المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب الإِمامة

- ‌بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ

- ‌بَابُ النَّوَافِلِ

- ‌فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌بَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌فَصْلٌ فِي حمل الجنائز

- ‌فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ

- ‌بَابُ الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌كِتَابُ الزكاة

- ‌مقدمة

- ‌بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ

- ‌فَصْل فِي الْغَنَمِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ

- ‌بَابٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ

- ‌بَابٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ

- ‌كتاب الصوم

- ‌مقدمة

- ‌بَابُ الِاعْتِكَافِ

الفصل: ‌فصل في القراءة

المجلد الثاني

‌كتاب الصلاة

‌فصل في القراءة

بسم الله الرحمن الرحيم

فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ

قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا، وَيُخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ، هَذَا هو التوارث.

قُلْت: فِيهِ حَدِيثَانِ مُرْسَلَانِ، أَخْرَجَهُمَا، أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ": أَحَدُهُمَا: عَنْ الْحَسَنِ. وَالْآخَرُ: عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَفْعَلُ فِي الْعَصْرِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ فِي الظُّهْرِ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيُنْصِتُ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ، وَيَسْتَمِعُ لِمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ، لَا يَقْرَأُ مَعَهُ أَحَدٌ، وَالتَّشَهُّدُ فِي الصَّلَوَاتِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَمُرْسَلُ الْحَسَنِ نَحْوُهُ، وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: إنَّ مُرْسَلَ الْحَسَنِ أَصَحُّ، وَتَقَدَّمَ فِي "مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ1 فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ" مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ أَسَرَّ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ. وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هُنَا.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَأَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَةَ، يَقُولُ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:

1 ص 225

ص: 1

قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": حَدِيثُ: "صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ" بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ، عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: تَعَالَوْا حَتَّى نَقِيسَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَقَاسُوا قِرَاءَتَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ، بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، قَاسُوا ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ النِّصْفِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ، لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِالْجَهْرِ،

قُلْت: اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى الْجَهْرِ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ بِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ4 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ. وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ "بـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ، مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ} ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ6 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ "بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ" يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَفِي النَّسَائِيّ7 كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ، فَيُسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةُ، بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ "سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ"، وَفِيهِ8 أَيْضًا

1 في "باب القراءة في العصر" ص 105

2 في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 186، معناه".

3 في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 60 وأحمد: ص360-ج5

4 مسلم في "الجمعة" ص 288. وأبو داود في" باب ما يقرأ في الجمعة"ص79

5 مسلم في "العيدين" ص 291.

6 البخاري في "باب القراءة في الظهر" ص 150، ومسلم في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185.

7 هذا الحديث أخرجه النسائي في "باب القراءة في الظهر" ص 153 من حديث البراء، دون أبي قتادة.

8 أي في "النسائي في باب القراءة في الظهر" ص 153.

ص: 2

عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ، قال: كنا بالطف* عِنْدَ أَنَسٍ، فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: إنِّي صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ:{سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْخُرُوجُ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْجَبَّانَةِ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَةُ، كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ. وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ، فَجَهَرَ فِيهَا، قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ، فَحَرَسَهُمْ، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ، وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ، وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا فِي وَقْتِهَا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ، وَلَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 2 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا"، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ:"احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا"، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ:"ارْكَبُوا"، فركبنا، وَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ:"احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كل يوم، يختصر، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ: "فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْفَائِتَةِ تَكُونُ كَصِفَةِ أَدَائِهَا، فَيَقْنُتُ فِيهَا، وَيَجْهَرُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: لَا يَجْهَرُ، وَحَمَلَ الصُّنْعَ فِيهِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ.

حَدِيثٌ آخَرُ نَحْوُهُ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: فِي نَوْمِهِمْ. وَقِيَامِهِمْ. وَصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام:"يا أيها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا، فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ فَرَغَ إلَيْهَا، فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا"، وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَلَمْ يعله

1 ص 295 - ج 3.

1 في "باب قضاء الصلاة الفائتة" ص 238"

"*" قرب الكوفة

ص: 3

بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْجَهْرِ، وَيُمْكِنُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ: "بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ1 فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الِاسْتِعَاذَةِ" مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كُنْت أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ! أَلَا أُعَلِّمُك خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْت بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصبح صلى بهما صلاة الصُّبْحَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الصَّلَاةِ الْتَفَتَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ! كَيْفَ رَأَيْت؟، انْتَهَى. وَالْقَاسِمُ هَذَا، هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، مَوْلَاهُمْ الشَّامِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ابْنِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَّهُمْ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ 2" كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، أَمِنَ الْقُرْآنِ هُمَا؟، فَأَمَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي "الصَّلَاةِ وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3 ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".

قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً، أَوْ خَمْسِينَ، سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ، إلَى سِتِّينَ، إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 4" مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بـ "ق وَنَحْوِهَا"، وَأَخْرَجَا 5 عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إلَى الْمِائَةِ آيَةٍ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ حِبَّانَ: كَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ، إلَى الْمِائَةِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَؤُمَّنَا فِي الْفَجْرِ "بِالصَّافَّاتِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ"بِالْوَاقِعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ"، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.

1 "في أبواب قراءة القرآن في باب المعوذتين" ص 213، والنسائي في "أوائل كتاب الاستعاذة" ص 312، "وباب القراءة في الصبح بالمعوذتين" ص 151، مختصراً".

2 ص 240 ج 1، وص 567 ج 1.

3 ص 44 ج 4.

4 في "باب القراءة في الصبح" ص 187.

