الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حلِّ قتله في دار الحرب إن كان حربيًّا
ش: أي هذا باب في بيان حكم الصبي الذي يحكم ببلوغه بما سوى الاحتلام، فيدخل بذلك في حكم البالغين في شيئين:
الأول: يكون له سهم كسهم الرجال.
الثاني: يحل قتله في دار الحرب إن كان من أهل الحرب.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا محمد بن صالح التمار، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه:"أن سعد بن معاذ رضي الله عنه حكم على بني قريظة أن يقتل منهم من جرت عليه المواسي، وأن يقسم أموالهم وذراريهم، فذكر ذلك للنبي عليه السلام، فقال: لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات".
ش: إسناده صحيح.
وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي.
وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
وأخرجه النسائي في "المناقب"(1): عن محمد بن عبد الله المخرمي وهارون بن عبد الله، عن أبي عامر، عن محمد بن صالح، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد: "أن سعد بن معاذ حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواسي
…
" إلى آخره نحوه.
وقريظة والنضير: قبيلتان من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون أخي موسى عليهما السلام.
(1)"السنن الكبرى"(5/ 62 رقم 8223).
قوله: "من جرت عليه المواسي" أي من نبتت عانته؛ لأن المواسي إنما تجري على من أنبت، والمواسي جمع موسى وهو ما يحلق به، والميم فيه زائدة يقال: أوسى رأسه أي حلق.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: الاستدلال بإنبات العانة على البلوغ كما ذهبت إليه طائفة من أهل العلم، على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
الثاني: فيه جواز قسمة أموال الحرب وذراريهم.
الثالث: فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهماتهم في الحرب وغيره، وهو ردٌّ على الخوارج إذ أنكروا التحكيم على علي رضي الله عنه.
الرابع: فيه النزول على حكم الإمام، وغيره جائز، ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم فإذا حكم لم يكن للعدو الرجوع، ولهم أن ينتقلوا من حكم رجل إلى غيره.
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عطية -رجل من بني قريظة- أخبره "أن أصحاب رسول الله عليه السلام جردوه يوم قريظة فلم يروا المواسي جرت على شعره -يريد عانته- فتركوه من القتل".
حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي، قال:"كنت غلامًا يوم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل مقاتلهم وتسبي ذراريهم، فشكُّوا فيَّ فلم يجدوني أنبت الشعر، فها أنا بين أظهركم".
حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، قال: حدثني عطية القرظي
…
فدكر نحوه.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عطية
…
نحوه.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أنا عبد الملك بن عمير، قال: حدثني عطية
…
فذكر نحوه.
ش: هذه خمس طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي نجيح المكي، عن مجاهد، عن عطية القرظي، له صحبة ولا يعرف له غير هذا الحديث.
وأخرجه الأربعة على ما نذكره.
وأخرجه الطبراني بهذا الإِسناد (1): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:"سمعت رجلاً في مسجد الكوفة يقول: كنت يوم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة غلامًا فَشَكُّوا فيّ فلم يجدوا الموسى جرت عليّ؛ فاستبقيت".
الثاني: عن يونس أيضًا، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، عن عطية.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، قال: ثنا عبد الملك ابن عمير، قال: حدثني عطية القرظي] (3) قال: "كنت من سبي قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت".
وأخرجه الترمذي (4): ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي قال:"عُرِضْنَا على النبي عليه السلام يوم قريظة، فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(1)"المعجم الكبير"(17/ 165 رقم 439).
(2)
"سنن أبي داود"(4/ 141 رقم 4404).
(3)
طمس في "الأصل" بمقدار لوحة، والمثبت من "ك".
(4)
"جامع الترمذي"(4/ 145 رقم 1584).
الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن علي بن معبد بن شداد الرقي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية.
وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(1):
الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عطية.
وأخرجه النسائي (2): عن يونس بن عبد الأعلى
…
إلى آخره نحوه.
الخامس: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال الأنماطي شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية.
وأخرجه الطبراني (3): ثنا زكرياء بن يحيى الساجي، ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة، عن عبد الملك بن عمير، حدثني عطية القرظي قال:"عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن قريظة فمن كان منا محتلمًا أنبت عانته قتل، فنظروا إليّ فلم أكن تنبت عانتي فتركت".
