المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: البيع يشترط فيه شرط ليس فيه

- ‌ص: باب: بيع أراضي مكة وإجارتها

- ‌ص: باب: ثمن الكلب

- ‌ص: باب: استقراض الحيوان

- ‌ص: كتاب السِّير

- ‌ص: باب: الإمام يريد قتال العدو هل عليه قبل ذلك أن يدعو أم لا

- ‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلمًا

- ‌ص: باب: بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حلِّ قتله في دار الحرب إن كان حربيًّا

- ‌ص: باب: ما نهي عنه قتله من النساء والولدان في دار الحرب

- ‌ص: باب: الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا

- ‌ص: باب: الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب هل يكون له سلبه أم لا

- ‌ص: باب: سهم ذوي القربى

- ‌ص: باب: النفل بعد الفراغ من قتال العدو وإحراز الغنيمة

- ‌ص: باب: المدد يَقْدُمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يُسْهم لهم أم لا

- ‌ص: باب: الأرض تفتتح، كيف ينبغي للإِمام أن يفعل فيها

- ‌ص: باب: الرجل يحتاج إلى القتال على في دابة من المغنم

- ‌ص: باب: الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة

- ‌ص: باب: الحربية تُسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الإِسلام ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلمًا

- ‌ص: باب: الفداء

- ‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

- ‌ص: باب: ميراث المرتد لمن هو

- ‌ص: باب: إحياء الأرض الميتة

- ‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

- ‌ص: كتاب الصيد والذبائح

- ‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

- ‌ص: باب: من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الإمام

- ‌ص: باب: البدنة عن كم تجزئ في الضحايا والهدايا

- ‌ص: باب: الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها

الفصل: ‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

‌ص: كتاب الصيد والذبائح

ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الصيد والذبائح.

"والصيد" مصدر من صاد يصيد صيدًا فهو صائد وذاك مصيد، وقد يقع الصيد على المصيد نفسه تسمية بالمصدر كقوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (1) قيل: لا يقال للشيء صيد حتى يكون متمتعًا حلالًا لا مالك له.

و"الذبائح" جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة.

‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

ش: أي هذا باب في بيان العيوب التي تمنع جواز الهدايا والضحايا.

و"الهدايا" جمع هدية، و"الهدية" واحد الهدي بتخفيف الياء وتشديدها، فأهل الحجاز وبنو أسد يخففون وتميم وسُفْلَى قيس يثقلون، وقرئ بهما في قوله تعالى:{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (2) و"الضحايا" جمع ضحية، وفي الأضحية أربع لغات: أُضحية وإِضحية -بضم الهمزة وكسرها- والجمع أضاحي، وضحية والجمع ضحايا، وأضحاة والجمع أضحى.

ص: حدثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث وبن لهيعة والليث بن سعد: أن سليمان بن عبد الرحمن حدثهم عن عبيد بن فيروز مولى بني شيبان عن البراء بن عازب: "أنه سأله عمَّا كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي أو ما نهى عنه؟ فقال: قام فينا رسول الله عليه السلام

(1) سورة المائدة، آية:[95].

(2)

سورة البقرة، آية:[196].

ص: 488

ويدي أقصر من يده- فقال: أربع لا تجزئ في الضحايا: العوارء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي.

قال البراء: فلقد رأيتني وإني لأرى الشاة وقد تركت فأشير إليها فإذا أطرقت أخذتها فضحيت بها، فقلت له: فإني أكره أن يكون في السِّنِّ نقص أو في الأذن نقص أو في القرن نقص، فقال: ما كرهته فدعه ولا تحرمه على أحد".

حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب أن مالكًا حدثه عن عمرو بن الحارث، عن عبيد بن فيروز، عن البراء بن عازب:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: أربع -وكان البراء يشير بيده ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله عليه السلام: العرجاء البيِّن عرجها والعوراء البيِّن عورها والمريضة البَيِّنّ مرضها والعجفاء التي لا تنقي".

حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو الوليد وحبان بن هلال (ح).

وحدثنا علي بن شيبة قال: ثنا يزيد بن هارون قالوا: أنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن قال: سمعت عبيد بن فيروز قال: سألت البراء. . فذكر مثله.

حدثنا يونس قال: ثنا أيوب بن سويد، عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عبد الرحمن، عن البراء بن عازب، عن رسول الله عليه السلام. . . مثله، غير أنه قال:"والعجفاء التي لا تنقي" ولم يقل: "الكسيرة".

