الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"، وَزَادَ فِيهِ:"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَرَاهُ كَانَ يُدَلِّسُ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ. وَبُكَيْر عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَالْقَعْقَاعُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ:"وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُتَابَعْ أَبُو خَالِدٍ فِي زِيَادَتِهِ، قَالَ: وَيُقَالُ لِهَذَا الْقَائِلِ: قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَأَنْتَ، عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَوْمِ فَرْضًا، ثُمَّ قُلْت: إنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَوْمِ هَذَا الْفَرْضُ، مَعَ أَنَّك قُلْت: إنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ 1 كَالثَّنَاءِ وَالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَتُثْبِتُ أَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَك أَهْوَنُ حَالًا مِنْ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْسَنُ "يَعْنِي الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ" فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ، قُلْت: هُوَ مَا رَوَاهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ 2 قَبْلُ، وَرِوَايَةٌ عَنْ سَعْدٍ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَعَنْ عُمَرَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا.
1 قال ابن تيمية في "المنهاج" ص 16 ج 3: الامام يحمل عن المأمومين السهو، وكذا القراءة عند الجمهور، اهـ. أخرج ابن جارود في "المنتقى في الجنائز" ص 264 عن ابن عباس، أنه قرأ على الجنازة، وقال: إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة، والامام كفاها، اهـ.
2 في "الذخيرة" لو قرأ المقتدي خلف الإِمام في صلاة لا يجهر فيها، اختلف المشايخ فيه، فقال أبو حفص، وهو بعض مشايخنا: لا يكره، في قول محمد، وأطلق المصنف قوله، ومراده حالة المخافتة دون الجهر "عيني على الهداية"
باب الإِمامة
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ"
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا مُنَافِقٌ، قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إنْ كَانَ الْمَرِيضُ لِيَمْشِيَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى
1 فِي "بَاب بَيَان فضل الْجَمَاعَة" ص 232 - ج 1.
اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ،2 ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا، فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ، إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ فِي الْجُمُعَةِ. وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ عليه السلام أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ:"هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 6 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ عَمْرِو 7 ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ: جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدْ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَيَّ هَلًا". انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي
1 أخرجه البخاري في "باب وجوب صلاة الجماعة" ص 89، ومسلم في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 232، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة. والدارمي. وابن جارود. والبيهقي. وأحمد في مواضع، ولم أجد لفظ المخرج إلا عند أحمد في: ص 424 ج 2، فقط، والله أعلم.
2 في نسخة "آمر بالصلاة، فتقام".
3 في "باب فضل الجماعة" ص 232، والطحاوي: ص 100 باسناده
4 في "سننه" ص 56 ج 3.
5 في "باب فضل الجماعة" ص 232 ج 1
6 في "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 88، وابن ماجه في "باب التغليظ في التخلف عن الجماعة" ص 58، والنسائي في "باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن" ص 137، وأخرجه الدارقطني: ص 146، وفيه "أتسمع الإقامة؟ ".
7 في "نسخة عبد الله".
"الْمُسْتَدْرَكِ" 1،وصححه، قال النَّسَائِيّ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إيجَابُ الْحُضُورِ عَلَى الْأَعْمَى، فَقَدْ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَغْرَاءَ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ 3 فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِ الْكَلْبِيِّ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ صَدُوقٌ، إلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَبِهِ أَخَذَ دَاوُد فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ. وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ:"يَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَأَخْرَجَا 6 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا"، وَفِي لَفْظٍ:"تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ 7 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، نَحْوَهُ، وَقَالَ:"بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ:"فَإِنْ صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً"، وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 8 وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَضْعُفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ، لَا تُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ،
1 ص 247.
2 "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 88، والحاكم في "المستدرك" ص 245، والدارقطني: ص 161.
3 في نسخة أبي داود الموجودة عندنا "المنادى"، بدل: النداء.
4 في "باب التغليظ في التخلف عن الجماعة" ص 58، والحاكم في "المستدرك" ص 245.
5 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 89، ومسلم في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 231.
6 "مسلم" ص 231، واللفظ له، والبخاري في "باب فضل صلاة الفجر في جماعة" ص 90 باللفظ الثاني.
7 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 89، وأبو داود في "باب فضل المشي إلى الصلاة" ص 90، والحاكم في "المستدرك" ص 209.
8 ص 89: واللفظ له، ولم أجد السياق هكذا عند مسلم، إلا ما أخرجه مختصراً في: ص 231، والله أعلم.
فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يزال العبد في صلاة مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى. وفي رواية لهما1: "بخمسة وَعِشْرِينَ جُزْءًا"، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "دَرَجَةً".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ:"وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ. وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ ابْنَ بَصِيرٍ سَكَتُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ بْنِ أَشَيْمَ الصَّحَابِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ "بِفَتْحِ الْقَافِ، وَضَمِّهَا، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ، لَا يُقَامُ فِيهِمَا الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 4 وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ذَكَرَهُ فِي "الْخُلَاصَةِ".
الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ القوم أقرأهم لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا سواءاً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 5 إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ،
1رواية الجزء في "البخاري في باب فضل صلاة الفجر في جماعة" ص 90، وفي "مسلم" في: ص 231، وروايته: الدرجة، عند مسلم: ص 231، وهي في البخاري أيضاً في "باب الصلاة في مسجد السوق" ص 69، كأنها على المخرج.
2 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 231، والترمذي في "فضل العشاء. والفجر في جماعة" ص 31
3 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 89، والحاكم في "المستدرك" ص 248، والنسائي في "باب الجماعة إذا كانوا اثنين" ص 135
4 في "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 88، والنسائي في "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 135، والحاكم في "المستدرك" ص 246، وقال صحيح الاسناد، وص 211، وقال: صدوق "دراية"
5 مسلم في "باب من أحق بالإمامة" ص 236، وأبو داود في "باب من أحق بالإمامة" ص 93، والنسائي في "باب من أحق بالإمامة" ص 127، والترمذي فيه، في: ص 32، وكذا ابن ماجه: ص 70، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ص 243، والدارقطني: ص 104 "كالمستدرك" بكلا طريقيه.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرأهم لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في القراءة سواءاً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السنة سواءاً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا في الهجرة سواءاً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ"، قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ: مَكَانُ: سِلْمًا، سِنًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ: عِوَضَ قَوْلِهِ: "فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ"، "فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا، فَإِنْ كَانُوا فِي الفقه سواءاً، فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "أَفْقَهُهُمْ فِقْهًا"، وَهِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، وَسَنَدُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عن أوس بن صمعج عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سواءاً، فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كانوا في الفقه سواءاً، فأقرأهم لِلْقُرْآنِ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ، كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعَ مِنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ، وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ، قُدِّمَ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمُهُمْ، وَهَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَيَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ 1، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ، وَكَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، فَنَسْأَلُهُمْ، مَا لِلنَّاسِ! مَا لِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْ أَوْحَى إلَيْهِ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اُتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمَهُ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: جِئْتُكُمْ، وَاَللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا. وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْت أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ 3 وَأَنَا ابن ست،
1عمرو بن سلمة "بكسر اللام" اختلف في صحبته، ورواية الطبراني تدل على أنه وفد مع أبيه أيضاً "تلخيص" ص 124
2في "غزوة الفتح في باب بعد باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة" ص 615، وأبو داود في:"باب من أحق بالإمامة" ص 93، والنسائي في "باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم" ص 27، والدارقطني: ص 179
3 أجاب ابن القيم في "البدائع" ص 91 ج 4 عن هذا الحديث بقوله: إن قيل: فقد أمّ عمرو بن سلمة وهو غلام، قيل: سمي غلاماً، وهو بالغ، ورواية: أنه كان له سبع سنين، فيه رجل مجهول، فهو غير صحيح، اهـ. قلت: كأنه غافل عما في الصحيح، وأجاب ابن حزم عن الحديث في "المحلى" ص 218 ج 4 بقوله: وقد وجدنا
أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إذَا سَجَدْت تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْت بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ لِعَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا.
الْحَدِيثُ الْحَادِي والستون: قال عليه السلام:
"مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ 1" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَمِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى "ح" وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ 2" بْنِ مُوسَى عَنْ الْقَاسِمِ الشَّامِيِّ 3 عَنْ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ عُلَمَاؤُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ 4" عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ:"فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ"، وَسَكَتَ عَنْهُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ6 فِي "سُنَنِهِمَا" مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْمُؤَدَّبِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وحس ين بْنِ نَصْرٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قال عليه السلام: "وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ 7 أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَنَا. وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ لَنَا:"إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، انْتَهَى. "لِمُسْلِمٍ"، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "صُلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 8" عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
لعمرو بن سلمة هذا صحبة، ووفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، مع أبيه، ولو علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف هذا وأقره، لقلنا به، ثم قال: قوله عليه السلام: "ليؤمكم أقرؤكم" يأمر الامام بأن يؤم، والصبي ليس مأموراً به، ولا مكلفاً، فليس هو المأمور بأذان، ولا بإمامة، فلا يجزئان إلا من مأمور بهما لا ممن لم يؤمر بهما، اهـ. ملخصاً، وقال ابن عباس: لا يؤم الغلام حتى يحتلم، اهـ. رواه البيهقي: ص 225 ج 3، والدارقطني: ص 105.
1 وأخرجه الدارقطني: ص 197 من طريق محمد بن يحيى الأزدي باسناد الطبراني، وقال: عبد الله بن موسى ضعيف
2 كذا في "المستدرك" وعند الدارقطني "عبد الله".
3هو من ولد أسامة بن لؤي.
4 ص 222 ج 3.
5 ص197
6 ص 90 ج 3.
7 ص 290.
8 ص 185.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْجِهَادِ"، وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ قَالَ:"الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ، مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ مَكْحُولٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخر عند الدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"سَيَلِيكُمْ مِنْ بَعْدِي وُلَاةٌ الْبَرُّ بِبِرِّهِ وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، فَقَالَ: مَا سَمِعْنَا بِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ يَقْظَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُكَفِّرُوا أَهْلَ مِلَّتِكُمْ، وَإِنْ عَمِلُوا الْكَبَائِرَ، وَصَلُّوا مَعَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ"، انْتَهَى. وَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَجْهُولٌ، وَعُتْبَةُ، قَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ4: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفضيل عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ 5
1 في "الجهاد في باب الغزو مع أئمة الجور" ص 350، ومن طريق أبي دواد، روى البيهقي في "السنن" ص 121 ج 3، ولكن سكت عليه ههنا، وأخرجه أبو داود في "الصلاة في باب إمامه البر والفاجر" ص 95، وهو على الهامش مختصراً بإسناده في "الجهاد".