5 البخاري في "باب وقت الظهر عند النزول" ص 77، ومسلم في "باب القراءة في الصبح" ص 187.

ص: 4

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ. وَالظُّهْرِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ. وَالْعِشَاءِ: بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ. وَغَيْرِهِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ: بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2" حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ أَقْرَأَنِي أَبُو مُوسَى كِتَابَ عُمَرَ: أَنْ اقْرَأْ بِالنَّاسِ فِي الْمَغْرِبِ: بِآخِرِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ 3 فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ". وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ: بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى.

وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ4. وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا" مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ: بقصار المفصل، وفي العشار: بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْغَدَاةِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 5" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْفَتَى "يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ"، قَالَ الضَّحَّاكُ: وَكُنْت أُصَلِّي خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، إلَى آخِرِهِ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى

1 قال الحافظ في "الدراية" ص 92: باسناد ضعيف منقطع ولم يذكر الظهر والعصر، اهـ"

2 الطحاوي في "شرح الآثار" ص 127.

3 ص 41.

4 في "باب تخفيف القيام والقراءة" ص 158، وابن ماجه في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 60.

5 ص 244 ج 5.

ص: 5

غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: فِي الظُّهْرِ.

حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ:{كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ {الم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةُ. وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ ، بَدَلَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً ، وَالْعَصْرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ َفِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ} انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي، وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ، قُلْت: وَلِلْخُصُومِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يقرأ "بتنزيل السجدة وهل أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ" حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ {الم ، تَنْزِيلُ} "السَّجْدَةُ" وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الْإِنْسَانِ:1] ، انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى طَرِيقِهِ إنْ كَانَ يَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ يُدِيمُ ذَلِكَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ4 "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ يُوسُفَ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا دُحَيْمٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الم، تَنْزِيلُ} [السَّجْدَةُ:2] وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1] يُدِيمُ ذَلِكَ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ،

1 في "باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" ص 107، واللفظ له، ومسلم في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185.

2 في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185، والدارقطني: ص 128، وقال: هذا صحيح ثابت.

3 في "الجمعة في باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة" ص 122، ومسلم في "الجمعة" ص 288.

4 ص 205.

ص: 6

وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

فَحَدِيثُ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" انْتَهَى. وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ مَجْرُوحٌ2، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَلَكِنْ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً، وَلَكِنْ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ3"، أَخْبَرْنَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ الله بن شداد بن جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4"، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَقْرُونًا بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَحْدَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ5: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ أبي حنيفة.

(1) قلت: نسخ سنن ابن ماجه المطبوعة في الهند، ههنا مختلفة في بعضها هكذا، كما قال الحافظ المخرج: عن جابر الجعفي عن أبي الزبير، وفي النسخة المطبوعة في "مطبعة: عمدة المطابع في حياة مولانا الشاه عبد الغني" المسماة "بانجاح الحاجة" سنة 1273 هـ، في ص 129 منها، هكذا: عن جابر الجعفي. وعن أبي الزبير، قلت: ويؤيد هذه النسخة مافي "مسند أحمد" ص 339 ج 3: حدثنا أسود بن عامر حدثنا حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كان له إمام فقراءته له قراءة"، وما في "الجوهر النقي" ص 159 ج 2، قال: قلت: في "مصنف ابن أبي شيبة" حدثنا مالك بن إسماعيل عن حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كان له إمام فقراءته له قراءة" كذا رواه أبو نعيم عن الحسن بن صالح عن أبي الزبير، ولم يذكر الجعفي، كذا في "أطراف المزى" وتوفي أبو الزبير سنة ثمان وعشرين ومائة، ذكره الترمذي. وعمر بن علي، وحسن بن صالح، ولد سنة مائة، وتوفي سنة سبع وستين ومائة، وسماعه من أبي الزبير ممكن، ومذهب الجمهور: إن أمكن لقاءه لشخص، وروى عنه، فروايته محمولة على الاتصال، فحمل على أن الحسن سمعه من أبي الزبير مرة بلا واسطة، ومرة أخرى بواسطة الجعفي. وليث، اهـ. وفي "الروح" ص 132 ج 6، رواه أبو حميد عن أبي نعيم عن الحسن بهذا الاسناد.

2 قال سفيان: ما رأيت في الحديث أورع منه، وقال شعبة: جابر صدوق في الحديث، وقال: كان جابر إذا قال: حدثنا، أو سمعت فهو أوثق الناس، وقال زهير بن معاوية: كان إذا قال: سمعت، أو سألت، فهو أوثق الناس، وقال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابراً ثقة، حدثنا عنه: سفيان. وشعبة. وحسن بن صالح، وقال الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك، وقال الدوري، عن ابن معين: لم يدع جابر مما رآه إلا زائدة، وكان كذابا، وروى عنه ابن عيينة، وقال ابن عدي: له حديث صالح، وشعبة أقل رواية عنه من الثوري، وقد احتمله الناس، وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة، وهو مع هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، وروى له أبو داود في "الصلاة" حديثاً واحداً، قلت: كذبه أبو حنيفة. وآخرون، وقال الدارقطني ص 145: قال أحمد بن حنبل: لم أتكلم في جابر لحديثه، وإنما أتكلم فيه لرأيه، وقال أبو داود: جابر عندي ليس بالقوي في حديث "دراية" اهـ ـ.

3 ص 97، و"كتاب الآثار" ص 20.

4 ص 123، والبيهقي: ص 159 ج 2.

