المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: البيع يشترط فيه شرط ليس فيه

- ‌ص: باب: بيع أراضي مكة وإجارتها

- ‌ص: باب: ثمن الكلب

- ‌ص: باب: استقراض الحيوان

- ‌ص: كتاب السِّير

- ‌ص: باب: الإمام يريد قتال العدو هل عليه قبل ذلك أن يدعو أم لا

- ‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلمًا

- ‌ص: باب: بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حلِّ قتله في دار الحرب إن كان حربيًّا

- ‌ص: باب: ما نهي عنه قتله من النساء والولدان في دار الحرب

- ‌ص: باب: الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا

- ‌ص: باب: الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب هل يكون له سلبه أم لا

- ‌ص: باب: سهم ذوي القربى

- ‌ص: باب: النفل بعد الفراغ من قتال العدو وإحراز الغنيمة

- ‌ص: باب: المدد يَقْدُمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يُسْهم لهم أم لا

- ‌ص: باب: الأرض تفتتح، كيف ينبغي للإِمام أن يفعل فيها

- ‌ص: باب: الرجل يحتاج إلى القتال على في دابة من المغنم

- ‌ص: باب: الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة

- ‌ص: باب: الحربية تُسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الإِسلام ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلمًا

- ‌ص: باب: الفداء

- ‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

- ‌ص: باب: ميراث المرتد لمن هو

- ‌ص: باب: إحياء الأرض الميتة

- ‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

- ‌ص: كتاب الصيد والذبائح

- ‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

- ‌ص: باب: من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الإمام

- ‌ص: باب: البدنة عن كم تجزئ في الضحايا والهدايا

- ‌ص: باب: الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها

الفصل: ‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

؟

ش: أي: هذا باب في بيان حكم ما أحرزه أهل الشرك من أموال المسلمين، هل يملكونه بإحرازهم أم لا؟

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال:"كانت العضباء من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا به وفيه العضباء، وأسروا امرأة من المسلمين، وكانوا إذا نزلوا يريحون إبلهم في أفنيتهم، فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد نوموا فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغى، حتى أتت على العضباء فأتت على ناقة ذلول فركبتها، ثم توجهت قِبَل المدينة ونذرت لئن الله نجَّاها عليها لتنحرنها، فلما قدمت عرفت الناقة، فأتوا بها النبي عليه السلام فأخبرته بنذرها، فقال: بئس ما جزيتها -أو وفيتها- لا وفاء لنذر في معصية الله وفيما لا يملك ابن آدم".

ش: قد مر هذا الحديث بعين هذا الإِسناد في الباب السابق، ولكن في المتن بعض الاختلاف، وقد ذكرنا هناك أن أبا داود أخرجه أيضًا، وذكرنا أيضًا أكثر معاني ألفاظه.

قوله:"من سوابق الحاج" جمع سابقة، وكانت العضباء تسبق إبل الحاج في المشي والجري.

قوله: "وأسروا امرأة" قال أبو داود في روايته: "إنها كانت امرأة أبي ذر".

قوله: "يريحون إبلهم" أي يردونها إلى مراحها، يقال: راحت الإبل وأرحتها: إذا رددتها إلى المراح.

وقوله: "في أفنيتهم" الأفنية جمع فناء الدار.

قوله: "وقد نُوِّموا" مبالغة في ناموا.

قوله: "إلا رغى" من رَغَى البعير يَرْغُو رُغاءً: إذا ضجّ.

ص: 410

ويستفاد من الحديث:

أن من نذر في معصية الله لا يجوز له الوفاء به، كمن نذر أن يقتل فلانًا. وأن النذر فيما لا يملكه باطل كمن نذر أن يذبح شاة فلان.

ص: فذهب قوم إلى أن ما غنمه أهل الحرب من أموال المسلمين مردود على المسلمين قبل القسمة وبعدها؛ لأن أهل الحرب -في قولهم- لا يملكون أموال المسلمين بأخذهم إياها من المسلمين، وقالوا: قول النبي عليه السلام للمرأة التي أخذت العضباء: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" دليل على أنها لم تكن ملكتها بأخذها إياها من أهل الحرب، وأن أهل الحرب لم يكونوا ملكوها من النبي عليه السلام.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشافعي والظاهرية؛ فإنهم قالوا: ما غنمه أهل الحرب من أموال المسلمين مردود على المسلمين قبل القسمة وبعدها. . . إلى آخره، وبه قال ابن المنذر.

