الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: صوم يوم عرفة
ش: أي هذا باب في بيان حكم الصوم في يوم عرفة.
وعرفة اسم لليوم التاسع من ذي الحجة، واسم للمكان المشهور به، ويسمى عرفات أيضًا؛ لأن آدم وحواء صلوات الله عليهما تلاقيا هناك وتعارفا.
ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا بشر بن بكر. (ح)
وحدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم. (ح)
وحدثنا بكر بن إدريس وصالح بن عبد الرحمن، قالا: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قالوا: ثنا موسى بن عُلَيّ، عن أبيه، عن عقبة- وقال بكر وصالح في حديثهما: قال: سمعت أبي يحدث عن عقبة- عن النبي عليه السلام قال: "إن أيام الأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة عيد أهل الإِسلام، أيام أكل وشرب".
ش: هذه ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني صاحب محمَّد بن الحسن الشيباني، عن بشر بن بكر التنيسي شيخ الشافعي، عن موسى بن عُلي -بضم العين وفتح اللام- عن أبيه عُليّ بن رباح اللخمي المصري، عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا الحسن بن علي، قال: ثنا وهب، عن موسى بن عُلَيّ.
ونا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عُلي -والإخبار في حديث وهب- قال: سمعت أبي، أنه سمع عقبة بن عامر قال: قال رسول الله عليه السلام: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام إلى وشرب".
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن موسى بن عُلَيّ، عن أبيه، عن عقبة.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 320 رقم 2419).
وأخرجه الترمذي (1): ثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عُلي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله عليه السلام: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإِسلام، وهي أيام أكل وشرب".
وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائى (2) أيضًا نحوه.
الثالث: عن بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي، وصالح بن عبد الرحمن، كلاهما عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ القصير شيخ البخاري، عن موسى بن عُلَيّ
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(3): من حديث موسى بن عُلي، سمعت أبي يحدث، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله عليه السلام قال:"يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإِسلام، وهي أيام أكل وشرب".
قوله: "إن أيام الأضحى" أيام الأضحى ثلاثة أيام: يوم العيد وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، ويومان بعده وهما الحادي عشر والثاني عشر، وهذا عندنا، وعند الشافعي أيام الأضحى أربعة، وهي: هذه الثلاثة، والرابع هو اليوم الثالث عشر.
وأما أيام التشريق فهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهذا قول الأكثرين، وقيل: بل هي أيام النحر، واختلف في تسميتها بأيام التشريق، فقيل: سميت بذلك لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها، وهو تقديدها ونشرها في الشمس لتجف، وقيل: لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس، وقيل: بل لصلاة العيد عند شروق الشمس في أول يوم منها، فصارت هذه الأيام تبعا ليوم النحر.
(1)"جامع الترمذي"(3/ 143 رقم 773).
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 420 رقم 3995).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 298 رقم 8245).
قوله: "أيام أكل" كلام إضافي وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي أيام أكل وشرب، ويجوز نصبه على أنه بدل من قوله:"أيام الأضحى".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه كصوم يوم النحر.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: بعض أهل الحديث وبعض الظاهرية، فإنهم قالوا: صوم يوم عرفة كصوم يوم النحر حرام، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور سواء كان للحاج أو غيره.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بصوم يوم عرفة.
ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور الفقهاء والمحدثين من التابعين ومَن بعدهم منهم: مسروق وإبراهيم النخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: لا بأس بصوم يوم عرفة، والأفضل لغير الحاج صومه، وأما الحاج فالفطر أفضل له، وقال القاضي: وفطر يوم عرفة مستحب للحاج عند جماعة من العلماء، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين وجماعة من السلف؛ ليتقووا بذلك على ما هم بسبيله من الوقوف والدعاء والسعي من عمل الحج.
وروي عن جماعة من السلف اختيار صومه والترغيب فيه، وجاءت فيه آثار قد ذكرها مسلم وغيره، ويجمع بينهما أن الأفضل لسائر الناس غير الحاج صومها للآثار الواردة في ذلك، والأفضل للحاج فطرها لاختيار النبي عليه السلام ذلك لنفسه، وسنته ذلك لمن بعده.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أنه قد يجوز أن يكون النبي عليه السلام إنما أراد بنَهْيِه عن صوم يوم عرفة بالموقف؛ لأنه هناك عيد وليس في غيره كذلك، وقد بين ذلك أبو هريرة.
