الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: مناقشة المعتزلة في خوارق العادات
والمعتزلة قبلهم ظنوا أن مجرد كون الفعل خلافاً للعادة هو الآية على صدق الرسول فلا يجوز ظهور خارق إلا لنبي، والتزموا طرداً لهذا إنكار أن يكون للسحر تأثير خارج عن العادة مثل أن يموت ويمرض بلا مباشرة شيء، وأنكروا الكهانة وأن تكون الجن تخبر ببعض المغيبات وأنكروا كرامات الأولياء، فأتى هؤلاء فأثبتوا ما أثبته الفقهاء وأهل الحديث من السحر والكهانة والكرامات.
لكن قيل لهم فميزوا بين هذا وبين المعجزات؟ فقالوا: لا فرق في نفس الجنس، وليس في جنس مقدورات الرب ما يختص بالأنبياء، لكن جنس خرق العادة واحد، فهذا إذا اقترن بدعوى النبوة وسلم عن المعارضة عند تحدي الرسول بالمثل فهو دليل، فهي عندهم لم تدل لكونهم في نفسها وجنسها دليلاً، بل إذا استدل بها المدعي للنبوة كانت دليلاً وإن لم تكن دليلاً، ومن شرط الدليل سلامته عن المعارضة، وهي عندهم غاية الفرق، فإذا قال المدعي للنبوة: ائتوا بمثل هذه الآية فعجزوا كان هذا هو المعجز المختص بالنبي وإلا فيجوز عندهم أن تكون معجزات الرسول من جنس ما للسحرة والكهان من الخوارق إذا استدل بها الرسول.
فالحجة عنده مجموع الدعوى والخارق لا الخارق وحده، والاعتبار بالسلامة عن المعارض بل قد لا يشترطون أن يكون خارقاً للعادة، لكن يشترطون أن لا يعارض وعجز الناس عن المعارضة مع أنه معتاد لا خارق للعادة، فالاعتبار عندهم بشيئين باقترانه بالدعوى وتحديه لمن دعاهم أن يأتوا بمثله فلا يقدرون.
قالوا وخوارق الأنبياء يظهر مثلها على يد الساحر والكاهن والصالح ولا يدل على النبوة لأنه لم يدعها قالوا ولو ادعى النبوة أحد من أهل هذه الخوارج مع كذبه لم يكن بد من أن الله يعجزه عنها فلا يخلقها على يده أو يقبض له من يعارضه فتبطل حجته، وإذا قيل لهم لم قلتم أن الله لابد أن يفعل هذا وهذا، وعندكم يجوز عليه كل شيء؟ ولا يجب عليه فعل شيء؟ ولا يجب منه فعل شيء؟ قالوا: لأنه لو لم يمنعه من ذلك أو يعارضه بآخر لكان قد أتى بمثل ما يأتي به النبي الصادق فتبطل دلالة آيات الأنبياء.
فإذا قيل لهم: وعلى أصلكم يجوز أنه يبطل دلالتها، وعندكم يجوز عليه فعل كل شيء؟ أجابوا بالوجهين المتقدمين: أما لزوم أنه ليس بقادر، أو أن الدلالة معلومة بالاضطرار، وقد عرف ضعفها، ثم هنا يلزمهم شيء آخر، وهو أنه لما قلتم أن المعجز الذي يدل به على صدق الأنبياء ما ذكرتموه من مجرد كونه خارقاً مع الدعوى، وعدم المعارضة فإن هذا يقال أنه باطل من وجوه.
أحدها أنه إذا كان من يأتي به الساحر والكاهن، لكان أولئك يعارضون وهذا لا يعارض، فالاعتبار إذن بعدم المعارضة، فقالوا كل من ادعى النبوة وقال: معجزتي أن لا يدعيها غيري فهو صادق، أو لا يقدر غيري على دعواها فهو صادق، أو أفعل أمراً معتاداً من الأكل والشرب واللباس، ومعجزتي أن لا يفعله غيري أو لا يقدر غيري على فعله، فهو صادق، فالتزموا هذا، وقالوا المنعم من المعتاد كإحداث غير المعتاد، وعلى هذا فلو قال الرسول: معجزتي أني أركب الحمار، أو الفرس، أو آكل هذا الطعام أو ألبس هذا الثوب أو أعذر إلى ذلك المكان وأمثال ذلك، وغيره لا يقدر على ذلك، كان هذا آية دعواه وهذا لا ضابط له، فإن ما يعجز عنه قوم دون قوم لا ينضبط، ولكن هذا يفسد قول من فسرها بخرق العادة، فإن العادات تختلف وقد ذكروا هذا وقالوا المعجزة عند كل قوم ما كان خرقاً لعادتهم، وقالوا يشترط أن تكون خارقة لعادة من دعاهم، وإن كان معتاداً لغيرهم، وقالوا إذا كان المدعي كذاباً فإن الله يقبض له من يعارضه من أهل تلك الصناعة، أو يمنعه من القدرة عليها وهذا وجه ثان يدل على فساد ما أصلوه والمعتزلة.
الوجه الثالث أن المعارضة بالمثل أن يأتي بحجة مثل حجة النبي وحجته عندهم مجموع دعوى النبوة والإثبات بالخارق، فيلزم على هذا أن تكون المعارضة بأن يدعي غيره النبوة، ويأتي بالخارق، وعلى هذا فليست معارضة الرسول بأن يأتوا بالقرآن، أو عشر سور أو سورة، مثل أن يدعي أحدهم النبوة، ويفعل ذلك، وهذا خلاف العقل والنقل، ولو قال الرسول لقريش لا يقدر أحد منكم أن يدعي النبوة ويأتي بمثل القرآن، وهذا هو الآية، وإلا فمجرد تلاوة القرآن ليس آية، بل قد يقرؤه المتعلم له، فلا تكون آية، لأنه لم يدع النبوة ولو ادعاها لكان الله ينسيه إياه، أو يقيض له من يعارضه كما ذكرتم، لكانت قريش وسائر العلماء يعلمون أن هذا باطل.
