المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: بم يدرك حسن الأفعال وقبحها والثواب عليها والعقاب عند المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: رأي المعتزلة في أفعال العباد

- ‌المبحث الرابع: أفعال التولد

- ‌المبحث الخامس: رأي المعتزلة في اللطف والصلاح والأصلح ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: مسالة اللطف

- ‌المطلب الثاني: مسألة الصلاح والأصلح

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في بعثة الرسل

- ‌الفصل الرابع: الأصل الثالث الوعد والوعيد

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في الوعد

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الوعد مع المناقشة

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوعيد

- ‌المطلب الأول: شبهات المعتزلة التي أيدوا بها رأيهم في الوعيد مع المناقشة:

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الشفاعة ورأي المعتزلة فيها

- ‌المطلب الأول: عرض ما تيسر من شبهات المعتزلة التي يؤيدون بها رأيهم في الشفاعة مع المناقشة

- ‌المبحث الرابع: الإحباط والتكفير عند المعتزلة ومناقشتهم

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإحباط

- ‌الفصل الخامس: الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين

- ‌الفصل السادس: الأصل الخامس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقسامه

- ‌المطلب الأول: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة وأقسامه:

- ‌المبحث الثاني: رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكم الخروج على السلطان وقتال المخالف لهم، وهل يفرقون بين قتال الكافر والفاسق

- ‌المبحث الثالث: مناقشة رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان رأي أهل السنة:

- ‌المبحث الأول: حقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: الصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابع: منهج المعتزلة في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد

- ‌المبحث الأول: منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من السنة

- ‌المبحث الثالث: صور من انحرافات المعتزلة عن السنة

- ‌المبحث الأول: التطور الفكري للمعتزلة

- ‌المبحث الثاني: التطور السياسي للمعتزلة

- ‌المطلب الأول: نشأة الفرقة وتكونها في العصر الأموي

- ‌المطلب الثاني: المعتزلة في العصر العباسي

- ‌المطلب الثالث: المعتزلة بعد المتوكل

- ‌المطلب الرابع: المعتزلة في عصر البويهيين

- ‌المبحث الأول: وظيفة العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مجال العقل في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نشأة الفرق العقلية

- ‌المبحث الرابع: مفهوم العقل عند المعتزلة

- ‌المبحث الخامس: من مباحث المعتزلة المجافية للعقل والمخالفة للسنة

- ‌المبحث الأول: موقف المعتزلة من الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثاني: أثر أصولهم الخمسة العقدية في آرائهم الأصولية

- ‌المبحث الثالث: مناقشة المعتزلة في خوارق العادات

- ‌المبحث الرابع: موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل

- ‌المبحث الخامس: ذكر ما حرفت المعتزلة من معاني التنزيل لإبطال صفة الكلام

- ‌المبحث السادس: بين المعتزلة والقدرية والجهمية

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نماذج من تأويلات المعتزلة لنصوص الصفات والقدر

- ‌المطلب الثاني: مقارنة بين منهج المعتزلة ومنهج الجهمية في التأويل

- ‌المطلب الثالث: ذكر شبه المعتزلة في القول بخلق القرآن ونقضها

- ‌المطلب الرابع: أفول المدرسة العقلية القديمة:

- ‌المطلب الخامس: موقف السلف من المعتزلة وتأويلاتهم

- ‌المبحث الثامن: المعتزلة في ميزان أئمة السلف

- ‌المبحث الأول: المدرسة العقلية الحديثة وفكر الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: نشأة المدرسة العقلية الحديثة

- ‌المطلب الأول: جمال الدين الأفغاني

- ‌المطلب الثاني: محمد عبده

- ‌المبحث الرابع: أثرها في الفكر الإسلامي الحديث

- ‌المبحث الخامس: موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية

- ‌المبحث السادس: موقف علماء المسلمين منهم

- ‌المبحث السابع: موقف الاستعمار البريطاني منهم واعترافه بما قدموه له من خدمات

- ‌النتيجة

- ‌الخاتمة

- ‌الفصل الأول: وجود الخوارج في الماضي والحاضر

- ‌المبحث الأول: تعريف الخوارج لغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الخوارج اصطلاحا

- ‌الفصل الثالث: نشأة الخوارج

- ‌الفصل الرابع: أسماء الخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: النزاع حول الخلافة