ش: هذه خمس طرق:

الأول: إسناده صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث المصري وعبد الله بن لهيعة فيه مقال والليث بن سعد، ثلاثتهم عن سليمان بن عبد الرحمن -ويقال: سليمان بن سفيان بن عبد الرحمن- الأسدي عداده في المصريين، وثقه أحمد وأبو حاتم وروى له الأربعة.

ص: 489

عن عبيد بن فيروز الشيباني الكوفي، وثقة أبو حاتم والنسائي وروى له الأربعة.

عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

وأخرجه الأربعة:

فأبو داود (1): عن حفص بن عمر، عن شعبة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن عبيد بن فيروز قال:"سألت البراء بن عازب: ما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسول الله عليه السلام-وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله- فقال: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء بيِّن عورها والمريضة بين مرضها والعرجاء بيِّن ظلعها، والكسير الذي لا تنقي، قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السِّنِّ نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد".

والترمذي (2): عن علي بن حجر، عن جرير، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان، عن عبيد بنحوه، وقال:"رفعه".

وعن هناد عن ابن أبي زائدة عن شعبة عن سليمان، عن عبيد. . . نحوه، وقال: حسن صحيح.

والنسائي (3): عن إسماعيل بن مسعود، عن خالد عن شعبة، عن سليمان بن عبد الرحمن مولى بني أسد، عن أبي الضحاك عبيد بن فيروز مولى بني شيبان. . . نحوه.

وابن ماجه (4): عن ابن بشار، عن يحيى وغندر وابن مهدي وابن أبي عدي وأبي الوليد به.

(1)"سنن أبي داود"(3/ 97 رقم 2802).

(2)

"جامع الترمذي"(4/ 85 رقم 1497).

(3)

"المجتبى"(7/ 214 رقم 4369).

(4)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1050 رقم 3144).

ص: 490

الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس. . . إلى آخره.

وأخرجه مالك في "موطئه"(1).

وقال أبو عمر: لم تختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث، ورواه عمرو بن الحارث عن سليمان بن عبد الرحمن، عن عبيد بن فيروز عن البراء بن عازب فسقط لمالك ذكر سليمان بن عبد الرحمن، ولا يعرف الحديث إلا لسليمان بن عبد الرحمن هذا، ولم يروه غيره عن عبيد بن فيروز، ولا يعرف عبيد بن فيروز إلا بهذا الحديث، وبرواية سليمان هذا عنه، ورواه عن سليمان جماعة من الأئمة منهم شعبة والليث وعمرو بن الحارث ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم.

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري وعن حبان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- بن هلال الباهلي البصري كلاهما عن شعبة بن الحجاج، عن سليمان بن عبد الرحمن. . . إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا وكيع وابن جعفر قالا: ثنا شعبة، عن سليمان ابن عبد الرحمن، عن عبيد بن فيروز مولى بني شيبان قال:"سألت البراء بن عازب، ما كره رسول الله عليه السلام من الأضاحي، أو ما نهى عنه من الأضاحي؟ قال: فقام فينا رسول عليه السلام-قال: ويده أطول من يدي، أو قال: يدي أقصر من يده- قال: أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي. فقلت للبراء: فإنه يكره أن يكون في الأذن نقص أو في العين نقص أو في السن نقص. قال: ما كرهته فدعه ولا تحرمه على أحد".

الرابع: عن علي بن شيبة بن الصلت عن يزيد بن هارون الواسطي عن شعبة عن سفيان. . . إلى آخره.

(1)"موطأ مالك"(2/ 482 رقم 1024).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 300 رقم 18689).

ص: 491

قوله: "قالوا: أخبرنا" أي قال أبو الوليد وحبان بن هلال ويزيد بن هارون.

الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن أيوب بن سويد الحميري أحد مشايخ الشافعي قال يحيى: ضعيف يسرق الأحاديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وهو يروي عن عبد الرحمن بن عمرو والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير اليمامي، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن البراء. . . إلى آخره.

وإنما أخرج الطحاوي هذا الطريق أيضًا تنبيهًا على فائدة وهي أن في الطرق المذكورة غير طريق مالك يروي سليمان عن عبيد، قال ابن المديني: لم يذكر سماع سليمان عن عبيد فيما حدثناه يحيى بن سعيد ثنا شعبة حدثني سليمان عن عبيد. . . إلى آخره.