الرابع أنه إذا كان اعتمادكم على عدم المعارضة فقولوا ما قاله غيركم وهو أن آية سلامة ما يقوله من التناقض وأن كل من ادعى النبوة، وكان كاذباً فلابد أن يتناقض أو يقيض الله له من يقول مثل ما قال، وأما السلامة من التناقض من غير دعوى النبوة فليست دليلاً فهذا خير من قولكم فإنه قد علم أن كل ما جاء من عند غير الله فإنه لا بد أن يختلف ويتناقض وما جاء من عند الله لا يتناقض كما قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82].
وأما دعوى الضرورة فمن ادعى الضرورة في شيء دون شيء مع تمثالهما، وعدم الفرق بينهما في نفس الأمر كانت دعواه مردودة بل كذباً، فإن وجود العلم الضروري بشيء دون شيء لابد أن يكون لفرق إما في المعلوم وإما في العالم، وإلا فإذا قدر تساوي المعلومات وتساوي حال العالم بها لم يعلم بالضرورة أحد المتماثلين دون الآخر.
الخامس: أنه لابد أن تكون الآية التي للنبي أمراً مختصاً بالأنبياء فإن الدليل مستلزم للمدلول عليه، فآية النبي هي دليل صدقه وعلامة صدقه وبرهان صدقه فلا توجد قط إلا مستلزمة لصدقه، وقد ادعوا أن آيات صدقهم تكون منفكة عن صدقهم تكون لساحر وكاهن ورجل صالح، ولمدعي الإلهية لكن لا تكون لمن يكذب في دعوى النبوة فجوزوا وجود الدليل مع عدم المدلول عليه إلا إذا ادعى المدلول عليه كاذب، واستدلوا على ذلك بأن الساعة تخرق عندها خوارق، ولا تدل على صدق أحد، ولو ادعى مدعي النبوة مع تلك الخوارق لدلت، قالوا فعلم إن جنس ما هو معجز يوجد بدون صدق النبي، لكن مع دعوى النبوة لا يوجد إلا مع الصدق والآية عندهم الدعوى والخارق والصدق هو المدلول عليه فلا يكون ذلك كذلك إلا مع هذا، وأما وجود الخارق مجرداً عن الدعوى فليس بدليل ولا فرق عندهم بين خارق وخارق، وخارق معتاد عند قوم دون قوم وليس لهم ضابط في العادات.
ولسائل أن يقول: جميع ما يفعله الله من الآيات في العالم فهو دليل على صدق الأنبياء ومستلزم له، وإن كانت الآيات معتادة لجنس الأنبياء أو لجنس الصالحين الذين يتبعون الأنبياء فهي مستلزمة لصدق مدعي النبوة فإنها إذا لم تكن إلا لنبي، أو من يتبعه لزم أن يكون من أحد القسمين، والكاذب في دعوى النوبة ليس واحداً منهما، فالتابع للأنبياء الصالح لا يكذب في دعوى النبوة قط ولا يدعيها إلا وهو صادق كالأنبياء المتبعين لشرع موسى، فإذا كان آية نبي إحياء الله الموتى لم يمتنع أن يحيي الله الموتى لنبي آخر، أو لمن يتبع الأنبياء كما قد أحيى الميت لغير واحد من الأنبياء ومن اتبعهم، وكان ذلك آية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة من قبله إذا كان إحياء الموتى مختصاً بالأنبياء وأتباعهم.
وكذلك ما يفعله الله من الآيات والعقوبات بمكذبي الرسل كتغريق فرعون وإهلاك قوم عاد بالريح الصرصر العاتية، وإهلاك قوم صالح بالصيحة وأمثال ذلك، فإن هذا جنس لم يعذب به إلا من كذب الرسل، فهو دليل على صدق الرسل، وقد يميت الله بعض الناس بأنواع معتادة من البأس كالطواعين ونحوها، لكن هذا معتاد لغير مكذبي الرسل، أما ما عذب الله به مكذبي الرسل فمختص بهم، ولهذا كان من آيات الله كما قال: وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَاّ تَخْوِيفًا [الإسراء: 59]. وكذلك ما يحدثه من أشراط الساعة كظهور الدجال ويأجوج ومأجوج، وظهور الدابة، وطلوع الشمس من مغربها بل والنفخ في الصور وغير ذلك هو من آيات الأنبياء فإنهم أخبروا به قبل أن يكون فكذبهم المكذبون، فإذا ظهر بعد مئين أو ألوف من السنين كما أخبروا به كان هذا من آيات صدقهم، ولم يكن هذا إلا لنبي أو لمن يخبر عن نبي والخبر عن النبي هو خبر النبي، ولهذا كان وجود ما أخبر به الرسول من المستقبلات من آيات نبوته إذا ظهر المخبر به كما كان أخبر فيما مضى عرف صدقه فيما أخبر به إذ كان هذا، وهذا لا يمكن أن يخبر به إلا نبي أو من أخذ عن نبي، وهو لم يأخذ عن أحد من الأنبياء شيئاً، فدل على نبوته، ولهذا يحتج الله له في القرآن بذلك كما قد بسط في غير هذا الموضع.
وأخبار الكهان فيها كذب كثير، والكاهن قد عرف أنه يكذب كثيراً مع فجوره قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء: 221 - 223]. والكهانة جنس معروف، ومعروف أن الكاهن يتلقى عن الشيطان ولابد من كذبهم وفجورهم والنبي لا يكذب قط، ولا يكون إلا براً تقياً، فالفرق بينهما ثابت في نفس صفاتهما وأفعالهما وآياتهما، لا يقول عاقل إن مجرد ما يفعله الكاهن هو دليل إن اقترن بصادق، وليس بدليل إذا لم يقترن بصادق، وأنه متى ادعاه كاذب لم يظهر على يده، وهذا أيضاً باطل.
