المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: بم يدرك حسن الأفعال وقبحها والثواب عليها والعقاب عند المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: أفعال التولد

- ‌المبحث الخامس: رأي المعتزلة في اللطف والصلاح والأصلح ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: مسالة اللطف

- ‌المطلب الثاني: مسألة الصلاح والأصلح

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في بعثة الرسل

- ‌الفصل الرابع: الأصل الثالث الوعد والوعيد

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في الوعد

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الوعد مع المناقشة

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوعيد

- ‌المطلب الأول: شبهات المعتزلة التي أيدوا بها رأيهم في الوعيد مع المناقشة:

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الشفاعة ورأي المعتزلة فيها

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الشفاعة مع المناقشة

- ‌المبحث الرابع: الإحباط والتكفير عند المعتزلة ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإحباط

- ‌الفصل الخامس: الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين

- ‌الفصل السادس: الأصل الخامس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقسامه

- ‌المطلب الأول: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة وأقسامه:

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكم الخروج على السلطان وقتال المخالف لهم، وهل يفرقون بين قتال الكافر والفاسق

- ‌المبحث الثالث: مناقشة رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان رأي أهل السنة:

- ‌المبحث الأول: حقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابع: منهج المعتزلة في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد

- ‌المبحث الأول: منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من السنة

- ‌المبحث الثالث: صور من انحرافات المعتزلة عن السنة

- ‌المبحث الأول: التطور الفكري للمعتزلة

- ‌المبحث الثاني: التطور السياسي للمعتزلة

- ‌المطلب الأول: نشأة الفرقة وتكونها في العصر الأموي

- ‌المطلب الثاني: المعتزلة في العصر العباسي

- ‌المطلب الثالث: المعتزلة بعد المتوكل

- ‌المطلب الرابع: المعتزلة في عصر البويهيين

- ‌المبحث الأول: وظيفة العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مجال العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نشأة الفرق العقلية

- ‌المبحث الرابع: مفهوم العقل عند المعتزلة

- ‌المبحث الخامس: من مباحث المعتزلة المجافية للعقل والمخالفة للسنة

- ‌المبحث الأول: موقف المعتزلة من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثاني: أثر أصولهم الخمسة العقدية في آرائهم الأصولية

- ‌المبحث الثالث: مناقشة المعتزلة في خوارق العادات

- ‌المبحث الرابع: موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل

- ‌المبحث الخامس: ذكر ما حرفت المعتزلة من معاني التنزيل لإبطال صفة الكلام

- ‌المبحث السادس: بين المعتزلة والقدرية والجهمية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نماذج من تأويلات المعتزلة لنصوص الصفات والقدر

- ‌المطلب الثاني: مقارنة بين منهج المعتزلة ومنهج الجهمية في التأويل

- ‌المطلب الثالث: ذكر شبه المعتزلة في القول بخلق القرآن ونقضها

- ‌المطلب الرابع: أفول المدرسة العقلية القديمة:

- ‌المطلب الخامس: موقف السلف من المعتزلة وتأويلاتهم

- ‌المبحث الثامن: المعتزلة في ميزان أئمة السلف

- ‌المبحث الأول: المدرسة العقلية الحديثة وفكر الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: نشأة المدرسة العقلية الحديثة

- ‌المطلب الأول: جمال الدين الأفغاني

- ‌المطلب الثاني: محمد عبده

- ‌المبحث الرابع: أثرها في الفكر الإسلامي الحديث

- ‌المبحث الخامس: موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية

- ‌المبحث السادس: موقف علماء المسلمين منهم

- ‌المبحث السابع: موقف الاستعمار البريطاني منهم واعترافه بما قدموه له من خدمات

- ‌النتيجة

- ‌الخاتمة

- ‌الفصل الأول: وجود الخوارج في الماضي والحاضر

- ‌المبحث الأول: تعريف الخوارج لغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الخوارج اصطلاحا

- ‌الفصل الثالث: نشأة الخوارج

- ‌الفصل الرابع: أسماء الخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: النزاع حول الخلافة

- ‌المبحث الثاني: قضية التحكيم

- ‌المبحث الثالث: جور الحكام وظهور المنكرات بين الناس

- ‌المبحث الرابع: العصبية القبلية

- ‌المبحث الخامس: العامل الاقتصادي

- ‌المبحث السادس: الحماس الديني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نشأة فرق الخوارج وأسبابها

