المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلما - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: البيع يشترط فيه شرط ليس فيه

- ‌ص: باب: بيع أراضي مكة وإجارتها

- ‌ص: باب: ثمن الكلب

- ‌ص: باب: استقراض الحيوان

- ‌ص: كتاب السِّير

- ‌ص: باب: الإمام يريد قتال العدو هل عليه قبل ذلك أن يدعو أم لا

- ‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلمًا

- ‌ص: باب: بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حلِّ قتله في دار الحرب إن كان حربيًّا

- ‌ص: باب: ما نهي عنه قتله من النساء والولدان في دار الحرب

- ‌ص: باب: الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا

- ‌ص: باب: الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب هل يكون له سلبه أم لا

- ‌ص: باب: سهم ذوي القربى

- ‌ص: باب: النفل بعد الفراغ من قتال العدو وإحراز الغنيمة

- ‌ص: باب: المدد يَقْدُمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يُسْهم لهم أم لا

- ‌ص: باب: الأرض تفتتح، كيف ينبغي للإِمام أن يفعل فيها

- ‌ص: باب: الرجل يحتاج إلى القتال على في دابة من المغنم

- ‌ص: باب: الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة

- ‌ص: باب: الحربية تُسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الإِسلام ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلمًا

- ‌ص: باب: الفداء

- ‌ص: باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه

- ‌ص: باب: ميراث المرتد لمن هو

- ‌ص: باب: إحياء الأرض الميتة

- ‌ص: باب: إنزاء الحمير على الخيل

- ‌ص: كتاب الصيد والذبائح

- ‌ص: باب: العيوب التي لا تجزئ الهدايا والضحايا إذا كانت بها

- ‌ص: باب: من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الإمام

- ‌ص: باب: البدنة عن كم تجزئ في الضحايا والهدايا

- ‌ص: باب: الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها

الفصل: ‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلما

‌ص: باب: ما يكون الرجل به مسلمًا

ش: أي هذا باب في بيان ما يصير به غير المسلم مسلمًا إذا باشره.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، عن أبيه، قال: سمعت النعمان يحدث، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن المقداد بن عمرو قال:"قلت: يا رسول الله، أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين فضربني فأبان يدي ثم قال: لا إله إلا الله، أقتله أم أتركه؟ قال: بل اتركه، قلت: قد أبان يدي! قال: نعم، فإن قتلته فأنت مثله قبل أن يقولها وهو بمنزلتك قبل أن تقتله".

ش: وهب هو ابن جرير البصري، روى له الجماعة.

وأبوه جرير بن حازم بن زيد البصري، روى له الجماعة.

والنعمان هو ابن راشد الجزري ضعفه يحيى، وعنه: ليس بشيء. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا.

والزهري هو محمد بن مسلم.

وعطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي أبو محمد المدني، [روى له الجماعة.

وعبيد الله بن عدي بن الخيار القرشي النوفلي المدني، وُلد في زمن النبي عليه السلام وكان من فقهاء قريش. قال العجلي: مدني تابعي ثقة. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

والمقداد بن عمرو هو المقداد بن الأسود الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري في "المغازي"(1): عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن عبيد الله بن عدي، عن المقداد بن الأسود أنه قال

(1)"صحيح البخاري"(4/ 1474 رقم 3794).

ص: 174

للنبي عليه السلام: "أرأيت إن لقيت رجلاً فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله بعد أن قالها؟ قال: لا تقتله. قلت: إنه قطع يدي؟! قال: لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".

وأخرجه أيضًا في "الديات"(1): عن عبدان، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري

إلى آخره.

وأخرجه مسلم في "الإيمان"(2): عن قتيبة وابن رمح، عن الليث.

وعن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس.

وعن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق، عن معمر.

وعن إسحاق بن موسى، عن الوليد، عن الأوزاعي.

وعن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، كلهم عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن عبيد الله بن عدي، عن المقداد.

وأخرجه أبو داود في "الجهاد"(3): عن قتيبة، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عطاء

إلى آخره.

وأخرجه النسائي في "السير"(4): عن قتيبة به.

قوله: "فأبان يدي" من الإبانة وهي القطع.

قوله: "أقتله" أي هل أقتله؟.

قوله: "فإن قتلته فأنت مثله قبل أن يقولها" قيل: معناه إنك كنت كذلك قبل أن يقول الكلمة التي قال هو، وذلك حين كنت بمكة بين المشركين فكنت تكتم

(1)"صحيح البخاري"(6/ 2518 رقم 6472).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 95 - 96 رقم 95).

(3)

"سنن أبي داود"(3/ 45 رقم 2644).

