المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: المدد يقدمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يسهم لهم أم لا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: البيع يشترط فيه شرط ليس فيه

- ‌ص: باب: بيع أراضي مكة وإجارتها

- ‌ص: باب: ثمن الكلب

- ‌ص: باب: استقراض الحيوان

- ‌ص: كتاب السِّير

- ‌ص: باب: الإمام يريد قتال العدو هل عليه قبل ذلك أن يدعو أم لا

- ‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلمًا

- ‌ص: باب: بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حلِّ قتله في دار الحرب إن كان حربيًّا

- ‌ص: باب: ما نهي عنه قتله من النساء والولدان في دار الحرب

- ‌ص: باب: الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا

- ‌ص: باب: الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب هل يكون له سلبه أم لا

- ‌ص: باب: سهم ذوي القربى

- ‌ص: باب: النفل بعد الفراغ من قتال العدو وإحراز الغنيمة

- ‌ص: باب: المدد يَقْدُمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يُسْهم لهم أم لا

- ‌ص: باب: الأرض تفتتح، كيف ينبغي للإِمام أن يفعل فيها

- ‌ص: باب: الرجل يحتاج إلى القتال على في دابة من المغنم

- ‌ص: باب: الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة

- ‌ص: باب: الحربية تُسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الإِسلام ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلمًا

- ‌ص: باب: الفداء

- ‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

- ‌ص: باب: ميراث المرتد لمن هو

- ‌ص: باب: إحياء الأرض الميتة

- ‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

- ‌ص: كتاب الصيد والذبائح

- ‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

- ‌ص: باب: من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الإمام

- ‌ص: باب: البدنة عن كم تجزئ في الضحايا والهدايا

- ‌ص: باب: الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها

الفصل: ‌ص: باب: المدد يقدمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يسهم لهم أم لا

‌ص: باب: المدد يَقْدُمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يُسْهم لهم أم لا

؟

ش: أي هذا باب في بيان حكم المدد؟، وهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد، إذا قدموا بعد فراغ الإِمام من قتال الكفار في دار الحرب قبل قفول العسكر، أي رجوعهم إلى دار الإِسلام، هل لهم سهم من الغنيمة أم لا؟

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن ابن شهاب الزهري، أن عنبسة أخبره، أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص، قال أبو هريرة:"بعث النبي عليه السلام أبان بن سعيد على سرية من المدينة قِبَل نجد، فقدم أبان وأصحابه على النبي عليه السلام بخيبر بعدما فتحها وإن حُزُمَ خيلهم الليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، قال أبو هريرة: فقلت: لا تقسم لهم شيئًا يا نبي الله، قال أبان: أنت بها يا وَبرْ تحدّر علينا من رأس ضال، فقال النبي عليه السلام: اجلس يا أبان، فلم يقسم لهم شيئًا".

ش: إسناده صحيح.

وإسماعيل بن عياش بن سليم الشامي الحمصي، احتج به الأربعة.

ومحمد بن الوليد الزبيدي -بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف- الحمصي القاضي، روى له الجماعة سوى الترمذي.

وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.

وعنبسة بن سعيد بن العاص الأموي القرشي أبو خالد المدني، وثقه يحيى وأبو داود والدارقطني، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود.

والحديث أخرجه أبو داود (1): ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا إسماعيل بن

(1)"سنن أبي داود"(2/ 80 رقم 2723).

ص: 333

عياش، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، أن عنبسة بن سعيد أخبره، أنه سمع أبا هريرة يحدث. . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه البخاري تعليقًا (1).

قوله: "يحدث سعيد بن العاص" هو سعيد بن العاص بن أبي أحيحة القرشي الأموي المدني الصحابي.

وأبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الأموي الصحابي.

قوله: "وإن حُزُمَ خيلهم" الحُرُم -بضمتين-: جمع حزام الدابة، وهو معروف.

قوله: "أنت بها" فيه إضمار وحذف، تقديره:"أنت المتكلم بهذه الكلمة"، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يرمي فإذا اصاب قال: أنا بها أنا بها، أي أنا الفائز بالإِصابة.

قوله: "يا وَبْر" الوَبْر -بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وبعدها راء مهملة- وهي دويبة غبراء، ويقال: بيضاء على قدر السنور حسنة العينين لا ذنب لها، وهي من دواب الجبال، يريد بهذه الكلمة تصغير شأنه وتوهين أمره، وقيده بعضهم بفتح الباء، وتأوله أنه جمع وبرة وهي شعر الإِبل.

والأول هو المشهور في الرواية والأوجه في المعنى.

