الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الزكاة هل يأخذها الإمام أم لا
؟
ش: أي: هذا باب في بيان أن الإِمام هل يأخذ الزكاة من الناس جبرًا أم لا؟
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص:"أن وفد ثقيف قدِموا على رسول الله عليه السلام فقال لهم: لا تحشروا ولا تعشروا".
ش: إسناده صحيح.
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري. وحميد هو الطويل. والحسن هو البصري. وعثمان بن أبي العاص الثقفي أبو عبد الله الطائفي قدم على النبي عليه السلام في وفد ثقيف، واستعمله النبي عليه السلام على الطائف، ثم أقره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا أحمد بن علي بن سويد، قال: ثنا أبو داود، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص:"أن وقد ثقيف لما قدموا على رسول الله عليه السلام أنزلهم في المسجد ليكون أرقَّ لقلوبهم، فاشترطوا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يُجبّوا، فقال رسول الله عليه السلام: لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع".
قوله: "لا تحشروا" أي: لا تندبون إلى المغازي، ولا تضرب عليكم البعوث، وقيل: أي: لا تحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالكم، بل يأخذها في أماكنكم، وأصله من الحشر وهو الجمع.
قوله: "ولا تعشروا" أي: لا يؤخذ عشر أموالكم.
(1)"سنن أبي داود"(3/ 163 رقم 3026).
وقيل: أراد بها الصدقة الواجبة، وإنما فسح لهم في تركها؛ لأنها لم تكن واجبةً يومئذٍ عليهم إنما تجب بتمام الحول. وسئل جابر رضي الله عنه عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليهم ولا جهاد؟ فقال: علم أنهم سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا.
قوله: "ولا يجبوا" على صيغة المجهول من التجبية -بالجيم- وهو أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: هو السجود، والمراد بقولهم: لا يجبوا، أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع لقوله في جوابهم:"ولا خير في دين ليس فيه ركوع" فسمى الصلاة ركوعًا؛ لأنه بعضها، وإنما لم يرخص لهم في ترك الصلاة؛ لأن وقتها حاضر متكرر بخلاف وقت الزكاة والجهاد.
ص: حدثنا أحمد، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسرائيل بن يونس، عن إبراهيم بن مهاجر البجلي، عن عمرو بن حُريث، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: قال رسول الله عليه السلام: "يا معشر العرب احمدوا الله إذ رفع عنكم العشور".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن رجل، حدثه عن عمرو بن حريث، يحدث عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول
…
فذكر مثله.
ش: هذان طريقان:
الأول: عن أحمد بن داود المكي، عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي الكوفي تكلم فيه النسائي، عن زكرياء بن أبي زائدة، واسم أبي زائدة خالد بن ميمون الوادعي الكوفي، أحد أصحاب أبي حنيفة روى له الجماعة، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي روى له الجماعة، عن إبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي الكوفي روى له الجماعة إلا البخاري، عن عمرو بن حريث بن عمرو المخزومي المدني وثقه ابن حبان، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي أحد
العشرة المبشرة بالجنة وابن عم عمر بن الخطاب وصهره على أخته فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنهم.
والثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الزبيري الكوفي، عن إسرائيل
…
إلى آخره.
ورجاله ثقات، ولكن فيه مجهول.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا الفضل بن دُكين، نا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، حدثني مَن سمع عمرو بن حريث، يحدث عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "يا معشر العرب احمدوا الله الذي رفع عنكم العشور".
وأخرجه البزار أيضًا في "مسنده"(2): عن محمَّد بن المثنى، عن أبي أحمد، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن رجل، عن عمرو بن حريث
…
إلى آخره نحوه سواء.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(3): عن محمَّد بن عبد الله بن الزبير، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن رجل، عن عمرو بن حريث، قال: سمعت سعيد بن زيد قال: قال رسول الله عليه السلام: "يا معشر العرب احمدوا ربكم الذي رفع عنكم العشور".
