الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصوم
مقدمة
…
كِتَابُ الصَّوْمِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ"، قُلْت: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَجْمَعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ:"لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنْ اللَّيْلِ"، وَجَمَعَ النَّسَائِيُّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد2: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ. وَوَقَفَهُ عَلَى حَفْصَةَ: مَعْمَرٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. "حَدِيثُ اللَّيْثِ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَحَدِيثُ إسْحَاقَ، عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ، لَمْ يُذْكَرْ بَيْنَهُمَا الزُّهْرِيُّ، وَبِالطَّرِيقَيْنِ3 رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ4: الصَّوَابُ عِنْدِي موقوف، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُمَا مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
1 أبو داود في "الصيام في باب النية في الصوم" ص 340، والنسائي في "باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة" ص 320، والترمذي في "باب لا صيام لمن لم يعزم من الليل: ص 91 ج 1، وابن ماجه في "باب ما جاء في فرض الصوم من الليل" ص 123، وأحمد: ص 287 ج 6، والبخاري في "التاريخ الصغير" ص 67 والطحاوي: ص 325، فليراجعهما.
2 قلت: اندرج كلام المخرج في النسخة المطبوعة سابقاً، في أثناء قول أبي داود بحيث اختل نظام الكلام، وكان حق العبارة هكذا: قال أبو داود: رواه الليث، وإسحاق بن حازم عن عبد الله ابن أبي بكر مثله، ووقفه عن حفصة معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأيلي، انتهى. حديث ليث، عند الطبراني في "معجمه" وحديث إسحاق، عند ابن ماجه، وأخرجه الترمذي، الخ. أقول: هذا الاختلال غير موجود في نسخة الدار المخطوطة، وقد أزيل عن هذا الطبع، كما تراه "البجنوري".
3 أي طريق سالم، ونافع، والله أعلم.
4 وقال البخاري في "تاريخه الصغير" ص 68، بعد ذكره اختلاف الناقلين: غير المرفوع أصح، اهـ، وقال الطحاوي: ص 325: هذا الحديث لا يرفعه الحفاظ الذين يروونه عن ابن شهاب، ويختلفون عنه فيه اختلافاً يوجب اضطراب الحديث بما هو دونه، اهـ.
عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَوَقَفَهُ، وَتَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"1: ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ حَفْصَةَ، ثُمَّ سَاقَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ مَرْفُوعًا، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ بِهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ أَيْضًا مَرْفُوعًا. قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ حَفْصَةَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ، لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 إلَّا كَذَلِكَ، مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ4: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ"، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا، قُلْت لَهُ: أَيُّهُمَا أَصَحُّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَدْرَكَ سَالِمًا، وَرَوَى عَنْهُ، وَلَا أَدْرِي سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ قَوْلُهَا، وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّادٍ ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْمُفَضَّلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُنَنِهِ"، وَفِي "خِلَافِيَّاتِهِ"، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّادٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لَيْسَ
1 قلت: الروايات موجودة في "المجتبى" أيضا
2 ظني أنه هو الصحيح، وفي النسخة المطبوعة: الربيع، بدل: أبيه، فلينظر.
3ص 86.
4 ص 225.
5 الدارقطني: ص 234، والبيهقي: ص 203 ج 4.
بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ، رَوَى عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ، وَهَذَا مَقْلُوبٌ إنَّمَا هُوَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، رَوَى عَنْهُ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ سَعْدٍ تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَجْمَعَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُجْمِعْهُ، فَلَا يَصُمْ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِالْوَاقِدِيِّ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قال بعد ما شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ:"أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" وَقَالَ: إن هذا الحديث لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَصُومُوا غَدًا، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 بِلَفْظٍ صَرِيحٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ لَيْلَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: أَبْصَرْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَلَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ: الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: فَيَصُومُوا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلًا، وَمُسْنَدًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَأَنَّ سِمَاكًا إذَا تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، لِأَنَّهُ كَانَ يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْنَدًا ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعِكْرِمَةَ، وَمُسْلِمٌ بِسِمَاكٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ سِمَاكٌ: وَأَنَّ رَفْعَهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ،
1 الدارقطني: ص 228 من حديث ابن عباس رضي الله عنه، والحاكم في "المستدرك" ص 424 ج 1.
2 أبو داود في "باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان" ص 327، والنسائي في "باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان" ص 300، والترمذي في "باب الصوم بالشهادة" ص 87، وابن ماجه في "باب الشهادة على رؤية الهلال" ص 120، و"مشكل الآثار" ص 202 ج 1.
فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ1، قَالَ: ترائى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَرَأَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي حَدِيثِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: " أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَمْ ينْوِه لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": لَمْ يَكُنْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا، فَلَهُ حُكْمُ النَّافِلَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"4 عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، فَإِنِّي صَائِمٌ"، فَصَامَ النَّاسُ، قَالَ: وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ: لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآنَ، أَوْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَنْ فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَهُوَ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام بعد ما أَسْلَمَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ، أَوْ عَشْرٍ، بَعْدَ أَنْ نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ، وَرَمَضَانُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"5 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا يَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ:"مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَأَمَّا تَرْكُ الْأَمْرِ لِقَضَائِهِ: فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا قِيلَ فِيمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي حَدِيثٍ غَرِيبٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"6 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةً عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي عَاشُورَاءَ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ بعد ما يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ: "إنِّي إذًا لَصَائِمٌ"،
1 أخرجه أبو داود: ص 327 ج 1، والمستدرك: ص 423 ج 1.
2 البخاري في "باب إذا نوى بالنهار صوماً" ص 257، ومسلم في "باب صوم عاشوراء" ص 359 ج 1.
3 ص 327.
4 البخاري: ص 268، ومسلم: ص 358.
5 البخاري: ص 268، ومسلم: ص 357.
6 أبو داود في "باب فضل صوم عاشوراء" ص 339، والبيهقي: ص 221 ج 4.
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عليه السلام ذَات يَوْمٍ، فَقَالَ:"هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ:"إنِّي إذًا صَائِمٌ"، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ:"أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا"، فَأَكَلَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ، فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا:"فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ"، وَفِي لَفْظٍ:"فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ"، وَفِي لَفْظٍ:"فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ يَوْمُ شَكٍّ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا تَطَوُّعًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رضي الله عنه، أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، قَالَ: وَيَوْمُ الشَّكِّ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِأَنْ يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ طَلَبِ الْهِلَالِ، أَوْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ يَرُدُّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، وَنُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم، وَاسْتَدَلَّ لِأَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ، بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: "فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ"، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَالَ فِي "صَحِيحِهِ" الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ، فَقَالَ فِيهِ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَشَبَّابَةَ، وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا قَالُوا فِيهِ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آدَم رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِانْفِرَادِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وَجْهٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ رَمَضَانُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، وَلَا يَصِيرُ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يُؤَوِّلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ ذِكْرِ شَعْبَانَ، فَقَالُوا: نَحْمِلُهُ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، فَإِنَّا نَحْتَاجُ إلَى إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا قَدْ صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَلَسْنَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَكِنَّا صُمْنَاهُ حُكْمًا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أقرب
1 مسلم في "باب جواز صوم النافلة بنية من النهار" ص 364، والنسائي: ص 319.
2 البخاري في "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال" الخ: ص 256، ومسلم في "باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال" ص 348.
* في نسخة: ابن إسماعيل
مَذْكُورٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مُفَسَّرًا: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ أَنَّ آدَمَ بْنَ أَبِي إيَاسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ للخبر، فغير قادح في صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام إمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ أَحَدَهُمَا، وَذَكَرَ الرَّاوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ لِلْعَهْدِ أَيْ عِدَّةَ الشَّهْرِ وَالنَّبِيُّ عليه السلام لَمْ يَخُصَّ بِالْإِكْمَالِ شَهْرًا دُونَ شَهْرٍ، إذَا غُمَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ، إذْ لَوْ كَانَ شَعْبَانُ غَيْرَ مُرَادٍ مِنْ هَذَا الْإِكْمَالِ لَبَيَّنَهُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِكْمَالِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: صُومُوا وَأَفْطِرُوا، فَشَعْبَانُ وَغَيْرُهُ مُرَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، بَلْ مُبَيِّنَةٌ لَهَا. أَحَدُهُمَا: أَطْلَقَ لَفْظًا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الشَّهْرِ، وَالثَّانِي: ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ، قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:"لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ، فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حبان في "صحيحهما"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3:"صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ، فَأَكْمِلُوا شَهْرَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ". قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَسِمَاكٌ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ: وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ: أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ غُمَّ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ:"فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ" رَاجِعًا إلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ:"صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَيْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ، أَوْ فِطْرِكُمْ"، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ، وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ:"فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَقْدِرُوا لَهُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ
1 أبو داود في "باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" ص 325، والترمذي في "باب: إن الصوم لرؤية الهلال والافطار له" ص 87، والطحاوي: ص 253، وأحمد: ص 226.
2 الطيالسي: ص 348، ومن طريقه البيهقي: ص 208 ج 4.
3 في نسخة الدار "عن عكرمة به""البجنوري".
4 أبو داود في "باب إذا أغمى الشهر" ص 325، والنسائي في "باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم" ص 301،
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"؛ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَالَ فِيهِ: عَنْ حُذَيْفَةَ غَيْرَ جَرِيرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الصَّحْوِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغَيْمَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، كَمَا سَبَقَ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَإِنَّ تَسْمِيَةَ حُذَيْفَةَ، وَهْمٌ مِنْ جَرِيرٍ، فَظَنَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ هَذَا تَضْعِيفٌ مِنْ أَحْمَدَ لِلْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُتَّصِلٌ، إمَّا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَإِمَّا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَجَهَالَةُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ رَمَضَانَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذِهِ عَصَبِيَّةٌ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَيْسَتْ الْعَصَبِيَّةُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا الْعَصَبِيَّةُ مِنْهُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: سألت عَنْهُ، فَقَالَ: حَسَنُ الْحَدِيثِ، صَالِحُ الْحَدِيثِ. وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئًا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَكَوْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَانَ لَا يَرْضَاهُ، غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، فَإِنَّ يَحْيَى شَرْطُهُ شَدِيدٌ فِي الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إلَّا عَمَّنْ أَرْضَى، مَا رَوَيْت إلَّا عَنْ خَمْسَةٍ. وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، غَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أصحاب الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ، كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
والطحاوي: ص 254 عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الدارقطني: وقال: كلهم ثقات، والبيهقي: ص 208، وقال: وصله جرير عن منصور، بذكر حذيفة، وهو ثقة حجة.