- ‌المبحث الثاني: قضية التحكيم

- ‌المبحث الثالث: جور الحكام وظهور المنكرات بين الناس

- ‌المبحث الرابع: العصبية القبلية

- ‌المبحث الخامس: العامل الاقتصادي

- ‌المبحث السادس: الحماس الديني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نشأة فرق الخوارج وأسبابها

- ‌المبحث الثاني: مناهج مؤرخي الفرق في ذكر فرق الخوارج

- ‌المطلب الأول: المحكمة

- ‌المطلب الثاني: الأزارقة

- ‌المطلب الثالث: النجدات

- ‌المطلب الرابع: الإباضية

- ‌المطلب الخامس: البيهسية

- ‌المطلب السادس: الصفرية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: حركات الخوارج على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النهروان

- ‌المبحث الثاني: حركات الخوارج الثورية ضد الحكم الأموي

- ‌المبحث الثالث: حركات الخوارج الثورية على الدولة العباسية

- ‌المبحث الأول: شجاعتهم وسرعة اندفاعهم

- ‌المبحث الثاني: مبالغتهم في العبادة والزهد

- ‌المبحث الثالث: فصاحتهم وقوة تأثيرهم

- ‌المبحث الرابع: صدقهم في الحديث

- ‌المبحث الخامس: ميلهم إلى الجدل وقوتهم فيه

- ‌المطلب الأول: بين العقل والشرع في التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: بين ظاهر النص والتأويل

- ‌تمهيد

- ‌1 - صفات الله تعالى

- ‌2 - رؤية الله تعالى

- ‌3 - القول بخلق القرآن

- ‌4 - القدر

- ‌1 - وجود الجنة والنار قبل يوم القيامة

- ‌2 - عذاب القبر

- ‌3 - الشفاعة

- ‌4 - الميزان

- ‌5 - الصراط

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حقيقة الإيمان

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين الإسلام والإيمان

- ‌المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة

- ‌المطلب الثاني: الحكم بتكفير العصاة كفر نعمة

- ‌المطلب الثالث: حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية

- ‌المطلب الرابع: وجوب الوعد والوعيد

- ‌المطلب الخامس: أدلة الخوارج على تكفير العصاة والرد عليها

- ‌أ- أدلتهم من الكتاب والرد عليها:

- ‌ب- أدلة الخوارج من السنة والرد عليها:

- ‌المطلب السادس: أدلة الإباضية على تكفير المذنبين كفر نعمة والرد عليها

- ‌المطلب السابع: تعقيب على آراء الخوارج في أمر العصاة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: حكم الإمامة

- ‌المطلب الثاني: وحدة الإمامة

- ‌المطلب الثالث: شروط الإمام

- ‌المطلب الرابع: محاسبة الإمام والخروج عليه

- ‌المطلب الخامس: رأي الخوارج في إمامة المفضول

- ‌المطلب السادس: رأي الخوارج في إمامة المرأة

- ‌المطلب السابع: الفرق بين الخوارج والشيعة في الإمامة

- ‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تمهيد:

- ‌أ- القول بعدم جواز التقية

- ‌ب- القول بجواز التقية قولا وعملا

الفصل: ‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

‌المبحث السادس: آراء الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي لا يماري فيه مسلم لوروده في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. ويقول صلى الله عليه وسلم:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (1).وهذا الأمر عام لكل من يصلح له هذا الخطاب، ويقول عليه الصلاة والسلام موجباً – حتى على الجالسين على الطرقات – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إياكم والجلوس بالطرقات، فقالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، فقالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (2). والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وقد اتفق على القول بوجوب تغيير المنكر كل الفرق – وإن اختلف بعضهم عن بعض في الطريقة التي يتم بها – ومنهم الخوارج، يقول ابن حزم في هذا:" وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك"(3).ويقول القاضي عبدالجبار: " وجملة ما نقول في هذا الموضع أنه لا خلاف بين الأمة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(4). وقد اتفق أهل العلم على أنهما فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين. يقول الحنبلي في مختصر الفتاوى لابن تيمية: " والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات"(5).والخوارج – كما قدمنا – كغيرهم من الفرق الإسلامية التي تنادي بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنهم غالوا في تطبيقه فأوجبوا الخروج تغييراً للمنكر ولو لأدنى سبب وعلى أي حال، حتى ولو كان السبب إهمال الإمام لسنة من السنن مهما كانت، ويقول الشهرستاني: إنهم " يرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقاً واجباً"(6).ويقول صاحب إبانة المناهج: إن من أصولهم " القول بالخروج على الإمام الجائر"(7)، ويقول فلهوزن:"وتغيير المنكر واجب على كل فرد بلسانه وبيده، وهذا المبدأ إسلامي عام، ولكن تحقيقه بمناسبة وغير مناسبة كان علامة دالة على الخوارج"(8). وسنتبين طريقتهم فيما يأتي من عرض أقوالهم. يقول أول رئيس للخوارج وهو عبد الله بن وهب الراسبي مخاطباً أتباعه حين اجتمعوا في منزله موجباً عليهم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج من أجله: "وما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينسبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا التي إيثارها عناء؛ آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق، فاخرجوا بنا"(9).

