الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: للرجل ينوي الصيام بعدما يطلع الفجر
ش: أي: هذا باب في بيان حكم مَن ينوي الصوم بعدما طلع الفجر الصادق، هل يجوز أم لا؟
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، ويحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه؛ عن حفصة، عن رسول الله عليه السلام قال:"من لم يُبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا ابن لهيعة
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا محمَّد بن حميد، قال: ثنا بن عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن أيوب
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه ثلاث طرق:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب المصري، عن عبد الله بن لهيعة المصري فيه مقال، وعن يحيى بن أيوب الغافقي المصري روي له الجماعة، كلاهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني روى له الجماعة، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن أبيه عبد الله بن عمر، عن أخته حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين.
وهذا الإسناد على شرط البخاري ومسلم. وابن لهيعة لا يضره؛ لأنه ذكر متابعًا.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن ابن شهاب،
(1)"سنن أبي داود"(2/ 329 رقم 2454).
عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن حفصة زوج النبي عليه السلام أن رسول الله عليه السلام قال:"من لم يُجْمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
قال أبو داود: ورواه الليث وإسحاق بن حازم أيضًا، جميعًا عن عبد الله بن أبي بكر مثله. وأوقفه على حفصة معمر والزبَيديّ وابن عيينة ويونس الأيلي كلهم عن الزهري.
وأخرجه الترمذي (1): نا إسحاق بن منصور، قال: أنا يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه النسائي (2) أيضًا بوجوه كثيرة.
وقال الترمذي: حديث حفصة لا نعرفه مرفوعًا لا من هذا الوجه، وقد رفع عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله، وهو أصح، وهكذا روي هذا الحديث أيضًا عن الزهري موقوف، ولا نعلم أحدًا رفعه إلا يحيى بن أيوب.
وكذا قال أبو داود: أوقفه معمر والزبيدي. كما ذكرناه الآن، وقال الدارقطني: أقام إسناده ورفعه عبد الله بن أبي بكر وهو من الأثبات.
قلت: اضطرب إسناده اضطرابًا شديدًا، والذين وقفوه أجلُّ وأكثر من عبد الله بن أبي بكر، ولهذا قال الترمذي: وقد روي عن ابن عمر قوله، وهو أصح.
الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة، عن عبد الله بن أبي بكر
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): حدثنا حسن بن موسى، ثنا ابن لهيعة، نا عبد الله ابن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن حفصة، عن النبي عليه السلام أنه قال:"من لم يُجْمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
(1)"جامع الترمذي"(3/ 108 رقم 730).
(2)
"المجتبى"(4/ 196 رقم 2333).
(3)
"مسند أحمد"(6/ 287 رقم 26500).
الثالث: عن محمَّد بن حميد بن هشام الرعيني، عن عبد الله بن صالح وراق الليث، عن الليث بن سعد، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر
…
إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه النسائي (1): أنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله، عن حفصة، عن النبي عليه السلام قال:"مَن لم يبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
وأخرجه الدارمي في "سننه"(2): عن سعيد بن شرحبيل، عن ليث بن سعد، عن يحيى بن أيوب
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه ابن ماجه (3): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلد القطواني، عن إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن سالم، عن بن عمر، عن حفصة قالت: قال رسول الله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يفرضه من الليل".
قوله: "مَن لم يبيِّت الصيام" أي: مَن لم يَنْوِهِ من الليل، يقال: بيَّت فلان رأيه إذا فكر فيه وخمره، وكل ما فكر فيه بليل ودُبِّر بليل فقد بُيِّت، ومنه الحديث الآخر:"هذا أمر بُيِّت بليل"(4).
قوله: "مَن لم يُجْمِع" من الإجماع، وهو إحكام النية والقربة، يقال: أجمعت الرأي، وأزمعته وعزمت عليه بمعنى.
(1)"المجتبى"(4/ 196 رقم 2332).
(2)
"سنن الدارمي"(2/ 12 رقم 1698).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 542 رقم 1700).
(4)
قال العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 440 رقم 2875): قال النجم: وقع في كلام أبي جهل في قصة الصحيفة ثم سار مثلًا، أو كان مثلًا فجرى على لسان أبي جهل.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا لم ينوِ الدخول في الصيام قبل طلوع الفجر لم يجزه أن يصوم يومه ذلك بنية تحدث له بعد ذلك، واحتجوا بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي وأبا سليمان ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق والظاهرية، فإنهم قالوا: لا يجوز صوم رمضان إلا بنية من الليل، واحتجوا في ذلك بحديث حفصة المذكور.