واعلم أن ها هنا خمس مذاهب:

الأول: هذا.

والثاني: أنه لا يرد شيء من ذلك إلى صاحبه لا قبل القسمة ولا بعدها، لا بثمن ولا بغير ثمن، وهو لمن صار في سهمه. وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وإليه ذهب الحسن البصري وقتادة.

والثالث: أنه إن أُدرك قبل القسمة رُدّ إلى صاحبه، فإن لم يدرك حتى قسم فهو للذي وقع في سهمه لا يُرد إلى صاحبه لا بثمن ولا بغيره، روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قول القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وأحمد بن حنبل.

والرابع: أنه إن أدرك قبل القسمة رُدّ إلى صاحبه بغير ثمن وإن لم يدرك إلا بعد

ص: 411

القسمة فصاحبه أحق به بقيمته. وروي ذلك أيضًا عن عمر بن الخطاب، وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وشريح ومجاهد والأوزاعي ومالك.

والخامس: قول أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري، وهو: أن ما أبق إلى المشركين من عبدٍ لمسلم فإنه مردود إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن، وكذلك ما غنموه من مدبر ومكاتب وأم ولد، وأما ما غنموا من الإِماء والعبيد والمتاع والحيوان فإن أُدرك قبل أن يدخلوا به دار الحرب ثم غنمه المسلمون رُدّ إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن، وإن دخلوا به دار الحرب ثم غنمه المسلمون رُدّ إلى صاحبه قبل القسمة، وأما بعد القسمة فصاحبه أحق به بالقيمة إن شاء، وإلا فلا يرد إليه.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين فأحرزوه في دارهم فقد ملكوه وزال عنه ملك المسلمين، فإذا أُوجف عليه المسلمون فأخذوه منهم، فإن جاء صاحبه قبل أن يقسم أخذه بغير شيء، وان جاء بعدما قسم أخذه بالقيمة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي وابن سيرين وشريحًا ومجاهدًا والأوزاعي وأبا حنيفة وسفيان الثوري وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا وأحمد في رواية.

وقد بسطنا مذاهب العلماء في ذلك أنفًا.

وقال ابن قدامة: إذا أخذ الكفار أموال المسلمين ثم قهرهم المسلمون فأخذوها منهم، فإن علم صاحبها قبل قسمتها رُدّت إليه بغير شيء في قول عامة أهل العلم، منهم: عمر رضي الله عنه وعطاء والنخعي وسليمان بن ربيعة والليث ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي.

وقال الزهري: لا يرد إليه وهو للجيش. ونحوه عن عمرو بن دينار.

فأما ما أدركه بعد أن قسم ففيه روايتان:

ص: 412

إحداهما: أن صاحبه أحق به بالثمن الذي حسب عليه على من أخذه، وكذلك إن بيع ثم قسم ثمنه فهو أحق به بالثمن، وهذا قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك، إلا أن المحكي عن مالك وأبي حنيفة أن يأخذه بالقيمة، ويروى عن مجاهد مثله.

والرواية الثانية: عن أحمد أنه إذا قسم فلا حق له بحال، نصّ عليه في رواية أبي داود وغيره، وهو قول عمر وعلي وسليمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث.

قال أحمد: أما قول من قال: أحق به بالقيمة، فهو قول ضعيف عن مجاهد.