ويظهر بالوجه السادس وهو أنه قد ادعى جماعة من الكذابين النبوة وأتوا بخوارق من جنس خوارق الكهان والسحرة، ولم يعارضهم أحد في ذلك المكان والزمان وكانوا كذابين، فبطل قولهم أن الكذاب إذا أتى بمثل خوارق السحرة والكهان فلابد أن يمنعه الله ذلك الخارق، أو يقيض له من يعارضه، وهذا كالأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم واستولى على اليمن كان معه شيطان سحيق ومحيق، وكان يخبر بأشياء غائبة من جنس أخبار الكهان، وما عارضه أحد عرف كذبه بوجوه متعددة، وظهر من كذبه وفجوره ما ذكره الله بقوله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ.
وكذلك مسيلمة الكذاب، وكذلك الحارث الدمشقي ومكحول الحلبي وبابا الرومي لعنة الله عليهم، وغير هؤلاء كانت معهم شياطين كما هي مع السحرة والكهان.
السابع: أن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته، وإن خلت عن هذين القيدين وهذا كأخبار من تقدم بنبوة محمد، فإنه دليل على صدقه، وإن كان هو لم يعلم بما أخبروا به، ولا يستدل به، وأيضاً فما كان يظهره الله على يديه من الآيات مثل تكثير الطعام والشراب مرات كنبع الماء من بين أصابعه غير مرة، وتكثير الطعام القليل حتى كفى أضعاف أضعاف من كان محتاجاً إليه، وغير ذلك كله من دلائل النبوة، ولم يكن يظهرها للاستدلال بها ولا يتحدى بمثلها بل لحاجة المسلمين إليها، وكذلك إلقاء الخليل في النار، إنما كان بعد نبوته ودعائه لهم إلى التوحيد.
الثامن: إن الدليل الدال على المدلول عليه ليس من شرط دلالته استدلال أحد به، بل ما كان النظر الصحيح فيه موصلاً إلى علم فهو دليل، وإن لم يستدل به أحد فالآيات أدلة وبراهين تدل سواء استدل به النبي أو لم يستدل وما لا يدل إذا لم يستدل به لا يدل إذا استدل به، ولا ينقلب ما ليس بدليل دليلاً إذا استدل به مدع لدلالته.
التاسع: أن يقال آيات الأنبياء لا تكون إلا خارقة للعادة، ولا تكون مما يقدر أحد على معارضتها فاختصاصها بالنبي وسلامتها عن المعارضة شرط فيها بل وفي كل دليل فإنه لا يكون دليلاً حتى يكون مختصاً بالمدلول عليه ولا يكون مختصاً إلا إذا سلم عن المعارضة، فلم يوجد مع عدم المدلول عليه مثله، وغلا إذا وجد هو أو مثله بدون المدلول لم يكن مختصاً فلا يكون دليلاً، لكن كما أنه لا يكفي مجرد كونه خارقاً لعادة أولئك القوم دون غيرهم فلا يكفي أيضاً عدم معارضة أولئك القوم، بل لابد أن يكون مما لم يعتده غير الأنبياء فيكون خارقاً لعادة غير الأنبياء فمتى عرف أنه يوجد لغير الأنبياء بطلت دلالته، ومتى عارض غير النبي النبي بمثل ما أتى به بطل الاختصاص.
وما ذكره المعتزلة وغيرهم كابن حزم من أن آيات الأنبياء مختصة بهم كلام صحيح، لكن كرامات الأولياء هي من دلائل النبوة، فإنها لا توجد إلا لمن اتبع النبي الصادق فصار وجودها كوجود ما أخبر به النبي من الغيب، وأما ما يأتي به السحرة والكهان من العجائب فتلك جنس معتاد لغير الأنبياء وأتباعهم بل الجنس معروف بالكذب والفجور فهو خارق بالنسبة إلى غير أهله، وكل صناعة فهي خارقة عند غير أهلها، ولا تكون آية وآيات الأنبياء هي خارقة لغير الأنبياء وإن كانت معتادة للأنبياء.
العاشر: إن آيات الأنبياء خارجة عن مقدور من أرسل الأنبياء إليه وهم الجن والإنس، فلا تقدر الإنس والجن أن يأتوا بمثل معجز الأنبياء، كما قال تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88]. وأما الملائكة فلا تضر قدرتهم على مثل ذلك فإن الملائكة إنما تنزل على الأنبياء لا تنزل على السحرة، والكهان، كما أن الشياطين لا تنزل على الأنبياء والملائكة لا تكذب على الله، فإذا كانت الآيات من أفعال الملائكة مثل إخبارهم للنبي عن الله بالغيب، ومثل نصرهم له على عدوه وإهلاكهم له نصراً وهلاكاً خارجين عن العادة كما فعلته الملائكة يوم بدر وغيره، وكما فعلت بقوم لوط، وكما فعلت بمريم والمسيح ونحو ذلك وكإتيانهم سليمان بعرش بلقيس، فقد روي أن الملائكة جاءته به وهي أقدر من الجن لم يكن هذا خارجاً عما اعتاده الأنبياء، بل هذا ليس لغير الأنبياء فلا يقول أن غير الأنبياء اعتادوه فنقضت عادتهم، بل هذا لم يعتده إلا الأنبياء وهو مناقض لجنس عادات الآدميين بمعنى أنه لا يوجد فيما اعتاده بنو آدم في جميع الأصناف غير الأنبياء كما اعتادوا العجائب من السحر والكهانة والصناعات العجيبة، وما يستعينون عليه بالجن والإنس والقوى الطبيعية، مثل الطلاسم وغيرها، فكل هذا معتاد معروف لغير الأنبياء، وهؤلاء جعلوا الطلاسم من جنس المعجزات وقالوا: لو أتى بها نبي لكانت آية له، وإذا أتى بها من لا يدع النبوة جاز، وإن ادعاها كاذب سلبه الله علمها أو قيض له من يعارضه، وهذا قول قبيح، فإنه لو جعل شيء من معجزات الأنبياء وآياتهم من جنس ما يأتي به ساحر أو كاهن أو مطلسم أو مخدوم من الجن لاستوى الجنسان، ولم يكن فرق بين الأنبياء وبين هؤلاء، ولم يتميز بذلك النبي من غيره، وهذا مما عظم غلط هؤلاء فيه فلم يعرفوا خصائص النبي وخصائص آياته.