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد (ح).
وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج (ح).
وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قالوا: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن كثير بن السائب، قال: حدثني أبناء قريظة: "أنهم عُرِضُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فمن كان محتلمًا أو نبتت عانته قتل، ومن لم يكن محتلمًا أو لم تنبت عانته لم يقتل".
(1)"مسند أحمد"(4/ 310 رقم 18798).
(2)
"السنن الكبرى"(5/ 185 رقم 8619).
(3)
"المعجم الكبير"(17/ 164 رقم 435).
ش: هذه ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي عمير بن يزيد المدني، عن عمارة بن خزيمة ابن ثابت الأنصاري الأوسي، عن كثير بن السائب.
وأخرجه ابن الأثير في ترجمة كثير بن السائب وذكره في الصحابة، وذكره ابن حبان في "الثقات" من التابعين.
وفي "التكميل": كثير بن السائب حجازي، عن أبناء قريظة "أنهم عرضوا على رسول الله عليه السلام يوم قريظة" وعنه عمارة بن خزيمة بن ثابت.
وقال ابن أبي حاتم: كثير بن السائب، عن محمود بن لبيد، وعنه محمد بن إسحاق وهشام بن عروة.
كثير بن السائب، عن ابني قريظة، وعنه عمارة بن خزيمة.
وقال ابن حبان في الثقات: كثير بن السائب، عن أنس، وعنه محمد بن عمرو بن علقمة.
قال شيخنا: والله أعلم، أهم واحد أم اثنان أم ثلاثة؟.
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن المنهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه أبو مسلم الكجي في "سننه": عن حجاج، عن حماد
…
إلى آخره نحوه.
الثالث: عن أحمد بن داود المكي، عن سليمان بن حرب الواشحي شيخ البخاري، عن حماد
…
إلى آخره.
وأخرجه النسائي (1) وأحمد (2).
(1)"المجتبى"(6/ 155 رقم 3429).
(2)
"مسند أحمد"(4/ 341 رقم 19024).
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذه الآثار، فقالوا: لا يحكم لأحد بحكم البلوغ إلا بالاحتلام أو بإنبات العانة.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: أحمد بن حنبل وإسحاق ومالكًا في رواية وطائفة من الظاهرية، فإنهم قالوا: البلوغ يكون بالاحتلام وبإنبات العانة.
وفي "المغني" لابن قدامة: والبلوغ يحصل بأحد أسباب ثلاثة:
أحدها: الاحتلام، وهو خروج المني من ذكر الذكر أو قبل الأنثى في يقظة أو منام، وهذا لا خلاف فيه.
الثاني: إنبات الشعر الخشن حول القبل، وهو علامة على البلوغ بدليل ما روى عطية القُرَظي الحديث الذي ذكرناه.
الثالث: بلوغ خمس عشرة سنة. وهذه العلامات الثلاث في حق الذكر والأنثى، وتزيد الأنثى بعلامتين: الحيض والحمل.
فمن لم توجد فيه علامة منهن فهو صبي يحرم قتله.
ص: وذكروا في ذلك أيضًا عمن بعد رسول الله عليه السلام من أصحابه ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: ثنا عمر بن محمد، عن نافع، عن أسلم مولى عمر، قال:"كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أنا أيوب وعبيد الله، عن نافع، عن أسلم، عن عمر مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن أبي حصين، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه:"أن عثمان رضي الله عنه أتي بغلام قد سرق فقال: انظروا أخضر مئزره؟ فإن اخضر فاقطعوه، وإن لم يكن اخضر فلا تقطعوه".
[حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني حرملة بن عمران التجيبي، أن تميم بن فرع المهري حدثه:"أنه كان في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية في المرة الآخرة، فلم يقسم لي عمرو بن العاص من الفيء شيئًا، وقال: غلام لم يحتلم، حتى كاد يكون بين قومي وبين ناس من قريش في ذلك ثائرة، فقال القوم: فيكم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلوهم، فسألوا أبا بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنهما صاحبي النبي عليه السلام، فقال: انظروا فإن كان أنبت الشعر فاقسموا له، فنظر إلى بعض القوم فإذا أنا قد أنبتت فقسم لي".
ش: أي ذكر هؤلاء القوم أيضًا فيما ذهبوا إليه آثارًا من الصحابة رضي الله عنهم.