1 والترمذي: ص 86 عن البعض فقط.
2 أخرجه أبو داود: ص 325.
3 الدارقطني: ص 227.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ صِيَامًا، وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَصَبْنَاهُ مُفْطِرًا، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ صُمْنَا الْيَوْمَ، فَقَالَ "أَفْطِرُوا"، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يُتَمَارَى فِيهِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ" يَعْنِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ عَمَّا سِوَاهُ، وَشَنَّعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَشْنِيعًا كَثِيرًا، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى ابْنِ جَرَادٍ، لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ تَرَخَّصُوا فِي ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نُسْخَةُ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ ابْنِ جَرَادٍ، وَهُوَ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَهُوَ وَعَمُّهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَوَافَقَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا".قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ".
قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَيَصُومُهُ" 3، انْتَهَى. وَآخِرُ الْحَدِيثِ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ لِلشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، ابْتِدَاءً، أَيْ لَا يُوَافِقُ عَادَةً، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَصُومُوا رَمَضَانَ فِي غَيْرِ أوانه، ويرده ما وفع فِي لَفْظٍ أَيْضًا:" لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ4 بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ"، وَقَدْ جَاءَ بِالتَّصْرِيحِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 172: معناه يخرج من الحديثين الماضي والآتي، والله أعلم.
2 البخاري في "باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم أو يومين" ص 256، ومسلم في "باب وجوب صوم رمضان" ص 348، والترمذي: ص 86، وأبو داود: ص 326، والنسائي: ص 305، وص 307، وابن ماجه: ص 120.
3 كذا في ابن ماجه، وفي نسخة الدار "فيصوم" ولفظ مسلم:"فليصمه""البجنوري".
4 محط الرد، قوله: بين يدي رمضان.
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمٍ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ، وَالْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ1 وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ أَبُو عَبَّادٍ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَرَاهِيَةُ الصَّوْمِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَحُجَّتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا بَقِيَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ الْعَلَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ: وَسَأَلْت عَنْهُ ابْنَ مَهْدِيٍّ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ: وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلَاءُ ثِقَةٌ، لاينكر مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا هَذَا، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِيهِ: فَكُفُّوا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَرُوِيَ3: فَأَمْسِكُوا، رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، فَكُفُّوا، قَالَ: وَبَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ فَرْقٌ، فَإِنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ التَّمَادِي فِي الصَّوْمِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا، وَلِمَنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَ النِّصْفِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ يَوْمَ الشَّكِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، فَأَخْتَارُ أَنْ يَصُومَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ4، وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِ يَوْمَ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، قُلْت: غَرِيبٌ،
1 لفظ البيهقي: "هو غير قوي".
2 الترمذي في "باب كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان" ص 92 ج 1، وأبو داود في "باب كراهية ذلك" ص 326، وابن ماجه في "باب النهي أن يتقدم رمضان بيوم ص 120، بلفظ: فلا صوم حتى يأتي رمضان.
3 رواه الدارمي في "مسنده" ص 220.
4 أخرج البيهقي في "سننه الكبرى" ص 211 ج 4 عن عبد الله بن أبي موسى، مولى بني نصر أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن اليوم الذي يشك فيه الناس، فقالت: لأن أصوم من شعبان أحب إلى من أن أفطر رمضان، اهـ. وأخرج نحوه عن أسماء بنت أبي بكر، وأبي هريرة، وأخرج الشافعي في "كتاب الأم" ص 80 ج 2
وَفِي "التَّحْقِيقِ" لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا حَالَ دُونَهُ غَيْمٌ أَوْ نَحْوُهُ، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لا يسمى يوم الشك، بَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ حُكْمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ".قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَالْمَعْرُوفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ: صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَى آخِرِهِ، وَوَهَمَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ فِي "الْغَايَةِ" فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ. وَمُسْلِمٌ لَمْ يَرْوِهِ، وَالْبُخَارِيُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَلَّدَ سِبْطَ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي "تَارِيخِ بَغْدَادَ2 فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآدَمِيِّ" ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَابَعَ الْآدَمِيُّ عَلَيْهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الطَّبَرَانِيَّ عَنْ وَكِيعٍ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ وَكِيعٍ، فَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى
ومن طريقه الدارقطني: ص 223 عن فاطمة بنت الحسين أن رجلاً شهد عند عليٍّ على رؤية الهلال، فصام، وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يوماً من شعبان، أحب إليَّ أن أفطر يوماً من رمضان، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 197: فيه انقطاع، اهـ.
1أبو داود في "باب كراهية صوم يوم الشك" ص 426، والترمذي: ص 86، والنسائي: ص 306، وابن ماجه: ص 120، والطحاوي: ص 356، والحاكم: ص 423، والدارقطني: ص 227، والبخاري: ص 256 تعليقاً، والدارمي: ص 212.
2 "تاريخ بغداد" ص 397 ج 2.
3 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 203 ج 3: رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري، وهو ضعيف، قلت: تقدم الحديث في الحديث السادس، ورواه الدارقطني: ص 227، بإسناد آخر، وقال الواقدي: غيره أثبت منه.
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ: يَوْمِ الْأَضْحَى. وَيَوْمِ الْفِطْرِ: وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ"، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قَدَامَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ:"أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِسِمَاكٍ، وَالْبُخَارِيُّ احْتَجَّ بِعِكْرِمَةَ، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ2: جَاءَ لَيْلَةَ رَمَضَانَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: رَأَيْت الْهِلَالَ يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ وَتَابَعَ زَائِدَةَ عَلَى إسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، وَحَازِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ يَرْوُونَهُ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ حَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ بِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَقُومُوا، وَأَنْ تَصُومُوا، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَامَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ5 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مُسْنَدًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ6، لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يُلَقَّنُ
1 تقدم في ص 435 في الحديث الثاني.
2 الدارقطني: ص 228، وأبي داود: ص 327، والترمذي: ص 87.
3 والدارقطني: 227.
4 أبو داود في "سننه" ص 327، والحاكم في "المستدرك" عن عثمان بن سعيد ص 424 ج 1، وعنهما البيهقي: ص 212 ج 4.
5 ص 300.
6 قال: وهذا، الخ، لم أجد في المطبوعة، والله أعلم. أقول: لعل هناك سقطاً في المطبوعة، وهذه العبارة موجودة، في نسخة الدار أيضاً "البجنوري".
فَيَتَلَقَّنُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَثْبَتُ فِي سُفْيَانَ مِنْ الْفَضْلِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: رِوَايَةَ زَائِدَةَ1، وَحَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيِّ مِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَدْ رَأَيْت ابْنَ الْمُبَارَكِ يَرْوِي كَثِيرًا مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ فَيُوقِفُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْته، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَسَنَدُ الْحَاكِمِ وَارِدٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: شَهِدْت الْمَدِينَةَ وَبِهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى وَالِيهَا فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ شَهَادَتِهِ، فَأَمَرَاهُ أَنْ يُجِيزَهُ، وَقَالَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ قَالَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْإِفْطَارِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَفْصٌ هَذَا، هو حفص بن عمرو بْنِ دِينَارٍ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَأَمَّا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرْخِ، فَرَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ هَذَا.
الْآثَارُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنْت مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْبَقِيعِ، نَنْظُرُ إلَى الْهِلَالِ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟ قَالَ: مِنْ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: أَهْلَلْت؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إنَّمَا يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ3 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
1 رواية زائدة، عند أبي داود، والنسائي، ورواية حازم بن إبراهيم، عند الدارقطني، ورواية أبي عاصم، عند الحاكم أيضاً.
2 أبو داود في "باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان" ص 327، والحاكم: ص 423، والدارقطني ص 227.
3 الشافعي في "كتاب الأم" ص 80 ج 2.
بْنِ عمر وابن عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بنت حسن أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، فَصَامَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِمَالِكٍ رضي الله عنه فِي "الشَّاهِدَيْنِ": اُسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: "لَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَنَا، فَقَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَنْسُكَ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ، وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا، فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَارِثِ مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدُ، فَقَالَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ.
بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام، لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا:"تِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك"، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ:"اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك"، انْتَهَى. وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَلَفْظُ الْبَاقِينَ:"مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْت نَاسِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَتِمَّ صَوْمَك، فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك"، انْتَهَى. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي لَفْظٍ:"وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك"، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَزَادَ فِيهِ:"فَلَا يُفْطِرْ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ:"فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ:"مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ:
1 البخاري في "باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً" ص 259، ومسلم في "باب أكل الناسي وشربه لا يفطر" ص 364، وأبو داود في "باب من أكل ناسياً" ص 333، والترمذي في "باب الصائم يأكل ويشرب ناسياً" ص 90، وابن ماجه في "باب من أكل ناسياً" ص 122.
2 "المستدرك" ص 430، والبيهقي من جهة الحاكم: ص 229 ج 4.
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1: تَفَرَّدَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ2: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ، وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَنَاوَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرْقًا، فَقَالَ:"ياأم إسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا"، فَأَصَبْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ، أَنِّي صائمة، فبرهت يَدِي3، لَا أُقَدِّمُهَا وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ عليه السلام:"أَتِمِّي صَوْمَك، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، غَيْرُ مُخَرَّجٍ فِي "السُّنَنِ"، وَبَعْضُ رُوَاتِهِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَبَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يَرْوِي عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ حَكِيمِ ابْنَةِ دِينَارٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "التَّارِيخِ": بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ، قَالَ لَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ: ثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ، سَمِعْتُ مَوْلَاتَهَا أُمَّ إسْحَاقَ الْعَنَزِيَّةَ، قَالَتْ: هَاجَرْتُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ".قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ.
فَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ. وَالْقَيْءُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَاهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَتَفَرَّدُ بِهِ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ
1 وفي "السنن" ص 229 ج 4.
4 الترمذي في "باب الصائم يذرعه القيء" ص 90، قلت: سأل ابن أبي حاتم أباه، وأبا زرعة عن حديث أبي سعيد، رواه عبد الرحمن. وأسامة عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد، فقالا: هذا خطأ، ورواه الثوري عن زيد عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الصحيح ذكره في "العلل" ص 240 ج 1.
2 أحمد في "المسند" ص 367 ج 6 بطوله
3 في "المسند" فرددت يدي
2 ص 264 ج 4.