كما أن المتفلسفة أبعد منهم عن الإيمان فجعلوا للنبوة ثلاث خصائص: حصول العلم بلا تعلم، وقوة نفسه المؤثرة في هيولي العالم، وتخيل السمع والبصر. وهذه الثلاثة توجد لكثير من عوام الناس، ولم يفرقوا بين النبي والساحر إلا بأن هذا بر، وهذا فاجر، والقاضي أبو بكر وأمثاله يجعلون هذا الفرق سمعياً، والفرق الذي لابد منه عندهم الاستدلال بها والتحدي بالمثل، وكل من هؤلاء وهؤلاء أدخلوا مع الأنبياء من ليس بنبي ولم يعرفوا خصائص الأنبياء، ولا خصائص آياتهم فلزمهم جعل من ليس بنبي نبياً أو جعل النبي ليس بنبي إذ كان ما ذكروه في النبوة مشتركاً بين الأنبياء وغيرهم، فمن ظن أنه يكون لغير الأنبياء قدح في الأنبياء أن يكون هذا هو دليلهم بوجود مثل ما جاءوا به لغير النبي، ومن ظن أنه لا يكون إلا لنبي إذا رأى من فعله من متنبي كاذب وساحر وكاهن ظن أنه نبي، والإيمان بالنبوة أصل النجاة والسعادة، فمن لم يحقق هذا الباب اضطرب عليه باب الهدى والضلال والإيمان والكفر، ولم يميز بين الخطأ والصواب.
ولما كان الذين اتبعوا هؤلاء من المتأخرين مثل أبي حامد والرازي والآمدي وأمثالهم، هذا ونحوه مبلغ علمهم بالنبوة لم يكن لها في قلوبهم من العظمة ما يجب لها فلا يستدلون بها على الأمور العلمية الخبرية، وهي خاصة النبي وهو الإخبار عن الغيب والإنباء به، فلا يستدلون بكلام الله ورسوله على الإنباء بالغيب التي يقطع بها بل عمدتهم ما يدعونه من العقليات المتناقضة، ولهذا يقرون بالحيرة في آخر عمرهم كما قال الرازي:
نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا |
…
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فيما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: 10]. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]. واقرأ في النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]. وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 11] ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
الوجه الحادي عشر: إن آيات الأنبياء مما يعلم العقلاء أنها مختصة بهم ليست مما تكون لغيرهم فيعلمون أن الله لم يخلق مثلها لغير الأنبياء، وسواء في آياتهم التي كانت في حياة قومهم وآياتهم التي فرق الله بها بين أتباعهم وبين مكذبيهم بنجاة هؤلاء وهلاك هؤلاء، ليست من جنس ما يوجد في العادات المختلفة لغيرهم، وذلك مثل تغريق الله لجميع أهل الأرض إلا لنوح، ومن ركب معه في السفينة، فهذا لم يكن قط في العالم نظيره، وكذلك إهلاك قوم عاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد مع كثرتهم وقوتهم وعظم عمارتهم التي لم يخلق مثلها في البلاد، ثم أهلكوا بريح صرصر عاتية مسخرة سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، حتى صاروا كلهم كأنهم أعجاز نخل خاوية ونجا هود ومن اتبعه، وفهذا لم يوجد نظيره في العالم، وكذلك قوم صالح أصحاب مدائن ومساكن في السهل والجبل وبساتين أهلكوا كلهم بصيحة واحدة، وفهذا لم يوجد نظيره في العالم.
وكذلك قوم لوط أصحاب مدائن متعددة رفعت إلى السماء، ثم قلبت بهم واتبعوا بحجارة من السماء تتبع شاذهم ونجا لوط وأهله، إلا امرأته أصابها ما أصابهم، فهذا لم يوجد نظيره في العالم، وكذلك قوم فرعون وموسى جمعان عظيمان ينفرق لهم البحر كل فرق كالطود العظيم، فيسلك هؤلاء ويخرجون سالمين فإذا سلك الآخرون انطبق عليهم الماء، فهذا لم يوجد نظيره في العالم، فهذه آيات تعرف العقلاء عموماً أنها ليست من جنس ما يموت به بنو آدم، وقد يحصل لبعض الناس طاعون ولبعضهم جدب ونحو ذلك، وهذا مما اعتاده الناس وهو من آيات الله من وجه آخر بل كل حادث من آيات الله تعالى.
ولكن هذه الآيات ليست من جنس ما اعتيد، وكذلك الكعبة فإنها بيت من حجارة بواد غير ذي زرع، ليس عندهم أحد يحفظها من عدو، ولا عندها بساتين وأمور يرغب الناس فيها، فليس عندها رغبة ولا رهبة، ومع هذا فقد حفظها بالهيبة والعظمة، فكل من يأتيها يأتيها خاضعاً ذليلاً. متواضعاً في غاية التواضع، وجعل فيها من الرغبة ما يأتيها الناس من أقطار الأرض محبة وشوقاً من غير باعث دنيوي، وهي على هذه الحال من ألوف من السنين، وهذا مما لا يعرف في العالم لبنية غيرها، والملوك يبنون القصور العظيمة فتبقى مدة، ثم تهدم لا يرغب أحد في بنائها ولا يرهبون من خرابها.