وقال الشافعي: يأخذه صاحبه قبل القسمة وبعدها، ويُعْطَى مشتريه ثمنه من خمس المصالح، وهذا قول ابن المنذر. ص: وكان من الحجة لهم في الحديث الأول: أن قول النبي عليه السلام: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" إنما كان قبل أن تملك المرأة الناقة؛ لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب، وكل الناس يقول: إن من أخذ شيئًا من أهل الحرب فلم ينجو به إلى دار الإِسلام أنه غير محرز له وغير مالك، وأن ملكه لا يقطع عليه حتى يخرج به إلى دار الإِسلام، فإذا فعل ذلك فقد غنمه وملكه؛ فلهذا قال النبي عليه السلام في شأن المرأة ما قال؛ لأنها نذرت قبل أن تملكها لئن الله عز وجل نجَّاها عليها لتنحرنها، فقال لها رسول الله عليه السلام:"لا نذر لابن آدم فيما لا يملك؛ لأن نذرها ذلك كان منها قبل أن تملكها. فهذا وجه هذا الحديث، وليس فيه دليل على أن المشركين قد كانوا ملكوها على النبي عليه السلام بأخذهم إياها منه أم لا؟ ولا على أن أهل الحرب يملكون بما أوجفوا من أموال المسلمين أيضًا أم لا؟ والذي فيه الدليل على ذلك ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة الطائي: "أن رجلاً أصاب له العدو بعيرًا، فاشتراه رجل منهم فجاء به فعرفه صاحبه فخاصمه إلى رسول الله عليه السلام، فقال: إن شئت أعطيت عنه الذي اشترى به فهو لك، وإلا فهو له".

ص: 413

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص الأصفهاني، قال: ثنا سفيان الثوري، عن سماك، عن تميم بن طرفة، عن النبي عليه السلام نحوه.

فهذا هو الذي فيه وجه هذا الحكم في هذا الباب كيف هو.

ش: أي، وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، أشار بهذا إلى الجواب عن حديث عمران بن حصين الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، وحاصله أنه لا يدل لهم فيما ذهبوا إليه ولا يتم استدلالهم به؛ لأنه ليس فيه دلالة على ما ذكروه، والذي فيه الدليل هو حديث تميم بن طرفة الطائي؛ فإنه صرح فيه بما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

وأخرج حديثه من طريقين صحيحين مرسلين:

الأول: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضًا، عن عبيد الله بن محمد التيمي المعروف بابن عائشة، شيخ أبي داود، عن حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة الطائي المسلي الكوفي التابعي.

وأخرجه ابن حزم (1): من طريق حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة:"أن عثمان رضي الله عنه اشترى بعيرًا من العدو، فعرفه صاحبه فخاصمه إلى النبي عليه السلام، فقال له النبي عليه السلام: إن شئت أعطيته الثمن الذي اشتراه به وهو لك، وإلا فهو له".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن حسين بن حفص بن الفضل الأصهباني، عن سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة الطائي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن تميم بن طرفة قال: "أصاب المسلمون ناقة لرجل من المسلمين فاشتراها رجل

(1)"المحلى"(7/ 302، 303).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 507 رقم 33364).

ص: 414

من العدو، فخاصمه صاحبها إلى النبي عليه السلام فأقام البينة، فقضى النبي عليه السلام أن يدفع إليه الثمن الذي اشتراها به من العدو وإلا خلى بينه وبينها".

فإن قيل: قد قال ابن حزم: هذا لا يصلح للحجة؛ لأنه منقطع، وسماك ضعيف يقبل التلقين، شهد به عليه شعبة وغيره.

وقال البيهقي أيضًا: هذا مرسل.

وقال الشافعي: لا تثبت به حجة.

قلت: ترك هؤلاء العمل بالمراسيل ليس بحجة على غيرهم ولا نسلم أن سماكًا ضعيف؛ لأن مسلمًا احتج به في "صحيحه" ووثقه يحيى وأبو حاتم، وإنما قالوا: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، على أن ياسين الزيات قد روى هذا الحديث عن سماك، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة مسندًا مرفوعًا.

ورواه أيضًا إبراهيم بن محمد الهمداني أو الأنباري، عن زياد بن علاقة، عن جابر بن سمرة مسندًا.

ص: وقد روي هذا عن جماعة من المتقدمين، فمما روي عنهم في ذلك:

ما حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا بن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيما أحرز المشركون وأصابه المسلمون فعرفه صاحبه، قال: إن أدركه قبل أن يقسم فهو له، وإن جرت فيه السهام فلا شيء له".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، عن رجاء بن حيوة:"أن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة رضي الله عنهما قالا ذلك".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: أنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه مثله.

