المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: البيع يشترط فيه شرط ليس فيه

- ‌ص: باب: بيع أراضي مكة وإجارتها

- ‌ص: باب: ثمن الكلب

- ‌ص: باب: استقراض الحيوان

- ‌ص: كتاب السِّير

- ‌ص: باب: الإمام يريد قتال العدو هل عليه قبل ذلك أن يدعو أم لا

- ‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلمًا

- ‌ص: باب: بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حلِّ قتله في دار الحرب إن كان حربيًّا

- ‌ص: باب: ما نهي عنه قتله من النساء والولدان في دار الحرب

- ‌ص: باب: الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا

- ‌ص: باب: الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب هل يكون له سلبه أم لا

- ‌ص: باب: سهم ذوي القربى

- ‌ص: باب: النفل بعد الفراغ من قتال العدو وإحراز الغنيمة

- ‌ص: باب: المدد يَقْدُمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يُسْهم لهم أم لا

- ‌ص: باب: الأرض تفتتح، كيف ينبغي للإِمام أن يفعل فيها

- ‌ص: باب: الرجل يحتاج إلى القتال على في دابة من المغنم

- ‌ص: باب: الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة

- ‌ص: باب: الحربية تُسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الإِسلام ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلمًا

- ‌ص: باب: الفداء

- ‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

- ‌ص: باب: ميراث المرتد لمن هو

- ‌ص: باب: إحياء الأرض الميتة

- ‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

- ‌ص: كتاب الصيد والذبائح

- ‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

- ‌ص: باب: من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الإمام

- ‌ص: باب: البدنة عن كم تجزئ في الضحايا والهدايا

- ‌ص: باب: الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها

الفصل: ‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

ش: أي هذا باب في بيان حكم إنزاء الحمير على الخيل.

والإنزاء: من أنزى الحمار على الفرس إذا حملها عليها للنسل وثلاثيه: نَزَا يَنْزُو، يقال: نزوت على الشيء أنزو نزوًا إذا وثبت عليه، وقد يكون في الأجسام والمعاني.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن ابن زرير، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:"أهديت لرسول الله عليه السلام بغلة فركبها، فقال علي رضي الله عنه: لو حملنا الحمير على الخيل لكان لنا مثل هذه، فقال رسول الله عليه السلام: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون".

حدثنا فهد قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا شريك، عن عثمان، عن سالم، عن علي بن علقمة، عن علي رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام نحوه.

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن شعيب بن الليث أبي عبد الملك المصري من رجال مسلم، عن أبيه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، من رجال الجماعة، عن أبى الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، من رجال الجماعة، عن عبد الله بن زرير الغافقي المصري، قال العجلي: مصري تابعي ثقة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث. . . إلى آخره نحوه سواء.

(1)"سنن أبي داود"(2/ 31 رقم 2565).

ص: 450

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من طريق الليث، ثم قال: رواه جماعة عنه.

وقال ابن المديني عن أبي الوليد عنه كذلك.

وكذا رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب.

وشذَّ شعيب الصريفيني فقال: ثنا أبو الوليد، ثنا الليث، عن يزيد، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن أبي أفلح الهمداني، عن عبد الله بن زرير، عن علي رضي الله عنه قال:"أهديت لرسول الله عليه السلام بغلة فأعجبتنا، فقلت: يا رسول الله، ألا ننزي الحمر على خيلنا حتى تأتي بمثل هذه؟ فقال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون".

وكذا رواه ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب بهذا، وقال فيه:"أهدى صاحب أيلة -أو فروة- إلى رسول الله عليه السلام بغلته البيضاء".

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله، عن عثمان بن المغيرة، وهو عثمان بن أبي زرعة، وهو عثمان الأعشى الكوفي الثقة.

عن سالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي الكوفي الثقة، عن علي بن علقمة الأنماطي الكوفي الثقة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث شريك، عن عثمان بن المغيرة -وهو عثمان بن أبي زرعة- عن سالم بن أبي الجعد، عن علي بن علقمة، عن علي رضي الله عنه قال:"قيل للنبي عليه السلام: أننزي الحمار على الفرس؟ قال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون".

قوله: "أهديت لرسول الله عليه السلام بغلة" قد بيَّن ابن إسحاق في روايته أن الذي أهداها له عليه السلام هو صاحب أيلة أو فروة، وكان للنبي عليه السلام ستّ بغال: بغلة شهباء

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 23 رقم 19569، 19570، 19571) بتصرف شديد.

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(10/ 23 رقم 19572).

ص: 451

يقال لها الدلدل أهداها له المقوقس صاحب إسكندرية، وكان عليه السلام يركبها في المدينة وفي الأسفار، وهي أول بغلة رُكبت في الإِسلام.

وبغلة يقال لها فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي مع حمار يقال له يعفور، فوهب البغلة لأبي بكر.

وبغلة بعثها صاحب دومة الجندل ومعها جبة من سُنْدُس.

وبغلة أهداها له كسرى؛ ولا يثبت هذا.

وبغلة أهداها له النجاشي وكان رسول الله عليه السلام يركبها قاله ابن عباس.

وبغلة يقال لها: أيلية، أهداها له ملك أيلة وهو ابن العلماء.

قوله: "لو حملنا الحمير على الخيل" أراد به إنزاء الحمير على الخيل؛ لأجل النسل.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: فيه كراهة إنزاء الحمير على الخيل كما ذهبت إليه طائفة على ما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

الثاني: فيه جواز المهاداة سواء كانت من الملوك إلى الملوك أو من غيرهم.

الثالث: فيه جواز ركوب هدية الكفار.

الرابع: فيه جواز ركوب البغال.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد (ح).

وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أبي الجهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن ابن عباس قال:"ما اختصَّنا رسول الله عليه السلام بشيء دون الناس إلا بثلاث: إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل".

ش: هذان طريقان حسنان جيدان:

ص: 452

وأبو الجهضم اسمه موسى بن سالم مولى آل العباس بن المطلب.

وقد أخرج الطحاوي هذا الحديث في كتاب الزكاة في باب الصدقة على بني هاشم من ثلاث طرق:

الأول: عن ربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن سعيد وحماد ابني زيد، كلاهما عن أبي جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال:"دخلنا على عبد الله بن عباس فقال: ما اختصَّنا رسول الله عليه السلام. . ." الحديث.

الثاني: عن أحمد بن داود المكي، عن سليمان بن حرب الواشحي شيخ البخاري وأبي داود، عن حماد بن زيد، عن أبي جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي عمر حفص بن عمر الحوضي شيخ البخاري، عن مرجَّا بن رجاء اليشكري، عن أبي جهضم. . . إلى آخره.

وذكرنا هناك أنه أخرجه النسائي وأبو داود وأحمد بن حنبل رحمهم الله، وتكلمنا فيه هناك بما فيه الكفاية (1).

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قومٌ إلى هذا؛ فكرهوا إنزاء الحمير على الخيل، وحرموا ذلك ومنعوا منه، واحتجوا بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي ويزيد بن أبي حبيب المصري؛ فإنهم قالوا: إنزء الحمير على الخيل مكروه كراهة تحريم، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة.

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب قال:"كتب إلينا عمر بن عبد العزيز فقريء علينا كتابه: أيما رجل حمل حمارًا على عَرِبَة من الخيل فامحوا من عطائه عشرة دنانير".

(1) تقدم.

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 543 رقم 33703).

ص: 453

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسًا، وكان من الحجة لهم في ذلك: أن ذلك لو كان مكروهًا لكان ركوب البغال مكروهًا؛ لأنه لولا رغبة الناس في البغال وركوبهم إياها إذًا لما أنزيت الحمير على الخيل، ألا ترى أنه لما نهى عن إخصاء بني آدم كره بذلك اتخاذ الخصيان؛ لأن في اتخاذهم ما يحضهم على إخصائهم؛ ولأن الناس إذا تحاموا كسبهم لم يرغب أهل الفسق في اخصائهم.

وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا القواريري، قال: ثنا عفيف بن سالم، قال: ثنا العلاء بن عيسى الذهلي قال: "أتي عمر بن عبد العزيز بخصي، فكره أن يبتاعه، وقال: ما كنت لأعين على الأخصاء".

فكل شيء في ترك كسبه ترك لأهل بعض المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه، فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال وركوبها؛ دلَّ ذلك على أن النهي الذي في الآثار الأُول لم يُرَد به التحريم، ولكنه أريد به معنى آخر.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء وفقهاء الأمصار منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، فإنهم قالوا: لا بأس بإنزاء الحمير على الخيل.

قوله: "وكان من الحجة لهم" أي من البرهان والدليل لهؤلاء الآخرين. وباقي الكلام ظاهر.

وقال الخطابي في هذا الموضع: يشبه أن يكون المعنى في ذلك -والله أعلم- أن الحمر إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقلَّ عددها وانقطع نماؤها، والخيل يحتاج إليها للركوب والجهاد، ولحمها مأكول ويسهم للفرس، وليس للبغل شيء من هذه الفضائل، فأحب عليه السلام أن ينمو عدد الخيل فيكثر نسلها لما فيه من النفع والصلاح، ولكن قد يحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمير جائز؛ لأن الكراهية في هذا الحديث إنما جاءت في حمل الحمير على الخيل لئلا تشتغل أرحامها بنسل الحمر فيقطعها ذلك عن نسل الخيل، فإذا كانت الفحولة خيلًا والأمهات حمرًا فقد يحتمل

ص: 454

أن لا يكون داخلًا في النهي، إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل من مزاوجة الحمر وكراهية اختلاط مائها بمائها لئلا يضيع طرفها، ولئلا يكون منه الحيوان المركب من النوعين المختلفين؛ فإن أكثر المركبات المتولدة من جنسين من الحيوان أخبث طبعًا من أصولها التي تتولد منها وأشد شرًّا، كالسباع والعقبان، وكذلك البغل لما يعتريه من الشماس والحران ونحوهما من الآفات والعيوب، ثم هو حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء ولا يزكى.

قلت: هذا ليس بسديد؛ فإن الله تعالى قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} (1) فذكر البغال وامتنَّ علينا بها كامتنانه بالخيل، وأفرد ذكرها بالاسم الخاص الموضوع لها، ونبَّه على ما فيها من الأرب والمنفعة، والمكروه من الأشياء مذموم لا يستحق المدح ولا يقع بها امتنان، وقد استعمل عليه السلام البغل وركبه حضرًا وسفرًا، وكان يوم حنين على بغلته كما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى، ولو كان مكروهًا لم يقتنه.

قوله: "وقد حدثنا. . ." إلي آخره. بيان لما ذكره من قوله: "ولأن الناس إذا تحاموا كسبهم".

أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن القواريري، هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي أبو سعيد البصري، شيخ الشيخين وأبي داود.

وهو يروي عن عفيف بن سالم الموصلي وثقه يحيى وأبو داود والنسائي وابن حبان، عن العلاء بن عيسى الذهلي [. . . . .](2).

ص: فمما روي عن رسول عليه السلام في ركوب البغال: ما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا القواريري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: "قال رجل للبراء: يا أبا عمارة ولَّيْتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولَّى رسول الله عليه السلام، وكان ولَّى سرعان الناس تلقيهم هوازن بالنبل،

(1) سورة النحل، آية:[8].

(2)

بيض له المؤلف رحمه الله، وقال في "المغاني": لم أقف له على حال.

ص: 455

ولقد رأيت رسول الله عليه السلام وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: أنا أبو إسحاق. . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن كثير بن عباس، أن أباه عباس بن عبد المطلب قال:"شهدت مع رسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله عليه السلام فلم نفارقه، ورسول الله عليه السلام على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت الزهري يحدث، عن كثير بن العباس، عن أبيه نحوه.

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الحارث بن حصيرة، قال: ثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن مسعود: "كنت مع رسول الله عليه السلام يوم حنين ورسول الله عليه السلام على بغلته".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر، عن يزيد ابن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه قالت:"رأيت رسول الله عليه السلام يوم النحر عند جمرة العقبة وهو على بغلته".

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن ابن عبد الله بن بسر، عن أبيه أنه قال:"إن رسول الله عليه السلام أتاهم وهو راكب بغلة".

ص: 456

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت البُناني وحميد الطويل، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله عليه السلام على بغلة شهباء، فمرَّ على حائط لبني النجار فإذا قبر يعذب صاحبه فحاصت البغلة، فقال رسول الله عليه السلام: لولا (أن تَدَافنوا) (1) لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: حدثني فائد، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه:"أنه رأى بغلة النبي عليه السلام شهباء فكانت عند علي بن الحسين رضي الله عنهما".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي قال: "غزونا مع رسول الله عليه السلام حنين. . ." فذكر حديثًا طويلًا فيه: "فمررت على رسول الله عليه السلام منهزمًا وهو على بغلته الشهباء".

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد ابن أبي هلال، عن أسلم أبي عمران، عن عقبة بن عامر قال:"ركب رسول الله عليه السلام بغلة فاتبعته. . ." ثم ذكر الحديث.

فقد تواترت الآثار عن رسول الله عليه السلام بإباحة ركوب البغال.

ش: أي: فمن الذي روي عن النبي عليه السلام في ركوب البغال: ما قد حدثنا. . . إلى آخره. وأخرج في ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهما:

الأول: عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

أخرجه من ثلاثة طرق:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

(1) كذا في "الأصل، ك"، وعليه شرح المؤلف رحمه الله، وفي "شرح معاني الآثار": أن لا تدافنوا.

ص: 457

وأخرجه البخاري (1): نا محمد بن كثير، نا سفيان، عن أبي إسحاق قال:"سمعت البراء رضي الله عنه وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة أتولَّيْت يوم حنين؟ فقال: أما أنا فأشهد على النبي عليه السلام أنه لم يولِّ، ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن، وأبو سفيان بن حرب آخذ برأس بغلته البيضاء يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".

وأخرجه مسلم (2): ثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا أبو خيثمة، عن أبي إسحاق قال:"قال رجل للبراء: يا أبا عمارة، فررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولَّى رسول الله عليه السلام ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حُسَّرًا ليس عليهم سلاح -أو كثير سلاح- فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم جمع هوازن وبني النضير فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى رسول الله عليه السلام، ورسول الله عليه السلام على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر قال: أنا النبي لا كذب، أنا بن عبد المطلب. ثم صفهم".

وأخرجه الترمذي (3): عن ابن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق. . . إلى آخره.

وأخرجه النسائي (4): عن ابن بشار، عن غُندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق نحوه.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن شعبة، عن أبي إسحاق.

وأخرجه البخاري (5): نا أبو الوليد، نا شعبة، عن أبي إسحاق: "قيل للبراء -

(1)"صحيح البخاري"(4/ 1568 رقم 4061).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1400 رقم 1776).

(3)

"جامع الترمذي"(4/ 199 رقم 1688).

(4)

"سنن النسائي الكبرى"(5/ 191 رقم 8638).

(5)

"صحيح البخاري"(4/ 1568 رقم 4062).

ص: 458

وأنا أسمع-: أولَّيتم مع النبي عليه السلام يوم حنين؟ فقال: أما النبي عليه السلام فلا، كانوا رماةً، فقال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن البراء.

وأخرجه مسلم (1): عن يحيى بن يحيى، عن زهير بن معاوية. . . إلى آخره نحوه.

قوله: "سَرَعان الناس" بفتح السين والراء، وهم أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز تسكين الراء.

قوله: "وأبو سفيان" ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ابن عم النبي عليه السلام، وكان أخا النبي عليه السلام من الرضاعة أرضعتهما حليمة بنت أبي ذئب السعدية، وحضر مع رسول الله عليه السلام الفتح وشهد معه حنينًا فأبلى فيها بلاءً حسنًا، وكان رسول الله عليه السلام أحبه وشهد له بالجنة، وتوفي أبو سفيان سنة عشرين بالمدينة، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قوله: "أنا النبي لا كذب" فيه إثبات لنبوته عليه السلام؛ كأنه قال: أنا ليس بكاذب فيما أقول فيجوز على الانهزام.

