الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله القائل في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].
والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الآخذ على بعض أصحابه في البيعة أن يقولوا أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم (1).
والآمر لأبي ذر أن يقول الحق ولو كان مراً (2).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله.
أما بعد: فبما أن الله سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على علماء أهل الكتاب على البيان فقال عز من قال: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ
مَا يَشْتَرُونَ} [سورة آل عمران: 187].
وبما أجمع عليه أئمة الجرح والتعديل وهم أهل الفن على شرعية الجرح والتعديل وتارة يكون واجباً وأخرى مندوباً
…
إلخ، بحسب الحالة، وقد
(1) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت.
(2)
رواه أحمد في «مسنده» من حديث أبي ذر وقد ذكرته في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» .
خاض الناس في شأن أبي حنيفة فمنهم من جرح، ومنهم من عدّل، ومنهم من غلا فيه، واعتبر المتكلمين فيه مخطئين، بل لا يكتفون بذلك بل يشنّعون على من تكلم فيه ويقدحون فيه كما يفعل بعض جهلة الحنفية.
ومرّ بي وأنا أطالع في «مشكل الآثار» للطحاوي بتحقيق شعيب الأرناؤوط، التشنيع من شعيب على الشيخ ناصر الدين الألباني لأنه يضعف أبا حنيفة وكأنه ما ضعف أبا حنيفة إلا الشيخ الألباني حفظه الله رحمه الله.
بل عند الحنفية ما هو أعظم فراجع «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» للشيخ عبد الرحمن المعلمي تجد أن الكوثري قد طعن في علماء الإسلام سابقهم ولاحقهم من أجل أن طعنوا في أبي حنيفة، فرأيت أن أجمع ما صح لي بالأسانيد الصحيحة من كتب أئمة الحديث في جرح أبي حنيفة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، وسميته:
«نشر الصحيفة في الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة»
وقد حكى ابن أبي داود كما سيأتي إن شاء الله في ترجمته أن المحدثين أجمعوا على جرحه.
ولم أعرّج على أقوال المعدّلين إما أن يكونوا ممن لا يعتد بكلامهم مع كبار أئمة الجرح والتعديل، وإما أن يكونوا من الغلاة في أبي حنيفة، وأما أن يكونوا من الأئمة كسفيان الثوري وكعبد الله بن المبارك، ومن جرى مجراهما، ولكنه قد رجع وتبرأ مما حصل منه من الثناء، وحذّر من أبي حنيفة بل طعن فيه، فهذا أبو زكرياء يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل صح عنه توثيقه وصح عنه الطعن فيه، والذي يظهر لي أنه يفسر كلامه بكلامه، فقد سئل عنه فقال: هو أنبل من أن يكذب، وقد جرحه كما سيأتي في ترجمته
بالسند الصحيح، فجرحه له من أجل رأيه وتخليطه في الحديث، وتوثيقه من أجل أنه لا يكذب.
ثم إن الجرح في أبي حنيفة مفسر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والجرح المفسّر الصّادر من عالم بأسباب الجرح لا يعارض به التعديل كما هو معلوم من كتب المصطلح.
والجاهلون المتعصبون لأبي حنيفة كثير، وقد رأين جمعاً من المدرسين بالجامعة الإسلامية يغضبون غاية الغضب، ويرون هذا هدماً للإسلام وما درى المساكين أن المتكلم في أبي حنيفة ما طعن في ركن من أركان الإسلام الخمسة.
فنقول لهؤلاء الجهلاء أأنتم أغير على دين الله من أحمد بن حنبل، ومحمد ابن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج، والدارقطني، والخطيب؟.
ونقول لهم: أأنتم أعلم بأبي حنيفة من مالك بن أنس، وشريك بن عبد الله النخعي، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن يزيد المقريء، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك ومن جرى مجراهم؟.
وإني لأعجب لمصطفى السباعي وكتابه «السنة ومكانتها» كيف دافع عن السنة وعن حملتها وفي آخر الكتاب هدم ما بني من أجل الدفاع عن أبي حنيفة، وللَّه در مروان بن محمد الطاطري الذي يقول:«ثلاثة لا يؤتمنون على الدين: الصوفي، والمبتدع يرد على المبتدعة، والقصاص» - ذكر هذا القاضي عياض في «ترتيب المدارك» في ترجمة مروان بن محمد الطاطري رحمه الله.
وبما أن الحنفية لهم سلطة القضاء في كثير من الأزمنة تجد كثيراً من أهل العلم لا يستطيعون أن يصرّحوا بالطعن في أبي حنيفة، فذلكم البيهقي في «مناقب الشافعي» ينقل عن ابن أبي حاتم الطعن في أبي حنيفة، فابن أبي حاتم
يصرح بأبي حنيفة والبيهقي ينقل عنه ويقول: قال أبو فلان، ولا يصرح بأبي حنيفة.
وذلكم الحافظ ابن حجر يقول في «التقريب» في ترجمة أبي حنيفة: فقيه مشهور، فهذه حيدة من الحافظ، فهو لم ينبّه على هذا الاصطلاح في المقدمة.
وهذا الحكم الذي حكم على أبي حنيفة لا يفيد جرحاً ولا تعديلاً.
* * *
الغلو (1) وموقف الشرع منه
(1) الغلو هو مجاوزة الحد كما في «القاموس» .
وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلَائِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79 - 80]، وقال الله تعالى في الرد على قريش:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]، وقال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 88 - 93].
والآيات القرآنية التي تنهى عن الغلو وتشنع على أهله كثيرة جداً.
وأما الأحاديث فنقتصر على ما يلي:
1 -
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص478): حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول أخبرني عبيد الله عن عبد الله عن ابن عباس سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله» .
2 -
قال أبو داود رحمه الله (ج13 ص161) من «عون المعبود» : حدثنا مسدد أخبرنا بشر-يعني ابن المفضل- أخبرنا أبو سلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلنا: أنت سيدنا فقال: «السيد الله» ، قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» . هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
3 -
قال الإمام النسائي رحمه الله في «عمل اليوم والليلة» (ص250):
أخبرنا أبو بكر بن نافع قال حدثنا بهز قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا ثابت عن أنس أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
يا خيرنا وابن خيرنا ويا سيدنا وابن سيدنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«يا أيها الناس عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان إني لا أريد أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله تعالى أنا محمد بن عبد الله عبده ورسوله» . هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (ج3 ص249) فقال: حدثنا عفان حدثنا حماد بن حماد بن سلمة به.
وأتباع أبي حنيفة قد غلوا فيه فهم يلقبونه بالإمام الأعظم بل أعظم من هذا فقد قال قائلهم:
فلعنة ربنا عداد رمل
…
على من رد قول أبي حنيفة
* * *