قوله: "إذْ رفع عنكم العشور" أراد ما كانت الملوك تأخذه منهم.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن معبد والحماني، قالا: ثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن جده أبي أمه، عن أبيه، قال: قال رسول الله عليه السلام: "ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على أهل الذمة".
(1)"مسند أحمد"(1/ 190 رقم 1654).
(2)
"مسند البزار"(4/ 84 رقم 1254).
(3)
"مسند أبي يعلى"(2/ 256 رقم 964).
ش: الحماني هو يحيى بن عبد الحميد أبو زكرياء الكوفي وقد تكرر ذكره. وأبو الأحوص سلام بن سُليم الحنفي روى له الجماعة.
وعطاء بن السائب بن مالك الثقفي، قال العجلي: كان شيخًا ثقة قديمًا، فمن سمع منه قديمًا فهو صحيح الحديث، منهم سفيان، فأما من سمع منه بأخرة فهو مضطرب الحديث منهم هشيم. روى له البخاري متابعةً حديثًا، وأحمد والأربعة.
وحرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي، قال البخاري: لا يتابع عليه.
وقد اختلفت الرواية عن حرب بن عبيد الله هذا، فقال عبد السلام بن حرب: عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن جده رجل من بني تغلب، قال:"أتيت النبي عليه السلام فأسلمت وعلمني الإسلام وعلمني كيف آخذ الصدقة".
وقال عبد الرحمن بن مهدي: عن سفيان، عن عطاء، عن رجل من بكر بن وائل، عن خاله:"قلت: يا رسول الله، أعْشُرُ قومي؟ ".
وقال وكيع: عن سفيان، عن عطاء، عن حرب، عن النبي عليه السلام مرسلًا.
وقيل: عن سفيان، عن عطاء، عن حرب، عن خالٍ له.
وقال حماد بن سلمة: عن عطاء، عن حرب، عن رجل من أخواله.
وقال جرير: عن عطاء، عن حرب بن هلال الثقفي، عن أبي أمامة بن ثعلبة.
وقال نُصَير بن أبي الأشعث: عن عطاء، عن حرب، عن أبي جده.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حرب بن عبيد الله الثقفي روى عن خالٍ له من بكر بن وائل، قال: "أتيت النبي عليه السلام
…
". روى عنه عطاء بن السائب سمعت أبي يقول ذلك.
واختلفت الرواة عن عطاء على وجوه، فكان أشبهها ما روى الثوري، عن عطاء بن السائب فلا يشتغل -أبي يقول ذلك- برواية جرير وأبي الأحوص ونُصير بن أبي الأشعث.
وقال عباس الدوري: قلت ليحيى: تعرف أحدًا يقول: عن جده أبي أمه، وفي رواية: عن جده أبي أمه، عن أخيه؟ قال: لا، كأنه عنده إنما هو: عن جده أبي أمه فقط، قال: وسألته عن حديث عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن خاله، مَن خاله؟ قال: لا أدري.
قلت: أخرج أبو داود (1) نحو رواية الطحاوي أولًا، ثم أخرج على نحو الاختلاف الذي ذكرناه فقال: ثنا مسدد، قال: نا أبو الأحوص، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن جده أبي أمه، عن أبيه، قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور".
ونا (2) محمَّد بن عبيد الله المحاربي، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن النبي عليه السلام بمعناه، قال:"الخراج" مكان "العشور".
ونا (3) محمَّد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء، عن رجل من بني بكر بن وائل، عن خاله:"قلت: يا رسول الله، أعشر قومي؟ قال: إنما العشور على اليهود والنصارى".
وثنا (4) محمَّد بن إبراهيم البزار، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبد السلام، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله بن عُمير الثقفي، عن جده رجل من بني تغلب، قال:"أتيت النبي عليه السلام فأسلمت وعلَّمني الإِسلام، وعلَّمني كيف آخذ الصدقة من قومي ممن أسلم، ثم رجعت إليه فقلت: يا رسول الله، كل ما علمتني قد حفظت إلا الصدقة؛ أفأعشرهم؟ قال: لا، إنما العُشر عَلى اليهود والنصارى".