و"الكَذِبْ" -بفتح الكاف وكسر الذال- مصدر، يقال: كَذَبَ يَكْذِبُ كِذبًا وكَذِبًا، ولكنه بمعنى الفاعل، وفيه حذف كما ذكرنا، وتقديره: لا أنا كاذب، وزعم بعضهم أنه بفتح الباء ليخرجه عن أن يكون موزونًا، وإنما انتسب إلى جده بقوله: "أنا ابن عبد المطلب لرؤيا كان عبد المطلب رآها دالة على نبوته مشهورة عند العرب وعبّرها له سيف بن ذي يزن.

وقيل؛ لأن شهرة جدِّه كانت أكثر من شهرة أبيه؛ لأنه توفي شابًّا في حياة أبيه، أو لأنه عليه السلام كان ينتسب كثيرًا إلى عبد المطلب؛ لأن العادة إذا كان في نسب الإنسان جدٌّ

(1) تقدم عن قريب.

ص: 459

أو جد أب له شهرة أو أسمه فيه غرابة ينسب إليه ويطرح من بينهما من الآباء، ولهذا إن ضمَّام بن ثعلبة لما وقد عليه قال: أيكم ابن عبد المطلب؟

وفيه جواز الانتماء في دار الحرب، وإنما كره من ذلك ما كان على وجه الافتخار في غير الحرب.

والثاني: عن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح -كاتب الليث، وشيخ البخاري- عن الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي -أمير مصر لهشام بن عبد الملك بن مروان، ومولى الليث بن سعد من فوق- عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه السلام، التابعي الكبير، عن أبيه عباس بن عبد المطلب.

وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب، قال: قال عباس: "شهدت مع رسول الله عليه السلام يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله عليه السلام فلم نفارقه، ورسول الله عليه السلام على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. . ." الحديث بطوله.

الطريق الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن مسلم الزهري، عن كثير بن عباس. . . إلى آخره.

قوله: "فروة بن نفاثة الجذامي" كان عاملًا لقيصر على معان من أرض الكرك. و"فروة": بالفاء، و"نفاثه": بضم النون وبالفاء والثاء المثلثة.

والثالث: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1398 رقم 1775).

ص: 460

أخرجه من طريق حسن جيد:

عن علي بن عبد الرحمن، عن عفان بن مسلم الصفَّار، عن عبد الواحد بن زياد العبدي، عن الحارث بن حصيرة الكوفي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا عفان بن مسلم، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال:"كنت مع رسول الله عليه السلام-يعني يوم حنين- فتفرق الناس وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار -وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة- ورسول الله عليه السلام على بغلته، فقال النبي عليه السلام: ناولني كفًّا من تراب، فرمى به وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابًا، وأقبل المهاجرون والأنصار وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، فولى المشركون مدبرين".

والرابع: عن أم جندب الصحابية رضي الله عنها.

أخرجه عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة شيخ مسلم، عن علي بن مسهر الكوفي قاضي الموصل، عن يزيد بن أبي زياد القرشي فيه مقال، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الجشمي الكوفي، عن أمه أم جندب الأزدية الصحابية رضي الله عنها.

وأخرج ابن الأثير (2) هذا الحديث في ترجمة أم جندب: من حديث ابنها سليمان بن عمرو بن الأحوص: "أنها رأت النبي عليه السلام غداة الجمرة وهو يرمي الجمرة وهو يقول: يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضًا، ارموا بمثل حصى الخذف".

(1)"مسند البزار"(5/ 368 رقم 1998).

(2)

"أسد الغابه"(1/ 1430).

ص: 461

وأخرجه ابن ماجه (1): عن أبي بكر بن أبي شيبة نحو رواية الطحاوي.

وأخرجه أيضًا (2): عن أبي بكر، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان، عن أمه أم جندب.

وأخرجه أبو داود (3): عن إبراهيم بن مهدي، عن علي بن مسهر، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه قالت:"رأيت النبي عليه السلام يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب. . ." الحديث، وليس فيه ذكر البغلة.

والخامس: عن عبد الله بن بُسر -بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة- المازني الصحابي.

أخرجه عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية ابن صالح بن حدير الحمصي قاضي الأندلس، عن يحيى بن عبد الله بن بُسر، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام أتاهم وهو راكب بغلة".

وأخرج أحمد في "مسنده"(4): ثنا يحيى بن حماد، أنا شعبة، عن يزيد بن خمير، عن عبد الله بن بُسر، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام، نزل فذكروا رطبةً طعامًا وشرابًا، فكان يأكل التمر ويضع النوى على ظهر أصبعيه ثم يرمي به، ثم قام فركب بغلة له بيضاء، فأخذت بلجامها، فقلت: يا نبي الله، ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم".

وقد اعترض بعضهم على هذا، فقال: هكذا في الأصل: عن عبد الله بن بُسر، عن أبيه. ولكن الصواب: عن ابن عبد الله بن بُسر، عن أبيه.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1008 رقم 3028).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1008 رقم 3031).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 604 رقم 1966).

(4)

"مسند أحمد"(4/ 188 ر قم 17711).

ص: 462

قلت: بُسر والد عبد الله له صحبة أيضًا، وعبد الله روى عنه أيضًا، فعلى هذا الصواب ما ذُكر في الأصل بدون ذكر الابن.

وأخرج النسائي في "الوليمة"(1): عن كثير بن عبيد، عن بقية، عن محمد بن زياد، عن عبد الله بن بُسر قال:"كنت أنا وأبي قاعدين إذْ أقبل رسول الله عليه السلام على بغلة له، فقال له أبي: ألا تنزل. . ." الحديث.

والسادس: عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد صحيح: عن نصر بن مرزوق، عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني وحميد الطويل، كلاهما عن أنس بن مالك.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا حسن، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام كان علي بغلة شهباء، فمرَّ على حائط لبني النجار فإذا هو بقبر يُعذَّب صاحبه، فحاصت البغلة، فقال: لولا (أن تدافنوا) (3) لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر".

قوله: "على حائط" وهو البستان من النخيل إذا كان عليها جدار.

قوله: "فحاصت البغله" أي نفرت وفرت، يقال: حَاصَ يَحِيصُ حَيْصةً إذا جال يطلب الفرار، والمَحِيص: المهرب، ويروى:"جاضت" بالجيم والضاد المعجمة، يقال: جاض عن القتال أي فرَّ، وجاض عن الحق: عدل، وأصل الجيض: الميل عن الشيء.

(1)"سنن النسائي الكبرى"(4/ 202 رقم 6900).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 153 رقم 12575).

(3)

كذا في "الأصل، ك" وعليه شرح المؤلف رحمه الله، وفي "مسند أحمد"، ومصادر تخريج الحديث: أن لا تدافنوا.

ص: 463

قوله: "لولا أن تدافنوا" من التدافن وهو التكاتم، وفي الحديث:"لو تكاشفتم لما تدافنتم" أي لو تكشَّف عيب بعضكم لبعض (1).

وفيه: جواز ركوب البغلة، وجواز اقتنائها، وإثبات عذاب القبر.

والسابع: عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

أخرجه بأسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن عمر بن يونس بن القاسم الحنفي اليمامي، عن عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة، عن أبي سلمة بن الأكوع.

وأخرجه مسلم بأتم منه (2): ثنا زهير بن حرب، قال: ثنا عمر بن يونس الحنفي، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي قال: "غزونا مع رسول الله عليه السلام حنينًا، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلوا ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني، فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة

(1) وقال المناوي في "فيض القدير"(5/ 342): ومعنى لولا أن لا تدافنوا: أنهم لو سمعوه لتركوا التدافن حذرًا من عذاب القبر أو لاشتغل كلُّ بخويصته، حتي يفضي بهم إلى ترك التدافن.