5 قوله: قال الدارقطني: هذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله غير أبي حنيفة. والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان، الخ. قلت: ما قال الدارقطني: مردود بكلا جزءيه، أما قوله: لم يسنده غير أبي حنيفة، فبما رواه أحمد ابن منيع في "مسنده": أخبرنا إسحاق الأزرق حدثنا سفيان. وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان إمام فقراءة الإمام له قراءة" وسفيان: هو سفيان

ص: 7

وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَشُعْبَةُ. وَإِسْرَائِيلُ.

، وشريك القاضي أيضاً من رجال الصحيحين تابعا أبا حنيفة في ذكر جابر رضي الله عنه.

وأما قوله في أبي حنيفة. إنه ضعيف، فبما رواه الحافظ بن عبد البر في "الانتقاء" ص 127 عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: سئل ابن معين عن أبي حنيفة، فقال: ثقة ما سمعت أحداً ضعفه، هذا شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث، ويأمره، وشعبة شعبة، اهـ. وقال في "كتاب العلم له" ص 149 ج 2: قال يحيى بن معين: ما رأيت أحداً أقدمه على وكيع، وكان يفتي برأي أبي حنيفة، وكان يحفظ حديثه كله، وكان يسمع من أبي حنيفة حديثاً كثيراً، قال علي بن المديني. أبو حنيفة روى عنه الثوري. وابن المبارك، وحماد بن زيد. وهشيم. ووكيع بن الجراح. وعباد بن العوام. وجعفر بن عون، وهو ثقة لا بأس به.

فقول الدارقطني في أبي حنيفة مسبوق بقول هؤلاء الأعلام، وما منهم إلا وهو أجل وأوثق من الدارقطني، ومن وافقه على تضعيف أبي حنيفة، قال العيني: من أين له تضعيف أبي حنيفة، وقد روى في "مسنده" أحاديث سقيمة. ومعلولة. ومنكرة. وغريبة. وموضوعة؟!، اهـ

قال الزيلعي فيما تقدم ص 360، في بحث البسملة: والدارقطني ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة. والشاذة. والمعللة، وكم من حديث لا يوجد في غيره؟!، اهـ أقول: من مارس كتابه علم أنه قلما يتكلم على هذه الأحاديث، إلا حديثاً خالف الشافعي، فيظهر عواره، أو وافقه، فيصححه إن وجد إليه سبيلاً، لا أقول: إنه يفعل ذلك بهوى النفس، ولكن إذا كان ثقة ضعفه بعضهم، أو ضعيفاً فيه كلام لبعضهم، أو ضعيفاً وثقه بعضهم، أو وجد مجهولاً يترقب، ويظهر طرقه الموافق لإمامه، وقد عمل كتاباً في جهر التسمية، ملأه بالأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، فلما استحلفه رجل من علماء مصر، هل فيه حديث صحيح؟ فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا، وأما عن الصحابة، فمنه صحيح. ومنه ضعيف، اهـ. وهذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي رجل واحد يوثقه في حديث طهارة المني: ص 46، ويقول: ثقة، في حفظه شيء، ويسند، والقول فيه في حديث "شفع الاقامة" ص 89، ويقول: ضعيف سيء الحفظ، وفي حديث: القارن يسعى سعيين ص 273، يقول: رديء الحفظ، كثير الوهم، كأنه عليه غضبان، وهو له غائظ، وهذا حال كثير من الشوافع، قال ابن تيمية في البيهقي رحمه الله: إنه يحتج بآثار، لو احتج بها مخالفوه، أظهر ضعفها، فمن سلك هذا السبيل دحضت حجته، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق، اهـ، ومع هذا لا ننكر علمهم ولا ديانتهم، ونقتدي بهم فيما لا سبيل لنا إلى العلم به إلا بهم، أو قالوا قولاً قضوا به على أنفسهم، وقد قال حافظ المغرب ابن عبد البر في "كتاب العلم له" ص 152 ج 2: والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته، وثبت في العلم أمانته، وبانت ثقته وعنايته، لم يلتفت إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة، يصح بها جرحته على طريق الشهادات، والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك، مما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر، وأما من لم يثبت إمامته، ولا عرفت عدالته، ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته، فانه ينظر إلى ما اتفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء على حسب ما يؤدي النظر إليه، اهـ. ثم استدل على ذلك بكلام بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض، وكلام الأئمة من التابعين، ومن تبعهم، بعضهم في بعض، ولم يلتفت إليه أهل العلم، فأمر أبي حنيفة أن صير فيه إلى التقليد، فيحيى بن معين إمام أئمة هذا الفن، يوثقه، ويقول: ما سمعت أحداً ضعفه، ويقول: شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث ويأمره. وشعبة شعبة، ويوثقه علي بن المديني الذي يقول فيه البخاري: ما استصغرت نفسي، كما استصغرت عند علي بن المديني، ويقول فيه: يروي عنه الثوري. وابن المبارك. وحماد بن زيد. وهشيم. وغيرهم، وإن ما قال الدارقطني: جرح، مبهم غير مبين، ولا مفسر، وذا في محله مختلف فيه، فكيف في مثل إمام من الأئمة، طبق علمه الأرض شرقاً وغرباً؟! فإن قيل: فسر بعض جرح أبي حنيفة، وتكلم فيه من قبل حفظه، قلت: هذا جرح مفسر، لكن الذين رأوا أبا حنيفة، ورووا عنه، وباحثوا معه في المسائل، وناظروه لم يعيبوا عليه فيه، بل أثنوا عليه ووثقوه، وان الذي جرح الامام بهذا لم يره، ولم ير منه ما يوجب رد حديثه، ولعله لم يطلع منه إلا على رواياته وأخباره، ونحن