كَانَ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ، وَهُوَ لَا يعلم، حتى كثر فِي رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَوْقُوفَاتِ، وَإِسْنَادِ الْمُرْسَلَاتِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَاهُ مُرْسَلًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ مُسْنَدًا، قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُعْرَفُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَذَكَرْنَاهُ عَنْ أَخِيهِ أُسَامَةَ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ إلَّا مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّسَائِيّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ": هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى بْنِ سَاسَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بن حبان أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ. وَالْحِجَامَةُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا إسْنَادًا، وَأَصَحِّهَا، إلَّا أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: سُلَيْمَانُ بن حبان صَدُوقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، فَإِنَّهُ أُتِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَا عَنْهُ إلَّا سُلَيْمَانَ هَذَا، انْتَهَى.
1 الدارقطني ص 239 عن هشام بن سعد صدوق، تكلموا في حفظه، كذا في "التلخيص" ص 190.
2 قال الحافظ في "التلخيص" ص 190: هو حديث معلول، وقال في "الزوائد" ص 170 ج 3: رواه البزار بإسنادين، وصحح أحدهما، وظاهره الصحة، اهـ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي عَدِيٍّ التُّرْكِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ. وَالْقَيْءُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ثَوْبَانَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ، وَلَا مَنْ احْتَلَمَ، وَلَا مَنْ احْتَجَمَ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مُشِيرًا إلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم من أصحاب النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ:"لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ" الْحَدِيثَ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ نَحْوُ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، والدارقطني، وَغَيْرُهُمْ. وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَوْلَادُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الثَّلَاثَةُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ عَنْ أَبِيهِمْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَحَدَّثَ بِهِ شَيْخٌ يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الشَّامِيِّ وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ"،قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ. حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ4 عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام إلَّا مِنْ حَدِيثِ
1 بسند ضعيف في "ترجمة محمد بن الحسن بن قتيبة".
2 أبو داود في "باب الصائم يحتلم نهاراً في رمضان، ص 330 ج 1.
3 أبو داود في "باب الصائم يستقىء عامداً" ص 331، والترمذي في "باب من استقاء عامداً" ص 90، وابن ماجه في "باب الصائم يقيء" ص 122.
4 حديث أبي هريرة، عند الترمذي، والطحاوي: ص 347، وغير واحد.
عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ1، وَثَوْبَانَ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَاءَ فَأَفْطَرَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، فَقَاءَ، فَضَعُفَ، فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ، هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَزَادَ إسْحَاقُ: قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ: زَعَمَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنَّ هِشَامًا وَهِمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ بِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ"4 مَوْقُوفًا على ابن عمر: أنا نَافِعَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشافعي في "مسنده"، ووقفه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَعَلَى عَلِيٍّ، وَالْمُفَسَّرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْزُوقٍ قَالَ: سَمِعْت فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَشَرِبَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُهُ، قَالَ:"أَجَلْ، وَلَكِنِّي قِئْتُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى
1 حديث أبي الدرداء، عند أحمد: ص 277 ج 5، والطحاوي: ص 348، وحديث ثوبان. عند الطحاوي ص 348، وحديث فضالة، عند ابن ماجه: ص 122، وأحمد: ص 21 ج 6، والطحاوي ص 348، والدارقطني: ص 238.
2 الحاكم: ص 427، والدارقطني ص 240، وأحمد: ص 498 ج 2، وابن جارود في "المنتقى" ص 198.
3ابن ماجه: ص 122، والحاكم في "المستدرك" ص 426.
4 "الموطأ" للإِمام محمد: ص 182، والطحاوي: ص 348.
5 ابن ماجه: ص 122، وأحمد: ص 21 ج 6، والطحاوي: ص 348، والدارقطني: ص 238.
الْمَرْأَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ يَعْنِي فِي الْجِمَاعِ لِأَنَّ "مَنْ" تُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَالْحَدِيثُ لَمْ أَجِدْهُ، وَلَكِنْ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبِهِ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّكْفِيرَ بِالْإِفْطَارِ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ يَحْيَى الحماني حدثنا هشيم عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، انْتَهَى. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ، أَكْلًا، أوشرباً، أَوْ جِمَاعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْجِمَاعِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ3، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْجِمَاعِ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوِ الْعِشْرِينَ رَجُلًا، ذَكَرَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ4، فَقَالُوا فِيهِ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُقَيَّدَةً بِالْوَطْءِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، لِزِيَادَةِ حِفْظِهِمْ، وَأَدَائِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ، كَيْفَ! وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً،
1 قلت: حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم في "باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم" ص 355، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 328، كلاهما عن ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة، ومالك في "موطأه" ص 90، وأبو داود في "باب كفارة من أتى أهله في رمضان" ص 332، والدارمي: ص 217 والدارقطني: ص 251، والشافعي في "كتاب الأم": ص 84 ج 2، كلهم عن مالك عن ابن شهاب به، ولم أجد حديث أبي هريرة هذا في البخاري، والله أعلم.
2 الدارقطني: ص 243.
3 قلت: هو في البخاري في "باب إذا جامع في رمضان" ص 259، وفي مسلم: ص 355.
4 روى عن بعض منهم مقيدة في: ص 224 ج 4، وسمى آخرين، ولم يرو عنهم، وأكثر الدارقطني ص 251 في ذكر أسماء من وافق مالكاً وتابعه، كابن جريج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعدّ منهم ثلاثة عشر رجلاً، ومن خالفه، وروى مقيدة بالوطء، وعدّ منهم واحداً وثلاثين راوياً، وبعض منهم له، كالروايتين، والله أعلم.
2 البيهقي في "سننه الكبرى" ص 225.
قَالَ مَا أَجِدُهَا، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ، قَالَ: مَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي هَذَا الْبَابِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ كِفَايَةٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، وَأَهْلَكْتُ، فَقَالَ:"مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ: لَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَقَالَ: وَهَلْ جَاءَنِي مَا جَاءَنِي إلَّا مِنْ الصَّوْمِ، فَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُؤْتَى بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ ويروى بفرق فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقَالَ: فَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي، وَمِنْ عِيَالِي، فَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَعِيَالُك يُجْزِئُك، وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك".
قُلْت: أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ:"مَا شَأْنُكَ؟، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اجْلِسْ، فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفَرَقِ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ2 وَفِي لَفْظٍ: أَنْيَابُهُ، وَفِي لَفْظٍ: نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ:"وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَارًا"، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّأِ"3:"أَصَبْت أَهْلِي، وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ"، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: زَادَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ هذا رخصة له خاصة، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ له بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"4: احْتَرَقْت، مَوْضِعَ هَلَكْت، وَفِيهِمَا مَا يَدُلُّ لِجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْعَامِدِ، لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ هَالِكٍ، وَلَا مُحْتَرِقٍ، عَلَى أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ، التَّصْرِيحُ بِالْعَمْدِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"5 عَنْ سَعِيدِ
1 البخاري في "الصوم في باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء" ص 259، ومسلم: ص 355، وأبو داود: ص 333، والترمذي في "باب كفارة الفطر في رمضان" ص 90، وابن ماجه في "باب كفارة من أفطر يوماً من رمضان" ص 121.
2 حتى بدت ثناياه، عند أبي داود، وأنيابه، عند البخاري، ومسلم، ونواجذه، عند البخاري: ص 899، وص 993.
3 "الموطأ" ص 90 في حديث سعيد بن المسيب.
4 قلت: هذا اللفظ في البخاري في كتاب المحاربين في باب من أصاب ذنباً دون الحدِّ" ص 1007، وفي مسلم في "الصيام" ص 355، في حديث عائشة، ولم أجد في شيء منهما في حديث أبي هريرة، وحديث عائشة فيهما، مع حديث أبي هريرة، في باب واحد، فلعل البصر طغى، أو أراد حديث عائشة، كما في حديث "الموطأ" ذكر لفظ حديث ابن المسيب، وهو بصدد حديث أبي هريرة، والله أعلم.
2 قلت: أخرج الدارقطني في "سننه" ص 251 عن سعد بن أبي وقاص، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطرت يوماً في شهر رمضان متعمداً، الحديث، وفيه: محمد بن عمر الواقدي، وهو ضعيف،
بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، الْحَدِيثَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام يَنْتِفُ شَعْرَهُ، وَيَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَيَقُولُ: هَلَكَ الْأَبْعَدُ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" مُسْنَدًا3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا رَوْحٌ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ، وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ، الْحَدِيثَ. وَفِي الْكِتَابِ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ: إلَّا هَلَكْت فَقَطْ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، وَاسْتَدَلَّ بِهَا بَعْضُهُمْ عَلَى مُشَارَكَةِ الْمَرْأَةِ إيَّاهُ فِي الْجِنَايَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَأَصْحَابُ سُفْيَانَ لَمْ يَرْوُوهَا عَنْهُ، إنَّمَا ذَكَرُوا قَوْلَهُ: هَلَكْت فَقَطْ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَدَّثَنِي أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ مَنْصُورٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَرْفَ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالْمُعَلَّى لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَوِيِّ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي ثَوْرٍ ثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ: وَأَهْلَكْت، وَهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَفِيهِ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ضَعَّفَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ: وَأَهْلَكْت، وَقَالَ: إنَّهَا أُدْخِلَتْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْأَرْغِيَانِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِالْإِسْنَادِ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ كَافَّةُ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ دُونَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ
لكن تابعه أبو أويس، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 168 ج 3: رواه البزار، وفيه الواقدي، وفيه كلام كثير، وقد وثق، اهـ، وقال الهيثمي: عن ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أفطرت يوماً من رمضان، قال:"من غير عذر ولا سفر؟ " الحديث، رواه الطبراني، وأبو يعلى، وفي "الأوسط والكبير" ورجاله ثقات، اهـ. وقال: عن أبي هريرة: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أفطرت يوماً من رمضان متعمداً، ووقعت على أهلي فيه، الحديث. قال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة مدلس، اهـ.
1 "الموطأ" ص 90، وعند البيهقي: ص 227 ج 4، وفي: ص 225 ج 4 عن غيره، وفي: ص 226 أيضاً.
2 والبيهقي في "السنن" ص 226 ج 4 عن سعيد بن أبي مريم أنبأنا الجبار بن عمر عن ابن شهاب به بمعناه، وعن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن سعد عن الزهري به بمعناه، وأحمد في "مسنده، ص 208 ج 2 عن الحجاج باسناده، ورواه أحمد: ص 516 ج 2، قال: حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أعرابياً جاء يلطم وجهه، وينتف شعره، الحديث، فليراجع، وظنى أن محمداً في إسناد أحمد مصحف، والله أعلم.
3 بإسناد جيد "تلخيص" ص 195.
شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَسْتَدِلُّ عَلَى كَوْنِهَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَيْضًا خَطَأً، بِأَنَّهُ نَظَرَ1 فِي "كِتَابِ الصَّوْمِ" تَصْنِيفِ الْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، فَوَجَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَأَنَّ كَافَّةَ أَصْحَابِ سُفْيَانِ رَوَوْهُ دُونَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، دَعْوَى لَمْ يَقُمْ لَهُ عَلَيْهَا بُرْهَانٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ أَيْضًا دَعْوَى، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: تُجْزِئُك، وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك، لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَلَا رِوَايَةَ: الْفَرْقِ بِالْفَاءِ، وَالْفَرْقُ: هُوَ الزِّنْبِيلُ، قِيلَ: يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي "الصَّوْمِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ:"كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك، وَصُمْ يَوْمًا، وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفُ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": طُرُقُ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَلَيْسَ فِيهَا: صُمْ يَوْمًا، وَلَا مِكْتَلَةُ التَّمْرِ3، وَلَا الِاسْتِغْفَارُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْمُرْسَلُ فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَذَكَرَهُ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "كُلْهُ، وَصُمْ يَوْمًا، مَكَانَ مَا أَصَبْت"، مُخْتَصَرٌ. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي هَذَا الْحَدِيثِ:"فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْك"، وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ تَقَعْ لَهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ نَقَلَ عَنْهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَيْنٌ عَلَيْهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"5 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَزِينٍ الْبَكْرِيِّ، قَالَ:
1 قال في "الجوهر" أبو ثور فقيه معروف جليل المقدار، أخرج عنه مسلم في "صحيحه" فلا يترك روايته لسقوطها في حظ رجل مجهول، وقد تأيدت روايته بالطريق الذي ذكره البيهقي أولاً، وربما أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق" من طريق الدارقطني حدثنا النيسابوري حدثنا محمد بن عزيز حدثني سلامة بن روح عن عقيل عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة، فذكر الحديث، وفيه هلكت وأهلكت، وسلامة هذا أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم في"المستدرك"، وقال ابن حبان: مستقيم، وذكر البيهقي في "الخلافيات" أن ابن خزيمة رواه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أهلكت يا رسول الله، هكذا بإثبات الألف.
2 أبو داود: ص 332، والدارقطني: ص 252.
3 في نسخة الدار "وليس فيها صوم، ولا مكيلة التمر""البجنوري".
4 الدارقطني: ص 251 من حديث علي، وكذا في "التلخيص" ص 196، وضعف إسناده.
5 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 167 ج 3: رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه، اهـ قلت: لعله سلمى البكرتية، قال الحافظ في "التقريب": لا تعرف، اه، وبقية رجاله ثقات.
حَدَّثَتْنَا مَوْلَاةٌ لَنَا، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَى مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَا عَائِشَةُ، هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟ " فَأَتَيْته بِقُرْصٍ، فَوَضَعَهُ فِي فِيهِ، وَقَالَ:"يَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟! " كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ، إنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: وَقَدْ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ. قُلْت: أَمَّا لصوم، فَأَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ:"مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ4 أَيْضًا عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ"، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَتَصُومُ صِبْيَانُنَا الصِّغَارُ، فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ:"مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ " قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ عليه السلام:"نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" وَصَامَهُ عليه السلام، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، انْتَهَى.
1 البيهقي: ص 261 ج 4
2 البخاري في "باب الحجامة والقيء" ص 260.
3 البخاري في "باب صيام يوم عاشوراء" ص 268. ومسلم في "باب صوم يوم عاشوراء" ص 359.
4 البخاري في "باب صوم الصبيان" ص 263، ومسلم: ص 360 ج 1.
5 البخاري: ص 268، وص 481، ومسلم: ص 359.
وَأَخْرَجَاهُ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَاهُ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ"، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ، انتهى. ولمسلم4 عن الْحَكَمَ بْنَ الْأَعْرَجِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلَالَ الْمُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْت: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حِينَ صَامَ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ عليه السلام:"فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ عليه السلام. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ، فَقَالَ:"لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ"، فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، قَالَ:"وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ"، فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ:"لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَوَّانَا لِذَلِكَ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، فَقَالَ:"ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُد عليه السلام"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ:"ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْت فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْت، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ"، قَالَ: فَقَالَ: "صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إلى رمضان صَوْمُ الدَّهْرِ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ:"يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:"يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ"، قَالَ مُسْلِمٌ" وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ، لِمَا نَرَاهُ وَهَمًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ: فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ"، فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْوَرَّاقُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ثَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا"، انْتَهَى. قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، فَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ، وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَنَقَلَ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَضَعَهُ قَتَلَةُ، الْحُسَيْنِ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَجُوَيْبِرٌ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكٌ، وَأَمَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ
1 البخاري في "باب وجوب صوم رمضان" ص 254، ومسلم: ص 358.
2 البخاري: ص 268، ومسلم: ص 358.
3 مسلم: ص 358.
4 مسلم: ص 359.
5 مسلم في "باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر"368.
يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُشَاشٌ، قَالَ: سَأَلْت الضَّحَّاكَ، هَلْ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: لَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: لَمْ يَلْقَ الضَّحَّاكُ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا لَقِيَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَخَذَ عَنْهُ التَّفْسِيرَ، انْتَهَى.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" عَنْ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعُشَارِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ النَّوْشَرِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ تِلْكَ السَّنَّةَ كُلَّهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ1: فِي رِجَالِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى تَفْضِيلٍ، فَدُسَّ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2 أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ وَاهٍ جِدًّا، وَأَبُو عَاتِكَةَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، واسمه: طريف بن سليمان، ويقال: سليمان بْنُ طَرِيفٍ3 قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ بَقِيَّةَ ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الزُّبَيْدِيَّ فِي سَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، الثِّقَةُ الثَّبْتُ، وَذَلِكَ وَهَمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَ
دَلَّسَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَلَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، بَلْ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الزُّبَيْدِيُّ الْحِمْصِيُّ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَلَكِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 175: ومن حديث أبي هريرة بسند لين فيه أحمد بن منصور الشونيزي، فكأنه أدخل عليه، وهو إسناد مختلق لهذا المتن قطعاً، اهـ، قلت. فليراجع، أهو النوشري، أو الثونيزي، أو الشيرازي.
2 الترمذي في "باب الكحل للصائم" ص 91 ج 1.
3 في نسخة الدار اسمه طريف بن سلمان، ويقال سلمان بن طريف "البجنوري"
4 ابن ماجه في "باب السواك والكحل للصائم" 122، والبيهقي: ص 262 ج 4.
ضَعْفِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كِتَابِهِ" فَرَّقَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَهُمَا وَاحِدٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عُتْبَةَ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الضَّبِّيُّ أَبُو مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ اكْتِحَالِ الصَّائِمِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ معبد بن هودة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَمَعْبَدُ، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ كَالْمَجْهُولِينَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ يَعْنِي الدَّهْنَ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقَبْضَةُ، قُلْت: وَفِيهِ أَثَرَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَالْآخَرُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ3 فِي "كِتَابِ الصَّوْمِ" عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مروان بن سالم المفقع، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا أَفْطَرَ، قَالَ:"ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تعليقاً4
1 أبو داود في "باب الكحل عند النوم" ص 330.
2 أبو داود في "باب الكحل عند النوم" ص 330.
3 أبو داود في "باب القول عند الافطار" ص 328، والدارقطني: ص 240، وقال: إسناده حسن، والدارقطني: ص 240، والحاكم: ص 422، وقال: على شرط الشيخين.
4 قوله: ذكره البخاري تعليقاً، فقال: وكان ابن عمر، الخ، الظاهر منه أن البخاري ذكر طرف أخذ اللحية فقط، وذكره بلا إسناد، قلت: قال البخاري في "باب تقليم الأظفار" ص 875 ج 6: حدثنا محمد بن منهال، قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، واحفوا الشوارب"، وكان ابن عمر إذا اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه، اهـ. هذا الموضع هو الذي أشار إليه الحافظ المخرج، وقال الحافظ في "الفتح" ص 296 ج 10: قوله: وكأن ابن عمر هو موصول بالسند المذكور إلى نافع، وقد أخرجه مالك في "الموطأ" ص 155 عن نافع، بلفظ: كان ابن عمر إذا
فَقَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ، أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ، انْتَهَى. وَجَهِلَ1 مَنْ قَالَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: ذكره، وَلَا يُقَالُ: رَوَاهُ، وَيُنْظَرُ، فَإِنَّ عَبْدَ الْحَقِّ ذَكَرَهُ فِي "الطَّهَارَةِ فِي الْمَوْصُولِ".
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، وَوَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا جَاوَزَ الْقَبْضَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ2 فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عُمَرَ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَيُّوبَ، مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: كان أبي هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، انْتَهَى.
وَيُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ حَدِيثُ: وَأَعْفُوا اللِّحَى، وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"أَحْفُوا أَيْ اقْطَعُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ خَيْرِ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: مُجَالِدٌ غَيْرُهُ أَثْبَتُ مِنْهُ، انْتَهَى.
حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه، اهـ. وهذا لفظ العينى أيضاً في "العمدة" ص 285 ج 10، وقال القسطلاني في "إرشاد الساري" ص 371 ج 8: هو موصول بالسند إلى نافع فقط، ولقد تردد الحافظ المخرج نفسه فيه، فإنه قال: ينظر، فإن عبد الحق ذكره في الموصول، فقوله: جهل من قال: رواه البخاري، ليس كما ينبغي، والله أعلم.
1 قلت: حديث أبي هريرة: إذا قرأ فأنصتوا، ذكره مسلم في: 174 تعليقاً، وقال ابن تيمية في "فتاواه": ص 142 ج 2: وقبله جده في "المتنقى" ص 107 ج 2، وابن قدامة في "المغني" ص 605 ج 1، "وصاحب المشكاة" في: ص 79، كلهم قالوا: رواه مسلم، وأمثال هذا كثير في "الكشاف" ولكن الرجل ليس في أهل الفن، وقال الحاكم: ص 58 ج 3 لحديث معلق أخرجه البخاري، فقال: قال يونس.
2 ابن سعد في "الطبقات" ص 131 ج 4 القسم الأول.
3 البخاري في "اللباس في باب إعفاء اللحى" ص 875، ومسلم في "الطهارة في باب خصال الفطرة" ص 129.