وقيل: "لا" زائدة، ومعناه لولا أن تموتوا من سماعه؛ فإن القلوب لا تطيق سماعه، فيصعق الإنسان لوقته، فكنى عن الموت بالتدافن، ويرشد إليه قوله في الحديث الآخر:"لو سمعه الإنسان لصعق" أي: مات.

وفي رواية لأحمد: لولا أن تدافنوا بإسقاط "لا" وهو يدل على زيادتها في تلك الرواية، وقيل: أراد لأسمعتكم عذاب القبر أي صوته. . .

ثم قال: وليس معناه: أنهم لو سمعوا ذلك تركوا التدافن لئلا يصيب موتاهم العذاب كما قيل، لأن المخاطبين -وهم الصحب- عالمون بأن العذاب -أي عذاب الله- لا يرد بحيلة، فمن شاء تعذيبه عذبه ولو في بطن حوت، بل معناه: لو سمعوا عذابه تركوا دفن الميت استهانة به أو لعجزهم عنه لدهشتهم وحيرتهم أو لفزعهم وعدم قدرتهم على إقباره، أو لئلا يحكموا على كل من اطلعوا على تعذيبه في قبره بأنه من أهل النار؛ فيتركوا الترحم عليه وترجي العفو له.

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1402 رقم 1777).

ص: 464

النبي عليه السلام، فولى صحابة النبي عليه السلام وأرجع منهزمًا وعليَّ بردتان متِّزرًا بإحداهما مرتديًا بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما جميعًا ومررت على رسول الله عليه السلام-منهزمًا- وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله عليه السلام: لقد رأى ابن الأكوع فزعًا، فلما غَشَوْا رسول الله عليه السلام نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فما خلف الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينه ترابًا من تلك القبضة، فولَّوْا مدبرين، فهزمهم الله تعالى، وقسم رسول الله عليه السلام غنائمهم بين المسلمين".

والثامن: عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد صحيح: عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث البصري، عن سعيد بن أبي هلال أبي العلاء المصري، عن أسلم بن عمران أبي عمران التجيبي المصري، عن عقبة بن عامر.

وأخرجه النسائي (1): عن قتيبة، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عمران أسلم، عن عقبة بن عامر قال:"اتبعت النبي عليه السلام وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني سورة هود. . ." الحديث.

وأما حديث عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه. . . إلى آخره:

فأخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي شيخ مسلم في غير "الصحيح"، وابن ماجه.

عن معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي المدني الثقة، عن فائد بالفاء، المدني الثقة، عن مولاه عبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي عليه السلام، الثقة.

عن أبيه علي بن أبي رافع.

وفي "التكميل": علي بن أبي رافع، عن أبيه. وعنه: ابنه الحسن؛ فيه جهالة.

(1)"المجتبى"(2/ 158 رقم 953).

ص: 465

وأبو رافع اسمه إبراهيم -وقيل: أسلم- مولى النبي عليه السلام.

قوله: "فكانت عند علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه" وهذه البغلة هي التي كانت تسمى الدلدل، أهداها له عليه السلام المقوقس، وقد كانت عُمِّرت حتى كانت عند علي رضي الله عنه، وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند علي بن الحسين بن علي، وقيل: كانت عند عبد الله بن جعفر، وكان يحش لها الشعير لتأكله من ضعفها.

ص: وقد روي في ذلك ما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عائذ -يعني ابن حبيب- عن الحجاج، عن سعيد بن أشوع، عن حنش بن المعتمر قال:"رأيت عليًّا رضي الله عنه أتي ببغلته يوم الأضحى فركبها، فلم يزل تكبى حتى أتى الجبَّانة".

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن الحكم، قال:

سمعت يحيى بن الجزار، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الصلاة، فجاء رجل فأخذ بخطام بغلته، فسأله عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: هو يومك هذا، خلِّ سبيلها".

ش: أي قد روي في ركوب البغال أيضًا عن علي رضي الله عنه الذي يدلّ على إباحة إنزاء الحمير على الخيل.

وأخرجه من وجهين

الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن عائذ بن حبيب بن ملاج العبسي أبي هشام الكوفي، وثقه يحيى، وعنه: صويلح.

قال الجوزجاني: غالٍ زائغ. روى له النسائي وابن ماجه.

عن الحجاج بن أرطاة فيه مقال، عن سعيد بن أشوع بن عمرو القاضي وثقة ابن حبان، عن حنش بن المعتمر الكناني -قال أبو داود: ثقة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: لا يحتج به.

ص: 466

الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور روى له الجماعة، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار العرني الكوفي روى له الجماعة إلا البخاري.

وأخرجهما ابن أبي شيبة نحوه (1).

قوله: "حتى أتى الجبَّانه" بتشديد الباء وبعد الألف نون: الصحراء، وكذلك الجبَّان.

ويستفاد منهما أحكام:

جواز اقتناء البغال، والإِشارة إلى إباحة إنزاء الحمير على الخيل، وجواز الذهاب إلى المصلى يوم العيد راكبًا، وجواز الجهر بالتكبير يوم الأضحى، وأن المراد من قوله تعالى:{يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} (2) هو يوم عيد الأضحى.

ص: فإن قال قائل: فما معنى قوله عليه السلام: "إنما يفعل ذلك الدين لا يعلمون"؟

قيل له: قال أهل العلم في ذلك: معناه أن الخيل قد جاء في ارتباطها وعلفها الأجر، وليس ذلك في البغال، فقال النبي عليه السلام: "إنما يترك حمل فرس على فرس حتى يكون عنهما ما فيه الأجر، ويحمل حمارًا على فرس فيكون عنهما بغل لا أجر فيه الذين لا يعلمون؛ لأنهم يتركون بذلك إنتاج فيما ارتباطه الأجر، وينتحبون ما لا أجر في ارتباطه.

ش: تقرير السؤال أن يقال: استدللتم بالأحاديث المذكورة التي فيها ركوب النبي عليه السلام البغل على إباحة اقتناء البغال وإنزاء الحمير على الخيل، فالحديث الذي فيه:"إنما يفعل ذلك" يعني الإنزاء المذكور "الذين لا يعلمون" ما يكون معناه على ما قلتم وذهبتم إليه.

فأجاب بقوله: "قيل له. . ." إلى آخره، وهو ظاهر.

(1)"مصنف ابن أبي شيبه"(1/ 488 رقم 5625)، (3/ 379 رقم 15110).

(2)

سورة التوبة، آية:[3].

ص: 467

قوله: "إنما يترك حمل فرس. . ." إلى آخره. تفسير لقوله عليه السلام: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"، وفاعل قوله:"إنما يترك" هو قوله: "الذين لا يعلمون"، وقوله:"حمل فرس" مفعوله.

قوله: "ويحمل حمارًا" عطف على قوله: "إنما يترك".

ص: فمما روي عن النبي عليه السلام في الثواب في ارتباط الخيل: ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: "سئل رسول الله عليه السلام عن الخيل، فقال: هي لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأما من ربطها عدةً في سبيل الله فإنه لو طول لها في مرج خصيب أو روضة؛ كتاب الله له عز وجل عدد ما أكلت حسنات وعدد أرواثها حسنات، ولو انقطع طَولها ذلك فاستنت شرفًا أو شرفين كتب الله له عدد آثارها حسنات، ولو مرت بنهر عجاج لم يرد السقي فيه فشربت منه كتب الله له عدد ما شربت حسنات. ومن ارتبطها تغنيَّا أو تعففًا ثم لم ينس حق الله في رقابها وظهورها كانت له سترًا من النار.

ومن ارتبطها فخرًا ورياءً ونواءٍ على المسلمين كانت له وزرًا يوم القيامة.

قالوا: فالحمر؟ يا رسول الله قال: لم ينزل الله عليّ في الحمر شيئًا إلا هذه الآية الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (1).

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن بكير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام بنحو ذلك أيضًا.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

(1) سورة الزلزله، آية:[7، 8].