ولم يذكر سماع سليمان عن عبيد، قال ابن المديني: ثم نظرنا فإذا سليمان بن عبد الرحمن لم يسمعه من عبيد، ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا الليث ثنا سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم مولى خالد بن يزيد بن معاوية عن عبيد بن فيروز: "سألت البراء عما كره رسول الله عليه السلام من الضحايا؟ قال: أربع. . ." الحديث، قال عثمان: فقلت لليث: إن شعبة يرويه عن سليمان بن عبد الرحمن سمع عبيد بن فيروز فقال: لا، إنما حدثناه سليمان عن القاسم عن عبيد. وأما رواية مالك فإنها عن عمرو بن الحارث عن عبيد، قال ابن المديني: عبيد لم يدر أفيه عمرو أم لا؟ فنظرنا فإذا هو لم يسمعه من عبيد، ثنا روح بن عبادة ثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبيد بن فيروز قال: ثم نظرنا فإذا يزيد لم يسمعه من عبيد، حدثنا عبد الأعلى عن ابن إسحاق أنه حدثهم عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد.

قلت: قد صرح في رواية ابن مرزوق وعلي بن شيبة بسماع سليمان بن عبد الرحمن من عبيد بن فيروز ولكن لما وقع هذا الاختلاف، وسلمت رواية الأوزاعي عن العلة التي ذكرها ابن المديني أخرج رواية الأوزاعي تنبيهًا على هذا. فافهم.

ص: 492

قوله: "البين عورها" أي: الظاهر.

قوله: "لا تنقي" من الإنقاء والمعنى لا تسمن، يقال: أنقت الإبل تنقي: إذا سمنت وأصله من النقي بكسر القاف وهو المخ، وقال الجوهري: والنِّقْوُ -بالكسر- في قول الفراء: كل عظم ذي مخ. والجمع: أنقاء، والنقي مخ العظم وشحم العين من السمن.

وفي "النهاية" يقال: نقيت العظم ونقوته وانتقيت.

والحاصل أنه أراد بقوله: "والعجفاء التي لا تنقي": المهزولة التي لا مخ لها لضعفها وهزالها.

قوله: "فلقد رَأَيْتُني" بضم التاء أي: فلقد رأيت نفسي.

قوله: "البين ظلعها" الظلع بالظاء المعجمة وسكون اللام: العرج، وقد ظلع يظلع ظلعًا، فهو ظالع.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: أن الأضحية لا تجوز بالعوراء والعرجاء القويمة والمريضة والعجفاء التي لا تنقي.

الثاني: استدلت به طائفة على وجوب الأضحية؛ لقوله: "أربع لا تجزئ" لأن قوله: "لا تجزئ" دليل على وجوبها؛ لأن التطوع لا يقال فيه: "لا يجزي" قالوا: والسلامة عن العيوب إنما تراعى في الرقاب الواجبة وأما التطوع فجائز أن يتقرب به إلى الله تعالى بالأعور وغيره.

قلت: لا حجة فيه؛ لأن الضحايا قربان سَنَّه رسول الله عليه السلام يتقرب به إلى الله على حسب ما ورد به الشرع وهو حكم ورد به التوقيف فلا يتعدى به لأنه محال أن يتقرب إليه بما قد نهي عنه على لسان رسول الله عليه السلام.

الثالث: فيه إشارة إلى أن المرض الخفيف لا يمنع التضحية وكذلك العرج الخفيف الذي تلحق به الشاة الغنم، وكذلك النقطة اليسيرة في العين لا تمنع، وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال.

ص: 493

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا: لا تجزئ شاة ولا بدنة ولا بقرة إذا كان بها واحد من هذه العيوب الأربع في هدي ولا أضحية، فقالوا: وما كان سوى هذه الأربع مثل قطع الإلية والأذن وغير ذلك، فإن ذلك لا يمنع الشاة ولا البقرة ولا البدنة أن تهدى ولا أن يضحى بها.

واحتجوا في ذلك أيضًا بما حدثنا إبراهيم بن محمد الصيرفي قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا أبو عوانة وشريك عن جابر عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري قال: "اشتريت كبشًا لأضحي به فعدا الذئب عليه؛ فقطع إليته، فسألت عن ذلك النبي عليه السلام فقال: ضح به".