4 ابن ماجه في "باب السواك والكحل للصائم" ص 122، والدارقطني: ص 248، والبيهقي 273 ج 4) (1) ابن ماجه في "باب السواك والكحل للصائم" ص 122، والدارقطني: ص 248، والبيهقي 273 ج 4.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِنْهَا حَدِيثُ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَمَّمَ كُلَّ صَلَاةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهَا صَلَوَاتُ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم، مالا أَعُدُّ وَلَا أُحْصِي، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالْجُوزَجَانِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَعَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ مَالِكًا رَوَى عَنْ إنْسَانٍ ضَعِيفٍ مَشْهُورٍ بِالضَّعْفِ إلَّا عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ حَدِيثًا وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ أَصْلُحُ مِنْ عَاصِمٍ، وَعَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، وَهُوَ أَصْلَحُ مِنْ عَمْرٍو، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ عَنْ أَحَدٍ يُتْرَكُ حَدِيثُهُ إلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي الْمُخَارِقِ الضُّمَيْرِيَّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ حدثنا بكر بن حنيش عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: سَأَلَتْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَيَّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ؟ قَالَ. أَيَّ النَّهَارِ شِئْت، غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّةً، وَيَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَخُلُوفُ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أنه لابد أَنْ يَكُونَ بِفِي الصَّائِمِ خُلُوفٌ، وَإِنْ اسْتَاكَ، وَمَا كَانَ بِاَلَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا، مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ، بَلْ فِيهِ شَرٌّ، إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءٍ، لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ3 فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
1أبو داود في "باب السواك للصائم" ص 329 ج 1، وكذا الترمذي: ص 91، وأحمد: ص 445 ج 3، والدارقطني: ص 248، والبيهقي: ص 272 ج 4.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 165 ج 3، وفيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن معين في روايته، اهـ.
3 في "الزوائد" قلت: كذا الغبار، بدل قوله: قال: وكذا الغبار، فليراجع.
حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي "الْجِهَادِ" عَنْ أَبِي عَبْسٍ إنَّمَا يُؤْجَرُ فِيهِ مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا2 فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ، وَكَثْرَةَ الْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "وكثرة الخطا إلَى الْمَسَاجِدِ"، وَمَنْ يَصْنَعُ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ فِي شَعْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ" إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْخُوَارِزْمِيَّ، قَالَ: سَأَلَتْ عَاصِمًا الْأَحْوَلَ، أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنْ الْمَاءِ، قُلْت: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: عَمَّنْ رَحِمَك اللَّهُ؟ قَالَ: عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيَّ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ بِالْمَنَاكِيرِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ كَذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِابْنِ مَيْسَرَةَ، وَقَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَفْعُهُ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ كَيْسَانَ أَبِي عَمْرٍو الْقَصَّارِ5 عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَبَّابُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا يَبِسَتْ شفتاه كانت له نور يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله: كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ كَيْسَانَ
1 قوله: أخرجه البخاري في "الجهاد" عن أبي عبس، قلت: هذا القول أدرجه الشيخ في حديث معاذ، وحديث: من اغبرت قدماه، أخرجه البخاري في "باب من اغبرت قدماه في سبيل الله" ص 394، وفي الجمعة أيضاً.
2 في "الزوائد بعد قوله: محيصاً، قال: نعم.
3 البيهقي: ص 272 ج 4، والدارقطني: ص 248.
4 الدارقطني: ص 249، والبيهقي: 273 ج 4)
5 في الدارقطني، و"التقريب" القصار، وفي البيهقي: القصاب
…
أقول: في نسخة الدار أيضاً "القصاب""البجنوري".. فليراجع، وكذا في "الدراية" ص 177.
عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ1، وَيَزِيدُ بْنُ بِلَالٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ " قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ:"لَيْسَ مِنْ الْبَرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ"، انْتَهَى. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ، انْتَهَى. وَرُوِيَ:"لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ" وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ، رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله تعالى عنه فِي قَوْلِهِ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ عَنْ الشافعي، ولا يحكى عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِي صِيَامِ مَنْ اسْتَضَرَّ بِالصَّوْمِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ عليه السلام:"هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، قَالَ:"أُولَئِكَ الْعُصَاةُ" وَهَذَا أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَضَرَّ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِيهِ أَيْضًا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي"، وَفِيهِ: وَكَانَ أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
1 وثقه ابن حبان، وضعفه غيره "زوائد" ص 165 ج 3.
2 البخاري في "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر" الخ: ص 261، ومسلم في "باب جواز الفطر والصوم للمسافر" ص 356.
3 أحمد في "مسنده" ص 434 ج 5 حدثنا عبد الرزاق أنا معمر به.
4 ابن ماجه في "باب الافطار في السفر" ص 121، وذكره ابن حزم في "المحلى" ص 258 ج 6، وقال: أسامة بن زيد الليثي لا نراه حجة لنا، ولا علينا، اهـ.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ1، وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا لَكَانَ خُرُوجُ النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، وَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَهُ، وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ لِثْلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْمَدَنِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ، يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد، وهو لابأس بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْفَعُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، وَعُقَيْلٌ مِنْ رِوَايَةِ سَلَامَةَ بْنِ رَوْحٍ عَنْهُ. وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مَبْرُورٍ عَنْهُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ"3: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: وَفِي سَمَاعِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَطَّانِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ4 فِي "الصَّوْمِ" عَنْ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ أَبِيك، سَمِعَهُ أَبُوك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنَ أَبِيك وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ نَعَمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَقَالَ:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
1 روى عن ابن أبي ذئب النسائي في: ص 316 موقوفاً.
2 البخاري في "غزوة الفتح" ص 613، ومسلم في "الصوم" ص 355.
3 "العلل" ص 239.
4 النسائي في "الصوم في باب ثواب من قام رمضان وصامه، ص 308.
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ نَحْوَهُ، وَهَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبُخَارِيُّ لِلِانْقِطَاعِ1، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَوْلَا ضَعْفُ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ الْحَرَّانِيِّ وَكَانَ ثِقَةً لَثَبَتَ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ، فَجُمْلَةُ أَحَادِيثَ2 يَرْوِيهَا عَنْهُ مُعَنْعَنَةٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ مرفوعاً، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ3، وَابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى4 فِي الصَّوْمِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا حَجَّاجٌ الْأَحْوَلُ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كل يوم مد مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يُخْرِجْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي "أَطْرَافِهِ".
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر، قال: لايصلين أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا تَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ أَهْدَيْتَ، انْتَهَى. وَفِي "الْإِمَامِ" رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ فِي "كِتَابِهِ" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَتَصَدَّقْتُ، وَأَعْتَقْتُ، وَأَهْدَيْتُ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ" بَلَاغٌ، قَالَ ابْنُ مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا يَصُومُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْمَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
1 في نسخة الدار هكذا: لما سئل عن حديث أبي سلمة عن ابن عوف، قال: ولم يعرض البخاري للانقطاع "البجنوري".
2 في نسخة الدار "لجملة أحاديث" الخ، ولعله أجدر بالمقام "البجنوري".
3 وعن عائشة أيضاً، ذكره ابن التركماني في "الجوهر" ص 257 ج 3 عن "مشكل الآثار" للطحاوي، وقال: سند صحيح، اهـ، ولكن بعض ألفاظه يخالف ما في "المشكل" المطبوع، راجعه من: ص 142، واللفظ الذي استدل به ابن التركماني، هو عند ابن حزم في "المحلى" ص 4 ج 7
4 النسائي بإسناد صحيح "دراية" ص 177، وذكره البيهقي في "سننه" ص 257 ج 4 تعليقاً، وقال صاحب "الجوهر": إسناده على شرط الشيخين، إلا محمد بن الأعلى، فإنه على شرط مسلم، اهـ. وروى الطحاوي في "المشكل" ص 141 ج 3 عن يزيد بن زريع به.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ: "يُطْعَمُ عَنْهُ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابن عمر موقوف، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" بِأَشْعَثَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": الْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ، هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْوَهَمِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر. من قَوْلُهُ:
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ، فَلْيُطْعَمْ عنه كل يوم مسكيناً مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقْضِهِ: يُطْعَمُ عَنْهُ، لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: هَذَا فِي النَّذْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّيَّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:"فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ"، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّذْرِ أَيْضًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ
وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، فَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّك"، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ":
1 الترمذي في "باب ما جاء في الكفارة" ص 90، وأخرج ابن ماجه: ص 127 في "باب من مات وعليه صيام رمضان قد فرط فيه" حدثنا محمد حدثنا قتيبة حدثنا عبثر عن أشعث عن محمد بن سيرين عن نافع عن ابن عمر، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين" اهـ، قال في "الجوهر": هذا سند صحيح.
2 البيهقي: ص 254 ج 4.
3 البخاري في "باب من مات وعليه صوم" ص 262، ومسلم في "باب قضاء الصوم عن الميت" ص 362، وأبو داود في "باب فيمن مات وعليه صيام" ص 333 ج 1، خلا قوله: قاله أحمد بن حنبل.
حَمَلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا يُصَامُ، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "النَّذْرِ وَالْأَيْمَانِ"1 مُصَرَّحًا فِيهِ بِالنَّذْرِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللَّهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ بِنْتُهَا، أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ طَعَامًا، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَخُوك تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَك طَعَامًا، وَدَعَاك، أَفْطِرْ، وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا عَلِيُّ بن سعيد الرزاي حدثنا عمرو بن خليف4 بْنِ إسْحَاقَ بْنِ مِرْسَالٍ الْخَثْعَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَمِّي إسْمَاعِيلُ بْنُ مِرْسَالٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعا النبي عليه السلام وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أُتِيَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام:"مَا لَكَ"؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عليه السلام:"تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ تَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟! كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ فِي الصَّوْمِ5 وَفِي الْأَدَبِ" عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ،
1 في "باب قضاء النذر عن الميت" ص 113 ج 2.
2 الطيالسي: ص 293، والدارقطني: ص 237.
3 الدارقطني: ص 237.
4 كذا في نسخة الدار أيضاً، ولكن في نسخة الدارقطني المطبوعة "عمرو بن خلف".
5 البخاري في "الصوم" ص 264، وفي "الأدب" ص 906 بإسناد واحد.
فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ له سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ: قَالَ: فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا. فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عليه السلام:"صَدَقَ سَلْمَانُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ مِنْ التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِذِكْرِ الْقَضَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّوْمِ بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ"، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَدَبِ بَابَ صُنْعِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ".