(1)"سنن أبي داود"(3/ 169 رقم 3046).
(2)
"سنن أبي داود"(3/ 169 رقم 3047).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 169 رقم 3048).
(4)
"سنن أبي داود"(3/ 169 رقم 3049).
ورواه البيهقي في "سننه الكبير"(1): من حديث أبي بكر بن عياش، عن نُصير، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي حمدة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على اليهود والنصارى".
قال: ورواه البخاري في "تاريخه"(2) دون ذكر أبيه.
ورواه أحمد في "مسنده"(3): ثنا ابن دُكين، نا سفيان، عن عطاء، عن حرب بن عبيد الله الثقفي، عن خاله، قال:"أتيت رسول الله عليه السلام فذكر له أشياء، فسأله فقال: أعشرها؟ فقال: إنما العشور على اليهود والنصاري، ليس على المسلمين عشور".
وقال ابن الأثير: والعشور: جمع عُشر، يعني ما كان من أموالهم للتجارات دون الصدقات، والذي يلزمهم من ذلك عند الشافعي ما صولحوا عليه وقت العهد، فإن لم يصالحوا على شيء فلا يلزمهم إلا الجزية.
وقال أبو حنيفة: إن أخذوا من المسلمين إذا دخلوا بلادهم للتجارة أخذنا منهم إذا دخلوا بلادنا للتجارة.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قومٌ إلى أن الإِمام ليس له أن يبعث على المسلمين من يتولى أخذ صدقاتهم، ولكن المسلمين بالخيار إن شاءوا أدوها إلى الإِمام فتولى وضعها في مواضعها التي أمره الله عز وجل بها، وإن شاءوا فرقوها في تلك المواضع، وليس للإمام أن يأخذها منهم بغير طيب أنفسهم، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار التي رويناها عن رسول الله عليه السلام، وبما روي عن عمر رضي الله عنه.
حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: أنا سفيان، عن عمرو، عن مسلم بن يسار قال:"قلت لابن عمر: كان عمر يَعشر المسلمين؟ قال: لا".
(1)"سنن البيهقي الكبير"(9/ 211 رقم 18553).
(2)
"التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 60 رقم 220).
(3)
"مسند أحمد"(3/ 474 رقم 15937).
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي ومكحولًا وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: المسلمون بالخيار إن شاءوا أدوا صدقاتهم إلى الإِمام، وإن شاءوا فرقوها بأنفسهم.
وقال ابن قدامة (1): يستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقيها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة.
قال الإِمام أحمد: أعجب إليَّ أن يخرجها بنفسه، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز.
وقال طاوس: لا تعطهم. وقال عطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها.
وقال الشعبي وأبو جعفر: إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلها.
وقال إبراهيم: ضعوها في مواضعها فإن أخذها السلطان أجزأك.
وروي عن أحمد أنه قال: أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان، وأما زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين، فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصةً إلى الأئمة.
قوله: "واحتجوا في ذلك" أي: احتج هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه بحديث عثمان بن أبي العاص وسعيد بن زيد وحرب بن عبيد الله، عن جده، عن أبيه.
قوله: "وبما روي" أي: واحتجوا أيضًا بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أخرجه بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن مسلم بن يسار المكي الفقيه، عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
(1)"المغني"(2/ 505).
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: للإمام أن يولي أصحاب الأموال صدقات أموالهم حتى يضعوها مواضعها، وللإمام أيضًا أن يبعث عليها مصدقين حتى يعشروها ويأخذوا الزكاة منها.
ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي والأوزاعي والثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: ينصب الإِمام من يأخذ صدقات أموالهم ويبعث مصدقين ليعشروها ويأخذوا الزكوات منها، وله أن يفوض لأرباب الأموال فيصرفونها مصارفهم.
وقال صاحب "البدائع": مال الزكاة نوعان:
ظاهر: وهو المواشي، والمال الذي يمر به التاجر على العاشر.
وباطن: وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها.
أما الظاهر فللإمام ونوابه وهم المصدقون من السعاة والعشار ولاية الأخذ، والساعي هو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها، والعاشر هو الذي يأخذ الصدقة من التاجر الذي يمر عليه، والمصدق: اسم جنس.
والدليل على أن للإمام ولاية الأخذ في المواشي في الأموال الظاهرة: الكتاب والسنة والإجماع وإشارة الكتاب.
أما الكتاب فقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
…
} (1) الآية، نزلت في الزكاة عند عامة أهل التأويل أمر نبيَّه عليه السلام بأخذ الزكاة، فدل أن للإمام المطالبة بذلك والأخذ، وقال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (2)، فقد بيَّن الله تعالى، ذلك بيانًا شافيًا حيث جعل للعاملين عليها حقًّا، فلو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بصدقات الأنعام في أماكنها، وكان أداؤها إلى أرباب الأموال، لم يكن لذكر العاملين وجه.
(1) سورة التوبة، آية:[103].
(2)
سورة التوبة، آية:[60].
وأما السنة فإن رسول الله عليه السلام كان يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان والآفاق لأخذ صدقات الأنعام والمواشي في أماكنها، وعلى ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
وكذا المال الباطن إذا مرَّ به التاجر على العاشر كان له أن يأخذها في الجملة، وعليه إجماع الصحابة؛ فإن عمر رضي الله عنه نصب العُشار وقال لهم: خذوا من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العُشر. ومن الحربي العُشر. وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُنقل أنه أنكر عليه أحد منهم فصار إجماعًا.
وأما المال الباطن الذي يكون في المصر قال عامة مشايخنا: إن رسول الله عليه السلام وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم طالبوا بزكاته وعثمان رضي الله عنه طالب مدة ولما كثر أموال الناس رأى أن في تتبعها حرجًا على الأئمة، وفي تفتيشها ضررًا بأرباب الأموال، ففوض إلى أربابها الأداء. انتهى.
قلت: هذا الكلام يدل على أن مذهب أبي حنيفة أن ولاية الأخذ في الزكوات للإمام سواء كان من الأموال الظاهرة أو من الأموال الباطنة، وأشار إلى ذلك الطحاوي أيضًا حيث قال في وجه النظر في هذا الباب: فإنا قد رأيناهم أنهم لا يختلفون أن للإمام أن يبعث إلى أرباب المواشي السائمة حتى يأخذ منهم صدقة مواشيهم إذا وجبت فيها الصدقة، وكذلك يفعل في ثمارهم.
فالنظر على ذلك أن تكون بقية الأموال من الذهب والفضة وأموال التجارات كذلك، ثم قال: وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، فعلى هذا: ما ذكره بعض أصحابنا الحنفية في مختصراتهم من أن الإِمام لا يتعرض إلى الأموال الباطنة، غير صحيح وأنه ليس مذهب أبي حنيفة.
ص: وكان في الحجة على أهل المقالة الأولى: أن العشر الذي كان رسول الله عليه السلام رفعه عن المسلمين هو العشر الذي كان يؤخد في الجاهلية، وهو خلاف الزكاة، وكان يسمونه المكس، وهو الذي روى عقبة بن عامر فيه عن النبي عليه السلام ما قد حدثنا فهد،
قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال: ثنا عبد الرحيم، عن محمَّد بن إسحاق، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شُماسة، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يدخل الجنة صاحب مكس" يعني: عاشرًا.
فهذا هو العشر المرفوع من المسلمين، وأما الزكاة فلا.