ص: 8

وَشَرِيكٌ. وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ. وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَى السُّفْيَانَانِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَأَبُو عَوَانَةَ. وَشُعْبَةَ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، فَلَمْ يُسْنِدُوهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُرْسَلًا 1، وَقَدْ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يُتَابِعْهُمَا عَلَيْهِ إلَّا مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْت سَلَمَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ، يَقُولُ: سَأَلْت أَبَا مُوسَى الرَّازِيَّ الْحَافِظَ عَنْ حَدِيثِ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" فَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْءٌ، إنَّمَا اعْتَمَدَ مَشَايِخُنَا فِيهِ عَلَى الرِّوَايَاتِ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: أَعْجَبَنِي هَذَا لَمَّا سَمِعْته، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ. والدارقطني2 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَجَابِرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ بِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ 3، وَلَكِنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ قَرَنَهُ بِاللَّيْثِ، وَاللَّيْثُ4 ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالسَّعْدِيُّ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّ الثِّقَاتِ رَوَوْا عَنْهُ، كَشُعْبَةَ. وَالثَّوْرِيِّ. وَغَيْرِهِمَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا5 عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي "تَرْجَمَتِهِ" بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى، وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ،

على يقين أن الذين وثقوه مثل ابن معين وابن المديني وشعبة وغيرهم مارسوا أخباره، وسبروا أحاديثه، وكانوا أكثر خبرة من هؤلاء المتأخرين، وقد قال يحيى: كان وكيع يحفظ حديثه كله. ولم يحدث أبو حنيفة بعد الذين وثقوه بأحاديث أخذوا عليه، بل مات أبو حنيفة قبل ابن المديني ويحيى وشعبة ووكيع وغيرهم، فكانوا اختلفوا في أحاديث رواها أبو حنيفة صححها المتقدمون، وأنكرها هؤلاء المتأخرون، ولعلها أحاديث اختلقها أباء بن جعفر وأمثاله، أو روايات مزورة عملتها يدا نعيم بن حماد وأشباهه، وأيّاً ما كان، فهذا جرح في إمام طبق علمه الأرض، فمن يقلده، والموثوقون مثل وكيع وابن معين وابن القطان أوسع علماً من الجارح، فهذا كما قال العيني: يحط من قدر الجارح لا من قدر الامام الهمام، قال ابن عبد البر في "كتاب العلم" ص 149 ج 2: الذين رووا عن أبي حنيفة ووثقوه وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه من أهل الحديث، أكثر ما عابوا عليه الاغراق في الرأي، والقياس، والارجاء، ولقد ضعف النسائي أحمد بن صالح، وهو أفضل منه بيقين، وإن صير إلى أن لنا من الأمر شيئاً، فكلام هؤلاء إنما يحتاج إليه فيمن لم يكن للعلم به سبيل إلا بهم، وأما الأئمة الذين يبحث عن علمهم ليلاً ونهاراً، أو هم معروفون بين الناس، وقبلهم أهل العلم، كالشافعي ومالك وأمثالهم، فلا، كما قال حافظ المغرب، فنعم ما قال ابن حزم في مثل هذا الجارح، إنما يؤخذ كلام ابن معين وغيره إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة، اهـ.

1 أسند رواية أبي حنيفة في "السنن الكبرى" ص 160 ج 2.

2 ص 126، والطحاوي: ص 128، والبيهقي: ص 160 ج 2

3 في نسخة مروى "جابر"

4 والليث ثقة مدلس، "زوائد" ص 186، وفي "التقريب" صدوق اختلط بآخره، ولم يتميز حديثه، فترك.

5 والبيهقي في "جزء القراءة" ص 101

ص: 9

فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَنْهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ: أَتَنْهَانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ نَبِيِّ اللَّهِ؟!، فَتَنَازَعَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عليه السلام:"مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ زَادَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ: جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَاهُ جَرِيرٌ. وَالسُّفْيَانَانِ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَشُعْبَةُ. وَزَائِدَةُ. وَزُهَيْرٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَيْسٌ. وَشَرِيكٌ. وَغَيْرُهُمْ، فَأَرْسَلُوهُ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَضْعَفُ.

طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 1". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط" عَنْ سَهْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ، وَسَهْلُ بْنِ الْعَبَّاسِ مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِثِقَةٍ 2، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ إلَّا سَهْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.

طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ. وَلَا عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَفِيهِ عاصم ابْنُ عِصَامٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى.

طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ كَلَامِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي "تَفْسِيرِهِ 4

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ 6 عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: يَكْفِيكَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ

1 ص 154.

2 قوله: ليس بثقة، ليس في "النسخة المطبوعة" عندنا.

3 ص 339 ج 3 إسناد أحمد: حدثنا أسود بن عامر أنا حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: رواته كلهم ثقات، قال الشارح الكبير"للمقنع" ص 11 ج 2: بعد ما أورد حديث أحمد باسناده ومتنه، وهذا إسناد صحيح متصل، رجاله كلهم ثقات، الأسود بن عامر روى له البخاري. والحسن ابن صالح أدرك أبا الزبير، ولد قبل وفاته بنيف وعشرين سنة، وروى من طرق خمسة سوى هذا، اهـ.

4 في "آخر سورة الأعراف" ص 624 ج 3".

5 ص 124.

6 أي الدارقطني: ص 154.