- ‌المبحث الثاني: مناهج مؤرخي الفرق في ذكر فرق الخوارج

- ‌المطلب الأول: المحكمة

- ‌المطلب الثاني: الأزارقة

- ‌المطلب الثالث: النجدات

- ‌المطلب الرابع: الإباضية

- ‌المطلب الخامس: البيهسية

- ‌المطلب السادس: الصفرية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حركات الخوارج على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النهروان

- ‌المبحث الثاني: حركات الخوارج الثورية ضد الحكم الأموي

- ‌المبحث الثالث: حركات الخوارج الثورية على الدولة العباسية

- ‌المبحث الأول: شجاعتهم وسرعة اندفاعهم

- ‌المبحث الثاني: مبالغتهم في العبادة والزهد

- ‌المبحث الثالث: فصاحتهم وقوة تأثيرهم

- ‌المبحث الرابع: صدقهم في الحديث

- ‌المبحث الخامس: ميلهم إلى الجدل وقوتهم فيه

- ‌المطلب الأول: بين العقل والشرع في التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: بين ظاهر النص والتأويل

- ‌تمهيد

- ‌1 - صفات الله تعالى

- ‌2 - رؤية الله تعالى

- ‌3 - القول بخلق القرآن

- ‌4 - القدر

- ‌1 - وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة

- ‌2 - عذاب القبر

- ‌3 - الشفاعة

- ‌4 - الميزان

- ‌5 - الصراط

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حقيقة الإيمان

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

- ‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

- ‌المطلب الثالث: حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية

- ‌المطلب الرابع: وجوب الوعد والوعيد

- ‌المطلب الخامس: أدلة الخوارج على تكفير العصاة والرد عليها

- ‌أ- أدلتهم من الكتاب والرد عليها:

- ‌ب- أدلة الخوارج من السنة والرد عليها:

- ‌المطلب السادس: أدلة الإباضية على تكفير المذنبين كفر نعمة والرد عليها

- ‌المطلب السابع: تعقيب على آراء الخوارج في أمر العصاة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الإمامة

- ‌المطلب الثاني: وحدة الإمامة

- ‌المطلب الثالث: شروط الإمام

- ‌المطلب الرابع: محاسبة الإمام والخروج عليه

- ‌المطلب الخامس: رأي الخوارج في إمامة المفضول

- ‌المطلب السادس: رأي الخوارج في إمامة المرأة

- ‌المطلب السابع: الفرق بين الخوارج والشيعة في الإمامة

- ‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تمهيد:

- ‌أ- القول بعدم جواز التقية

- ‌ب- القول بجواز التقية قولا وعملا

الفصل: ‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

الحكم بتكفير العصاة كفر ملة، وأنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون في النار مع سائر الكفار. وهذا رأي أكثرية الخوارج.

وعلى هذا الرأي من فرق الخوارج: المحكِّمة والأزارقة والمكرمية والشبيبية من البيهسية واليزيدية والنجدات، إلا أنهم مختلفون في سبب كفره:

فعند المكرمية أن سبب كفره ليس لتركه الواجبات أو انتهاك المحرمات، وإنما لأجل جهله بحق الله إذ لم يقدره حق قدره.

وأما النجدات فقد فصلوا القول بحسب حال المذنب، فإن كان مصراً فهو كافر، ولو كان إصراره على صغائر الذنوب، وإن كان غير مصر فهو مسلم حتى وإن كانت تلك الذنوب من الكبائر، وهو تفصيل بمحض الهوى والأماني الباطلة.

وهذا هو الرأي الأول: وهو أنهم كفار ملة خارجون عن الإسلام بارتكابهم الكبائر، مخلدون في النار مع سائر الكفار بتلك المعاصي، وهذا رأي الأزارقة بالإجماع، كما يذكر الشهرستاني فيقول:"اجتمعت الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار"(1).ويقول الأشعري عنهم كذلك: "والأزارقة تقول إن كل كبيرة كفر

وإن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً"، وهذا هو ما يذكره عنهم غيره من العلماء كالملطي، وابن الجوزي، والجيطاني من الإباضية، وابن تيمية، وابن حزم، وغيرهم"(2).ويذكر الشهرستاني أن العجاردة أيضاً كالأزارقة يكفرون أهل الكبائر، إلا أنه لم يبين نوع الكفر الذي يقولون به، فقال في معرض تعداده لآرائهم:"ويكفرون بالكبائر"(3). وهذا يتبادر منه إلى الذهن أنهم يكفرونه كفر ملة، ولكن صاحب كتاب (الأديان) الإباضي يذكر أن رأي العجاردة هذا ورأي أهل الاستقامة – ويعني بهم الإباضية – واحد، وهو الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه كافر كفر نعمة، على حسب ما تقوله الإباضية، وذلك في قوله الآتي:"ويكفرون أهل الكبائر كفر نعمة على قول أهل الاستقامة"(4).