2 ص 184.
3 في "الجنائز في باب الصلاة على أهل القبلة" ص 111، مختصراً، من السياق الذي ذكره المخرج، وأخرج الدارقطني: ص 185 بهذا الإسناد. والمتن، بسواء، وقال:
أبو سعيد مجهول.
4 ابن الجنيد، هو علي بن الحسين بن الجنيد، كذا في "التهذيب".
5"مجاهد" كذا في الدارقطني، وأما حديث عطاء عن ابن عمر، فهو رواه الدارقطني من طريق حجاج بن نصير عن عثمان عن عطاء به.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَصَلُّوا وَرَاءَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ يُشْبِهُ حَدِيثَ أَهْلِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" عَنْ سُوَيْد بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَاهِيَةٍ أَحَدُهَا: فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالْأُخْرَى: فِيهَا الْوَلِيدُ الْمَخْزُومِيُّ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَنَسَبَهُ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَالْأُخْرَى: فِيهَا وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقَاضِي، وَنَسَبَهُ أَحْمَدُ إلى الوضع. والأخرى1: فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُثْمَانِيِّ، وَنُسِبَ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَابْنِ حِبَّانَ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَحَدِيثُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ، كِلَاهُمَا فِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ صبيح عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ثَلَاثٌ مِنْ السُّنَّةِ الصَّفُّ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، لَك صَلَاتُك، وَعَلَيْهِ إثْمُهُ. وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، لَك جِهَادُك، وَعَلَيْهِ شَرُّهُ. وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلَ نَفْسِهِ"، انْتَهَى. قَالَ: عُمَرُ بْنُ صَبِيحٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَفِي "تَحْقِيقِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ أَصْلِ الدِّينِ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ يَثْبُتُ، وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ"، وَقَالَ: فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، يَأْتِي بِمَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ مَعْمُولٌ، لَكِنْ سَمَّاهُ فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَالْحَارِثُ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ2" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ حَكِيمٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ سَيْفِ بْنِ مُنِيرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُكَفِّرُوا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَصَلُّوا خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ"، انْتَهَى. وَالْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لَهُ": يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ الَّتِي لَا يُشَكُّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَمُكْرَمُ
1 في نسخة "آخر".
2 والدارقطني في "سننه" ص 184.
بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ الأزدي: ليس حديثه بِشَيْءٍ، وَسَيْفٌ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَمَّ قَوْمًا، فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ" 1، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ. وَالْكَبِيرَ. وَذَا الْحَاجَةِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ. وَالسَّقِيمَ. وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَالْمَرِيضَ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "الصَّغِيرَ. وَالْكَبِيرَ. وَالضَّعِيفَ. وَالْمَرِيضَ. وَذَا الْحَاجَةِ 3".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ 4 أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، قَالَ: فَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ: الْكَبِيرَ. وَالضَّعِيفَ. وَذَا الْحَاجَةِ"، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ:"وَالْمَرِيضَ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَفَّ النَّاسِ فِي تَمَامٍ، انْتَهَى. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: آخَرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إذَا أَمَمْت قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: أُمَّ قَوْمَك، "فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: "حَدِيثُ مُعَاذٍ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ6 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ، فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ،
1 قلت: فيه حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، عند أحمد: ص 217 ج 4، وابن أبي شيبة: ص 45، والطيالسي: ص 126، وفي "مسلم" كما سيأتي في الصفحة الآتية.
2 في "باب إذا صلى لنفسه، فليطول ما شاء" ص 97، ومسلم في "باب الأمر بتخفيف الصلاة في تمام" ص 188
3 قوله: ذا الحاجة، قلت: ليس هذا في سياق: فيه الصغير. والكبير، بل في سياق آخر".
4 البخاري في "العلم في باب الغضب في الموعظة" ص 19، ولفظه: الكبير. والضعيف. وذا الحاجة في "الأحكام" ص 1060، وأخرجه مسلم في "باب الأمر بتخفيف الصلاة" ص 188.
5 في "باب الايجاز في الصلاة وإكمالها" ص 98، ومسلم: ص 188.
6 في "باب إذا طول الامام، وكان للرجل حاجة" ص 97، ومسلم في "باب القراءة في العشاء".
فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام:"أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟! إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ، فَاقْرَأْ "بِالشَّمْسِ وضحها. وَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} . {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} " انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ1: أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد 2أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِيرُ. وَالضَّعِيفُ. وَذُو الْحَاجَةِ. وَالْمُسَافِرُ" انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1] ، وَالْمَشْهُورُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا" أَنَّهَا كَانَتْ "الْبَقَرَةُ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ، قِيلَ فِيهِ: حَزْمٌ، وَقِيلَ فِيهِ: حَازِمٌ، وَقِيلَ: حزام، وقيل: سليم 3، فلعل ذَلِكَ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْسَاهُ، وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ "الْمَغْرِبِ"، وَقَالَ: إنَّ رِوَايَاتِ "الْعِشَاءِ" أَصَحُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى، وَلَعَلَّهُ قَرَأَ "الْبَقَرَةَ" فِي رَكْعَةٍ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ {اقْتَرَبَتْ} فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، فَانْصَرَفَ آخَرُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، فَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ 4 إلَى أَنَّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا؟ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِهَا، وَانْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ، انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي "التَّفْسِيرِ" حَدِيثَ معاذ، وسمى الرجل: حرام "أَعْنِي الْمُنْصَرِفَ".
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ. فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 5" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ، وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، انتهى. وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى.
1 لم أجد هذا اللفظ، والله أعلم.
2 في "باب تخفيف الصلاة" ص 122، وأحمد: ص 299 ج 3، والنسائي: ص 154 ج 1، والطحاوي: ص 125، والترمذي ص 75، والطيالسي: ص 239، وعند ص 300 ج 3 الفجر)
3 روى أحمد عن حديث معاذ بن رفاعة في: ص 74 ج 5، والطحاوي: ص 238، قال: عن رجل من بني سلمة، يقال له: سليم، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفيه أنه اشتكى معاذاً، وليس فيه: أنه هو الذي انصرف، وفي إسناده انقطاع، قاله ابن حزم في "المحلى" ص 230 ج 4، ورجاله ثقات.
4 قال البيهقي في "السنن" ص 85 ج 3: ولم يقل أحد في هذا الحديث: وسلم، إلا محمد بن عباد، اهـ.
(1)
ص 203.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ، وَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ فِي صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَلَفْظُهُمَا: فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ3" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَقُومُ وَسَطًا، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا". وَالشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ4" قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عن عمار الذهبي عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهَا: حُجَيْرَةُ بِنْتُ حُصَيْنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ، فَقَامَتْ وَسَطًا، انْتَهَى. وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ، فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَامَتْ بَيْنَنَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ "لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ 5": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ6 أَنَّهَا رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَؤُمُّ النِّسَاءَ7، فَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي صَفِّهِنَّ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ مَالِكٍ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ، أُمَرِّضُ مَرَضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي شَهَادَةً، قَالَ:"قُومِي فِي بَيْتِك، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُك الشَّهَادَةَ"، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى: الشَّهِيدَةَ، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا. وَجَارِيَةً، فَقَامَا إلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ، فَقَامَ
1 وابن حزم في "المحلى" ص 219 ج 4، وص 126 ج 3 من طريق سفيان أيضاً، ولكن لم يذكر: وقامت بينهن.
2 ص 155، والبيهقي: ص 131 ج 3.
3 والبيهقي عن الليث عن عطاء عن عائشة: ص 131 ج 4.
4 الشافعي في "كتاب الأم" ص 145 ج 1، والدارقطني في "السنن" من طريق عبد الرحمن. والبيهقي: ص 131 ج 3 من طريق الشافعي، وابن حزم في "المحلى" ص 127 ج 3 من طريق عبد الرزاق عن سفيان به.
5وأخرجه ابن حزم في "المحلى" ص 219 ج 4، من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد به، وكذا في: ص 127 ج 3.
6 أم الحسن، قال ابن حزم: هي خيرة ثقة الثقات، وإسناد هذا كالذهب.
7 تؤم النساء "أي في رمضان".
فِي النَّاسِ، فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ، أَوْ من رآهما، فليجيء بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا، فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا، وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ: فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1"، وَلَفْظُهُ: وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا فِي الْفَرَائِضِ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ فِي الْبَابِ حَدِيثًا مُسْنَدًا غَيْرَ هَذَا، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِالْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ "الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ، لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا، انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ". وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَذَانِ" عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ، وَلَا جُمُعَةٌ، وَلَا اغْتِسَالٌ، وَلَا تَتَقَدَّمُهُنَّ امْرَأَةٌ، وَلَكِنْ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَعَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَنْ النَّسَائِيّ، قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُوهِنُهُ2، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" فَقَالَ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ"، وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَرَدَّهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرزاق في "مصنه 3" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَحَمَلَ فِعْلَهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَهَكَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ"، وَفِيهِ: بُعْدٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ5 عَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَبَنَى بِهَا، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ
1 ص 203 ج 1.
2 في نسخة "يوهيه".
3 والبيهقي في "السنن" ص 131 ج 3، وابن حزم في "المحلى" ص 128 ج 3.
4 في "الهجرة" ص 52 من حديث ابن عباس، ومسلم في "الفضائل في باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم" ص 260 ج 2.
5 قوله: تزوج، أي نبي بها، أخرج البخاري في "النكاح في باب إنكاح الرجل ولده الصغار" ص 771 من حديث عائشة. ومسلم في النكاح في باب تزويج الأب البكر الصغيرة" ص 456 ج 1.