(4)

"السنن الكبرى"(5/ 174 رقم 8591).

ص: 175

إيمانك فلعل هذا أيضًا كان ممن يكتم إيمانه بين المشركين وخرج معهم كرهًا كما أخرج أهل مكة من كان معهم من المسلمين إلى بدر كرهًا.

فإن قيل: إذا كان المعنى كذلك؛ فكيف ذاك الرجل يقطع اليد والحال أنه ممن يكتم إيمانه؟.

قلت: إنما فعل ذلك دفعًا عن نفسه من يريد قتله، فجاز له كما جاز للمؤمن إذا أراد أن يقتله مؤمن أن يدفع عن نفسه بالقتل ونحوه.

وإنما لم يقد عليه السلام قتيل أسامة لما قتله بعد أن قال: لا إله إلا الله وذلك حين بعثه عليه السلام مع سرية إلى الحرقات؛ لأنه قتله متأولاً.

وقيل: معنى هذا الكلام: إنك مثله قبل أن يقولها في مخالفة الحق وارتكاب الإثم، وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم.

وقيل: إنك مثله يعني كنت كمثله قبل أن يقولها في إباحة الدم؛ لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم بحق الدين، فإذا أسلم فقتله قاتل؛ كان مباح الدم بحق القصاص.

قوله: "وهو بمنزلتك قبل أن تقتله" أي وهو مثلك مسلم قبل أن يقتل فكيف تقتله؟

ويستفاد من الحديث: إن تلفظ بكلمة التوحيد يحكم بإسلامه، ولكن هذا في حق المشرك الذي ينفي صانع العالم، أو يعترف بوجود الصانع ولكنه يشرك، وعن قريب يأتي الكلام فيه مستقصى.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن النعمان، أن عمرو بن أوس أخبره أن أباه أوسًا قال:"إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة وهو يقص علينا ويذكرنا إذا أتاه رجل فسارَّه، قال: اذهبوا فاقتلوه، فلما ولى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما تشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الرجل: نعم، قال رسول الله عليه السلام: اذهبوا فخلوا سبيله فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ثم تحرم دماؤهم وأموالهم إلا بحقها".

ص: 176

ش: إسناده صحيح.

وأبو بكرة بكار القاضي. والنعمان هو ابن سالم الطائفي، قال يحيى وأبو حاتم: ثقة، روى له الجماعة سوى البخاري.

وعمرو بن أوس بن عمرو الطائفي، روى له الجماعة.

وأبوه أوس بن أبي أوس، ويقال: أوس بن أوس الثقفي، عداده في الشاميين.

والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عبد الله بن بكر السهمي، نا حاتم بن أبي صغيرة، عن النعمان بن سالم، أن عمرو بن أوس

إلى آخره نحوه سواء. غير أن في لفظه بعد قوله: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك حرمت عليَّ دماؤهم وأموالهم إلا بحقها".

وأخرجه النسائي (2): من حديث النعمان بن بشير وعن رجل، عن النبي عليه السلام، وعن أوس، فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، نا الأسود ابن عامر، ثنا إسرائيل، عن سماك، عن النعمان بن بشير قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فسارَّه، فقال: اقتلوه، ثم قال: أيشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، ولكنما يقولها تعوذًا، فقال رسول الله عليه السلام: لا تقتلوه؛ فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

قال عبيد الله (3): ثنا إسرائيل، عن سماك، عن النعمان بن سالم، عن رجل حدثه قال:"دخل علينا رسول الله عليه السلام ونحن في قبة في مسجد المدينة -وقال فيه-: إنه أوحي إلي أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" نحوه.

(1)"مسند أحمد"(4/ 8 رقم؟؟؟).

(2)

"المجتبى"(7/ 79 رقم 3979).

(3)

"المجتبى"(7/ 80 رقم 3980).

ص: 177

قال (1): أخبرنا أحمد بن سليمان، ثنا الحسين بن محمد بن أعين، ثنا زهير، ثنا سماك، عن النعمان بن سالم، قال: سمعت أوسًا يقول: "دخل علينا رسول الله عليه السلام ونحن في قبة

" وساق الحديث.

وقال ابن عساكر في "الأطراف": رواه أسود بن عامر، عن إسرائيل، عن سماك، عن النعمان بن بشير وأخطأ فيه.

قوله: "إنا لَقُعُود" بضم القاف: جمع قاعد، كالركوع جمع راكع، وسُجود جمع ساجد. و"اللام" فيه للتأكيد.

قوله: "ويُذَكِّرنا" من التذكير.

قوله: "إلا بحقها" أي إلا بحق الدماء.

