الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: كتاب السِّير
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام السير، وهو جمع سيرة وهي الطريقة، ومنه: سيرة العمرين أي طريقتهما؛ وسمي هذا الكتاب بهذا؛ لأنه يجمع سير النبي عليه السلام وطرقه في مغازيه وسير أصحابه وما نقل عنهم في ذلك وبعضهم ذكروه بكتاب الجهاد، والجهاد: بذل الطاقة وتحمل المشقة.
…
ص: باب: الإمام يريد قتال العدو هل عليه قبل ذلك أن يدعو أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان أن الإمام إذا قصد قتال قوم من الأعداء هل يجب عليه أن يدعوهم إلى الإسلام ثم إلى الجزية إن كانوا من أهلها قبل اشتغاله بقتالهم أم لا؟
والمراد من الإمام هو الإِمام الأعظم وهو الخليفة، أو نائبه وهو السلطان، أو نائب نائبه وهو أمير بلدة أو ناحية.
ص: حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي، قال: ثنا محمد بن يوسف الفريابي، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّرَ رجلاً على سرية قال له: إذا لقيت عدوَّك من المشركين فادعهم إلي إحدى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن أجابوك إليها فأقبل منهم وكُفَّ عنهم: ادعهم إلى الإِسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ولهم ما لهم، فإن أبوا فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين فلا يكون لهم من الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.
فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإِسلام فسلهم عن إعطاء الجزية، فإن فعلوا فأقبل منهم وكُفَّ عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
قال علقمة: فحدثت به مقاتل بن حيان، فقال: حدثني مسلم بن هيصم، عن النعمان بن مقرن] (1)، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان
…
فذكر بإسناده مثله، غير أنه لم يذكر حديث علقمة عن مقاتل عن مسلم بن هيصم.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو صالح (ح).
وحدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال كل واحد منهما: حدثني الليث بن سعد، قال: حدثني جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن علقمة بن مرثد الحضرمي
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه أربع طرق صحاح:
الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة روى له الجماعة، عن سليمان بن بريدة الأسلمي المروزي روى له الجماعة سوى البخاري، عن أبيه بريدة بن الحُصَيب -بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- الأسلمي الصحابي رضي الله عنه.
والحديث أخرجه الجماعة غير البخاري:
فقال مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان (ح).
وثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا يحيى بن آدم، قال: ثنا سفيان قال: أملاه عليَّ إملاءً (ح).
وحدثني (2) عبد الله بن هاشم -واللفظ له- قال: حدثني عبد الرحمن -يعني ابن مهدي- قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية؛ أوصاه في خاصته
(1) آخر ما استدركناه من "ك"، وهو طمس بمقدار لوحة.
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1356 رقم 1731).
بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلّوا ولا تغدروا ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوَّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خِلال- فأيتهن ما أجابوك فأقبل منهم وكُفّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإِسلام، فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.
فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكُفّ عنهم.
فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ".
قال عبد الرحمن هذا أو نحوه. وزاد إسحاق في آخر حديثه عن يحيى بن آدم، قال: "فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان -قال يحيى: يعني أن علقمة يقوله لابن حيان- فقال: حدثني مسلم بن هيصم، عن النعمان بن مقرن، عن النبي عليه السلام بنحوه.
وقال أبو داود (1): ثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه، وبمن معه من
(1)"سنن أبي داود"(3/ 37 رقم 2612).
المسلمين خيرًا، وقال: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك إليها فأقبل منهم وكُفّ عنهم، ادعهم إلى الإِسلام، فإن أجابوك فأقبل منهم وكُفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونوا مثل أعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.
فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فأقبل منهم وكُفّ عنهم. فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله عز وجل فلا تُنزلهم فإنكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم بعدُ ما شئتم".
قال سفيان: قال علقمة: فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان، فقال: حدثني مسلم -وقال أبو داود: هو ابن هيصم- عن النعمان بن مقرن، عن [النبي عليه السلام مثل حديث سليمان بن بريدة.
وقال الترمذي (1): نا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا بعث أميرًا على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله
…
" إلى آخره نحوًا من رواية مسلم، وقال في آخره: وفي الباب عن النعمان بن مقرن.
قال أبو عيسى: حديثٌ حسن صحيح.
الطريق الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه.
(1)"جامع الترمذي"(4/ 162 رقم 1617).
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث وشيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن جرير بن حازم، عن شعبة، عن علقمة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عبد الرحمن بن عيسى، ثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن جرير بن حازم، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام
…
إلى آخره.
الرابع: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن يحيى بن عبد الله بن بكير المصري شيخ البخاري، عن الليث بن سعد
…
إلى آخره.
قوله: "إذا أمَّر" بتشديد الميم، من التأمير وهو جعل الغير أميرًا.
قوله: "على سرية" قال الجوهري: السرية قطعة من الجيش، يقال: خير السرايا أربعمائة رجل.
وقال ابن الأثير: السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، تُبْعث إلى العدو، وجمعها السرايا؛ سُمُّوا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس، وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرًّا وخِفية، وليس بالوجه؛ لأن لام السر راء، وهذه تاء، انتهى.
وقال ابن السكيت: السرية ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة. وقال الخليل: هي نحو أربعمائة.
قوله: "إلى دار المهاجرين" وهم قوم من قبائل مختلفة تركوا أوطانهم وهجروها في الله، واختاروا المدينة دار، ولم يكن لهم أو لأكثرهم بها زرع ولا ضرع، فكان رسول الله عليه السلام ينفق عليهم مما أفاء الله عليه أيام حياته، ولم يكن للأعراب وسكان البدو فيها حظ إلا من قاتل منهم، فإذا شهد الوقعة أَحَدٌ منهم أخذ سهمه.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: فيه توصية الإمام أمرائه وجيوشه وتعريفه ما يجب عليهم في مغازيهم، وما يحل لهم ويحرم عليهم، وتحريم الغلول والغدر والمثلة.
الثاني: فيه دعاء المشركين قبل القتال إلى إحدى الثلاث المذكورة.
وقالت العلماء -منهم: الحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق-: إذا بلغتهم الدعوة جاز أن يقاتلوا قبل أن يدعوا، فأما من لم تبلغهم الدعوة ممن بعدت داره فإنه لا يقاتل حتى يدعى.
الثالث: احتج بظاهر قوله: "فَسَلْهم إعطاء الجزية" الأوزاعي على وجوب قبول الجزية من كل مشرك كتابي أو غير كتابي من عبدة الأوثان والشمس والنيران إذا أذعنوا إليها.
قال الخطابي: ومذهب مالك قريب منه، وحكي عنه أنه قال: تقبل من كل مشرك إلا المرتد، وروي عنه: لا تقبل إلا من أهل الكتاب وسواء كانوا عربًا وعجمًا، وتقبل من المجوس ولا تقبل من مشرك غيرهم. وقال الشافعي: تقبل من كل مشرك من العجم ولا تقبل من مشركي العرب.
وقال البخاري: لم يثبت عن النبي عليه السلام أنه حارب عجمًا قط ولا بعث إليهم جيشا وإنما كانت عامة حروبه مع العرب، وكذلك بعوثه وسراياه، فلا يجوز أن يصرف هذا الخطاب إلى غيرهم.
قلت: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه لا تختص بأهل الكتاب، بل توضع على أهل الكتاب وعلى المجوسي والوثني من العجم، وهو رواية عن أحمد.
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام لما وجَّه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى خيبر وأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم] (1) من حق الله عز وجل، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن تكون لك حمر النعم".
(1) آخر الطمس في "الأصل" وهو بمقدار لوحة، والمثبت من "ك".
ش: إسناده صحيح، ورجاله كلهم رجال الصحيح.
وأبو حازم -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- سلمة بن دينار.
وأخرجه مسلم بأتم منه (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: نا عبد العزيز -يعني ابن أبي حازم- عن أبي حازم، عن سهل.
وحدثنا قتيبة (1) -واللفظ هذا- قال: ثنا يعقوب -يعني ابن عبد الرحمن- عن أبي حازم، قال: أخبرني سهل بن سعد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها، قال: فلما أصبح الناس غَدَوْا على رسول الله عليه السلام-كلهم يرجون أن يُعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله عليه السلام في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: انفذ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإِسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن تكون لك حمر النعم".
أخرجه مسلم في باب: "فضل علي رضي الله عنه"(1).