ش: أشار به إلى الجواب عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، وهو أن يقال: إن المراد من العشر الذي رفعه رسول الله عليه السلام عن المسلمين هو الذي كان يؤخذ منهم قبل الإسلام، وهو الذي كان يسمى المكس، وهو خلاف الزكاة التي نص الله تعالى ورسوله على إخراجها ودفعها إلى الإِمام ليضعها في مصارفها، وقد بيَّن ذلك عقبة بن عامر الجهني في حديثه عن النبي عليه السلام:"لا يدخل الجنة صاحب مكس" وأراد به العاشر الذي كان يأخذه منهم على طريق الظلم.
وأخرجه بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن عبد الرحيم بن سليمان أبي علي الأشل روى له الجماعة، عن محمَّد بن إسحاق المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدًا ومسلم في المتابعات، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري روى له الجماعة، عن عبد الرحمن بن شماسة بن ذؤيب المصري روى له الجماعة سوى البخاري.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا عبد الله بن محمَّد النفيلي، عن محمد بن سلمة، عن محمَّد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن عقبة ابن عامر قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لا يدخل الجنة صاحب مكس".
أخرجه في باب: "السعاية على الصدقة" في أول كتاب الخراج.
وقال ابن الأثير في تفسير هذا الحديث: المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار.
(1)"سنن أبي داود"(3/ 132 رقم 2937).
وقال الجوهري: المكس: الجباية، والماكس: العشار، والمكس: ما يأخذه العشار. قال الشاعر (1):
أفي (2) كُلِّ أسواقِ العراقِ إتاوَةٌ
…
وَفي كُلِّ ما باعَ امرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
انتهى.
قلت: المكس في هذا الزمان: ما يأخذه الظلمة والأعوان من التجار الواردين في البلاد ومن الباعة والشراة في الأسواق بأشياء مقررة عليهم على طريق الظلم والعدوان، وكان هذا قبل الإِسلام في الجاهلية، ثم لما جاء الشرع أبطل هذا وأمرهم أن يؤدوا الزكوات والعشور والخراج على الأوضاع الشرعية، ثم لما استولت الظلمة من الملوك والخونة من الحكام أعادوا هذا الظلم، ثم لم يزل الوزراء الظلمة الفسقة يحددون ذلك ويزيدون عليه ويفرعون تفريعات حتى وضعوه في كل شيء جليل وحقير، ودخلوا تحت قوله عليه السلام:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فليس منا".
ص: وقد بيَّن ذلك أيضًا: ما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن رجل من أخواله "أن رسول الله عليه السلام استعمله على الصدقة، وعلَّمه الإسلام وأخبره بما يأخذ، فقال: يا رسول الله، كل الإسلام قد علمت إلا الصدقة، أفأعشر المسلمين؟ فقال رسول الله عليه السلام: إنما يعشر اليهود والنصارى".
ففي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام بعثه على الصدقة وأمره أن لا يعشر المسلمين، وقال له:"إنما العشور على اليهود والنصارى" فدل ذلك أن العشور المرفوعة عن المسلمين هي خلاف الزكاة.
(1) هو جابر بن حُنَيّ التغلبي، كان شاعرا نصرانيًّا، وهو من أهل اليمن، طاف أنحاء نجد وبادية العراق، وصحب امرأ القيس حين خرج إلى القسطنطينية مستنجدًا بقيصر. والبيت من قصيدة طويلة عدد أبياتها 28 بيتًا.
(2)
ويروى: وفي، بالواو في أوله. كما في "منتهى الطلب"(1/ 748)، وفي "المفضليات" لمفضل الضبي (1/ 170).
ش: أي: وقد بيَّن ما ذكرنا من أن المراد من ذلك العشر هو الذي كان يؤخذ في الجاهلية: ما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، عن الخصيب -بفتح الخاء المعجمة- ابن ناصح الحارثي، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن رجل من أخواله
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن خاله، عن النبي عليه السلام مثله.
وقد ذكرنا الاختلاف في هذا الحديث، عن قريب.
