الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: موقف الاستعمار البريطاني منهم واعترافه بما قدموه له من خدمات
سبق أن ذكرنا ما يثبت حماية الاستعمار لهم ودفاعه المستميت عن دعوتهم، ونعيد هنا للمناسبة بعضه ونزيد عليه. ونبدأ أول ما نبدأ برجل أعلن عداءه للإسلام حيث قال جئت "إلى مصر" لأمحو ثلاث القرآن والكعبة والأزهر" (1).
ترى من الذي عاون هذا الرجل لتحقيق هدفه؟! إنهم ولا شك رجال المدرسة العقلية من حيث يدرون "فيكونوا عملاء" أو من حيث لا يدرون "فيكونوا سذاج".قال كرومر في تقريره السنوي لعام 1905م عن محمد عبده "كان لمعرفته العميقة بالشريعة الإسلامية ولآرائه المتحررة المستنيرة أثرها في جعل مشورته والتعاون معه عظيم الجدوى"(2).وقال أيضاً "لا ريب عندي في أن السبيل القويم الذي أرشد إليه المرحوم الشيخ محمد عبده هو السبيل الذي يؤمل رجال الإصلاح من المسلمين الخير منه لنبي ملتهم إذا ساروا فيه فأتباع الشيخ حقيقون بكل ميل وعطف وتنشيط من الأوروبيين"(3).وقال أيضاً "إن أهميته السياسية ترجع إلى أنه يقوم بتقريب الهوة التي تفصل بين الغرب وبين المسلمين، وأنه هو تلاميذ مدرسته خليقون بأن يقدم لهم كل ما يمكن من العون والتشجيع فهم الحلفاء الطبيعيون للمصلح الأوربي"(4).
وقد امتثل هو ما دعا إليه فمال إليهم وعطف عليهم وقدم لهم كل عون وتشجيع فكانوا له "حلفاء طبيعيون" فوجبت عليه حمايتهم. صرح اللورد كرومر بنفسه "إن الشيخ محمد عبده يظل مفتياً في مصر ما ظلت بريطانية العظمى محتلة لها"(5).وقال السيد رشيد "وقد تحقق أن اللورد كرومر قال للخديوي إن كان تحريك بعض المشايخ ضد المفتي لأجل فصله من الإفتاء فاسمح لي بأن أقول أنه ما دام لبريطانيا العظمى نفوذ في مصر فإن الشيخ محمد عبده يكون هو المفتي حتى يموت"(6).هذه بعض حمايته في الداخل أما إذا ذهب إلى الخارج كالآستانة مثلاً فإنه يكتب إلى تلميذه السيد رشيد "إن السلطان لا يستطيع حبسي لو أراده وهو يعلم عجزه عن ذلك حق العلم ولذلك أسباب لا أحب ذكرها الآن"(7) ولكن السيد رشيد يذكر السبب في هذا "وهم لا يجهلون أن السفارة البريطانية كانت بالمرصاد وأنها لا تسكت للحكومة الحميدية على ذلك لو أقدمت عليه والسلطان ورجاله لا يجهلون هذا أيضاً"(8).بل إن الاحتلال الإنجليزي كان عاملاً أساسياً من عوامل عودة محمد عبده من المنفى في الشام إلى مصر وقد صرح اللورد كرومر بهذا في كتابه (مصر الحديثة) حيث قال "عن العفو صدر عن محمد عبده بسبب الضغط البريطاني"(9).
هذه إشارة تكفي اللبيب في بيان مدى تعاون إمام المدرسة العقلية الحديثة وأستاذها مع الاحتلال ومدى حمايتهم له وهو أمر له معناه.
ترحيب المستشرقين بالمدرسة ونتائجها:
(1)((الخنجر المسموم)) أنور الجندي (ص 29).
(2)
((الإسلام والحضارة الغربية)) محمد محمد حسين (ص 78).
(3)
((تاريخ الأستاذ الإمام)) محمد رشيد رضا (ص: 3)(ص 426).
(4)
( Medern Egept): Cromer (p. 180)
(5)
(( تاريخ الأستاذ الإمام)) (1/ 501).
(6)
((تاريخ الأستاذ الإمام)) (1/ 564).
(7)
((الأعمال الكاملة لمحمد عبده)): جمع محمد عماره (1/ 117).
(8)
((تاريخ الأستاذ الإمام)) (1/ 860).
(9)
((الفكر الإسلامي الحديث)) غازي التوبة (ص 45).
