الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ2 عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَفِيهِ: فَقَالَ عِرَاكٌ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّاسِ أَمَرَ بِمَقْعَدَتِهِ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَصِنْفٌ: كَرِهُوهُ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ: مُجَاهِدٌ. وَالنَّخَعِيُّ. وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ. وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَا. وَصِنْفٌ رخصوه مُطْلَقًا، وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فِرْقَةٌ: طَرَحُوا الْأَحَادِيثَ لِتَعَارُضِهَا، وَرَجَعُوا إلَى الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ الْإِبَاحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَجَابِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَبِحَدِيثِ عِرَاكٍ أَيْضًا. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: فَصَّلُوا، فَكَرِهُوهُ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، وَمِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَالشَّافِعِيُّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَجَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟!، قَالَ: بَلَى، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك، فَلَا بَأْسَ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ قَالَ الْحَازِمِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى.
1 الدارقطني في "سننه" ص 22، والبيهقي في "سننه الكبرى" ص 92 ج 1، وأحمد: ص 184 ج 6، كلاهما من طريق عاصم، وقال الحافظ في "التهذيب في ترجمة خالد بن أبي الصلت" ص 97 ج 3: قال البخاري في "التاريخ": قال موسى: حدثنا حماد هو ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، قال: كنا عند عمر ابن عبد العزيز، فقال عراك بن مالك: سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حولي مقعدتي إلى القبلة": اهـ.
2 صدوق يخطئ ويصر، ورمي بالتشيع "تقريب".
3 ص 3، والحاكم في "المستدرك" ص 154، وقال: على شرط البخاري، ومن طريق البيهقي: ص 92، وأخرجه الدارقطني: ص 22، وقال: هذا صحيح، رواته كلهم ثقات، اهـ. والحازمي: ص 26، وقال: حديث حسن.
* لإمام العصر الشيخ المحدث "محمد أنور الكشميري" رسالة جليلة في مسألة الوتر سماها "كشف الستر" لابد للمحدث البحاثة من الاطلاع عليها، وهي من مطبوعات "المجلس العلمي:. "من المصحح")
بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ
الْحَدِيثُ الْمُوَفِّي لِلْمِائَةِ: حَدِيثُ "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ خَارِجَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي مُرَّةَ عَنْ خَارِجَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عَنْ الصَّحَابِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِابْنِ إسْحَاقَ. وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ، وَنُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": أَمَّا تَضْعِيفُهُ بِابْنِ إسْحَاقَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ، وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ إنَّمَا ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ الْبَصْرِيَّ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَمَّا هَذَا رَاوِي حَدِيثِ خَارِجَةَ، فَهُوَ الزَّوْفِيُّ2 أَبُو الضَّحَّاكِ الْمِصْرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْكُنَى" أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ أَبِي الضَّحَّاكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا سُوَيْد3 بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 بْنِ حيوئيل5 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّ اللَّهَ عز وجل زَادَكُمْ صَلَاةً، هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، الْوِتْرُ، وَهِيَ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ6.
1 في "الوتر" ص 208، وكذا الترمذي في "الوتر" ص 60، وابن ماجه في "الوتر" ص 83، والطحاوي: ص 250، والحاكم في "المستدرك" ص 306، والدارقطني: ص 274، وفيه: أمركم، بدل: أمدكم، وكذا في أبي داود نسختان، وهؤلاء كلهم رووا من حديث الليث، ولم أر في حديث ابن إسحاق عند أحد منهم، ولم أجد في "مسند أحمد" هذا الحديث، والله أعلم، والبيهقي: ص 469 ج 2، من طريق الليث. وابن إسحاق.
2 الزوفي، الزوف: بطن من مرداس حضرموت، كذا في "جامع الأصول".
3 لين الحديث، والله أعلم، وفي "الزوائد" متروك.
4 هكذا قال قرة بن عبد الرحمن عن يزيد، وخالفه الليث. وابن إسحاق، فقال: عن يزيد عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مرة عن خارجة بن حذافة، وهو المحفوظ "دراية" وقرة: صدوق، له مناكير.
5 حيوئيل على وزن جبرئيل، ويقال: ابن حيويل.
6 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 340 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير الأوسط" وفيه سويد بن عبد العزيز متروك، اهـ".
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَبْشِرًا، فَقَالَ:"إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالنَّضْرُ أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ1 ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بِابْنِ لَهِيعَةَ3، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ4". وَأَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ5" عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ بِهِ، وَطَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاجْتَمَعْنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إنَّ اللَّهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً"، فَأَمَرَنَا بِالْوِتْرِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ النَّسَائِيّ. وَأَحْمَدَ. وَالْفَلَّاسِ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ ثِقَةٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ الإسكندراني ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ ضَعِيفٌ7.
1 في نسخة "الخراز".
2 ص 593 ج 3 تعليقاً، وأحمد في "مسنده" ص 397 ج 6 من طريق ابن لهيعة، وكذا الطحاوي: ص 250.
3 وقال الحافظ في "التلخيص" ص 117: ابن لهيعة ضعيف، ولكنه توبع، اهـ.
4 من وجهين: عن ابن هبيرة "دراية".
5 ص 7 ج 6 عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك به، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 239 ج 2: رواه أحمد. والطبراني في "الكبير" وله إسنادان عند أحمد: أحدهما: رجاله رجال الصحيح، خلا علي بن إسحاق شيخ أحمد وهو ثقة.
6 ص 174، وأحمد: ص 208 ج 2، وص 180 ج 2 عن الحجاج، وص 206 عن المثنى بن الصباح، وهو ضعيف.
7 قال ابن يونس في "تاريخ مصر" روى عن ابن وهب حديثاً منكراً لا يتابعه عليه إنسان.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ1" حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا العباس بن الوليد الحلال الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ": وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ، كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَالنَّضْرُ لَيِّنٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِأَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَاحْتَمَلُوهُ فِي غَيْرِهَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ2 الزَّوْفِيُّ، لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ يَزِيدَ، وَالْمَجْهُولُ لَا يقوم بِهِ حُجَّةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا صَحِيفَةٌ3 كَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حَدِيثَهُ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ إنَّمَا هُوَ ابْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَدِيثُهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ يُقْبَلُ، وَعَنْ أَبِيهِ صَحِيفَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِهِ حَتَّى يُتَّفَقَ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ" فِي أَحَادِيثَ:"إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً4" لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَادُ مِنْ جِنْسِ الْمُزَادِ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ما رواه
1 باسناد حسن "دراية" ص 112.
2 عبد الله بن مرة، أو ابن أبي مرة الزوفي "بفتح الزاي، بعدها واو، ثم فاء" صدوق من الثالثة، أشار البخاري إلى أن روايته عن خارجة منقطعة.
3 مر تحقيقه في "الطهارة في أحاديث مس الفرج" ص 58 من المخرج، وزدت عليه ما وقع لي، والله أعلم.