ص: 415

حدثنا محمد، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا ابن المبارك، عن زائدة بن قدامة، عن ليث، عن مجاهد قال:"إذا أصاب المشركون السبي للمسلمين، فأصابه المسلمون، فقدر عليه صاحبه قبل أن يقسم فهو له، وإن قدر عليه بعد القسمة فهو أحق به بالثمن الذي أخذ به".

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا ابن أبي زائدة، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"أن غلامًا لابن عمر أَبِقَ إلى العدو، فظهر المسلمون عليه، فرده النبي عليه السلام ولم يكن قسم".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد، قال: أنا حماد، عن أيوب وحبيب وهشام، عن محمد:"أن رجلاً ابتاع جارية من العدو فوطئها فولدت منه، فجاء [صاحبها] (1) فخاصمه إلى شريح، قال: فقال: المسلم أحق من رد على أخيه بالثمن، قال: فإنها قد ولدت منه، فقال: أعتقها؛ قضاء الأمير عمر بن الخطاب رضي الله عنه".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن إبراهيم وعامر.

قال: وقال قتادة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنهم قالوا فيما أصاب المشركون من المسلمين ثم أصاب المسلمون بعد، قالوا: إن جاء صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به".

حدثنا أحمد، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع:"أن المشركين أصابوا فرسًا لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فأصابه المسلمون بعد، فأخذه عبد الله بن عمر قبل أن تقسم المغانم".

ولم يذكر نافع ها هنا قبل أن تقسم المغانم، إلا أن الحكم بعدما تقع المقاسم بخلاف ذلك عنده، وكذلك حديث إسحاق بن إبراهيم الذي ذكرناه قبل هذا

(1) في "الأصل، ك": "صاحبه"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 416

الذي ذكروا فيه: "ولم يكن قسم"، فدل ذلك على أنه لو كان قسم كان الحكم فيه خلاف ذلك عنده.

حدثنا أحمد، قال: ثنا عبيد الله، قال: أنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خلاس، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:"من اشترى ما أحرز العدو فهو جائز".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري والحسن قالا:"ما أحرز المشركون فهو فيء المسلمين لا يرد منه شيء".

ش: أي قد روي ما ذكرنا -أن أهل الحرب يملكون ما أحرزوه في دارهم من أموال المسلمين، وأن صاحبه إن جاء قبل أن يقسمه المسلمون بعدما ظهروا عليهم لا يأخذه إلا بالقيمة -عن جماعة من الصحابة والتابعين:

أما من الصحابة: فعن عمر بن الخطاب وأبي عبيدة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

وأما من التابعين: فعن مجاهد وشريح والشعبي والنخعي والزهري والحسن البصري رحمهم الله.

أما ما روي عن عمر رضي الله عنه فأخرجه من طريقين منقطعين، ولكن رجالهما ثقات:

الأول: عن محمد بن خزيمة بن راشد، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة بن دعامة، عن رجاء بن حيوة بن جرول الفلسطيني الأردني، عن قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقبيصة لم يدرك عمر بن الخطاب.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبدة بن سليمان، عن سعيد، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: قال عمر: "ما أحرز

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 506 رقم 33352).

ص: 417

المشركون من أموال المسلمين فغزوهم بعد وظهروا عليهم، فوجد رجل ماله بعينه قبل أن تقسم السهام فهو أحق به، وإن كان قُسم فلا شيء له".

الثاني: فيه عن أبي عبيدة عامر بن الجراح أيضًا:

أخرجه عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي، عن أزهر بن سعد السمان الباهلي البصري، عن عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري، عن رجاء بن حيوة.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن عيسى بن يونس، عن ثور، عن ابن عون، عن زهرة بن يزيد المرادي:"أن أمة لرجل من المسلمين أَبِقَت ولحقت بالعدو، فغنمها المسلمون، فعرفها أهلها، فكتب فيها أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فكتب عمر: إن كانت الأمة لم تخمس ولم تقسم فهي ردٌّ على أهلها، وإن كانت قد خمست وقسمت فأمضها لسبيلها".