عليه السلام تِسْعَ سِنِينَ، وَمَا تُصَلِّي إمَامًا، إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؟!، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَفَعَلْنَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ، ثُمَّ نُسِخَتْ جَمَاعَتُهُنَّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ1" عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ اللَّيْلِ، فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَوْكَأَ الْقِرْبَةَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُمْت فَتَوَضَّأْت، كَمَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْت فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّيْت مَعَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَمَّ اثْنَيْنِ، فَتَوَسَّطَهُمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ. وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، ثُمَّ طَبَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّطْبِيقَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلْقَمَةُ. وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ التَّوْقِيفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ صَلَّى كَذَلِكَ بِعَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أبو عمرو قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى، هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الثَّابِتُ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ فِيهِ هَارُونُ
1 البخاري في "باب التخفيف في الوضوء" ص 25، وفي عشرين موضعاً غيره، ومسلم في "التهجد في باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل" ص 260، وأبو داود في "باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه، كيف يقومان" ص 97 من حديث عطاء عن ابن عباس، والسياق سياقه، والنسائي في "باب الجماعة إذا كانوا اثنين" ص 135، والترمذي في "باب الرجل يصلي، ومعه رجل" ص 31، وابن ماجه: ص 70.
2 في "باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع" ص 202 ج 1، وأبو داود في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون" ص 97.
3 في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون، ص 96، والنسائي في "باب موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة" ص 28.
بْنُ عَنْتَرَةَ، وَهُوَ وَإِنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، كَانَ يَكْذِبُ، وَهَذَا جَرْحٌ مُفَسَّرٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْأَسْوَدِ بِهِ، وَابْنُ إسْحَاقَ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا عَنْعَنَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ، لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ فِيهِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ فِي "جَامِعِهِ": وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا. وَعَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَقُمْت أَنَا وَصَاحِبِي خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ صَاحِبِي، فَجَعَلَنَا عَنْ يَمِينِهِ. وَيَسَارِهِ، وَقَامَ بَيْنَنَا2، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ، إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، انْتَهَى. وَضَعُفَ بِابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي ذِكْرُهُ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 3" بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، قَالَ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ4 رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. وَأَبُو ذَرٍّ عَنْ يَمِينِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَلْفَهُمَا، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ الْمَوْقِفِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمَا، وَعَلَّمَهُ أَبُو ذَرٍّ، حَتَّى قَالَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا لِنَفْسِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَالْقَائِلِينَ بِهِ، وَبِسَلَامَتِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوخَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ5": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مسلم6 عن عبادة الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سِرْت
1 في "السنن" ص 98 ج 3، وأحمد: ص 459 ج 1 والطحاوي: ص 181.
2 وفي "مسند أحمد" بعده: فصففنا خلفه صفاً واحداً، فقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة، اهـ.
3 ص 181، والبيهقي في "السنن" ص 99 ج 3.
4 حديث أبي ذر هذا رواه أحمد في "مسنده" ص 170 ج 5.
5 الحازمي في "كتاب الاعتبار" ص 80.
6 في "آخر الصحيح في أحاديث متفرقة في حديث جابر" ص 417 ج 2، وأبو داود في "الصلاة في باب إذا كان ثوباً ضيقاً" ص 100 ج 1.
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ: فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الآخر، لأن جابراً إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ، ثُمَّ فِي قِيَامِ ابْنِ صَخْرٍ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ كَانَ مَشْرُوعًا، وَأَنَّ ابْنَ صَخْرٍ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ حَتَّى مُنِعَ مِنْهُ، وَعَرَفَ الْحُكْمَ الثَّانِيَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1، إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْت أنا. واليتيم ورواءه، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَهُ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ: جَدَّتُهُ مُلَيْكَةُ، مَالِكٌ يَقُولُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى إسْحَاقَ، وَهِيَ جَدَّةُ إسْحَاقَ2 أُمِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ زَوْجُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَنَسٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إنَّ جَدَّتَهُ، وَهِيَ جَدَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أُمُّ أُمِّهِ، وَاسْمُهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ عَدِيٍّ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: إنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَهَا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ، جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي "الْبُخَارِيِّ"، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الضَّمِيرُ فِي جَدَّتِهِ لِإِسْحَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَجَدَّةُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: جَدَّةُ أَنَسٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ3 بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ
1 البخاري في "باب الصلاة على الحصير" ص 55، ومسلم في "باب جواز الجماعة في النافلة" ص 234 ج 1، وأبو داود في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون" ص 97، والنسائي في "باب إذا كانوا ثلاثة وامرأة" ص 129، والترمذي في "باب الرجل يصلي، ومعه رجال ونساء" ص 32.
2 يؤيده ما أخرجه البيهقي: ص 106 ج 3، وفيه: وأم سليم خلفنا.
3 قال النووي في "شرحه على مسلم": اسمه ضمير بن سعد الحميري.
يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي "آخَرِ مُسْلِمٍ1" وَهُوَ عَقِيبُ حَدِيثِ: أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي "مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ" مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ. وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الْقَالِبَيْنِ. فَتَقُومُ عَلَيْهِمَا، فَتُوَاعِدُ خَلِيلَهَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، قِيلَ: فَمَا الْقَالِبَانِ؟ قَالَ: أَرْجُلٌ مِنْ خَشَبٍ يَتَّخِذُهَا النِّسَاءُ، يَتَشَرَّفْنَ الرِّجَالَ فِي الْمَسَاجِدِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي "الْغَايَةِ": كَانَ شَيْخُنَا الصَّدْرُ سُلَيْمَانُ يَرْوِيهِ: الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَأَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَيَعْزُوهُ إلَى "مُسْنَدِ رَزِينٍ"، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْجَاهِلُ أَنَّهُ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ". وَقَدْ تَتَبَّعْته فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، لَا مَرْفُوعًا. وَلَا مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي فِيهِ مَرْفُوعًا: الْخَمْرُ جِمَاعُ الْإِثْمِ، وَالنِّسَاءُ حِبَالَةُ الشَّيْطَانِ، وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ، لَيْسَ فِيهِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ أَصْلًا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ2، إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ! اجْتَمِعُوا، وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ. وَأَبْنَاءَكُمْ، حَتَّى أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاجْتَمَعُوا، وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثِ4 بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى، فَأَقَامَ الرِّجَالُ يَلُونَهُ، وَأَقَامَ الصِّبْيَانُ خَلْفَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ النِّسَاءُ خَلْفَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
1 في "أحاديث متفرقة في أواخر مسلم" ص 417 ج 2.
2 مسلم في باب تسوية الصفوف وإقامتها" ص 182، وأبو داود في "باب صف النساء" ص 106، والنسائي في "باب خير صفوف النساء، وشر صفوف الرجال" ص 131، والترمذي في "باب فضل الصف الأول" ص 31، وابن ماجه في "باب صفوف الرجال" ص 71.
3 ص 343 ج 5.
4 ليث. وشهر، تكلم فيهما فيما قبل.
الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ3 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَمْسَحُ عَوَاتِقَنَا، وَيَقُولُ:"أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَلِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَصُفُّ الرِّجَالَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ النِّسَاءَ، وَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ فَقَطْ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى الحارث بن أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ4" حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ5 عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُفُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ، مُخْتَصَرٌ.
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مَفْسَدَةٌ بِالنَّصِّ6" يَعْنِي الْمَرْأَةَ"، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَفِيهِ مَعَ ضَعْفِهِ بُعْدٌ.
1 مسلم في "تسوية الصفوف وإقامتها" ص 181، وأبو داود في "باب من يستحب أن يلي الإمام" ص 105 والترمذي في "باب ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" ص 31.
2 مسلم ص 181، وأبو داود: ص 105، والنسائي: ص 130، وص 129 في "باب من يلي الإمام" وابن ماجه في "باب من يستجب أن يلي الإمام" ص 70.
3 قال الحافظ في "الدراية": أخرجه الحاكم من حديث البراء في أحدثناء الحديث، اهـ.
4 وأحمد في "مسنده" ص 344 عن أبي النضر بإسناده، سوى قوله: يصفهم في الصلاة، وأبو داود في: ص 105 مختصراً.
5 في نسخة "معاذ".
6 قال ابن حزم في "المحلى" ص 219 ج 4: أما منعهن عن إمامة الرجال، فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن المرأة تقطع صلاة الرجل، اهـ. وأشار به إلى حديث أبي هريرة، أخرجه مسلم في "سترة المصلي" ص 197، تقطع الصلاة: المرأة. والكلب. والحمار، اهـ وبه استدل على المسألة في "المحلى" ص 9 ج 4، والله أعلم.
أَحَادِيثُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا2 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: أَخَذَ زِيَادُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ بِيَدِي. وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ، فَقَامَ بِي عَلَى شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: وَابِصَةُ، فَقَالَ زِيَادٌ: حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ: أَنَّ رَجُلًا صَلَّى، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ3: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَصَحُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ حُصَيْنٍ أَصَحُّ، وَهُوَ عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو، لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ هِلَالِ عَنْ زِيَادِ عَنْ وَابِصَةَ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: أَخْبَرَنِي هَذَا الشَّيْخُ، فَكَأَنَّ هِلَالًا رَوَاهُ عَنْ وَابِصَةَ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ. وَمِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ. فَالْخَبَرَانِ مَحْفُوظَانِ. وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ هِلَالُ بْنِ يَسَافٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَزِيدَ4 بْنِ زِيَادٍ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ رَاشِدٍ رَجُلٌ لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ حُصَيْنٍ، فَإِنَّ حُصَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فِي حُكْمٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ يُضَعِّفُ أَخْبَارَهُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ وَابِصَةَ، وَهِلَالٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ وَابِصَةَ، فَأَمْسَكْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِإِرْسَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَإِنَّمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لِمَا وَقَعَ فِي إسْنَادِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ5.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْنَا وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ رَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ
1 في "باب الرجل يصلي وحده خلف الصف" ص 106، والترمذي في "باب الصلاة خلف الصف" ص 31، والطحاوي: ص 229.
2 ص 31، وابن ماجه: ص 71 في "باب صلاة الرجل خلف الصف وحده".
3 ومنهم أبو حاتم، قال في "علله" ص 100: عمرو بن مرة أحفظ، اهـ.