قوله: "تحدّر علينا" جملة وقعت صفة للوبر، أي نزل علينا من رأس ضال أي جبل الضال -باللام المخففة- اسم جبل أو اسم موضع بعينه، وأراد بهذا الكلام تشبيهه بدويبة صغيرة نزلت من رأس جبل؛ تحقيرًا له، ويروى: ضان وضال بالنون واللام، حاصل الكلام: مادة هذه الكلمة: (ضاد معجمة وألف ساكنة ولام مخففة أو نون) وقال ابن الأثير: وقيل: أراد به الضأن من الغنم فتكون "ألفه" همزة.

ص: قال أبو جعفر-رحمه الله: فذهب قومٌ إلى أنه لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة.

(1)"صحيح البخاري"(4/ 1548).

ص: 334

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الليث والشافعي ومالكًا وأحمد؛ فإنهم قالوا: لا يُسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور.

وقال الخطابي: قال الشافعي: الغنيمة لمن شهد الوقعة وكان ردءًا لهم، وأما من لم يحضرها فلا شيء له منها، وهو قول مالك، وكان الشافعي يقول: إن مات قبل الغنيمة فلا شيء له، وإن مات بعد القتال وقبل القسمة فسهمه لورثته.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: يقسم لكل من حضر الوقعة ولمن كان غائبًا عنها من شيء من أشيائها، فمِن ذلك من خرج يريدها فلم يلحق بالإِمام حتى ذهب القتال غير أنه لحق به في دار الحرب قبل خروجه منها، قسم له.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي والنخعي والثوري والحكم بن عتيبة والأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: يقسم لكل من حضر الوقعة. . . إلى آخره.

قال الخطابي: قال الأوزاعي: إذا أدرب -يعني دخل الدرب- قاصدًا في سبيل الله أُسهم له شهد القتال أو لم يشهد، وقال أبو حنيفة: من لحق قبل القسمة فهو شريك الغانمين.

وقال ابن قدامة: قال أبو حنيفة رضي الله عنه في المدد: إن لحقهم قبل القسمة وإحرازها بدار الإِسلام شاركهم؛ لأن تمام ملكها بتمام الاستيلاء وهو الإحراز إلى دار الإِسلام أو قسمتها، فمن جاء قبل ذلك فقد أدركها قبل ملكها؛ فاستحق منها كما لو جاء في أثناء الحرب.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عيسى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا كليب بن وائل، قال: حدثني هانئ بن قيس، عن حبيب بن أبي مليكة قال: "كنت قاعداً إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فأتاه رجل فقال: هل شهد عثمان بدرًا؟ فقال: لا، ولكن رسول الله عليه السلام قال: إن عثمان

ص: 335

انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب يوم بدر غيره".

أفلا ترى أن رسول الله عليه السلام قد ضرب لعثمان رضي الله عنه في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها؛ لأنه كان غائبًا في حاجة الله وحاجة رسوله؟ فجعله رسول الله عليه السلام كمن حضرها، فكذلك كل من غاب عن وقعة المسلمين بأهل الحرب لشغل شغله به الإِمام من أمور المسلمين، مثل أن يبعثه إلى شق آخر من دار الحرب لقتال قوم آخرين، فيصيب الإِمام غنيمةً بعد مفارقة ذلك الرجل إياه، أو يبعث برجل ممن معه من دار الحرب إلى دار الإِسلام ليمده بالسلاح والرجال، فلا يعود ذلك الرجل إلى الإِمام حتى يغنم غنيمة، فهو شريك فيها، وهو كمن حضرها، وكذلك من أرادها فرده الإِمام عنها وشغله بشيء من أمور المسلمين فهو كمن حضرها.

وعلى هذا الوجه عندنا -والله أعلم- أسهم النبي عليه السلام لعثمان بن عفان رضي الله عنه في غنائم بدر، ولولا ذلك لما أسهم له كما لم يسهم لغيره ممن غاب عنها؛ لإن غنائم بدر لو كانت وجبت لمن حضرها دون من غاب عنها إذًا لما ضرب النبي عليه السلام لغيرهم فيها بسهم، ولكنها وجبت لمن حضر الوقعة، ولكن من بذل نفسه لها فصرفه الإِمام عنها وشغله بغيرها من أمور المسلمين كمن حضرها.

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث ابن عمر رضي الله عنهما.

أخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عيسى بن إبراهيم بن سيار الشعيري البصري شيخ أبي داود والبخاري في غير "الصحيح"، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري، روى له الجماعة، عن كليب بن وائل التيمي البكري الكوفي روى له البخاري والترمذي، ووثقه يحيى وابن حبان، عن هانئ بن قيس الكوفي وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود، عن حبيب بن أبي مليكة النهدي أبي ثور الكوفي وثقه أبو زرعة.