ومن الفرق الأخرى التي توافق الأزارقة أيضاً في الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه كافر- المكرمية، إلا أنهم يختلفون عنهم في سبب كفره، فعند المكرمية أن كفره ليس من حيث تركه للواجبات التي أمر الله بها، أو ارتكابه للمحظورات، بل من حيث أنه جهل حق الله عليه، فلم يقدره حق قدره، وذلك في كل كبيرة يرتكبها، بينما هو عند الأزارقة كافر، بسبب ما ارتكب من محظورات. يقول الأشعري عن رأي المكرمية هذا: ومما تفردوا به أنهم زعموا أن تارك الصلاة كافر، وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر، ولكن من قبل جهله بالله، وكذلك قالوا في سائر الكبائر، وزعموا أن من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وتعالى وبتلك الجهالة كفر لا بركوبه المعصية". وكذلك نقل عنهم البغدادي والشهرستاني وابن حزم (5).

(1)((الملل والنحل)) (1/ 122).

(2)

انظر: ((المقالات)) (1/ 170)، و ((التنبيه والرد)) (ص54)، ((تلبيس إبليس)) (ص95)، ((قواعد الإسلام)) (ص37)، ((الإيمان)) (ص202)، ((الفصل)) (4/ 45)، ((إبانة المناهج)) (ص163)

(3)

[8538])) ((الملل والنحل)) (1/ 138).

(4)

[8539])) كتاب ((الأديان)) (ص104).

(5)

[8540])) انظر: ((المقالات)) (1/ 182)، ((الفرق بين الفرق)) (ص103)، ((الملل والنحل)) (1/ 133)، ((الفصل)) لابن حزم (4/ 191).

ص: 439

ولم يكن الأزارقة هم أول من كفر مرتكب المعاصي من الخوارج، بل إن ذلك الحكم عند المحكمة الأولى الذين يسميهم الملطي بالشراة، ويذكر عنهم بأنهم يكفرون أهل الكبائر والمعاصي، فإذا كانت المحكمة تكفر بالمعاصي، فإن الأزارقة قد قالوا بقولهم أيضاً، ولم يشتهر القول بتكفير المحكمة لأهل الذنوب كاشتهاره عند الأزارقة. قال الملطي:"والشراة كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم، مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم"(1).ومثل هذا عند البغدادي أيضا، فقد ذكر عن المحكمة الأولى أنهم يكفرون أهل الكبائر وخيار الصحابة رضوان الله عليهم بقوله:"فهذه قصة المحكمة الأولى وكان دينهم إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية وأصحابه والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وإكفار كل ذي ذنب ومعصيته"(2).وتكفير أهل الذنوب هو رأي الشبيبية من البيهسية، إلا أنها غالت فيه، فحكمت بالكفر على من اجترح ذنبا، ولو كان جاهلاً الحكم فيه، فقالوا: إن من "واقع حراماً لم يعلم تحريمه فقد كفر"(3).ونجد نحو هذه المقالات عند يزيد بن أنيسة وأصحابه حيث يكفرون كل مذنب، حتى مرتكب الصغيرة، فعنده أن "أصحاب الحدود من موافقيه وغيرهم كفار مشركون، وكل ذنب صغير أو كبير فهو شرك"(4).

أما النجدات فقد فصلوا القول في مرتكب الذنوب وجزائه، وذلك باختلاف حاليه: الإصرار على الذنب وعدمه، فهم يرون أن من ارتكب من المعاصي شيئاً وهو مصر عليه فهو كافر مشرك، ولو كانت هذه المعاصي من صغائر الذنوب، كالنظرة الصغيرة، والكذبة الصغيرة، وأن من ارتكب من تلك المعاصي شيئاً وهو غير مصر عليه فهو مسلم، ولو كانت هذه المعاصي من كبائر الذنوب كالزنى والسرقة وشرب الخمور وغيرها. يقول الأشعري:"وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة، أو كذب كذبة صغيرة، ثم أصر عليها فهو مشرك، وأن من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم"(5). وكذا عند البغدادي والشهرستاني وابن حزم.