4 قد استدل بحديث الزيادة معاذ بن جبل على وجوب الوتر، كما سيأتي قريباً بإسناد رواته ثقات، وهو أعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام، وليس في حديث أبي سعيد دلالة على عدم وجوب الوتر بوجه من الوجوه، والذي يستمد منه هو أن المستدل بحديث الزيادة على وجوب الوتر يلزمه أن يقول: بوجوب الركعتين قبل الفجر، وهذا متجه على القائلين بوجوب الوتر، لو علم أن الحديث بلغهم، كيف! وقد قال ابن معين: هذا حديث غريب من حديث معاوية بن سلام، اهـ. قلت: ولم يشتهر اشتهار أحاديث الوتر، وجميع السنن. والمسانيد خالية عنه، إلا ما روى البيهقي، وقد قال النووي في "شرح مسلم" ص 251: وحكى القاضي عياض عن الحسن البصري وجوبهما، وهي رواية عن أبي حنيفة في بعض مسائل الحنفية، كمنع أدائهما قاعداً، وقضائهما بعد الطلوع مع الفرض، وبدونه، وهو الصواب، قاله شيخ الاسلام، مولانا السيد محمد أنور، نوّر الله مرقده، وفيه دلالة على ذلك، وليس معنى وجوب الوتر، كوجوب المكتوبات عند غيرهم، بل هو واسطة بينها، وبين السنن أضعف من هذه ثبوتاً، وأقوى وأشد من تلك توكيداً، هذا، والله أعلم، قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" ص 111 ج 4، في الرجل يترك الوتر متعمداً: هذا رجل سوء، يترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ساقط العدالة، إذا ترك الوتر متعمداً، اهـ. ثم ذكر مسألة القضاء، وقال: لأن ما بعد طلوع الفجر لا يجوز فيه إلا ركعتا الفجر، وإنما أجزأنا الوتر لتأكده، اهـ. وفي "طبقات الحنابلة" ص 25 سئل أحمد، الوتر إذا فات، قال: يعيد قبل أن يصلي الغداة، قلت: هذا المنقول
الْبَيْهَقِيُّ1 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، أَلَا، وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ، قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ2 قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَرْحَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَرَحَلْت، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ4 عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، فَلْيُوتِرْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا6"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: أَبُو الْمُنِيبِ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: هُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْعُقَيْلِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ.
عن أحمد، وإن لم يصرح به بالوجوب، لأن الوجوب عنده الفرض، إلا أنه أفصح بما يريد به الأحناف من الوجوب، ومن هذا ما روى أحمد من حديث أبي سعيد ص 31 ج 3. من نام عن الوتر، أو نسيه، فليوتر إذا ذكره، اهـ. في "الهداية" لهذا وجب القضاء بالاجماع، اهـ. قال العيني: أي لكون الوتر واجب القضاء، اهـ.
1 البيهقي في "سننه" ص 465 ج 2.
2 قلت: تمام العبارة هكذا: "لو أمكنني أن أرحل إلى ابن يجير لرحلت إليه في هذا الحديث" اهـ. ابن يجير، هو: عمر بن محمد بن يجير، أحمد رواة الحديث.
3 في "باب كم الوتر" ص 208، والنسائي في "الوتر في باب كيف الوتر بواحدة" ص 249، وابن ماجه في "باب ما جاء في الوتر، بثلاث. وخمس. وسبع" ص 84، والطحاوي: ص 172، والدارقطني: ص 171، واللفظ له، والحاكم: ص 303، والطيالسي: ص 81، وأحمد: ص 418 ج 5، والدارمي: ص 196، والبيهقي: ص 24 ج 3، وص 27 ج 3، وأخرج الطبراني في "الأوسط والكبير" بلفظ: الوتر واجب على كل مسلم، وفي إسناده أشعث بن سوار، ضعفه أحمد. وجماعة، ووثقه ابن معين، قاله في "الزوائد" ص 240 ج 2، وقال في "التلخيص" ص 116: وصحح أبو حاتم. والذهلي. والدارقطني في "العلل" والبيهقي: وقفه، وهو الصواب، اهـ. وقال في "بلوغ المرام": رجح النسائي وقفه، اهـ
4 قال الدارقطني: واجب ليس بمحفوظ، لا أعلم تابع ابن حسان عليه أحد، اهـ. قلت: تابعه يونس عند الطحاوي، ولكنه ذكر بكلمة: أو، وروى الطيالسي من طريق بديل الخزاعي عن الزهري، به قال: الوتر حق، أو واجب، وقال الحافظ في "التلخيص" ص116 أعله ابن الجوزي بمحمد بن حسان، فضعفه، وأخطأ، فإنه ثقة، اهـ
5 ص 208، والحاكم في "المستدرك" ص 306 ج 1، والبيهقي: ص 470 ج 2.
6 قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" ص 3 ج 4: ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذم من خالفه، ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالايجاب، ولفظة: علي، وحق على العباد، وعلى المؤمنين. وترتيب الذم.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ1 عَنْ خَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا"، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا، وَلَا لَقِيَهُ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ:"إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ3" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ الْقَاضِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ الشَّامَ فَوَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ، فَقَالَ لمعاوية: ما لي أَرَى أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَوَاجِبٌ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"زَادَنِي رَبِّي عز وجل صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ التَّنُوخِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ4" عَنْ حَكَّامِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
1 ص 443 ج 3
2 في "باب صلاة الليل" ص 257، والترمذي في "باب مبادرة الصبح بالوتر" ص 60.
3 في "المسند" ص 242 ج 5 رواته ثقات، إلا عبيد الله بن زحر، قال الحافظ: هو واه، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، وإلا عبد الرحمن بن رافع، سكت عنه في "الدراية"، وضعفه في "التقريب" وذكره ابن حبان في الثقات. وابن وهبب هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي ثقة، ويحيى بن أيوب النافقي ثقة، وقال في "الدراية": مات معاذ قبل أن يلي معاوية دمشق، وعبد الرحمن المذكور لم يدرك القصة، اهـ.
4 قال ابن حجر في "الدراية" ص 113: أخرجه البزار، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وقد ذكر البزار أنه تفرد به، اهـ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: أنه عليه السلام قَالَ لَهُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَيْك، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْحَجُّ، فَدَلَّ عَلَى أَثَرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلَفْظَةُ: "زَادَكُمْ صَلَاةً" مُشْعِرَةٌ بِتَأَخُّرِ وُجُوبِ الْوِتْرِ، وَلَكِنَّ الْحَجَّ مَذْكُورٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ2 فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَخْرَجَهُ فِي "أَوَّلِ الْإِيمَانِ" عَنْ أَنَسٍ، وَلَمْ يُسَمِّ مُسْلِمٌ ضِمَامًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِلْمِ"، وَسَمَّى ضِمَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْحَجُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْتَرَ عَلَى الْبَعِيرِ، وَفِي لَفْظٍ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، ثُمَّ عَارَضَهُ بِرِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَذَلِكَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ، فِيمَا قَالَ:"فَإِنْ أَطَاعُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ بَعْثُ مُعَاذٍ إلَى الْيَمَنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، انْتَهَى. وَيُقَوِّي هَذَا مَا فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" أَنَّهُ عليه السلام تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَسَيَأْتِي فِي "الزَّكَاةِ" فِي حَدِيثِ الْأَوْقَاصِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ4 عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى
1 في "أوائل الصيام" ص 254، ومسلم في "الإيمان في باب الصلوات الخمس" ص 30 ج 1.
2 ص 31، والبخاري في "العلم في باب القراءة والعرض على المحدث" ص 15.
3 البخاري في "باب الوتر في السفر" ص 136، ومسلم في "صلاة السفر في باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر" ص 244، والطحاوي: ص 249، قال النووي في "شرح المهذب" ص 20 ج 4: لا دلالة فيه، لأن مذهبكم أن الوتر واجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان سنة في حق الأمة، اهـ.
4وابن نصر في "قيام الليل" ص 114، وص 90، والطبراني في "الصغير" ص 108، وفيه: يعقوب الفمي، قال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال النسائي. وغيره: لا بأس به، وقال الحافظ في "التقريب" صدوق، وعيسى بن جارية، قال ابن معين: عنده مناكير، وقال النسائي: منكر الحديث، وجاء عنه: متروك، اهـ. وسيأتي في "فصل قيام شهر رمضان" أيضاً.
ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، يُدْعَى "الْمُخْدَجِيَّ" سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ، يُدْعَى "أَبَا مُحَمَّدٍ" سَأَلَهُ رَجُلٌ2 عَنْ الْوِتْرِ، أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَالَ: كَذَبَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، لَمْ يَسْتَخِفَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل جَاعِلٌ لَهُ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَجِئْ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَذَكَرَ الْمُخْدَجِيَّ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: هُوَ أَبُو رُفَيْعٍ، وَقِيلَ: رُفَيْعٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3 ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي حبة عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ. وَالنَّحْرُ. وَصَلَاةُ الضُّحَى"، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. والدارقطني، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَالْجُعْفِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وله طريق آخر عن ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" فِيهَا وَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى. وَمِنْدَلٌ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ4، وهو ساقط، وقال ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَكْذِبُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَا تُوتِرُوا
1 في "باب المحافظة على الصلوات" ص 67، وفي "باب من لم يوتر" ص 208، والنسائي في "باب المحافظة على الصلوات الخمس" ص 80، وأحمد: ص 319 ج 5، وابن ماجه في "باب فرض الصلوات الخمس، والمحافظة عليها" ص 102.
2 قلت: أصل عبارة أبي داود هكذا: "إن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام، يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب، فقال المخدجي: فرُحت إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، قوله: كذب، أي أخطأ، كذا في "التلخيص" قلت: أبو محمد هذا أنصاري، اسمه مسعود، وله صحبة، وقيل: اسمه سعد بن أوس من الأنصار من بني النجار، وكان بدرياً "عون المعبود" ص 534 ج 1، "وكتاب العلم لابن عبد البر" ص 155 ج 2، وراجع "التلخيص" ص 172.
3 ص 231 ج 1، والحاكم في "المستدرك" ص 300 ج 1، والدارقطني: ص 171.
4 في "النسخة الخطية" محيريز، وظني أنه محرر "بالمهملتين" فليراجع.
5 ص 172، والطحاوي: ص 172، والحاكم في "المستدرك" ص 304 ج 1، قال: صحيح على شرط الشيخين، وابن نصر في "قيام الليل" ص 125، ولفظه: لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، والطحاوي أيضاً، والحاكم بهذا اللفظ، والبيهقي: ص 31 ج 3.
بِثَلَاثٍ1، وَأَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثقات، انتهى.
1 قوله: لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس، أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب، اهـ.
هذا الحديث قد اكتفى بظاهر لفظه ابن نصر المروزي في "قيام الليل" ص 127، حيث رد به على بعض أصحاب أبي حنيفة في قوله: إن العلماء قد أجمعوا على أن الوتر بثلاث جائز حسن، اهـ. وقال: قوله هذا، من قلة معرفته بالأخبار، واختلاف العلماء، وقد روى في "كراهية الوتر بثلاث" أخبار: بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. والتابعين، ثم روى هذا الخبر عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس. أو سبع. أو تسع. أو باحدى عشرة. أو أكثر من ذلك"، اهـ. وفي معناه ما أخرج أحمد في "مسنده" ص 335 ج 5 عن ميمونة. وعائشة مرفوعاً، قالتا: لا يصح "أي الوتر" إلا بخمس. أو سبع، اهـ. لكن أشكل على أهل العلم تأويله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تواتر عنه إيتاره بالثلاث، وعن الصحابة. والتابعين، وقد روى هو جملة صالحة منها في "كتابه في الوتر" فما معنى النهي بعد ذلك؟
ولقد تصدى الحافظ في "الفتح" ص 400 ج 2 لرفع هذا الإشكال، وقال: الجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة ثلاث بتشهدين، اهـ. وظن أن النهي في الحديث هو النهي عن التشبيه، وقد سبقه سليمان بن يسار إلى هذا، روى عنه ابن النصر أنه كره الثلاث، وقال: لا يشبه التطوع بالفريضة، اهـ، وهذا الحمل مردود بالعيان، وبمعنى الحديث، أما الأول: فانا لا نرى الفرق بين الفريضة والتطوع إلا بإيجاب الله تعالى وعدمه، ولا نرى الفرق بين صوم التطوع وصوم رمضان إلا بذلك، وكذا فريضة الحج، وتطوعه سيان في الأعمال كلها، ولا فرق في الانفاق بين الزكاة وسائر الصدقات، بل لا فرق بين صلاة الفجر والركعتين قبلها، وبين صلاة الظهر، وأربع قبلها، في شيء من الأركان، ولو حلف رجل أن التطوع كالفريضة في الأمور كلها، إلا فيما يرخص في التطوع لكان باراً، وعد الطحاوي في: 173 من "شرح الآثار" من ذلك أشياء: فقال: إنا لم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض، اهـ. فما بال الوتر نهى عنه لأجل الاشتباه بالفريضة؟ وأما المعنى. فلأن لهذا الحديث لفظان: الأول: لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، الحديث، وكلمة تشبهوا في هذا، ليست بصفة، بل هي جواب النهي، ولا يصح معناه، على مراد ابن نصر على مذهب جمهور النحاة، لأن التقدير عندهم أن لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، إلا على مذهب الكسائي، فإن المعنى عنده أن توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب فمحط النهي، ليس التشبيه فقط، بل هذا العدد، والتشبيه لازم له، فمتى حصل الايتار، بالثلاث، بأي صورة كانت، حصلت المشابهة، وعين الشرع لرفع المشابهة طريقاً بقوله: ولكن أوتروا بخمس. أو سبع، الحديث، فكأن المؤول لهذا الحديث بالتأويل المذكور لم يرتض به. واللفظ الآخر لهذا الحديث: لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب، ففي هذا الحديث نهى عن الايتار بثلاث، وعن التشبيه بصلاة المغرب كليهما، فإن كان التشبيه هو الايتار بثلاث، عاد الإشكال بأسره، وإن أريد الصفة والهيئة، فبعد التفريق بين هيئة وهيئة. بقي النهي عن الايتار بثلاث بحاله. ففيما أوله الحافظ إعمال كلمة، وإهمال الأخرى. ثم هذا التأويل، وإن لم يضر الحنفية، لأن حاصله: أن المشابهة بين الصلاتين تنتفي بزيادة بعض الأعمال في إحداهما، والنقص في الأخرى، فكما أن أمراً هو سنة في الفريضة عنده يرتفع بتركه في الوتر المشابهة بين المغرب، والوتر كذلك يرتفع المشابهة بزيادة القنوت، وهو واجب عندهم في الوتر. دون صلاة المغرب، فلا خير فيه عندهم، بل يوافقهم في إبطال سعي ابن نصر فيما أراد منه، لكن يخالف به هذا الحديث، الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي: ص 248. وغيره عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، وبوّب عليه النسائي بقوله: "كيف الوتر بثلاث" وقد عد ابن حزم في "المحلى" جميع أنواع الوتر التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال في: ص 47 ج 3: والثاني عشر: أن يصلي ثلاث ركعات يجلس في الثانية، ثم يقوم دون التسليم، ويأتي بالثالثة، ثم يجلس، ويتشهد كصلاة المغرب، وهو اختيار أبي حنيفة، لما حدثنا عبد الله
الْحَدِيثُ الْحَادِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ بثلاث
ابن ربيع حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام أن عائشة أم المؤمنين حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الفجر، اهـ. وقال: صحيح.