وقد بيَّن رسول الله عليه السلام أن الحق المبيح لدماء المسلمين بعد تحريمها: الزنا بعد الإحصان، وقتل النفس المحرمة، والإشراك بالله تعالى (2).

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن رسول الله عليه السلام قال:"أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله".

ش: إسناده صحيح، ورجاله كلهم رجال الصحيح.

ويونس الثاني هو ابن يزيد الأيلي.

وأخرجه البخاري في كتاب "الجهاد"(3): عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة نحوه.

(1)"المجتبى"(7/ 80 رقم 3981).

(2)

تقدم مرارًا.

(3)

"صحيح البخاري"(3/ 1077 رقم 2786).

ص: 178

ومسلم في "الإيمان"(1): عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو وحرملة وأحمد بن عيسى، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري نحوه.

والنسائي في "الجهاد"(2): عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب

إلى آخره نحو رواية الطحاوي عن يونس.

قوله: "أُمِرْت" على صيغة المجهول، أي أمرني الله تعالى، وبناه هكذا إما للتعظيم وإما للعلم بالفاعل.

قوله: "عصم مني" أي منع مني ماله ونفسه، كما في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (3)، و {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (4)، و {يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} (4)، وقد فسَّره في حديث آخر بقوله:"حرم ماله ودمه"، قال عياض: واختصاصه ذلك بمن قال: لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بها مشركي العرب وأهل الأوثان ومن لا يقر بالصانع ولا يوحده، وهم كانوا أول من دعي إلى الإِسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يُقرّ بالتوحيد والصانع فلا يُكتفي في عصمة دمه بقوله ذلك؛ إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده؛ فلذلك جاء في الحديث الآخر:"وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة".

قوله: "وحسابه على الله" يعني حساب سِرِّه إن أظهر ما يحقن دمه ويعصمه وأبطن خلافه كما فعله المنافقين، فذلك إلى المُطَّلِع على السرائر، وأن حكم النبي عليه السلام والأئمة من بعده إنما كان على الظاهر.

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 52 رقم 21).

(2)

"المجتبى"(6/ 4 رقم 3090).

(3)

سورة المائدة، آية:[67].

(4)

سورة هود، آية:[43].

ص: 179

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر. وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا يزيد بن سنان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا ابن عجلان، قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

ش: هذه ثلاث طرق أخرى وهي صحيحة:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة.

وأخرجه مالك في "موطإه".

الثاني: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يعلى بن عبيد الحنفي الطنافسي الكوفي، عن سليمان الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع المكي الإسكاف، عن جابر بن عبد الله.

وعن أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة.

وأخرجه الأربعة:

فأبو داود (1): عن مسدد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها؛ منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

والترمذي أخرجه في "الإيمان"(2): عن هناد، عن أبي معاوية به.

وقال: حسن صحيح.

(1)"سنن أبي داود"(3/ 44 رقم 2640).

(2)

"جامع الترمذي"(5/ 3 رقم 2606).

ص: 180

والنسائي في "المحاربة"(1): عن المخرمي وأحمد بن حرب، عن أبي معاوية به.

وعن إسحاق بن إبراهيم، عن يعلى بن عبيد، عن الأعمش نحوه.

وابن ماجه في "الفتن"(2): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية وحفص بن غياث عنه به.

الثالث: عن يزيد بن سنان القزاز، عن يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عجلان المدني، عن أبيه عجلان مولى فاطمة بنت شيبة، عن أبي هريرة.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو، نا يحيى، عن ابن عجلان، قال: سمعت أبي يحدث، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها؛ عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله عليه السلام مثله.

ش: إسناده صحيح.

وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد.

وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.

وأبو الزبير هو محمد بن مسلم المكي.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا وكيع، عن سفيان (ح).

وعبد الرحمن، ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله عليه السلام: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم

(1)"المجتبى"(7/ 79 رقم 3976)، (7/ 79 رقم 3977).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1295 رقم 3927).

(3)

"مسند أحمد"(3/ 300 رقم 14247).

ص: 181

وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ثم قرأ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (1) ".