وأخرجه البخاري في كتاب "الجهاد"(2): عن قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر
…
" إلى آخره نحوه.
وأخرجه أبو داود في كتاب "العلم"(3) مختصرًا، وقال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، عن النبي عليه السلام قال:"والله لأن يهدى بهداك رجل واحد خير لك من حمر النعم".
(1)"صحيح مسلم"(4/ 1872 رقم 2406).
(2)
"صحيح البخاري"(3/ 1096 رقم 2847).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 322 رقم 3661).
وأخرجه النسائي في "السير والمناقب"(1): عن قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم بتمامه.
قوله: "إلى خيبر" كانت غزوة خيبر في سنة سبع من الهجرة النبوية.
قوله: "انفد على رِسْلِك" أي امض على هَيْنَتَكَ، وهو من نَفَذَ يَنْفِذُ، من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ، ومادته: نون وفاء وذال معجمة.
و"الرِسل": بكسر الراء: الهينة والتأني، قال الجوهري: يقال: افعل كذا وكذا على رِسْلك -بالكسر- أي: اتَّئِد فيه، كما يقال: على هَيْنَتك.
قوله: "بساحتهم" أي بأرضهم، وساحة الدار باحتها، وهي من الأجوف الواوي.
قوله: "حُمْر النعم" الحُمْر -بضم الحاء وسكون الميم-: جمع أحمر، و"النَّعَم" بفتحتين: واحد الأنعام وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، والمراد ها هنا الإبل؛ لأن أعزّ الأموال عند العرب الإبل ولا سيما الحُمْر منها.
قوله: "لأن يهدي الله" في محل الرفع على الابتداء، و"أن" مصدرية، و"اللام" فيه للتأكيد، وخبره: قوله: "خير لك"، و"الباء" في قوله:"بك" للسببية، فافهم.
ص: حدثنا محمد بن النعمان السقطي، قال: ثنا الحميدي، قال: ثنا سفيان، عن عمر بن ذر، عن ابن أخي أنس بن مالك، عن عَمِّهِ:"أن رسول الله عليه السلام بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى قوم يقاتلهم، ثم بعث في إثره يدعوه، وقال له: لا تأته من خلفه وائته من بين يديه، قال: وأمر رسول الله عليه السلام عليًّا رضي الله عنه أن لا يقاتلهم حتى يدعوهم".
ش: إسناده صحيح.
والحميدي هو: عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد الحميدي أبو بكر شيخ البخاري.
(1)"السنن الكبرى"(5/ 46 رقم 8149).
وسفيان هو ابن عيينة.
وعمر بن ذرّ بن عبد الله الهمداني الكوفي، روى له الجماعة سوى مسلم.
وابن أخي أنس هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، روى له الجماعة.
وعبد الله بن أبي طلحة: أخو أنس بن مالك من الأم، فيكون أنس عم إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة من الأم.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: ثنا عمر بن ذرّ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام بعثه في سرية فقال لرجل عنده: الحقه ولا تدعه من خلفه فقل: إن رسول الله عليه السلام يأمرك أن تنتظره، قال: فانتظره حتى جاء، فقال: لا تقاتل القوم حتى تدعوهم".
قوله: "في إثره" بكسر الهمزة [أراد بعث وراء علي رضي الله عنه.
ص: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"ما قاتل رسول الله عليه السلام قومًا حتى يدعوهم".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عيسى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا حجاج بن أرطاة، قال: ثنا عبد الله بن أبي نجيح
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا حجاج بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، عن ابن أبي نجيح
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا حفص بن غياث، عن حجاج
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه أربع طرق:
الأول: إسناده صحيح، عن محمد بن خزيمة، عن محمد بن كثير العبدي شيخ البخاري وأبي داود، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن أبي نجيح المكي روى له
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 476 رقم 33056).
الجماعة، عن أبيه أبي نجيح يسار الثقفي المكي، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا حفص، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن ابن عباس قال:"ما قاتل رسول الله عليه السلام قوما قط حتى يدعوهم".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عيسى بن إبراهيم الغافقي المصري شيخ أبي داود والنسائي، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري، عن حجاج بن أرطاة النخعي -وفيه مقال- عن عبد الله بن أبي نجيح، عن ابن عباس.
الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن حجاج بن إبراهيم الأزرق، وثقه ابن حبان، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن حجاج بن أرطاة
…
إلى آخره.
الرابع: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يوسف بن عدي
…
إلى آخره.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قومٌ إلى أن الإمام وأهل السرايا إذا أرادوا قتال العدو دعوهم قبل ذلك إلى مثل ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وقالوا: إن قاتلهم الإمام أو أحد من أهل سراياه من غير هذا الدعاء فقد أساءوا في ذلك.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عمر بن عبد العزيز وقتادة وأبا نجيح ومالكًا وأحمد في رواية وإسحاق، فإنهم قالوا: لا يقاتل الإِمام حتى يدعو، فإن قاتلوا بغير دعوة فقد أساءوا.
واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة؛ لأن ظاهرها يدل على أن لا يقاتلوا إلا بعد الدعاء.
وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث سليمان في الدعوة قبل القتال (2): وقد ذهب
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 476 رقم 33067).
(2)
"جامع الترمذي"(4/ 119 رقم 1548).
بعض أهل العلم من أصحاب النبي عليه السلام وغيرهم إلى هذا، ورأوا أن يدعو قبل القتال، وهو قول إسحاق بن إبراهيم، قال: إن يقدم إليهم في الدعوة فحسن، يكون ذلك أهيب.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا بأس بقتالهم والغارة عليهم وإن لم يُدعوا قبل ذلك.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم: الحسن البصري والنخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي وأحمد، فإنهم قالوا: لا بأس بقتالهم والغارة عليهم وإن لم يُدعوا قبل ذلك.
وقال الترمذي (1): قال الشافعي: لا يقاتل العدو حتى يدعو إلا أن يعجلوا عن ذلك، فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة.
وقال صاحب "المغني": ويقاتل أهل الكتاب والمجوس ولا يدعون؛ لأن الدعوة قد بلغتهم، ويدعى عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا. وقال: قال أحمد: إن الدعوة قد بلغت وانتشرت ولكن إن جاز أن يكون قومٌ خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَغِز على أُبْنى ذا صباح ثم حَرِّق".
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أسامة بن زيد؛ فإن النبي عليه السلام أمره أن يغير على أهل أُبْنى ولم يأمره بالدعوة؛ لأنها كانت قد بلغتهم.
وقال أحمد: كان النبي عليه السلام] (2) يدعو إلى الإِسلام قبل أن يحارب
(1)"جامع الترمذي"(4/ 119 رقم 1548).
(2)
طمس في "الأصل" بمقدار لوحة، والمثبت هن "ك".
حتى أظهر الله الدين وعلا الإِسلام، ولا أعرف اليوم أحدًا يدعى؛ قد بلغت الدعوة كل أحد، والروم قد بلغتهم الدعوة وعلموا ما يراد منهم، وإنما كانت الدعوة قبل الإِسلام، وإن دعى فلا بأس به.
ثم رجال حديث أسامة ثقات، غير أن صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام ابن عبد الملك فيه مقال، فعن يحيى: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليِّن الحديث. وقال البخاري والنسائي: ضعيف.
وأخرجه أبو داود (1): عن هناد بن السري، عن عبد الله بن المبارك، عن صالح ابن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد:"أن النبي عليه السلام كان عَهِد إليه فقال: أغِر على أبْنَى صباحًا وحرِّق".
وأخرجه ابن ماجه (2): عن محمد بن إسماعيل بن سمرة، عن وكيع، عن صالح بن أبي الأخضر
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "أَغِر" أمرٌ من أَغَارَ يُغِيرُ إغَارةً ومغارًا.
و"أُبْنى" بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة مقصورة: اسم موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة، ويقال لها:"يُبْني" بالياء.
قوله: "ذا صباح" أي في الصباح.
وفيه فائدتان:
إحداهما: أن الدعوة ليست بواجبة.
والأخرى: جواز تحريق دور الأعداء وعقارهم.
ص: حدثنا محمد بن الحجاج، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن (ح).
وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج وعبيد الله بن محمد التيمي (ح).
(1)"سنن أبي داود"(3/ 38 رقم 2616).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2/ 948 رقم 2843).
وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد (ح).
وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قالوا: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله عليه السلام يُغير على العدو عند صلاة الصبح فيستمع، فإن استمع أذانًا أمسك وإلا أغار".
ش: هذه أربع طرق صحاح:
الأول: عن محمد بن الحجاج الحضرمي، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني شيخ يحيى بن معين، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، قال: أخبرني ثابت، عن أنس:"أن النبي عليه السلام كان يُغير عند صلاة الصبح، وكان يستمع، فإذا سمع أذانًا أمسك وإلا أغار".
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال شيخ البخاري، وعبيد الله ابن محمد بن حفص التيمي العائشي شيخ أبي داود، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه.
وأخرجه البزار في "مسنده"(2): ثنا عمرو بن علي، ثنا بهز بن أسد، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام كان يُغير عند صلاة الفجر، فكان يستمع، فإذا سمع أذانًا أمسك وإلا أغار، فاستمع ذات يوم فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله عليه السلام: على الفطرة، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرجت من النار".
(1)"سنن أبي داود"(3/ 43 رقم 2634).
(2)
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3/ 132 رقم 12373)، وعلي بن الجعد في "مسنده"(1/ 485 رقم 3372) كلاهما من طريق حماد بن سلمة به كما سيأتي.
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يونس، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس
…
إلى آخره كرواية البزار.
الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن حماد بن سلمة
…
إلى آخره.
وأخرجه العدني في "مسنده": عن بشر بن عمر، عن حماد، عن ثابت، عن أنس
…
إلى آخره كرواية أحمد.
قوله: "يُغير على العدو عند صلاة الصبح" إنما كان يُغير عليه السلام في هذا الوقت؛ لأنه وقت غفلة ونوم، وأيضًا كان يكون في ذلك الوقت على معاينة من حال أصحابه كيف يغيرون؛ لأن قبل ذلك الوقت وقت ظلام، فلا يؤمن أن يقتل بعض المسلمين بعضًا عند قيام الحرب، أو يؤتوا من كمين من حيث لا يشعرون؛ فلذلك كان يغير وقت الصبح، وليس ذلك لتحريم الإغارة ليلاً أو نهارًا.
وأما إمساكه عليه السلام عن الإغارة عند استماعه الأذان؛ فلأنه من شعائر الإِسلام؛ فدل على أنهم ليسوا بمحل للإغارة عليهم، والله أعلم.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن الحجاج -هو ابن أرطاة- عن عمرو بن مرة، عن زاذان، عن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
ش: رجاله ثقات، غير أن الحجاج بن أرطاة فيه مقال.
وزاذان -بالزاي والذال المعجمتين- أبو عبد الله الكندي الكوفي الضرير البزاز، روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".
(1)"مسند أحمد"(3/ 229 رقم 13423).
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قومًا لم يُغِرْ عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار، فنزلنا خيبر، فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب وركبنا معه، فركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله عليه السلام، فاستقبلنا عمال خيبر قد أخرجوا مساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا النبي عليه السلام والجيش قالوا: محمد والخميس، فأدبروا هرابًا، فقال النبي عليه السلام: الله أكبر خربت خيبر، إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين".
ش: يوسف بن بهلول التميمي الأنباري، نزيل الكوفة وشيخ البخاري. وعبد الله ابن إدريس الزعافري روى له الجماعة. وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني صاحب المغازي، ثقة.
وحميد بن أبي حميد الطويل، روى له الجماعة.
والحديث أخرجه البخاري (1): ثنا قتيبة، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس:"أن النبي عليه السلام خرج إلى خيبر فجاءها ليلاً، وكان إذا جاء قومًا بليل لا يُغِير عليهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد والله محمد والخميس، فقال النبي عليه السلام: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذَرين".
وأخرجه مسلم (2): حدثني زهير بن حرب، قال: نا إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: "أن رسول الله عليه السلام غزا خيبر قال: فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله عليه السلام وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله عليه السلام في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله عليه السلام وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله عليه السلام فإني لأرى بياض فخذ نبي الله عليه السلام، فلما دخل القرية
(1)"صحيح البخاري"(1/ 221 رقم 585).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1043 رقم 1365).
قال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين -قالها ثلاث مرار- قال: وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمد والله -قال عبد العزيز: وقال بعض أصحابنا: محمد والخميس- قال: وأصبناها عنوة".
قوله: "عُمَال خيبر" العمال -بضم العين-: جمع عامل.
و"المساحي" جمع مِسْحَاة وهي المجرفة من الحديد والميم زائدة؛ لأنه من السحو وهو الكشف والإزالة.
و"المكاتل" جمع مِكتل -بكسر الميم- وهو الزَّبِيل الكبير قيل إنه يسع خمسة عشر صاعًا.
قوله: "محمدٌ والخميس" ارتفاع محمد على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا محمد، و"الخميس": الجيش؛ سُمِّي به لأنه مقسوم بخمسة أقوام: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب، وقيل: لأنه تُخَمس فيه الغنائم.
قوله: "هُرَّابًا" بضم الهاء وتشديد الراء: جمع هارب، وانتصابه على الحال من الضمير الذي في "أدبروا".
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله بن خبيب الجهني، عن جندب بن مُكَيث الجهني قال:"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في سرية كنت فيهم، وأمره أن يشنّ الغارة على بني الملوح بالكديد، قال: فراحت الماشية من إبلهم وغنمهم، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا نيامًا؛ شننا الغارة فقتلنا واستقنا الغنم".
ش: يعقوب بن عتبة بن المغيرة الثقفي الحجازي، وثقه أبو حاتم والدارقطني.
ومسلم بن عبد الله بن خُبيب -بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة- الجهني، روى له أبو داود.
وجُندب بن مُكَيث -بضم الميم وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة- بن عمرو الجهني، عداده في أهل المدينة، أخو رافع بن مكيث، لهما صحبة.
وغالب بن عبد الله الليثي -وقيل: غالب بن عبيد الله- عداده في أهل الحجاز، وقد وقع في رواية أبي داود: عبد الله بن غالب كما يجيء الآن، والصواب غالب بن عبد الله كما في رواية الطحاوي.
والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1) مطولاً: ثنا يعقوب، قال: حدثني أبي، حدثني ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله بن خبيب الجهني، عن جندب بن مكيث الجهني قال: "بعث رسول الله عليه السلام غالب بن عبد الله الكلبي -كلب ليث- إلى بني ملوح بالكديد، وأمره أن يغير عليهم، فخرج فكنت في سريته، فمضينا حتى إذا كنا بكديد لقينا به الحارث بن مالك -وهو ابن البرصاء الليثي- فأخذناه فقال: إنما جئت لأُسْلِم، فقال غالب بن عبد الله: إن كنت إنما جئت مسلمًا فلن يضرك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك، قال: فأوثقه رباطًا ثم خلف عليه رجلاً أسود كان معنا فقال: امكث معه حتى نمر عليك فإن نازعك فاجتز رأسه، قال: ثم مضينا حتى أتينا بطن الكديد فنزلناه عشيشة بعد العصر، فبعثني أصحابي في ربيئة فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه وذلك قبل المغرب، فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحًا على التل فقال لامرأته: والله إني لأرى على هذا التل سوادًا ما رأيته أول النهار فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك، قال: فنظرت فقالت: لا والله ما أفقد شيئًا، قال: فناوليني قوسًا وسهمين من نبلي، قال: فناوَلَتْه، فرماني بسهم فوضعه في جنبي، قال: فنزعته فوضعته ولم أتحرك، ثم رماني بآخر فوضعه في رأس منكبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك، فقال لامرأته: والله لقد خالطه سهمان ولو كان دابة لتحرك فإذا أصبحتِ فابتغي سهميّ فخذيهما لا تمضغهما عليَّ الكلاب، قال: وأمهلناهم حتى راحت
(1)"مسند أحمد"(3/ 467 رقم 15882).
رائحتهم، حتى إذا احتلبوا وعطنوا وسكتوا وذهبت عتمة من الليل؛ شننا عليهم الغارة، فقتلنا من قتلنا منهم واستقنا النعم، فتوجهنا قافلين، وخرج صريخ القوم إلى قومهم مغوثًا، وخرجنا سراعًا حتى نمر بالحارث ابن البرصاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا، وأتانا صريح الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي؛ أقبل سيل حال بيننا وبينهم بعثه الله تعالى من حيث شاء، ما رأينا قبل ذلك مطرًا ولا حالاً، فجاء بما لا يقدر أحد على أن يقدم عليه، فلقد رأيناهم وقوفًا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يتقدم ونحن نجوزها سراعًا حتى أسندناها في المشلل، ثم حدرناها عنا، فأعجزنا القوم بما في أيدينا".