4 حديث يزيد هذا أخرجه الدارمي: ص 152، وقال: قال أبو محمد: كان أحمد بن حنبل يثبت حديث عمرو بن مرة، وأنا أذهب إلى حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد، اهـ.
5 ذكر البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة ص 104 ج 3 أيضاً.
6 في "باب صلاة الرجل خلف الصف وحده" ص 70، والطحاوي: ص 229، وأحمد: ص 23 ج 4، والبيهقي: ص 105 ج 3، و"المحلى" ص 53 ج 4، وسياق المخرج ليس سياق أحد منهم.
الصَّفِّ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حِينَ انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:"اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَأَمَّا مُلَازِمٌ، فَقَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ سَكَتَ النَّاسُ عَنْ حَدِيثِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَانُ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ، وَابْنُهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا يرتفع جَهَالَةُ الْمَجْهُولِ إذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ، فَأَمَّا إذَا رَوَى عَنْهُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ حُجَّةً، وَلَا ارْتَفَعَتْ جَهَالَتُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ شَيْبَانُ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ إلَّا النَّضْرُ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ عَارَضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا، فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمُ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1.
الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ:أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَبَّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ:"إنِّي سَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا، فَأَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ"؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي الرَّكْعَةُ، فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ لَحِقْت الصَّفَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ"، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ عليه السلام بِالْإِعَادَةِ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ، وَلَكِنْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ:"وَلَا تَعُدْ" إنَّمَا هُوَ إرْشَادٌ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا، لِأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ السُّرْعَةِ، وَالْعَجَلَةِ إلَى الصَّلَاةِ، كَأَنَّهُ أَحَبَّ لَهُ أَنْ
1 ص 105 ج 3.
2 قلت: أما أصل الحديث فموجود في "البخاري" ص 108 ج 1، وأما السياق فلا، بل لم أر في أبي داود. ولا في الطحاوي. ولا في البيهقي. ومسند أحمد. والنسائي قوله: يا رسول الله إني خشيت أن تفوتني الركعة، فركعت دون الصف، ثم لحقت الصف، اهـ. وتبع المؤلف ابن الهمام، فأورده في "الفتح" ص 252 بسياق المؤلف، وعزاه إلى البخاري، نعم أورد الحافظ ابن حجر في "الفتح" ص 222 ج 2 عن الطبراني، قال: خشيت أن تفوتني الركعة معك، اهـ.
يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، وَلَا يُعَجِّلُ بِالرُّكُوعِ دُونَ الصَّفِّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ، وَفِي "كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ":"وَلَا تَعُدْ، صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سُبِقْت"، انْتَهَى. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ1 دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَيُقَوِّيهَا حَدِيثُ:"فَأْتُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، وَقِيلَ: وَقَعَ عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْ الصَّلَاةِ2
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ: فَصَفَفْت أَنَا. وَالْيَتِيمُ خَلْفَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا3 وَأَحْكَامُ الرِّجَالِ. وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا4 أَنَّ الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهَا أُخْرَى.
1 لم أجد هذه الزيادة أيضاً في الصحيح، والحديث في "الصحيح" ص 108 في موضع واحد فقط، وليس فيه هذه الزيادة، ولا التي تقدم ذكرها، نعم ذكرها الحافظ معزوة إلى الطبراني أيضاً، وهي عند مسلم: ص 220 ج 1، والبيهقي: ص 298 ج 2 "إذا ثوب الصلاة، فلا يسعين إليها أحدكم، ولكن ليمش، وعليه السكينة والوقار، صل ما أدركت، واقض ما سبقت"، اهـ.
2 ويؤيده ما روى الحاكم في "المستدرك" ص 214، عن ابن الزبير، أنه قال على المنبر: إذا دخل أحدكم المسجد، والناس ركوع، فليركع حين يدخل، ثم ليدبَّ راكعاً حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة، اهـ. وصححه على شرطهما.
3 وفي البيهقي: ص 106 ج 3، وأم سليم خلفنا، اهـ.
4 قلت: لهذا البعض دليل من حديث صريح، أخرجه النسائي في "باب إذا كانوا رجلين وامرأتين" ص 129، من حديث سفيان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو إلا أنا. وأمي. واليتيم. وأم حرام خالتي، فقال:"قوموا، فلأصل بكم"، قال: في غير وقت الصلاة، فصلى بنا، اهـ. وهذا الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" ص 217 ج 3 عن سليمان عن ثابت عن أنس، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه. وأم سليم، فجعلني عن يمينه، وأم سليم من خلفنا، اهـ. فلا مناص عما قال بعض الأئمة، إلا أن يقال: إن هذه صلاة ثالثة، سوى اللتين ذكرهما ابن حبان، أو يقال في الأحاديث الثلاثة: صلاة واحدة، في رواية منها ترك ذكر اليتيم. وفي رواية ذكر أم حرام، كما ترك الراوي كليهما في رواية أحمد، مع اتحاد مخرج حديث أحمد. والنسائي، وهذا هو قول بعض الأئمة الذين زعم ابن حبان أنه وهم، وإلى هذا يشير كلام النسائي، حيث أخرج الحديث الذي يستدل به لابن حبان، الذي فيه ذكر أنس. وأمه. وأم حرام فقط في "باب إذا كانوا رجلين وامرأتين" قلت: بل لحديث أنس هذا رواية أخرى ذكرها النسائي في "الباب الذي بعده" وفي رواية أحمد: ص 217 ج 3، لم يذكر فيها: إلا المرأة. وأنس، وكلتاهما من حديث شعبة بن عبد الله بن مختار عن موسى بن أنس عن أنس، فبعد اتحاد المخرج يستبعد أن يقال: إنها واقعة رابعة، فكما في هذه الرواية تركت أم حرام فيها من تصرف الرواة، فليجعل ترك اليتيم فيما ليس فيه أيضاً كذلك" فإن قلت: فما تقول في هذه الرواية في قوله: فجعل أنساً عن يمينه؟، قلت: تقول: وجعل اليتيم عن يساره، قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" ص 90 ج 4: روى أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم: أنا. ويتيم لنا. وأم سليم خلفنا، يحتمل أن يكون كان بالغاً، ويحتمل أن يكونا صبيين، أما إذا كان أحدهما بالغاً، فعلى حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة. والأسود، وأحدهما غير بالغ، فأقام أحدهما عن يمينه. والآخر عن يساره، اهـ. تأمل فيه، فإن قوله: في حديث الصحيح: أنا. واليتيم خلفه لا يستقيم حينئذ إلا بتأويل، والله أعلم.
حَدِيثٌ أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ1 فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ2 قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بِسَاطٍ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ. وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا، انْتَهَى. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ فِي وقتين مختلفتين، فَتِلْكَ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى حَصِيرٍ3، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ. وَالْيَتِيمُ مَعَهُ خَلْفَ الْمُصْطَفَى، وَالْعَجُوزُ وَحْدَهَا وَرَاءَهُمْ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ عَنْ يَمِينِ الْمُصْطَفَى، وَأُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَهُمَا، فَكَانَتَا صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام: صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْت لَهَا: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: بَلَى، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ"؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَك لِلصَّلَاةِ، قَالَ:"ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ". فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:"ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ أَنْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ
1 في نسخة "الحسن".
2 قلت: وأخرجه أحمد: ص 160 ج 3 عن أبي كامل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوعاً: قال: فقامت أم سليم. وأم حرام خلفنا، قال ثابت: لا أعلمه إلا قال: وأقامني عن يمينه، فصلينا على بساط، اهـ. ويؤيده ما عند النسائي: ص 129 في "باب إذا كانوا رجلين وامرأتين" من حديث موسى بن أنس عن أنس أنه كان هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمه. وخالته، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أنساً عن يمينه، وأمه. وخالته خلفهما، اهـ.
3 الاستدلال على تعدد الواقعة، بلفظ: الحصير. والبساط غير صحيح، فإن البساط في هذا الحديث هو الحصير، قد صرح بذلك أنس، قال: فيصلي على بساط لنا، وهو حصير ننضحه بالماء، أخرجه أبو داود في "باب الصلاة على الحصير" ص 103.
4 في "باب إنما جعل الإمام ليؤتم به" ص 95، ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له حاجة" ص 177، كلاهما بإسناد واحد.
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ1 بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَك الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ عليه السلام بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ لَهُمْ: حَدِيثُ "إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَبَاقِي السِّتَّةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا،
1 الأحاديث الصحيحة مصرحة في هذا الباب، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً في هذه الصلاة، وأبا بكر كان قائماً، وأما المأمومون سواه، فذكر المؤلف رواية "المعرفة" وذكر قيامهم، وذكر الحافظ في "الفتح" ص 147 ج 2 أنه "أي قيام المأمومين" في رواية إبراهيم بن طهمان عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها، وقال فيه أيضاً: إنه وجد في "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج عن عطاء، فذكر الحديث، وفيه: فصلى الناس وراءه قياماً، قلت: ما ذكره المؤلف من رواية "كتاب المعرفة" فلم يذكر إسناده، ورواية عائشة تعليق، ورواية عطاء مرسلة، وادعى ابن حبان نفي قيام المأمومين، سوى أبي بكر، وتمسك بحديث جابر، رواه مسلم من طريق أبي الزبير: ص 177، والطحاوي: ص 234، والنسائي: ص 128، وص 178، ولفظ مسلم: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا، فقعدنا، الحديث، ولفظ الطحاوي: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر، ليسمعنا، فبصر بنا قياما، فقال: اجلسوا، أومأ بذلك إليهم، الحديث. والظاهر من السياق أن هذه الصلاة كانت آخر صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس، صلاة الظهر، وأجاب عنه الحافظ بحمله على طريق أبي سفيان. وسالم بن أبي الجعد، وحديث أنس على صلاته صلى الله عليه وسلم في بيته، لكن ظاهر السياق أنه واقعة مرض الموت، لأنه لم يذكر في حديث السقوط أنه عليه السلام بلغ به الضعف إلى أنه خفى صوته، ولم يستطع أن يبلغه من البيت، لأن حجرته كانت تسعاً في تسع، أو أقل منه، ثم أمر أبا بكر أن ينفرد عن الصف، ويقوم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال الحافظ: إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد، قلت: وذكر الظهر لم أر في طريق الليث وأبو الزبير مدلس، قال عياض: إنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده، ومن كان في المسجد، قال الحافظ: هذا محتمل، قلت: فعلى هذا لا إشكال في تكبير أبي بكر أيضاً.