كان لأفكار المدرسة العقلية صدى كبيراً في دراسات المستشرقين، والحقيقة أنا لا ندري من أين نبدأ وإلى أين ننتهي بين عبارات الثناء والترحيب بهم من المستشرقين ولعلنا نكتفي أيضاً بالإشارة. فهذا جب يقول عنهم "لسوء الحظ ظل قسم كبير من المسلمين المحافظين ولا سيما في الهند لا يخضعون لهذه الحركات الإصلاحية المهدئة وينظرون إلى الحركة التي تزعمتها مدرسة عليكره بالهند ومدرسة محمد عبده بمر نظرة كلها ريبة وسوء ظن لا تقل عن ريبتهم في الثقافة الأوروبية نفسها"(1) ثم وضح هذا المستشرق الإنجليزي جب دور المدرسة العقلية بقوله "إن في كل البلاد الإسلامية – باستثناء شبه جزيرة العرب وأفغانستان وبعض أجزاء من أواسط أفريقيا – حركات معينة تختلف قوة واتساعاً ترمي إلى تأويل العقائد الإسلامية وتنقيحها" ثم قال "وقد اتجهت مدرسة محمد عبده بكل فروعها وشعبها نحو تحقيق هذا الهدف" ثم ذكر "أن الأديب "بانيرث" المبشر يرى أن حركة الإصلاح الإسلامي – على النحو الذي تسير فيه الآن يجب أن تقابل من المسيحية الغربية بالتشجيع"(2).ولعله يكفي هنا أن ننقل عن جب رأيه في تلاميذ محمد عبده حيث يقول "إن تلامذته هم من أولئك الذين تعلموا على الطريقة الأوروبية وذلك من ناحيتين أولاهما إن ما كتبه الشيخ كان بمثابة درع واقية للمصلحين الاجتماعيين والسياسيين فإن عظمة اسمه قد ساهمت في نشر أخبار لم تكن تنشر من قبل ثم إنه قد أقام جسراً من فوق الهوة السحيقة بين التعليم التقليدي والتعليم العقلي المستورد من أوربا الأمر الذي مهد للطالب المسلم أن يدرس في الجامعات الأوروبية دون خشية من مخالفة معتقده وهكذا انفرجت مصر المسلمة بعد كبت، فقد ساهم الشيخ محمد عبده أكثر من أي شخص آخر في خلق اتجاه أدبي جديد في إطار الروح الإسلامية"(3).أما الجاسوس البريطاني ألفريد سكاون بلنت فيصف دعوتهم بأنها "الإصلاح الديني الحر" ويصفهم بأنهم "زعماء الإصلاح في الأزهر" ويصف مدرستهم بأنها "تلك المدرسة الواسعة التقية"(4).وقال عن الأفغاني "ومن أغرب ما يروى أن الفضل في نشر هذا الإصلاح الديني الحر بين العلماء في القاهرة لا يعود إلى عربي أو مصري أو عثماني ولكن إلى رجل عبقري غريب يدعى السيد جمال الدين الأفغاني"(5).وقال عن محمد عبده أنه "رجل من أحسن وأحكم الرجال العظام ويجب أن لا يتوهم أحد أني إذ أستخدم هذه الألفاظ ألقي القول على عواهنه أو أبالغ مثقال ذرة ولكني أقولها معتمداً على معرفتي بأخلاقه في ظروف مختلفة وأحوال صعبة فقد عرفته في أول الأمر معلماً دينياً ثم قائداً لحركة الإصلاح الاجتماعي
…
وأخيراً حين سودته مواهبه العقلية ونصرته من جديد" (6).وتحدث عن هدف الأفغاني فقال "كان همه أن يطلق العقول من الأغلال التي قيدتها طوال الأجيال الماضية" وأن هذا "يماثل ما حدث من إحياء المسيحية بأوربا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر" (7).وهذا جولد زيهر يبين قصد مدرسة المنار بأنه "تحقيق قدرة الإسلام على الحياة بين تيارات العصر الحديث عن طريق إصلاح الأحوال المغلولة بقيود المذاهب الجامدة" واعتبر السيد جمال الدين الأفغاني المحرك الأول لهذا الاتجاه (8).
المصدر:
منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي - ص 804
(1)((إلى أين يتجه الإسلام)) للمستشرق جب عن مجلة المجتمع العدد 364 في 9 رمضان 97 هـ (ص: 29).
(2)
((إلى أين يتجه الإسلام)) للمستشرق جب عن مجلة المجتمع العدد 364 في 9 رمضان 97 هـ (ص: 63) ، ((الفكر الإسلامي المعاصر)) غازي التوبة (ص 61 - 62).
(3)
((الاتجاهات الحديثة في الإسلام)) جب (ص 70).
(4)
((التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر)) ألفريد سكاون بلنت (ص 76).
(5)
((التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر)) ألفريد سكاون بلنت (ص 77).
(6)
((التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر)) ألفريد سكاون بلنت (ص 80).
(7)
((التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر)) ألفريد سكاون بلنت (ص 78).
(8)
((مذاهب التفسير الإسلامي)) جولد زيهر (ص 347 - 348).