حدثنا محمَّد بن إدريس المكي وابن أبي داود، قالا: ثنا سليمان بن حرب. (ح)
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قالا: ثنا حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة قال:"كنا مع أبي هريرة في بيته، فحدثنا أن رسول الله عليه السلام نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة".
فأخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن النهي من رسول الله عليه السلام عن صوم يوم عرفة إنما هو بعرفة خاصة.
ش: أي: وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه: أنه قد يجوز
…
إلى آخره.
وأراد بها الجواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى، بيانه: أن يقال: استدلال هؤلاء في تحريم صوم يوم عرفة بحديث عقبة لا يتم؛ لأنه قد يجوز أن يكون عليه السلام أراد بنهيه عن صوم يوم عرفة بعرفة وهي الموقف؛ لأن ذلك اليوم هناك عيد فيصير كسائر الأعياد، وليس في غير الموقف كذلك، وقد بيَّن هذا المعنى أبو هريرة في حديثه: أنه عليه السلام نهى [عن](1) صوم يوم عرفة بعرفة، فأخبر أن النهي عن صوم يوم عرفة إذا كان بعرفة -وهي الموقف- خاصة دون غيره.
وأخرج الحديث المذكور من طريقين:
الأول: عن محمَّد بن إدريس بن عمر المكي وإبراهيم بن أبي داود البرلسي، كلاهما عن سليمان بن حرب بن بُجَيْل الأزدي شيخ البخاري وأبي داود، عن حوشب بن عقيل الجرمي البصري- وثقه أبو داود والنسائي وابن حبان، وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث فقط.
عن مهدي بن حرب الهجري المحاربي وثقه ابن حبان، وروى له هؤلاء.
عن عكرمة مولى ابن عباس
…
إلى آخره.
(1) ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حوشب بن عَقيل
…
إلى آخره نحوه سواء.
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن حوشب
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمَّد، قالا: ثنا وكيع، حدثني حوشب بن عقيل، حدثني مهدي العبدي، عن عكرمة قال:"دخلت على أبي هريرة في بيته، فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات، فقال أبو هريرة: نهى رسول الله عليه السلام عن صوم يوم عرفة بعرفات".
فإن قيل: ما حال هذا الحديث؟
قلت: سكوت أبي داود عنه يدل على صحته، ولا شك أنه صحيح لأن رجاله ثقات.
فإن قيل: ضعفه ابن حزم قال: وفي إسناده حوشب بن عقيل وليس بالقوي، عن مهدي الهجري وهو مجهول، ومثل هذا لا يحتج به، قال يحيى بن معين: لا أعرفه.
قلت: تضعيف ابن حزم ضعيف، وحوشب وثقه وكيع وأحمد والنسائي وابن حبان، وقال أحمد: كان ثقة من الثقات، وقال يحيى: ثقة.
ومهدي بن حرب مشهور ذكره ابن حبان في "الثقات".
فإن قيل: ما محل الباء في "بعرفة"؟
قلت: النصب على الحال، فافهم.
ص: واحتج أهل المقالة الأول لقولهم أيضًا بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال:"لم يَصُم رسول الله عليه السلام ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم يوم عرفة".
(1)"سنن أبي داود"(2/ 326 رقم 2440).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 551 رقم 1732).
قيل لهم: هذا أيضًا عندنا على الصيام يوم عرفة بالموقف، وقد بيَّن ذلك ابن عمر في غير هذا الحديث.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا رَوْح بن عبادة وأبو داود، قالا: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل:"أن رجلًا سأل ابن عمر عن صوم يوم عرفة بالموقف، فقال: خرجنا مع رسول الله عليه السلام فلم يَصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمرك، ولا أنهاك، فإن شئت فصم، وإن شئت فلا تصمه".
فبيَّن هذا الحديث أن ما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما هو على الصوم بالموقف.
ش: أي: احتج أهل المقالة الأولى لما ذهبوا إليه من ترك صوم يوم عرفة بحديث عبد الله بن عمر؛ فإنه لما سئل عن ذلك قال: "لم يصم رسول الله عليه السلام
…
" إلى آخره.
وأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموى المكي روى له الجماعة، عن نافع .. إلى آخره.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(1): من طريق مؤمل، عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية
…
إلى آخره نحوه، وصححه.