وأخرجه أيضًا (2): عن أسود، عن شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر نحوه.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قومٌ إلى أن من قال: لا إله إلا الله فقد صار بها مسلمًا له ما للمسلمين وعليه وما عليهم، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن المسيب، وطائفة من أهل الحديث، وجماعة من الظاهرية، فإنهم قالوا: من قال: لا إله إلا الله فقد صار مسلمًا، فلا يتعرض إليه، واستدلوا في ذلك بالأحاديث المذكورة.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا حجة لكم في هذا الحديث؛ لأن رسول الله عليه السلام إنما كان يقاتل قومًا لا يوحدون الله عز وجل، فكان أحدهم إذا وحَّد الله عز وجل عُلم بذلك تركه لما قوتل عليه وخروجه منه، ولم يُعلم بذلك دخولهم في الإِسلام أو بعض الملل التي توحد الله وتكفر به بجحدها رسله، وغير ذلك من الوجوه التي يكفر بها أهلها مع توحيدهم لله عز وجل، فكان حكم هؤلاء أن لا يقاتلوا إذا وقعت هذه الشبهة حتى تقوم الحجة على من يقالتهم بوجوب قتالهم؛ فلهذا كَفَّ رسول الله عليه السلام عن قتال من كان يقاتل بقولهم لا إله إلا الله، فأما من سواهم من اليهود فإنا قد رأيناهم يشهدون أن لا إله إلا الله ويجحدون النبي عليه السلام، فليسوا بإقرارهم بتوحيد الله عز وجل مسلمين؛ إذ كانوا جاحدين برسول الله عليه السلام، فإذا أقروا برسول الله عليه السلام عُلِمَ بذلك خروجهم من اليهودية ولم يعلم به دخولهم في الإِسلام؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا قد انتحلوا قول من يقول: إن محمدًا رسول الله إلى العرب خاصةً، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بَعَثَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى خيبر وأهلها

(1) سورة الغاشية، آية:[21، 22].

(2)

"مسند أحمد"(3/ 339 رقم 14691).

ص: 182

يهود؛ بما حدثنا يونس، ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه السلام:"لما دفع الراية إلى علي رضي الله عنه حين وَجَّهه إلى خيبر قال: امض ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، فسار علي رضي الله عنه شيئًا ثم وقف فصرخ فقال: يا رسول الله على ماذا أقاتل؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".

ففي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام قد كان أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى يشهدوا مع ذلك أن محمدًا رسول الله؛ لأنهم قد كانوا يوحدون الله عز وجل ولا يقرون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه بقتالهم حتى يعلم خروجهم مما أمر بقتالهم عليه من اليهودية، كما أمر بقتال عبدة الأوثان حتى يعلم خروجهم مما قوتلوا عليه، وليس في إقرار اليهود أيضًا بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ما يجب أن يكونوا مسلمين، ولكن النبي عليه السلام أمر بترك قتالهم إذا قالوا ذلك؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا أرادوا به الإِسلام أو غير الإِسلام، فأمر بالكف عن قتالهم حتى يعلم ما أرادوا بذلك، كما ذكرنا فيما تقدم من مشركي العرب، وقد أتى اليهود إلى رسول الله عليه السلام فأقروا بنبوته ولم يدخلوا في الإِسلام، فلم يقاتلهم على إبائهم الدخول في الإِسلام إذ لم يكونوا عنده بذلك الإقرار مسلمين.

حدثنا إبراهيم بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود وأبو أمية وأحمد بن داود وعبد العزيز بن معاوية، قالوا: ثنا أبو الوليد (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود (ح).

وحدثنا أبو بشر الرقي، ثنا حجاج بن محمد (ح).

وحدثنا ابن أبي داود، ثنا عمرو بن مرزوق؛ قالوا: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال: "أن يهوديًّا قال لصاحبه:

ص: 183

تعال حتى نسأل هذا النبي، فقال له الآخر: لا تقل له: نبي فإنه إن سمعها صارت له أربعة عين، فأتاه فسأله عن هذه الآية:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} (1). فقال: لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تسحروا ،ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت. قال: فقبلوا يده وقالوا: نشهد إنك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني، قالوا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخشى إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود".

ففي هذا الحديث أن اليهود كانوا أقروا بنبوة رسول الله عليه السلام مع توحيدهم لله تعالى فلم يأمر بترك قتالهم رسول الله عليه السلام حتى يقروا بجميع مع يقر به المسلمون، فدلّ ذلك أنهم لم يكونوا بذلك القول مسلمين، وثبت أن الإِسلام لا يكون إلا بالمعاني التي يدل على الدخول في الإسلام، وترك سائر الملل.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم جماهير العلماء من الفقهاء والمحدثين، منهم: أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأحمد في رواية صحيحة.

قوله: "وقالوا: لا حجة لكم" أي قال هؤلاء الآخرون، وهذه إشارة إلى الجواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من الأحاديث المذكورة.