ص: 468

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني طلحة بن أبي سعيد، أن سعيد المقبري حدثه، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام قال:"من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعد الله؛ كان شبعه وريّه وبوله وروثه حسنات في ميزانه يوم القيامه".

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة، عن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن يونس. . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: سمعمت معاوية بن صالح يحدث، قال: حدثني زياد بن نعيم، أنه سمع أبا كبشة صاحب النبي عليه السلام يقول: عن النبي عليه السلام: "الخيل في نواصيها الخير، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا ابن إدريس وابن فضيل، عن الحصين، عن الشعبي، عن عروة البارقي، قال رسول الله عليه السلام:"الخير معقودٌ في نواصي الخيل، فقيل: يا رسول الله مم ذاك؟ قال: الأجر والغنيمة إلى يوم القيامة". زاد فيه بن إدريس: "والإبل عزٌّ لأهلها، والغنم بركة".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا فطر بن خليفة، عن أبي إسحاق قال:"وقف علينا عروة البارقي ونحن في مجلسنا فحدثنا فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: الخير معقودٌ في نواصي الخيل أبدًا إلى يوم القيامة".

ص: 469

حدثنا ابن مرزق، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن عروة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوُحَاظي، قال: ثنا زهير، عن جابر، عن عامر، عن عروة البارقي، عن النبي عليه السلام مثله. وزاد:"الأجر والغنيمة".

حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا عبد الله بن سالم، قال: ثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس، قال: حدثني الوليد بن عبد الرحمن الحرشي، عن جبير بن نفير، قال: حدثني سلمة بن نفيل السكوني، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الخيل معصوبٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها".

ش: أخرج في ثواب مرتبط الخيل عن سبعة من الصحابة، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وجرير بن عبد الله، وأبو كبشة، وعروة البارقي، وسلمة بن نفيل.

أما حديث أبي هريرة، فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة.

وأخرجه مسلم (1): عن يونس بن عبد الأعلى. . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه البخاري في كتاب "الشرب"(2): عن عبد الله بن يوسف.

وفي "الجهاد"(3)، وفي "علامات النبوة" (4): عن القعبني.

(1) صحيح مسلم (2/ 680 رقم 987).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 835 رقم 2242).

(3)

"صحيح البخاري"(3/ 1050 رقم 2705).

(4)

"صحيح البخاري"(3/ 1332 رقم 3446).

ص: 470

وفي كتاب "الاعتصام"(1)، وفي "التفسير" (2): عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب كلهم، عن مالك، عن زيد بن أسلم.

وأخرجه الطحاوي أيضًا في كتاب الزكاة في باب: "الخيل السائمة هل فيها صدقة أم لا"؟

الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة.

قوله: "هي لثلاثه" أي الخيل لثلاثة أنفس، والمعنى أنها على ثلاثة أنواع: النوع منها: أجر لصاحبها، والنوع منها: ستر لصاحبها، والنوع منها: فيها وزر لصاحبها.

قوله: "فأما من ربطها عدة في سبيل الله" أي أعدها للجهاد، وأصله من الربط، ومنه الرباط وهو حبس الرجل نفسه في الثغور وإعداده الأهبة لذلك، وقيل: من ربط صاحبه عن المعاصي وعقله عنها فهو كمن ربط وعقل.

قوله: "لو طَوَّل لها" أراد: لو ربط قائمتها وأمسك بطرقه وأرسلها ترعى.

والطّيَل والطِّوَال والطَّويلة والتِّطْوَل كله حبل طويل تشد به قائمة الدابة، وقيل: هو الحبل تشدّ به ويمسك به صاحبها بطرقه ويرسلها ترعى. وفي "الجامع": ومنهم من شدد فيقول: الطُّوَّل. وقال الجوهري: لم يسمع في الطول الذي هو الحبل إلا بكسر الأول وفتح الثاني، وشدده الراجز في قوله:

تَعرَّضَت لي في مَكَانٍ جَلي

تَعَرُّضَ المهرَةِ في الطَّوَّلِ

ضرورة، وقد يفصلون مثل ذا للتكثير، أو يزيدون في الحرف من بعض حروفه.

وقال عياض: قال ابن وهب: هو الرسن.

قوله: "في مرج" وهي الأرض الواسعة، وتجمع على مروج.

(1)"صحيح البخاري"(6/ 2677 رقم 6923) من طريق إسماعيل عن مالك به.

(2)

"صحيح البخاري"(4/ 1898 رقم 4679) بقصة الحمر فقط.

ص: 471

قوله: "خصيب" من قولهم: مكان خصيب ومخصب من الخصب وهو ضد الجدب، يقال: أخصبت الأرض، وأخصب القوم.

قوله: "أو روضة" وهي الموضع الذي يستنقع فيه الماء، ويكون به نبات مجتمع، قال أبو عبيد: ولا يكون إلا في ارتفاع.

قوله: "فاستنت" أي أفلتت فمرحت، والاستنان افتعال من السنن وهو القصد، وقيل: معنى استنت لجت في عدوِّها إقبالًا وإدبارًا، وقيل: الاستنان مختص بالجري إلى فوق، وقيل: هو النشاط والمرح، وفي "البارع": هو كالرقص، وقيل: استنت: رعت، وقيل: الجري بغير فارس.

قوله: "شرفًا" بفتح الشين المعجمة والراء هو ما أشرف من الأرض وارتفع.

قوله: "بنَهْرٍ عجاج" النَّهْر بفتح النون وسكون الهاء وفتحها أيضًا لغتان فصحتان ذكرهما ثعلب، وقال الهروي: الفتح أفصح، وقال ابن خالويه: الأصل فيه التسكين، وإنما جاز فتحه لأن فيه حرفًا من حروف الحلق. قال: وحروف الحلق إذا وقعت آخر الكلام فتُح وسطها، وإذا وقعت وسطًا فتحت نفسها.

وقال بعضهم: لأنه حرف استعلاء، يفتح لاستعلائه.

وفي "الموعب": نَهْر ونُهُور مثل جَمْع وجموع.

وقال أبو حاتم: نَهَر وأنهار مثل حَبَل وأَجْبَال.

و"العِجَاج": على وزن فعال -بالتشديد- أي كثير الماء، كأنه يعجّ من كثرته وصوت تدفقه.

قوله: "لم يرد السقي فيه" من باب التنبيه؛ لأنه إذا كان تحصل له هذه الحسنات من غير أن يقصد سقيها فإذا قصد فأولى بأضعاف الحسنات.

قوله: "تغنيًّا" يعني لأجل التغني، أراد: يستغني به عما في أيدي الناس ويتعفف عن سؤالهم بما يعمله عليها ويكتسب على ظهورها.

ص: 472

قوله: "ونوِاء" بكسر النون والمد، وهو المعاداة، وهو أن ينوي إليك وتنوي إليه أي تنهض. قال الداودي: بفتح النون والقصر، قال: وكذا روي، والمشهور الأول.

وقال ابن قرقول: والقصر وفتح النون وهم. وقال الإِسماعيلي: قال ابن أبي الحجاج عن أبي المصعب: "بواء" بالباء.

قوله: "كانت له وزرًا" الوزر -بكسر الواو-: الإثم يريد باعتقاده وأن يقاتلهم عليها.

قوله: "بالحُمُر" بضم الميم: جمع حمار.

قوله: "إلا هذه الآية الفاذة" بالذال المعجمة أي المنفردة القليلة النظير في معناها، وجَمَعَت -على انفرادها- حكم الحسنات والسيئات المتناولة لكل خير ومعروف، ومعناه: أن من أحسن إليها أو أساء رآه في الآخرة.

ويستنبط منه أحكام:

فيه دلالة على فضيلة الخيل على سائر الحيوان.

وفيه: أن اقتناء الخيل لنية الاعتداد في سبيل الله فيه ثواب جزيل وأجر جميل.

وفيه: حجة لأبي حنيفة بقوله: "لم ينس حق الله في رقابها" على وجوب الزكاة في الخيل السائمة، وقد مرّ الكلام فيه مستقصى في كتاب الزكاة.

