الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة
إن لمذهب المدرسة العقلية الحديثة أبعاداً ثلاثة نراها شامخة في التكوين الأساسي للمدرسة العقلية نذكر هذه الأبعاد الثلاثة إجمالاً ثم نستخلص بعد هذا النتيجة التي نراها والموقف الذي يجب أن نقفه نحن المسلمون على ضوء هذه النتيجة.
الأبعاد الثلاثة:
أولاً: أن هذه المدرسة أعطت العقل أكثر من حقه وكلفته ما لا يطيق ورفعت من قيمته وضخمت حجمه حتى ساوته بالوحي بل قدمته عليه وقدمت ما زعمته من أحكامه على أحكام الوحي.
وسعت في هذا السبيل لأجل "تضييق" حيز الغيبيات في مسائل العقيدة الإسلامية.
ثانياً: قامت هذه المدرسة بتأويل حقائق العقائد الإسلامية بما يتمشى مع الأحكام العقلية من جهة ومكتشفات الحضارة الغربية والنظريات العلمية الغربية من جهة أخرى.
وفي سبيل ذلك أيضاً قامت بتأويل المعجزات والخوارق وإنكار بعضها إذا لم يمكن قلب حقيقته بما يتمشى مع هذا البعد الفكري.
ثالثاً: تبرير تناول الحضارة الغربية ومجاراتها في مدنيتها الزائفة والتحوير من الداخل لإعطاء السند الفكري والدعم الديني لمعطيات الحضارة الغربية وتقريب الهوة التي تفصل بين الغرب وبين المسلمين تقريباً كان على حساب كثير من الجوانب الإسلامية التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية.
تلكم هي الخطوط العريضة والأبعاد الراسخة التي نراها في منهج المدرسة العقلية.
ونتيجة لذلك فإنا نعتقد:
أولاً: أن المدرسة العقلية الحديثة ذات منهج منحرف وهي بسلوكها إياه تعاد فرقة منحرفة جديدة أقرب ما تكون إلى فرقة المعتزلة فهم كالمعتزلة.
أ) في تحكيم العقل والرجوع إلى أحكامه ورفعه إلى مرتبة الوحي وهم لو حكموا العقل نفسه لسلمنا لهم لأن أحكامه بنفسه لا تخالف حكماً ثابتاً في الشريعة الإسلامية أو قضية من قضاياه وهم إنما يحكمون العادة فيحسبون ما خالف العادة مخالفاً للعقل.
ب) وهم كالمعتزلة في إنكار المعجزات أو تأويلها.
ج) وهم كالمعتزلة أيضاً في كثير من الغيبيات كالملائكة والجن والسحر وغيره.
د) وهم كالمعتزلة في عدم تعديل الصحابة كلهم بل تجاوز بعضهم ذلك كبعض المعتزلة إلى سب الصحابة رضوان الله عليهم.
و) وإنهم كالمعتزلة في اعتقاد خلود أهل الكبائر في النار.
ومن هذا ندرك وضوح الصلة ووجه الشبه بينهم وبين المعتزلة.
ثانياً: أنه لا يكفي القول بأنهم معتزلة لأنهم يزيدون عليهم في التقريب بينهم وبين الكفار "النصارى واليهود" وتبرير تناول الحضارة الغربية ومجاراتها في مدنيتها الزائفة.
بل إنهم أخطر من المعتزلة ذلك أنهم يسعون بكل ما وسعهم لتغيير المفهوم الإسلامي في معاملة الكفار وإلغاء الفاصل والحاجز بين الفكر الحق والفكر الضال أو المنحرف وإذا ما ألغي جانب العقيدة في ميزان التفاضل فإن الكفة سترجح حتماً بنا وسيصبح الكفار آنذاك هم الأفضل والأقوى ومن ثم تكون لهم السيطرة وتكون لهم الدولة وحينئذ تكون خسارتنا للدين والدنيا.
وهو ما يسعى إليه الاستعمار وسهر من أجله الليالي ودفع جيوشه المادية والمعنوية وبث رجاله المستشرقين والمخدوعين – لأجله.
ثالثاً: إن الكثير من مفاهيمهم ومبادئهم هي السائدة في الفكر الإسلامي المعاصر وما ذاك إلا أثر من آثار فرض الاستعمار بادئ ذي بدء آراءهم على الناس وترويجه لهم وتمجيد المستشرقين لهم حتى إذا ما سار ذلك بين الناس أخذوا يتبنونه بأنفسهم ويعلنونه في مؤلفاتهم ويدافعون عنه حتى أصبح أو كاد من المسلمات.
وأصبح رجال المدرسة العقلية عندهم من الرجال الذين لا يقبل فيهم نقد أو يصل إليهم قدح.
رابعاً: إنهم مهدوا السبيل لسيطرة الفكر الغربي واتخذهم الأعداء مطية يعملون من خلالها على زلزلة عقيدة المسلمين وتشكيكهم بها ومحاربة الإسلام في عقر داره ليس عن طريق نشر المؤلفات فحسب بل عن طريق الصحافة وطريق السينما والتليفزيون والإذاعة وكل وسائل الإعلام الأخرى.
ثم عمل الاستعمار على إطفاء ما بقي من نار الغيرة على الشعائر الإسلامية بل على الدين كله في قلوب الشباب فأصبحوا لا يحرك ساكناً فيهم ما يحدث في المسلمين في الفلبين أو في الهند أو في أفغانستان أو في فلسطين أو في غيرها من مختلف البلدان، لا يحرك هذا فيهم ساكناً عند سماعه فضلاً عن أن يهبوا زرافات ووحداناً.
خامساً: لم تكن نتيجة ذلك ذات أثر على الأفراد فحسب بل على كثير من الدول التي نبذت الفقه والفقهاء الإسلاميين واستبدلت القوانين الوضعية بالفقه الإسلامي وتركت تقليد أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو غيرهم من الفقهاء واستمدت جل دستورها من القوانين الأوروبية الحديثة.
وبعد.
فما الموقف منهم الذي يجب إعلانه هنا؟ لا أريد أن أستطرد في الحديث هنا بل ألخص الموقف بأسطر أحسب فيها الكفاية.
لا شك أن الواجب يقتضي أن نعيد النظر في رجال هذه المدرسة العقلية أنفسهم ونعيد تقييمهم وفق الميزان الإسلامي الحق ونعلن للناس كافة حقيقتهم ونجلوا لهم علانية زيف منهجهم وتبيين مواقع ضلاله ومواقع انحرافه.
نعيد تقييمهم تقييماً حقاً لا يراعي بحال من الأحوال ما هو سائد بين الناس عنهم.
وحين نصل إلى نتيجة ذلك نعلن بها العلماء قبل العامة لينشروه بين الناس كافة.
وحينئذ نعيد ترتيب الأمور على الميزان الحق أحسب هذا الأمر يقال في لحظة ويكتب في لحظتين ولكن تنفيذه يريد عزيمة إسلامية خالصة تطوي الزمن طياً فيحصل ما يحتاج إلى قرون عديدة في سنوات قليلة ويكون صلاح هذا الدين في هذا العصر كصلاحه في أوله.
المصدر:
منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي - ص 809