وملخصه: أن المشرك وعابد الوثن أو النار أو نحوهما إذا قال: لا إله إلا الله؛ يحكم بإسلامه. والكافر الذي يوحد الله وينكر نبوة محمد عليه السلام، أو يعترف بنبوته ولكن يدعي أنها مخصوصة بالعرب إذا قال: لا إله إلا الله؛ لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله، ويتبرأ عن كل دين سوى دين الإِسلام.

(1) سورة الإِسراء، آية:[101].

ص: 184

وقال صاحب "البدائع": الطرق التي يحكم بها كون الشخص مؤمنًا ثلاثة: نص ودلالة وتبعية:

أما النص: فهو أن يأتي بالشهادة أو بالشهادتين أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحًا، وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة: صنف منهم ينكرون الصانع أصلاً وهم الدهرية المعطلة، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده وهم الوثنية والمجوس، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسًا وهم قوم من الفلاسفة، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة لكنهم ينكرون رسالة رسولنا محمد عليه السلام وهم اليهود والنصارى.

فإن كان من الصنف الأول أو الثاني فقال: لا إله إلا الله يحكم بإسلامه؛ لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادتين أصلاً، فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم، وكذلك إذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله؛ لأنهم يمتنعون عن كل واحد من كلمتي الشهادتين، فكان الإتيان بواحدة منهما أيتهما؛ كانت دلالة الإيمان.

وإن كان من الصنف الثالث فقال: لا إله إلا الله؛ لا يحكم بإسلامه؛ لأن منكر الرسالة لا يمتنع عن هذه المقالة، ولو قال: أشهد أن محمدًا رسول الله يحكم بإسلامه؛ لأنه يمتنع عن هذه الشهادة، فكان الإقرار بها دليل الإيمان.

وإن كان من الصنف الرابع فأتى بالشهادتين فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ من الدين الذي هو عليه من اليهودية أو النصرانية؛ لأن من هؤلاء من يقر برسالة محمد عليه السلام لكنه يقول: إنه بعث إلى العرب دون غيرهم؛ فلا يكون آتيًا بالشهادتين بدون التبرؤ دليلًا على إتيانه، وكذا لو قال يهودي أو نصراني: أنا مؤمن، أو مسلم، أو قال: آمنت أو أسلمت، لا يحكم بإسلامه؛ لأنهم يدعون أنهم مؤمنون وأن الإيمان والإِسلام هو الذي هم عليه.

وروى الحسن، عن أبي حنيفة: أنه إذا قال اليهودي أو النصراني: أنا مسلم أو قال: أسلمت، يُسأل عن ذلك: أي شيء أردت به؟ إن قال: أردت به ترك اليهودية أو النصرانية والدخول في دين الإِسلام يحكم بإسلامه حتى لو رجع عن

ص: 185

ذلك كان مرتدًّا، وإن قال: أردت بقولي أسلمت أني على الحق ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني، لم يحكم بإسلامه.

ولو قال يهودي أو نصراني: أشهد أن لا إله إلا الله وأتبرأ عن اليهودية أو النصرانية، لا يحكم بإسلامه؛ لأنهم لا يمتنعون عن التوحيد، والتبرؤ عن اليهودية أو النصرانية لا يكون دليل الدخول في دين الإِسلام لاحتمال أنه تبرأ عن ذلك ودخل في دين آخر سوى الإِسلام فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال، ولو أقر مع ذلك فقال: دخلت في دين الإِسلام أو في دين محمد عليه السلام حكم بإسلامه لزوال الاحتمال بهذه القرينة.

وأما الدلالة: فنحو أن يصلي كتابي أو واحد من أهل الشرك في جماعة فيحكم بإسلامه عندنا خلافًا للشافعي، ولو صلى وحده لا يحكم بإسلامه، وكذا إذا أذن في مسجد جماعة يحكم بإسلامه، ولو قرأ القرآن لا يحكم بإسلامه، ولو حج فلو تهيّأ للإحرام ولبى وشهد المناسك مع المسلمين يحكم بإسلامه، وإن لبى ولم يشهد المناسك أو شهد المناسك ولم يلب؛ لا يحكم بإسلامه.

وأما التبعية: فإن الصبي يحكم بإسلامه تبعًا لأبويه عقل أو لم يعقل، ويحكم بإسلامه تبعًا للدار أيضًا، ولو كان أحدهما كتابيًّا والآخر مجوسيًّا فالولد كتابي؛ لأن المجوسي شر من الكتابي، انتهى.

ثم الكلام في أحاديث الباب:

أما في حديث أبي هريرة فأخرجه بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا إسحاق بن شاهين، نا خالد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، قال عمر رضي الله عنه: فما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، فدعا

ص: 186

عليًّا رضي الله عنه فبعثه فقال: اذهب فقاتل حتى يفتح الله على يديك ولا تلتفت، فمشى ساعةً ثم وقف فلم يلتفت، فقال: يا رسول الله علام أقاتل؟ قال: قاتلهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله". انتهى.