وأخرجه أبو داود مختصرًا (1): نا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبي معمر، [قال: ثنا عبد الوارث] (2)، قال: نا محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله، عن جندب بن مُكَيث قال:"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن غالب الليثي في سرية وكنت فيهم، وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد، فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي فأخذناه، فقال: إنما جئت أريد الإِسلام، وإنما خرجت إلى رسول الله عليه السلام، فقلنا: إن تك مسلمًا لم يضرك رباطنا يومًا وليلة، وإن تك غير ذلك نستوثق منك، فشددناه وثاقًا".
قوله: "أن نشن الغارة" الشن -بالشين المعجمة-: الصب المتقطع، والسَّن -بالسين المهملة-: الصب المتصل، والمعنى ها هنا: أن نفرق الغارة عليهم من جميع جهاتهم.
وقال الأزهري: يقال: شننا الغارة عليهم أي فرقناها. وقال غيره: شن الماء على الشراب: فَرَّقه عليه، ومنه قيل: شن عليهم الغارة وأشن إذا فرقها عليهم. والغارة: اسم من الإغارة.
(1)"سنن أبي داود"(3/ 56 رقم 2678).
(2)
تكررت في "الأصل".
وذكر النمري: أن هذه السرية كانت سنة خمس من الهجرة وكانوا ستين راكبًا.
وذكر الواقدي أنه كان مع غالب بن عبد الله مائة وثلاثون رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم.
وذكر ابن إسحاق أن هذه السرية إنما كانت في سنة سبع من الهجرة، والله أعلم.
قوله: "على بني المُلَوِّح" بضم الميم وتشديد الواو المكسورة وفي آخره حاء مهملة، وهم بطن [.......](1).
قوله: "بالكديد" أي فيها، وهو موضع عند قديد من أرض عسفان.
قوله: "وعَطَّنوا" بتشديد الطاء المهملة: أي أراحوا مواشيهم في أماكنها.
قوله: "نيامًا" جمع نائم، وانتصابه على الحال من الضمير الذي في "اطمأنوا".
ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: جاء أبو العالية إليَّ وإلى صاحب لي، فانطلقنا معه حتى أتينا نصر بن عاصم الليثي، قال أبو العالية: حَدِّث هذين حديثَكَ، قال: ثنا عقبة بن مالك الليثي، قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم بسرية فأغارت على القوم، فشذّ رجل واتبعه رجل من السرية
…
" ثم ذكر حديثًا طويلاً أوردنا منه ما فيه من ذكر الغارة.
ش: سليمان بن المغيرة القيسي البصري، روى له الجماعة.
وحميد بن هلال بن هبيرة البصري، روى له الجماعة.
وأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي البصري، روى له الجماعة.
ونصر بن عاصم الليثي البصري، روى له الجماعة غير الترمذي، ولكن البخاري في غير "الصحيح".
وعقبة بن مالك الليثي له صحبة، عداده في أهل البصرة.
والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا المقدام بن داود، قال: ثنا أسد
(1) بيض له المؤلف رحمه الله.
(2)
"المعجم الكبير"(17/ 355 رقم 980).
ابن موسى، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: "أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي، فقال: هلما فأنتما أشب مني وأوعى للحديث مِني، فانطلق بنا حتى أتى بنا بشر بن عاصم الليثي، فقال: حدث هذين حديثك، فقال بشر: حدثنا عقبة بن مالك -وكان من رهطه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم، فشذ رجل من القوم فأتبعه رجل من أهل السرية ومعه السيف شاهره، فقال الشاذ من القوم: إني مسلم، فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله. فنمى الحديث إلى رسول الله عليه السلام فقال فيه قولاً شديدًا بلغ القاتل، قال: فبينا رسول الله عليه السلام يخطب؛ إذ قال القاتل: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل، فأعرض عنه رسول الله عليه السلام وعمن قِبَله من الناس وأخذ في خطبته، ثم قال الثانية: والله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن قِبَله من الناس وأخذ في خطبته، ثم لم يصبر أن قال في الثالثة: والله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل.
فأقبل عليه رسول الله عليه السلام تُعرف المساءة في وجهه، ثم قال: إن الله أبى عليَّ فيمن قتل مؤمنًا. قالها ثلاثًا".
قوله: "فشذّ" بالشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة: أي هرب وندّ.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال:"لما قربنا من المشركين؛ أمرنا أبو بكر رضي الله عنه فشننا عليهم الغارة".
ش: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن مرزوق.
وأخرجه مسلم بأتم منه (1): ثنا زهير بن حرب، قال: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي قال: "غزونا فزارة وعلينا أبو بكر رضي الله عنه أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، فلما كان بيننا
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1375 رقم 1755).
وبين الماء ساعة أَمَرَنا أبو بكر رضي الله عنه فعرسنا، ثم شن الغارة فورد الماء وقتل من قتل عليه وسبي، وانظر إلى عنق من الناس فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقونني إلى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا فجئت بهم أسوقهم، وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم -قال: القشع: النِّطْع- معها ابنة لها من أحسن العرب فسقتهم حتى أتيت بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه، فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبًا، فلقيني رسول الله عليه السلام في السوق فقال: يا سلمة هب لي المرأة، فقلت: يا رسول الله، والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبًا، ثم لقيني رسول الله عليه السلام من الغد في السوق فقال: يا سلمة هب لي المرأة؛ لله أبوك، فقلت: هي لك يا رسول الله، فوالله ما كشفت لها ثوبًا، فبعث بها رسول الله عليه السلام إلى أهل مكة ففدى بها ناسًا من المسلمين كانوا أُسِروا بمكة".
وأخرجه أبو داود (1): عن هارون بن عبد الله، عن هاشم بن القاسم، عن عكرمة، عن إياس بن سلمة، عن أبيه
…
إلى آخره نحوه.
ص: ففي هذه الآثار أمر رسول الله عليه السلام بالغارة، والغارة لا تكون وقد تقدمها الدعاء والانذار، فيحتمل أن يكون أحد الأمرين مما روينا ناسخٌ للآخر، فنظرنا في ذلك؛ فإذا يزيد بن سنان قد حدثنا، قال: ثنا سعيد بن سفيان الجحدري (ح).
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا بكر بن بكار (ح).
وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا إسحاق الضرير، قالوا: ثنا عبد الله بن عون قال: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فقال: إنما كان ذلك في أول الإسلام، أغار رسول الله عليه السلام على بني المصطلق وهم غَارُّون وأنعامهم على الماء، فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم، ثم أصاب يومئذٍ جويرية بنت الحارث".
وحدثني بهذا الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وكان معهم في ذلك الجيش.
(1)"سنن أبي داود"(3/ 64 رقم 2697).
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ابن عون مثله.
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال:"كل ذلك قد كان؛ قد كنا ندعوا، وكنا لا ندعوا".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: أنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، أخبرهم عن أبي عثمان النهدي قال:"كنا نغزوا فندعوا ولا ندعوا".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا مبارك، قال: كان الحسن يقول: "ليس على الروم دعوة؛ لأنهم قد دعوا".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن أبي حمزة، قال: قلت لإبراهيم: "إن ناسًا يقولون: إن المشركين ينبغي أن يُدْعَوا، فقال: قد علمت الروم على ما يقاتلون، وقد علمت الديلم على ما يقاتلون".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن منصور قال:"سألت إبراهيم عن دعاء الديلم، فقال: قد علموا ما الدعاء".
فأمر بالدعاء ليكون تبليغًا لهم وإعلامًا لهم ما يقاتلون عليه، فبيَّن ما روينا من هذا أن الدعاء إنما كان في أول الإسلام؛ لأن الناس حينئذٍ لم تكن الدعوة بلغتهم، ولم يكونوا يعلمون ما يقاتلون عليه، فأمر بالدعاء ليكون ذلك تبليغًا لهم وإعلامًا لهم على ما يقاتلون عليه، ثم أمر بالغارة على آخرين فلم يكن ذلك إلا لمعنى لم يحتاجوا معه إلى الدعاء؛ لأنهم قد علموا ما يدعون إليه لو دعوا وما لو أجابوا إليه لم يقاتلوا، فلا معنى للدعاء.
وهكذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله يقولون: كل قوم قد بلغتهم الدعوة فلا ينبغي قتالهم حتى يتبين لهم المعنى الذي عليه يقاتلون، والمعنى الذي إليه يُدعون.
ش: أشار بهذا الكلام إلى أن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة، بيان ذلك أن أحاديثهم تدل على وجوب الدعاء قبل القتال، والأحاديث اقي احتجت بها أهل المقالة الثانية أمر فيها رسول الله عليه السلام بالغارة، والغارة لا تكون وقد تقدمها الدعاء والإنذار.
فثبت بهذا أن بين هذه الأحاديث تعارضًا، ودفعه لا يكون إلا بأن يكون أحد الأمرين من هذه الأحاديث ناسخًا للآخر، فاعتبرنا ذلك، فوجدنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي روى عنه مولاه نافع يدل على أن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة؛ وذلك لأنه صرح فيه بقوله:"إنما ذلك في أول الإِسلام". أراد أن الدعاء قبل القتال كان في أول الإِسلام وفي بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وظهور الإِسلام، فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة فاستغني بذلك عن الدعاء عند القتال.
قال أحمد رحمه الله: كان النبي عليه السلام يدعو إلى الإِسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإِسلام، ولا أعرف اليوم أحدًا يدعى، قد بلغت الدعوة كل أحد.
ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من أربع طرق صحاح:
الأول: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي، عن سعيد بن سفيان الجَحْدري البصري، عن عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري قال: "كتبت إلى نافع
…
" إلى آخره.
وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال: نا سليم بن أخضر، عن ابن عون، قال:"كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إليَّ: إنما كان ذلك في أول الإِسلام، قد أغار رسول الله عليه السلام على بني المصطلق وهم غارّون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذٍ -قال يحيى: أحسبه قال-: جويرية بنة الحارث".
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1356 رقم 1730).
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن بكر بن بكار القيسي، عن عبد الله بن عون
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عيسى بن يونس، عن ابن عون، قال:"كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين، قال: فكتب إليَّ: أخبرني ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غَارُّون ونعمهم تسقى على الماء، وكانت جويرية بنت الحارث مما أصاب، قال: وكنت في الخيل".
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن إسحاق بن يوسف الأزرق البصري شيخ أحمد، عن عبد الله بن عون
…
إلى آخره.
وأخرجه البخاري (2): من حديث عبد الله بن المبارك، عن ابن عون قال: "كتبت إلى نافع
…
" إلى آخره.
الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا، عن بشر بن عمر الزهراني، عن حماد بن زيد، عن عبد الله بن عون
…
إلى آخره.
قوله: "بنو المصطلق" وهم بنو جذيمة بن كعب بن خزاعة، فجذيمة هو المصطلق، وهو مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت.
قوله: "وهم غارون" أي غافلون، والواو فيه للحال، وكذلك الواو في قوله:"وأنعامهم" وهو جمع نعم وهي المال الراعية وأكثر ما تطلق على الإبل.
وأما الذي روي عن أبي عثمان النهدي فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن روح بن الفرج القطان شيخ الطبراني، عن عمرو بن خالد بن فروخ الحراني شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن سليمان بن طرخان التيمي، عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مَلّ النهدي.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 477 رقم 33070).
(2)
"صحيح البخاري"(2/ 898 رقم 2403).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا إسماعيل بن علية، عن التيمي، عن أبي عثمان النهدي أنه قال:"دعاء المشركين قبل القتال، كنا ندعوهم وندع".
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير، عن حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا (2): عن وكيع، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال:"كنا ندعوا وندع".
وأما الذي روي عن الحسن البصري: فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن مبارك بن فضالة القرشي، عن الحسن البصري.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا وكيع، قال: ثنا أبو هلال، عن الحسن:"أنه سئل عن العدو هل يدعون قبل القتال؟ قال: قد بلغهم الإِسلام منذ بعث الله محمدًا عليه السلام".
قوله: "ليس على الروم دعوة" بضم الدال، وبفتحها: الدعوة إلى الطعام، وبكسرها: الدعوة في النسب.
وأما الذي روي عن إبراهيم النخعي: فأخرجه من طريقين:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن محمد بن طلحة بن يزيد الحجازي (4)، عن أبي حمزة ميمون الأعور، عن إبراهيم النخعي.
قال الترمذي: ميمون الأعور ضعيف.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 476 رقم 33064).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 476 رقم 33065).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 476 رقم 33069).
(4)
كذا قال، وهو وهم، والصواب محمد بن طلحة بن مصرف اليامي فهو الذي يروي عن أبي حمزة ميمون الأعور كما في "تهذيب الكمال"، وأما محمد بن طلحة بن يزيد فهو ابن ركانة وهو أعلى من هذا.
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي.
وهذا إسناد صحيح.
قوله: "عن دعاء الديلم" قال الجوهري: الديلم: جيل من الناس.
قلت: الديلم طائفة من الفرس وهم سكان الجبال في أرض طبرستان، وهي جبال منيفة إلى الغاية والنهاية.
ص: وقد تكلم الناس في المرتد عن الإسلام أيستتاب أم لا؟ فقال قوم: إن استتاب الإِمام المرتد فهو أحسن فإن تاب وإلا قتله، وممن قال ذلك: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.
وقال آخرون: لا يستتاب، وجعلوا حكمه حكم الحربيين على ما ذكرنا من بلوغ الدعوة إياهم وفي تقصيرها عنهم، وقالوا: إنما تجب الاستتابة لمن خرج عن الإِسلام لا عن بصيرة منه به، فأما من خرج عنه إلى غيره على بصيرة منه فإنه يقتل ولا يستتاب، وهذا قولٌ قد قال به أبو يوسف في كتاب "الإملاء" فقال: أقتله ولا أستتيبه إلا إنه إن بدرني بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله عز وجل.
وقد حدثنا سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن أبي يوسف بذلك أيضًا.
ش: إنما ذكر حكم المرتد واختلاف الناس فيه والآثار الواردة فيه استطرادًا لما ذكره من الخلاف في وجوب الدعوة قبل القتال مع الكفار وعدم وجوبها.
والهمزة في قوله: "أَيُسْتَتَاب" للاستفهام، وهو على صيغة المجهول من الاستتابة، وهي طلب التوبة.
قوله: "فقال قوم" أراد بهم: عمر بن عبد العزيز والشعبي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي في قول، فإنهم قالوا: حكم المرتد أن يقتل، وعرض الإِسلام عليه ليس بواجب؛ لأنه قد بلغته الدعوة، ولكن الإِمام إن استتابه فحسن، فإن تاب قبلت توبته وإلا يقتل.
قوله: "وقال آخرون" أي جماعة آخرون: "لا يستتاب المرتد بل يقتل"، وأراد بهؤلاء: الحسن البصري والليث بن سعد وسفيان بن محمد بن الجراد. ومذهبهم منقول عن أنس رضي الله عنه.
وقال أبو بكر الرازي: وقال الليث: الناس لا يستتيبون مَن وُلد في الإِسلام إذا شُهد عليه بالردة، ولكنه يقتل تاب في ذلك أو لم يتب إذا كانت البينة العادلة.
وقال الشافعي: يستتاب المرتد ظاهرًا، والزنديق إن تاب قُبل وإن لم يتب قُتل، وفي الاستتابة ثلاثًا، قولان.
وقال أيضًا: اختلف في استتابة المرتد والزنديق، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر في الأصل: لا يقتل المرتد حتى يستتاب، ومَن قتل مرتدًّا قبل أن يستتاب فلا ضمان عليه.
وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف في الزنديق الذي يُظهر الإِسلام: قال أبو حنيفة: أستتيبه كالمرتد، فإن أسلم خَلَّيْت سبيله، وإن أبى قتلته. وقال أبو يوسف بذلك زمانًا فلما رأى ما يصنع الزنادقة ويعودون قال: أرى إذا أُتيت بزنديق أمرت بضرب عنقه ولا أستتيبه، فإن تاب قبل أن أقتله خَلَّيْته.
وذكر سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن أبي يوسف قال: إذا زعم الزنديق أنه قد تاب حبسته حتى أعلم توبته.