ص: 10

انْتَهَى. قَالَ:: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قُلْت: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ 1" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، فَلْيَقْرَأْ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط 2" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَجِيحٍ أَبِي إسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 3" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الرَّازِيُّ، ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ سُهَيْلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الرَّازِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَكْفِيك قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، خَافَتَ. أَوْ جَهَرَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو مُوسَى: قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ، وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ 5 لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَفْعُهُ وَهْمٌ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ غُنَيْمِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِغُنَيْمٍ 6، وَقَالَ: إنَّهُ يُخَالِفُ الثِّقَاتِ فِي الرِّوَايَاتِ، لَا يُعْجِبنِي الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَكَيْفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؟! رَوَى عَنْهُ الْمَجَاهِيلُ وَالضُّعَفَاءُ، وَلَا يُوجَدُ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" أَحَادِيثَ:"مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دُونَ السُّورَةِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي

1 "باب ترك القراءة خلف الامام فيما جهر فيه" ص 29.

2 الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو هارون العبدي، وهو متروك "زوائد" ص 111 ج 2.

3 ص 154، وص 126.

4 ص 126.

5 عاصم بن عبد العزيز صدوق من الثالثة.

6 في "الميزان" غنم بن سالم، أو مصغراً "غنيم".

ص: 11

"سُنَنِهِ 1" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انتهى. قال البيهقي2: ورواه إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ فِيهِ سَمَاعَ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ مَكْحُولٍ، فَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا صَحِيحًا، قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَدَالٌّ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ:"مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الفاتحة. انتهى.

وقوله: وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، أَيْ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بن الحسن في "موطإِه 3" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ، هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ مَعَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 4" حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرِو عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أيضاً في "موطإِه 5" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ. قَالَ: أَنْصِتْ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا، وَيَكْفِيك الْإِمَامُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ 6 بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، لَا فِيمَا يَجْهَرُ وَلَا فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَةٍ، وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ سُورَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، أَعْنِي الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَيُنْظَرَانِ.

1 في "باب من ترك القراءة في صلاته" ص 126.

2ص 164 ج 2، قلت: وروى أحمد في "مسنده" ص 322 ج 5، والدارقطني: ص 121، حديث ابن إسحاق من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عنه، وذكر فيه سماع بن إسحاق عن مكحول، وأحمد من طريق يعقوب عن ابن إسحاق حدثني مكحول عن محمود بن الربيع، وذكر فيه السماع أيضاً، ويعقوب هذا هو ابن إبراهيم، فلعلّ الرواية الثانية فيها انقطاع، والله أعلم، ثم بقي شيء آخر، وهو أن مكحولاً مدلس أيضاً. ولم يذكر سماعه عن محمود في شيء من الروايات، وأن روايته هذه مضطربة عنه عن عبادة، وعنه عن محمود عن عبادة، وعنه عن نافع عن عبادة، روى كلها أبو داود في "سننه" وعنه عن محمود عن أبي نعيم عن عبادة، رواه الدارقطني، وأن ابن إسحاق تكلم فيه من تكلم.

3 ص 93 "باب القراءة خلف الإِمام" والطحاوي: ص 129، و"موطأ مالك": ص 29، والبيهقي: ص 161 ج 2، والدارقطني: ص 154، وإسناده صحيح.

4 في "باب القراءة خلف الإِمام" ص 129، وإسناده صحيح.

5 ص 96، والطحاوي: ص 129 عن وهيب. وشعبة. وأبي الأحوص، عن منصور به، وإسناده صحيح، والبيهقي في "كتاب القراءة" ص 117.

6 "موطأ محمد" ص 96، وابن أبان ضعيف.

ص: 12

أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَيْضًا 1 عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي فِيهِ حَجَرٌ، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنِ الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 2" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْرَأُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ يَدَيَّ؟ فَقَالَ: لَا، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، إنْ جَهَرَ، وَلَا إنْ خَافَتْ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ.

أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هَذَا يَرْوِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، إنَّمَا اخْتَارُوا تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَطْ، لَا أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوهُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، قُلْت: يُرِيدُ بِهِ قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ،

1 "موطأ محمد" ص 98، وكذا الذي بعده.

2 ص 129.

3 أثر آخر أخرجه مسلم في "صحيحه في باب سجود التلاوة" ص 215 عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد ابن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء.

أثر آخر، رواه مالك في "الموطأ" ص 28، والترمذي: ص 42 في "باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإِمام إذا جهر بالقراءة" ص 42 عن وهب بن كيسان: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فلم يصل إلا وراء الإِمام، اهـ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

أثر آخر، رواه الطحاوي: ص 129 عن علقمة عن ابن مسعود، قال: ليت الذي يقرأ خلف الإِمام ملئ فوه تراباً، قلت: إسناده حسن.

أثر آخر، رواه الطحاوي: ص 27، والدارقطني: ص 129، وأحمد عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء، قام رجل فقال: يا رسول الله، أفي الصلاة قرآن؟ قال: نعم، فقال رجل من القوم: وجب هذا؟ فقال أبو الدرداء: يا كثير، وأنا إلى جنبه! لا أرى الإِمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم، اهـ. إسناده حسن.

4 ص 126، والبيهقي: ص 132 في "كتاب القراءة".

ص: 13

أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ 1، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَنَزَلَ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ 2، قَالَ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ.

أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ، وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ 3" عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيِّ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الْمَسْرُوقِيُّ: أَحْسَبُهُ قَالَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قُلْت لَهُ: كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ، قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَاسْتَمِعْ لَهُ، وَأَنْصِتْ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام:

"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

فَحَدِيثُ أَبُو مُوسَى، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 4"، فِي "بَابِ الْقِرَاءَةِ. وَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ. وَالتَّشَهُّدِ"، فَقَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو غسان 5 الْمِسْمَعِيُّ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلُهُ "يَعْنِي حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم"، فَذَكَرَ حَدِيثَ:"إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، قَالَ مُسْلِمٌ: وَفِي حَدِيثُ جَرِيرٍ مِنْ الزِّيَادَةِ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو إسْحَاقَ "يَعْنِي صَاحِبَ مُسْلِمٍ": قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ "أَيْ طَعَنَ فِيهِ"؟ فَقَالَ مُسْلِمٌ: يَزِيدُ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ أَبِي هريرة

1 ص 155 ج 2.