قوله: "ففي هذا الحديث" أراد به حديث حرب بن عبيد الله الذي يرويه عن خاله من الصحابة.
ص: ومما يبيِّن ذلك أيضًا: أن حسين بن نصر، حدثنا قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله الثقفيّ، عن خالٍ له من بكر بن وائل قال:"أتيت النبي عليه السلام فسألته عن الإبل والغنم أعشرهن؟ قال: إنما العشور على اليهود وليس على المسلمين".
فدل هذا أن العشر الذي ليس على المسلمين المأخوذ من اليهود والنصارى هو خلاف الزكاة؛ لأن ما يؤخد من النصارى من ذلك إنما هو حق للمسلمين واجب عليهم كالجزية الواجبة لهم عليهم، والزكاة ليست كذلك؛ لأنها إنما تؤخذ طهارةً لرب المال وهو مثاب على أدائها، واليهود والنصارى ليس ما يؤخد منهم من العشر طهارةً لهم، ولا هم مثابون عليه، فرفع رسول الله عليه السلام ما يؤخذ منهم مما لا ثواب لهم عليه، وأقر ذلك على اليهود والنصارى.
ش: أي: ومن الذي يبيِّن ما ذكرنا من أن العشر الذي كان رسول الله عليه السلام رفعه عن المسلمين هو الذي كان يؤخذ منهم في الجاهلية وهو المكس، وليس ذلك هو الزكاة: أن حسين بن نصر بن المعارك، حدثنا عن محمَّد بن يوسف
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 416 رقم 10575).
الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن حرب ابن عبيد الله .. إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (1) وأحمد في "مسنده"(2) وقد ذكرناه، عن قريب مع الاختلاف فيه.
قوله: "طهارةً". نصب على التعليل، أي: لأجل الطهارة لرب المال عن الأوساخ.
ص: حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي أبي ذئب، عن عبد الرحمن بن مهران:"أن عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه كتب إلى أيوب بن شرحبيل: أنْ خذ من المسلمين من كل أربعين دينارًا دينارًا، ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارًا دينارًا إذا كانوا يديرونها، ثم لا تأخذ منهم شيئًا حتى رأس الحول؛ فإني سمعت ذلك ممن سمعه من النبي عليه السلام يقول ذلك".
ففي هذا الحديث أمر رسول الله عليه السلام للمصدقين أن يأخذوا من أموال المسلمين ما ذكرنا، ومن أموال أهل الذمة ما وصفنا.
ش: ذكر هذا شاهدًا لما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.
وأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي البصري، عن محمَّد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب المدني، عن عبد الرحمن بن مهران مولى بني هاشم وثقه ابن حبان، عن الخليفة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين
…
إلى آخره.
وأيوب بن شرحبيل الأصبحي عامل عمر بن عبد العزيز، قال ابن يونس: أيوب هذا كان أحد أمراء مصر، وليها لعمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه، روى عنه أبو قبيل وعبد الرحمن بن مهران، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(1)"سنن أبي داود"(3/ 169 رقم 3048).
(2)
"مسند أحمد"(3/ 474 رقم 15936).
وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا يعلى بن عبيد، عن يحيى بن سابق، عن زريق مولى بني فزارة:"أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه حين استخلف: خذ [ممن] (2) مرَّ بك من تجار المسلمين فيما يديرون من أموالهم من كل أربعين دينارًا: دينارًا فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين، فإذا نقصت ثلث دينار فدعها لا تأخذ منها شيئًا، واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول، وخذ [ممن] (2) مرَّ بك من تجَّار أهل الذمة فيما يظهرون من أموالهم ويديرون من التجارات من كل عشرين دينارًا دينارًا فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرة دنانير، فإذا نقصت ثلث دينار فدعها لا تأخذ منها شيئًا. واكتب لهم براءة إلى مثلها من الحول بما تأخذ منهم".