وقال الترمذي: معنى الحديث عند بعض أهل العلم: لا صيام لمن [لم](1) يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان أو في قضاء رمضان أو في صيام نذر، إذا لم ينوه من الليل لم يجزه، وأما صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعد ما أصبح وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال ابن حزم في "المحلى": ولا يجوز صوم التطوع أيضًا إلا بنية من الليل، ولا صوم قضاء رمضان أو الكفارات إلا كذلك، لعموم النصوص.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: هذا الحديث لا يرفعه الحفاظ الذين يروونه عن ابن شهاب، ويختلفون عنه فيه اختلافًا يجب اضطراب الحديث بما هو دونه، ولكن مع ذلك نثبته ونجعله على خاصٍّ من الصوم وهو صوم الفرض الذي ليس في أيام بعينها، مثل الصوم في الكفارات، وقضاء رمضان وما أشبه ذلك.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد وزفر، فإنهم قالوا: تجوز النية في صوم رمضان والنذر المعين وصوم النفل إلى ما قبل الزوال.
قوله: "فقالوا" أي هؤلاء الآخرون: هذا الحديث -أي: حديث حفصة المذكور- لا يرفعه الرواة الحفاظ الذين يروونه عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري ويختلفون عنه فيه اختلافًا كثيرًا يؤدي إلى اضطراب هذا الحديث بما دون
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "جامع الترمذي".
هذا الاختلاف، وأراد بالحفاظ مثل: مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ومعمر بن راشد؛ فإن هؤلاء أئمة أثبات رووا هذا الحديث عن الزهري موقوفًا ولم يرفعوه، فهؤلاء هم الحجة عن الزهري، ولهذا قال الترمذي: ولا نعلم أحدًا رفعه إلا يحيى بن أيوب، وبيان اضطراب هذا الحديث في سنده: هو أن عبد الله بن أبي بكر رواه عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبي عليه السلام.
ورواه مالك، عن الزهري، عن عائشة وحفصة.
ورواه ابن عيينة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن حفصة ولم يرفعه.
ورواه معمر بن راشد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر عن حفصة ولم يرفعه.
ورواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمر ولم يذكر لا حفصة ولا غيرها ولا رفعه.
ورواه أيضًا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبي وداعة، عن حفصة ولم يرفعه.
ورواه مالك أيضًا، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكر حفصة ولا رفعه.
فهذا كما ترى اختلاف شديد يوجب الاضطراب العظيم.
قوله: "ولكن مع ذلك نثبته
…
إلى آخره" جواب آخر عن الحديث المذكور يعني: سلمنا أن هذا الحديث ثابت مرفوع سالم عن الاضطراب وغيره، ولكن لا نسلم أنه عام في جميع الصيامات، بل هو محمول على صوم خاصٍّ معين، وهو الصوم المطلق الذي ليس في أيام بعينها كقضاء رمضان وصوم الكفارات والنذور المطلقة.
فإن قيل: ما الضرورة الداعية إلى هذا الحمل؟
قلت: لأن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ
…
} (1) إلى قوله:
(1) سورة البقرة، آية:[187].
{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) يُبيح الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، ثم الأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخر عنه؛ لأن كلمة "ثم" للتعقيب مع التراخي فكان هذا أمرًا بالصوم متراخيًا عن أول النهار والأمر بالصوم أمر بالنية إذ لا صحة للصوم شرعًا بدون النية، فكان أمرًا بالصوم بنيةٍ متأخرة عن أول النهار، وقد أتى به فيخرج عن العهدة.
وفيه دلالة أن الإمساك في أول النهار يقع صومًا وُجدت فيه النية أو لم توجد؛ لأن إتمام الشيء يقتضي سابقة وجود بعض منه، فإذا شرطنا النية من الليل بخبر الواحد يكون نسخًا لمطلق الكتاب فلا يجوز ذلك، فحينئذٍ يحمل ذلك على الصيام الخاص المعين وهو الذي ذكرناه؛ لأن مشروع الوقت في هذا يتنوع فيحتاج إلى التعيين بالنية بخلاف شهر رمضان؛ لأن الصوم فيه غير متنوع فلا يحتاج فيه إلى التعيين، وكذلك النذر المعين، وأما صوم التطوع فإنما يجوز بنية من النهار قبل الزوال، فَلِمَا روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله عليه السلام ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء. قال: فإني صائم
…
" الحديث.
أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي على ما نذكره إن شاء الله تعالى (1)، وهو مروي أيضًا عن علي وابن مسعود وابن عباس وأبي طلحة رضي الله عنهم.
وإنما لا يجوز التطوع بنية بعد الزوال فلأن الصوم لا يتحرى فرضًا أو نفلًا ويصير صائمًا من أول النهار بالنية الموجودة، وقت الركن وهو الإمساك وقت الغداة المتعارف، فإذا نوى بعد الزوال قد خلا بعض الركن عن الشرط، فلا يصير صائمًا شرعًا.