2 ص 178.
3 في "باب إنما جعل الإمام ليؤتم به" ص 96، ومسلم في "باب ائتمام المأموم" ص 176، وأبو داود في "باب الإمام يصلي من قعود" ص 96، والترمذي في "باب إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً" ص 47، والنسائي في "باب الائتمام بإمام يصلي قاعداً" ص 133.
فَصَلُّوا قُعُودًا"، وَأَخْرَجَا1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"، الْحَدِيثَ، لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الْفَرَسِ، وَأَخْرَجَا2 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا، فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا. فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَجَلَسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ، مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْهُ، مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ. وَلَفْظُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ: قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا"، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: "إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ" مُنْفَرِدًا بِهِ، دُونَ الْبَاقِينَ، وَتَكَلَّفَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ" الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ: صَلُّوا قِيَامًا. وَالْبَعْضُ صَلُّوا جُلُوسًا، فَأَخْبَرَ أَنَسُ بِالْحَالَتَيْنِ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ صَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا. فَلَمَّا شَعَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَرَآهُمْ أَنَسٌ عَلَى الْحَالَتَيْنِ، فَأَخْبَرَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، مُخْتَصِرًا لِلْأُخْرَى، لَمْ يَذْكُرْ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَانِ. الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ: أَنَّهُمَا كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ عليه السلام فِي إحْدَى الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِيَامِهِمْ خَلْفَهُ، لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ تَطَوُّعًا، والتطوعات يحتمل فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ، فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرَبَةٍ لِعَائِشَةَ، يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ، فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا
1البخاري في "باب إقامة الصف من تمام الصلاة" ص 100، ومسلم في: ص 177.
2 أخرجه البخاري في "المرضى في باب إذا عاد مريضاً، فحضرت الصلاة" ص 845، ومسلم: ص 177 ج 1، واللفظ له.
2 في باب ائتمام المأموم بالإمام" ص 177 ج 1، والطحاوي: ص 234، والنسائي: ص 128، وص 178، وأحمد: ص 334، وأبو داود: ص 96، الظاهر من بعض ألفاظ السياق أن القصة من مرض الموت.
4 في "باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب" ص 55.
5في "باب الامام يصلي من قعود ص 96، والبيهقي في "سننه" ص 80 ج 3، والدارقطني: ص 162.
خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، قَالَ: فَلَمَّا قضى الصلاة، قال:"وإذا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا، كَمَا تَفْعَلُ فَارِسُ بِعُظَمَائِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ، أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ سُبْحَةً، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْفَرِيضَةُ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَكَانَ أَمْرَ فَرِيضَةٍ1 لَا فَضِيلَةٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ يُحْتَمَلُ فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكِ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ أَحَادِيثَ:" إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، مَنْسُوخَةً بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ: أَنَّهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَبِحَدِيثِ:"لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، لَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَعَ فِيهِ اضْطِرَابٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَاَلَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إمَامًا. وَأَبُو بَكْرٍ مأموم، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْعَكْسُ، كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا4 عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ الْقَوْمِ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إمَامًا هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، يَوْمَ السَّبْتِ5 أَوْ الْأَحَدِ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ،
1 في نسخة "لفريضة".
2 في "باب ما ذكر في الالتفات من الصلاة" ص 78.
3 في "باب بعد باب إذا صلى الامام قاعداً فصلوا قعوداً" ص 48، والنسائي في "باب صلاة الامام خلف رجل من رعيته" ص 127، والطحاوي: ص 236، والبيهقي: ص 82 ج 3.
4 ص 127 ج 1، وأحمد: ص 159 ج 3، وص 233 ج 3 وص 243، راجعه، والطيالسي: ص 258، وأخرجه الطحاوي عن حميد عن ثابت عن أنس، وكذا الترمذي في "باب إذا صلى الامام قاعداً صلوا قعوداً" ص 48، وقال: حسن صحيح، وقال: من ذكر فيه عن ثابت أصح، وأخرج الطحاوي حديث أنس: ص 223، ولفظه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متكىء على أسامة متوشح ببرد، فصلى بهم، اهـ. وفي الطيالسي: ص 285 في مرضه الذي مات فيه، فيصلي بالناس في ثوب واحد، الحديث.
5 قوله يوم السبت والأحد، قلت: هذا غلط صريح، لأنهم اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، وفيه حديث أنس في "الصحيح في باب من رجع القهقرى" ص 161، وأنه عليه السلام لم يخرج بعد الخروج الأول ثلاثاً، كما في "الصحيح في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة" من حديث أنس: ص 94،
وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عليه السلام، حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، قَالَ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا يَثْبُتُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاتِهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَشْفِهِ عليه السلام السِّتْرَ، ثُمَّ إرْخَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ثُمَّ إنَّهُ عليه السلام وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَأَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ1 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْلَعَ عَنْهُ الْوَعْكُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَغَدَا إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَغُلَامٍ لَهُ، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهِ، فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا2 جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ، فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قَضَى سُجُودَهُ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَذَكَر الْقِصَّةَ فِي دُعَائِهِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَعَهْدِهِ إلَيْهِ فِيمَا بَعَثَهُ فِيهِ، ثُمَّ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ، أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَالصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مَأْمُومٌ، هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا، هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَغُلَامٍ لَهُ، وَفِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ.
قُلْت: وَحَدِيثُ كَشْفِ السِّتَارَةِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ،
ثم ذكر أنس خروجه صلى الله عليه وسلم في اليوم الرابع، ورفع الحجاب، فكان يوم الوفاة اليوم الخامس من الخروج الأول الذي خرج فيه عليه السلام لصلاة الظهر، وخطب، وإليه الاشارة في حديث جندب عند مسلم في "النهي عن بناء المسجد على القبر" ص 201، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، اهـ. واليوم الخامس من يوم الاثنين قبله، هو يوم الخميس، ففيه خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الظهر، وخطب بعد الصلاة، كما في حديث عائشة في "الصحيح في آخر المغازي" ص 639، وفي غيره، وقد اهتم لهذا الخروج، وأراق عليه من سبع قرب لم يحلل أوكيتهن، وهو في "الصحيح في باب الغسل والوضوء من المخضب" ص 32، قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" ص 228 ج 5: وخطب عليه السلام في يوم الخميس قبل أن يقبض بخمسة أيام خطبة عظيمة إلى قوله: ولعل خطبته هذه كانت عوضاً عما أراد أن يكتبه في الكتاب، اهـ. ولي في هذه المسألة رسالة مستقلة جمعتها، ولم تهذب بعد، أسأل الله أن يوفقني لتهذيبها، وهو الموفق.
1 قلت: هذا مرسل، وأخرج ابن سعد في "طبقاته" في القسم الثاني، من الجزء الثاني ص 20 ج 2 القصة عن الواقدي بإسناده عن عمرة عن عائشة، ولكن الواقدي مكشوف الحال، وكذا في ص 22 من حديث أم سلمة، وفيه الواقدي أيضاً، ومن حديث أبي سعيد في: ص 23.
2في نسخة ك "فصليا".
3 أخرجه البخاري في "باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة" ص 93 ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر" ص 179.
وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إلَيْنَا، وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا، قَالَ: فَبُهِتْنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ، أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ1": أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ2" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ
1في "باب من رجع القهقري في صلاته"ص160
2والذي يفهم من كلام ابن حبان، ومن مراجعة الأصول أن لحديث عائشة في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم وإمامته مخارج أربعة، اختلف عليها كلها، ثلاثة منها في "الصحيحين":
أحدها: طريق موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عنها، روى عنه زائدة، وفيه: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، اهـ. لم يختلف على زائدة فيه، أخرج حديثه البخاري في "باب إنما جعل الامام ليؤتم به" ص 95، ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر" ص 177 اتفقا على روايته عن أحمد بن يونس عن زائدة، وروى عن موسى شعبة، واختلف فيه، روى أحمد في "مسنده" ص 249 ج 6 عن أبي داود الطيالسي حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي
بالناس في مرضه الذي مات فيه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر يصلي بالناس قاعداً، وأبو بكر يصلى بالناس خلفه، اهـ. وروى النسائي في "باب الإئتمام بمن يأتم بالإمام" ص 128 عن محمود بن غيلان عن أبي داود به، وفيه: قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر، والناس خلف أبي بكر، اهـ. وأخرجه ابن جارود: ص 166 في "باب تخفيف الصلاة بالناس" عن إسحاق بن منصور عن أبي داود به، وفيه: قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر قاعداً، وأبو بكر يصلي خلفه، اهـ. ففي هذا وافق شعبة زائدة في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم، ولحديث شعبة طريق آخر، رواه ابن حبان، كما قال الزيلعي، ولم يذكر إسناده، ورواه ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3 من طريق محمد بن بشاء حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى عن عبيد الله عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس. ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، اهـ. قلت: فكأنه انقلب على بعض الرواة، والله أعلم.
الثاني: طريق الأعمش عن إبراهيم: عن الأسود عن عائشة، رواه البخاري في "الصحيح في باب حديث آخر: المريض أن يشهد الجماعة" ص 91، ومسلم في: ص 178، وفيه: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، اهـ. روى عنه حفص بن غياث. وأبو معاوية. وعبد الله بن داود، عند البخاري، وكيع. وابن مسمر. وابن يونس. وأبو معاوية، عند مسلم، وروى ابن جارود في "المنتقى" ص 166 حديث موسى بن أبي عائشة من طريق إسحاق بن منصور، قال: أنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة عن موسى ابن أبي عائشة بإسناده مثل حديث زائدة، ثم قال: قال أبو داود: حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه، كان المقدم، اهـ.