قوله: "قيل لهم
…
إلى آخره" جواب عن ذلك، أي: قيل لهؤلاء: هذا أيضًا محمول عندنا على الصوم يوم عرفة بالموقف كما قلنا؛ ليتقووا بذلك على ما هم بسبيله من الوقوف والدعاء والسعي في أعمال الحج، وقد بيَّن ذلك المعنى عبد الله بن عمر حيث أجاب لما سأله السائل عن صوم يوم عرفة بقوله: "خرجنا مع رسول الله عليه السلام فلم يَصمه
…
" إلى آخره.
فبيَّن في هذا أن ما رواه نافع عنه هو محمول على الصوم بالموقف".
(1)"المحلى"(7/ 18).
وأخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن رَوْح بن عبادة وأبي داود سليمان بن داود الطيالسي، كلاهما عن شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه أبي نجيح واسمه يسار الثقفي المكي.
عن رجل وهو مجهول: "أن رجلًا
…
إلى آخره".
وأخرجه الترمذي (1) نحوه معلقًا، وقال: قد روي هذا الحديث عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه أيضًا وليس فيه مجهول: ثنا أحمد بن منيع وعليّ بن حجر، قالا: ثنا سفيان بن عيينة وإسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه قال:"سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة بعرفة قال: "حججت مع النبي عليه السلام فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
وقال ابن حزم في "المحلى"(2): أما أن رسول الله عليه السلام فلم يصمه فلا حجة لهم في ذلك؛ لأنه عليه السلام قد حَضَّ على صيامه أعظم حضٍّ، وأخبر أنه يكفر ذنوب سنتين، وما علينا أن ننتظر بعد هذا أيصومه عليه السلام أم لا؟ فقد حدثنا أبو يوسف بن عبد الله، قال: ثنا أحمد بن محمَّد بن الجسور، قال: نا قاسم بن أصبغ، نا مطرف بن قيس، نا يحيى بن بكير، نا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:"إن كان رسول الله عليه السلام ليترك العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم".
وأما ترك أبي بكر وعمر وابن عمر وابن عباس صيامه فقد صامه غيرهم كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سهل بن أبي الصلت، عن الحسن البصري:
(1)"جامع الترمذي"(3/ 125 رقم 751).
(2)
"المحلى"(7/ 18).
"أنه سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: صامه عثمان بن عفان في يوم حار يظلل عليه".
ومن طريق حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق:"أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة في الحج".
ومن طريق هشام بن عروة: "أن عبد الله بن الزبير كان يدعو عشية عرفة إذا أفاض الناس بماء ثم يفيض".
ص: وقد روي عن ابن عمر في الأمر بصوم يوم عرفة ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سهل بن بكار، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا رقبة، عن جبلة بن سُحَيم قال:"سمعت ابن عمر يُسْأَل عن صوم يوم الجمعة ويوم عرفة، فأَمَرَ بصيامهما".
ش: ذكر هذا تأييدًا للتأويل الذي ذكره في حديث ابن عمر السابق؛ وذلك لأن خبره فيه لو كان عامًّا لما أمَرَ في هذا الحديث بصوم يوم عرفة، فحيث أَمَرَ عُلِمَ أن ذاك محمول على الصوم بالموقف.
وأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود، عن سهل بن بكار الدارمي شيخ البخاري وأبي داود، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن رقبة بن مصقلة العبدي الكوفي، عن جبلة بن سُحيم التيمي الكوفي.
ومما يستفاد منه: عدم كراهة صوم يوم الجمعة، ولكن منع جمهور العلماء صوم يوم الجمعة وحدها؛ لتظاهر الأحاديث الصحيحة بالمنع عن ذلك، وروي عن مالك أن صوم يوم الجمعة مستحب، فهذا الأثر مما يقوِّي كلام مالك.
وقال القاضي: قال مالك في "موطئه": لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسنٌ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه.
قال الإِمام: ذكر بعض الناس أنه محمَّد بن المنكدر، وقال الداودي: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، وأراد بقوله عليه السلام "لا تخصوا يوم الجمعة بصيام إلا أن يكون في صوم
يصومه أحدكم"، وفي لفظ "إلا أن يصوم قبله أو بعده" رواه مسلم (1) وغيره (2).
ولو بلغه لم يخالفه.
وقال القاضي: أخذ بظاهر الحديث الشافعي.