وجواب آخر عن حديث حفصة أنه محمول على نفي الفضيلة والكمال كما في قوله عليه السلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، ونحن نقول أيضًا أن الأفضل في
(1) سيأتي إن شاء الله تعالى، قريبا.
الصيامات كلها أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكن ذلك أو في الليل؛ لأن النية عند طلوع الفجر تقارن أول جزء العبادة حقيقةً، ومن الليل تقارنه تقديرًا.
ص: وأما ما ذكرنا من رواية الحفاظ لهذا الحديث عن الزهري، ومن اختلافهم عنه فيه فإن ابن مرزوق، حدثنا قال: حدثنا القعنبي، قال: ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عائشة وحفصة، بذلك الذي ذكرناه في أول هذا الباب.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا رَوح، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن حفصة أم المؤمنين، بذلك ولم يرفعه.
حدثنا أبو بكرة، قال: حدثنا حسين بن مهدي، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة، بذلك ولم يرفعه.
فهذا مالك ومعمر وابن عيينة وهم الحجة عن الزهري قد اختلفوا في إسناد هذا الحديث كما ذكرنا.
وقد رواه أيضًا عن الزهري غير هؤلاء على خلاف ما رواه عبد الله بن أبي بكر أيضًا.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا صالح بن أبي الأخضر، عن ابن شهاب، حدثه عن سالم، عن أبيه. ولم يذكر حفصة ولم يرفعه.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا رَوح، قال: ثنا صالح بن أبي الأخضر، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبي وداعة، عن حفصة بذلك، ولم يرفعه.
ثم قد رواه نافع أيضًا عن ابن عمر فلم يرفعه:
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح، قال: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، بذلك ولم يذكر حفصة ولم يرفعه.
حدثنا يونس، قال: أخبرني أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر مثله.
فهذا هو أصل هذا الحديث.
ش: أشار بهذا إلى بيان اختلاف الحفاظ في رواياتهم عن الزهري في هذا الحديث.
وأخرجه من سبعة أوجه:
الأول: الذي أخرجه يونس بن عبد الأعلى في أول الباب من حديث الزهري عن حفصة مرفوعًا. أخرجه مالك عن الزهري عنها وعن عائشة موقوفًا.
رواه الطحاوي عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن مالك
…
إلى آخره.
وأخرجه مالك في "موطئه"(1) فقال يحيى بن يحيى: ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عائشة وحفصة -زوجتي النبي عليه السلام- أنهما قالتا:"لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر".
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روح بن عبادة، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عبد الله بن عمر، عن حفصة أم المؤمنين.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن حمزة ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن حفصة أنها قالت:"لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر".
الثالث: عن أبي بكرة أيضًا، عن حسين بن مهدي البصري شيخ الترمذي وابن ماجه، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة موقوفًا عليها.
(1)"موطأ مالك"(1/ 288 رقم 633).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 292 رقم 9112).
وأخرجه عبد الرزاق في "مسنده"(1).
فهؤلاء الأئمة الثلاثة وهم: مالك، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، وهم الحجة عن الزهري قد اختلفوا في إسناد هذا الحديث كما تراه.
وقد روى هذا الحديث أيضًا عن الزهري غير هؤلاء الثلاثة على خلاف ما رواه عن الزهري عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم مرفوعًا، وبيَّن ذلك بطريقين:
أحدهما هو الوجه الرابع: الذي أخرجه عن أبي بكرة، عن روح بن عبادة، عن صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عبد الملك، فيه مقال؛ فعن يحيى: ضعيف. وعنه: ليس بشيء. وعن البخاري: ليِّن. وعنه: ضعيف. وعنه: ليس بشيء. روى له الأربعة.
وهو يروي عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر. ولم يذكر حفصة ولا رفعه.
والآخر وهو الوجه الخامس: أخرجه عن أبي بكرة أيضًا، عن روح بن عبادة، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد بن سعيد الكندي الصحابي، عن المطلب بن أبي وداعة الحارث بن صُبَيْرة الصحابي، عن حفصة أم المؤمنين موقوفًا عليها.
قوله: "ثم قد رواه نافع أيضًا" أي ثم قد روى هذا الحديث نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر فلم يرفعه.
وأخرجه من طريقين:
أحدهما: هو الوجه السادس: عن أبي بكرة، عن روح بن عبادة، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن عبد الله بن عمر موقوفًا عليه.
(1) كذا في "الأصل، ك"، وليس في "المصنف".
وأخرجه مالك في "موطئه"(1)، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول:"لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر".
والآخر: وهو الوجه السابع: عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم، عن أنس بن عياض بن ضمرة المدني شيخ الشافعي، عن موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي المدني، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا عليه.
قوله: "فهذا هو أصل هذا الحديث" أي: هذا الذي ذكرناه من الوجوه التي فيها اختلاف الرواة أصل هذا الحديث.
ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام أيضًا في إباحة الدخول في الصيام بعد دخول الفجر.
حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق وعلي بن شيبة، قالوا: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا شعبة، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلبة، عن عائشة أم المؤمنين قالت:"كان نبي الله عليه السلام يحب طعامًا، فجاء يومًا فقال: عندكم من ذلك الطعام؟ فقلت: لا. فقال: إني صائم".
حدثنا علي، قال: ثنا رَوْح، قال: أنا الثوري، عن طلحة
…
فذكر بإسناده مثله.
فذلك عندنا على خاصٍّ من الصوم أيضًا، وهو التطوع ينويه الرجل بعد ما يصبح في صدر النهار الأول.
ش: أخرج هذا الحديث شاهدًا لما قاله أهل المقالة الثانية من جواز الدخول في الصيام بعد دخول الفجر، ولكنه محمول على خاص من الصوم وهو التطوع يَنويه الرجل في أول النهارة وذلك لأنه عليه السلام لما قالت له عائشة: ليس عندنا طعام حين سألها الطعام قال: إني صائم، وذلك كان في أول النهار، فدل هذا على أن النية في صوم التطوع يجوز من النهار ما لم تزل الشمس؛ وذلك لأنه توجد النية وقت الركن
(1)"موطأ مالك"(1/ 288 رقم 633).
وهو الإمساك وقت الغداة المتعارف، ولهذا لا يجوز إذا نوى بعد الزوال لخلو بعض الركن عن الشرط.
فإن قيل: كيف يكون هذا شاهدًا لما قاله أهل المقالة الثانية والنزاع في النية المتأخرة في صوم رمضان، وهذا في التطوع؟!.
قلت: صوم رمضان ها هنا كالتطوع؛ لتعين الوقت فيه للصوم الفرض بخلاف النذر المطلق، وقضاء رمضان، وصوم الكفارات كما ذكرناه.
ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكار وابن مرزوق وعلى بن شيبة، ثلاثتهم عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله القرشي المدني نزيل الكوفة روى له الجماعة سوى البخاري، عن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية المدنية عمة طلحة بن يحيى المذكور، روى لها الجماعة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا عبد الله بن محمَّد بن زياد، ثنا العباس بن محمَّد وأبو أمية، قالا: ثنا رَوْح بن عبادة، ثنا شعبة
…
إلى آخره نحوه سواء.
الثاني: عن علي بن شيبة، عن رَوْح بن عبادة، عن سفيان الثوري، عن طلحة
…
إلى آخره.
وأخرجه الجماعة غير البخاري:
فقال مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:"دخل عليَّ رسول الله عليه السلام ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذًا صائم. ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيسٌ. فقال: أدنيه فلقد أصبحت صائمًا، فأكل".
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 175 رقم 17).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 809 رقم 1154).
وقال أبو داود (1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت:"كان النبي عليه السلام إذا دخل عليَّ قال: هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا لا قال: إني صائم".
وقال الترمذي (2): ثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت:"دخل عليَّ رسول الله عليه السلام يومًا فقال: هل عندكم شيء؟ قالت: قلت: لا، قال: فإني صائم".
وقال النسائي (3): أنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا وكيع، قال: أنا طلحة بن يحيى
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه النسائي (4) من وجوه كثيرة.
وقال ابن ماجه (5): ثنا إسماعيل بن موسى، ثنا شريك، عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة قالت: "دخل عليَّ رسول الله عليه السلام فقال: هل عندكم شيء؟ فنقول: لا، فيقول: إني صائم، فيقيم على صومه ثم يُهدى لنا شيء فيفطر
…
" الحديث.
قوله: "كان يحب طعامًا
…
" أي: طعامًا من الأطعمة، أراد به نوعًا خاصًّا منها، والظاهر أنه كان حيسًا، وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق.
وهذا الحديث حجة على الظاهرية في منعهم ذلك إلا بنية من الليل.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 329 رقم 2455).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 111 رقم 733).
(3)
"المجتبى"(4/ 195 رقم 2327).
(4)
انظر "المجتبى"(4/ 193 - 195 رقم 2322: 2330)، وفي إحدى رواياته رقم [2326]:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم فقال: هل عندكم شيء تطعمينيه". وهذا الحديث هو عمدة الباب، وفيه أنه كان مجمع الصيام قبل أن يأتيها.
(5)
"سنن ابن ماجه"(1/ 543 رقم 1701).
وقال ابن حزم في "المحلى": ولا يجزئ صوم التطوع إلا بنية من الليل، وهو قول مالك وأبي سليمان.
قلت: مذهب الجمهور جواز ذلك ما لم ينتصف النهار، وهو مذهب عائشة أم المؤمنين، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وأنس، وأبي طلحة، وأبي أيوب، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وابن مسعود رضي الله عنهم.