(1) رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري (6229).

(3)

((الفصل)) (4/ 171).

(4)

((شرح الأصول الخمسة)) (ص 741).

(5)

((مختصر الفتاوى)) (ص 579).

(6)

((الملل والنحل)) (1/ 115).

(7)

((إبانة المناهج)) (ص 154).

(8)

((الخوارج والشيعة)) (ص 41).

(9)

((تلبيس إبليس)) (ص 92).

ص: 494

وهذا النص يوضح تمام الوضوح نظرهم إلى فكرة تغيير المنكر وحمل الناس على التزام المعروف كما يريدون، فهو يدعو إلى الخروج المسلح وترك شهوات الدنيا والرغبة في الآخرة وخوض المعارك والاستشهاد في سبيل الله؛ لأجل تغيير المنكرات التي يرونها في مجتمعهم ذلك. والخوارج – وهو ما تميزوا به كما قلنا – أرادوا بإقامة هذا الأمر حمل كافة الناس على قبول آرائهم واعتبار كل شيء لا يوافق ما يعتقدونه منكراً يجب الامتناع عنه، وكانوا يولون ذلك أكبر الاهتمام والمحافظة البالغة على تطبيقه تطبيقاً كاملاً صغر الأمر أو كبر دون هوادة في ذلك مهما كانت النتائج، ولو أدى تغيير المنكر إلى الجهاد الجماعي لمخالفيهم بامتشاق السيف وخوض الحروب، خصوصاً إذا كان المرتكب لذلك المنكر – في نظرهم – أحد حكام المسلمين الذي يمثل بطبيعة وظيفته الخلافة الإسلامية، ويناط به الحكم بما أنزل الله، فإن الخروج عليه أوجب وأولى، وفي هذا يقول أحد علمائهم وهو سليمان ابن عبد الله الباروني أن الشراة هم الذين "اشتروا آخرتهم بدنياهم، بمعنى أنهم تخلوا عن الدنيا وعاهدوا الله على إنكار المنكر والأمر بالمعروف بدون مبالاة ولا خوف من الموت ولو أدى بهم ذلك إلى القتال"(1).

وكان زعماؤهم يرددون في كل خطبة لهم على مسامع إخوانهم الخوارج أن تغيير المنكر من الأمور الواجبة عليهم التي لا يعذر الله من قصر في القيام بها؛ نظراً لما شاع في المجتمع من المظالم وإضاعة معالم الدين. يقول حيان بن ظبيان وهو أحد رؤسائهم يخاطب أصحابه: " فانصرفوا بنا رحمكم الله إلى مصر فلنأت إخواننا فلندعهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى جهاد الأحزاب، فإنه لا عذر لنا في القعود وولاتنا ظلمة، وسنة الهدى متروكة، وثأرنا الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون"(2).ويقول أيضاً معاذ بن جوين الطائي في "دوافع خروجهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الإعذار في ذلك: " يا أهل الإسلام إنا والله لو علمنا أنا إذا تركنا جهاد الظلمة وإنكار الجور كان لنا به عند الله عذر لكان تركه أيسر علينا وأخف من ركوبه، ولكنا قد علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا وقد جعل لنا القلوب والأسماع حتى ننكر الظلم ونغير الجور ونجاهد الظالمين" (3).

(1)((الأزهار الرباضية)) (ص 210).

(2)

((تاريخ الطبري)) (ج، 5/ 174).

(3)

((تاريخ الطبري)) (5/ 174) وانظر (ص 310)، وانظر ((الكامل)) للمبرد (2/ 179).