ش: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن المسييب وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة فإنهم قالوا: لا تجزئ شاة ولا بدنة. . . إلى آخره وهو مذهب أهل الظاهر أيضًا.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1): ولا تجزئ في الأضحية العرجاء البين عرجها بلغت المنسك أو لم تبلغ مشت أو لم تمشي ولا المريضة البن مرضها، والجرب مرض وإن كان كل ما ذكرنا لا يَبين أجزأ ولا تجزئ العجفاء التي لا تنقي، ولا تجزئ التي في أذنها شيء من النقص أو القطع أو الثقب النافذ ولا التي في عينها شيء من العيب ولا البتراء في ذنبها، ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فإنها تجزي به الأضحية كالخصي وكسر القرن دمي أو لم يدم، والهتماء والمقطوعة الإلية، وغير ذلك لا يحاش شيئًا غير ما ذكرنا.

قوله: "واحتجوا في ذلك أيضًا" أي احتج هؤلاء القوم أيضًا فيما ذهبوا إليه بحديث أبي سعيد الخدري.

أخرجه عن إبراهيم بن محمد الصيرفي عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن أبي عوانة الوضاح اليشكري وشريك بن عبد الله كلاهما عن جابر

(1)"المحلى"(7/ 358).

ص: 494

الجعفي عن محمد بن قرظة بن كعب الأنصاري عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1) ثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن جابر قال: سمعت محمد بن قرظة يحدث عن أبي سعيد الخدري: "أنه اشترى كبشًا ليضحي به فأكل الذئب من ذنبه -أو ذَنَبِه- فأتيت النبي عليه السلام فقال: ضح به".

وأخرجه أحمد (2) أيضًا من طريق آخر: ثنا سريج وعفان قالا: ثنا حماد -قال عفان: أنا الحجاج- عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "فسألت النبي عليه السلام-أو سأله رجل- فقال: يا رسول الله إن الذئب قطع ذنب شاه لي فأضحي بها؟ قال: نعم. قال عفان: عن ذنب شاة له، فقطعها الذئب فقال: أضحي بها؟ قال: نعم".

قال ابن حزم: هذان أثران رديئان؛ لأن في الأول جابرًا وهو كذاب وفي الآخر حجاج بن أرطاة وهو ساقط.

ص: وخالفهم في ذلك أخرون فقالوا: لا يجوز أن يضحي بالشاة ولا بالبقرة ولا بالبدنة وبها عيب من هذه العيوب الأربع ولا يجوز مع ذلك أن يضحي بمقطوعة الأذن ولا أن يهدي.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح ومحمد بن سيرين والثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز أن يضحي بما فيه عيب من العيوب الأربع المذكورة ولا بما قطعت أذنه.

وقال أبو عمر (3): العيب في الأذن مراعى عند جماعة العلماء واختلفوا في السكاء وهي التي خلقت بلا أذن فذهب مالك والشافعي أنها إذا لم تكن لها أذن خلقة لم تجز

(1)"مسند أحمد"(3/ 86 رقم 11838).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 43 رقم 11406).

(3)

"التمهيد"(20/ 168).

ص: 495

وإن كانت صغيرة الأذن أجزأت، وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك وروي عنه وعن أصحابه أنها إذا لم تكن لها أذن خلقة أجزأت في الأضحية.

وقال مالك والليث: المقطوعة الأذن -أو جل الأذن- لا تجزئ والشق للميسم تجزئ. وهو قول الشافعي وجماعة الفقهاء.

وفي "المحلى": وعن الحسن: أنه حد القطع في الأذن بالنصف فأكثر.

ولأبي حنيفة قولان:

أحدهما: إن ذهب من العين أو الأذن أو الذنب أو الإلية أقل من الثلث أجزأت في الأضحية، فإن ذهب الثلث فصاعدًا لم تجزأ.

والآخر: أنه حد ذلك بالنصف مكان الثلث، قال: فإن خلقت بلا أذن أجزأت، وروي عنه: لا تجزئ، وقال مالك: إن كان القرن ذاهبا لا يدمي أجزأت، فإن كان يدمي لم يجزأ. وقال أبو حنيفة ومالك في العرجاء: إذا بلغت المنسك أجزأت وروي عن عمر رضي الله عنه المنع في العرجاء جملة.

ص: واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله عليه السلام في غير هذا الحديث: حدثنا محمد بن بحر بن مطر البغدادي قال: ثنا شجاع بن الوليد قال: حدثني زياد بن خيثمة قال: ثنا أبو إسحاق، عن شريح بن النعمان، عن علي رضي الله عنه عن رسول الله عليه السلام قال:"لا يضحى بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ولا عوراء".