قوله: "دينارًا دينارًا" منصوبان الأول: على التمييز، والثاني: على أنه مفعول لقوله: "خذ".
قوله: "يديرونها" من الإدارة.
ص: وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وافق هذا.
حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا معاذ بن معاذ العنبري، عن ابن عون، عن أنس بن سيرين، قال:"أرسل إليَّ أنس بن مالك، فأبطأت عنه، ثم أرسل إليَّ فأتيته، فقال: إني كنت أرى أني لو أمرتك أن تعضّ على حجر كذا وكذا ابتغاء مرضاتي لفعلت، اخترت لك عملًا فكرهته أو أكتب لك سنَّة عمر رضي الله عنه؟ قال: قلت: اكتب لي سنة عمر رضي الله عنه. قال: فكتب: من المسلمين من كل أربعين درهمًا درهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهمًا درهم، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم، قال: قلت: مَن لا ذمة له؟ قل: الروم كانوا يقدمون من الشام".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 357 رقم 9878).
(2)
في "الأصل، ك": "مَنْ"، والمثبت من "المصنف".
فلما فعل عمر- رضي الله عنه هذا بحضرة أصحاب رسول الله عليه السلام فلم ينكره عليه منكر كان حجة وإجماعًا منهم عليه.
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
ش: أي: قد روي، عن عمر رضي الله عنه ما وافق ما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في أمره أن يؤخذ من المسلمين ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر كاملًا، وهو المراد من قوله:"ممن لا ذمة له" حيث فسره بقوله: "الروم"؛ وذلك لأن الروم كانوا حينئذٍ أهل حرب، وكانت تجارهم يدخلون أرض العرب للتجارة، ولما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك والصحابة حينئذٍ متوافرون، ولم ينكر ذلك أحد منهم عليه؛ فصار إجماعًا منهم على هذا الحكم وعلى أن ولاية الأخذ للإمام.
ثم إنه أخرج الأثر المذكور بإسناد صحيح: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن معاذ بن معاذ العنبري شيخ أحمد، عن عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين مولى أنس بن مالك أخي محمَّد بن سيرين.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث ابن عون، عن أنس بن سيرين، قال:"أرسل إلى أنس فأبطأت عليه، ثم أرسل إليَّ فأتيته، فقال: إني كنت لأرى أني لو أمرتك أن تعضّ على حجرٍ كذا وكذا ابتغاء مرضاتي لفعلت، اخترت لك خيرَ عمل فكرهته، إنما أكتب لك سنة عمر- رضي الله عنه، قلت: فاكتب لي سنة عمر رضي الله عنه، قال: فكتب: من المسلمين من كل أربعين درهمًا درهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهمًا درهمٍ، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم، قلت: مَن لا ذمة له؟ قال: الروم كانوا يقدمون من الشام".
ص: وأما وجهه من طريق النظر: فإنا قد رأيناهم أنهم لا يختلفون أن للإمام أن يبعث إلى أرباب المواشي السائمة حتى يأخذ منهم صدقة مواشيهم إذا وجب فيها
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 210 رقم 18544).
الصدقة، وكذلك يفعل في ثمارهم، ثم يضع ذلك في مواضع الزكوات على ما أمره به عز وجل، لا يأبى ذلك أحد من المسلمين.
فالنظر على ذلك: أن تكون بقية الأموال من الذهب والفضة وأموال التجارات كذلك، فأما معنى قول رسول الله عليه السلام "ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى" فعلى ما قد فسرته فيما تقدم من هذا الباب، وقد سمعت أبا بكرة يحكي ذلك، عن أبي عمر الضرير. وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي: وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس: فإنا قد رأيناهم -أي أهل المقالة الأولى وأهل المقالة الثانية - والباقي ظاهر.