أَحَادِيثُ الْفِطْرِ فِي التطوع أخرج أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَدَرَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ، وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَالَ:"اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زُمَيْلٍ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَ هَذَا، وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، فَقُلْت لَهُ: أَحَدَّثَك عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْت فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِزُمَيْلٍ سَمَاعٌ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَا لِيَزِيدَ مِنْ زُمَيْلٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَزُمَيْلٌ مَجْهُولٌ، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمَا اسْتِحْبَابًا، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ
حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
1 أبو داود في "باب من رأى عليه القضاء" ص 340، والبيهقي: ص 281 ج 4، راجع له "الجوهر" ص 279 ج 4.
2 الترمذي في "باب إيجاب القضاء عليه" ص 92 ج 1 عن جعفر بن برقان، والطحاوي: ص 354 عن عبد الله بن عمر العمري، والبيهقي: ص 280 ج 4 عن جعفر، وصالح بن أبي جعفر، قال: وهكذا رواه سفيان بن حسين عن الزهري، اهـ، أي عن عروة عن عائشة.
3 والطحاوي في "شرح الآثار" ص 355 ج 1، وابن حزم في "المحلى" ص 270 ج 6، وقوى أمره.
فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عن خصيف عن سيعد بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصْبَحَتْ عائشة، وحفصة صائمتين، الحديث. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَرَوَاهُ أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"3 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ، قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُهْدِيَتْ لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ هَدِيَّةٌ، وَهُمَا صَائِمَتَانِ، فَأَكَلَتَا مِنْهَا، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَا تَعُودَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا صَامَتْ تَطَوُّعًا، فَأَفْطَرَتْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بالضحاك بن حمرة.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ4 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا، فَأَفْطَرَ، فَسَأَلَ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى.
1 وملك في "الموطأ" ص95 عن الزهري أن عائشة، وحفصة، الحديث مرسل، ومن طريق مالك، والطحاوي: ص354
2 وابن أبي حاتم في "العلل: ص 256، راجعه.
3 قال في "الزوائد" ص 202: رواه الطبراني في"الأوسط" وفيه محمد بن أبي سلمة المكي، وقد ضعف بهذا الحديث، اهـ.
4 قلت: لم يعز هذا الحديث إلى أحد ممن خرجه، وقال الحافظ في "الدراية" ص 178: وروى ابن أبي شيبة عن أنس بن سيرين، الخ، وأخرج الطحاوي باسناده ص 356 عن أنس بن سيرين، قال: صمت يوم عرفة، فجهدني الصوم، فأفطرت، فسألت عن ذلك عبد الله بن عمر، فقال: اقض يوماً آخر مكانه، اهـ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: " فَإِنِّي صَائِمٌ"، قَالَتْ: فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَّأَتْ لَك شَيْئًا، قَالَ: " مَا هُوَ": قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: " هَاتِيهِ"، فَجِئْتُهُ بِهِ، فَأَكَلَ، وَقَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا"، قَالَ طَلْحَةُ: هُوَ ابْنُ يَحْيَى، فَحَدَّثْت بِهِ مُجَاهِدًا، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمًا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا لَا، قَالَ:"فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ"، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ:"أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحَتْ صَائِمًا"، فَأَكَلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَكَلَ. وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ2. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْبَاهِلِيِّ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو الْبَاهِلِيُّ. وَكَلَامُ النَّسَائِيّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ نَفْسِهِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"3، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَامَّةَ مَجَالِسِهِ، لَا يَذْكُرُ فِيهِ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، فَذَكَرَهُ فِيهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ4، وَشُعْبَةُ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، أَيْ تَطَوُّعًا، وَجَعَلَهُ بِمَثَابَةِ قَضَائِهِ عليه السلام الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، حِينَ شَغَلَهُ عَنْهُمَا الْوَفْدُ، وَجَعَلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ5 حَدِيثَ عُمَرَ لَمَّا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ
1 مسلم في "باب جواز صوم النافلة بنية من النهار" ص 364، قلت: هذه الطريق أخرجها مسلم عن أبي كامل عن عبد الواحد عن طلحة، والطريق الثاني عن ابن أبي شيبة عن وكيع عن طلحة، ففي قول الحافظ المخرج بعض غفلة، والله أعلم.
2 صحح هذه الزيادة أبو محمد بن عبد الحق، كذا في "البناية" ص 1356 ج 2.
3 وفي "السنن الكبرى" ص 275 ج 4 عن الطحاوي عن المزني عن الشافعي، ورواه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 355.
4 راجع طرقهم من النسائي: ص 320.
5 لفظ الشافعي رحمه الله في "كتاب الأم" ص 88 ج 2، كما أمر عمر أن يقضى نذراً في الجاهلية، وهو على معنى إن شاء الله، اهـ.
عليه السلام أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ. وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ لِعُذْرِ السَّفَرِ، كَانَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَفِي سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ، وَفِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ2، قَالَ: أُخْرِجَتْ عِسَاسٌ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، وَعَلَى السَّمَاءِ سَحَابٌ، فَظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، فَأَفْطَرُوا، وَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ تَجَلَّى السَّحَابُ، فَإِذَا الشَّمْسُ طَالِعَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَجَانَفْنَا مِنْ إثْمٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَبَلَةَ3 بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ، وَقُرِّبَ إلَيْهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَ بَعْضُ الْقَوْمِ، وَهُمْ يَرَوْنَ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، ثُمَّ ارْتَقَى الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ إنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ لَمْ تَغْرُبْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ فَلْيُتِمَّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا بَعَثْنَاك دَاعِيًا، وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا، وَقَدْ اجْتَهَدْنَا، وَقَضَاءُ يَوْمٍ يَسِيرٌ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"4 أَخَبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَفْطَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابُهُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ، قَالَ: فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَعَرَّضْنَا بِجَنَفٍ، نُتِمُّ هَذَا الْيَوْمَ، ثُمَّ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"5 عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى
1 قلت: حديث أم هانئ هذا أخرجه الترمذي في "باب إفطار الصائم المتطوع" ص 92، والحاكم في "المستدرك" ص 439، وأحمد في "مسنده" ص 343 ج 6، والطيالسي في: ص 225، والدارقطني ص 335، والبيهقي: ص 276 ج 4، قال صاحب "الجوهر": هذا الحديث مضطرب إسناداً ومتناً، ثم ذكر وجهه، اهـ. قال الدارقطني: إنما سمعه سماك عن ابن أم هانئ عن أبي صالح عن أم هانئ، اهـ، أبو صالح هو بازام مولى أم هانئ، ضعيف مدلس، قاله في "التقريب" ولم أجد الحديث في أبي داود، ولا في النسائي، والله أعلم.
2 والبيهقي: ص 217 ج 4 مع زيادة.
3 والبيهقي: ص 217 ج 4، وفيه عن صهيب أيضاً نحوه.
4 "كتاب الآثار" ص 45.
2 البخاري في "باب إذا أفطر في رمضان، ثم طلعت الشمس" ص 263.
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ، قَالَ: لابد مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت هِشَامًا، قَالَ: لَا أَدْرِي، أَقَضَوْا أَمْ لَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ"، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْعَبَّادَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا، وَذَكَرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي "الْأَفْرَادِ" رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قُلْت: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنْت أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى.
1البخاري في "باب بركة السحور" ص 257، ومسلم في "باب فضل السحور" ص 350، والترمذي فيه: ص 89، والنسائي في "باب الحث على السحور" ص 303، وابن ماجه في "باب السحور" ص 122.
2 قال في "الزوائد ص 105 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" مرفوعاً وموقوفاً على أبي الدرداء، والموقوف صحيح، والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه، اهـ. وفيه: ص 105 ج 2 عن ابن عباس، قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة" رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. وقال في: ص 155 ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله الصحيح، اهـ. وأخرج عن ابن عمر نحوه، وقال فيه يحيى بن سعد: ضعيف، اهـ. وروى البيهقي في "السنن" ص 238 ج 4 حديث ابن عباس، وضعفه.
3 البخاري في "باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر" ص 257، ومسلم في "باب فضل السحور" ص 350.
4 البخاري في "المواقيت" باب وقت الفجر" (577) .
حَدِيثُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْهِلَالِ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْته؟ قُلْت: نَعَمْ، رَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْت: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله فِي "الْمَعْرِفَةِ": يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِانْفِرَادِ كُرَيْبٌ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ طَرِيقَ الشَّهَادَاتِ، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِ قَوْلَ الْوَاحِدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ عليه السلام: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ"، وَيَكُونَ ذَلِكَ قَوْلَهُ، لَا فَتْوَى مِنْ جِهَتِهِ، أَخْذًا بِهَذَا الْخَبَرِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ، وَبِهِ نَقُولُ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ الْأَوَّلِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي عَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: " دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 فِي "كِتَابِ الطِّبِّ" وَالنَّسَائِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ" عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْت لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ، دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك". زَادَ التِّرْمِذِيُّ: فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَالْكَذِبُ رِيبَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ". وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشافعي ابن بنت الإمام
1 مسلم في "باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم" ص 348، والبيهقي: ص 251 ج 4.
2 قوله: أخرجه الترمذي، كذا قال الحافظ في "الدراية والفتح" ص 25 ج 4، والعيني في "البناية والعمدة" ص 398 ج 5، والسيوطي في "الصغير" وصاحب "المشكاة" فيه، ولكني لم أفز به فيه، وأخرجه النسائي في "الأشربة في باب الحث على ترك الشبهات" ص 333 ج 2، والدرامي ص 337 مختصراً، وأخرجه أحمد في "مسنده" ص 200 ج 1، والطيالسي: ص 163، وعند البيهقي: ص 335 ج 5 مطولاً.
الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ ثَنَا عمي إبراهيم الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْمَكِّيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَسَطٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَرِوَايَةُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ، فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ، فكَذلك فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "تِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك"، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ.
قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَهُ، الْحَدِيثَ، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَلَهُ طُرُقٌ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي طُرُقِهِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، فَذَكَرْت لَهُ الِاضْطِرَابَ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَبَا قِلَابَةَ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: رَوَاهُ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَذَلِكَ ذَكَرُوا عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَحَدِيثُ شَدَّادٍ صَحِيحَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ
1 أبو داود في "باب الصائم يحتجم" ص 329 بأسانيد صحيحة، وإسناد أبي داود على شرط مسلم، كذا في "المجموع شرح المهذب" ص 350 ج 6، وابن ماجه: ص 122، والحاكم، وصححه: ص 427 ج 1، وابن جارود: ص 198، والدارمي: ص 218، والطحاوي: ص 349، والبيهقي: ص 266 ج 4.
