإباضية (5).

والحكم على مرتكب الكبيرة بأنه كافر كفر ملة لا كفر نعمة قائم على تفرقتهم بين التكذيب بالعقائد وارتكاب الكبائر بحيث يستوجب أولهما الشرك وثانيهما مجرد كفرالنعمة، وفي هذا يذكر السالمي: أن الكفر عند الإباضية ينقسم إلى كفر شرك وإلى كفر نعمة ومثل لكلا النوعين بأمثلة، فمثل لكفر الشرك بالله "بالتكذيب بشيء من كتب الله أو تكذيب بنبي من أنبيائه، أو رد حرف من كتب الله، وكإنكار الموت والبعث أو الحشر أو الحساب أو الجنة".

ومثل لكفر النعمة "بارتكاب شيء من كبائر الذنوب من المعاصي الظاهرة، أو الباطنة".

(1)((متن النونية)) في عقيدة التوحيد (ص18).

(2)

من كتاب في ((الأديان والفرق)) (ص55).

(3)

من كتاب في ((الأديان والفرق)) (ص58).

(4)

((المقالات)) (1/ 187).

(5)

انظر: ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص47)، وانظر:((العقود الفضية)) (ص289).

ص: 446

ومثل للمعاصي الباطنة "بالعجب والكبر والحسد والرياء وما تولد منها من الأخلاق الرديئة".ومثل للمعاصي الظاهرة أو الكبائر الظاهرة "بالزنا والربا وظلم العباد وإيذاء المسلمون وتخويفهم ومكابرة الحق ومعاندة أهله وشرب الخمر ولبس الذهب والحرير"(1) إلخ. ومع ما قدمنا من تكفير الإباضية لمرتكب الكبيرة كفر نعمة لا كفر ملة، فإننا نجد بعضهم يخرج عن هذا المبدأ بل يغالي في خروجه فيعتبر ارتكاب صغيرة من الصغائر شركاً، وهذا هو ما يذكره ابن حزم عن فرقة الحارثية من الإباضية ويعده من حماقاتهم فيقول:"ومن حماقاتهم قول بكر ابن أخت عبدالواحد بن زيد؛ فإنه كان يقول: كل ذنب صغيراً أو كبيراً ولو كان أخذ حبة خردل بغير حق أو كذبة خفيفة على سبيل المزاح - فهي شرك بالله وفاعلها كافر مشرك مخلد في النار إلا أن يكون من أهل بدر، فهو كافر مشرك من أهل الجنة وهذا حكم طلحة والزبير رضي الله عنهما عندهم"(2).وقد رد عليه علي يحيى معمر الإباضي رداً عنيفاً مدعياً بأن هذا البكر المجهول النسب الذي لا يعرف إلا بابن أخت عبد الواحد شخص مجهول لا يعرفه الإباضية، وإنما أثبته ابن حزم من الإباضية لأنه - على حد تعبير معمر- لم يجد له مكاناً فوضعه مع الإباضية وكأنه لقيط مجهول، فقد قال ما نصه: " وهذه كما يرى القارئ الكريم ليست من حماقات الإباضية، وإنما هي من حماقات العالم الكبير ابن حزم الأندلسي وللعلماء الكبار حماقاتهم

إن العالم الكبير أبا محمد بن حزم وهو يصنف المسلمين على فرق يعثر على هذا الرجل فلا يجد له مكاناً، ثم يأتي به يسوقه حتى يجد فراغاً بين صفوف الإباضية فيلقيه هناك ثم ينسبه إليهم ثم يلقي عليهم تبعة حماقاته" (3).ومهما يكن من رأى علي يحيى في رواية ابن حزم عن الحارثية هؤلاء، فإن ابن حزم يروي عنهم كذلك أن العصاة أهل الحدود يجب استتابتهم بعد إقامة الحد عليهم فإن تابوا تركوا وشأنهم وإن أبوا فيجب قتلهم، وذلك في قوله الآتي: "وقالت طائفة من أصحاب الحارث الإباضي أن من زنا أو سرق أو قذف فإنه يقام عليه الحد ثم يستتاب مما فعل، فإن تاب ترك، وإن أبى التوبة قتل على الردة" وقد رد علي معمر على ابن حزم في ذلك أيضاً فقال:"ولم يذكر أحد أن أئمة الإباضية تجاوزوا حدود الله في إقامة الحد فقتلوا من لا يلزمه القتل. والإباضية لا يحكمون على من لزمه الحد بالردة تاب أو لم يتب، وإسناد هذا القول إليهم كذب عليهم" ثم ذكر أن الشخص المحدود "لا يخلو إما أن يقام عليه الحد بعد اعترافه وإعلانه للتوبة كماعز مثلاً فهذا لا يختلف اثنان في صدق توبته ووجوب ولايته، وإما أن يجب عليه الحد ويقام وهو مصر على معصيته ولا يعلن التوبه مما ارتكب، وهذا لا خلاف بين اثنين من الإباضية في وجوب البراءة منه". والواقع أن مذهب السلف هو أنهم لا يبرأون ممن أقيم عليه الحد ولا يعتبرونه كافراً، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه والصحابة من بعده يصلون على من مات في الحد بل ويترحمون عليه كما قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه:((استغفروا لماعز بن مالك قال الراوي: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك)).