فهذا يدل على أن الكافر الذي يوحد الله تعالى إذا قال: لا إله إلا الله؛ لا يحكم بإسلامه حتى يقول مع ذلك: وأشهد أن محمدًا رسول الله.

وقال البغوي: إن كان الكافر وثنيًّا أو ثنويًّا لا يقر بالوحدانية فإذا قال: لا إله إلا الله حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع الأحكام، وإن كان مقرًّا بالوحدانية منكرًا لنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحكم بإسلامه حتى يقول مع ذلك: محمد رسول الله، وإن كان يقر بالرسالة إلى العرب خاصةً لم يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله إلى جميع الخلق، أو يتبرأ من كل دين خالف الإِسلام، وإن كان كفره بجحود فرض أو استباحة محرم لم يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين ويرجع عما اعتقده.

وأما حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه فأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود البرلسي وأبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي وأحمد بن داود المكي وعبد العزيز ابن معاوية القرشي العتابي خمستهم جميعًا، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة بن عبد الله الجملي الكوفي الأعمى، عن عبد الله بن سَلِمَة -بكسر اللام- المرادي الكوفي، عن صفوان بن عسال المرادي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه الترمذي في "التفسير"(1): ثنا محمود بن غيلان، قال: ثنا أبو داود ويزيد بن هارون وأبو الوليد -اللفظ لفظ يزيد، والمعنى واحد- عن شعبة،

(1)"جامع الترمذي"(5/ 305 رقم 3144).

ص: 187

عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سَلِمة، عن صفوان بن عسال:"أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله، قال: لا تقل نبي؛ فإنه إن سمعها تقول: نبي كانت له أربعة أعين، فأتيا النبي عليه السلام فسألاه عن قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} (1). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف -شك شعبة- وعليكم يا معشر اليهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت. فقبَّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد إنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تُسْلما؟ قالا: إن داود عليه السلام دعا الله أن لا يزال في ذريته نبي وإنّا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة

إلى آخره.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(2).

الثالث: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور، عن شعبة

إلى آخره.

وأخرجه النسائي في "المحاربة"(3): عن أبي كريب، عن ابن إدريس، عن شعبة

إلى آخره.

وفي "السير"(4): عن أبي كريب وأبي قدامة، عن ابن إدريس بإسناده مثله.

(1) سورة الإسراء، آية:[101].

(2)

"مسند الطيالسي"(1/ 160 رقم 1164).

(3)

"المجتبى"(7/ 111 رقم 4078)، و"الكبرى" في المحاربة (2/ 306 رقم 3541).

(4)

"السنن الكبرى"(5/ 198 رقم 8656).

ص: 188

وأخرجه ابن ماجه في "الأدب"(1): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن ابن إدريس وغندر وأبي أسامة، عن شعبة؛ ببعضه بقصة التقبيل.

الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن مرزوق البصري شيخ البخاري في التعليق، وأبي داود، عن شعبة

إلى آخره.

وأخرجه الترمذي في كتاب"الاستئذان"(2): عن أبي كريب، عن عبد الله بن إدريس وأبي أسامة، عن شعبة

إلى آخره نحوه.

وقال: حديث حسن صحيح.

قوله: "تعال" أمر من تعالى يتعالى.

قوله: "فإنه إن سمعها"، أي إن سمع هذه اللفظ وهي قوله:"نبي".

قوله: "صارت له أربعة أعين" كناية عن فرحه ونشاطه إذا سمع هذه اللفظة وهي قوله: "نبي" ممن لا يؤمن به.

قوله: "يبرئ" فقيل: من برئ براءة يقال: فلان برئ من هذا الأمر إذا كان خاليًا عنه، ويجمع على بُرَآء نحو فَقِيه وفُقهاء، وبراء أيضًا نحو كريم وكِرَام، وأبراء مثل شريف وأشراف، وأبرياء مثل نصيب وأنصباء، وبريئون.

قوله: "ولا تقذفوا المحصنة" القذف ها هنا هو رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه، وأصله الرمي، ثم استعمل في هذا المعنى حتى غلب عليه، يقال: قَذَفَ يَقْذِفُ قَذْفًا، فهو قاذف.

قوله: "لا تفروا من الزحف" الزحف: الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون، يقال: زحف إليه زحفًا: إذا مشى نحوه.