ص: 336

وروى له أبو داود (1) الحديث المذكور: ثنا محبوب بن موسى أبو صالح، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن كليب بن وائل، عن هانئ بن قيس، عن حبيب بن أبي مليكة، عن ابن عمر قال:"إن رسول الله عليه السلام قام -يعني يوم بدر- فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، وإني أبايع له، فضرب [له] (2) رسول الله عليه السلام بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره".

وجه الاستدلال به ظاهر؛ قد بينه الطحاوي مبسوطًا.

فإن قيل: استدلالكم بهذا الحديث لا يصح؛ لأنه خاص بعثمان رضي الله عنه؛ لأنه كان يُمرض ابنة رسول الله عليه السلام، وهو معنى قوله:"حاجة الله وحاجة رسوله"، يريد بذلك حاجة عثمان في حق الله وحق رسوله.

قال الخطابي: ومن احتج بهذا لمن لحق الجيش قبل القسم فهو غير مصيب؛ وذلك أن عثمان رضي الله عنه كان بالمدينة وهو القائل: "لا يقسم لمن كان في المصر" فلا موضع لاستدلاله.

قلت: لا نُسلِّم دعوى الخصوصية؛ لأنه عليه السلام ضرب بسهم لغير عثمان أيضًا ممن كان في معنى غيبة عثمان وهم: طلحة بن عبيد الله وكان بالشام فضرب له النبي عليه السلام بسهمه، والحارث بن حاطب رجعه النبي عليه السلام إلى المدينة وضرب له بسهمه، وعاصم بن عدي كذلك، وخوات بن جبير ضرب له رسول الله عليه السلام، بسهمه والحارث بن الصُّمة كُسِر بالروجاء فضرب له النبي عليه السلام وسعيد بن زيد قدم من الشام بعدما رجع النبي عليه السلام إلى المدينة فضرب له النبي عليه السلام بسهمه.

فإذا تأملت كلام الطحاوي في قوله: "أفلا ترى. . ." إلى آخره، يظهر لك منه تمام الجواب عن هذا السؤال.

ص: وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإنما ذلك عندنا -والله أعلم- على أن النبي عليه السلام وجَّه أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر فتوجه أبان في ذلك،

(1)"سنن أبي داود"(2/ 81 رقم 2726).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".

ص: 337

ثم حدث من خروج النبي عليه السلام إلى خيبر ما حدث، فكان ما غاب فيه أبان من ذلك عن حضور خيبر، ليس هو شغل شغله النبي عليه السلام عن حضورها بعد إرادته إياه، فيكون كمن حضرها.

فهذان الحديثان أصلان في فكل من أراد الخروج مع الإِمام إلى قتال العدو، فرده الإمام بأمر آخر من أمور المسلمين فتشاغل به حتى غنم الإِمام غنيمةً، فهو كمن حضر مع الإِمام، يُسهم له في الغنيمة كما يُسهم لمن حضرها، وكل شيء تشاغل به رجل من شغل نفسه أو شغل المسلمين مما كان دخوله فيه متقدمًا ثم حدث للإِمام قتال عدو، فتوجه له فغنم، فلا حق لذلك الرجل في الغنيمة، وهي بين من حضرها وبين من حكمه حكم الحاضر لها.

ش: هذا جواب عن حديث أبي هريرة الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، وهو ظاهر.

وبهذا يحصل الجواب عما قاله الخطابي الذي ذكرناه آنفًا.

وقد أجاب الجصاص عن حديث أبي هريرة، وقال: وهذا لا حجة فيه؛ لأن خيبر صارت دار الإِسلام بظهور النبي عليه السلام عليها، وهذا لا خلاف فيه.

وقد قيل فيه وجه آخر، وهو ما روى حماد بن سلمة، عن علي بن يزيد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة قال:"ما شهدت لرسول الله عليه السلام مغنمًا إلا قسم لي إلا خيبر؛ فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة".

فأخبر في هذا الحديث أن خيبر كانت لأهل الحديبية خاصة شَهِدُوها أو لم يشهدوها دون مَنْ سواهم؛ لأن الله تعالى كان وعدهم إياها بقوله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} (1) بعد قوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} (2)، والله أعلم.

(1) سورة الفتح، آية:[21].

(2)

سورة الفتح، آية:[22].

ص: 338

ص: واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضًا بما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: "إن أهل البصرة غزوا نهاوند، وأمدهم أهل الكوفة فظفروا، فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة، وكان عمار رضي الله عنه على أهل الكوفة، فقال رجل من بني عطارد: أيها الأجدع، تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟! قال: فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر رضي الله عنه: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة".

قالوا: فهذا عمر رضي الله عنه قد ذهب إلى أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، فقد وافق هذا قولنا.