وكذلك ما بني للعبادات قد تتغير حاله على طول الزمان، وقد يستولي العدو عليه كما استولى عليه بيت المقدس، والكعبة لها خاصة ليست لغيرها، وهذا مما حير الفلاسفة ونحوهم، فإنهم يظنون أن المؤثر في هذا العالم هو حركات الفلك، وأن ما بني وبقي فقد بني بطالع سعيد فحاروا في طالع الكعبة إذ لم يجدوا في الأشكال الفلكية ما يوجب مثل هذه السعادة والفرح والعظمة والدوام والقهر والغلبة، وكذلك ما فعل الله بأصحاب الفيل لما قصدوا تخريبها قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ [الفيل: 1 - 5].
قصدها جيش عظيم ومعهم الفيل، فهرب أهلها منهم فبرك الفيل وامتنع من المسير إلى جهتها، وإذا وجهوه إلى غير جهتها توجه، ثم جاءهم من البحر طير أبابيل أي جماعات في تفرقة فوجاً بعد فوج رموا عليهم حصى هلكوا به كلهم، فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم، فآيات الأنبياء هي أدلة وبراهين على صدقهم، والدليل يجب أن يكون مختصاً بالمدلول عليه، لا يوجد مع عدمه، لا يتحقق الدليل إلا مع تحقق المدلول، كما أن الحادث لابد له من حدث فيمتنع وجود حادث بلا محدث ولا يكون المحدث إلا قادراً فيمتنع وجود الأحداث من غير قادر، والفعل لا يكون إلا من عالم ونحو ذلك، فكذلك ما دل على صدق النبي يمتنع وجوده إلا مع كون النبي صادقاً، ولم يجعلوا آيات الأنبياء تدل دلالة عقلية مستلزمة للمدلول، ولا تدل بجنسها ونفسها بل قال بعضهم: قد تدل، وقد لا تدل وقال آخرون: تدل مع الدعوى ولا تدل مع عدم الدعوى، وهذا يبطل كونها دليلاً.
وآخرون أرادوا تحقيق ذلك فقالوا: تدل دلالة وضعية من جنس دلالة اللفظ على مراد المتكلم، تدل أن قصد الدلالة، ولا تدل بدون ذلك، فهي تدل مع الوضع دون غيره، فيقال لهم وما يدل على قصد المتكلم هو أيضاً دليل مطرد يمتنع وجوده بدون المدلول، ودلالته تعلم بالعقل فجميع الأدلة تعلم بالعقل دلالتها على المدلول، فإن ذلك اللفظ إنما يدل إذا علم، أن المتكلم أراد به هذا المعنى، وهذا قد يعلم ضرورة، وقد يعلم نظراً فقد يعلم قصد المتكلم بالضرورة كما يعلم أحوال الإنسان بالضرورة، فيفرق بين حمرة الخجل، وصفرة الوجل وبين حمرة المحموم، وصفرة المريض بالضرورة، وقد يعلم نظراً واستدلالاً كما يعلم أن عادته إذا قال كذا أن يريد كذا، وإنه لا ينقض عادته إلا إذا بين ما يدل على انتقاضها، فيعلم هذا كما يعلم سائر العاديات مثل طلوع الشمس كل يوم، والهلال كل شهر، وارتفاع الشمس في الصيف وانخفاضها في الشتاء، ومن هذا سنة الله في الفرق بين الأنبياء وأتباعهم، وبين مكذبهم قال تعالى: قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ [آل عمران: 137] وقال تعالى: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43].
وقال تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 36 - 37].
فإن هذه العجائب والآيات التي للأنبياء تارة تعلم بمجرد الأخبار المتواترة، وإن لم نشاهد شيئاً من آثارها، وتارة نشاهد بالعيان آثارها الدالة على ما حدث كما قال تعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ [العنكبوت: 38]. وقال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل: 52]. وقال تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الصافات: 137 - 138].
وقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ [الحجر: 75 - 79]. أي لبطريق موضح متبين لمن مر به آثارهم، وهذه الأخبار كانت منتشرة متواترة في العالم، وقد علم الناس أنها آيات للأنبياء، وعقوبة لمكذبيهم، ولهذا كانوا يذكرونها عند نظائرها للاعتبار، كما قال مؤمن آل فرعون: وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: 30 - 31].
وقال شعيب: وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ [هود: 89]. والقرآن آيته باقية على طول الزمان من حين جاء به الرسول تتلى آيات التحدي به.
ويتلى قوله: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ [الطور: 34]. فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ [هود: 13]. بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ [يونس: 38]. ويتلى قوله: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88]. فنفس أخبار الرسول بهذا في أول الأمر، وقطعه بذلك مع علمه بكثرة الخلق، دليل على أنه كان خارقاً يعجز الثقلين عن معارضته، وهذا لا يكون لغير الأنبياء، ثم مع طول الزمان قد سمعه الموافق والمخالف والعرب والعجم، وليس في الأمم من أظهر كتاباً يقرأه الناس وقال أنه مثله، وهذا يعرفه كل أحد وما من كلام تكلم به الناس، وإن كان في أعلى طبقات الكلام لفظاً ومعنى إلا وقد قال الناس نظيره، وما يشبهه ويقاربه سواء كان شعراً أو خطابة أو كلاماً في العلوم والحكمة والاستدلال والوعظ والرسائل وغير ذلك، وما وجد من ذلك شيء إلا ووجد ما يشبهه ويقاربه.
والقرآن مما يعلم الناس عربهم وعجمهم أنه لم يوجد له نظير مع حرص العرب وغير العرب على معارضته، فلفظه آية ونظمه آية، وأخباره بالغيوب آية، وأمره ونهيه آية، ووعده ووعيده آية، وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية، وإذا ترجم بغير العربية كانت معانيه آية، كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم.
وإذا قيل أن التوراة والإنجيل والزبور لم يوجد لها نظير أيضاً لم يضرنا ذلك، فإنا قلنا إن آيات الأنبياء لا تكون لغيرهم وإن كانت لجنس الأنبياء كالأخبار بغيب الله فهذه آية يشتركون فيها، وكذلك إحياء الموتى قد كان آيه فغير واحد من الأنبياء غير المسيح كما كان ذلك لموسى وغيره.