وهو قول جماعة من التابعين أيضًا منهم: سعيد بن المسيب وعطاء الخراساني، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد والنخعي، والشعبي، والحسن البصري.
وأما نية صوم التطوع بعد الزوال فغير جائزة عند أصحابنا، وقال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل: مَن أصبح وهو ينوي الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولم يطأ؛ فله أن ينوي الصوم ما لم تغلب الشمس ويصح صومه.
وروي نحو ذلك عن حذيفة أنه قال: "مَن بدا له في الصيام بعد أن تزول الشمس فليصم".
ويروى ذلك عن عطاء، وسعيد بن المسيب.
ص: وقد عمل بذلك جماعة من أصحاب رسول عليه السلام من بعده.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب وروح، قالا: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال:"إذا أصبح أحدكم ثم أراد الصوم بعد ما أصبح فإنه بأحد النظرين".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال:"متى أصبحت يومًا فأنت على أحد النظرين ما لم تطعم أو تشرب، فصم وإن شئت فأفطر".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن:"أن حذيفة رضي الله عنه بدا له الصوم بعد ما زالت الشمس، فصام".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح، قال: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن المستورد -رجل من بني أسد- عن رجلٍ منهم:"أنه لزم غريمًا له فأتى ابن مسعود فقال: إني لزمت غريمًا لي من مراد إلى قريب الظهر، ولم أصم ولم أفطر فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا رَوْح، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: قال رجل لأنس بن مالك رضي الله عنه: "إني تسحرت ثم بدا لي أن أفطر؟ قال لي: إن شئت فأفطر؛ كان أبو طلحة يجيء فيقول: هل عندكم من طعام؟ فإن قالوا لا. قال: إني صائم".
حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، قال: ثنا محمَّد بن يزيد الرحبي، عن سهم بن حُبيش -ولم يكن بقي ممن شهد قتل عثمان رضي الله عنه غيره-:"أن عثمان أصبح في اليوم الذي قتل فيه فقال: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أتياني في هذه الليلة، فقالا لي: يا عثمان إنك مفطر عندنا الليلة، وإني أشهدكم أني قد أوجبت الصيام".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوحاظي، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول: والله لقد أصبحت وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا".
حدثثا علي بن شيبة، قال: روح، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن أبا طلحة كان يأتي أهله من الضحى فيقول: هل عندكم غداء؟ فإن قالوا: لا، صام ذلك اليوم".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا الفيض، قال: سمعت عبد الله بن سيار الدمشقي قال: "ساوم أبو الدرداء رجلًا بفرس، فحلف الرجل لا يبيعه، فلما مضى قال: تعالْ، إني أكره أن أؤثمك، إني لم أعُدْ اليوم مريضًا، ولم أطعم مسكينًا، ولم أصل الضحى، ولكن بقية يومي صائم".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا روح، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: حدثتنا أم الدرداء: "أن أبا الدرداء كان يجيء فيقول: هل عندكم من طعام؟ فإن قالوا: لا، قال: إني صائم".
حدثنا علي، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الله بن أبي عتبة:"أن أبا أيوب رضي الله عنه كان يفعل ذلك أيضًا".
حدثنا علي، قال: ثنا روح، عن ابن جريج قال:"زعم عطاء أنه كان يفعل ذلك".
ش: أي: قد عمل بما ذكرنا من فعل صوم التطوع بنية من أول النهار جماعة من الصحابة من بعد النبي عليه السلام، وأخرج في ذلك عن ثمانية من الصحابة وهم: عبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو طلحة، وعثمان ابن عفان، وعبد الله بن عباس، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم.
وواحد من التابعين وهو عطاء بن أبي رباح.
أما أثر ابن مسعود فأخرجه من ثلاث طرق:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم، وروح بن عبادة، كلاهما عن شعبة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبي الأحوص عوف بن مالك، عن عبد الله بن مسعود.
وهذا إسناد صحيح، ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق.
قوله: "فإنه بأحد النظرين" أراد أنه يخيَّر بين الأمرين إن شاء صام تطوعًا، وإن شاء أفطر.
الثاني: عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبي الأحوص عوف بن مالك
…
إلى آخره.
وهذا أيضًا صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عمارة، عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: "أحدكم بأحد النظرين ما لم يأكل أو يشرب".
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن المستورد بن الأحنف روى له الجماعة سوى البخاري
…
إلى آخره.
وفيه مجهول.
وبنو أسد ومراد قبيلتان.
وأما أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فأخرجه عن أبي بكرة، عن أبي داود سليمان ابن داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، عن الحارث الأعور فيه مقال، قال ابن المديني: الحارث كذاب. وقال أبو زرعة: لا يحتج بحديثه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال:"إذا أصبحت وأنت تريد الصوم فأنت بالخيار، إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت إلا أن تفرض على نفسك الصوم من الليل".