ص: 495

ويجري هذا المجرى في بيان دوافع الخوارج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يقوله صالح بن مسرح مخاطباً جماعته: "ما أدري ما تنتظرون؟! حتى متى أنتم مقيمون؟ هذا الجور قد فشا، وهذا العدل قد عفا، ما تزداد هذه الولاة على الناس إلا غلواً وعتواً وتباعداً عن الحق وجرأة على الرب، فاستعدوا وابعثوا إلى إخوانكم الذين يريدون من إنكار الباطل والدعاء إلى الحق مثل الذي تريدون فيأتوكم فنلتقي وننظر فيما نحن صانعون، وفي أي وقت إن خرجنا نحن خارجون".ويقول شبيب مخاطباً صالح بن مسرح المذكور: " اخرج بنا رحمك الله، فوالله ما تزداد السنة إلا دروساً، ولا يزداد المجرمون إلا طغياناً"(1).فدوافع الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جرت على ألسنتهم دوافع دينية تتمثل في ما بدا لهم من شيوع المنكرات والمظالم بين الناس والحكام ومن اندراس معالم الدين في المجتمع، بل إن نافع بن الأزرق كان يرى أن مخالفيهم كفار يجب جهادهم كجهاد الكفار الذين لم ينطقوا بكلمة الشهادة، فقد جاء في كتابه إلى أهل البصرة قوله يحثهم على الخروج:" والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة والدين واحد، ففيم المقام بين أظهر الكفار؟ ترون الظلم ليلاً ونهاراً، وقد ندبكم الله إلى الجهاد"(2) إلخ. ويقول الطبري: " وكانت الخوارج يلقى بعضهم بعضاً ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان، ويرون في الإقامة الغبن والوكف وأن في جهاد أهل القبلة الفضل والأجر"(3).وقد بالغوا في حب الجهاد والاستبسال فيه إلى حد وصفه أبو زهرة بأنه هوس واضطراب في أعصابهم وليس مجرد شجاعة كما يرى فيقول: " بل هناك صفات أخرى منها: حب الفدا، والرغبة في الموت والاستهداف للمخاطر من غير داع قوي يدفع إلى ذلك، وربما كان منشؤه هوساً عند بعضهم واضطراباً في أعقابهم لا مجرد الشجاعة "(4).فكانوا إذا دعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستعملون في سبيل تحقيقه كل ما لديهم من قدرة، ولا ينظرون إلى العواقب أياً كانت تلك العواقب، وكانوا كما يصفهم أحمد أمين " أشد وأقسى وأعنف، فمتى اعتقدوا الحق في شيء نفذوه بالسيف، ولهذا كان تاريخهم سلسلة حروب وخروج على الخليفة". ويقول أيضاً: " فالواجب في نظر الخوارج يجب أن يفعل ثم لتكن النتيجة ما تكون، وظلوا مخلصين لهذا المبدأ طوال العهد الأموي وصدر الدولة العباسية حتى أبيدوا "(5).وقد اعتبر العلامة ابن القيم هذا الاندفاع والعنف في تحقيق ما يريدون بأنه من تعصب أهل البدع لبدعهم، وأنهم يخرجون بعدهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع، فيرى أن الخوارج أخرجت استحلال قتال الناس في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك في قوله:" وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "(6).

(1)((تاريخ الطبري)) (5/ 219).

(2)

((تاريخ الطبري)) (5/ 174، وانظر (ص 310، ((الكامل)) للمبرد (2/ 179).

(3)

((تاريخ الطبري)) (5/ 174).

(4)

((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (1/ 67).

(5)

((ضحى الإسلام)) (3/ 67).

(6)

((إغاثة اللهفان)) (2/ 81).

ص: 496

فهو يختلف مع الأستاذ أبي زهرة في تعليل ذلك الاندفاع الذي تميز به الخوارج. وأياً كانت دوافع الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد كانوا متحمسين في القياس به مستعملين في ذلك كل ما في إمكانهم من قول وفعل، فقد كانوا يستعملون فصاحتهم وقوة بيانهم لإظهار معايب خصومهم واضحة أمام الناس لإثارة مشاعرهم ضدهم وبالتالي لتهوين الخروج المسلح عليهم بحجة أنهم ظلمة جائرون مرتكبون لما حرم الله من معاص ومنكرات يجب عليهم تغييرها كما يفرضه عليهم الدين، يصفهم صاحب (كتاب الأديان والفرق) بأنهم:" أول من أنكر المنكر على من عمل به، وأول من أبصر الفتنة وعابها على أهلها لا يخافون في الله لومة لائم "(1).