2 قال الحافظ ابن تيمية في "فتاواه" ص 143 ج 2، وص 412 ج 2: قال أحمد: أجمعوا على أنها نزلت في الصلاة، اهـ، قال: ونقل أحمد الاجماع على أنها لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر، اهـ ونحوه في "تنوع العبادات" ص 58، وفي "المغني لابن قدامة" ص 605، قال أحمد في رواية أبي داود: وأجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة، اهـ.

2 ورواه البيهقي في "كتاب الصلاة" ص 72 من طريق هشام بن زياد، وقال: ليس بالقوي، واختلف عليه في إسناده، اهـ. وروى البيهقي في "كتابه" عن غير واحد من الصحابة. والتابعين بأنها نزلت في الصلاة، وقال بعضهم: في الخطبة يوم الجمعة.

4 ص 174.

5 في نسخة "أبو غسان". هو الصحيح وانظر التصويبات آخر الجزء

ص: 14

"يَعْنِي: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"؟ فَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ، فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَضَعْهُ هَهنا؟ فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عندي صحيح وضعته هَهنا، إنما وضعت هَهنا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَام مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ فِي بَابِ التَّشَهُّدِ 1" عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي غَلَّابٍ عَنْ حِطَّانَ بن عبد الله الراقشي بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَزَادَ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ذِكْرِ أَحَدِكُمْ التَّشَهُّدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" كَذَلِكَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، إلَّا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، إلَّا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ ثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حطان بن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ 2" عَنْ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ الْعَطَّارِ

1 ص 147، وابن ماجه في "باب إذا قرأ الإِمام فأنصتوا" ص 61، وأحمد: ص 415 ج 4.

2قلت: وبهذا السند رواه الدارقطني: ص 125: عن عمر بن عامر. وسعيد، كلاهما عن قتادة.

قال شيخ الإسلام السيد محمد أنور، نوّر الله مرقده، في "فصل الخطاب" ص 27، وتابعه "أي سليمان التيمي" على هذه الزيادة: عمر بن عامر، وهو من رجال مسلم، وسعيد بن أبي عروبة، عند الدارقطني. وغيره من طريق سالم ابن نوح العطار، وهو من رجال مسلم، وتابعه "أي سليمان أبو عبيدة" عنه، عند أبي عوانة في "صحيحه" وهو: مجاعة بن الزبير، أبو الزبير العتكي الأزدي، كما في "الأنساب" من الجند نيسابوري، وقال: مستقيم الحديث عن الثقات، وكذا قال هناك في "عبد الله بن رشيد" الراوي عنه: ولا يؤثر ما في "اللسان" في مجاعة، عن بعض المتأخرين، وهو الواقع في إسناد حديث في "ترجمة أبان المحاربي من الإصابة" لا كما خاله الحافظ هناك، فراجع، ومتابعة أبي عبيدة هذه نقلها في "حاشية آثار السنن" ص 85 ج 1، وكذا لا يؤثر ما في "اللسان" عن السري ابن سهل في عبد الله بن رشيد، وهو في "ذيل اللآلي" ص 25، وقد ترجم في "اللسان" لعبد الله بن رشيد أيضاً، وتابع جريراً عن سليمان، معتمر بن سليمان، عند أبي داود: ص 127، وسفيان الثوري، ذكره الدارقطني: ص 125، ولم يفصح بإعلال الحديث في "سننه" ولو كان أفصح، كان ماذا؟ فقد صحح حديث الانصات: أحمد ابن حنبل. وإسحاق. وصاحبه أبو بكر الأثرم، ثم مسلم: ص 174، ثم النسائي: ص 146 من حيث إخراجه إياه في "مجتباه"، ثم ابن جرير في "تفسيره" ص 112، ثم أبو عمرو بن حزم، ثم المنذري، ثم ابن تيمية. وابن كثير في "تفسيره"، ثم الحافظ في "الفتح" ص 201 ج 2، وآخرون، وجمهور المالكية. والحنابلة، اهـ. قلت: تصحيح أحمد. وابن إسحاق ذكره ابن تيمية في "تنوع العبادات" ص 86، وصححه ابن كثير. وابن جرير في "تفسيرهما في آخر سورة الأعراف"، وابن حزم في "المحلى" ص 210 ج 3، وتصحيح المنذري ذكره صاحب "عون المعبود" في: ص 235 ج 1، قلت: ثم أبو زرعة على مافي "مقدمة الفتح" ص 345، والقسطلاني: ص 18، قال مكي بن عبد الله: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار أن له علة، تركته. ونحوه في "الخطبة" ص 98، وفي "توجيه النظر" ص 240، قال بعضهم: أراد مسلم: بالإجماع، في قوله: ما أجمعوا عليه، إجماع أربعة أئمة، الحديث. أحمد بن حنبل. وابن معين. وعثمان ابن أبي شيبة. وسعيد بن منصور الخراساني.