وليس المقصود هنا ذكر تفضيل الأنبياء على بعض، الأنبياء على بعض، بل المقصود أن جنس الأنبياء متميزون عن غيرهم بالآيات والدلائل الدالة على صدقهم التي يعلم العقلاء إنها لم توجد لغيرهم، فيعلمون أنها ليست لغيرهم لا عادة ولا خرق عادة، بل إذا عبر عنها بأنها خرق عادة، وبأنها من العجائب فالأمر العجيب هو الخارج عن نظائره، وخارق العادة ما خرج عن الأمر المعتاد. فالمراد بذلك أنها خارجة عن الأمر المعتاد لغير الأنبياء، وأنها من العجائب الخارجة عن النظائر فلا يوجد نظيرها لغير الأنبياء، وإذا وجد نظيرها سواء كان أعظم منها أو دونها لنبي، فذلك توكيد لها أنها من خصائص الأنبياء، فإن الأنبياء يصدق بعضهم بعضاً، فآية كل نبي آية لجميع الأنبياء، كما أن آيات أتباعهم آيات لهم أيضا، وهذا أيضاً من آيات الأنبياء وهو تصديق بعضهم لبعض، فلا يوجد من أصحاب الخوارق العجيبة التي تكون لغير الأنبياء كالسحرة والكهنة وأهل الطبائع والصناعات إلا من يخالف بعضهم بعضاً فيما يدعو إليه ويأمر به، ويعادي بعضهم بعضاً، وكذلك أتباعهم إذا كانوا من أهل الاستقامة، فما أتى به الأول من الآيات فهو دليل على نبوته ونبوة من يبشر به، وما أتى به الثاني فهو دليل على نبوته ونبوة من يصدقه ممن تقدم، فما أتى به موسى والمسيح وغيرهما من الآيات فهي آيات لنبوة محمد لأخبارهم بنبوته، فكان هذا الخبر مما دلت آياتهم على صدقه.
وما أتى به محمد من الآيات فهو دليل على إثبات جنس الأنبياء مطلقاً، وعلى نبوة كل من سمي في القرآن خصوصاً إذا كان هذا مما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله، ودلت آياته على صدقه فيما يخبر به عن الله، وحينئذ فإذا قدر أن التوراة أو الإنجيل أو الزبور معجز لما فيه من العلوم والأخبار عن الغيوب، والأمر والنهي، ونحو ذلك لم ينازع في ذلك بل هذا دليل على نبوتهم صلوات الله عليهم، وعلى نبوة من أخبروا بنبوته، ومن قال إنها ليست بمعجزة، فإن أراد ليست معجزة من جهة اللفظ والنظم كالقرآن فهذا ممكن، وهذا يرجع إلى أهل اللغة العبرانية.
وأما كون التوراة معجزة من حيث المعان لما فيها من الأخبار عن الغيوب أو الأمر والنهي، فهذا لا ريب فيه، ومما يدل على أن كتب الأنبياء معجزة أن فيها الأخبار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بمدة طويلة، وهذا لا يمكن عمله بدون إعلام الله لهم، وهذا بخلاف من أخبر بنبوته من الكهان والهواتف، فإن هذا إنما كان عند قرب مبعثه لما ظهرت دلائل ذلك واسترقته الجن من الملائكة فتحدثت به، وسمعته الجن من أتباع الأنبياء فالنبي الثاني إذا كان قد أخبر بما هو موجود في كتاب النبي الأول، وقد وصل إليه من جهته لم يكن آية له، فإن العلماء يشاركونه في هذا.
وأما إذا أخبر بقدر زائد لم يوجد في خبر الأول أو كان ممن لم يصل إليه خبر نبي غيره كان ذلك آية له كما يوجد في نبوة أشعيا وداود وغيرهما من صفات النبي ما لا يوجد مثله في توراة موسى، فهذه الكتب معجزة لما فيها من أخبار الغيب الذي لا يعلمه إلا نبي، وكذلك فيها من الأمر والنهي والوعد والوعيد ما لا يأتي به نبي، أو تابع نبي، وما أتى أتباع الأنبياء من جهة كونهم أتباعاً لهم مثل أمرهم بما أمروا به ونهيهم عما نهوا عنه، ووعدهم بما وعدوا به ووعيدهم بما يوعدون به، فإنه من خصائص الأنبياء والكذب المدعي للنبوة لا يأمر بجميع ما أمرت به الأنبياء، ونهى عن كل ما نهوا عنه، فإن ذلك يفسد مقصوده وهو كاذب فاجر شيطان من أعظم شياطين الإنس، والذي يعينه على ذلك من أعظم شياطين الجن.
وهؤلاء لا يتصور أن يأمروا بما أمرت به الأنبياء، وينهوا عما نهوا عنه لأن ذلك يناقض مقصودهم، بل وإن أمروا بالبعض في ابتداء الأمر من يدعونه ويربطونه، فلابد أن يناقضوا فيأمروا بما نهت عنه الأنبياء. ولا يوجبوا ما أمرت به الأنبياء، كما جرى مثل ذلك لمن ادعى النبوة من الكذابين ولمن أظهر موافقة الأنبياء، وهو في الباطن من المنافقين كالملاحدة الباطنية الذين يظهرون الإسلام والتشيع ابتداء، ثم أنهم يستحلون الشرك والفواحش والظلم ويسقطون الصلاة والصيام وغير ذلك مما جاءت به الشريعة، فمن أظهر خلاف ما أبطن، وكان مطاعاً في الناس فلابد أن يظهر من باطنه ما يناقض ما أظهره. فكيف بمن ادعى النبوة وأظهر أنه صادق على الله وهو في الباطن كاذب على الله، بل من أظهر خلاف ما أبطن من آحاد الناس يظهر حاله لمن خبره في مدة، فإن الجسد مطيع للقلب، والقلب هو الملك المدبر له، كما قال صلى الله عليه وسلم:((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب)) (1).