وهكذا فقد اعتبروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمراً جماعياً يجب على الكل القيام به في أي وقت وعلى أي حال، كما يشهد بذلك فعلهم.

والواقع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – كما ذكرنا من قبل – أصل من أصول الدين، مجمع على وجوبه بين الأمة لما ورد من نصوص في كتاب الله وسنة نبيه توجب القيام به؛ حفظاً لكيان الأمة من التردي في مسالك الرذيلة، ونصحاً للناس؛ لئلا يصبح المجتمع على اتفاق فيما بينهم على ارتكاب الجرائم وانتهاك الأعراض، فتحل عليهم نقمة الله وغضبه.

ومن لطف الله أن جعل وجوبه على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الجميع، وأنه لم يكلف أحداً بهداية أحد بل أوجب تعالى إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعل نتيجة ذلك إليه تعالى وحده؛ لئلا يهن الشخص وييأس من استجابة الناس له؛ فيترك فضيلة القيام الأمر.

وقد يخدع الشيطان بعض الناس فيريه أنه هو نفسه على محذور فكيف ينصح الآخرين، وهذا من وساوس الشيطان ومكائده التي يريد بها حصر كل إنسان في نفسه فقط؛ ولهذا فيجب على الشخص أن يدعو إلى ذلك وإن كان على تقصير في نفسه إذ الكمال لله وحده تعالى، ولعل في نهيه لغيره ما يعود عليه بالخير فيرتدع عن كثير مما ينهي الناس عنه حياء من الله.

وقد يظن بعض الناس بأن القيام بتلك المهمة إنما يتولاها من كان من أهل السلطة فقط، وهذا خطأ؛ إذ أن الله لم يسند القيام به إلى أحد بخصوصه، سواء كان حاكماً أو محكوماً، أفراداً أو جماعات، فإن كل واحد يتعين عليه القيام بما يعرف من أمر الإسلام؛ لأن هناك منكرات ظاهرة يعرفها كل شخص فلا يعذر بترك الإنكار حين يتعين عليه ذلك بحجة أنه غير عالم.

وهناك منكرات قد تخفى على بعض الناس بحيث لم يتبين له الحكم فيها، وهنا يسقط عنه وجوب تغييره، وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يسير على ما نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق في ذلك؛ حيث جعل لتغيير المنكر مراتب ودرجات وأولها التغيير باليد وهو أجدى الطرق وأحسنها، فإن لم يتيسر ذلك انتقل إلى ذلك إلى الدرجة الثانية وهو التغيير باللسان فحسب أثمر ذلك أم لم يثمر، فإن كان المجتمع قد تشبع بحب الفساد ووصل الحال إلى حد لا يمكن معه الإصلاح باليد أو باللسان؛ انتقل إلى أضعف الدرجات وهو الإنكار بالقلب، وهو إن كان ليس تغييراً للمنكر إلا استشعار للمسؤولية وإنكار على المفسدين حتى يشعروا بأنهم عزلة عن المجتمع الإسلامي، ولابد أن يقلعوا عن فسادهم إذا أرادوا العودة إلى مجتمعهم، ومن ناحية أخرى فإن في الإنكار بالقلب ضمان لعدم تأثر الصالحين بفساد المفسدين.

وفيما يتعلق بمسلك الخوارج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء ما قدمنا من حدود الشريعة؛ فإننا نجد أن الخوارج لا لوم عليهم في مناداتهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يلامون على ما تميزوا به من اندفاع وتهور في تغيير المنكر على أي حال دون النظر في عواقب الأمور من تحقيق لمصلحة أو دفع لمضرة، فكانوا يمتشقون السيوف بمجرد ظهور أي مظلمة أو ذنب مهما كان، ولهذا فقد ارتكبوا في سبيل تحقيق ذلك أفظع الجرائم وأشنعها، وارتكبوا من المنكرات في إزالة ما يرونه منكراً ما يزيد على أضعافه، وجلبوا من المضار أكثر مما أرادوا النفع، وهذا هو ما يبعد بهم عن هدي الإسلام في إقامة تلك القاعدة الجليلة.

‌المصدر:

الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص437

(1)((كتاب الأديان)) (ص 97).

ص: 497