وفيه: احتج بعضهم بقوله: "لم ينزل الله علي في الحمر شيئًا" أن النبي عليه السلام لم يكن مجتهدًا، وإنما كان يحكم بالوحي.

وأجيب بأنه عليه السلام لم يظهر له أو لم يفسر الله عز وجل من أحكام الحمير وأحوالها ما قاله في الخيل وغيرها، وإنما لم يسألوه عن البغال لقلقها عندهم، أو لأنها بمنزلة الحمير.

وفيه: الإشارة إلى التمسك بالعموم.

وفيه: الإشارة على صحة القياس والاستنباط وكيف يفهم معنى التنزيل؛ لأنه نبَّه عليه السلام ما لم يذكر الله عز وجل في كتاب وهي الحمر بما ذكر {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

ص: 473

خَيْرًا يَرَهُ} معناهما واحدًا، وهو نفس القياس الذي ينكره من لا تحصيل له.

وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن محمد بن عمرو بن يونس، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن عبد الله بن عمر. . . إلى آخره.

وأخرجه الجماعة (1).

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر. . . إلى آخره.

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعبني، عن مالك. . . إلى آخره.

وأخرجه البخاري (2): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك. . . إلى آخره نحوه.

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب. . . إلى آخره.

وأخرجه البخاري (3): ثنا علي بن حفص، أنا ابن المبارك، حدثنا طلحة بن أبي سعيد، قال: سمعت سعيد المقبري يحدث، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال النبي عليه السلام: "من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده فإن شبعه وريَّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة".

قوله: "الخيل" مبتدأ وخبره الجملة -أعني قوله: "معقود في نواصيها الخير".

(1) البخاري (3/ 1332 رقم 3444)، ومسلم (3/ 1492 رقم 1871)، والنسائي (6/ 221 رقم 3573)، وابن ماجه (2/ 932 رقم 2787)، وبنحوه عند أبي داود (2/ 26 رقم 2542) من حديث عتبة بن عبد السلمي، وعند الترمذي (4/ 173 رقم 1636) عن أبي هريرة، (4/ 202 رقم 1694) من حديث عروة البارقي.

(2)

"صحيح البخاري"(3/ 1047 رقم 2694).

(3)

"صحيح البخاري"(3/ 1048 رقم 2698).

ص: 474

و"الخير" مرفوع بقوله: "معقود"؛ لأن اسم المفعول يعمل عمل فعله.

و"النواصي": جمع ناصية، وإنما خص النواصي بالذكر؛ لأن العرب تقول غالبًا: فلان مبارك الناصية، فيكنى به عن الإنسان.

وقوله: "الخيل في نواصيها الخير" لفظة عامة، والمراد بها الخصوص؛ لأنه لم يُرد به إلا بعض الخيل، بدليل قوله:"الخيل لثلاثة" فبيَّن أنه أراد الخيل الغازية في سبيل الله لا أنها على كل وجوهها. ذكره ابن المنذر.

ويقال: الخير هنا المال؛ قال الله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} (1) أي مالاً، وقال المفسرون في قوله تعالى:{إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} (2) أنه أراد به الخيل.

وقال أبو عمر بن عبد البر: وفي قوله عليه السلام: "الخيل معقود في نواصيها الخير" وقوله: "البركة في نواصي الخيل" ما يعارض رواية من روى "الشؤم في المرأة والدار الفرس"(3) ويعضد رواية من روى: "لا شؤم وقد يكون اليُمن في الفرس والدار والمرأة"(4).

وقال أيضًا: وفي هذا الحديث النص على اكتساب الخيل وتفضيلها على سائر الدواب؛ لأنه عليه السلام لم يأت عنه في غيرها من الدواب مثل هذا القول، وذلك تعظيم منه لشأنها، وحضٌّ على اكتسابها، وندب إلى ارتباطها في سبيل الله للقاء العدو، وهي أقوى الآلات في جهاده، فهذه الخيل المعدة للجهاد وهي التي في نواصيها الخير.

وأما إذا كانت معدة للفتن وقتال المسلمين وسلبهم وتفريق جمعهم وتشريدهم عن أوطانهم فتلك خيل الشيطان وأربابها حزبه، وفي مثلها -والله أعلم- ورد أن

(1) سورة البقرة، آية:[180].

(2)

سورة ص، آية:[32].

(3)

متفق عليه من حديث ابن عمر: البخاري (5/ 1959 رقم 4805)، ومسلم (4/ 1746 رقم 2225).

(4)

أخرجه الترمذي (5/ 127 رقم 2824)، وابن ماجه (1/ 642 رقم 1993) عن مخمر بن معاوية.

ص: 475

اكتسابها وزر على صاحبها، وقد استدل جماعة من العلماء أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة تحت راية كل بَرٍّ وفاجر من الأئمة بهذا الحديث؛ لأنه قال فيه:"إلى يوم القيامة" ولا وجه لذلك إلا الجهاد في سبيل الله؛ لأنه قد ورد الذم فيمن ارتبطها واحتبسها رياء وفخرًا ونواء لأهل الإِسلام، والله أعلم.

ومن نكات هذا الحديث: أنه يشتمل على الجناس المضارع، والجناس بين اللفظين هو تشابههما في اللفظ، وينقسم إلى: جناس تام: وهو أن يتَّفِقَا في أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها وترتيبها.

وناقص: وهو أن يختلفا في أعداد الحروف فقط.

ثم الحديث فيه جناس مضارع ناقص، وكونه ناقصًا ظاهر، وأما كونه مضارعًا فلكون الحرفين المختلفين فيه متقاربين؛ وذلك لأن اللام والراء من مخرج واحد، ثم الحرفان المتقاربان لا يخلو إما في الأول كقول الحريري: بيني وبين كِنِّي ليل دامس، وطريق طامس.

وإما في الوسط، كقوله تعالى،:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} (1).

وإما في الآخِر كما في الحديث المذكور.

قوله: "احتبس فرسًا" أي أرصده وأعدَّه في سبيل الله.

قوله: "إيماناً بالله" أي مؤمنًا ومصدقًا بوعده.

قوله: "شِبَعه" بكسر الشين المعجمة وفتح الباء، أراد ما يشبعه من العلف.

قوله: "ورِيَّه" بكسر الراء من رَوِيت من الماء -بالكسر- أروي رَيًّا ورِيًّا، ورِوًى أيضًا مثل رضًى، والمراد به ها هنا ما يرويه من الماء.

ثم اعلم أن ما وصفه النبي عليه السلام من الشبع والري والبول والروث إنما يريد به

(1) سورة الأنعام، آية:[26].

ص: 476

ثوابه، لا أن هذه الأشياء موزونة؛ ولا نقول أن زنة الأجر زنة الروث أو البول بل أضعاف ذلك إلى ما شاء الله تعالى.

ومن لطائف هذا الحديث أن الأمثال تُضرب لصحة المعاني، وأن النية يترتب عليها الأجر، وأن الأحباس جائزة في الخيل والكراع، وفيه بحث موضعه الفروع.

وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فأخرجه عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة -فيه مقال- عن عتبة بن أبي حكيم الهمداني الأردني الطبراني؛ فعن يحيى: ثقة. وعنه: ضعيف. وعن النسائي: ضعيف. وعنه: ليس بالقوى. روى له الأربعة.

عن الحصين بن حرملة المهري وثقه ابن حبان، عن أبي المصبح المقرائي الأوزاعي الحمصي -وقيل: الدمشقي، والصحيح أنه حمصي- قال أبو زرعة: ثقة لا أعرف اسمه. ووثقه ابن حبان أيضًا، وروى له أبو داود.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا إبراهيم بن إسحاق وعلي بن إسحاق، قالا: ثنا ابن المبارك، عن عتبة -وقال علي: أنا عتبة- بن أبي حكيم، حدثني حصين بن حرملة، عن أبي مصبح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير والنَّيْل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوها بالأوتار".