فمن ذلك: ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب المصري، عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني نزيل عسقلان، عن نافع مولى عبد الله بن عمر، عن أسلم أبي زيد المدني مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبيد الله، عن نافع، عن أسلم مولى عمر: "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله: لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه الموسى، ويختم في أعناقهم
…
" إلى آخره.
وأخرج بهذا الإسناد أيضًا (2): "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله ينهاهم عن قتل النساء والصبيان، وأمرهم بقتل من جرت عليه الموسي".
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر، كلاهما عن نافع، عن أسلم
…
إلى آخره.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 429 رقم 32640).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 484 رقم 33129).
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن أسلم:"أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله أن لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان ولا تضربوها إلا على كل من جرت عليه المواسي".
ومنها ما روي عن عثمان رضي الله عنه، وأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي حَصِين -بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين- عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي.
عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد، ويقال: إن عبيد بن عمير رأى النبي عليه السلام.
والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع عن سفيان ومسروق، عن أبي حَصِين، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال:"أتي عثمان رضي الله عنه بغلام قد سرق فقال: انظروا إلى مؤتزره هل أنبت".
قوله: "انظروا اخضر مئزره" أي موضع إزاره أي عانته، والمئزر بكسر الميم هو الإزار.
ومنها ما روي عن أبي بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنهما.
أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن حرملة بن عمران بن قراد التجيبي المصري ونسبته إلى تُجِيب -بضم التاء المثناة من فوق وكسر الميم- بطن من كِندة بن ثور.
وهو يروي عن تميم بن الفرع المهري المصري، وثقه ابن حبان، وذكره ابن يونس في العلماء المصريين وروى له الأثر المذكور، وقال: تميم بن الفرع المهري: حضر فتح الإسكندرية الثاني سنة خمس وعشرين، روى عن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر وأبي بصرة، حدث عنه حرملة بن عمران التجيبي: حدثنا علي بن الحسن بن قديد،
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 195 رقم 18463).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 480 رقم 28153).
ثنا أحمد بن عمرو، أبنا ابن وهب، حدثني حرملة بن عمران التجيبي، أن تميم بن فرع المهري حدثه:"أنه كان في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية في المرة الآخرة، قال: فلم يقسم لي عمرو بن العاص من الفيء شيئًا وقال: غلام لم يحتلم. حتى كاد يكون بين قومي وبين ناس من قريش ثائرة في ذلك، فقال بعض القوم: فيكم ناس من أصحاب رسول الله عليه السلام فسلوهم، فسألوا أبا بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني صاحبي النبي عليه السلام] (1) فقالا: انظروا فإن كان أنبت الشعر فاقسموا له، فنظر إلى بعض القوم، فإذا أنا قد أنبتّ، فقسم لي".
قال أبو سعيد: لم نجد لتميم بن فرع غير هذا الحديث، وما علمت حدث عنه غير حرملة بن عمران.
قوله: "ثائرة" أي فتنة حادثة وعداوة، وثأر الحرب وثائرتها: شرها وهيجها.
قوله: "فسألوا أبا بَصْرة" بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة، اسمه حُميل -بضم الحاء المهملة وفتح الميم وهو الصواب- وقيل: جميل بالجيم -الغفاري الصحابي، نزل مصر وبها مات.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: قد يكون البلوغ بهذين المعنيين، ويكون بمعنى ثالث، وهو أن يمر على الصبي خمسة عشر سنة لا يحتلم ولا ينبت، فهو بذلك أيضًا في حكم البالغين، واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بشر الرقي: ثنا أبو معاوية الضرير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:"عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في المقاتلة، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني في المقاتلة. قال نافع: فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال: هذا أثر نتخذه بين الذراري والمقاتل، فأمر أمراء الأجناد أن يفرض لمن كان في أقل من خمسة عشر في الذرية، ومن كان في خمسة عشر في المقاتلة".
(1) طمس في "الأصل" بمقدار لوحة، والمثبت من "ك".
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا أبي، عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف، عن عبيد الله
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن عبيد الله
…
فذكر بإسناده مثله، ولم يذكر ما فيه من قول نافع: "فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
…
" إلى آخر الحديث.