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، يكرهون للرجل أن يختص يوم الجمعة بصيام لا يصوم قبله ولا بعده. وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال ابن حزم في "المحلى": ولا يحل صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يومًا قبله أو يومًا بعده، فلو نذر إنسان كان نذره باطلًا، ولو كان إنسان يصوم يومًا ويفطر يومًا فجاء صومه في يوم الجمعة فليصمه. ثم نقل أن ذلك مذهب علي وأبي هريرة ومجاهد وإبراهيم النخعي والشعبي وابن سيرين.
فإن قيل: ما الحكمة في منع صوم يوم الجمعة؟
قلت: قال المهلب: وجه النهي عنه خشية أن يستمر عليه فيفرض، أو خشية أن يلزم الناس من تعظيمه ما التزم اليهود والنصارى في سبتهم وأحدهم في ترك العمل.
ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام في ثواب صوم يوم عرفة من حديث ابن عمر وأبي قتادة الأنصاري ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت غيلان بن جرير يحدث، عن عبد الله بن معبد، عن أبي قتادة الأنصاري:"أن رسول الله عليه السلام سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: يكفِّر السنة الماضية والباقية".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا أبي، قال: سمعت غيلان، ابن جرير يحدث، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة
قال: قال رسول الله عليه السلام: "إني أحتسب على الله في صيام يوم عرفة أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 801 رقم 1144) من حديث أبي هريرة
(2)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(8/ 377 رقم 3613)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2/ 198 رقم 1176)، وابن حزم في "المحلى"(7/ 20)، وكذلك رواه ابن أبي شيبة والبزار والحاكم وغيرهم.
حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا المعتمر، قال: قرأت على الفضيل قال: حدثني أبو حريز، أنه سمع سعيد بن جبير يقول:"سأل رجل ابن عمر عن صوم يوم عرفة قال: "كنا ونحن مع رسول الله عليه السلام نعدله بصوم سنه.
فثبت بهلا الأمر عن رسول الله عليه السلام الترغيب في صوم يوم عرفة، فدل ذلك أن ما كره من صومه في الآثار الأول هو للعارض الذي ذكرنا من الوقوف بعرفة؛ لشدة تعبهم.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
ش: أخرج أحاديث الترغيب في صوم يوم عرفة لدلالتها على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وهذا ظاهر. ورواها أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري وعبد الله ابن عمر رضي الله عنهم.
وأخرج حديث أبي قتادة من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكار، عن شعبة
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (1): ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار -واللفظ لابن مثنى- قالا: ثنا محمَّد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن غيلان بن جرير، سمع عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة
…
إلى آخره نحوه سواء.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزِّمَّاني -بكسر الزاي المعجمة وتشديد الميم- نسبة إلى زِمَّان بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 819 رقم 1162).
وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا أحمد بن عبدة، أنا حماد بن زيد، ثنا غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله عليه السلام: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله [أن يكفر] (2) السنة التي قبله والتي بعده".
قوله: "أني أحتسب على الله" أي: أعتد عليه بسبب ذلك كفارة ذنوب سنتين: السنة الماضية والسنة الباقية.
والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدّ، ويقال لمن ينوي بعمله وجه الله: احْتسِبْهُ؛ لأن له حينئذٍ أن يعقد عمله، فجعله في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به.
وأخرج حديث عبد الله بن عمر: عن علي بن عبد الرحمن، عن يحيى بن معين الإِمام في الجرح والتعديل، عن المعتمر بن سليمان بن طرخان البصري روى له الجماعة، عن الفضيل بن ميسرة الأزدي العقيلي أبي معاذ البصري، وثقه يحيى وابن حبان، وقال أحمد والنسائي: لا بأس به. روى له الأربعة غير الترمذي.
عن أبي حريز -بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي معجمة- واسمه عبد الله بن الحسن الأزدي قاضى سجستان، عن يحيى: بصري ثقة. وعنه: ضعيف. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو داود: ليس حديثه بشيء. روى له الأربعة، واستشهد به البخاري.
عن سعيد بن جبير
…
إلى آخره.
قوله: "فثبت بهذه الآثار" أشار به إلى حديث أبي قتادة وابن عمر رضي الله عنهم وكذلك قوله: "فدل ذلك".
قوله: "للعارض" بَيَّنَهُ بقوله: "من الوقوف بعرفة".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 551 رقم 1730).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن ابن ماجه".