قوله: "والنيل" مِن نال ينال نيلًا إذا أصاب فهو نائل.

قوله: "وقلدوها" أي قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية ودخولها التي كانت بينكم.

و"الأوتار" جمع وتر -بالكسر- وهو الدم وطلب الثأر، يريد: اجعلوا ذلك لازمًا لها في أعناقها لزوم القلائد في الأعناق.

(1)"مسند أحمد"(3/ 352 رقم 14833).

ص: 477

وقيل: أراد بالأوتار جمع وتر: القوس، أي: لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق؛ لأن الخيل ربما رعت الأشجار فنشبت الأوتار ببعض شعبها فخنقتها.

وقيل: إنما نهاهم عنها؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى؛ فيكون كالعوذة لها، فنهاهم وأعلمهم أنها لا تدفع ضرًّا ولا تصرف حذرًا.

وأما حديث جرير بن عبد الله: فأخرجه بإسناد صحيح من طريقين:

الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقى، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن يونس بن عبيد بن دينار البصري، عن عمرو بن سعيد القرشي الثقفي البصري، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، قيل: اسمه هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عمرو، وقيل: جرير.

وهو يروي عن جده جرير بن عبد الله البجلي، روى له الجماعة.

والحديث أخرجه مسلم (1): عن جرير، ولفظه عن جرير:"رأيت رسول الله عليه السلام يلوي ناصية فرسه بأصبعه وهو يقول: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة".

الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن عبيد الله بن محمد التيمي العيشي شيخ أبي داود، عن يزيد بن زريع، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة، عن جرير بن عبد الله.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا هشيم، أنا يونس، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة، عن جرير بن عبد الله قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يفتل عرف فرسه بأصبعيه وهو يقول: الخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1493 رقم 1872).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 361 رقم 19219).

ص: 478

وأما حديث أبي كبشة: فأخرجه بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن زياد بن ربيعة بن نعيم بن ربيعة بن عمرو الحضرمي البصري وقد ينسب إلى جده، وثقه العجلي.

عن أبي كبشة الأنماري الصحابي -اسمه عمر بن سعيد، وقيل: سعد بن عمرو، وقيل: عمرو بن سعيد وهو الأشهر.

والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، نا أصبغ بن الفرج، نا ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالح، حدثني نعيم بن زياد، أنه سمع أبا كبشة صاحب رسول الله عليه السلام يحدث، عن رسول الله عليه السلام أنه قال:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة".

وأما حديث عروة البارقي: فأخرجه من أربع طرق؛ الثلاثة الأُول صحاح:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن ادريس ابن يزيد الزعافري الكوفي، وعن محمد بن فضيل بن غزوان الضبي الكوفي، كلاهما عن حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، عن عامر الشعبي، عن عروة ابن أبي الجعد الأزدي، ويقال: الأسدي، ويقال: ابن الجعد، ونسبته إلى "بارق" جبل نزل به سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن مزيقاء بن ماء السماء بن حارثة الغطريف.

وأخرجه البخاري (2): ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن حصين وابن أبي السفر، عن الشعبي، عن عروة بن الجعد، عن النبي عليه السلام قال:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامه" قال سليمان: عن شعبة، عن عروة بن أبي الجعد، تابعه مسدد.

(1)"المعجم الكبير"(22/ 339 رقم 849).

(2)

"صحيح البخاري"(3/ 1047 رقم 2695).

ص: 479

وأخرجه البرقاني نحو رواية الطحاوي: من طريق ابن إدريس، عن حصين يرفعه:"الإبل عزٌّ لأهلها والغنم بركة".

وأخرجه الطيالسي (1) بسند البخاري، وفيه:"قيل: يا رسول الله ما الخير؟ قال: الأجر والمغنم".

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن فطر بن خليفة القرشي، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي. . . إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عروة بن أبي الجعد البارقي، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة؛ الأجر والمغنم".

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن مسلم بن إبراهيم القصاب شيخ البخاري وأبي داود، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن العيزار بن حريث العبدي الكوفي، عن عروة البارقي.

وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(3): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن العيزار، عن عروة بن جعد، عن النبي عليه السلام قال:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير".

الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن صالح الوُحَاظي الشامي شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن عروة البارقي.

وهذا السند فيه مقال من جهة جابر.

(1)"مسند الطيالسي"(1/ 142 رقم 1056).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 376 رقم 19380).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 376 رقم 19379).

ص: 480

وأخرجه الترمذي (1): عن هناد، عن عبثر بن القاسم، عن حصين، عن الشعبي، عن عروة البارقي، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخير معقودٌ في نواصي الخيل إلى يوم القيامة؛ الأجر والمغنم".

وأخرجه النسائي (2): عن أبي كريب، عن ابن إدريس، عن حصين، عن الشعبي نحوه.

وأخرجه ابن ماجه (3): عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن ابن إدريس، عن حصين به.

وعن أبي بكر بن أبي شيبة (4): عن أبي الأحوص سلام بن سليم الحنفي، عن شبيب بن غرقدة، عن عروة نحوه.

وأما حديث سلمة بن نفيل رضي الله عنه: فأخرجه بإسناد صحيح:

عن محمد بن حميد بن هشام الرعيني، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري، عن عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي روى له البخاري وأبو داود والنسائي، عن إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي، قال دحيم: ثقة ثبت. روى له الترمذي وابن ماجه.

عن الوليد بن عبد الرحمن الحرشي -بفتح الحاء والراء المهملتين وبالشين المعجمة- نسبة إلى بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الحمصي، روى له الجماعة إلا البخاري.

عن جبير بن نفير -كلاهما بالتصغير- بن مالك الحضرمي الشامي الحمصي -روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".

(1)"جامع الترمذي"(4/ 202 رقم 1694).

(2)

"المجتبى"(6/ 222 رقم 3574).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 773 رقم 2305).

(4)

"سنن ابن ماجه"(2/ 932 رقم 2786).

ص: 481

عن سلمة بن نفيل السكوني -ويقال: التراغمي- الصحابي، نزل حمص.

والحديث أخرجه الطبراني بأتم منه (1): ثنا بكر بن سهل، نا عبد الله بن يوسف. . . إلى آخره.

ولفظه: "قال: دنوت من رسول الله عليه السلام حتى كادت ركبتاي تمسان فخذه، فقلت: يا رسول الله، تركت الخيل وألقي السلاح وزعم أقوامٌ أن لا قتال، فقال: كذبوا، الآن جاء القتال، لا تزال من أمتي أمهٌ قائمةٌ على الحق ظاهرةٌ على الناس يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم، وقال: وهو مُوَلِّي ظهره إلى اليمن: إني أجد نفس الرحمن من ها هنا، ولقد أوحي إليَّ أني مكتوب غير ملبث وتتبعوني أفنادًا، والخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها".

وهذا كما رأيت قد أخرج الطحاوي عن سبعة من الصحابة.

وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وأسماء ابنة يزيد والمغيرة بن شعبة.

قلت: وفي الباب أيضًا: عن عتبة بن عبد السلمي، وسوادة بن الربيع، وعبد الله بن مسعود، والبراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان، وسهل بن الحنظلية، وأبي أمامة الباهلي، وأبي ذر الغفاري، وتميم الداري، وعريب المليكي، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وأبي وهب الجشمي.

أما حديث أبي سعيد الخدري: فأخرجه البزار في "مسنده"(2): نا بشر بن خالد العسكري، نا معاوية بن هشام، ثنا شيبان، ثنا فراس، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

(1)"المعجم الكبير"(7/ 52 رقم 6358).

(2)

قال الهيثمي في "المجمع"(5/ 470 رقم 9322): رواه أحمد والبزار، وفيه عطية وهو ضعيف.

ص: 482

وأما حديث أسماء بنت يزيد: فأخرجه أحمد في "مسنده"(1): من حديث شهر عنها مرفوعًا: "من ارتبط فرسًا في سبيل الله فأنفق عليها احتسابًا؛ كان شبعه وجوعه وريَّه وظمأه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة، ومن ارتبط فرسًا رياء وسمعة كان ذلك خسرانًا في ميزانه يوم القيامة".