فإن قيل: إن الحديث، وإن كان ظاهراً في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتشهد في ركعتي الوتر، ولا يسلم، وإلا فلا معنى لنفي التسليم فقط، لكن ليس بنص فيه، فلقائل أن يقول: كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، كان لا يتشهد أيضاً، فما الجواب؟ قلنا: هذا السؤال ناشيء من قلة معرفة السائل عن اصطلاح أهل الحديث فيما يريدون من الوتر، وسأبينه إن شاء الله تعالى، وعن قلة معرفته بتصرف الرواة، وإلا فالجلوس في الثانية صرح به أيضاً، روى مسلم في "صحيحه" ص 656 هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة، بهذا الاسناد الذي روى به النسائي، وفيه، في حديث طويل قوله: ولا يجلس فيها، إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض، ولا يسلم، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً، اهـ. وهذه الركعة الثامنة من صلاة الليل في هذا الحديث، عند مسلم، هي الركعة الثانية من الوتر، عند النسائي، ذكرهما بعض أصحاب سعيد، مع ست من صلاة الليل، كما عند مسلم، وميزه الآخرون، وهو عند النسائي. وغيره، والحديث واحد، فإذا تحقق أن حديث أبي هريرة: لا توتروا بثلاث صحيح، وأن تأويل الحافظ لم يصنع شيئاً في جمعه مع الأحاديث الأخر الصحيحة الصريحة في خلاف، فالتأويل الصحيح هو الذي أشار إليه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 172، بقوله: كره إفراد الوتر حتى يكون معه شفع، اهـ. وقال بعد ما روى حديث عائشة: قالت: كان الوتر سبعاً أو خمساً، والثلاث بتيراء، اهـ. فكرهت أن يجعل الوتر ثلاثاً، لم يتقدمهن شيء، حتى يكون قبلهن غيرهن، انتهى قول الطحاوي. أي ندب إلى الصلاة قبل الوتر، وأقلها شفع واحد، فتكون خمسة، أو أربع، فتكون سبعاً، أو ست، فتكون تسعاً، هكذا، كما ندب إلى الصلاة قبل الفرائض بعمله إلا المغرب، فإنه لم يندب إلى الصلاة قبله، فالمراد من الوتر ههنا الأعم من الوتر المصطلح، ومن صلاة الليل، وأدنى صلاة الليل الوتر المصطلح.
بقي ههنا أمران: الأول: أن المراد بالوتر في هذا الحديث صلاة الليل كله، مع الوتر المصطلح، فهو بما قال الترمذي في "باب الوتر بسبع" ص 60: قال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة. وإحدى عشرة، قال: إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروى في ذلك حديثاً عن عائشة، واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أوتروا يا أهل القرآن"، قال: إنما عني به قيام الليل، اهـ. والثاني: أن المراد بالسبع. والتسع. وإحدى عشرة ركعة، ثلاث ركعات: الوتر مع أربع: أو ست. أو ثمان قبله، فهو بما أخرج أبو داود في "باب صلاة الليل" ص 200 عن عبد الله بن قيس، قال: قلت لعائشة: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: بأربع. وثلاث. وست. وثلاث. وثمان. وثلاث. وعشر. وثلاث، ولم يكن بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة، اهـ وهذا الحديث أخرجه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 168 ج 1، وأحمد في "مسنده" ص
…
، قال الحافظ في "الفتح ص 17 ج 3: هذا أصح ما وقفت عليه من ذلك، وبه يجمع بين ما اختلف عن عائشة من ذلك، والله أعلم، ولقد روى ابن نصر بعد حديث عائشة آثاراً قضى بها على نفسه، لكنه ظن أن بها يحكم رده على بعض أصحاب النعمان، وأمرها أمر حديث عائشة، كما ذكرنا، وفيها تأييد لكون الوتر ثلاثاً، وندب إلى الصلاة قبله، كما في الفرائض كذلك، سوى المغرب، قال: وعن ابن عباس: الوتر سبع، أو خمس، ولا نحب ثلاثاً بتيراء، وفي رواية: إني لأكره أن يكون ثلاثاً بتيراء، ولكن سبع. أو خمس، وعن عائشة: الوتر سبع. أو خمس، وإني لأكره أن يكون ثلاثاً بتيراء، وفي لفظ: أدنى الوتر خمس، اهـ. هذه الروايات كلها تدل على أن الوتر ثلاث، وأنه كان من التأكيد بمكان ما يظن به أن يترك، ولكن كرهوا الاكتفاء به، كمن يقول: إني أكره صلاة الفجر ركعتين، أي بدون سنتي الفجر، والعجب أن ابن نصر بصدد إثبات الوتر، بأقل من ثلاث، وهذه الآثار كلها في
"يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ2 انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ3، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ "بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى"، وَفِي الثانية "بقل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"، وَفِي الثالثة
كراهية الاكتفاء بالثلاث، فما ظنك بالاكتفاء بركعة؟!، وقد قال ابن الصلاح، فيما نقل عنه الحافظ في "تلخيص الحبير" ص 116: لا نعلم في روايات الوتر مع كثرتها أنه عليه السلام أوتر بركعة، فحسب، والله أعلم، وعلمه أحكم.
1 في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 248 من طريق بشير بن المفضل عن سعيد بن عروبة، وتابع بشيراً عيسى بن يونس، عند الحاكم في "المستدرك" ص 304، ويزيد بن زريع. وأبو بدر، شجاع بن الوليد، عند الدارقطني: ص 175، وكلهم رووا عنه، قبل الاختلاط، كما في "فتح المغيث"، وأبو بدر فقط، عند الطحاوي: ص 165 ج 1، وعبد الوهاب بن عطاء، عند البيهقي: ص 31 ج 3، وقال النووي في "شرح المهذب" ص 7 ج 4: رواه النسائي باسناد حسن، والبيهقي في "السنن الكبير" باسناد صحيح، اهـ.
2 قوله: لا يسلم إلا في آخرهن، أقول لحديث عائشة طريقان: طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، روى عنه يزيد بن زريع، وهو من أثبت الناس في سعيد، قاله النسائي في "كتاب الضعفاء" ص 31، وبشير بن المفضل يروى عنه عن سعيد، البخاري في "صحيحه"، وعيسى بن يونس يروى عنه عن سعيد، مسلم في "صحيحه"، فهؤلاء قدماء أصحاب سعيد، وسعيد وإن كان مدلساً، ولكن صرح بالتحديث، عند الدارقطني في رواية يزيد، عنه، ولفظه: كان لا يسلم في ركعتي الفجر، اهـ. والطريق الثاني: طريق أبان، عند البيهقي: ص 38 ج 3، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن، وهذه الرواية في "المستدرك" أيضاً، واختلفت كلمة ناظري "المستدرك" في لفظها، نقل عنه الحافظ في "الفتح" ص 400 ج 2، و"التلخيص" ص 116 بلفظ البيهقي، وأما الشيخ المخرج. والعيني في "البناية" ص 823 ج 1. وابن الهمام في "الفتح" ص 303، ومرتضى الزبيدي في "عقود الجواهر المنيفة" ص 61، فذكروا بلفظ: لا يسلم إلا في آخرهن، وهذا اللفظ هو المذكور في "المستدرك المطبوع"، وبهذا اللفظ ذكر الحافظ في "الدراية ص 114، فكأن نسخ "المستدرك" فيه مختلفة، وأياً ما كان طريق سعيد، هو المحفوظ، لأنه ثقة حافظ" أثبت الناس في قتادة، وأما رواية أبان على لفظ الشيخ، فهو موافق له، وأما بلفظ البيهقي في "سننه" فقد قال في "سننه" ص 31 ج 3، ورواية أبان خطأ، والله أعلم، اهـ.
3 وحديث أبي بن كعب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في "الوتر سبح اسم ربك الأعلى" وفي الركعة الثانية "بقل يا أيها الكافرون" وفي الثالثة "بقل هو الله أحد" ولا يسلم إلا في آخرهن، رواه النسائي: ص 249، وفي رواية:"فإذا فرغ قال عند فراغه: سبحان الملك" الحديث، وقيل: فيه دلالة أيضاً على عدم فراغه من الركعتين.
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ"، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ. مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"، وَقَالَ: إنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَفِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ، أَوْ الرَّكْعَةِ الْمُفْرَدَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتِرُ بَعْدَهُمَا ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَيَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ3: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا لُوَيْنُ ثَنَا شَرِيكُ بْنُ مُخَوَّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى "بِسَبِّحْ" إلَى آخِرِهِ، بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْوِتْرَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى "بِسَبِّحْ"، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ4. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ، انْتَهَى. وَسَكَتَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَبَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ، كَوِتْرِ النَّهَارِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا غَيْرُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَفَعَهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي الْحَوَاجِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ6. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. وَغَيْرُهُمَا
1 أبو داود فيما يقرأ في "الوتر" ص 208، وكذا في "الترمذي" ص 61، وابن ماجه: ص 83، والحاكم في "المستدرك" ص 305، والطحاوي: ص 168، والدارقطني ص 176، ولم أجد في "النسائي" وعزاه المنذري إلى الثلاثة، فقط، والله أعلم.