قيل لهم: قد يجوز أن تكون نهاوند فتحت وصارت دار إسلام، وأحرزت الغنائم وقسمت قبل ورود أهل الكوفة، فإن كان ذلك كذلك فإنا نحن نقول أيضًا: إنما الغنيمة في ذلك لمن شهد الوقعة، فإن كان جواب عمر رضي الله عنه الذي في هذا الحديث -لما كتب به إليه- إنما هو لهذا السؤال، فإن ذلك مما لا اختلاف فيه.

وإن كان على أن أهل الكوفة لحقوا بهم قبل خروجهم من دار الشرك بعد ارتفاع القتال فكتب عمر رضي الله عنه أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، فإن في ذلك الحديث ما يدل على أن أهل الكوفة قد كانوا طلبوا أن يقسم لهم وفيهم عمار بن ياسر ومن كان فيهم غيره من أصحاب النبي عليه السلام، فهم ممن تكافأ قولهم بقول عمر رضي الله عنه، فلا يكون واحد من القولين أولى من الآخر إلا بدليل عليه إما من كتاب وإما من سنة وإما من نظر صحيح.

فنظرنا في ذلك، فرأينا السرايا المبعوثة من دار الحرب إلى بعض أهل الحرب أنهم إذا غنموا فهو بينهم وبين سائر أصحابهم، وسواء في ذلك مَنْ كان خرج في تلك السرية ومن لم يخرج؛ لأنهم قد كانوا بذلوا من أنفسهم ما بذل الذين سَرَوْا، فلم

ص: 339

يفضل في ذلك بعضهم على بعض، وإن كان ما لقوا من القتال مختلفًا، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك من بذل نفسه بمثل ما بذل به نفسه من حضر الوقعة، فهو في ذلك كمن حضر الوقعة إذا كان على الشرائط التي ذكرنا في هذا الباب.

ش: أي احتج أهل المقالة الأولى أيضًا لما ذهبوا إليه بظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الغنيمة لمن شهد الوقعة".

أخرجه عن سليمان بن شعيب الكيساني صاحب محمد بن الحسن الشيباني، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي وثقه أبو حاتم، عن شعبة بن الحجاج، عن قيس بن مسلم الجدلي الكوفي روى له الجماعة، عن طارق بن شهاب البجلي الكوفي، أدرك الجاهلية ورأى النبي عليه السلام.

وأخرجه البيهقي (1): من حديث شعبة، ثنا قيس بن مسلم، سمعت طارقاً يقول:"إن أهل البصرة غزوا أهل نهاوند فأمدوهم بأهل الكوفة وعليهم عمار، فقدموا عليهم بعدما ظهروا على العدو، فطلب أهل الكوفة الغنيمة، وأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة من الغنيمة، فقال رجل من بني تميم لعمار: أيها الأجدع، تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟! وكانت أذن عمار قد جدعت مع رسول الله عليه السلام، فكتبوا إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليهم: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة".

قوله: "قيل لهم. . ." إلى آخره، جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى، وهو ظاهر.

فإذا قيل: قد قال الشافعي: قد روي في معنى كتاب عمر وأبي بكر رضي الله عنهما لا يحضرني حفظه.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 50 رقم 17732).

ص: 340

وروى البيهقي أيضًا (1): من حديث حصين بن مخارق، عن سفيان، عن بختري العبدي، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن علي رضي الله عنه:"الغنيمة لمن شهد الوقعة".

قلت: الذي قاله الشافعي لا يجدي شيئًا؛ لأنه عن مجهول، والذي رواه البيهقي لا شيء؛ لأن في إسناده ابن مخارق، وهو يضع الحديث؛ قاله الدارقطني.

قوله: "غزوا نُهَاوند" وهي بضم النون وفتح الهاء، وفي آخره دال مهملة، مدينة جنوبي همدان على جبل، وكانت بها وقعة عظيمة للمسلمين في زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وكان فتحها في سنة إحدى وعشرين من الهجرة على يد سعد بن أبي وقاص.

قوله: "أيها الأجدع" الأجدع: مقطوع الآذان، وقد فسره البيهقي في روايته.

قوله: "فهم" أي أصحاب النبي عليه السلام "ممن تكافئ" أي تساوى قولهم بقول عمر بن الخطاب، فإذا تساوى القولان فلا ترجيح لأحدهما على الآخر إلا بدليل من كتاب أو سنة أو قياس صحيح.

والنظر الصحيح إذا تؤمل فيه يشهد ترجيح قول هؤلاء الصحابة على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو ما ذكره الطحاوي بقوله:"فنظرنا في ذلك. . ." إلى آخره.

قوله: "من حضر الوقعة" في محل الرفع؛ لأنه فاعل لقوله: "ما بذل به نفسه"، فافهم.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 51 رقم 17735).

ص: 341