وأما حديث المغيرة بن شعبة: فأخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا محمد بن مرزوق البصري، ثنا إسماعيل بن سعيد الجبيري، قال: سمعت سعيد بن عبيد الجبيري يحدث، عن زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها".

وأما حديث عتبة بن عبد السلمي: فأخرجه أبو داود (2): من حديث شيخ من بني سليم، عن عتبة بن عبد السلمي، سمع النبي عليه السلام يقول:"لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها؛ فإن أذنابها مذابها ومعارفها دفاؤها ونواصيها معقود فيها الخير".

وأخرجه أبو يعلى، وسمى الشيخ: نصر بن علقمة.

وأما حديث سوادة بن الربيع: فأخرجه الطبراني في "الكبير"(3): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا معلى بن أسد العمي، ثنا محمد بن حمران، نا سليمان الجرمي، عن سوادة بن الربيع الجرمي قال:"أتيت رسول الله عليه السلام فأمر لي بذود، قال لي: عليك بالخيل؛ فإن الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلي يوم القيامة".

وأما حديث عبد الله بن مسعود: فأخرجه أبو القاسم البغوي: من حديث بقية، عن علي بن علي، حدثني يونس، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

(1)"مسند أحمد"(6/ 458 رقم 27634).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 26 رقم 2542).

(3)

"المعجم الكبير"(7/ 97 رقم 6480).

ص: 483

وأما حديث البراء بن عازب: فأخرجه البغوي أيضًا نحوه: من حديث صالح بن دينار، عن يزيد بن يسار، عن فطر، عن أبي إسحاق، عن البراء به.

وأما حديث حذيفة بن اليمان: فأخرجه ابن عساكر: من حديث النعمان بن عبد السلام، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي عمار، عن حذيفة نحوه.

وأما حديث سهل بن الحنظلية: فأخرجه الطبراني (1): ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا هشام بن عمار، ثنا يحيى بن حمزة، ثنا المطعم بن مقدام الصنعاني، عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال لابن الحنظلية: حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله عليه السلام قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها، ومن ربط فرسًا في سبيل الله كانت النفقة عليه كالمادّ يده بالصدقة لا يقبضها".

وأما حديث أبي أمامة: فأخرجه أبو طاهر الذهلي: من حديث يحيى بن راشد، عن الجريري، عن لقيط، عن أبي أمامة، عن النبي عليه السلام:"الخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة".

وأما حديث أبي ذر الغفاري: فأخرجه عن عبد الله بن وهب في "مسنده": ثنا عمرو بن الحارث، عن الحارث بن يعقوب، عن أبي الأسود الغفاري، عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

وأما حديث تميم الداري: فأخرجه محمد بن عقبة القاضي، عن أبيه، عن جده، عن تميم الداري: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من ارتبط فرسًا في سبيل الله فعالج علفه؛ كان له بكل حبة حسنة".

وأما حديث عريب المليكي: فأخرجه ابن أبي عاصم (2): من حديث يزيد بن

(1)"المعجم الكبير"(6/ 98 رقم 5623).

(2)

"الآحاد والمثاني"(5/ 157 رقم 2695).

ص: 484

عبد الله بن عريب المليكي، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

وأما حديث علي بن أبي طالب: فأخرجه ابن منده: من حديث سعيد بن عنبسة، ثنا منصور بن زاذان العطار، ثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي عليه السلام: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

وأما حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: فأخرجه عبد بن حميد في "مسنده"(1) بسند فيه ضعف: عن زيد مرفوعًا: "من حبس فرسًا في سبيل الله كان ستره من النار".

وأما حديث أبي وهب: الجشمي فأخرجه أبو داود (2): ثنا هارون بن عبد الله، قال: ثنا هشام بن سعد الطالقاني، قال: أنا محمد بن مهاجر، قال: نا عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله عليه السلام: "ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأفخاذها -أو قال: على أكفالها- وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار".

وأخرجه النسائي (3).

ص: فإن قال قائل: فما معنى اختصاص النبي عليه السلام بني هاشم بالنهي عن إنزاء الحمر على الخيل؟

قيل له: لما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا مرجى بن رجاء، قال: ثنا أبو جهضم، قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما اختصنا رسول الله عليه السلام إلا بثلاث: أن لا نأكل الصدقة، وأن نسبغ الوضوء، وأن لا ننزي حمارًا على فرس. قال: فلقيت عبد الله بن الحسن وهو

(1)"المنتخب من مسند عبد بن حميد"(1/ 111 رقم 252).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 29 رقم 2553).

(3)

"المجتبى"(6/ 218 رقم 3565).

ص: 485

يطوف بالبيت فحدثته فقال: صدق، كانت الخيل قليلة في بني هاشم فأحب أن تكثر فيهم".

فبيَّن عبد الله بن الحسن بتفسيره هذا المعنى الذي اختص له رسول الله عليه السلام بني هاشم أن لا ينزوا حمارًا على فرس، وأنه لم يكن للتحريم وإنما كان لعلة قلة الخيل فيهم، فإذا ارتفعت تلك العلة وكثرت الخيل في أيديهم صاروا في ذلك كغيرهم، وفي اختصاص النبي عليه السلام إياهم بالنهي عن ذلك دليل على إباحته إياه لغيرهم، ولما كان النبي عليه السلام قد جعل في ارتباط الخيل ما ذكرنا من الثواب والأجر، وسئل عن ارتباط الحمير فلم يجعل في ارتباطها شيئًا، فالبغال التي هي خلاف الخيل مثلها؛ كان من ترك أن ينتج ما في ارتباطه وكسبه الثواب وكنتج ما لا ثواب في ارتباطه وكسبه من الذين لا يعلمون.

فقد ثبت بما ذكرنا إباحة نتج البغال لبني هاشم ولغيرهم، وإن كان نتج الخيل أفضل من ذلك.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

ش: السؤال والجواب ظاهران.

والحديث أخرجه بهذا الإِسناد في كتاب الزكاة في باب: "الصدقة على بني هاشم".

وأبو عمر الحوضي حفص بن عمر شيخ البخاري.

ومرجى بن رجاء اليشكري خال أبي عمر الحوضي.

وأبو جهضم اسمه موسى بن سالم.

وعبد الله بن عبيد الله -بالتكبير في الابن والتصغير في الأب- ابن عباس بن عبد المطلب -وثقه النسائي وابن حبان، وروى له الأربعة.

ص: 486

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا إسماعيل، نا موسى بن سالم أبو جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، سمع ابن عباس قال:"كان رسول الله عليه السلام عبدًا مأمورًا، بلغ والله ما أرسل به، وما اختصنا دون الناس بشيء ليس ثلاثًا: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي حمارًا على فرس. قال موسى: فلقيت عبد الله بن الحسن وقلت: إن عبد الله بن عبيد الله حدثني بكذا وكذا، فقال: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة فأحب أن تكثر منهم".

قوله: "كان من ترك أن ينتج" من الإنتاج، وقوله:"من الذين لا يعلمون" خبر "كان " في قوله: "كان من ترك".

قوله: "وهذا" أي الذي ذكرنا هو قول الإِمام أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله (2).

(1)"مسند أحمد"(1/ 225 رقم 1977).

(2)

كتب المؤلف رحمه الله بعد هذا الموضع: قد فرغت يمين مؤلفه عن تنقيح هذا الجزء يوم الجمعة المعظم قدره، الحادي والعشرين من جمادى الأولى عام تسعة عشر وثمانمائة بحارة كتامة بالقاهرة بمدرسته التي أنشأها فيها عمرها الله تعالى بذكره، والمسئول من فضله ولطفه الخفي البلوغ إلى آخره إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. وصك الله على سيدنا محمد وآله.

يتلوه الجزء السابع إن شاء الله تعالى، وأوله: كتاب الصيد والذبائح.

ص: 487