قالوا: فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما لخمس عشرة، ورده لما دونها، ثبت بذلك أن حكم ابن خمس عشرة حكم البالغين في أحكامه كلها إلا من ظهر بلوغه قبل ذلك لمعنى من المعنيين.
قالوا: وقد شدّ هذا المعنى أخذ عمر بن عبد العزيز وتأوله ذلك الحديث عليه، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن وجميع أصحابنا، غير أن محمد بن الحسن كان يرى الإنبات دليلاً على البلوغ، وغير أبي حنيفة فإنه كان لا يجعل من مرت عليه خمس عشرة سنة ولم يحتلم ولم ينبت في معنى المحتلمين حتى يأتي عليه سبع عشرة سنة، فيما حدثني سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن محمد بن الحسن.
وقد روي عنه أيضًا خلاف ذلك.
حدثني أحمد بن أبي عمران، قال: ثنا محمد بن سماعة، قال: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة: إذا أتت عليه ثمان عشرة سنة فقد صار بذلك في أحكام الرجال ولم يختلفوا عنه جميعًا، وهاتين الروايتين في الجارية أنها إذا مرت عليها سبع عشرة سنة أنها تكون بذلك كالتي حاضت، وكان أبو يوسف يجعل الغلام والجارية سواء في مرور الخمس عشرة سنة عليهما، ويجعلهما في ذلك في حكم البالغين، وكان محمد بن الحسن يذهب في الغلام إلى قول أبي يوسف، وفي الجارية إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة وأراد بهم: الثوري ومالكًا في رواية والشافعي وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: يكون البلوغ بثلاثة أشياء: بالاحتلام،
وبإنبات العانة، وبأن يمر على الصبي خمس عشرة سنة لا يحتلم ولا ينبت، فهو بذلك أيضًا يكون في أحكام البالغين في سهمان الرجال في الغنيمة وفي حِلّ قتله إذا كان من أهل الحرب.
قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
الثاني: عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني، عن أبيه شعيب، عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
الثالث: عن محمد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
والحديث أخرجه الجماعة:
فالبخاري في غزوة الخندق (1): عن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر:"أن النبي عليه السلام عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه".
ومسلم في كتاب "الإمارة والجماعة"(2): عن محمد بن عبد الله بن نمير [، قال: نا أبي، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:
(1)"صحيح البخاري"(4/ 1504 رقم 3871).
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1490 رقم 1868).
"عرضني رسول الله عليه السلام يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفة، فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، فما كان دون ذلك فاجعلوه في العيال".
وأبو داود في "الخراج"(1) و"الحدود"(2): عن أحمد بن حنبل، عن يحيى، عن عبيد الله به.
وعن (3) عثمان بن أبي شيبة، عن ابن إدريس، عن عبيد الله، قال: قال نافع: حدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث.
والترمذي في "الأحكام"(4): عن محمد بن وزير الواسطي، عن إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن عبيد الله، بمعناه ولم يسم أُحُدًا ولا الخندق.
وعن (4) محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن عبيد الله نحوه.
وقال: حسن صحيح.
والنسائي في "الطلاق"(5): عن أبي قدامة، عن يحيى، عن عبيد الله مثل الأول.
وابن ماجه في "الحدود"(6): عن علي بن محمد، عن عبد الله بن نمير وأبي معاوية وأبي أسامة، عن عبيد الله به.
فهذا يدل على أن حكم ابن خمس عشرة كحكم البالغين في الأحكام كلها.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 152 رقم 2957).
(2)
"سنن أبي داود"(4/ 141 رقم 4406).
(3)
"سنن أبي داود"(4/ 141 رقم 4407).
(4)
"جامع الترمذي"(3/ 641 رقم 1361).
(5)
"المجتبى"(6/ 155 رقم 3431).
(6)
"سنن ابن ماجه"(2/ 850 رقم 2543).
قال الخطابي: قال الشافعي: إذا احتلم الغلام أو بلغ خمس عشرة؛ كان حكمه حكم البالغين في إقامة الحدود عليه، وكذلك الجارية.
وأما الإنبات فلا يكون حد للبلوغ، وإنما يفصل به بين أهل الشرك فتقتل مقاتلتهم بالإنبات، وجعله أحمد وإسحاق بلوغًا، وحكي مثله عن مالك.