وذكر محمد في "السير" عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة: أن المرتد يُعْرَض عليه الإِسلام، فإن أسلم وإلا قتل مكانه، إلا أن يَطْلب أن يؤجل، فإن طلب ذلك أُجِّل ثلاثة أيام؛ ولم يحك خلافًا.
وقال ابن حزم في "المحلى" ما ملخصه: إن الناس اختلفوا في حكم المرتد، فقالت طائفة: لا يستتاب. وهو قول أبي موسى الأشعري وأنس بن مالك وطاوس وعبيد ابن عمير والحسن البصري.
وقالت طائفة: يستتاب مرة، فإن تاب وإلا قتل؛ وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه، قالوا: إلا أن يطلب أن يؤجل، فإن طلب ذلك أُجِّلَ ثلاثة أيام فقط.
وقالت طائفة: يستتاب ثلاث مرات. وهو قول عثمان بن عفان والزهري.
وقالت طائفة: يستتاب مائة مرة. وهو قول الحسن بن حي.
وقالت طائفة: يستتاب شهرًا. وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وروي أيضًا عن مالك وعن بعض أهل مذهبه.
وقالت طائفة: يستتاب شهرين.
وقالت طائفة: يستتاب أبدًا دون قتل.
وقالت طائفة: يستتاب أربعين يومًا.
وقالت طائفة: يُفرق بين المُسر والمعلن، واستدلوا بما روي عن علي رضي الله عنه "أنه أتى بأناس من الزنادقة ارتدُّوا عن الإِسلام، فسألهم فجحدوا، فقامت عليهم البينة العدول، فقتلهم ولم يستتبهم، وأتي برجل كان نصرانيًّا فأسلم ثم رجع عن الإِسلام، فسأله فأقرَّ بما كان منه فاستتابه فتاب فتركه، فقيل له: كيف استتبت هذا ولم تستتب أولئك؟! قال: إن هذا أقر بما كان منه، وإن أولئك لم يقروا وجحدوا حتى قامت عليهم البينة؛ فلذلك لم أستتبهم".
وعن ابن شهاب أنه قال في الزنديق: "إما هو جاحد وقد قامت عليه البينة فإنه يقتل ولا يستتاب، وإما هو جاء تائبًا معترفًا فإنه يترك".
وبه يقول مالك والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق واحد قولي أبا حنيفة وأبي يوسف، وقد روي عن أحمد التوقف فيه.
وقال الشافعي وعبيد الله بن الحسن وأبو حنيفة وأصحابه في أحد قولهم: يستتاب المُسِر كما يستتاب المُعْلن، وتقبل توبتهما معًا.
وقال ابن حزم: وقال أصحابنا: إن أقرَّ بعد جحوده وصِدْق البينة قبلنا توبته، وإن تمادى على الإنكار قتل ولابد.
وقالت طائفة: يُفرَّق بين من ارتد ثم رجع ثلاث مرات، وبين من ارتدَّ إلى أربعة، فرأوا أن يقتل في الرابعة ولا تقبل توبته. وهو قول إسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة: يُفرَّق بين من أسلم وعرف شرائع الإِسلام وبين من أسلم ولم يعرف شرائع الإِسلام. ويروى نحو هذا عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.
وقالت طائفة: يُفرَّق بين من صلى ومن لم يصلّ. وهو قول عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك؛ فإنه قال: من أسلم من أهل الكفر إلا أنه لم يصل فإنه يترك والرجوع إلى دينه متى شاء ولا يمنع إلا أن يصلي، فإن صلى فحينئذٍ يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل.
وقالت طائفة: يُفرَّق بين الرجل والمرأة، فكما روينا عن ابن عباس قال:"المرتدة تحبس ولا تقتل". وعن الحسن البصري: "المرتدة تباع وتكره". كذلك فعل أبو بكر بنساء أهل الردة وباعهن.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في المرتدة: "تستأمى"، أي تجعل أمةً، وعن الزهري أنها تستتاب، فإن تابت إلا قتلت. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وأبو سليمان وجميع أصحابهم، وهو أحد قولي أبي يوسف، ثم رجع عنه، وهو قول ابن أبي ليلى وعثمان البتي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهم.
قلت: مذهب أبي حنيفة وأصحابه في المرتدة أنها لا تقتل، ولكنها تحبس وتجبر على الإِسلام بالضرب في كل يوم مبالغة في الإلجاء إلى الإِسلام؛ لأنه عليه السلام نهى عن قتل النساء.
ص: وقد روي في استتابة المرتد وتركها عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه السلام، فمن ذلك ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أنا هشيم،
عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: حدثني أنس بن مالك قال: "لمَّا فتحنا تُسْتَر بعثني أبو موسى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فلمَّا قدمت عليه قال: ما فعل حجينة وأصحابه؟ وكانوا ارتدُّوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين فقتلهم المسلمون، فأخذت معه في حديث آخر، فقال: ما فعل النفر البكريّون؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنهم ارتدُّوا ولحقوا بالمشركين فقتلوا، فقال عمر رضي الله عنه: لأن يكون أخذتهم سَلمًا أحب إليَّ من كذا وكذا، فقلت: يا أمير المؤمنين ما كان سبيلهم لو أخذتهم سلمًا إلا القتل؟! قومٌ ارتدُّوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين، فقال: لو أخذتهم سَلماً لعرضت عليهم الباب الذي خرجوا منه؛ فإن رجعوا وإلا استودعتهم السجن".
ش: لما ذكر اختلاف العلماء في استتابة المرتد وتركها ذكر ما روي في الخلاف أيضًا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
فمن ذلك: ما أخرجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد صحيح: عن إبراهيم ابن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن عون بن أوس الواسطي البزاز شيخ البخاري في غير الصحيح، عن هشيم بن بشير، عن داود بن أبي هند دينار البصري، عن عامر الشعبي، عن أنس بن مالك.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن داود ابن [أبي](2) هند، قال: ثنا عامر، أن أنس بن مالك حدَّثه: "أن نفرًا من بكر بن وائل ارتدُّوا عن الإِسلام ولحقوا بالمشركين فقتلوا في القتال، فلما أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح تستر قال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: فعرضت في حديث آخرٍ لأشغله عن ذكرهم، قال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: قلت: قتُلوا يا أمير المؤمنين، قال: لو كنت أخذتهم سَلمًا كان أحب
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 438 رقم 32737).
(2)
سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "المصنف".
إليَّ مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء، قال: قلت: يا أمير المؤمنين وما كان سبيلهم لو أخذتهم إلا القتل؟! قومٌ ارتدُّوا عن الإِسلام ولحقوا بالشرك؟ قال: كنت أعرض أن يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوا استودعتهم السجن".
قوله: "لما فتحنا تُسْتَر" بضم التاء المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية وفي آخرها راء مهملة، وتسميها العامة ششتر -بالشينين المعجمتين- وهي مدينة من كور الأهواز وبها قبر البراء بن مالك رضي الله عنه، وفتحت تُستر في سنة سبع عشرة من الهجرة - في قول سيف -وقال غيره: في سنة تسع عشرة.
قوله: "ما فعل حجينة"[..........](1).
قوله: "ما فعل النفر البكريُّون" أراد بهم النفر الذين كانوا من بكر بن وائل.
واحتج به من قال: إن المرتد يستتاب أبدًا ولا يقتل.
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة قال:"أخذ بالكوفة رجال يفشون حديث مسيلمة الكذاب لعنه الله، فكتبت فيهم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكتب عثمان رضي الله عنه أن اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فمن قبلها وتبرَّأ من مسيلمة فلا تقتله، ومن لزم دين مسيلمة فاقتله، فقبلها رجال منهم فَتُركوا، ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا".
ش: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح.
ويونس الأول هو ابن عبد الأعلى، والثاني هو ابن يزيد الأيلي.
وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
وعبيد الله بن عتبة هو عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني الفقيه الأعمى، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة.
(1) بيض له المصنف رحمه الله.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث يونس، عن الزهري
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي، وفي آخره:"فهذا يدل على أن المرتد يعرض عليه الإِسلام قبل القتل، فإن تاب ترك وإلا قتل".