2 ص 172، والطحاوي: ص 168، قلت: وقوله: أوتر بعدهما، يدل على أنه يوتر بعد التسليمة، ولا شك أن الثالثة وتر، اهـ. "الغاية" ص 123.
3 ص 170، والنسائي في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 249، والترمذي: ص 61، وابن ماجه: ص 83.
4 حديث علي في: ص 171، أخرج عنه من طريق الحارث الأعور، وحديث عمران: ص 171 من طريق الحجاج.
5 ص 173، وروى الطبراني في "الكبير" موقوفاً، ورجاله رجال الصحيح "زوائد" ص 242 ج 2.
6 الثوري، ومن طريقه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 173، وابن نمير، ومن طريقه البيهقي: ص 31 ج 3.
عَنْ الْأَعْمَشِ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، إسْمَاعِيلُ الْمَكِّيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَزَادَ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "كِتَابِ التَّمْهِيدِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْبُتَيْراءِ، أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً يُوتِرُ بِهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَقَالَ: الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ هَذَا الْوَهْمُ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ، لا يعرج على رواية، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْبُتَيْرَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ بِرُكُوعٍ نَاقِصٍ وَسُجُودٍ نَاقِصٍ، انْتَهَى. وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّهُ، وَتَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، بَلْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَأَمَرَهُ بِثَلَاثٍ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَاف أَنْ يَقُولَ الناس: هي البتراء، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَهَى. فَقَدْ سَمِعَ2 ابْنُ عُمَرَ هَذَا مِنْ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَهُمْ مُعَارِضُونَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سلمة، وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ. أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ4 عن يعقوب عن إبْرَاهِيمَ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ
1 في نسخة "عن أبيه محمد".
2 نسب هذا القول الحافظ في "الدراية" ص 114، إلى الطحاوي، ثم تعجب من الاستدلال، قلت: العجب من الحافظ لم لم يفرق بين قول الزيلعي، والطحاوي، والله أعلم.
3 ص 172، والحاكم: ص 304 ج 1، والطحاوي: ص 172، وتقدم تخريجه قبل الحديث الرابع والتسعين: ص 276 ج 1.
4 ص 146، وفيه حصين بن إبراهيم، وهو غلط، بل هو حصين بن عبد الرحمن يروى عن إبراهيم.
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ سَعْدًا يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": مَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2 حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ وِتْرَ النَّهَارِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، قَالَ: صَدَقْت وَأَحْسَنْت، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ:"مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ، فَصَلِّ رَكْعَةً، تُوتِرُ لَك مَا صَلَّيْت"، قال: معناه، صلي رَكْعَةً، مَعَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَهَا، وَتَتَّفِقُ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: عَلَّمَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْوِتْرَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، هَذَا وِتْرُ اللَّيْلِ، وَهَذَا وِتْرُ النَّهَارِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 أَيْضًا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ4 ثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: صَلَّى بِي أَنَسٌ الْوِتْرَ، أَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ خَلْفَنَا، ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ ابْنِ هِلَالٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْمِسْوَرِ5 بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: دَفَنَّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي لَمْ أُوتِرْ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى بِنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الْوِتْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ
يَكُونَ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا، فَالْفَرْضُ لَيْسَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَكُونُ اثْنَيْنِ، وَلَا أَرْبَعًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ سُنَّةً، إلَّا وَلَهَا مِثْلٌ فِي الْفَرْضِ مِنْهُ أُخِذَتْ، وَالْفَرْضُ لَمْ نَجِدْ مِنْهُ وِتْرًا إلَّا الْمَغْرِبَ، وَهُوَ ثَلَاثٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
1 وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 242 ج 2: إسناده حسن، أخرج ابن عدي في "الكامل" عن يحيى ابن معين، قال: مراسيل إبراهيم النخعي صحيحة، إلا حديث: تاجر البحرين، راجع له "الطحاوي" ص 133.
2 ص 164، قلت: أخرج احمد في "مسنده" ص 41 ج 2، حدثنا يزيد أنا هشام عن محمد بن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: صلاة المغرب وتر النهار، فأوتروا صلاة الليل، اهـ. وفي "الطحاوي" ص 243، وصلى "أي رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثلاثاً" وقال "أي ابن عمر": هي وتر النهار، اهـ.
3 ص 173، وقال في "الدراية": إسناده صحيح.
4 ص 173، وقال في "الدراية": إسناده صحيح.
5 في "الطحاوي" عن المسور بدون الواو، وفي ابن أبي شيبة: ص 141 ج 4، بدون المسور، فيراجع، اهـ.
حَسَنٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": مِنْ جُمْلَةِ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ1 مِنْ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ دُونَ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنْ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنًا، قَالَ: وَلِهَذَا قَدَّمَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ، لِأَنَّ مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذُكُورِهِ لَا تَجِبُ فِي إنَاثِهِ، قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَحَكَى الْحَسَنُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ "يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ ثَنَا عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلا في أخراهن، انْتَهَى. وَعَمْرٌو هَذَا، الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَإِنِّي وَجَدْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي إسْنَادٍ آخَرَ، نَظِيرَ هَذَا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ": حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الْأَيْلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلِ فِقْهٍ وَصَلَاحٍ. فَكَانَ مِمَّا وَعَيْت عَنْهُمْ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ سَلَّامٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيًّا، يَقُولُونَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ الْوِتْرِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ2" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ:"اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"، إلَى آخِرِ الْقُنُوتِ، وَسَيَأْتِي، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عن بريد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ
1 ذكر الحازمي في "الاعتبار" ص 13 الوجه التاسع والعشرين أن يكون أحد الحديثين موافقاً للقياس، دون الآخر، اهـ.
2 ص 172 ج 3.
أَبِي الْحَوْرَاءِ1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"، إلَى آخِرِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي "الْقُنُوتِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ أُبَيٍّ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ3. وَابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ، فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. لِابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ: كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"، فَإِذَا فَرَغَ، قَالَ:"سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" بِإِسْنَادٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْصُولٍ، فَقَالَ: وَرَوَى حَفْصُ4 بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَرَوَاهُ عِيسَى5 بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ. وَشُعْبَةُ. وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقُنُوتَ، وَحَدِيثُ سَعِيدٍ،
1 أبي الحوراء "بالمهملة" ربيعة بن شيبان البصري.
2 أبو داود في "باب القنوت في الوتر" ص 209، وكذا الترمذي: ص 61، والنسائي في "باب الدعاء في الوتر" ص 252، وابن ماجه "فيما جاء في القنوت" ص 84، والبيهقي ص 42.
3 في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 248، وفيه الزيادة التي عزاها الشيخ إلى "السنن الكبرى للنسائي" أيضاً، لعل نسخة الشيخ خال عنها، وابن ماجه في "باب القنوت قبل الركوع" ص 84، و"قيام الليل" ص 131.
4 طريق حفص أسنده البيهقي: ص 40 ج 3.
2 أسنده الدارقطني في "سننه" ص 174، ومن طريقه البيهقي: ص 39 ج 3، وأسند عن عيسى بن يونس عن فطر بن زبيد عن سعيد باسناده، ومن طريقه البيهقي: ص 40 ج 3، ولفظه لفظ النسائي.
رَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ. وَشُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُبَيًّا، وَلَا ذَكَرَ الْقُنُوتَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَسَمَاعُهُ بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، انْتَهَى كَلَامُهُ1.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ3 فِي "كِتَابِ الْقُنُوتِ" لَهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي نُوَيْرَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْوِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" مِنْ جِهَةِ الْخَطِيبِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُنَا مُقَدَّمَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ "الْحِلْيَةِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوْتَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ، فَقَنَتَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ. وَالْعَلَاءِ تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ4: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا سُهَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا سَعْدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَرَّاحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَلْطِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَإِذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرَّكْعَةِ، انْتَهَى.