فأما في السنن فإنه قال: إذا احتلم الغلام أو بلغ من السنن ما لا يبلغه غيره فحكمه حكم الرجال، ولم يجعل الخمس عشرة سنة حدًّا في ذلك.
وقال أبو حنيفة في حد البلوغ: استكمال ثماني عشرة إلا أن يحتلم قبل ذلك، وفي الجارية سبع عشرة إلا أن تحيض قبل ذلك.
وقال الخطابي أيضًا: يشبه أن يكون المعنى عند من فرق بين أهل الإِسلام وبين أهل الكفر حيث جعل الإنبات في الكفار ولم يعتبره في المسلمين؛ هو أن أهل الكفر لا يوقف على بلوغهم من جهة السن ولا يمكن الرجوع إلى قولهم؛ لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عن أنفسهم.
فأما المسلمون وأولادهم فقد يمكن الوقوف على مقادير أسنانهم؛ لأنها محفوظة وأوقات المواليد فيهم مؤرخة معلومة.
قوله: "وقالوا" أي الآخرون: "وقد شدً هذا المعنى" وهو كون حكم ابن خمس عشرة سنة كحكم البالغين في أحكامهم كلها.
ص: وكان من الحجة لأبي حنيفة على أبي يوسف ومحمد في حديث ابن عمر أنه قد يجوز أن يكون النبي عليه السلام رده وهو ابن أربع عشرة سنة لا أنه غير بالغ، ولكن لما رأى من ضعفه، وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة لبس؛ لأنه بالغ، ولكن لما رأى من جَلَدِه وقوته، وقد يجوز أن يكون رسول الله عليه السلام ما علم كم سنه في الحالين جميعًا، وقد فعل رسول الله عليه السلام في سمرة بن جندب ما يدل على هذا أيضًا.
حدثنا أحمد بن مسعود الخياط، قال: حدثنا محمد بن عيسى الطباع، قال: ثنا هشيم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن سمرة بن جندب، أن أمه -وكانت
امرأة من فزارة فذهبت به إلى المدينة وهو صبي، وكثر خطابها وكانت امرأة جميلة، فجعلت تقول: لا أتزوج إلا من تكفل لي بابني هذا فتزوجها رجل على ذلك، فلما فرض النبي عليه السلام لغلمان الأنصار لم يفرض له كأنه استصغره، فقال: يا رسول الله لقد فرضت لصبي أنا أصرعه ولم تفرض لي، قال: صارعه، فصرعه، ففرض له النبي عليه السلام فلما أجاز رسول الله عليه السلام سمرة بن جندب لما صارع الأنصاري، لا لأنه قد بلغ، احتمل أن يكون كذلك أيضًا ما فعل في ابن عمر أجازه حين أجازه لقوته لا لبلوغه، ورده حين رده لضعفه لا لعدم بلوغه، فانتفى بما ذكرنا أن يكون في ذلك حجة لأبي يوسف لاحتماله ما ذهب إليه أبو حنيفة؛ لأن أبا حنيفة لا ينكر أن يفرض للصبيان إذا كانوا يحتملون القتال ويشهدون الحرب وإن كانوا غير بالغين.
ش: هذه إشارة إلى الجواب عما احتج به أبو يوسف ومحمد في بلوغ الصبي بالسن خمسة عشر سنة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما] (1) نصرة لأبي حنيفة.
بيانه: أن حديث ابن عمر لا يتم به الاستدلال على ذلك من وجهين:
الأول: أنه يحتمل أن يكون رد النبي عليه السلام إياه وهو ابن أربع عشرة سنة لا لأجل أنه غير بالغ، بل لكونه ضعيفًا لا يقدر على القتال، وإجازته له وهو ابن خمس عشرة سنة لا لأجل أنه بالغ؛ بل لكونه جَلدًا قويًا على القتال.
الثاني: يحتمل أن النبي عليه السلام ما علم سن عبد الله في الحالين جميعًا، لا في وقت كون عمره ابن أربع عشرة سنة، ولا في وقت كونه ابن خمس عشرة سنة، والدليل على هذا: قصة سمرة بن جندب، وهي ظاهرة، فإذا كان الأمر كذلك لا يكون لأبي يوسف ومحمد حجة على أبي حنيفة في الاستدلال بحديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وأخرج حديث سمرة بإسناد صحيح: عن أحمد بن مسعود الخياط ببيت المقدس شيخ الطبراني أيضًا، عن محمد بن عيسى بن نجيح البغدادي أبي جعفر الطباع شيخ أبي داود والبخاري في التعليقات، وثقه النسائي وابن حبان.