فإذا كان القلب كاذباً على الله فاجراً كان ذلك أعظم الفساد فلابد أن يظهر الفساد على الجوارح، وذلك الفساد يناقض حال الصادق على الله، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
آيات الأنبياء الدالة على صدقهم:
(1) رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) ، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
ذكر أن آيات الأنبياء الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة، وأن النبي الصادق خير الناس، والكاذب على الله شر الناس، وبينهما من الفروق ما لا يحصيه إلا الله. فكيف يشتبه هذا بهذا، بل لهذا من دلائل صدقه، ولهذا من دلائل كذبه ما لا يمكن إحصاؤه، وكل من خص دليل الصدق بشيء معين فقط غلط. بل آيات الأنبياء هي من آيات الله الدالة على أمره ونهيه ووعده ووعيده. وآيات الله كثيرة متنوعة كآيات وجوده ووحدانيته وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته سبحانه وتعالى.
والقرآن مملوء من تفصيل آياته وتصريفها وضرب الأمثال في ذلك، وهو يسميها آيات وبراهين. وقد ذكرنا الفرق بين الآيات والمقاييس الكلية التي لا تدل إلا على أمر كلي في غير هذا الموضع.
الوجه الثاني عشر: إن ما يأتي به الساحر والكاهن وأهل الطبائع والصناعات والحيل، وكل من ليس من أتباع الأنبياء لا يكون إلا من مقدور الإنس والجن، فما يقدر عليه الإنس من ذلك هو وأنواعه والحيل فيه كثير. وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور الإنس من ذلك هو وأنواعه والحيل فيه كثير. وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور الإنس وإنما يختلفون في الطريق، فإن الساحر قد يقدر على أن يقتل إنساناً بالسحر أو يمرضه أو يفسد عقله أو حسه وحركته وكلامه بحيث لا يجامع أو لا يمشي أو لا يتكلم ونحو ذلك، وهذا كله مما يقدر الإنس على مثله لكن بطرق أخرى، والجن يطيرون في الهواء وعلى الماء، ويحملون الأجسام الثقيلة كما قال العفريت لسليمان: قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ [النمل: 39] وهذا الجنس يكون لمن هو دون الإنس والجن من الحيوان كالطيور والحيتان والإنس يقدر على جنسه، ولهذا لم يكن هذا الجنس آية لنبي لوجوده لغير الأنبياء فكثير من الناس تحمله الجن بل شياطين الجن وتطير به في الهواء وتذهب به إلى مكان بعيد، كما كان العفريت يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى مكان بعيد.
ونحن نعرف من هؤلاء عدداً كثيراً وليسوا صالحين بل فيهم كفار ومنافقون وفساق وجهال لا يعرفون الشريعة والشياطين تحملهم وتطير بهم من مكان إلى مكان، وتحملهم إلى عرفات فيشهدون عرفات من غير إحرام ولا تلبية ولا طواف بالبيت وهذا الفعل حرام. والجهال يحسبون أنه من كرامات الصالحين فتفعله الجن بمن يحب ذلك مكراً به وخديعة أو خدمة لمن يستخدمهم من هؤلاء الجهال بالشريعة وإن كان له زهد وعبادة. وكذلك الجن كثيراً ما يأتون الناس بما يأخذونه من أموال الناس من طعام وشراب ونفقة وماء وغير ذلك وهو من جنس ما يسرقه الإنسي ويأتي به إلى الإنسي لكن الجن تأتي بالطعام والشراب في مكان العدم، ولهذا لم يكن مثل هذا آية لنبي وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده في الماء فينبع الماء من بين أصابعه وهذا لا يقدر عليه لا أنس ولا جن، وكذلك الطعام القليل يصير كثيراً، وهذا لا يقدر عليه لا الجن ولا الأنس ولم يأت النبي صلى الله عليه وسلم قط بطعام من الغيب ولا شراب، وإنما كان هذا قد يحصل لبعض أصحابه كما أتى حبيب بن عدي وهو أسير بمكة بقطف من عنب، وهذا الجنس ليس من خصائص الأنبياء ومريم عليها السلام لم تكن نبية وكانت تؤتى بطعام، فإن هذا قد يكون من حلال فيكن كرامة يأتي به إما ملك، وإما جني مسلم وقد يكون حراماً، فليس كل ما كان من آيات الأنبياء يكون كرامة للصالحين، وهؤلاء يسوون بين هذا وهذا، ويقولون: الفرق هو دعوى النبوة والتحدي بالمثل، وهذا غلط فإن آيات الأنبياء عليهم السلام التي دلت على نبوتهم هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم مثل الإتيان بالقرآن، ومثل الإخبار بأحوال الأنبياء المتقدمين وأممهم والأخبار بما يكون يوم القيامة، واشراط الساعة ومثل إخراج الناقة من الأرض ومثل قلب العصا حية وشق البحر، ومثل أن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وتسخير الجن لسليمان لم يكن مثله لغيره.
لكن من الجن المؤمنين من يعاون المؤمنين، ومن الجن الفساق والكفار من يعاون الفساق كما يعاون الإنس بعضهم بعضاً فإما طاعة مثل طاعة سليمان، فهذا لم يكن لغير سليمان عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم أعطي أفضل مما أعطي سليمان عليه السلام فإنه أرسل إلى الجن وأمروا أن يؤمنوا به ويطيعوه فهو يدعوهم إلى عبادة الله وطاعته لا يأمرهم بخدمته وقضاء حوائجه ما كان سليمان يأمرهم ولا يقهرهم بل يفعل فيهم كما يفعل في الإنس، فيجاهدهم الجن والمؤمنون ويقيمون الحدود على منافقيهم فيتصرف فيهم تصرف العبد الرسول لا تصرف النبي الملك.