(1)[8541])) ((التنبيه والرد)) (ص51).

(2)

[8542])) ((الفرق بين الفرق)) (ص81).

(3)

[8543])) ((الملل والنحل)) (1/ 127).

(4)

[8544])) ((رسالة الدبسي)) (ص28)، ((الملل والنحل)) (1/ 136).

(5)

((المقالات)) (1/ 175)، ((الفرق بين الفرق)) (ص89)، ((الملل والنحل)) (1/ 124)، ((الفصل)) (4/ 190).

ص: 440

ولهم تفصيل آخر بالنسبة لمرتكبي الذنوب إذا كانوا من موافقيهم أو مخالفيهم، وهو أن مرتكب الكبيرة إذا كان منهم فهو غير كافر، بل هو من أهل الولاية. وإذا كان من مخالفيهم فهو كافر من أهل النار، ثم زعموا أن موافقيهم إن عذبهم الله فلعله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم، ثم يدخلهم الجنة. قال الأشعري:"وتولوا أصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم، وقالوا: لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم، فإن فعل فإنما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب، ثم يدخلهم الجنة". وبنحو هذا قال البغدادي والشهرستاني (1) وقال ابن حزم عنهم: "وقالوا (أي النجدات): أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفارا، وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار"(2).هذا بالنسبة لارتكاب الكبائر، أما الصغائر فلا يكفرون بها، كما قال عنهم الجيطالي في نصه الآتي:"وقالت النجدية منهم: الكبائر كلها شرك، وأما الصغائر فلا"(3).ومثل هذه التفرقة في حكم مرتكب الكبيرة بين من يكون من الخوارج ومن يكون من غيرهم نجدها عند الحسينية، وهم من إباضية المغرب، فيرجئون الحكم في موافقيهم، وأما مخالفوهم المرتكبون للكبائر فهم عندهم كفار مشركون، وهذا هو ما يرويه الأشعري عن اليمان بن رباب من أن الحسينية يقولون "بالإرجاء في موافقيهم خاصة، كما حكي عن نجدة، ويقولون فيمن خالفهم: إنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون"(4).

وكأنهم بهذا الحكم الخاطئ يحاكون اليهود والنصارى فيما ذكره الله عنهم بقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، والغريب في هذا التفكير أن يتصور الشخص أن صدور ذنب ما من الذنوب ثم يختلف الناس في حكم ارتكابه، فبعضهم يكفر به، والبعض الآخر لا يكفر به، أو مسكوت عنه، مع أن الكل من أهل التكليف، هذا هو اتباع الهوى والأماني الباطلة.

ولا شك أن النجدات بقولهم هذا يجمعون بين الخطأ في الرأي والتناقض في المذهب، فإلى جانب خطئهم في القول بتكفير مرتكبي الذنوب -كما سنبين ذلك فيما بعد- يتناقضون مع أنفسهم فيفرقون في ذلك الحكم بين من هو منهم، ومن هو من غيرهم، بينما لا فرق بين الاثنين في ارتكاب كل منهما للمعصية، وهو مناط الحكم بالكفر عندهم، بل لقد كان من هو منهم أولى بالتزام الشريعة والتكفير إذا اقترفت معصية ما دام رأيهم تكفير مرتكبي الكبيرة، بخلاف غيرهم ممن لا يرون هذا الرأي، ولا مجال للعصبية المذهبية في التفرقة بينهم وبين غيرهم ما دام مناط الحكم بالتكفير واحدا. وإلا فهو التفرقة بين المتماثلين، والتناقض في الجمع بين النقيضين: التكفير وعدمه في حق مرتكب الكبيرة ومثل ما قلناه هنا عن النجدات، نقوله عن الحسينية، فلا معنى للإرجاء والتوقف في حكم مرتكب الكبيرة إذا كان منهم ما دام مناط الحكم بالتكفير كما قلنا واحدا، وهو ارتكاب الكبيرة، وإلا فهو التفرقة بين المتماثلين والعصبية المذهبية.

(1)((المقالات)) (1/ 175)، ((الفرق بين الفرق)) (ص89)، ((الملل والنحل)) (1/ 124).

(2)

((الفصل)) (4/ 190).

(3)

((قواعد الإسلام)) (ص37).

(4)

((المقالات)) (1/ 198).