وأما ما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: فأخرجه عن محمد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن عبد الله بن لهيعة -فيه مقال- عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي (2): من حديث ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار وعن زيد بن ثابت: "ما أحرز العدو من مال المسلمين فاستنقذ فعرفه أهله قبل أن يقسم رُدّ إليهم، فإن لم يعرفوه حتى يقسم لم يرد إليهم. ثم قال: ابن لهيعة غير حجة، وقد قيل: عن سليمان، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وأما ما روي عن عبد الله بن عمر فأخرجه من وجهين:

الأول: عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن موسى الوراق المنجنيقي

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 506 رقم 33355).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 113 رقم 18037).

ص: 418

البغدادي، عن محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي المصيصي العلاف -المعروف بلوين- شيخ أبي داود والنسائي، عن يحيى بن أبي زائدة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا صالح بن سهيل، قال: ثنا يحيى -يعني ابن أبي زائدة- عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"أن غلامًا لابن عمر أبق إلى العدو، فظهر عليه المسلمون، فرده رسول الله عليه السلام إلى ابن عمر ولم يقسم".

الوجه الثاني: عن أحمد بن داود المكي، عن عبيد الله بن محمد التيمي، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع. . . إلى آخره.

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

وأخرج أبو داود (2): ثنا محمد بن سليمان الأنباري والحسن بن علي -المعنى- قالا: ثنا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:"ذهب فرس له فأخذها العدو، فظهر عليه المسلمون، فرَدَّ عليه في زمن النبي عليه السلام، وأبق عبد له فلحق بأرض الروم، فظهر عليهم المسلمون فرَدَّه عليه خالد بن الوليد رضي الله عنه-يعني بعد النبي عليه السلام".

وأما ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فأخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن عبيد الله بن محمد التيمي، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خِلَاس -بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام- بن عمرو الهجري البصري، عن علي رضي الله عنه.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة،

(1)"سنن أبي داود"(2/ 71 رقم 2698).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 71 رقم 2699).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 507 رقم 33362).

ص: 419

عن قتادة، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه قال:"ما أحرز العدو فهو جائز".

وأما ما روي عن مجاهد فأخرجه بإسناد جيد حسن: عن محمد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي، عن عبد الله بن المبارك، عن زائدة بن قدامة، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد قال:"ما أصاب المسلمون مما أصابه العدو قبل ذلك، فإن أصابه صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به، وإن قسم فهو أحق به بالثمن".

وأما ما روي عن شريح فأخرجه بإسناد صحيح: عن أحمد بن داود المكي، عن عبيد الله بن محمد التيمي العيشي شيخ أبي داود، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني وحبيب المعلم وهشام بن حسان الأزدي، ثلاثتهم عن محمد بن سيرين. . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين:"أن أمة أحرزها العدو فاشتراها رجل، فخاصمه سيدها إلى شريح فقال: المسلم أحق من رَدَّ على أخيه بالثمن، فقال: إنها ولدت من سيدها؟ قال: أعتقها؛ قضاء الأمير".

وأما ما روي عن عامر الشعبي وإبراهيم النخعي: فأخرجه عن أحد بن داود المكي، عن عبيد الله بن محمد التيمي، عن حماد بن سلمة، عن الحجاج بن أرطاة، عن إبراهيم النخعي وعامر بن شراحيل الشعبي. . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3): ثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن الحكم، عن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 507 رقم 33361).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 507 رقم 33395).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 507 رقم 33363).

ص: 420

إبراهيم قال: "ما ظهر عليه المشركون من متاع المسلمين ثم ظهر عليه المسلمون، إن قسم فهو أحق به بالثمن، وإن كان لم يقسم رُدَّ عليه".

قوله: "قال: وقال قتادة: عن عمر رضي الله عنه" أي قال الحجاج: وقال أيضًا قتادة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأما ما روي عن محمد بن مسلم الزهري والحسن البصري فأخرجه بإسناد صحيح: عن محمد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر بن راشد، عن محمد بن مسلم الزهري والحسن البصري.

وأخرجه ابن حزم (1): من طريق معمر، عن الزهري:"ما أحرزه المشركون ثم أصابه المسلمون فهو لهم ما لم يكن حرًّا أو معاهدًا".

وعن معمر، عن رجل، عن الحسن، مثل هذا، والله أعلم.