ص: 15

عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَلَمْ يُعِلَّهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَشْهَرُ مِنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "بَابِ الْإِمَامِ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ" وَقَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، وَالْوَهْمُ عِنْدَنَا مِنْ أَبِي خَالِدٍ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَبَا خَالِدٍ الْأَحْمَرَ هَذَا هُوَ: سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمْ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا 2 أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ الْمَدَنِيُّ، نَزِيلُ بَغْدَادَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ، وَضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُد والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ. لِتَفَرُّدِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ قَتَادَةَ الْحُفَّاظُ عَنْهُ: مِنْهُمْ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدٌ وَشُعْبَةُ وَهَمَّامٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبَانُ وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ:"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، قَالَ: وَإِجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ عَلَى وَهْمٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ مُسْلِمٍ تَفَرُّدُهُ بِهَا لِثِقَتِهِ وَحِفْظِهِ، وَصَحَّحَهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمُتَابَعَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ 3 الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، هَذَا ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَلِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُتَابِعَانِ آخَرَانِ، غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدِيثَهُمَا وَضَعَّفَهُمَا: أَحَدُهُمَا: إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْغَنَوِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ

1 في "باب الإِمام يصلي من قعود" ص 96، والنسائي في "باب {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] "ص 146، وابن ماجه في "باب إذا قرأ الإِمام، فأنصتوا" وصححه مسلم: ص 174، وابن حزم في "المحلى" ص 340 ج 3.

2 وتابع أبا خالد أيضاً أبو سعد الصاغاني، محمد بن مبشر، روى أحمد عنه عن ابن عجلان في "مسنده" ص 376 ج 2.

2 قلت: الصواب أن يقول: سليمان بن حيان بن الأزدي، وهو أبو خالد الأحمر، وأما التيمي، فهو في حديث أبي موسى الأشعري، دون حديث أبي هريرة، ومتابعة ابن سعد للأزدي عند النسائي في حديث أبي هريرة فقط، والله أعلم.

ص: 16

بْنُ عَجْلَانَ بِهِ. وَالْآخَرُ: مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ أبي سعد الصفاني ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ بِهِ، قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ2. وَأَبِي مُوسَى: وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ 3 عَلَى خَطَإِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ: أَبُو دَاوُد. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْحَاكِمُ. والدارقطني، وَقَالُوا: إنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، أَوْ يُحْمَلُ الْإِنْصَاتُ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ 4، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّةَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي سُكُوتِك بَيْنَ التَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ "اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ" الْحَدِيثَ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى النَّسَائِيَّ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعَهُ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَجَبَتْ هَذِهِ؟ فَالْتَفَتَ إلَيَّ، وَكُنْت أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَقَالَ:"مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ"، انْتَهَى.

1 صنف البيهقي ثلاث سنن: "الكبرى" التي رد عليها ابن التركماني. و"الصغرى". و"الأوسط"، وهي "كتاب المعرفة" صنفه قبل الكبرى كما صرح به في "الكبرى" ص 231 ج 1.

2 قلت: في هذا القول إجمال، الظاهر منه أن قول أبي حاتم. وابن معين. وغيرهما في حديث أبي هريرة. وأبي موسى كليهما، وليس كذلك، بل قول أبي داود في كليهما، وقول ابن معين. وأبي حاتم في حديث أبي هريرة فقط، راجع "السنن الكبرى" ص 156 ج 2، وص 157 ج 2، وراجع "علل ابن أبي حاتم" ص 164 ج 1، والظاهر من الدارقطني في "سننه" ص 125 تصحيح حديث أبي هريرة.

تنبيه: قال الشيخ محمد هاشم بن عبد الغفور السندي، في رسالة له في مسألة القراءة سماه "تنقيح الكلام" ما نصه: إن الدارقطني أخرج بسندين: أحدهما: سند ابن ماجه بعينه. وثانيهما: أنه أخرجه عن علي بن عبد الله بن مبشر عن أبي الأشعث أحمد بن المقدام عن المعتمر بن سليمان التيمي بهذا السند بعينه، ثم قال الدارقطني: بل ذكر كل من هذين السندين، هذا إسناد صحيح، ورواته كلهم ثقات، اهـ. قلت: لا أثر لهذا التصحيح في النسخة المطبوعة، كما لا أثر لقول نقل عن الدارقطني. وغيره، وإجماعهم يدل على وهم، اهـ.

3 هذا اللفظ من البيهقي في الطرف المقابل من لفظ مسلم في "صحيحه" ص 174، حيث صحح أبي هريرة: ولم يضعه في "كتابه" إنما وضع فيه حديث أبي موسى: إذا قرأ فأنصتوا، فقط، حين ألزمه ابن أخت أبي النضر بحديث أبي هريرة، بقوله: لم لم تضعه ههنا؟ قال: إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه، اهـ. أي إنما أوردت في الصحيح حديث أبي موسى: إذا قرأ فأنصتوا، لأنهم أجمعوا على تصحيحه، ولم أورد حديث أبي هريرة: إذا قرأ فأنصتوا، لأنه وإن كان صحيحاً عندي، لكن صحته عندي ليس بمجمع عليها، خالف مسلماً في تصحيح ابن معين. وأبو حاتم، وهذا هو وجه الترك، والله أعلم.

4 قلت: يفهم من هذه العبارة أن هؤلاء الحفاظ ليسوا على ثقة من تضعيف الحديث، وأنهم إن حمل الأنصاب على ترك الجهر، فلا نزاع لهم مع مصححي الحديث، وإنما نازعوا لأجل مسألة القراءة خلف الامام، فإن سلم لهم تلك المسالة بدون هذا التضعيف، فلا حاجة لهم إلى تضعيف الحديث، وظاهر أن هذا التضعيف ليس من جنس تضعيف الحديث، لأجل الضعف في الحديث، بل لأمر آخر، لو لم يناقشوا فيه، فلا حاجة لهم إلى تضعيف الحديث، ولهذا قال خاتم الحفاظ شيخ الإسلام محمد أنور شاه، نوّر الله مرقده، في هؤلاء: سرى فقههم إلى الحديث، اهـ.