ص: 441

ورغم ما تقدم من أقوال مؤرخي الفرق من أن النجدات يكفرون أهل الكبائر، إلا أن هناك روايات تخالف ما ذكر عنهم، وهو أنهم لا يكفرون صاحب الكبيرة، أو يكفرونه كفر نعمة لا كفر ملة، على نحو ما تقوله الإباضية. وهذا ما أشار إليه الطالبي بقوله:"وأما النجدات فيروى عنهم أنهم لا يكفرون صاحب الكبيرة، وأنهم لا يكفرون عليا"(1)، ثم عزا هذا الرأي إلى عثمان العامري الحنبلي في كتابه المخطوط (منهج المعارج).وقد ذكر البغدادي عنهم تكفيرهم لمرتكبي الكبيرة كفر نعمة فقال:"وقالت النجدات منهم: إنه – يعني صاحب الكبيرة – كافر بنعمة، وليس بمشرك"(2).

وهذا القول قاله البغدادي في كتابه (أصول الدين) بينما هو يذكر في كتابه (الفرق بين الفرق) كما أشرنا إليه سابقاً أن المصر على الذنب يكون مشركاً، وإن صغر هذا الذنب وكما فرق القائلون بتكفير مرتكبي الذنوب بين مرتكب الكبيرة أو الصغيرة، وكذلك بين من كان مصراً ومن لم يكن كذلك، إلى غير ذلك من الاعتبارات السابقة – فإن هناك من أصحاب هذا الرأي من يفرقون في هذا الحكم حسب اعتبارات أخرى. فالصفرية - كغيرهم من الفرق السابقة - يرون أن أهل الذنوب كفار، قال الأشعري:"ومن قول الصفرية وأكثر الخوارج أن كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك، وكل شرك عبادة للشيطان"، ونحوه عند البغدادي والجيطالي (3).لكن قوماً من الصفرية يذهبون إلى التفرقة بين من ارتكب ذنباً فحد عليه، وحينئذ يكفر، أو لم يحد عليه، فيبقى على الإيمان إلى أن يحد، وهذا ما يرويه الأشعري حكاية عن اليمان بن رباب الخارجي بقوله: "وحكى اليمان بن رباب الخارجي أن قوماً من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على أن كل من واقع ذنباً عليه حرام لا يشهد عليه بأنه كفر حتى يرفع إلى السلطان ويحد عليه، فإذا حد عليه فهو كافر، إلا أن البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم. وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الإيمان حتى تقام عليهم الحدود. وهكذا عند البغدادي (4).

وينظر بعض الصفرية في الحكم بالتكفير إلى العمل نفسه، فإن وجد له حد في كتاب الله، كالزنا والسرقة والخمر والقتل، فلا يسمى صاحبه إلا بذلك الاسم، فيقال له: زان وسارق وشارب خمر هكذا، وحكمه أنه غير كافر، ولكنه ليس بمؤمن أيضاً، وفي هذا رفع للنقيضين كما لا يخفى. أو لم يوجد له حد مبين في كتاب الله، كترك الصلاة والحج والصوم ونحو ذلك، فمرتكبه كافر وليس بمؤمن كذلك. يقول البغدادي:"وقد زعمت فرقة من الصفرية أن ما كان من الأعمال عليه حد واقع لا يسمى صاحبه إلا بالاسم الموضوع له، كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد وليس صاحبه كافراً ولا مشركاً، وكل ذنب ليس فيه حد كترك الصلاة والصوم- فهو كفر وصاحبه كافر، وأن المؤمن المذنب يفقد اسم الإيمان في الوجهين جميعا"(5). ونحو هذا عند الشهرستاني وابن حزم.

وفيما يتعلق بالبيهسية، فإنهم يرون أن أهل الذنوب مشركون، ومثلهم من جهل الدين، إلا في ذنب لم يحكم الله فيه بتغليظ عذاب فاعله، فهذا مغفور.

(1)((آراء الخوارج)) (ص142) عن (منهج المعارج)(ص350).

(2)

((أصول الدين)) (ص250).

(3)

((المقالات)) (1/ 196)، ((الفرق بين الفرق)) (ص91)، ((قواعد الإسلام)) (ص39).

(4)

((المقالات)) (1/ 197)، ((الفرق بين الفرق)) (ص91).

(5)

((الفرق بين الفرق)) (ص91، ((الملل والنحل)) (1/ 137)، ((الفصل)) (4/ 191).