2 أبو داود في: ص 330 بأسانيد صحيحة "شرح المهذب" والطحاوي: ص 349، وأخرجه ابن ماجه ص 122 عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدارمي: ص 218، عن عبد الله بن يزيد عن أبي الأشعث عن أبي أسماء عن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحاكم في "المستدرك" ص 429 ج 1.
أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ بِالْبَقِيعِ، لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ1، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَاسْتَقْصَى النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ، وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ ابْنِ رَاهْوَيْهِ2، أَنَّهُ قَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: وَالْمُسْتَحْجِمُ.
حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَذَكَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى4. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْبَابِ أَصَحَّ مِنْهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ قَارِظٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بإِساد صَحِيحٍ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ مَعْمَرٌ إذًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ5: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي بَاطِلٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: هُوَ غَلَطٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ أَضْعَفُهَا، انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ "التَّنْقِيحِ".
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"6، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ
1 قوله: وصححه أحمد، وابن المديني، الظاهر أنه عطف على قوله: ظاهر الصحة، وهذا هو الموافق للواقع، لكن السياق يأباه، وقوله: واستقصى النسائي طرقه، عطف على قوله: رواه ابن حبان.
2 وعن أبي يعقوب أنه حكم بالصحة.
3 الترمذي في "باب كراهية الحجامة للصائم" ص 96، وبهذا الإِسناد أحمد في "مسنده" ص 465 ج 3، والحاكم في "المستدرك" ص 428 ج 1، والبيهقي في "السنن" ص 265 ج 4، كلهم عن عبد الرزاق.
4 أي قول الترمذي.
5 أبو حاتم في "العلل" ص 249، راجعه.
6 "المستدرك" ص 430 ج 1، وابن جارود: ص 198، والطحاوي: ص 349، والبيهقي: ص 266 ج 4، وراجع "العلل" ص 234.
عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَقَدْ وَقَفَهُ حَفْصٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَفْصٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى خَطَأٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ، إنَّمَا هُوَ بَكْرٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ.
حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: مِنْهُمْ الْحَسَنُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا أَحْتَجِمُ فِي ثَمَانَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ قَالَ: وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ غَيْرَ هَذَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمَا عَلَيْهِ فِيهِ، انْتَهَى. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ ذريق عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، سَوَاءً، وَفِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" لِلتِّرْمِذِيِّ، قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَصَحُّ، أَوْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ؟ فَقَالَ: مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَصَحُّ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"3: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ التَّيْمِيُّ4، فَأَثْبَتَ رِوَايَتَهُمْ جَمِيعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ، وَلَا لَقِيَهُ عِنْدَنَا مِنْهُمْ ثَوْبَانُ، وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَأُسَامَةُ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ تَابَعَ أَشْعَثَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَحَدٌ.
حَدِيثُ بِلَالٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَلَاءِ أَيُّوبَ بْنِ مِسْكِينٍ، وَيُقَالُ:
1 والطحاوي: ص 349، وأحمد في "مسنده" ص 480 ج 3.
2 أحمد في "مسنده" ص 4474 ج 3.
3 روى البيهقي عن المديني قوله هذا، وذكر فيه ثوبان، ولم يذكر ابن سنان، والله أعلم.
4 التيمي يريد به سليمان، قال في حديثه: عن الحسن عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، فقد أخرج حديثه البيهقي في "السنن" ص 265 ج 4.
5 والبيهقي في "السنن" ص 265، وأحمد: ص 210 ج 5.
6 قلت: رواه أحمد في "مسنده" ص 12 ج 6 عن أبي العلاء عن قتادة عن سلمة بن حوشب عن بلال، فانظره.
ابْنُ أَبِي مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ بِلَالٍ مَرْفُوعًا، كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ هَمَّامٌ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ شَهْرٍ، فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوْبَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ بُكَيْر بْنُ أَبِي السُّمَيْطِ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ مِقْدَادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ، وَلَا بُكَيْر بْنَ أَبِي السُّمَيْطِ عَلَى رِوَايَتِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: إنَّ بِلَالًا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شَهْرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثُ عَلِيٍّ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا1 مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ أَبُو الْعَلَاءِ، ثم أخرجه عن أبي العلاء عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي ذُرَيْعٍ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: جَمِيعُ مَا يَرْوِيهِ الْحَسَنُ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا يُرْوِي عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ.
حَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ2 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ شَيْبَانُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ فَوَقَفَهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَذَلِكَ أَيْضًا.
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَفَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَأَمَّا أَنَا فَلَوْ احْتَجَمْت مَا بَالَيْت أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَرَوَاهُ
عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَدَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالنَّضْرُ
1 رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" وفيه الحسن، وهو مدلس، ولكنه ثقة "زوائد" ص 169.
2 رواه أحمد: ص 157 ج 6، وص 258 ج 6 كذلك، ورواه الطحاوي عن أبي الأحوص عن ليث به ص 349، وعن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة مرفوعاً.
3 ابن ماجه: ص 122.
بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَعَطَاءٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ: وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ: وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، لِمُتَابَعَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِ أَحَدٌ إلَّا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ"، اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ صَحَّ سَمَاعُهُ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ قَرَأَ {حم الدُّخَانَ} فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ": الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. مَعَ أَنِّي وَجَدْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو حُرَّةَ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْهُ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو قَطَنٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْهُ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، فَرَوَاهُ عَنْ يُونُسَ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ ثَنَا قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ:"وَالْمُسْتَحْجِمُ"، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَأَرْسَلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حدثنا قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا،
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ قَبِيصَةَ بِهِ مُسْنَدًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ قَبِيصَةَ، وَرَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ قَبِيصَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهَمٌ،
1 قال الهيثمي: ص 169 ج 3: رواه البزار، والطبراني في "الكبير" ورجال البزار موثقون، إلا أن قطر بن خليفة فيه كلام، وهو ثقة.
2 البيهقي: ص 266 ج 4.
انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، انْتَهَى.
حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ1 فِي "مُعْجَمِهِ".
حَدِيثُ أَنَسٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ.
حَدِيثُ جَابِرٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَطَرٍ إلَّا سَلَّامٍ أَبُو الْمُنْذِرِ، انْتَهَى.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عن نفع عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ هَذَا، وَجَعَلَهُ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ يَرْوِيهِ كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ وَيَغْلَطُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ".
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ" وَهُوَ جُزْءٌ لَطِيفٌ، جُمْلَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَرَقَةً: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا دَاوُد بن زبرقان عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ بِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ الرَّقِّيِّ ثَنَا دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحُصَيْبِ عَنْ مُصْعَبٍ بِهِ.
حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَعَلَّهُ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ: بِدَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ.
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ2 ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام على رجلين يحجم أحدهم الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
1 الطبراني في "الكبير" والبزار، وفيه يعلى بن عباد، وهو ضعيف "زوائد" ص 169 ج 3.
2 معاوية بن عطاء ذكره الذهبي في "الميزان" وذكر هذا الحديث بهذا الإسناد من منكراته.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقْتَصِرًا عَلَى: احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: "احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ" وَالثَّانِي: "احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ". وَالثَّالِثُ: "احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ". وَالرَّابِعُ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ"، وَهَذَا الرَّابِعُ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ3، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ: صَائِمٌ، إنَّمَا هُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ قَالَ أَحْمَدُ: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ صِيَامًا، وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ حَدِيثَ مِقْسَمٍ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ صَائِمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"4 سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكَّى5 يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ يَقُولُ: ثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفْنَا بِأَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ رُبَّمَا يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ ثَوْبَانَ: وَحَدِيثُ شَدَّادٍ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عليه السلام
1 البخاري في "باب الحجامة والقيء للصائم" ص 260، والترمذي: ص 96.
2 قلت: لم أجد في الترمذي في مظانه، وهو عند ابن سعد: ص 143 القسم الثاني وابن جارود في: ص 199، وأحمد: ص 244 ج 1، وص 286 ج 1، احتجم بالقاحة، وهو صائم، اهـ، رويا عن شعبة، وروى الطيالسي عن شعبة: ص 353، والطحاوي: ص 351 عن ابن أبي ليلى عن الحكم به، احتجم صائماً محرماً، وأحمد: ص 248 ج 1، وابن سعد: ص 143 ج 1 القسم الثاني عن الحجاج عن الحكم به، وزاد: فغشى عليه، فلذلك كره الحجامة للصائم، اهـ. والقاحة: اسم موضوع بين مكة والمدينة، على ثلاثة مراحل منها.
3 وأبو حاتم في "العلل" ص 230، وقال: خطأ فيه شريك.
4 "المستدرك" ص 429 ج 1.
5 في نسخة الدار "محمد بن جعفر المولى""البجنوري".
احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ لَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ، فَحَجَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: كَمْ خَرَاجُك؟ قَالَ: صَاعَانِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْهُ صَاعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فَكَانَ مُفْطِرًا بِالْحِجَامَةِ، فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا لَا يَصْلُحُ2 جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ، وَمِنْ الْخُصُومِ مَنْ ادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ"3، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَاعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا، وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ عليه السلام عَامَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَحَدِيثُ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ" فِي الْفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ، قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ: إنَّهُ عليه السلام مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، وَالْفِطْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى سُقُوطِ الْأَجْرِ، كَمَا رَوَى: مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"، انْتَهَى. أَيْ سَقَطَ أَجْرُهُ، وَكَمَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا تَكَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَا جُمُعَةَ لَك، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام:"صَدَقَ" أَيْ سَقَطَ أَجْرُك بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"4 مِنْ حَدِيثٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَأَلَ
1 قال في "الزوائد" ص 169: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. قال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 255 ج 1: وسألت أبي فقال: حديث منكر، ولا يصح سماع جعفر بن برقان من أبي الزبير، اهـ.
2 في نسخة الدار "وهذا يصلح جواباً ثانياً" الخ، ولعله ههنا أجود، وإن كان لكليهما وجهة الصحة، والله أعلم، وعلمه أتم "البجنوري".
3 وفي "السنن" ص 268، أقول: جواب الشافعي إنما ينهض بهما عند التصريح بالرؤية، وإلا فقد قال المخرج في "باب الامامة" في أحاديث الخصوم بعد الحديث الرابع والستين: ص 249 ج 1: إن جميع مسموعاته سبعة عشر حديثاً، اهـ وقال ابن حزم في "الفصل" ص 138 ج 4: قد وجدنا مسند جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة، اهـ. وروى عنه حديث الافطار أيضاً، كما في "الزوائد" ص 169 ج 3.