حدثنا روح بن الفرج قال: ثنا عمرو بن خالد قال: ثنا زهير بن معاوية قال: ثنا أبو إسحاق، عن شريح بن النعمان -قال: أبو إسحاق وكان رجل صدق- عن علي عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا سليمان بن شعيب قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت جري بن كليب قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: "نهى رسول الله عليه السلام عن عضباء القرن والأذن. قال قتادة: فقلت لسعيد بن المسيب: ما عضباء؟ قال: إذا كان النصف فأكثر من ذلك مقطوعًا".

ص: 496

حدثنا سليمان قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق، عن شريح بن النعمان الهمداني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن يضحى بمقابلة أو مدابرة أو شرقاء أو خرقاء أو جدعاء".

حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي، عن علي بن أبي طالب قال:"أمرنا رسول الله عليه السلام أن نستشرف العين والأذن".

حدثنا فهد قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا حسن بن صالح (ح).

حدثنا فهد قال: ثنا محمد بن سعيد قال: أنا شريك قالا جميعًا: عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي قال:"أتى رجل عليًّا فسأله عن مكسورة القرن؟ فقال: لا يضرك. قال: عرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك أمرنا رسول الله عليه السلام أن نستشرف العين والأذن".

قال: أبو جعفر: ففي هذه الآثار النهي عن الأضحية بمقابلة أو مدابرة وذلك في الأذن، ما كان مشقوق من قبالة الأذن فهي مقابلة وما كان من أسفلها فهي مدابرة، وبيَّن سعيد بن المسيب". عضباء الأذن المنهي عن ذبحها في الأضحية فقال:"هي المقطوعة نصف أذنها".

فثبت بذلك ما نهى سعيد [عنه](1) من ذلك في الأذن ولم يجز لنا تركه؛ لأن حديث البراء الذي ذكرنا لا يخلو من أحد وجهين:

إما أن يكون متقدما لحديث علي رضي الله عنه هذا فيكون حديث علي رضي الله عنه هذا زائدًا عليه.

أو يكون متأخرًا عنه فيكون ناسخًا فلما لم يعلم نسخ حديث علي رضي الله عنه بعدما قد عُلِمَ ثبوته جعلناه ثابتًا مع حديث البراء وأوجبنا العمل بهما جميعًا.

(1) ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 497

ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا يضحى بمقابلة. . ." الحديث؛ فإنه يدل على منع الأضحية بمقابلة ومدابرة، فقد زاد هذا على حديث البراء وليس هو أدنى ثبوتًا من حديث البراء، فيضم إليه ويُعمل بهما جميعًا ، ولم يعلم في ذلك تاريخ المتقدم والتأخر حتى يُجعل أحدهما ناسخًا وليس بينهما تعارض فوجب العمل بهما.

ثم إنه أخرج حديث علي بن أبي طالب من ستة طرق:

الأول: عن محمد بن بحر بن مطر البغدادي البزاز، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني الكوفي الثقة، عن زياد بن خيثمة الجعفي الكوفي الثقة عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن شريح بن النعمان الصائدي الكوفي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه النسائي (1): أنا محمد بن آدم، عن عبد [الرحيم](2) هو ابن سليمان عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن شريح بن النعمان، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله عليه السلام أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا بتراء ولا خرقاء".

فإن قيل: ما حال إسناده؟

قلت: صحيح، وقال الترمذي (3): حديث حسن صحيح.

فإن قيل: إن أبا إسحاق لم يسمع من شريح بن النعمان وإنما سمع من ابن أشوع عنه وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن شريح بن النعمان وهبيرة بن يريم قال: ما أقربهما قلت: يحتج بحديثهما؟ قال: لا هما شبيهان بالمجهولين.

(1)"المجتبى"(7/ 216 رقم 4372).

(2)

في "الأصل، ك": "الكريم" وهو تحريف والمثبت من "سنن النسائي" ومصادر ترجمته.

(3)

"جامع الترمذي"(4/ 86 رقم 1498).

ص: 498

قلت: قد قال أبو إسحاق في شريح هذا: وكان رجل صدق. ووثقه ابن حبان أيضًا فإذا كان كذلك فلم تبق فيه الجهالة، وتصحيح الترمذي هذا الحديث يدل على صحة سماع أبي إسحاق عن شريح، فافهم.

الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن عمرو بن خالد الحراني نزيل مصر وشيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو، عن شريح، عن علي رضي الله عنه.

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا عبد الله بن محمد النفيلي: ثنا زهير -هو ابن معاوية- ثنا أبو إسحاق -هو السبيعي- عن شريح بن النعمان -وكان رجل صدق- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله عليه السلام أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء. قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن، قال: فما المدابرة؟ قال: يقطع مؤخر الأذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال: تحزق أذنها".

الثالث: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي، عن شعبة بن الحجاج، عن قتادة، عن جري بن كليب السدوسي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي (2): من حديث شعبة، عن قتادة، عن جري بن كليب، سمع عليًّا رضي الله عنه يقول:"نهى رسول الله عليه السلام أن يضحى بعضباء الأذن والقرن، قال قتادة: سألت ابن المسيب عن العضب قال: النصف فما زاد".

الرابع: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن علي بن معبد بن شداد العبدي، عن أبي بكر بن عياش بن سالم الكوفي الحناط -بالنون- المقرئ المختلف في اسمه،

(1)"سنن أبي داود"(3/ 97 رقم 2804).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 275 رقم 18882).

ص: 499

فقيل: محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم، وقيل غير ذلك، والصحيح أن اسمه كنيته وهو يروي عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن شريح بن النعمان، عن علي رضي الله عنه.

وهذا إسناد جيد لا بأس به.

أخرجه الترمذي (1): ثنا الحسن بن علي الخلال قال: ثنا يزيد بن هارون قال: نا شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن شريح بن النعمان، عن علي بن أبي طالب قال:"أمرنا رسول الله عليه السلام أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء".

الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل بن حصين الكوفي عن حجية بن عدي الكندي الكوفي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه البيهقي (2) بأتم منه: من حديث الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي قال:"كنا عند علي رضي الله عنه، فأتاه رجل فقال: البقرة؟ قال: عن سبعة، قال: القرن؟ قال: لا يضرك، قال: العرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك أمرنا رسول الله عليه السلام أن نستشرف العين والأذن". قال البيهقي: ورواه حسن بن صالح، عن سلمة، وفيه قال:"مكسورة القرن؟ قال: لا يضرك".

السادس: عن فهد بن سليمان عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن حسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الكوفي العابد عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي بن أبي طالب.

(1)"جامع الترمذي"(4/ 86 رقم 1498).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 275 رقم 18886).

ص: 500

السابع: عن فهد بن سليمان عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله، عن سلمة بن كهيل، عن حجية. . . إلى آخره.

قوله: "بمقابلة" قال ابن الأثير (1): وهي التي يقطع من طرف أذنها شيء ثم يترك معلقًا كأنه زَنَمَة واسم تلك السمة القبلة والإقبالة.

قوله: "ولا مدابرة" المدابرة أن يقطع من مؤخر أذنها شيء ثم يترك معلقًا كأنه زَنَمَة، وقال الجوهري: شاة مقابلة قطعت من أذنها قطعة لم تبن وتركت معلقة من قدم فإن كانت من أُخُر فهي مدابرة، وقد فسره الطحاوي بقوله:"وذلك في الأذن ما كان مشقوق من قبالة الأذن فهي مقابلة، وما كان من أسفلها فهي مدابرة" والباء في مقابلَة ومدابَرة مفتوحة على وزن صيغة المفعول.

قوله: "ولا خرقاء" بالخاء المعجمة وهي الشاة التي في أذنها ثقب مستدير وأصله من الخرق وهو الشق.

قوله: "ولا شرقاء" بالشين المعجمة والقاف وهي المشقوقة الأذن باثنين مِنْ شَرَقَ أذنها يَشْرِقُها شرقًا إذا شقها، واسم السمة: الشرقة.

قوله: "ولا عوراء" وهي الذاهبة إحدى عينيها.

قوله في رواية النسائي: "ولا بتراء" وهي مقطوعة الذنب وكذا المبتورة.