ص: 442

والتائبون من الذنوب في مواضع الحدود المقرون على أنفسهم بارتكابها هؤلاء مشركون كفرة أيضاً؛ لأن الحدود عندهم لا تقع إلا على كافر معلوم الكفر، وبإقراره وتوبته علم كفره حينذاك، وهذا من أغرب ما يكون، أي أن نحكم على الشخص حين يعلن توبته. قال الأشعري: "وقالت البيهسية: الناس مشركون بجهل الدين، مشركون بمواقعة الذنوب، وإن كان ذنب لم يحكم الله فيه حكماً مغلظاً، ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور

وقالوا: التائب في موضع الحدود وفي موضع القصاص، والمقر على نفسه يلزمه الشرك، إذا أقر من ذلك بشيء وهو كافر؛ لأنه لا يحكم بشيء من الحدود والقصاص إلا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله" (1).ويقابل هذا التشدد منهم تساهل وتسامح مع السكارى، حتى كان السكران حين يرتكب جريمة سكر تسقط عنه جميع التكاليف الشرعية، وجميع ما يصدر عنه في تلك الحال من آثام، "وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة، أو شتم الله سبحانه، فهو موضوع لا حد فيه، ولا حكم، ولا يكفر أهله بشيء من ذلك، ما داموا في سكرهم" (2). إلا أن طائفة منهم تسمى العوفية تقول:"السكر كفر إذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه"(3).وبعض البيهسية يقولون: "من واقع زنا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد"(4). وقبل الرفع إلى الإمام أو الوالي يبقى حكمه معلقاً لا مؤمناً ولا كافراً، والبغدادي ينسب هذا الرأي لكل البيهسية، وكأن الطهارة من الآثام بالحدود لا ترفع عنه الإثم. وهذا خلاف ما عليه المسلمون، فإن وقوع الحد على المذنب وخصوصاً التائب المقر بذنبه تجعله في عداد التائبين الذين عفى الله عنهم، كما قال عليه الصلاة والسلام في حق ماعز:((لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم)) (5)، وفي حق الغامدية قال عليه السلام لعمر حين سأله عن الصلاة عليها:((لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم)) (6)، وقال عليه الصلاة والسلام في بيان أن الحدود كفارة لمن وقعت عليه:((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا – وقرأ هذه الآية كلها: - فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه)) (7).ولا يستبعد منهم هذا التشدد والتنطع، فقد خالفوا ما قرره القرآن في بعض الأحكام، فبينما الله تعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر: 18] ، إذا بهم يقررون أنه إذا كفر الإمام كفرت الرعية (8).ويجدر بنا في نهاية سياقنا لآراء الخوارج القائلين بتكفير العصاة أن نذكر أن منهم من تردد بين الحكم بتوليهم، أو التبرؤ منهم، أو التوقف في شأنهم، وهم فرقة الضحاكية من الخوارج، وهذا ما ذكره الأشعري عن هذه الفرقة بقوله:"واختلفوا في أصحاب الحدود، فمنهم من برئ منهم، ومنهم من تولاهم، ومنهم من وقف، واختلف هؤلاء في أهل دار الكفر عندهم، فمنهم من قال: هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه، ومنهم من قال: هم أهل دار خلط فلا نتولى إلا من عرفنا فيه إسلاماً، ونقف فيمن لم نعرف إسلامه، وتولى بعض هؤلاء بعضاً على اختلافهم، وقالوا: الولاية تجمعنا"(9).

‌المصدر:

الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص336

(1)((المقالات)) (1/ 295، ((الفرق بين الفرق)) (ص109).

(2)

((المقالات)) (1/ 195، ((الفرق بين الفرق)) (ص109).

(3)

((الفرق بين الفرق)) (ص109، ((الملل والنحل)) (1/ 127).

(4)

((المقالات)) (1/ 194، ((الفرق بين الفرق)) (ص109، ((الملل والنحل)) (1/ 127).

(5)

رواه مسلم (1695).

(6)

رواه مسلم (1696).

(7)

رواه البخاري (6784). وقوله وقرأ هذه الآية كلها يشير إلى الآية رقم 12 من سورة الممتحنة.

(8)

((المقالات)) (1/ 194)، ((الفرق بين الفرق)) (ص109)، ((الملل والنحل)) (1/ 126).

(9)

((مقالات الإسلاميين)) (1/ 189).

ص: 443