وأما أثر حذيفة رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن سليمان الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن سعد بن عبيدة السلمي أبي حمزة
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 289 رقم 9084).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 289 رقم 9083).
الكوفي ختن أبي عبد الرحمن السلمي على ابنته روى له الجماعة، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي روى له الجماعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن الأعمش، عن طلحة، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن:"أن حذيفة بدا له في الصوم بعد ما زالت الشمس فصام".
وقد تعلق به جماعة منهم سفيان وأحمد بن حنبل على جواز ذلك إلى آخر النهار، وقد ذكرناه.
وأما أثر أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه فأخرجه من طريقين:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية اليشكري البصري ثم الواسطي روى له الجماعة.
وأخرج ابن حزم في "المحلى": (2) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني وعبد الله بن أبي عتبة، قال ثابت: عن أنس بن مالك: "أن أبا طلحة كان يأتي أهله من الضحى فيقول: [هل] (3) عندكم غداء؟ قالوا: لا، قال: فأنا صائم".
الثاني: عن علي بن شيبة، عن روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): ثنا الثقفي ويزيد، عن حميد، عن أنس:"أن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول: هل عندكم من غداء؟ فإن قالوا: لا، قال: فإني صائم. زاد الثقفي: إن كان عندهم أفطر".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 290 رقم 9091).
(2)
"المحلى"(6/ 170).
(3)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من كتاب "المحلى"(6/ 170).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 291 رقم 9107).
وأما أثر عثمان بن عفان رضي الله عنه: فأخرجه عن ربيع بن سليمان الجيزي، عن عبد الله بن يوسف [التنيسي](1) شيخ البخاري، عن إسماعيل بن عياش بن سُليم الشامي ثقة فيما روى عن الشاميين وأغرب عن الحجازيين، روى له الأربعة، عن محمَّد بن يزيد الرحبي الدمشقي -قال الذهبي: لم أر لهم فيه كلامًا- عن سهم بن حُبَيْش -بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة- ويقال: خنيس -بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة- كذا ذكر ابن عساكر في ترجمته، وروى من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون، حدثني محمَّد بن يزيد الرحبي، حدثني رجل من الأزد يكنى أبا حُبَيش لقيه بدير سمعان ولم يكن بقي ممن شهد قتل عثمان غيره، فساق عنه قصة مقتل عثمان مطولة.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا إسحاق الرازي، عن أبي جعفر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أن عثمان رضي الله عنه أصبح يحدث الناس، قال: رأيت النبي عليه السلام الليلة في المنام، فقال: يا عثمان أفطر عندنا، فأصبح صائمًا وقتل من يومه".
وأما أثر ابن عباس رضي الله عنهما فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم ابن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن صالح الوُحَاظي الشامي شيخ البخاري، ونسبته إلى وحاظة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك.
عن سليمان بن بلال القرشي المدني روى له الجماعة، عن عمرو بن أبي عمرو ميسرة المدني روى له الجماعة، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وأخرج ابن حزم في "المحلى"(3): من طريق طاوس، عن ابن عباس. ومن
(1) في "الأصل، ك": "الفريابي"، وهو وهم تكرر من المؤلف مرارا وقد نبهنا عليه قريبا.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 181 رقم 30511).
(3)
"المحلى"(6/ 171).
طريق سعد بن عبيدة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قالا جميعا:"الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار".
وأما أثر أبي الدرداء -واسمه عويمر بن مالك- فأخرجه من طريقين:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي الفيض موسى بن أيوب -وقيل: ابن أبي أيوب- المهري الشامي الحمصي وثقه يحيى والعجلي، وقال أبو حاتم: صالح. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي.
عن عبد الله بن سَيَّار -بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف- الدمشقي لم أرَ لأحد فيه كلامًا.
قوله: "ساوم" من المساومة وهي المجاذبة بين الباع والمشتري على السلعة وفصل ثمنها، يقال: سَام يَسُوم سَوْمًا وسَام واسْتَام.
قوله: "أن أؤثمك" من الإيثام وهو أن يوقعه في الإثم.
قوله: "لم أعُد اليوم مريضًا" من عاد المريض يعوده عيادةً: إذا زاره وسأله عن حاله.
والثاني: عن علي بن شيبة، عن رَوْح بن عبادة، عن شعبة، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام، عن أم الدرداء زوج أبي الدرداء، واسمها هجيمة -ويقال: جهيمة- بنت حيي الوصابية كانت من العابدات، روى لها الجماعة.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أم الدرداء قالت:"كان أبو الدرداء يغدو أحيانًا فيجيء فيسأل الغداء، فربما لم يوافقه عندنا، فيقول: إني إذًا صائم".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 292 رقم 9109).