والثالث: طريق عروة عن عائشة اختلف فيه عليه أيضاً، روى الشيخان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قولها: فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، أخرجه البخاري في "باب من قام إلى جنب الامام لعلة" ص 94، ومسلم في "باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر" ص 179، وروى أحمد في "مسنده" ص 159 ج 6 عن شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير عن عائشة، الحديث، وفيه: فصلى أبو بكر، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعداً، اهـ.=
عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ،
= والرابع: طريق أبي وائل عن مسروق عن عائشة، وقد اختلف فيه على أبي وائل، روى عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة إمامة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، واختلف فيه على نعيم، روى البيهقي في "سننه" ص 82 ج 3 من طريق أحمد بن عبد الله النرسي عن شبابة ابن سوار عن شعبة، وأحمد في "مسنده" ص 159 ج 6 عن شبابة عن شعبة عن نعيم بإسناده، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه، وروى أحمد في "مسنده: ص 159 ج 6 عن بكر بن عيسى عن شعبة، والنسائي في "باب صلاة الامام خلف رجل من رعيته" ص 127 عن محمد ابن المثنى عن بكر بن عيسى عن شعبة عن نعيم عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس، وأبو بكر في الصف، اهـ. وهكذا رواه بدل بن المحبر. وأبو أمية الطرطوسي عن شبابة بن سوار، كلاهما عن شعبة، روى حديثهما البيهقي في "سننه" ص 83 ج 3، ومن طريق النسائي، روى ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3، وروى البيهقي من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن عائشة، فذكرت قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخره: فلما أحس أبو بكر بحس النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستأخر، فأومأ إليه أن يثبت، وجيء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فوضع بحذاء أبي بكر، أو قالت: في الصف، اهـ. قال البيهقي: هذا يخالف رواية شبابة عن شعبة في الاسناد والمتن، وقد روى شبابة عن شعبة بقريب من هذا المتن، اهـ. ثم أخرج طريق الطرطوسي. وبدل بن المحبر، كما عند النسائي، وقال: رواية مسروق تفرد بها نعيم عن أبي وائل، واختلف عليه، اهـ.
هذا، ثم الظاهر من سياق الأحاديث أن الاختلاف في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم. والصديق في صلاة واحدة، وأن القصة واحدة، وأن الاختلاف فيها من تصرف الرواة فقط، تعدد خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته أو لم يتعدد، وأن الظاهر من صنيع الشيخين أنهما رجحا إمامة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهما لم يدخلا في "صحيحهما" من حديث موسى بن أبي عائشة. والأعمش. وعروة، إلا ما فيه إمامة النبي صلى الله عليه وسلم، مع ثقة رواة الخلاف، وأنهم من أشهر رجال الصحيحين، ووجوه الترجيح واضحة، فيما ذكرنا، لا حاجة لنا أن نشتغل بإعادتها، واختيار الشيخين هو المرجح، "وليس وراء عبادان فرية".
وأما حملها على تعدد الواقعة، كما حمله ابن حبان. والبيهقي، فهذا بعيد جداً، سواء تعددت الواقعة في نفس الأمر، أم لا، وهذا إنما يحسن إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت، كما هنا، فهو من تصرف الرواة، قاله الحافظ في "الفتح" ص 217 ج 11 لحديث آخر مثله، لأن مخرج حديث زائدة عن موسى بن أبي عائشة متحد مع حديث شعبة عنه، مع ما اتفق على شعبة فيه، وحديث حفص بن غياث. وأبي معاوية. وغيرهما عن الأعمش مع حديث شعبة عنه، مع ما فيه من مظنة التعليق، وحديث هشام بن عروة عن أبيه مع حديث مسعد بن إبراهيم عن عروة، وحديث عاصم ابن أبي النجود عن أبي وائل، مع حديث نعيم عنه، مع ما اختلف عليه، مع أن الظاهر من حديث أنس عند الشيخين أنه عليه السلام لم يخرج يوم الاثنين، إنما كشف الستر وهم في الصلاة، وأشار إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى الحجاب، فلم يقدر عليه، حتى مات، فلو خرج في الركعة الثانية، كما يقوله من يقوله، لقدر عليه أنس. ومن معه من المسلمين، كيف! وقد قدروا عليه، وهم في الصلاة، ولم يمنعهم من النظر إلى وجهه الكريم حرمة الصلاة، فلو خرج ثانياً، وصلى مع المؤمنين ركعة، وقضى ركعة بعد انصرافهم، لكانوا أقدر عليه من المرة الأولى، فحديث أنس ليس فيه إلا السكوت عن الخروج الثاني، بل فيه البيان، بأنه لم يخرج، ولو سكت لكان سكوته بياناً، لأن الواقعة لها شأن، وفي ذكرها تنويه، فلا يسكت عن هذا الحرف من يذكر القصة، إلا لعدم الوقوع، ومثله حديث ابن عباس، عند مسلم في "كشف الستارة" ولم يذكر بإسناد صحيح يحتج به، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم الاثنين، وصلى خلف أبي بكر ركعة، إلا ما روى ابن سعد في "طبقاته" في القسم الثاني، من الجزء الثاني ص 20: من حديث عائشة، وفي ص 22: من حديث أم سلمة، وفي ص 23: من حديث أبي سعيد الخدري، كلها من طريق محمد بن عمر،
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ1 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ بِهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا شُعْبَةُ قَدْ خَالَفَ زَائِدَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُمَا ثَبْتَانِ حَافِظَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ:"أَصُلِّيَ بِالنَّاسِ"؟ قُلْنَا: لَا، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ بَيْنَ ثُوَيْبَةَ. وَبَرِيرَةَ، فَأَجْلَسَتَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَهُوَ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، قَالَ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ. وَنُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ.
قَالَ: وَأَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ، لَيْسَ فِيهَا تَعَارُضٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ2: فِي إحْدَاهُمَا: كَانَ إمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُومًا، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهُمَا: أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ: بَرِيرَةَ.
وهو مكشوف، لم يعتمد عليه ابن حبان في هذه المسألة، إذ لفظ حديث أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في وجعه، إذا خفّ عنه ما يجد، خرج فصلى بالناس: وإذا وجد ثقله، قال: مروا الناس، فليصلوا، فصلى بهم ابن أبي قحافة يوماً الصبح، فصلى ركعة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنبه، فائتم بأبي بكر، فلما قضى أبو بكر الصلاة أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فاته، اهـ. وفي حديث أبي سعيد، قال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه، إذا وجد خفة خرج، وإذا ثقل وجاءه المؤذن، قال:"مروا أبا بكر يصلي بالناس"، الحديث وفي طريق آخر له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه بصلاة أبي بكر ركعة من الصبح، ثم قضى الركعة الباقية، قال محمد بن عمر: رأيت هذا الثبت عند أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر، اهـ. وقد قال ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد، اهـ. وقال الشافعي في "كتاب الأم" ص 185 ج 2: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً وليالي، ولم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس إلا صلاة واحدة.
وبعد: يشكل حديث أم الفضل عند الترمذي في "باب القراءة في المغرب" ص 41، قالت: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ "بالمرسلات" فما صلاها بعد، حتى لقي الله عز وجل، اهـ. إلا أن المصرح عند الطحاوي: ص 125، والنسائي: ص 154، و"مسند" أحمد: ص 338 ج 6، أن هذه الصلاة كانت في البيت، اهـ.
1 أجمل في الذكر، ولم يذكر من روى عن شعبة، لينظر كيف حاله، قلت: قال ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثني أحمد بن عون الله حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة به، اهـ.
2 قلت: وإليه مال ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3 قال: إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك.
وَثُوَيْبَةَ1 انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ2 مَا يَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّ حَدِيثَ: إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام آخِرُ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ لَمْ يَرَ بِالنَّسْخِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي "صَحِيحِهِ": وَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا، كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا، وَأَفْتَى بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ3: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حضير4. وقيس بن قهد، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا، بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ. وَلَا مُنْقَطِعٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ خِلَافُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا وَاهٍ. فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْ التَّابِعِينَ أَيْضًا، وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْأُمَّةِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَأَعْلَى حَدِيثٍ احْتَجُّوا بِهِ، حَدِيثٌ5 رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ عليه السلام:"لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَهَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَكَانَ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا. وَمَا لَمْ يُرْوَ سِيَّانِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا إرْسَالَ تَابِعِيٍّ. وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، للزمنا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ التابعين، وإذا قلنا: لزمنا قَبُولُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، إذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي هَذَا نَقْضُ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أبا حنيفة يجرح جابر الْجُعْفِيِّ وَيُكَذِّبُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَخْطَرَهُ الْأَمْرُ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ6 سَمِعْت أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْت فِيمَنْ لَقِيت أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا لَقِيت فِيمَنْ لَقِيت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْته بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي قَطُّ إلَّا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَةَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
1 في نسخة "ثويبة" ضبطه الحافظ "بالنون المضمومة، بعدها الواو الساكنة، ثم الموحدة".
2 في "كتاب المرضى في باب المرضى، إذا عاد مريضاً فحضرت الضلاة" ص 845، وقال البخاري في "باب إنما جعل الامام ليؤتم به" ص 96: إنما يؤخذ بالآخر، الخ.
3 قال الحافظ في "الفتح" ص 146 ج 2: قد أمَّ قاعد جماعة من الصحابة، ثم ذكر هؤلاء، وذكر من خرج آثارهم، وصحح أسانيدها
4 وله حديث مرفوع: إذا صلى قاعداً فصلوا خلفه قعوداً، عند الحاكم: ص 289 ج 3 وصححه.
5كيف يستدل بهذا لأبي حنيفة، وأنه أجاز إمامة القاعد، إنما منع قعود غير المريض، وهذا شيء آخر.
6 في نسخة "الجوزاء".
7 ص 153 والبيهقي في "سننه" ص 80 ج 3 وضعفه.
لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ غَيْرُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَرَوَاهُ عَنْ الْجُعْفِيِّ مُجَالِدٌ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي رِوَايَتِهِ مَذْمُومٌ فِي رَأْيِهِ، ثُمَّ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ جَالِسًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى، وَهُوَ مَرِيضٌ جَالِسًا، وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ جُلُوسًا، وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَسِيد بْنَ حُضَيْرٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا فَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ، وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ1 أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ، وَمَنْ خَلْفَهُمْ جُلُوسٌ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ النَّسْخُ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ، وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي "الْإِمَامِ" يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا مِنْ مَرَضٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلُّونَ قُعُودًا، اقْتِدَاءً بِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ. وَحَدِيثِ أَنَسٍ: وَإِذَا صَلَى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. وقيس بن قهد، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا: وَلَا يُتَابِعُونَهُ فِي الْجُلُوسِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالشَّافِعِيُّ، وَادَّعَوْا نَسْخَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ قَائِمٌ، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إمَامًا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِإِمَامَيْنِ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْإِمَامَ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يُبَلِّغُ النَّاسَ، فَسُمِّيَ لِذَلِكَ إمَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَحْمَدَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ: أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى جَالِسًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، بَلْ وَلَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاتِهِ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ لِعُذْرٍ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِنْهُ، سِيَّمَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ
1 ذكر ابن حجر في "الفتح" ص 147 قيس بن قهد، وأسيد بن حضير، وجابر بن عبد الله أنهم صلوا قعوداً، والناس خلفهم جلوس، وذكر أبا هريرة أنه أفتى بذلك، وذكر من أخرج هذه الآثار، وصحح الحافظ أسانيدها، وذكر ابن حزم في "المحلى" ص 70 ذلك أيضاً، وأخرج الدارقطني: ص 52 عن أسيد بن حضير، وفي: ص 162 عن جابر أنهم صليا جالسين، والمأمومون أيضاً جلوس.
فِي "كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ": وَهِيَ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدٍ فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مَثَالِبَ فِي دِينِهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مَا يُرْسِلُ1، ولا يذكر منه حَدَّثَهُ، حَتَّى قَالُوا: إنَّ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا2، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، جَمَعَهَا الْحُمَيْدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، هُوَ أَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَاسِطَةٍ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ أَرَقْمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 4
1 قلت: مراسيل الصحابة مقبولة بالإجماع، وإن لم يحضر الواقعة، بل وإن خالف من حضر الواقعة، كذا في "الفتح" ص 185 ج 3، وإنما يرده من يرد المراسيل، مرسل صحابي رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يميز، كما قال السخاوي في "فتح المغيث" ص 62: رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه شيئاً، كما قاله الحافظ في "الفتح" وابن عباس ليس منهم، باعتراف من يتعلل بأنه سمع سبعة عشر حديثاً، والله أعلم.
2 قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من الغريب قول الغزالي في "المستصفى"، وقلده جماعة: إنها أربعة، ليس إلا، وعن يحيى القطان. وابن معين. وأبي داود "صاحب السنن" تسعة، وعن غندر: عشرة، وعن بعض المتأخرين: إنها دون العشرين، من وجوه صحاح، وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح. والحسن فقط، من ذلك، فزاد على الأربعين، سوى ما هو في حكم السماع، كحكاية حضور شيء فعل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار شيخنا لذلك عقب قول البخاري في الحديث الثالث، من باب العشر من الرقاق: هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه "فتح المغيث" ص 63، وراجع له "فتح الباري" ص 331 ج 11.
2 ورواه أحمد في "مسنده" ص 209 ج 1 عن يحيى بن آدم عن قيس بن ربيع به، ولفظه: فقرأ من المكان الذي بلغ أبو بكر رضي الله عنه من السورة، اهـ. ورواه الدارقطني في "سننه" ص 153 من حديث يحيى بن آدم به، سواء بسواء، إلا أن فيه عبد الملك بن أرقم بن شرحبيل، بدل: أرقم بن شرحبيل.
4 رواه ابن ماجه في "باب صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه" ص 88، قال الحافظ في "الفتح" ص 629 ج 5 أخرجه أحمد. وابن ماجه بسند قوي، وصححه الحافظ من رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس، وحسن الحديث، في: ص 145 ج 2، قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 235 ج 1، وفي "مشكله" ص 27 ج 2، وأحمد: ص 355 ج 1، وص 357 ج 1، وص 357، وابن سعد في "طبقاته" ص 130 ج 3 في الحصة الأولى، والبيهقي في "سننه" ص 81 ج 3، كلهم من حديث أسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس وأحمد في "مسنده" ص 331 ج 1 من حديث زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق به، فالاسناد إلى ابن عباس صحيح، غاية ما يقال فيه: إنه مرسل، فماذا؟ لا سيما، وقد علم أنه ابن عباس، وأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ قَيْسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ وَكِيعٌ: وَكَذَا السُّنَّةُ، مُخْتَصَرٌ.
أَحَادِيثُ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ النَّافِلَةِ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَنْعِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ"، قَالُوا: وَاخْتِلَافُ النِّيَّةِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَحَمَلَهُ الشافعي على الاختلاف من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:"فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا"، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ. وَأَحْمَدُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ، هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ3، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الْأَدَبِ4"، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَةً5، اسْتَوْفَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": أَحَدُهَا: أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِالْوَاقِعَةِ، وَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ6" عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، أَنَّهُ
1 قلت: أخرج البخاري حديث: فلا تختلفوا عليه، في "باب إقامة الصفوف من تمام الصلاة" ص 100، ومسلم في "باب ائتمام المأموم بالامام" ص 177، كلاهما من حديث أبي هريرة، أما حديث أنس، فلم أجد بهذا اللفظ في "الصحيحين" والله أعلم.
2 في "باب إذا طول الامام، وكان للرجل حاجة" ص 97، ومسلم في "باب القراءة في العشاء" ص 187.
3 قوله: تلك الصلاة، أخرجه مسلم من طريق عمرو بن دينار. وأبو داود عن عبيد الله بن مقسم عن جابر في "باب إمامة من صلى بقوم، وقد صلى تلك الصلاة" ص 95
4 لم أجده في "البخاري" فضلاً عن "كتاب الأدب" والله أعلم.
5 سئل أحمد عن رجل صلى في جماعة، أيؤم بتلك الصلاة؟ قال: لا، ومن صلى خلفه يعيد، قيل له: فحديث معاذ؟ قال: فيه اضطراب، إذا ثبت، فله معنى دقيق، لا يجوز مثله اليوم، كذا في "طبقات الحنابلة" ص 53.
6 هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده" ص 74 ج 5، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 238 من حديث معاذ نفسه، في حديث أحمد قصة، ورواها ابن حزم من طريق أخرى في "المحلى" ص 330 ج 4، وهي: أن سليمان صاحب هذه القصة قتل بأحد، اهـ. وأعل ابن حزم هذا الحديث، بأنه منقطع، لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدرك هذا الذي شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاذ، اهـ. وقال في "الزوائد" ص 71 ج 2: رواه أحمد، ومعاذ بن رفاعة لم يدرك الرجل الذي من بني سلمة، لأنه استشهد بأحد، ومعاذ تابعي، والله أعلم، ورجال أحمد ثقات، اهـ. قلت: معاذ بن رفاعة هذا، هو معاذ بن رفاعة الزرقي، كما هو مصرح في "شرح الآثار" وهو أنصاري أيضاً، كما في "مسند أحمد" ومعاذ بن رفاعة الأنصاري الزرقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، شهد غزوة قريظة مع النبي صلى الله عليه وسلم على فرس،
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جبل يأتينا بعد ما نَنَامُ، وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ، فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَنَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام:"يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كان يفعل أحد الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْمَعُهُمَا، لِأَنَّهُ قَالَ:"إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي" أَيْ، وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِك، "وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك"، أَيْ، ولا تصل مَعِي. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِخْبَارِ النَّاوِي، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ كَانَ يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَهُ عليه السلام بِنِيَّةِ النَّفْلِ، لِيَتَعَلَّمَ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَأَفْعَالَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": وَقَوْلُهُ عليه السلام: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ" ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْعُذْرِ، بوجهين، أحدهما: الاستبعاد عن مُعَاذٍ، أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَأْتِيَ بِهِ مَعَ قَوْمِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُظَنُّ بِمُعَاذٍ، بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ، أن تصلي النَّافِلَةَ مَعَ قِيَامِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ لَهُ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي "سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ1" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَوْثَقَ رِجَالًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَذَكَرَا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قُلْنَا: أَمَّا الِاسْتِبْعَادُ فَلَيْسَ بِقَدْحٍ، سِيَّمَا، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ الْمُسْتَبْعَدَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا هي من الرواة،
وفي التابعين معاذ بن رفاعة رجل آخر، قاله ابن حجر في "الاصابة" قلت: هو معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك ابن العجلان، ذكره ابن سعد "في طبقاته" ص 204 ج 5.
1 الشافعي في "كتاب الأم" ص 153 ج 1 بكلا طريقيه، والدارقطني: ص 102 من طريق أبي عاصم. وعبد الرزاق عن ابن جريج به، والطحاوي: ص 237، والبيهقي: ص 86 ج 3 من طريق أبي عاصم عن ابن جريج به.
هِيَ مِنْ الشَّافِعِيِّ1، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ ظَنًّا وَاجْتِهَادًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ2 عَنْ قَوْلِهِ عليه السلام:"إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، فَقَالَ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ، لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ، مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَوْ تَنَاوَلَهُ النَّهْيُ لَمَا جَازَ مُطْلَقًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى نُهِيَ عنه، ثم ذكرت حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: لَا تُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسْخَ بِالِاحْتِمَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا، أَعْنِي صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَلَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّسْخِ بِتَقْرِيرٍ حَسَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ إسْلَامَ مُعَاذٍ مُتَقَدِّمٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَلَى وَجْهٍ وَقَعَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ، فَيُقَالُ: لَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَمْكَنَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُنَافَاةُ، وَالْمُفْسِدَاتُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَحَيْثُ صُلِّيَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ إمْكَانِ رَفْعِ الْمُفْسِدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي التَّارِيخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَمْشِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، يَعْنِي فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ، فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى الصَّلَاةَ كَامِلَةً، عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ "أَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ"، وَذَلِكَ مِثْلُ جُلُوسِهِمْ يَحْرُسُونَ الْعَدُوَّ، وَرُجُوعِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِعَادَتِهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ مُعَاذٍ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.
1 هذا ليس بصواب، لأن طريق الدارقطني. والطحاوي. والبيهقي خال عن الشافعي، وفيه الزيادة.