قوله: "وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت" معناه الزموا عدم الاعتداء في السبت، والاعتداء: هو الخروج عن الوضع الشرعي والسنة المأثورة.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1221 رقم 3705).

(2)

"جامع الترمذي"(5/ 77 رقم 2733).

ص: 189

وانتصاب "خاصةً" على الحال، ومعناه: عليكم مختصين أيها اليهود أن لا تعتدوا في أمر السبت؛ لأن تعظيم السبت هو مخصوص باليهود.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: أن الشرك هو أعظم هذه الذنوب التسعة، وهي الكبائر وأكبرها وأعظمها الشرك بالله تعالى، ثم إن الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان، فكل ذنب بالنسبة إلى ما فوقه صغيرة وبالنسبة إلى ما تحته كبيرة، غير أن الشرك ليس فوقه ذنب أعظم منه، وما سواه كله بالنسبة إليه صغائر، فيكون الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب.

الثاني: فيه النهي عن قتل النفس المحرمة: التي حرمها الله إلا بالحق وليس بعد الشرك ذنب أعظم عند الله من قتل النفس المحرمة.

الثالث: فيه النهي عن السرقة، وقد قال عليه السلام:"لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن"(1).

الرابع: فيه النهي عن الزنا، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (2)، وقال عليه السلام:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"(1).

الخامس: فيه النهي عن السحر، وقد روى عبد الرازق (3)، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم شيئًا من السحر - قليلاً أو كثيرًا- كان آخر عهده من الله".

واختلف الناس في الساحر، فقالت طائفة: يقتل الساحر ولا يستتاب، والسحر كفر، وهو قول مالك.

وقال أبو حنيفة: يقتل الساحر.

(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، البخاري (2/ 875 رقم 3343)، ومسلم (1/ 76 رقم 57).

(2)

سورة الإسراء، آية:[32].

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(10/ 184 رقم 18753).

ص: 190

وقال الشافعي: إن كان الكلام الذي سحر به كفرا فالساحر مرتد، وإن كان ليس بكفر فلا يقتل؛ لأنه ليس بكافر، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.

السادس: فيه النهي عن أكل الربا، وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه السلام:"أنه لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه".

الحديث صحيح.

السابع: فيه النهي عن النمّ على الغافل المتخلي عند الظلمة ليقتلوه أو يؤذوه أو يأخذوا ماله.

الثامن: فيه النهي عن قذف المحصنات، وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقذف المؤمنات

" الحديث (1).

التاسع: فيه النهي عن الفرار عن الزحف؛ فإنه أيضًا من الكبائر.

ص: وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن رسول الله عليه السلام قال:"أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا، حرمت علينا في دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم".

فدلَّ ما ذكر في هذا المعنى الذي يحرم به دماء الكفار ويصيرون به مسلمين؛ لأن ذلك هو ترك ملل الكفر كلها وجحدها، والمعنى الأول من توحيد الله عز وجل خاصةً هو المعنى الذي يُكَف به عن القتال حتى يعلم ما أراد به قائله؟ الإِسلام أو غيره، حتى تصح هذه الآثار ولا تتضاد، فلا يكون الكافر مسلمًا محكومًا له وعليه بحكم الإِسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويجحد كل دين سوى

(1) متفق عليه: البخاري (3/ 1017 رقم 2613)، ومسلم (1/ 92 رقم 89).

ص: 191

الإسلام ويتخلى عنه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا أبو مالك سعد بن طارق بن أشيم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ويتركوا ما يعبدون من دون الله، فإذا فعلوا ذلك حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال:"قلت: يا رسول الله، ما آية الإِسلام؟ قال: أن تقول: أسلمتُ وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفارق المشركين إلى المسلمين".

فلما كان جواب رسول الله عليه السلام لمعاوية بن حيدة لما سأله عن آية الإِسلام أن يقول: "أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتفارق المشركين إلى المسلمين"، وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله عز وجل، ثبت بذلك أن من لم يتخل مما سوى الإِسلام لم يُعلم بذلك دخوله في الإِسلام.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي قد روي عن أنس بن مالك ما يدل على ما ذكرنا من أن الإِسلام لا يكون إلا بالمعاني التي يدل على الدخول في الإِسلام وترك سائر الملل؛ لأنه صرَّح في حديثه أن القتال لا يُكَف إلا عمن يأتي بالشهادتين، ويصلي صلاة المسلمين، ويسقبل قبلتهم، ويأكل ذبيحتهم، فهذا لا يكون إلا إذا تبرأ من سائر الملل سوى ملة الإِسلام.