فظهر من كلامه هذا أن للإمام أن ينصب من يأخذ الزكوات من أموال المسلمين سواء كانت من الأموال الظاهرة أو من الأموال الباطنة، وسواء كان الإِمام عادلًا يضع ما أخذه في مصارفه أو لم يكن، وكذلك نوابه سواء كانوا عدولًا أو خونةً، ولكن اختلف علماؤنا الحنفية في هذا النظر.
فقال صاحب "البدائع"(1): وأما سلاطين زماننا الذين إذا أخذوا الصدقات والعشر والخراج ولا يضعونها في مواضعها، فهل تسقط هذه الحقوق عن أربابها؟ اختلف المشايخ فيه، فقد ذكر الفقيه أبو جعفر الهنداوي أنه يسقط ذلك كله وإن كانوا لا يضعونها في أهلها؛ لأن حق الأخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم، ثم إن لم يضعوها في مواضعها فالوبال عليهم.
وقال الشيخ أبو بكر بن سعيد الجراح: تسقط ولا تسقط الصدقات؛ لأن الخراج يصرف إلى المقاتلة، وهم يصرفونه إلى المقاتلة ويقاتلون العدو، ألا ترى أنه لو ظهر العدو فإنهم يقاتلون ويذبون عن حريم المسلمين؟! فأما الزكوات والصدقات فإنهم لا يضعونها في أهلها.
(1)"بدائع الصنائع"(2/ 135).
وقال أبو بكر الإسكاف: إن جميع ذلك لا يسقط ويعطى ثانيًا؛ لأنهم لا يضعونها في مواضعها ولو نوى صاحب المال وقت الدفع أنه يدفع إليهم ذلك عن زكاة ماله.
قيل: يجوز لأنهم فقراء في الحقيقة، ألا ترى أنهم لو أدوا ما عليهم من التبعات والمظالم صاروا فقراء؟! وروي عن أبي مطيع البلخي نحو ذلك.
وقيل: إن السلطان لو أخذ مالًا من رجل مصادرةً بغير حق فنوى صاحب المال وقت الدفع أن يكون ذلك من زكاة ماله وعشر أرضه يجوز، والله أعلم.
قوله: "فأما معنى قول رسول الله عليه السلام
…
" إلى آخره. جواب عما يقال: كيف تقول: إن للإمام أن يأخذ من الناس الصدقات وقد قال عليه السلام: "ليس على المسلمين عشور"؟
وتقرير الجواب ما ذكره فيما مضى مستقصى.
قوله: "وقد سمعت أبا بكرة يحكي ذلك" أي التفسير المذكور في قوله عليه السلام: "ليس على المسلمين عشور".
وأبو بكرة هو بكار بن قتيبة القاضي الزاهد المشهور، يروي ذلك التفسير عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير البصري شيخ أبي داود وابن ماجه وأحمد بن حنبل، كان عالمًا بالفقه والفرائض ثقةً كبيرًا.
ص: وقد روي عن يحيى بن آدم في تفسير قول النبي عليه السلام: "ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى" معنى غيرُ المعنى الذي ذكرناه، وذلك أنه قال: إن المسلمين لا يجب عليهم بمرورهم بالعاشر في أموالهم، ما لم يكن واجبًا عليهم لو لم يمروا بها عليه؛ لأن عليهم الزكاة على أي حال كانوا عليها، واليهود والنصارى لو لم يمروا بأموالهم على العاشر لم يجب عليهم فيها شيء، فالذي رفع عن المسلمين هو الذي يوجبه المرور بالمال على العاشر، ولم يرفع ذلك عن اليهود والنصارى.
ش: يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي أبو زكرياء الكوفي، أحد الأئمة الحنفية الكبار، روى عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وأبو بكر بن أبي شيبة وآخرون، وهو ممن روى لهم الجماعة.
وقوله: "روي" على صيغة المجهول أسند إلى قوله: "معنىً".
وقولى: "غير المعنى" بالرفع صفة لمعنىً.
وقوله: "وذلك" إشارة إلى ذلك المعنى، والباقي ظاهر.