قوله: "غير عضباء القرن" بالعين المهملة والضاد المعجمة، قال ابن الأثير:"الأعضب القرن" وهو المكسور القرن وقد يكون العضب في الأذن إلا أنه في القرن أكثر، وقال الجوهري: العضباء: المكسورة القرن الداخل، وهو المشاش، ويقال: هي التي انكسر إحدى قرنيها، وقد عضبت بالكسر وأعضبتها أنا وكبش أعضب بَيِّن العضب، وناقة عضباء أي مشقوقة الأذن وكذلك الشاة، وأما ناقة رسول الله عليه السلام التي كانت تسمى عضباء فإنما كان ذلك لقبًا لها ولم تكن مشقوق الأذن.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(4/ 8).

ص: 501

قوله: "ولا جدعاء" الجدع قطع الأنف والأذن أو الشفة وهو بالأنف أخص فإذا أطلق غلب عليه.

قوله: "أن نستشرف" أي بأن نستشرف أي بالاستشراف وقال الترمذي: أي ننظر أصحيحة أم لا، والاستشراف: أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء وأصله من الشرف: العلو، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون كثر لإدراكه، والمعنى ها هنا: أن يتأمل سلامة العين والأذن من آفة تكون بهما، وقيل: هو من الشرفة، وهي خيار الآل، أي أمرنا أن نتخيرها.

قوله: "إذا بلغت المنسك" أي الذبح من نسك ينَسْك إذا ذبح والنسيكة الذبيحة وتجمع على نسك ثم المنسك بفتح السين وبكسرها وقد روي بهما في قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (1).

ص: فإن قال قائل: فأنت لا تكره عضباء القرن وفي حديث جُري بن كليب عن علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام النهي عنها.

قيل له: إنما تركنا ذلك لأن عليًّا رضي الله عنه لم ير بأسًا فيما قد رويناه عنه في حديث حجية بن عدي فعلمنا بذلك أن عليًّا رضي الله عنه لم يقل بعد رسول الله عليه السلام خلاف ما قد سمعه من رسول الله عليه السلام إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن أبا حنيفة وأصحابه الذين هم من أهل المقالة الثانية قد احتجوا فيما ذهبوا إليه من أن العيوب الأربعة غير مختصة بمنع الأضحية بل غير ذلك أيضًا يمنع كما قد بيناه ومن جملة ما احتجوا به في ذلك حديث علي رضي الله عنه الذي رواه عنه جري بن كليب وفيه النهي عن عضباء القرن، ومع ذلك فهم يجيزون عضباء الأذن ولا يكرهونها فيكونون حينئذ تاركين لما قد احتجوا به فأجاب عنه بقوله: "إنما تركنا ذلك لأن عليًّا رضي الله عنه روي عنه في حديث حجية بن

(1) سورة الحج، آية:[67].

ص: 502

عدي أنه لم ير بذلك بأسًا حيث قال: "لا يضرك" لما سأله الرجل عن مكسورة القرن، فعلم من ذلك أن عليًّا رضي الله عنه لم يقل ما قاله بعد رسول الله عليه السلام بخلاف ما قد سمع عن النبي عليه السلام إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده إذ لا يجوز على علي بن أبي طالب أن يفتي بخلاف ما سمع من النبي عليه السلام إلا بهذا الطريق، على أنا نقول: إن ابن حزم قد ضعَّف خبر جري بن كليب، حيث قال (1): وروي في الأعضب أثر أنه لا يجزئ ولا يصح لأنه من طريق جري بن كليب، وليس مشهورًا.

ص: وأما حديث أبي سعيد الخدري الدي رويناه من حديث إبراهيم بن محمد الصيرفي فحديث فاسد في إسناده ومتنه وقد بين ذلك شعبة.

حدثنا عبد الغني بن رفاعة أبو عقيل قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة، عن جابر، عن محمد بن قرظة، عن أبي سعيد قال -ولم يسمعه منه-:"إنه اشترى كبشًا ليضحي به، فأكل الذئب ذنبه -أو بعض ذنبه- فسأل النبي عليه السلام عن ذلك، فقال: ضحِّ به".

فقد فسد إسناد هذا الحديث بما ذكرنا وفسد متنه؛ لأنه قال: قطع ذنبه أو بعض ذنبه فإن كان البعض هو المقطوع فيجوز أن يكون ذلك أقل من ربعه، وذلك لا يمنع أن يضحى به في قول أحد من الناس، ولو كان الحديث كما رواه إبراهيم بن محمد أنه قطع أليته لاحتمل أن يكون ذلك على بعضها؛ لأنه قد يقال: قطع أليته إذا قطع بعضها، كما يقال: قطع أصبعه إذا قطع بعضها.