4 البخاري في "باب الحجامة والقئ للصائم" ص 260، وأخرج أبو داود في: ص 330 عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه، قال النووي في "شرح المهذب": ص 349 ج 6: إسناده على شرط البخاري، ومسلم.
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَفْطَرَ هَذَانِ"، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ عليه السلام بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ شَاذُّ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الشُّذُوذِ، وَالْعِلَّةِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا هُوَ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ، وَلَا فِي الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَشَدَّ احْتِيَاجٍ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ فِي الدُّنْيَا إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا لَرَوَاهُ النَّاسُ فِي " كُتُبِهِمْ " ، وَخُصُوصًا الْأُمَّهَاتِ " كَمُسْنَدِ " أَحْمَدَ ، " وَمُصَنَّفِ " ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، " وَمُعْجَمِ " الطَّبَرَانِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا ، ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُثَنَّى، وَإِنْ كَانَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خَالِدٍ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، مُفْرِطُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَانَ مُعْلِنًا بِسُوءِ مَذْهَبِهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا ابْنُ الْمُثَنَّى، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ: سَأَلْت أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: لَا أُخَرِّجُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: فِيهِ ضَعْفٌ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ: رَوَى مَنَاكِيرَ، وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى أَكْثَرِ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الدَّارِعُ ثَنَا أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ ضَعِيفًا مُنْكَرَ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الصَّحِيحِ إذَا رَوَوْا لِمَنْ تُكَلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَدَعُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَيَنْتَقُونَ مَا وَافَقَ فِيهِ الثِّقَاتِ2، وَقَامَتْ شَوَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَرَوَاهُ بِخِلَافِهِ، كَمَا هُوَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"،
1 الدارقطني: ص 239، وعند البيهقي: ص 268 ج 4، والحازمي: ص 109.
2 كانت العبارة ههنا في "النسخة المطبوعة القديمة" وفي "نسخة الدار" وغيرها، أيضاً هكذا:"فإنهم يتفون من حديثه ما تفرد به، ويدعون ما وافق فيه الثقات" ولما كانت هي مختلة المراد، أصلحناها كما تراه الآن "البجنوري".
ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، بَعْدَ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، انْتَهَى كَلَامُ "صَاحِبِ التَّنْقِيحِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بن سليمان سمعت حميد الطَّوِيلَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ" عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، قَالَ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الرُّخْصَةِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ النَّهْيِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"2 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُد الْوَاسِطِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ، إلَّا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": حَدِيثُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"3، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ4 عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ بعد ما قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ
1 والدارقطني في "السنن" ص 239، وقال: كلهم ثقات، وغير معتمر يرويه موقوفاً.
2 ورواه عن إسحاق به الدارقطني: ص 239، وقال: كلهم ثقات، اهـ، ثم رواه عن الأشجعي عن سفيان به عن أبي سعيد، قال: رخص للصائم في الحجامة والقبلة، اهـ. ووثق الأشجعي أيضاً، وروى ابن حزم في "المحلى" ص 204 ج 6 عن النسائي من طريق سفيان، وحميد مرفوعاً، وقال: والمسندان له عن خالد، وحميد ثقتان، فقامت به الحجة، والرخص لا تكون إلا بعد نهي، فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول، اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" ص 155 ج 4 لحديث أبي سعيد: إسناده صحيح، اهـ.
3 قال في "الزوائد" ص 170 ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو طريف سفيان، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن عدي، اهـ.
4 في نسخة س وكذا في نسخة الدار "السكري".
وَالْمَحْجُومُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ إلَّا أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ1، وَاسْمُهُ: طَرِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ فِي إسْنَادِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَعْنِي حَدِيثَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَبِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ كَثِيرَةِ الِاضْطِرَابِ، وَهِيَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الصِّحَّةِ، مَعَ عَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ مُعَارِضٍ أَصَحَّ مِنْهُ، أَوْ نَاسِخٍ لَهُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ بِهِ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقِ" بِإِسْنَادِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنَا أَذْهَبُ إلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شيء صحيح لوقف ِنْدَهُ ، وَقَوْلُهُ: أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعٍ ، لَا يَقْتَضِي صِحَّتُهُ ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، قَالَ: وَلَمَّا بَلَغَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ هَذَا الْكَلَامُ، قَالَ: إنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: هُوَ ثَابِتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ2، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ "مُسْنَدَ أَحْمَدَ"، "وَمُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ"، "وَالسُّنَنَ الْكَبِيرَ لِلنَّسَائِيِّ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الرَّبِيعُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ"، زَادَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ:"إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ فَقَدْ أَفْطَرَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ" أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ بَكْرٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ عليه السلام الصَّلَاةَ، قَالَ:"أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا، وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا، وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ"، قَالَا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "اغْتَبْتُمَا فُلَانًا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3 أَيْضًا أَخْبَرَنَا أبو علي الروزباري أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ
1 ضعيف كذا في "الدراية" ص 180.
2 ذكر البيهقي في "سننه الكبرى" ص 266 ج 4 باباً ذكر فيه بعض ما بلغه عن الحفاظ في تصحيح هذا الحديث.
3 أي في "شعب الإيمان".
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ السَّمْحِ ثَنَا غِيَاثُ بْنُ كَلُوبٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى رَجُلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ حَجَّامٍ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، فَقَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ: غِيَاثٌ مَجْهُولٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى وَهُوَ بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ1 بْنُ عَطَاءٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَّ عليه السلام عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ2 فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ3 ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ، وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ. وَالنَّمِيمَةُ. وَالْغِيبَةُ. وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ. وَالْيَمِينُ الْكَاذِبُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: سَعِيدٌ كَذَّابٌ، وَمِنْ سَعِيدٍ إلَى أَنَسٍ كُلُّهُمْ مَطْعُونٌ فِيهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"4: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ:"خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ"، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ أَبِي: إنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَمَيْسَرَةُ كَانَ يَفْتَعِلُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى5.
قَوْلُهُ: لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ6 عَنْ عُبَيْدٍ، قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، أَمَّا يَوْمُ الأضحى، فيأكلون مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ، وَأَمَّا يَوْمُ
1 معاوية بن عطاء ذكره الذهبي في "الميزان" وذكر هذا الحديث بهذا الاسناد من منكراته.
2 حديث آخر: رواه البيهقي في "سننه الكبرى" ص 286 ج 4 عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يحتجم عند الحجام، وهو يقرض رجلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفطر الحاجم والمحجوم" اهـ. ورواه الطحاوي: ص 349 ج 1 عن أبي الأشعث، قوله: قال: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" لأنهما كان يغتابان، اهـ. قلت: يزيد بن ربيعة متروك، وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل، قاله الحافظ في "الفتح" ص 155 ج 4.
3 فليراجع، لعل الصواب: سعيد بن عنبسة، والله أعلم، وفي هذا الاسناد جابان من رجال اللسان متروك، ذكر الحافظ حديثه هذا بهذا الاسناد فيه.
4 "كتاب العلل" ص 258، قال: ميسرة بن عبد ربه كان يفتعل الحديث، اهـ.
5 قوله: وميسرة، الخ، هذه الزيادة من نسخة الدار "البجوري".
6 أخرجه البخاري في "باب الصوم يوم الفطر"، و"باب صوم يوم النحر" ص 267 من حديث عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، ومسلم في "باب تحريم صوم يومي العيد" ص 360، ومن حديث عائشة أيضاً.
الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامَيْنِ: صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى، وَصِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: سَمِعْته يَقُولُ: لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"،قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ1، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ خَلْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ أَيَّامَ مِنًى صَائِحًا يَصِيحُ: "أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"، وَالْبِعَالُ: وِقَاعُ النِّسَاءِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ فِي الضَّحَايَا" عَنْ سَعِيدِ بن سلام العطاء ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ، انْتَهَى. وسعيد هذ رَمَاهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا رَبِيعَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ الزُّرَقِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيَّامَ مِنًى أُنَادِي: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ" انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضَعِيفٌ.
1 ومن حديث سعد بن أبي وقاص، أخرجه الطحاوي: ص 428، وقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى: إنها أيام أكل وشرب وبعال، اهـ. ومن حديث جدة مسعود بن الحكم الأنصاري أخرجه البيهقي في "السنن" ص 298 ج 4 حدثت أنها رأت وهي بمنى، في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً يصيح: أيها الناس: "إنها أبام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله تعالى"، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 191: أخرجه النسائي من طريق مسعود بن الحكم عن أمه، اهـ.
2 الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن، كذا في "الزوائد" ص 203 ج 3، وفيه إبراهيم، وهو ضعيف، كذا في "التقريب".
3 الدارقطني: ص 252.
وَحَدِيثُ أُمِّ خَلْدَةَ الأنصاري: فرواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ1 عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ2 عَنْ أُمِّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا يُنَادِي أَيَّامَ مِنًى: "إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"، انْتَهَى. زَادَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي النِّكَاحَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فَنَادَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: "أَلَا إنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أكل وشرب"، وزاد فِي طَرِيقٍ آخَرَ: وَذِكْرِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ نَحْوَهُ، وَوَقَعَ لشيخنا علاء الدين ههنا تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ، فَقَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ نُبَيْشَةَ، وَهُوَ قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ4 مِنْ رِوَايَةِ نُبَيْشَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ، وَبِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، خَرَّجَهَا جَمَاعَةٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهَا: مِنْهَا مَا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَعَهُمَا: وَذِكْرِ اللَّهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ: وَصَلَاةٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: بِعَالٍ، وَهِيَ لَفْظٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
1 ضعيف "التلخيص" ص 191.
2 أخرجه الطحاوي في: ص 429 عن عمر بن خلدة عن أمه، قال الحفاظ في "الدراية" ص 180، بعد ذكره حديث ابن عباس عن عمر بن خلدة، عن أمه نحوه، اهـ قلت: لعل أم خلدة في الزيلعي مصحف عن أمه خلدة، والله أعلم.
3 أخرج مسلم في "باب تحريم صوم أيام التشريق" ص 360 من حديث نبيشة، وكعب.
4 قلت: روى الطحاوي: ص 428، وغيره من حديث علي، وعبد الله بن حذافة، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ص 335 "عقبة بن عامر" وبشر بن سحيم، ومعمر بن عبد الله، والحكم: أيام أكل وشرب، ومع زيادة: ذكر الله، عن عائشة، وأبي هريرة، ونبيشة، وأم مسعود الزرقي، وأم الفضل، وزيادة: بعال، بدله عن سعد، وخلدة، رضوان الله عليهم أجمعين، وذكرت في تخريج أحاديث الطحاوي من رواه غيره من أرباب الأصول، والله أعلم.