2 قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم في "باب كراهية الشروع في نافلة، بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة" ص 247 من طريق عمرو بن دينا مرفوعاً، وفيه قال حماد: ثم لقيت عمراً فحدثني به، ولم يرفعه، اهـ. ورواه الطحاوي من طريق حماد بن سلمة. وحماد بن زيد بسنده عن أبي هريرة، بذلك، وقال: لم يرفعه، قال: فصار أصل الحديث عن أبي هريرة، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 112: قال أبو زرعة: رواه ورقاء. وزكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار. عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً، ورواه ابن عيينة. وحماد ابن زيد. وحماد بن سلمة. وأبان بن عطاء، كلهم عن عمرو بن دينار، ورواه بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة موقوفاً، قال أبوزرعة: الموقوف أصح، اهـ. وروى عن أبيه: ص 96 أنه صحح الوقف.
وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حِينَ كَانَ الْفَرْضُ يُفْعَلُ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ، فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ سَبَبٌ. وَلَا تَارِيخٌ1، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ2، مَوْلَى مَيْمُونَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ" لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ مُعَاذٍ، لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى رُوَاةِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَدْ كَانَ عليه السلام يُرَغِّبُهُمْ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، فَنُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ، فَقَالَ:"لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، أَيْ كِلْتَاهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ" عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غِنًى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاذٍ غِنًى عَنْ صَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ مَعْنَى النَّسْخِ، فَيَكُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَكُونُ نَسْخًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ، عِلَّةً لِهَذَا الْفِعْلِ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُون سَبَبًا لِارْتِكَابِ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَوْفٍ" الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ. وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ
1 روى الطحاوي: ص 187 عن عمرو بن شعيب عن خالد بن أيمن المعافري، قال: كان أهل العوالي يصلون في منازلهم، ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين، قال عمرو: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: صدق، اهـ. وأعله ابن حزم في "المحلى" ص 233 ج 4 بالارسال، قلت: أيمن المعافري، الظاهر أنه أيمن بن عبيد المعافري، أخو سلمة بن زيد لأمه، استشهد يوم حنين، فلا شك أن خالداً أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، راجع "نصب الراية" ص 101 ج 2، من أول "كتاب السرقة""والاصابة" ثم لا شك أن الحديث من مراسيل سعيد بن المسيب التي يصححها الشافعي، فلا ينبغي للشافعي أن يقول ما قال.
2 حديث عمرو بن شعيب هذا أخرجه الطحاوي: ص 187. وابن حزم في "المحلى" ص 259 ج 4 من طريقه، وصححه، وفي: ص 125 ج 2 من غير طريق الطحاوي، وأخرجه النسائي في "باب سقوط الصلاة عمن صلى مع الامام في المسجد" ص 138، وأبو داود في "باب إذا صلى في جماعة، ثم أدرك جماعة يعيد" ص 93، وأحمد: ص 41 ج 2، والدارقطني: ص 159.
3 في "صلاة الخوف في باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين" ص 184، والنسائي في "صلاة الخوف" ص 231، والدارقطني: والحاكم من طريق الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة "صلاة الخوف" وفيه تكرار صلاة المغرب، قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: هذا حديث غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، وقال البيهقي: لا أظنه إلا وهماً، راجع "البيهقي" ص 260 ج 3.
الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. فَصَلَاتُهُ الثَّانِيَةُ وَقَعَتْ نَفْلًا لَهُ، وَفَرْضًا لِأَصْحَابِهِ، وَهُمْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ1 مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّسْلِيمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كنا بذات الرقاع، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا فِي "الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ"، فَقَالَ: وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الصَّلَاةِ، وَوَهِمَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" فَذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَعَزَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ التِّرْمِذِيُّ أَصْلًا، وَلَكِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ عَلَى النُّسْخَةِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَلَفْظُ "الصَّحِيحَيْنِ" هَذَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، كَمَا فَهِمَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ، بَلْ قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ2 أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي "الْخَوْفِ" بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارَبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ،
1 في "صلاة الخوف" ص 279، قبل "كتاب الجمعة" وذكره البخاري معلقاً في: ص 593، ولم يسنده في "كتابه" أصلاً، ولقد أخطأ صاحب "المشكاة" حيث ظن أنه متفق، وله من هذا النوع كثير، وأخرجه النسائي: ص 231، وفيه: ثم سلم
2 قلت: هذا الحديث أخرجه الشافعي في "كتاب الأم" ص 153 بهذا الاسناد، وروى النسائي في "صلاة الخوف" ص 231 عن إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضاً ركعتين، ثم سلم، اهـ. لكن تقدم في "فصل الغسل في الحديث الحادي والثلاثين" ص 48 روى الحسن عن جابر بن عبد الله أحاديث، ولم يسمع منه، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 140: روى ابن خزيمة من طريق جابر. وفيه أنه سلم من الركعتين أولاً، ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى، اهـ وأخرج الدارقطني ص 186، وفيه عنبسة غير منسوب، فلينظر، أهو عنبسة بن سعيد القطان. أو عنبسة بن أبي رائطة الغنوي الأعور، الذي ضعفه ابن المديني، راجع له "التهذيب" وروى الطحاوي من طريق قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر رضي الله عنه الحديث، وفيه: فصلى بالذين يلونه ركعتين، ثم سلم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، اهـ. ونقل ابن حجر عن ابن معين. والبخاري أن قتادة لم يسمع من اليشكري.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، يَأْتِي بِالطَّامَّاتِ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ مُخْتَلِطًا لَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثًا مَقْرُونًا بِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ رَكْعَتَانِ، وَالْقَصْرُ عَزِيمَةٌ، فَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا، وَقَعَدَ فِي الْأُولَى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةً، وَقَدْ ذَهِلَ عَنْ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ، وَقَالُوا: لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِمْ، إلَّا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، أَوْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَدْ أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِالنَّسْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نِزَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتًا، كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ1، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: نهى أن يصلى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَسَاجِدِ: مَنَعَهَا مَالِكٌ، وَأَجَازَهَا الْبَاقُونَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ2" عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ:"أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟! "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ فِي "صِحَاحِهِمْ"، قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يخرجه، وسليمان الأسود، هو ابْنُ سُخَيْمٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَأَبِي مُوسَى. وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَهُ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟ " فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ3 أَنَّ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ حَمَّادِ
1 قلت: يرده ما قال ابن حزم في "المحلى" ص 227 ج 4، فهذا آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أبا بكرة شهده، وإنما كان إسلامه يوم الطائف، بعد فتح مكة، وبعد حنين، اهـ. وأيضاً قد أخرج ابن حزم باسناده عن أبي بكرة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فذكر الحديث.
2في "باب الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة" ص 30، والحاكم في "المستدرك" ص 209، وأبو داود ص 11 في "باب إذا يجمع في المسجد مرتين" ص 92، وابن جارود في "المنتقى" ص 168، والدارمي: ص 165، وسيأتي الحديث: ص 291.
3 في "السنن" ص 70.
4 في "باب الصلاة في جماعة" ص 103
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ عليه السلام:"أَلَا رَجُلٌ يَقُومُ فَيَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَنَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ2" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ ثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَلَّى، فَقَالَ:"أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَمَّ قَوْمًا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَأَعَادُوا"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ علي، رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ3" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا، قَالَ: يُعِيدُ، وَيُعِيدُونَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ4. وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَأَعَادُوا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْبَيَاضِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مَالِكٌ لَا يَرْتَضِيهِ، وَكَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ رَوَى عَنْ الْبَيَاضِيُّ بَيَّضَ اللَّهُ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": لَا يُعْرَفُ إلَّا عَنْ الْبَيَاضِيُّ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَرَمَاهُ ابْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَمِمَّا يحتج به للشافعي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُعِيدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "الْإِمَامُ ضَامِنٌ"،
1 ص 103.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 45 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه محمد بن عبد الملك أبو جابر، وقال أبو حاتم: أدركته، وليس بالقوي في الحديث، ورواه البزار، وفيه الحسين ابن الحسن الأشقر، وهو ضعيف جداً، وقد وثقه ابن حبان. اهـ.
3 1 "باب ما يقطع الصلاة" ص 27، والدارقطني: ص 139 من طريق عاصم بن ضمرة.
4 ص 139.
5 في "باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت" ص 84، والترمذي في "باب ما جاء أن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن" ص 29.
وَفِي سَنَدِهِمَا اضْطِرَابٌ، لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ1" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَهَذَا سَنَدُ الصَّحِيحِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، ثُمَّ رَجَعَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الصَّلَاةِ" وَالْبَاقُونَ فِي "الطَّهَارَةِ"، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ "بَابُ إذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ، يَخْرُجُ كَمَا هُوَ، وَلَا يَتَيَمَّمُ"، وَبَوَّبَ لَهُ مُسْلِمٌ "بَابُ خُرُوجِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِلْغُسْلِ"، وَبَوَّبَ لَهُ أَبُو دَاوُد "بَابُ الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ، وَهُوَ نَاسٍ3"، وَبَوَّبَ لَهُ النَّسَائِيّ4، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، فَلَا يَصِيرُ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْت جُنُبًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الصَّلَاةِ، وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنِّي خَرَجْتُ إلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهُ عليه السلام انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، أَوْ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ، عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ هُنَا
1ص 419 ج 2، وقال أحمد في ص 514 ج 2: حدثنا موسى بن داود حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤذن مؤتمن، والإمام ضامن"، اهـ. هذا السند على شرط مسلم، راجع "الطبراني الصغير" ص 123، فان فيه سهيلاً عن الأعمش عن أبي صالح، الخ.
2 في "باب هل يخرج من المسجد لعلة" ص 89، ومسلم في "باب متى يقوم الناس للصلاة" ص 220، وأبو داود في "الطهارة" ص 35، والنسائي في "باب إقامة الصفوف قبل خروج الإمام" ص 130، وفي "باب الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة" ص 128، وابن ماجه في "باب ما جاء في البناء على الصلاة" ص 86.
3 ص 34
4 ص 128
5 ص 86، والدارقطني: ص 138، وأخرج نحوه من حديث أنس من طريق معاذ عن سعيد بن عروبة عن قتادة عنه، ثم قال: خالفه عبد الوهاب، ثم أخرج عنه عن سعيد عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة، فكبر، وكبر من خلفه، الحديث.