1 لكن غير الشيخ سياق كلام أبي داود.
2 ص 175، والبيهقي ص 41 ج 3.
3 قال الحافظ في "الدراية" ص 115: ضعيف.
4 قال الحافظ: في "الدراية" ص 115: إسناده ضعيف.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ:
"اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ، وَفِي لَفْظٍ: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانُ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، بَعْدَ "وَالَيْت" "وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت" وَزَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَةٍ: تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالدَّارِمِيُّ. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ3"، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"،
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 115: إسناده حسن، وقال في "الزوائد" ص 137 ج 2: عن ابن مسعود أنه كان لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة، وفي رواية عنه أيضاً، قال كان عبد الله لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر، قبل الركعة، ورواهما الطبراني في "الكبير" وإسنادهما حسن، اهـ.
2 أبو داود في "باب القنوت في الوتر" ص 208، وكذا الترمذي: ص 61، وابن ماجه: ص 84، والنسائي في "باب الدعاء في الوتر" ص 252، وأحمد في "مسنده" ص 200، وفي بعض رواياته: وعلمه أن يقول في الوتر، والحاكم في "المستدرك" ص 172 ج 3، ولفظه. ولفظ النسائي: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر، فذكره، وابن جارود: ص 143، ولفظه: علمه هذه الكلمات، ليقول في قنوت الوتر، والدارمي: ص 197، والبيهقي: ص 39 ج 3.
3 ص 172 ج 3، ومن طريقه البيهقي في "سننه" ص 39 ج 3.
إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ، بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ1، وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ:"اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك"، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ:"اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ كَانَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْقُنُوتَ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَدِيثَانِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ، عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ "يَعْنِي رَمَضَانَ"، وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ، إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ، فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، أَمَّهُمْ "يَعْنِي فِي رَمَضَانَ"، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُنَازَعٌ فِي ذَلِكَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ طَرِيفِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ، إلَى آخِرِهِ، انْتَهَى. وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ3، وَلَيْسَ فِيهِ الْقُنُوتُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
1 قال الحافظ في "الدراية": هو الصواب، اهـ.
2 في "القنوت في الوتر ص 209 ج 1.
3 تقدم تخريجه في "صفة الصلاة". في الحديث الثامن والثلاثين: ص 390
شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِلشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا فِي وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَجْرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَذْهَبِنَا أَيْضًا، لِأَنَّ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ، نَعَمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا فِي دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ1 أَنْ يَكُونَ سَقَطَ مِنْ النُّسْخَةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْنُت فِي الْفَجْرِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا. ثُمَّ تَرَكَهُ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّحَاوِيُّ فِي "الْآثَارِ" كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ الْقَصَّابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّبْحِ إلَّا شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلطَّحَاوِيِّ2" قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى عُصَيَّةَ. وَذَكْوَانَ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ تَرَكَ الْقُنُوتَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ فَاحِشَ الْخَطَأِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ4، لَمَّا نَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}
1 قلت: ما ظنه الشيخ هو الموجود في نفس الأمر، فإن النسخ المطبوعة من "الهداية" في الهند. ومصر فيها هكذا: ولا يقنت في صلاة غيرها، خلافاً للشافعي رحمه الله تعالى في "الفجر"، كما روى ابن مسعود.
2 ص 144، والبيهقي في "السنن" ص 213 ج 2.
3 حديث أبي هريرة في "البخاري" في عشرة مواضع، ولم أجد هذا السياق بذكر الصبح فقط، إلا ما في "تفسير آل عمران" ص 655، ولفظه: وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، وأخرجه مسلم في "باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، إذا نزلت نازلة" ص 237.
4 قوله: بلغنا أنه ترك ذلك، لما أنزل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، هذا الحديث ذكره مسلم في أول "باب القنوت في جميع الصلوات" ص 237، ولفظه: كان يقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد. وسلمة بن هشام. وعياش بن أبي ربيعة. والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم العن لحيان. ورعلاً. وذاكوان. وعصية عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك ذلك، لما أنزل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ، اهـ. ورواه البخاري في "تفسير آل عمران" ص 655، ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد ان يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع، فربما، قال، إذا قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد، بمثل حديث مسلم إلى قوله: كسني
الْآيَةَ، قَالَ: وَلَعَلَّ آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
يوسف، ثم قال: يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، قلت: هذه الآية نزلت لما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان. وصفوان، وغيرهما. أو في أصحاب بئر معونة، بعد أحد بأربعة أشهر، فأيّاً ما كان، نزلت قبل إسلام أبي هريرة، بثلاث سنين، فيكون الحديث من مراسيل أبي هريرة، ونص هو عليه في رواية مسلم، بقوله: ثم بلغنا أنه ترك ذلك، وهو الصحيح:
1 لأن أبا هريرة أسلم بعد الهدنة، ولم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو على قوم صالحهم على أمر ما خانوا في شيء منه بعد.
2 وفي الحديث أنه عليه السلام ترك القنوت لمجيئهم، وقد صالحهم على أنه لا يأتيه منهم رجل وإن كان على دينه إلا ردّه عليهم، وما كان ليدعو بشيء لو استجيب له، لسعى هو في خلافه.
3 ودعا لوليد. وهشام، وترك أبا جندل. وأبا بصير، وكان أحق به، وقد رأى من ابتلاء أبي جندل ما رأى.
4 وروى ابن سعد في "طبقاته" ص 98 ج 4 عن الواقدي أن وليد بن الوليد انفلت منهم، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتي بسلمة. وعياش، وهذا بعد بدر بثلاث سنين.
5 ومن لفظ الدعاء: اجعل عليهم سنين كسني يوسف، وهذا لم يكن بعد الهدنة قط.
6 وفي قنوته عند مسلم. والطحاوي: اللهم العن رعلاً. وذكوان. وعصية عصت الله ورسوله، وهذا الدعاء كان على قاتلي القراء ببئر معونة في "صفر" على رأس أربعة أشهر من أحد، قاله ابن إسحاق.
7 وأكثر من روى حديث القنوت: كابن عباس. وابن عمر. وابن مسعود. وعبد الرحمن بن أبي بكر. وأنس: وأبي هريرة، قالوا: قنت بعد الركعة في صلاة شهراً، قال أنس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على رعل. وذكوان، ثم تركه، وقال خفاف بن أيماء: لعن رعلاً. وذكوان. وعصية، ولم يذكر أحد فيما عندنا من الروايات سوى هذا القنوت الذي قنت به النبي صلى الله عليه وسلم شهراً، فما قال ابن تيمية في "فتاويه" ص 187 ج 1، بعد ذكر قنوته عليه السلام: على رعل. وذكوان لما قتلوا القراء من الصحابة، قال: ثبت عنه أنه قنت بعد ذلك بمدة بعد صلح الحديبية. وفتح خيبر، يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد، الخ. قال به، ولم يعط النظر حقه الذي دعا فيه على رعل. وذكوان، كما في حديث أبي هريرة، عند مسلم. والطحاوي، وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر، عند الطحاوي. والحازمي، وكذا ما قال الحازمي: ص 72، والطحاوي: ص 146، إن قوله: بلغنا، الخ من كلام الزهري لا دليل عليه، والظاهر من رواية البخاري أنه من كلام أبي هريرة، نعم في بعض روايات الحديث، عند مسلم، ص 237 عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير من قوله: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء الحديث. دلالة على حضور أبي هريرة تلك الصلاة، ولعل على هذا اعتمد من قال: بعد صلح الحديبية، وبعد فتح خيبر، لأن أبا هريرة حضر تلك الصلاة، وقد أسلم بعدهما، فلابد، أما القول بخطأ هذه الرواية، ولعل أبا هريرة قال: ثم رأينا، وهذا سائغ، فغيره بعض من روى الحديث، بقوله: ثم رأيت، وهذا أهون، وقد تقدم مثله في قصة ذي اليدين، أو القول: بأن زيادة: العن على لحيان. ورعلاً الحديث، بهذا اللفظ، عند مسلم، وعنه التعبير بما عند البخاري: اللهم العن فلانا. وفلانا لأحياء من العرب كلاهما خطأ، فإذا ترددت الصحة بين خطأ وخطأ، فحديث الوليد أولى بالخطأ، لأنه مدلس، مسوى، وشيخه الأوزاعي روى عن يحيى بن أبي كثير، وقد قال ابن معين: ليس بثبت، في الزهري، وفي يحيى بن أبي كثير، وروى الحازمي في "الاعتبار" ص 72 حديث أبي هريرة هذا من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير، وفيه بعد قوله: كسني يوسف، فلم يزل يدعو لهم حتى نجاهم الله تعالى، حتى كان صبيحة الفطر، ثم ترك الدعاء لهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، مالك لم تدع للنفر؟ قال:"أو علمت أنهم قدموا"؟ ويمكن أن يكون قوله في الحديث: قال أبو هريرة، الخ، منقطعاً، وإن كان الظاهر خلافه، والله أعلم.
فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصبح، بعد ما يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَهُوَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِكَثِيرٍ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُحُدٍ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي حَيَاتِهِ عليه السلام، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ. وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ3" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ بِهِ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمُ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ "يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ" فقد دعى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مَنْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ جُمْلَةً، انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. وأخرج الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى: وَعَنْبَسَةُ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ كلهم ضعفاء، ولايصح لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِعَنْبَسَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تَرَكُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ هَيَّاجٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
1قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري في "الصلاة في باب بعد باب فضل: اللهم ربنا لك الحمد" ص 110، ومسلم في: ص 237، ولفظهما: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصبح، بعد ما يقول، الحديث.
2 وأخرج الترمذي في "سننه في تفسير آل عمران" ص 125 من هذا الطريق أيضاً مع زيادة، وقال: حسن غريب، اهـ.
3 في "المغازي في غزوة أحد" ص 582 ج 2، وفي "التفسير وغيره" ولم يذكر أحداً، وكذا لم يسم أبا سفيان، بل قال: فلاناً. وفلاناً، وعزاه الحافظ في "الدراية" إلى البيهقي أيضاً، ولم أر فيه أيضاً، والله أعلم.
4 في "الجهاد في غزوة أحد" ص 108 ج 2، والبخاري تعليقاً في "غزوة أحد" ص 582 ج 2، والطحاوي: ص 289، والترمذي في "آل عمران" ص 125 ج 2.
5 في "باب القنوت في صلاة الفجر" ص 89، والدارقطني: ص 177، والبيهقي: ص 214، والحازمي في "الاعتبار" ص 68) (9) في "باب القنوت في صلاة الفجر" ص 89، والدارقطني: ص 177، والبيهقي: ص 214، والحازمي في "الاعتبار" ص 68
6 ص 177، ومن طريقه البيهقي في "سننه" ص 214 ج 2.
بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَصَفِيَّةُ هَذِهِ لَمْ تُدْرِكْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ1 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي "كِتَابِهِ فِي الْقُنُوتِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ، إلَّا إذَا دَعَى لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَى عَلَى قَوْمٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَسَنَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، وَهُمَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّازِلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمة الوسط2" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ السُّحَيْمِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ قَانِتًا فِي صَلَاةٍ إلَّا فِي الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِمُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَضَعَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ3" عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبِدْعَةٌ4، مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِبِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ،
1 حديث ابن حبان هذا، قال الحافظ في "الدراية" ص 117، بعد ما ذكر الحديث: وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منها صحيح، اهـ.
2 ذكره الهيثمي في "الزوائد" ص 136 ج 2 بطوله، وفيه: ولا قنت عليّ حتى حارب أهل الشام، وكان معاوية يدعو عليه أيضاً، قال الهيثمي: فيه شيء مدرج من غير ابن مسعود بيقين، وهو قنوت علي. ومعاوية حال حربهما، فإن ابن مسعود مات في زمن عثمان، وفيه محمد بن جابر اليمامي، وهو صدوق، ولكنه كان أعمى، واختلط عليه حديثه، وكان يلقن، اهـ.
3 قال في "الزوائد" ص 137 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" وقال فيه: بشر بن حرب، وذكر من وثقه أو ضعفه، وقال الحافظ في "التقريب:" بشر بن حرب الأزدي صدوق، فيه لين، اهـ. وأخرجه البيهقي في "سننه" ص 213 ج 2، والحازمي في "الاعتبار" ص 67.
4 وفي الدارقطني: ص 179، والبيهقي ص 214 ج 2، نحوه عن ابن عباس، بسند فيه ضعف.
5 في "باب ترك القنوت" ص 53، والنسائي ص 164، وابن ماجه في "باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر" ص 89، والطحاوي: ص 146.
فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ، انْتَهَى. وَاسْمُ أَبِي مَالِكٍ، سَعْدُ بن طارق بن الشيم، قَالَ الْبُخَارِيُّ: طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إنَّك قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ، نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ، انْتَهَى. وَقَدْ وَثَّقَ أَبَا مَالِكٍ، الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْعِجْلِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ". وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَيْنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: لَمْ يَحْفَظْ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ الْقُنُوتَ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَهُ، فَرَآهُ مُحْدَثًا، وَقَدْ حَفِظَهُ غَيْرُهُ، فَالْحُكْمُ لِمَنْ حَفِظَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَنَتُوا قَطُّ، بَلْ اتَّفَقَ أَنَّ طَارِقًا صَلَّى خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ بِمَا رَأَى، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى قُنُوتٍ رَاتِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي "قُنُوتِ الْفَجْرِ": مَا شَهِدْت، وَلَا عَلِمْت، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ محمد بن الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ3" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سِنِينَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ، حَتَّى فَارَقَهُ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا أَخَذُوا عَنْ عَلِيٍّ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ حِينَ حَارَبَهُ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَخَذُوا الْقُنُوتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ4" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ، وَضَعَّفَهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ5 أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ
1 قال الحافظ في "التلخيص" ص 93: إسناده حسن.
2 البيهقي في "سننه" ص 213 ج 2.
3 "كتاب الآثار" ص 37.
4ص 214 ج 2، والدارقطني: ص 179، وضعفه البيهقي لأجل أبي ليلى عبد الله بن ميسرة الكوفي، وقال: متروك.
5 ومن طريق عبد الرزاق من طريق أبي نعيم أحمد في "مسنده" ص 162 ج 3، والدارقطني: ص 178، والطحاوي: ص 143.
الدُّنْيَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَلَفْظُهُ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَقَنَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَزَجَرَهُ أَنَسٌ، وَقَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، قَالَ إسْحَاقُ: وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ1 "يَعْنِي تَرَكَ تَسْمِيَةَ الْقَوْمِ فِي الدُّعَاءِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي "كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ" لَهُ. وَفِي "الْخُلَاصَةِ" لِلنَّوَوِيِّ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ"، فَلْيُرَاجَعْ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ2" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وسكت عنه، قال: وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ أَنَسٍ ذَكَرْنَاهَا فِي "السُّنَنِ"، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ عَلَى التَّحْقِيقِ": هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ أَحَادِيثِهِمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَثَّقُوا أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي "كِتَابِ الْقُنُوتِ" لِأَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ، قَالَ: وَإِنْ صَحَّ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يَقْنُتُ فِي النَّوَازِلِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْقُنُوتَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ، وَالْخُشُوعِ، وَالسُّكُوتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} وَقَالَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْنُتُ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} ،وَقَالَ:{يَا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّك} ،وَقَالَ:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ، وَقَالَ:{كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} ، وَفِي الْحَدِيثِ:"أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ3"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "كِتَابِ التَّحْقِيقِ"، وَفِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَاسْمُهُ "عِيسَى بْنُ مَاهَانَ"، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ يَحْيَى: كَانَ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ4، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ، انْتَهَى.