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن جده قال: "لما افتتح سعد وأبو موسى رضي الله عنهما تُستَر أرسل أبو موسى رسولاً إلى عمر رضي الله عنه
…
فذكر حديثًا طويلًا. قال: "ثم أقبل عمر على الرسول فقال: هل كانت عندكم من مغربة خبر؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أخذنا رجلاً من العرب كَفَرَ بعد إسلامه، قال عمر رضي الله عنه: فما صنعتم به؟ قال: قدمناه فضربنا عنقه، قال عمر رضي الله عنه: أفلا أدخلتموه بيتًا ثم طينتم عليه ثم رميتم إليه برغيف ثلاثة أيام لعله أن يتوب أو يُراجع أمر الله، اللهم إني لم آمر، ولم أشهد، ولم أرض إذ بلغني".
ش: إسناده صحيح.
ويعقوب بن [عبد الرحمن بن محمد القاري المدني روى له الجماعة سوى ابن ماجه.
وأبوه: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد، وثقه ابن حبان. وجده: محمد ابن عبد الله القاري، وثقه ابن حبان.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(2): من حديث مجزأة بن ثور: "أنه قدم على عمر رضي الله عنه يبشره بفتح تستر، فقال له عمر رضي الله عنه: هل كانت مغربة تخبرنا بها؟ قال: لا، إلا أن رجلاً من العرب ارتدّ فضربنا عنقه. قال عمر رضي الله عنه: وَيْحَكُمْ، فهلَّا طينتم عليه بابًا وفتحتم له كوة فأطعمتموه منها كل يوم رغيفًا وسقيتموه كوزًا
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(8/ 201 رقم 16629).
(2)
"المحلى"(11/ 191).
من ماء ثلاثة أيام ثم عرضتم عليه الإِسلام في الثلاث فلعله أن يراجع؟ اللهم لم أحضر، ولم آمر، ولم أعلم".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال:"لما قدم علي عمر رضي الله عنه فتح تستر -وتستر من أرض البصرة- سألهم: هل من مغربة؟ قالوا: رجل من المسلمين لحق بالمشركين فأخذناه. قال: ما صنعتم به؟ قالوا: قتلناه. قال: أفلا أدخلتموه بيتًا وأغلقتم عليه بابًا وأطعمتموه كل يوم رغيفًا ثم استتبتموه ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتلتموه؟! ثم قال: اللهم لم أشهد، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني -أو قال: حين بلغني-".
قوله: "هل كانت عندكم من مُغَرِّبة خبر" أي هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد؟ يقال: هل من مُغَرِّبة خَبَر -بكسر الراء وفتحها- مع الإضافة فيهما، وهو من الغَرْب: البعد وشَأْوُ مُغَرِّب ومُغَرَّب أي بعيد.
فهذا يدل على أن المرتد يؤجل له ثلاثة أيام يستتاب فيها، فإن تاب وإلا قتل، وبهذا قال أصحابنا كما ذكرناه.
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه، عن جده أنه قال: "قدم على عمر رضي الله عنه رجل من قبل أبي موسى رضي الله عنه
…
" ثم ذكر نحوه.
فهذا سعد وأبو موسى رضي الله عنهما لم يستتيباه، وأحب عمر رضي الله عنه أن لو استتيب، فقد يحتمل أن يكون ذلك لأنه كان يرجو له التوبة، ولم يوجب عليهم بقتلهم شيئًا؛ لأنهم فعلوا ما لهم أن يروه ففعلوه، وإن خالف رأي إمامهم.
ش: إسناده صحيح.
و"القاريّ": بتشديد الياء نسبة إلى قارة وهي قبيلة وهم عضل والديش أبناء الهون بن خزيمة؛ سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 562 رقم 289985).
والأثر أخرجه مالك في "موطإه"(1) والبيهقي في "سننه"(2): من حديث مالك، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري، عن أبيه قال:"قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى، فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مُغَرِّبة خبر؟ فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال: فَهَلَّا حبستموه ثلاثًا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله؟! اللهم إني لم أحضر، ولم آمركم، ولم أرض إذ بلغني".
وقال البيهقي: قال الشافعي: من قال: لا يتأنى به زعم أن الذي روي عن عمر رضي الله عنه في حبسه ثلاثًا ليس بثابت؛ لانقطاعه، وإن كان ثابتًا لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئًا.
قوله: "فهذا سعد" أراد به سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان (ح).
وحدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا علي بن معبد، قالا: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا عاصم بن بهدلة، قال: حدثني أبو وائل، قال: حدثني ابن مُعَيز السعدي، قال: "خرجت أسقد فرسًا لي بالسحر، فمررت على مسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يشهدون أن مسيلمة رسول الله، قال: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فذكرت له أمرهم، فبعث الشُّرَط، فأخذوهم، فجيء بهم إليه، فتابوا ورجعوا عما قالوا، وقالوا: لا نعود، فخلى سبيلهم، وقدم رجلاً منهم يقال له: عبد الله بن] (3) النواحة فضرب عنقه، فقال الناس: أخذت قومًا في أمر واحد فخليت سبيل بعضهم وقتلت بعضهم؟! فقال: كنت عند رسول الله عليه السلام جالسًا فجاء ابن النواحة ورجل معه يقال له: حجر بن وثال، وافد من عند
(1)"موطأ مالك"(2/ 737 رقم 1414).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(8/ 206 رقم؟؟؟).
(3)
طمس في "الأصل" بمقدار لوحة، والمثبت من "ك".
مسيلمة، فقال لهما رسول الله عليه السلام: أتشهدان أني رسول الله؟ فقالا: أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله؟ فقال لهما: أمنت بالله وبرسوله، لو كنت قاتلاً وفدًا لقتلتكما. فلذلك قتلت هذا".
فهذا عبد الله بن مسعود قد قتل ابن النواحة ولم يقبل توبته؛ إذ علم أنه هكذا خُلُقه يظهر التوبة إذ ظُفر ثم يعود إلى ما كان عليه إذا خُلى.
ش: هذان طريقان:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن أبي بكر بن عياش -بالياء آخر الحروف والشين المعجمة- بن سالم الحنَّاط الكوفي المقرئ روى له الجماعة، مسلم في مقدمة كتابه.
عن عاصم بن بهدلة الكوفي أبي بكر المقرئ روى له الشيخان مقرونًا بغيره.
عن أبي وائل شقيق بن سلمة روى له الجماعة، عن ابن مُعَيْز -بضم الميم وفتح العين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي معجمة- أدرك النبي عليه السلام ولم يره.
ذكره ابن الأثير في "الصحابة".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): من وجه آخر قال: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال:"خرج رجل يطرق فرسًا له، فمر بمسجد بني حنيفة فصلى فيه، فقرأ إمامهم بكلام مسيلمة الكذاب، فأتى بن مسعود رضي الله عنه فأخبره، فبعث إليهم، فجاء بهم فاستتابهم فتابوا إلا عبد الله بن النواحة فإنه قال له: يا عبد الله لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أنك رسول لضربت عنقك، فأما اليوم فلست برسول؛ يا خرشة قم فاضرب عنقه، فقام فضرب عنقه".
ثنا (2) وكيع، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: "جاء رجل إلى ابن
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 439 رقم 32742).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 439 رقم 32743).
مسعود فقال: إني مررت بمسجد بني حنيفة فسمعت إمامهم يقرأ بقراءةٍ ما أنزلها الله على محمد عليه السلام فسمعته يقول: الطاحنات طحنًا فالعاجنات عجنًا فالخابزات خبزًا فالثاردات ثردًا فاللاقمات لقمًا، قال: فأرسل عبد الله فأتي بهم سبعين ومائة رجل على دين مسيلمة، إمامهم عبد الله بن النواحة، فأمر به فقتل، ثم نظر إلى بقيتهم فقال: ما نحن بمحرري الشيطان، هؤلاء سائر القوم رحلوهم إلى الشام، لعل الله أن يفنيهم بالطاعون".
الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن علي بن معبد بن شداد الرقي أحد أصحاب محمد بن الحسن، عن أبي بكر بن عياش
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث أبي عوانة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال:"صليت الغداة مع ابن مسعود رضي الله عنه، فقام رجل فأخبر أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة مسجد عبد الله بن النواحة فسمع مؤذنهم يشهد أن لا إله إلا الله وأن مسيلمة رسول الله، وأنه سمع أهل المسجد على ذلك، فقال عبد الله: مَن ها هنا؟ فوثب نفر، فقال: عليَّ بابن النواحة وأصحابه، فجيء بهم وأنا جالس، فقال لابن النواحة: أين ما كنت تقرأ من القرآن؟ قال: كنت أتقيكم به، قال: فتب، فأبى، فأمر قرظة بن كعب الأنصاري فأخرجه إلى السوق فضرب رأسه، فسمعت عبد الله يقول: من سرَّه أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلاً فليخرج، فكنت فيمن خرج، فإذا هو قد جُرِّد، ثم إن ابن مسعود قد استشار الناس في أولئك النفر فأشار عليه عديّ بن حاتم بقتلهم، فقام جرير والأشعث فقالا: بل استتبهم وكفلهم عشائرهم، فاستتابهم فتابوا، وكَفَلَهُم عشائرهم".