(1) طمس في "الأصل" بمقدار لوحة، والمثبت من "ك".
عن هشيم بن بشير، عن عبد الحميد بن جعفر أبي حفص المدني، وثقه يحيى والنسائي وروى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن أبيه جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري الأوسي المدني، روى له الجماعة غير البخاري.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج، ثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي، ثنا هشيم، أنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه:"أن أم سمرة بن جندب مات عنها زوجها وترك ابنه سمرة، وكانت امرأة جميلة فقدمت المدينة فخطبت، فجعلت تقول: لا أتزوج رجلاً إلا رجلاً يتكفل لها بنفقة ابنها سمرة حتى يبلغ، فتزوجها رجل من الأنصار على ذلك وكانت معه في الأنصار، وكان النبي عليه السلام يعرض غلمان الأنصار في كل عام فمن بلغ منهم بعثه، فعرضهم ذات عام فمرَّ به غلام فبعثه في البعث، وعرض عليه سمرة من بعده فردَّه، فقال سمرة: يا رسول الله أجزت غلامًا ورددتني ولو صارعني لصرعته؟! قال: فدونك فصارعه، قال: فصرعته، فأجازني في البعث".
قوله: "إن أمه" ذكرها ابن الأثير في الصحابيات ولم يسمها.
قوله: "فتزوجها رجل" قال ابن الأثير: كان من الأنصار، واسمه مُري بن شيبان بن ثعلبة، وكان سمرة في حجره إلى أن صار غلامًا.
قوله: "فلما فرض النبى عليه السلام" أي فلما قدر لغلمان الأنصار أنصباء من الغنيمة ليخرجوا ويقاتلوا معه الكفار.
ودلَّ ذلك على أن الإِمام له أن يفرض للصبيان إذا قدروا على القتال ولا يشترط البلوغ في ذلك، فكم من صبي جلد قوي يقدر على ما لا يقدر عليه البالغ، والله أعلم.
ص: وقد روي عن البراء بن عازب فيما كان من رسول الله عليه السلام في أمر ابن عمر خلاف ما روي عن ابن عمر.
(1)"المعجم الكبير"(7/ 177 رقم 6749).
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال:"عرضني رسول الله عليه السلام أنا وابن عمر يوم بدر، فاستصغرنا رسول الله عليه السلام، ثم أجازنا يوم أحد".
ففي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام أجاز ابن عمر يوم أحد وهو يومئذ ابن أربع عشرة، فخالف ذلك ما في حديث ابن عمر، ولما انتفى أن يكون في ذلك الحديث حجة لأحد الفريقين على الآخر، التمسنا حكم ذلك من طريق النظر؛ لنستخرج من القولين اللذين ذهب أبو حنيفة إلى أحدهما وأبو يوسف إلى الآخر قولاً صحيحًا، فاعتبرنا ذلك فرأينا الله عز وجل قد جعل عدة المرأة إذا كانت ممن تحيض ثلاثة قروء، وجعل عدتها إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ثلاثة أشهر فجعل بدلاً من كل حيضة شهرًا، وقد تكون المرأة تحيض في أول الشهر وفي آخره، فيجتمع لها من شهر واحد حيضتان، وقد يكون بين حيضتيها الشهران والأكثر، فجعلت الخلف من الحيضة على أغلب أمور النساء؛ لأن أكثرهن تحيض في كل شهر حيضة واحدة، فلما كان ذلك كذلك ورأينا الاحتلام يجب به للصبي حكم البالغين، فإذا عدم الاحتلام وأجمع أن هناك خلف منه، فقال قوم: هو بلوغ خمس عشرة، وقال آخرون: بل هو أكثر من ذلك من السنين، جعل ذلك الخلف على أكثر ما يكون فيه الاحتلام وهو خمس عشرة سنة؛ لأن أكثر احتلام الصبيان وحيض النساء في هذا المقدار يكون ولا يجعل على أقل من ذلك ولا على أكثر؛ لأن ذلك إنما يكون في الخاص، فلا يعتبر حكم الخاص في ذلك، ولكن يعتبر أمر العام كما يعتبر أمر الخاص فيما جعل خلفا من الحيض واعتبر أمر العام.