فتصحيح هذه الآثار يمنع أن يضحى بالأربع التي في حديث البراء: أو بالمقابلة أو بالمدابرة وهي المشقوقة أكثر أذنها من قبلها أو دبرها فإذا كان ذلك لا يجزئ في الأضاحي فالمقطوعة الأذن أحرى أن لا تجزئ، وكذلك في النظر عندنا كل عضو قطع من شاة مثل ضرعها أو أليتها فذلك يمنع أن يضحى بها وكل ما كان من هذا

(1)"المحلى"(7/ 360).

ص: 503

يمنع أن يضحى به إذا قطع بكماله فقطع بعضه، فإن أصحابنا مختلفون في ذلك فأما أبو حنيفة فروي عنه: أن المقطوع من ذلك إذا كان ربع ذلك العضو فصاعدًا لم يضح بما قطع ذلك منه، وإن كان أقل من الربع ضحى به.

وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كان المقطوع من ذلك هو النصف فصاعدًا فلا يضحى بما قطع ذلك منه وإن كان أقل من النصف فلا بأس أن يضحى به. إلا أن أبا يوسف ذكر هذا القول لأبي حنيفة، فقال له: قولي مثل قولك، فثبت بذلك رجوع أبي حنيفة عن قوله الذي قد كان قاله إلى ما حدثه [به](1) أبو يوسف وقد وافق ذلك من قولهم ما روينا عن سعيد بن المسيب في هذا الباب في تفسير العضباء التي قد نهي عن الأضحية بها وأنها المقطوع نصف أذنها، وكل ما كان من هذا لا يكون أضحية لما قد نقص منه فإنه لا يكون هديا.

ش: هذا جواب عن حديث أبي سعيد الخدري الذي هو من جملة ما احتج به أهل المقالة الأولى، تقريره: أن هذا لا يصلح للاحتجاج لأنه فاسد من جهة الإسناد ومن جهة المتن.

أما من جهة الإسناد فلأن راويه عن أبي سعيد هو محمد بن قرظة وقد بين شعبة بن الحجاج في روايته هذا الحديث أنه لم يسمع هذا الحديث عن أبي سعيد ففسد بهذا إسناد الحديث.

قلت: وقد أفسد ابن حزم إسناد هذا الحديث من جهة أخرى وهو من جهة جابر بن يزيد الجعفي فقال فيه: إنه كذاب.

وأما من جهة المتن: فلأنه قال في رواية شعبة: "فأكل الذئب ذنبه أو بعض ذنبه" بالشك فإن كان الصحيح أن المقطوع هو البعض فيجوز أن يكون ذلك أقل من ربعه، وذلك لا يمنع أن يضحى به في قول أحدٍ من الفريقين وغيرهم، وإن كان الصحيح كما رواه محمد بن قرظة في رواية إبراهيم بن محمد الصيرفي الذي مضى ذكره عند

(1) ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 504

احتجاج أهل المقالة الأولى بهذا الحديث "فعدا الذئب فقطع أليته" فهو أيضًا يحتمل؛ لأنه يجوز أن يكون المراد: بعضه بأن ذكر الألية كلها وأراد بعضها؛ لأنه قد يجوز أن يقال: قطع أليته، والحال أن المقطوع بعضها، كما يقال: قطع أصبعه إذا أقطع بعضها ففسد بذلك متن الحديث أيضًا، وباقي الكلام ظاهر.

قوله: "وكل ما كان من هذا" كلام إضافي مبتدأ وخبره الجملة التي بعده، وهي قوله:"فقطع بعضه"، فإن أصحابنا مختلفون في ذلك.

فإن قيل: ما هذه "الفاء" في خبر المبتدأ الثاني؟ وأين العائد إلى المبتدأ الأول؟

قلت: أما "الفاء" فلأن يدخل الخبر "من" لا بد من سبب وهو على ضربين: موجب ومجوز فالموجب يقدم "أما" كقوله تعالى،:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ} (1).

وأما المجوز فيما إذا كان المبتدأ واقعًا موقع "مَنْ" الشرطية، أو "ما" أختها ومواضعها كثيرة منها أن يكون المبتدأ مضافًا، فلأجل هذا ها هنا دخلت "الفاء"، وأما العائد فقد استغني عنه ها هنا باسم الإشارة وهو قوله:"في ذلك" ولا شك أنه إشارة إلى المبتدأ هو كالضمير الذي يعود إليه.

(1) سورة البقرة، آية:[26].

ص: 505