قُلْت: وَيُعَارَضُ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ5" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا غَالِبُ بْنُ فَرْقَدٍ الطَّحَّانِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مالك شهري، فَلَمْ يَقْنُتْ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: لَمْ يُرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
1 قوله: ثم تركه، هذا اللفظ في حديث أنس، عند مسلم: ص 237، وأحمد: ص 249 ج 2، والطحاوي: ص 144، وغيرها.
2 قلت: وفي "السنن" ص 201 ج 2.
3 أخرجه مسلم في "باب صلاة الليل" ص 258 من حديث جابر، والطحاوي: ص 176.
4 ص 143.
5 وقال النيموي: إسناده حسن.
قَانِتًا فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَى يَوْمِنَا، فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِثْلِ: عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَسُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَعَائِشَةَ، وَمِنْ الْمُخَضْرَمِينَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ. وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ. وَأَبُو رافع الصانع، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَالْحَسَنُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ. وَقَتَادَةُ. وَطَاوُسٌ. وَعُبَيْدُ بْنُ عمير. والربيع بن خيثم. وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ. وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ، فَمَنَعُوهُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، مُحْتَجِّينَ بِأَحَادِيثَ:
مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ
(26) ص 67، قلت: لقد نبهناك فيما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت للنازلة إلا مرة، حين قتل أصحابه ببئر معونة، قنت على من قتلهم شهراً، أو دونه، أو أكثر منه، وفي ذلك القنوت دعى لوليد بن الوليد. وعياش بن أبي ربيعة. وسلمة بن هشام، وقد أنزل الله فيه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ} الآية، كما في مسلم: ص 237، والطحاوي: ص 142، ثم لم يقنت، فتطرق الاجتهاد، بأن تركه عليه السلام كان نسخاً، لمنع الله تعالى بقوله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} أو لم يقنت لعدم وقوع نازلة تستدعي القنوت بعدها، فتكون شرعيته مستمرة، والظاهر من كلام الطحاوي الأول، حيث قال في "شرح الآثار" ص 149: فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر، في حال الحرب ولا غيره قياساً، ونظراً على ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة. وأبي يوسف. ومحمد رحمهم الله تعالى، اهـ. وقال الحلبي في "شرحه الكبير للمنية" ص 420: فتكون شرعيته مستمرة، وهو محل قنوت من قنت من الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مذهبنا، وعليه الجمهور، وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإذا وقعت فتنة أو بلية، فلا بأس به، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهـ. وقال ابن قيم في "الهدى" ص 69: ولم يكن من هديه القنوت فيها دائماً، ومن المحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع، يقول:"اللهم اهدني فيمن هديت" يرفع بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته. وجمهور أصحابه، بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم: إنه محدَث، إلى أن قال: ومن المعلوم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يقنت كل غداة يدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة، كان نقل الأمة لذلك كلهم، كنقلهم لجهره بالقراءة. وعددها. ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية" ص 117: ويؤخذ من الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم، وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح، وحديث أبي هريرة في "الصحيحن" بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع، حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] ، وأخرج ابن أبي شيبة حديث عليّ، أنه لما قنت في الصبح، أنكر الناس عليه ذلك، فقال: إنما استنصرنا على عدونا، اهـ.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شَهْرًا، لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَالَ: تَابَعَهُ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْيَمَامِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، كَانَ إذَا حَارَبَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ، رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، قَالَ: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ، كَانَ يَحْيَى بن سعيد القطان لايحدث عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَدْ قِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا قِيلَ فِي أَبِي حَمْزَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، كُلُّهَا وَاهِيَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِطُرُقٍ صِحَاحٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبِي. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: كَانَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَيَحْيَى. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالسَّاجِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ، مُرْسَلٌ، لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يَلْقَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ. وَعَنْبَسَةُ، كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، لِأَنَّ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ، وَيُقَالُ له: أبو عمرو الندلي مَطْعُونٌ فِيهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت ابْنَ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ إسْحَاقُ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَا يُحْمَلُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ضَعِيفٌ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فيكون المراد بالبدعة ههنا، الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ" مِنْ طُرُقٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ نَسِيَ، بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي "الْقُنُوتِ"، فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ قَدْ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَبَرْنَا وَنَسِينَا، ائْتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْأَلُوهُ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مِنْ الثَّنَاءِ.
وَالدُّعَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْقُنُوتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَا الَّذِي بَعْدَ الرُّكُوعِ، مَا أَخْبَرَنَا وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ الدِّيرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّبْحِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ قُنُوتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبَعْدَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثِقَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي "مُسْنَدِهِ"، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَأَلْته عَنْ الْقُنُوتِ، أَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَ: قُلْت: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبُوا، إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ، قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، انْتَهَى. هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِهِمْ: إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَلَا تَرَاهُ فَصَلَ بَيْنَ الْقُنُوتِ الْمَنْزُولِ. وَالْقُنُوتِ الْمَلْزُومِ، ثُمَّ لَمْ يُطْلِقْ اللَّفْظَ حَتَّى أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ عَنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ تَرَكَهُ، لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ، وَعَادَ إلَيْهِ قُلْنَا: هَذَا مَدْفُوعٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ من صلاة الصبح بعد ما يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، فَمَا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ. وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَرُبَّمَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ. وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ المؤمنين. الله اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، يَجْهَرُ بِذَلِكَ، حَتَّى كَانَ يَقُولُ3 فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا، وَفُلَانًا، لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ، قَالَ: وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ
1 في "الوتر" ص 136، ومسلم في: ص 237.
2 في "تفسير آل عمران" ص 655، واللفظ له، ولم أر هذا السياق لمسلم، والله أعلم.
3 في "الصحيح" وكان يقول، بدل: حتى يقول.
بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى مُضَرَ، إذْ جاءه جبرئيل عليه السلام، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُنْ، فَسَكَتَ، فَقَالَ:"يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْك سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَك رَحْمَةً"{لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَخْضَعُ لَك، وَنَخْلَعُ، وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي، وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نسعى، ونحفِد، ونرجوا رَحْمَتَك، وَنَخَافُ عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ، بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، انْتَهَى. ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ1: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرَكَ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى.
قَالَ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": أَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ مُطْلَقٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَنَتَ. وَالثَّانِي: مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فيحمله عَلَى فِعْلِهِ شَهْرًا بِأَدِلَّتِنَا. الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَالْمَغْرِبِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ3. وَالرَّابِعُ: مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي حُجَّتِهِمْ، نَحْوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ أَحَادِيثَ، أَظْهَرَ فِيهَا تَعَصُّبَهُ: فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ عَنْ دِينَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، خَادِمِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. قَالَ: وَسُكُوتُهُ عَنْ الْقَدْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهِ، وَقَاحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَعَصَبِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَقِلَّةُ دِينٍ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دِينَارٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ آثَارًا مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، فَوَاعَجَبَا لِلْخَطِيبِ، أَمَا سَمِعَ فِي الصَّحِيحِ:"مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ"؟، وَهَلْ مِثْلُهُ إلَّا
1 هو في "الدارقطني" ص 178.
2 في "باب استحباب القنوت في جميع الصلوات" ص 237، وأبو داود في "باب القنوت في الصلوات" ص 211، والنسائي في "باب القنوت في صلاة المغرب" ص 194 ج 1، والترمذي في "باب ما جاء في القنوت في الفجر" ص 53، "ومسند أحمد" ص 285 ج 4، وص 280 ج 4، والطحاوي: ص 142.
3قلت: في "البخاري في الوتر" ص 136 من حديث أنس، قال: كان القنوت في المغرب والفجر، اهـ.
4 ص 162 ج 3