(1)((تلقين الصبيان)) (ص123 - 127).

(2)

((الفصل)) (4/ 191).

(3)

((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص51)، والواقع أنه ليس مجهولاً كما تصوره علي معمر فإن هذا الرجل كان من أصحاب الحسن البصري كما ذكر عنه.

ص: 447

وإلى جانب من ينكر عن الإباضية - ما عدا الحارثية منهم - حكمهم على مرتكب الكبيرة بكفر النعمة - نجد من ينسب إليهم القول بأنه منافق وأنهم يوافقون بذلك أهل السنة، وهذا هو ما يذكره علي يحيى معمر وغيره من الإباضية - كما سيأتي - من أن رأي الإباضية في مرتكب الكبائر أنه منافق وليس بمشرك، وأن أهل السنة والإباضية يتفقون ويلتقون لقاء كاملاً - كما قال- في أن مرتكب الكبيرة يدخل النار، وهذا في الآخرة، أما في الدنيا فأحكامه لا تختلف عن أحكام المسلمين، وأنهم في هذا تبع لرأي الحسن البصري. ونفى أن يكون رأي الإباضية في أهل الكبائر كرأي الخوارج، فإن الإباضية فيما يقول:" لا يرون رأي الخوارج وإنما يرون رأي الحسن البصري فيعتبرون مرتكب الكبيرة منافقاً وليس مشركاً، وهنا يلتقي الإباضية وأهل السنة لقاءً كاملاً بقطع النظر عن التسميات؛ فيتفقون جميعاً عن غيرهم من المسلمين". والواقع أن قول معمر باتفاق الإباضية وأهل السنة على دخول مرتكب الكبيرة النار ليس على إطلاقه، فأهل السنة يقولون: إنه تحت المشيئة إن شاء الله عذبه ثم أدخله الجنة وإن شاء عفا عنه. ثم إنه أغفل القول بالتخليد في النار وعدمه مكتفياً بحكمه على مرتكب الكبيرة بدخول النار، بينما رأينا أن الإباضية يحكمون بخلوده فيها كما هو مذهب عامة الخوارج، ويقول قطب الأئمة مفرقاًبين النفاق والشرك:"ونحن لا نتوقف في النفاق بل نجزم أنه غير شرك ونقطع بذلك".

بينما الأشعري يذكرأنهم لم يجزموا بحكم فيه بل اختلفوا على ثلاث فرق: الفرقة الأولى منهم يزعمون أن النفاق براءة من الشرك - زاد البغدادي قوله: "براءة من الشرك والإيمان جميعاً" -، واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل: مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلاء وَلَا إِلَى هَؤُلاء [النساء: 143].

والفرقة الثانية منهم يقولون: إن كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد. والفرقة الثانية منهم يقولون: لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الإسم في ذلك الزمان ولا نسمي غيرهم بالنفاق

وقال القوم الذين زعموا أن المنافق كافر وليس بمشرك: إن المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين، وكانوا أصحاب كبائر. زاد الشهرستاني:"فكفروا بالكبيرة لا بالشرك"

وننتهي من عرضنا لرأي الإباضية في حكم مرتكب الكبيرة - إذا استثنينا قول الحارثية بتكفيره كفر ملة - أنهم يحكمون عليه بكفر النعمة والنفاق فهل هما بمعنى واحد عندهم فلا يكون بينهم خلاف في هذا الحكم؟ وهل يعتبر كفر النعمة والنفاق منزلة بين منزلتي الشرك والإيمان؟

هذا ما تجيب عليه أقوال الإباضيين في بحثنا التالي عن حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عندهم.

‌المصدر:

الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي- ص345

ص: 448