كما كان سليمان يتصرف فيهم والصالحون من أمته المتبعون له يتبعونه فيما كان يأمر به الإنس والجن وآخرون دون هؤلاء قد يستخدمون بعض الجن في مباحات كما قد يستخدمون بعض الإنس وقد يكون ذلك مما ينقص دينهم لا سيما إن كان بسبب غير مباح وآخرون شر من هؤلاء يستخدمون الجن في أمور محرمة من الظلم والفواحش فيقتلون نفوساً بغير حق ويعينونهم على ما يطلبونه من الفاحشة كما يحضرون لهم امرأة أو صبياً، أو يجذبونه إليه وآخرون يستخدمونهم في الكفر، فهذه الأمور ليست من كرامات الصالحين، فإن كرامات الصالحين هو ما كان سببه الإيمان والتقوى لا ما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان، وأيضاً فالصالحون سابقوهم لا يستخدمونهم إلا في طاعة الله ورسوله، ومن هو دون هؤلاء لا يستخدمهم إلا في مباح وأما استخدامهم في المحرمات فهو حرام، وإن كانوا إنما خدموه لطاعته لله كما لو خدم الإنس رجلاً صالحاً لطاعته لله، ثم استخدمهم فيما لا يجوز فهذا بمنزلة من أنعم عليه بطاعته نعمة فصرفها إلى معصية الله فهو آثم بذلك.
وكثير من هؤلاء يسلب تلك النعمة، ثم قد يسلب الطاعة يصير فاسقاً، ومنهم من يرتد عن دين الإسلام، فطاعة الجن للإنسان ليست أعظم من طاعة الإنس، بل الإنس أجل وأعظم، وأفضل، وطاعتهم أنفع، وإذا كان المطاع من الإنس قد يطاع في طاعة الله فيكون محموداً مثاباً، وقد يطاع في معصية الله فيكون مذموماً آثماً.
فكذلك المطاع من الجن الذي يطيعه الناس، والمطاع من الإنس قد يكون مطاعاً لصلاحه ودينه. وقد يكون مطاعاً لملكه وقوته، وقد يكون مطاعاً لنفعه لمن يخدمه بالمعاوضة، فكذلك المطاع من الجن قد يطاع لصلاحه ودينه وقد يطاع لقوة وملك محمود أو مذموم، ثم الملك إذا سار بالعدل حمد، وإن سار بالظلم فعاقبته مذمومة، وقد يهلكه أعوانه فكذلك المطاع من الجن إذا ظلمهم أو ظلم الإنس بهم أو بغيرهم، كانت عاقبته مذمومة وقد تقتله الجن أو تسلط عليه من الإنس من يقتله، وكل هذا واقع نعرف من ذلك من الوقائع ما يطول وصفه كما نعرف من ذلك من وقائع الإنس ما يطول وصفه، وليس آيات الأنبياء في شيء من هذا الجنس.
ونبينا صلى الله عليه وسلم لما أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إنما أسري به ليرى من آيات ربه الكبرى، وهذا هو الذي كان من خصائصه أن مسراه كان هذا كما قال تعالى: أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم: 12 - 15].
وقال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ [الإسراء: 60]. قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فهذا الذي كان من خصائصه، ومن أعلام نبوته وأما مجرد قطع تلك المسافة، فهذا يكون لمن تحمله الجن، وقد قال العفريت لسليمان: قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ [النمل: 39] وحمل العرش من القصر من اليمن إلى الشام أبلغ من ذلك.
وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فهذا أبلغ من قطع المسافة التي بين المسجدين في ليلة ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل من الذي عنده علم من الكتاب ومن سليمان، فكان الذي خصه الله به أفضل من ذلك، وهو أنه أسري به في ليلة ليريه من آياته، فالخاصة أن الإسراء كان ليريه من آياته الكبرى كما رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى.
فهذا ما حصل مثله لا لسليمان ولا لغيره، والجن وإن قدروا على حمل بعض الناس في الهواء فلا يقدرون على إصعاده إلى السماء وإراءته آيات ربه الكبرى، فكان ما آتاه الله محمداً خارجاً عن قدرة الجن والإنس، وإنما كان الذي صحبه في معراجه جبريل الذي اصطفاه الله لرسالته، والله يصطفي من الملائكة رسلاً، ومن الناس، وكان المقصود من الإسراء أن يريه ما رآه من آياته الكبرى، ثم يخبر به الناس.
فلما أخبر به كذب به من كذب من المشركين، وصدق به الصديق وأمثاله من المؤمنين، فكان ذلك ابتلاء ومحنة للناس كما قال: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ [الإسراء: 60]. أي محنة وابتلاء للناس ليتميز المؤمن عن الكافر، وكان فيما أخبرهم به أنه رأى الجنة والنار وهذا مما يخوفهم به قال تعالى: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا [الإسراء: 60]. والرسول لما أخبرهم بما رآه كذبوه في نفس الإسراء وأنكروا أن يكون أسري به إلى المسجد الأقصى، فلما سألوه عن صفته فوصفه لهم وقد علموا أنه لم يره قبل ذلك، وصدقه من رآه منهم كان ذلك دليلاً على صدقه في المسرى، فلم يمكنهم مع ذلك تكذيبه فيما لم يروه، وأخبر الله تعالى بالمسرى على المسجد الأقصى لأنهم قد علموا صدقه في ذلك بما أخبرهم به من علاماته فلا يمكنهم تكذيبه في ذلك.
وذكر أنه رأى من آيات ربه الكبرى ولم يعين ما رآه وهو جبريل الذي رآه في صورته التي خلق عليها مرتين، لأن رؤية جبريل هي من تمام نبوته، ومما يبين أن الذي أتاه بالقرآن ملك لا شيطان كما قال في سورة إذا الشمس كورت: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 19 - 21] ثم قال: وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [التكوير: 22 - 27].
المصدر:
النبوات لابن تيمية - ص175