فثبت بالنظر الصحيح في هذا الباب كله ما ذهب إليه أبو يوسف رحمه الله: بالنظر لا بالأثر، وانتفى ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.
وقد روي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في هذا نحو من قول أبي حنيفة الذي رواه عنه أبو يوسف.
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا ابن لهيعة عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (1)، قال: ثماني عشرة سنة، ومثلها في سورة بني إسرائيل" (2).
ش: أشار بهذا الكلام إلى معنيين:
الأول: أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي احتج به أبو يوسف ومحمد على أن الصبي إذا لم يحتلم وبلغ سِنه خمس عشرة سنة يكون حكمه حكم البالغين، واحتجَّا به على أبي حنيفة؛ معارض بحديث البراء بن عازب، الذي أخرجه بإسناد صحيح: عن محمد بن خزيمة، عن يوسف بن عدي شيخ البخاري، عن عبد الله بن إدريس، عن مطرف بن طريف الحارثي، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
وأخرجه الطبرانى في "الكبير"(3): ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثني عمي أبو بكر بن أبي شيبة، حدثني عبد الله بن إدريس، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن البراء قال:"عُرضت أنا وابن عمر يوم بدر على النبي عليه السلام فاستصغرنا، وشهدنا أحدًا".
وأخرج البخاري في "الغازي"(4): عن مسلم، عن شعبة.
وعن محمود بن غيلان، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، أنه قال:"استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون نيفًا على الستين، والأنصار نيفًا على المائتين وأربعين".
وجه المعارضة: أن في هذا الحديث: "ثم أجازنا يوم أحد"، وكان ابن عمر يوم
(1) سورة الأنعام، آية:[152].
(2)
سورة الإسراء، آية:[34].
(3)
"المعجم الكبير"(2/ 23 رقم 1166).
(4)
"صحيح البخاري"(4/ 1456 رقم 3739).
أحد ابن أربع عشر سنة، وفي ذاك الحديث:"عرضت على رسول الله عليه السلام في يوم أحد وأنا ابن أربع عشر سنة فلم يجزني في المقاتلة".
فهذا تعارض ظاهر جليّ، فإذا كان كذلك لم يكن فيه حجة لأحد الفريقين على الآخر، فحينئذٍ يُحتاج في ذلك أن يُلتمس حكم هذا الباب من طريق النظر والقياس الصحيح ليُستخرج به من القولين قول صحيح يُعتمد عليه، وبيَّن الطحاوي ذلك بقوله: فرأينا الله عز وجل قد جعل عدة المرأة
…
إلى آخره. وهو ظاهر.
قوله: "وأجمع أن هناك خلف" أي أجمع العلماء أن في عدم الاحتلام خلفًا وهو البلوغ بالسن، فقال قوم، وهم: أبو يوسف ومحمد والشافعي: هو بلوغ خمس عشرة، وقال قوم آخرون وهم: أبو حنيفة ومن تبعه فيما ذهب إليه من بلوغه في ثمان عشرة سنة.
المعنى الثاني: أنه أشار إلى أن الصحيح الذي يقتضيه وجه النظر والقياس: هو قول أبي يوسف ومن تبعه في ذلك، وأنه هو اختياره أيضًا، وهو معنى قوله: "فثبت بالنظر الصحيح
…
" إلى آخره، وإنما قال: بالنظر -يعني بالقياس- لا بالأثر؛ لأن الأثر الذي احتج به أبو يوسف فيما ذهب إليه ليس احتجاجه به تامًّا كما ذكرنا.
قوله: "وابنَ عمر يوم بدر" بنصب الابن؛ لأنه عطف على الضمير المنصوب في قوله: "عرضني رسول الله عليه السلام"، وإنما ذكر قوله:"أنا" ليحسن العطف على الضمير؛ لئلا يتوهم عطف الاسم على الفعل.
قوله: "وقد روي عن سعيد بن جبير في هذا" أي من أن البلوغ عند عدم الاحتلام بثماني عشرة سنة مثل قول أبي حنيفة.
أخرجه عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المصري شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة المصري -فيه مقال- عن عطاء بن دينار الهذلي أبي طلحة المصري -ثقة- عن سعيد بن جبير رضي الله عنه.