وأما أثر أبي أيوب الأنصاري واسمه خالد بن يزيد رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح:
عن علي بن شيبة، عن رَوْح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني، عن عبد الله بن أبي عتبة الأنصاري البصري مولى أنس بن مالك، روى له البخاري ومسلم وابن ماجه.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(1): من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني وعبد الله بن أبي عتبة -قال ثابت-: عن أنس بن مالك: "أن أبا طلحة كان يأتي أهله من الضحى، فيقول: عندكم غداء؟ فإن قالوا: لا. قال: فأنا صائم".
وقال ابن أبي عتبة: عن أبي أيوب الأنصاري، بمثل فعل أبي طلحة.
وأما أثر عطاء بن أبي رباح: فأخرجه عن علي بن شيبة، عن رَوْح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن عطاء.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2) مُطولا: عن ابن جريج ومعمر، قال ابن جريج: أخبرني عطاء، وقال معمر: عن الزهري وأيوب السختياني، قال الزهري: عن أبي إدريس الخولاني، وقال أيوب: عن أبي قلابة، ثم اتفق عطاء وأبو إدريس وأبو قلابة، كلهم عن أم الدرداء:"أن أبا الدرداء كان إذا أصبح يسأل أهله الغداء، فإن لم يكن قال: إنا صائمون".
وقال عطاء في حديثه (3): "إن أبا الدرداء كان يأتي أهله حين ينتصف النهار فيقول: هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده، فيقول: لَأُتِمَّنَّ صوم هذا اليوم. قال عطاء: وأنا أفعله".
(1)"المحلى"(6/ 170).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(4/ 272 رقم 7774).
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(4/ 273 رقم 7776).
ص: فهذا الصيام الذي تجزئ فيه النية بعد طلوع الفجر -الذي جاء فيه الحديث الذي ذكرنا عن رسول الله عليه السلام، وعمل به مَن ذكرنا من أصحابه رضي الله عنهم من بعده-: هو صوم التطوع.
ش: أي: هذا الصوم الذي تجوز النية فيه بعد طلوع الفجر الذي جاء فيه الحديث المرفوع، وهو الذي رواه عن عائشة أم المؤمنين، وهو الذي سبق ذكره عن قريب، وعمل به هؤلاء الصحابة الذين ذكرنا عنهم ما روي عنهم، هو صوم التطوع وكذلك صوم رمضان لتعينه بالوقت، على ما يجيء بيانه عن قريب.
ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام أيضًا أنه أمر الناس يوم عاشوراء بعد ما أصبحوا أن يصوموا، وهو حينئذٍ عليهم صومه فرضٌ كما صار صوم رمضان من بعد ذلك على الناس فرضًا، ورُويت عنه في ذلك آثارٌ سنذكرها في باب:"صوم يوم عاشوراء" فيما بعد هذا الباب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ش: لما قال فيما مضى: قد روي عن رسول الله عليه السلام في إباحة الدخول في الصيام بعد دخول الفجر. ثم بيَّن الآثار المذكورة فيه، ثم قال: هذا على خاصّ في الصوم وهو التطوع، بيَّن أيضًا أن صوم رمضان مثله، واستدل عليه بما روي عن النبي عليه السلام أنه أمر الناس يوم عاشوراء بالصوم بعد أن أصبحوا، والحال أنه كان فرضًا عليهم وقتئذٍ، ثم نسخ فرضه بفرض رمضان، ولما كان صوم يوم عاشوراء حين كان فرضًا جائزًا بنية من أول النهار، كان كذلك صوم رمضان جائزًا بنية من أول النهار.
فإن قيل: لم لا نقيس عليه الصوم المنذور المطلق، وقضاء رمضان، وصوم الكفارات؟
قلت: لا يجوز ذلك لعدم تعيين الزمان فيها، بخلاف صوم رمضان فإنه مُعيَّن في وقت كما كان صوم يوم عاشوراء حين كان فرضًا كان معينًا في وقت.
ص: فلما جاءت هذه الآثار عن رسول عليه السلام على ما ذكرنا؛ لم يجز أن يُجعل بعضها مخالفًا لبعض فتتنافى ويدفع بعضها بعضًا ما وجدنا السبيل إلى تصحيحها وتخريج
وجوهها، فكان حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكرناه عنها في هذا الباب في الصوم التطوع، فكذلك وجهه عندنا، وكان ما روي في عاشوراء في الصوم المفروض في اليوم الذي بعينه حكم الصوم المفروض في اليوم بعينه في ذلك اليوم جائز أن يعقد له النية بعد طلوع الفجر، ومن ذلك شهر رمضان، فهو فرض في أيام بعينها كيوم عاشوراء، إذ كان فرضًا في يوم بعينه، فكما كان يوم عاشوراء يجزيء مَن نوى صوم يومه بعد ما أصبح، فكذلك شهر رمضان يجزئ مَن نوى صوم يوم منه صومه ذلك.