ودلّ هذا أيضًا على أن المراد من الحديث الأول الذي فيه الكف عن قتال من قال: لا إله إلا الله لا غير من المشركين: هو أن يتُرك قتاله إلى أن يعلم ما أراد به هذا القائل من قوله هذا، أراد به الإِسلام أو غيره؟ فبهذا يحصل التوفيق بين أحاديث هذا الباب ولا تتضاد معانيها، فإذا كان الأمر كذلك فلا يحكم بإسلام الكافر حتى يتلفظ بالشهادتين ويجحد كل دين سوى دين الإِسلام على ما صرَّح به في حديث طارق بن أشيم ومعاوية بن حيدة رضي الله عنهما.

ص: 192

ثم إنه أخرج حديث أنس بإسناد صحيح، ورجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا؛ حُرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين".

وأخرجه الترمذي في كتاب "الإيمان"(2): عن سعيد بن يعقوب بإسناده.

وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

وأخرجه النسائي في "المحاربة"(3): عن هارون بن محمد بن بكار بن بلال، عن محمد بن عيسى بن سميع، عن حميد نحوه.

وأخرجه البخاري تعليقًا (4).

فهذا يدل على أن الكافر لا يصح إسلامه إلا أن يتلفظ بالشهادتين ويتبرأ عن كل دين سوى دين الإِسلام؛ لأن صلاته مع المسلمين واستقباله القبلة وأكله ذبيحة المسلمين يدل على أنه قد ترك كل الملل وجحدها سوى ملة الإِسلام، فعن هذا قال أصحابنا: إن الكافر إذا صلى مع الجماعة يحكم بإسلامه، وقد ذكرناه فيما مضى.

وأخرج حديث طارق بن أشيم: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن نعيم ابن حماد بن معاوية المروزي الفارض الأعور، فيه مقال، فعن النسائي: ليس بثقة. ولكن الجمهور وثقوه، وروى له الجماعة غير النسائي، وروى له مسلم في مقدمة كتابه.

عن مروان بن معاوية بن الحارث الفزاري الكوفي روى له الجماعة، عن أبي مالك

(1)"سنن أبي داود"(3/ 44 رقم 2641).

(2)

"جامع الترمذي"(5/ 4 رقم 2608).

(3)

"المجتبى"(7/ 75 رقم 3966).

(4)

"صحيح البخاري"(1/ 153 رقم 385) موصولاً وليس تعليقًا.

ص: 193

سعد بن طارق الأشجعي الكوفي روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن أبيه طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي الكوفي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا محمد بن أبي بكر المقدمي، نا فضيل بن سليمان، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه، أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول:"من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله؛ حرم الله ماله ودمه، وحسابه على الله".

وفيه دلالة صريحة على أن الكافر إذا قال: لا إله إلا الله، لا يحكم بإسلامه ولا يصح إسلامه حتى يكفر بما يعبد من دون الله، وهذا هو المراد من التبرؤ عن سائر الأديان سوى دين الإِسلام.

وأخرج حديث معاوية بن حيدة بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي البصري، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري أبي عبد الملك البصري، عن أبيه حكيم بن معاوية القشيري البصري، عن جده معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري الصحابي.

وأخرجه الطبراني مطولاً (2): نا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: والله ما جئتك حتى حلفت بعدد أصابعي هذه أن لا أتبعك ولا أتبع دينك، وإني أتيت امرءًا لا أعقل شيئًا إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله، وإني أسألك بالله بما بعثك إلينا ربك؟ قال: اجلس، ثم قال: بالإِسلام، فقلت: وما آية الإِسلام؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتفارق الشرك، وأن كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران، لا يقبل الله من مشرك أشرك من بعد إسلامه عملاً وإن ربي داعي وسائلي: هل بلغت عباده؟ فليبلغ

(1)"المعجم الكبير"(8/ 318 رقم 8190).

(2)

"المعجم الكبير"(19/ 407 رقم 969).

ص: 194

شاهدكم غائبكم وإنكم تدعون مفدم على أفواهكم بالفدام، فأول ما يسأل عن أحدكم فخذه وكفه. قلت: يا رسول الله وهذا ديننا؟ قال: نعم، فإنما تحشرون على وجوهكم وعلى أقدامكم وركبانًا".

وأخرجه ابن ماجه مختصرًا (1): نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو أسامة، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله من مشرك أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلي المسلمين".

[قوله: "ما آية الإِسلام؟ " أي ما علامته.

قوله: "وتخليت" من التخلي وهو التفرغ، من الخلو، والمراد: التبرؤ من الشرك وترك كل الأديان سوى دين الإِسلام، وعقد القلب على الإيمان.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 848 رقم 2536).

ص: 195