ص: 17

قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ "اكْتِفَاءُ الْمَأْمُومِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ".

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 1" مُحْتَجًّا بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:"أَتَقْرَءُونَ فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ؟ " فَسَكَتُوا، فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالُوا: إنَّا لَنَفْعَلُ، قَالَ:"لَا تَفْعَلُوا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَزَادَ: وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَرَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:"مِنْ ذَا الَّذِي يُخَالِجُنِي سُورَةَ كَذَا؟! " فَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُلْ هَكَذَا غَيْرُ حَجَّاجٍ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ قَتَادَةَ: مِنْهُمْ شُعْبَةُ. وَسَعِيدٌ. وَغَيْرُهُمَا، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: فَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَحَجَّاجٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَقَالَ "أَيُّكُمْ قَرَأَ بسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى"؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ عليه السلام:"قَدْ عَرَفْت أَنَّ رَجُلًا خَالَجَنِيهَا"، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْت لِقَتَادَةَ: كَأَنَّهُ كَرِهَهُ؟ فَقَالَ: لَوْ كَرِهَهُ لَنَهَى عَنْهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي سُؤَالِ شُعْبَةَ، وَجَوَابِ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ تَكْذِيبُ مَنْ قَلَبَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ: فَنَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ثَنَا وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ.

1 ص 128، ورواه الدارقطني: ص 129، والبخاري في "جزء القراءة" ص 22، وزاد: وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه، وأخرجه البيهقي في "الكتاب" ص 121 بدون الزيادة، وفي: ص 122 مع الزيادة، وأخرجه في "السنن" ص 166 مع الزيادة، وقال: حديث أبي قلابة عن أنس ليس بمحفوظ، وجيد حديث أبي قلابة عن ابن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: وحديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند البيهقي. وابن حزم مرسل.

2 ص 124، وص 155، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 162 ج 2".

3 في "باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف الإِمام" ص 172 ج 1.

4 ص 124.

ص: 18

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 1 عَنْ غَسَّانَ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَنْصِتُ؟، قَالَ: بَلْ أَنْصِتْ، فَإِنَّهُ يَكْفِيك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ غَسَّانُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَيْسٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفَانِ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ مِنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ علي بن سلمان البروردي 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَلْمَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَغَلَ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لِابْنِ حِبَّانَ"، وَلَا تَرْجَمَ فِيهِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَلْمَانَ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": مَأْمُونُ بْنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ مِنْ أَهْلِ هَرَاةَ، كَانَ دَجَّالًا مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَارًا،" انْتَهَى.

مُلَخَّصُ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ فِي "الْجُزْءِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ"، قَالَ: وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ "يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ" بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَنْقُوضٌ بالحدثناء، مَعَ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتَ بِتَرْكِ فَرْضٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَرْضُ عِنْدَهُ أَهْوَنُ حَالًا مِنْ التَّطَوُّعِ، وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِفَرْعٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ جَاءَ وَالْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَيَتْرُكُ الِاسْتِمَاعَ. وَالْإِنْصَاتَ، مَعَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ:"إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ، أَيُقْرَأُ خَلْفَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لا، فقد بطل

دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَجْهَرُ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، قَالَ فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ سُكُوتِهِ، وَقَدْ رَوَى سَمُرَةُ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ. وَسَكْتَةٌ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ سُكُوتِ

(16) ص 125.

2 في نسخة ك "البروري".

ص: 19

الْإِمَامِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ إلَّا بفاتحة الكتاب"، والإِنصات. وإذا قَرَأَ الْإِمَامُ عَمَلًا بِالْآيَةِ، قال: واحتج بِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالْعِرَاقِ، لِإِرْسَالِهِ وَانْقِطَاعِهِ: أَمَّا إرْسَالُهُ، فَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ، فَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يُدْرَى أَسَمِعَ جَابِرٌ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَمْ لَا، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ، فتكون الفتحة مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ "أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، بَعْدَ الْفَاتِحَةِ"، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ:"إلَّا الْمَقْبَرَةَ"، مَعَ انْقِطَاعِهِ، قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ عليه السلام لِسُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، حِينَ جَاءَ، وَهُوَ يَخْطُبُ:"قُمْ، فَارْكَعْ"، مَعَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، فَقَالَ:"إذَا قُلْت لِصَاحِبِك: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْت"، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ نِجَادٍ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ نِجَادٍ لَمْ يُعْرَفْ، وَلَا سُمِّيَ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو حُبَابٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كَهَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَتِنًا، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَوَانٍ عَنْ إبْرَاهِيمِ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَقَالَ: رَضْفًا، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا بِالنَّارِ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، فكيف يجوز لأحد يَقُولَ: فِي [فِي] الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَمْرَةٌ، وَالْجَمْرَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ؟!.الثاني: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ تُمْلَأَ أَفْوَاهُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلِ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَحُذَيْفَةَ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ رَضْفًا، وَلَا نَتِنًا، وَلَا تُرَابًا. ثُمَّ رَوَى أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ لِهَذَا الْإِسْنَادِ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ، قَالَ: وَرَوَى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيِّ. وَعُمَرُ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ:"وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَمْ يَذْكُرْ سُلَيْمَانُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ سَمَاعًا مِنْ قَتَادَةَ، وَلَا قَتَادَةَ مِنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَوَى هِشَامٌ. وَسَعِيدٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَهَمَّامٌ. وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ:"وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ

ص: 20