وبقي بعد هذا ما روينا في حديث حفصة عن النبي عليه السلام، فهو عندنا في الصوم الذي هو خلاف هذين الصومين من صوم الكفارات وقضاء شهر رمضان، حتى لا يضادّ ذلك شيئًا -مما ذكرنا في هذا الباب- غيره.
ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها في هذا الباب، وأراد بقوله على ما ذكرنا أن ببعضها احتجت أهل المقالة الأولى، وببعضها أهل المقالة الثانية، فيكون ما تحتج به إحدى الطائفتين مخالفًا للأخرى بحسب الظاهر، ولكنه منع ذلك بقوله: لم يجز أن يجعل بعضها -أي بعض هذه الآثار- مخالفًا لبعض -فتتنافى ويدفع بعضها بعضًا، فقوله: تتنافى ويدفع كلاهما تنازعا في قوله بعضها.
قوله: "ما وجدنا السبيل" أي: مدة وجداننا الطريق إلى تصحيح الآثار وتخريج وجوهها على وجه لا يقع فيها منافاة وتخالف، ثم شرع في بيان ذلك بقوله: فكان حديث عائشة
…
إلى آخره.
بيان ذلك: أن ها هنا ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث عائشة وهو وارد في صوم التطوع بلا شك، وحكمه جواز التطوع بنية في أول النهار، وهو معنى قوله: فذلك وجهه عندنا.
والثاني: الحديث الذي ورد في صوم يوم عاشوراء لما كان فرضًا، فحكمه جواز الصوم المفروض في يوم معيَّن بنية في أول النهار فلحق به صوم رمضان أيضًا؛ لأنه مفروض في أيام معينة، أشار إليه بقوله: ومن ذلك شهر رمضان
…
إلى آخره.
الثالث: حديث حفصة المذكور في أول الباب الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فإنه محمول على صوم غير الصومين المذكورين، وهما: الصوم التطوع، والصوم المفروض في وقت معيَّن، وهو صوم قضاء رمضان وصوم الكفارات والصوم المنذور بلا تعيين يوم.
فبهذا التصحيح والتخريج ارتفع أن يضاد بعضها بعضًا؛ لأن في مثل هذا إعمالًا بالدلائل كلها، وفيما ذهب إليه المخالف إهمال لبعضها، وإعمال كلها أول، من إعمال البعض وإهمال البعض.
ص: ويكون حكم النية التي يدخل بها في الصوم على ثلاثة أوجه:
فما كان منه فرضًا في يوم بعينه كانت تلك النية مجزئة قبل دخول ذلك اليوم في الليل، وفي ذلك اليوم أيضًا.
وما كان منه فرضًا لا في يوم بعينه كانت النية التي يُدخل بها فيه في الليلة التي قبله ولم يُجز بعد دخول اليوم.
وما كان منه تطوعًا كانت النية التي يُدخل بها فيه في الليل الذي قبله وفي النهار الذي بعد ذلك.
فهذا هو الوجه الذي تخرج عليه الآثار التي ذكرنا ولا تتضاد. فهو أولى ما حملت عليه، وإلى ذلك كان يذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمدٌ رحمهم الله، إلا أنهم كانوا يقولون: ما كان منه تجزئ النية فيه بعد طلوع الفجر مما ذكرنا فإنها تجزئ في صدر النهار الأول، ولا تجزى فيما بعد ذلك.
ش: لما كانت أحاديث هذا الباب على ثلاثة أنواع، صارت نية الصوم أيضًا ثلاثة أنواع:
الأول: النية التي توجد في الصوم المفروض في يوم معين، فإنها تجوز في ليل ذلك اليوم، وتجوز في اليوم أيضًا، وهو معنى قوله: "فما كان منه فرضًا في يوم بعينه
…
" إلى آخره.
الثاني: النية التي توجد في الصوم المفروض لا في يوم معيَّن فإنها لا تجوز إلا في الليل، وهو معنى قوله: "وما كان منه فرضا لا في يوم بعينه
…
" إلى آخره.
الثالث: النية التي تجوز في الليل والنهار، وهو معنى قوله: "وما كان تطوعًا
…
" إلى آخره.
قوله: "وإلى ذلك" أي: إلى هذا التخريج والتقسيم يذهب أبو حنيفة وصاحباه.
قوله: "إلا أنهم
…
إلى آخره" إشارة إلى أن أبا حنيفة وصاحبيه وإن كانوا جوزوا صوم التطوع بنية من النهار، ولكن قيدوا ذلك بأن يكون إلى ما قبل الزوال، حتى لو نوى بعد الزوال لا يجوز، وقد ذكرنا الفرق فيه فيما مضى، والله أعلم.