ص: فكل هؤلاء الذين روينا عنهم هذه الآثار قد أثبتوا ملك المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين، وإنما اختلافهم فيما بعد ذلك، فقال الحسن والزهري: إن أحرز المشركون من أموال المسلمين، ثم قدر المسلمون عليه بعد ذلك، فلا سبيل لصاحبه عليه.

وقد خالفهما في ذلك شريح ومجاهد وإبراهيم وعامر ومن تقدمهم من أصحاب النبي عليه السلام: عمر وعلي وأبو عبيدة وابن عمر وزيد بن ثابت، وشدَّ ما قالوا من ذلك:

ما قد روينا عن النبي عليه السلام في حديث تميم بن طرفة فذلك أولى ما ذهبنا إليه، وإن كان النظر مخالفًا لما ذهب إليه الفريقان جميعًا؛ وذلك أنا رأينا المسلمين يسبون أهل الحرب وأموالهم فيملكون أموالهم كما يملكون رقابهم، وكان المشركون إذا أسروا المسلمين لم يملكوا رقابهم، فالنظر على ذلك أن لا يملكوا أموالهم، فيكون حكم

(1)"المحلى"(7/ 300).

ص: 421

أموال المسلمين كحكم رقابهم، كما كان حكم أموال المشركين حكم رقابهم، ولكنا منعنا من ذلك لما حكم به رسول الله عليه السلام، ولما حكم به المسلمون من بعده، فلما ثبت ما حكموا به من ذلك، فنظرنا إلى ما اختلفوا فيه من حكم ما قدر عليه المسلمون من ذلك وأخذوا من أيدي المشركين فجاء صاحبه بعدما قسم هل له أن يأخذه بالقيمة كما قال بعض من روينا عنه في هذا الباب أيضًا؟ فنظرنا في ذلك فرأينا النبي عليه السلام قد حكم في مشتري البعير من أهل الحرب أن لصاحبه أن يأخد منه بالثمن، وكان ذلك البعير قد ملكه المشتري من الحربيين كما يملك الذي يقع في سهمه من الغنيمة ما يقع في سهمه منها.

فالنظر على ذلك أن يكون الإِمام إذا قسم الغنيمة فوقع شيء منها في يد رجل وكان أسر ذلك من يد آخر، أن يكون المأسور من يده كذلك، وأن يكون له أخذ ما كان أسر من يد الذي وقع في سهمه بقيمته كما يأخذه من يد مشتريه الذي ذكرنا بثمنه.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: ملخص هذا: أن في كل ما روي عن الصحابة والتابعين من الآثار المذكور إشارة إلى أن المشركين إذا استولوا على أموال المسلمين وأحرزوها بدارهم أنهم يملكونها، وهذا ما لا خلاف فيه بينهم، ولكن اختلافهم فيما بعد ذلك، فذهب الحسن البصري ومحمد بن مسلم الزهري: أن المسلمين إذا قدروا على أموالهم بعد ذلك فلا سبيل لهم فيها، وخالفهما في ذلك بقية من ذكر من التابعين كشريح القاضي ومجاهد والنخعي والشعبي؛ فإنهم قالوا: أصحابها أحق بها قبل القسمة مجانًا وبعدها بأثمانها، وهو الذي ذهب إليه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما قد ذكرناه مستقصى.

فيكون الذهاب إلى ما قال هؤلاء أول مما ذهب إليه الحسن والزهري، ولا سيما وقد تأكد وتشيَّد ما قال هؤلاء بما رواه تميم بن طرفة الطائي عن النبي عليه السلام، ومع

ص: 422

ذلك هذا كله وجه النظر والقياس يخالف ما ذهب إليه هاذان الفريقان -يعني أهل المقالة الأولى وأهل المقالة الثانية- وهو معنى قوله: وإن كان وجه النظر مخالفًا لما ذهب إليه الفريقان. وقد بيَّن ذلك الطحاوي بقوله: "وذلك أنا رأينا. . ." إلى آخره، وهو ظاهر.

قوله: "ولكنا منعنا من ذلك. . ." إلى آخره. إشارة إلى بيان وجه ترك العمل بوجه النظر في هذا الباب، وبيان اتباع الأثر المروي عن النبي عليه السلام ومن بعده من الصحابة والتابعين في ذلك، والله أعلم بالصواب.

***

ص: 423