قوله: "أُسَقِّد فرسًا لي" أي أُضمِّره، يقال: أسقَد فرسه وسقده، قال ابن الأثير: هكذا أخرجه الزمخشري عن ابن السعدي، وأخرجه الهروي عن أبي وائل، ويروى
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(8/ 206 رقم؟؟؟).
بالفاء والراء من التسفير ومعناه: أنه خرج يدمنه على السير ويروضه ليقوى على السفر، وقيل: من سفرت البعير إذا رعيته السفير وهو أسافل الزرع.
قوله: "فبعت الشَّرَط" بفتح الشين والراء، قال ابن الأثير: شَرَط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، قال ابن الأعرابي: هم الشَّرَط والنسبة إليهم شَرَطي، والشُّرْطَة والنسبة إليهم شُرْطي.
وقال الجوهري: قال الأصمعي: ومنه سمي الشَّرَط؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، الواحد شُرْطة وشُرْطي، وقال أبو عبيدة: سمّوا شَرَطًا لأنهم أُعدوا.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: ثنا صالح ابن عمر، قال: ثنا مطرف، عن أبي الجهم، عن البراء:"أن عليًّا رضي الله عنه بعثه إلى أهل النهر فدعاهم ثلاثًا".
ش: سعيد بن سليمان المعروف بسعدويه شيخ البخاري وأبي داود.
وصالح بن عمر الواسطي وثقه أبو زرعة وغيره، وروى له مسلم.
ومطرف بن طريف الحارثي روى له الجماعة.
وأبو الجهم اسمه سليمان بن الجهم الأنصاري الحارثي الجوزجاني مولى البراء بن عازب، وثقه ابن حبان، وقال ابن المديني: لا أعلم أحدًا روى عنه غير مطرف.
قوله: "إلى أهل النهر" أراد بها النهروان وهي عن بغداد على أربعة فراسخ، وكانت مدينة قديمة، ولما ارتدَّ أهلها بعث علي بن أبي طالب البراء بن عازب رضي الله عنهما إليهم فدعاهم ثلاثة أيام".
فهذا يصلح حجة لأبي حنيفة وأصحابه في استتابة المرتد والصبر عليه إلى ثلاثة أيام.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن عمر بن قيس الماصر، عن زيد بن وهب قال: "أقبل علي رضي الله عنه حتى نزل
بذي قار، فأرسل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى أهل الكوفة، فأبطئوا عليه، ثم أتاهم عمار رضي الله عنه فخرجوا، قال زيد: فكنت فيمن خرج معه قال: فكف عن طلحة والزبير وأصحابهم ودعاهم، حتى بدءوه فقاتلهم".
ش: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
والماصر لقب عمر بن قيس.
وزيد بن وهب الجهني الكوفي رحل إلى النبي عليه السلام فقبض وهو في الطريق، وعن يحيى وابن خراش: كوفي ثقة، دخل الشام. روى له الجماعة.
قوله: "بذي قار" بالقاف والراء المهملة: هو موضع به ماء معروف وكان به يوم من أعظم أيام العرب وأشهرها لبني شيبان على الأعاجم. وكان الملك أبراويز غزاهم جيشًا، فظفرت به بنو شيبان وكان سببه قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدي بن زيد العبادي، والقصة مشهورة، وهو أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم.
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا شريك بن عبد الله، عن جابر، عن الشعبي:"أن رجلاً كان نصرانيًّا فأسلم ثم تنصر، فأتي به علي رضي الله عنه فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: وجدت دينهم خيرًا من دينكم. فقال له: ما تقول في عيسى صلوات الله عليه وسلامه؟ قال: هو ربي -أو هو رب علي- فقال: اقتلوه، فقتله الناس، فقال علي بعد ذلك: إن كنت لمستتيبه ثلاثًا، ثم قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} (1) ".
ش: رجاله ثقات غير جابر الجعفي؛ فإن فيه كلامًا كثيرًا.
والشعبي هو عامر بن شراحيل.
وأخرجه البيهقي (2): من حديث الثوري، عن جابر، عن الشعبي، عن
(1) سورة النساء، آية:[137].
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 254 رقم 16666).
علي رضي الله عنه: "يستتاب المرتد ثلاثاً، ثم قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} (1) ".
وأخرج ابن حزم (2) من طريق عبد الرزاق قال: "أتي علي بن أبي طالب رضي الله عنه بشيخ كان نصرانيًّا ثم أسلم، ثم ارتد عن الإِسلام، فقال له علي رضي الله عنه: لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الإِسلام؟ قال: لا، قال: فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها فأردت أن تزَّوجها ثم تعود إلى الإِسلام؟ قال: لا، قال: فأرجع إلى الإِسلام، قال: لا، حتى ألقى المسيح، قال: فأمر به فضربت عنقه ودفع ميراثه إلى ولده المسلمين".
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا سليمان بن معاذ الضبي، عن عمار بن أبي معاوية الدهني، عن أبي الطفيل:"أن قومًا ارتدُّوا وكانوا نصارى، فبعث إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه معقل بن قيس التميمي فقال لهم: إذا حككت رأسي فاقتلوا المقاتلة واسبوا الذرية، فأتي علي بطائفة منهم فقال: من أنتم؟ فقالوا: كنا قومًا نصارى فخيرنا بين الإِسلام وبين ديننا فاخترنا الإسلام، ثم رأينا أن لا دين أفضل من ديننا الذي كنا عليه فنحن نصارى، فحكّ رأسه فقتلت المقاتلة وسبيت الذرية، قال عمار: فأخبرني أبو شيبة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بذراريهم، فقال: مَن يشتريهم مني؟ فقام مسقلة بن هبيرة الشيباني فاشتراهم من علي رضي الله عنه بمائة ألف، فأتاه بخمسين ألفًا فقال علي رضي الله عنه: إني لا أقبل المال إلا كَمَلاً، فدفن المال في داره وأعتقهم ولحق معاوية، فنفذ علي رضي الله عنه عتقه".
ش: رجاله ثقات.
وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود صاحب "المسند".
وأبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابي رضي الله عنه.
(1) سورة النساء، آية:[137].
(2)
"المحلى"(11/ 190).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الملك ابن سعيد بن حيان، عن عمار الدهني، قال: حدثني أبو الطفيل قال: "كنت في الجيش الذين بعثهم علي بن أبي طالب إلى بني ناجية، فانتهينا إليهم فوجدناهم على ثلاث فرق، قال: فقال أميرنا لفرقة منهم: ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى وأسلمنا فثبتنا على إسلامنا، قال: اعتزلوا، ثم قال للثانية: ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا، فرجعنا فلم نر دينًا أفضل من ديننا فتنصرنا، قال لهم: أسلموا، فأبوا، فقال لأصحابه: إذا مسحت رأسي ثلاث مرات فشدوا عليهم، ففعلوا، فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية، فجئت بالذراري إلى علي رضي الله عنه وجاء مسقلة ابن هبيرة فاشتراهم بمائتي ألف، فجاء بمائة ألف إلى علي رضي الله عنه فأبى أن يقبل، فانطلق مسقلة بن هبيرة بدراهمه وعمد إليهم مسقلة فأعتقهم ولحق بمعاوية، فقيل لعلي رضي الله عنه: ألا تأخذ الذرية، قال: لا، فلم يتعرض لهم".
قوله: "مَعْقِل بن قيس" بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف، وكان من أمراء علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
و"مَسْقلة" -بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح القاف- بن هبيرة -بضم الهاء وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء.
ويستفاد منه: أن أهل ناحية إذا ارتدّوا والعياذ بالله فللإمام أن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم كما فعل أبو بكر رضي الله عنه ببني حنيفة حين ارتدُّوا عن الإِسلام، استرقَّ نساءهم وأصاب علي رضي الله عنه من ذلك السبي جارية فولدت له محمد بن الحنفية رضي الله عنه.
…
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 438 رقم 32738).