الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1 عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إذا كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ، أَنْ قَالَ: إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي لَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْت، قَالَ أَبُو دَاوُد2. وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ: نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ أَسَاءَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" إذْ قَالَ: زَادَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، لِأَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَكَذَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالُوا: وَالطَّعَامُ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ: صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو دَاوُد، أَخْرَجَهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، وَذَكَرَ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَقَالَ: لَا أُخْرِجُهُ إلَّا مَا كُنْت أُخْرِجُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ4، أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟ فَقَالَ: لَا، تلك قيمة معاوية، لا أَقْبَلُهَا وَلَا أَعْمَلُ بِهَا، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةً لَنَا مِنْ
جِهَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ جَعَلَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ عِدْلَ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"6: هَذَا الْحَدِيثُ مُعْتَمَدُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ
1 البخاري: ص204، ومسلم: ص318، واللفظ له، والنسيان: ص348
2 أبو داود في"باب كم يؤدي صدقة الفطر" ص245
3 "المستدرك" ص411-ج1
4 سياق الحديث هكذا: صاعا من تمر أو صاعا من حنطةن او صاعا من شعيرن او صاعا من أقط، فقال له رجل، إلخ
5 الدارقطني: ص222
6 ص318
أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ، وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ، لَا قَوْلٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّعَامَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، فَمَمْنُوعٌ، بَلْ الطَّعَامُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَأْكُولٍ، وَهُنَا أُرِيدَ بِهِ أَشْيَاءُ ليست الجنطة مِنْهَا، بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالْأَقِطَ، وَالتَّمْرَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وروى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ2 مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالشَّعِيرَ، وَلَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِيهِ: أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، فَقَدْ أَشَارَ أَبُو دَاوُد إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي "سُنَنِهِ" وَضَعَّفَهَا، فَقَالَ: وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: وَذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ الْوَهْمُ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْحِنْطَةِ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ خَطَأٌ وَوَهْمٌ، إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ مَعْنًى، انْتَهَى. نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَنْهُ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُ الْحَاكِمِ فِي تَصْحِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَدْخُولَةِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: إنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، قُلْنَا: قَدْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَلَفْظُ: النَّاسُ لِلْعُمُومِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَلَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ أَبِي سَعِيدٍ لِذَلِكَ، بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، أَوْ نَقُولُ: أَرَادَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ تَطَوُّعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خَطَبَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا. قَالَ: من ههنا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قُومُوا إلَى إخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
1 البخاري في "باب صدقة الفطر قبل العيد" ص 204.
2 في نسخة الدار "في مختصر المسند الصحيح""البجنوري".
3 أبو داود في "باب من روى نصف صاع من قمح" ص 236، والنسائي في "باب الحنطة" ص 347، وفي الجمعة في "باب حث الامام على الصدقة في الخطبة" ص 234، وأحمد: ص 351، والدارقطني: ص 225.
فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ رَأْيَ رُخْصَ السِّعْرِ، فَقَالَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَلَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ حُمَيْدٍ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَرَى صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ صَامَ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وقال الْحَاكِمُ1: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الأسفرائيني ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا رَآهُ قَطُّ، كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَيَّامَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ. قَالَ: وَقَوْلُ الْحَسَنِ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، هُوَ كَقَوْلِ ثَابِتٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَمِثْلُ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ، وَكَقَوْلِ الْحَسَنِ: إنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ. وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: خَطَبَنَا، أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، لَكِنْ فِيهِ إرْسَالًا، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبَّاسٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي حَدِيثٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا إنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: لَا يُعْلَمُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُهُ: خَطَبَنَا أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَسَنُ شَاهِدًا لِخُطْبَتِهِ، وَلَا دَخَلَ الْبَصْرَةَ بَعْدُ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَطَبَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَالْحَسَنُ دَخَلَ أَيَّامَ صِفِّينَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ السَّعْدِيِّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ صَارِخًا بِمَكَّةَ صَاحَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَّيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُقَيْلِيُّ فِي يَحْيَى هَذَا، وَضَعَّفَهُ، وَكَذَلِكَ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ الْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ
1 وروى البيهقي هذا القول في "سننه" ص 168.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 410 ج 1، وليس هذا اللفظ في النسخة المطبوعة، وكذا في البيهقي: ص 172 ج 4 من طريق الحاكم، لكن الظاهر من قوله "عن عطاء من قوله في المدين" أن الترك من الناسخ، ورواه الدارقطني: ص 221 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فيه: مدان من قمح، ثم عن يحيى بن عباد عن ابن جريج باسناده، وقال: مثله سواء.
3 الدارقطني: ص 221.
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَأُعِلَّ بِالْوَاقِدِيِّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِسَلَّامٍ الطَّوِيلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: "أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِسَالِمِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: هُوَ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدَهُ غَرَائِبُ، وَأَفْرَادُ، وَأَحَادِيثُهُ مُقَارِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ صَائِحًا، فَصَاحَ:"إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ ضَعَّفُوهُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَجْهُولٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَذَكَرَ غَيْرُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ مَكِّيٌّ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْعُبَّادِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ، وَيَحْيَى بْنِ جرحة، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ، وَرَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعَهِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: يُعْرَفُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3 كَذَلِكَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ سَالِمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ
1 الدارقطني: ص 224.
2 الترمذي في "باب صدقة الفطر" ص 85، والدارقطني: ص 220.
3 ص 173 ج 4.
ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ صَارِخًا يَصْرُخُ، الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" هَكَذَا مُعْضَلًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ صَارِخًا يَصْرُخُ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم، قَالَتْ: كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، بِالْمُدِّ الَّذِي يقتانون بِهِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ مِثْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَكَيْفَ يَصِحُّ! وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَعْدِيلَ الصَّاعِ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَطْعُونٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ، جَعَلَ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ
1 أحمد في "مسنده" ص 355 ج 6، وص 346 ج 6، والطحاوي: ص 319 ج 1، من وجوه ثلاثة، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 81 ج 3: رواه الطبراني، وإسناده له طريق، رجالها رجال الصحيح، اهـ.
2 البخاري: ص 205، ومسلم: ص 317.
3 الدارقطني: ص 222، وص 253، وفيه سليمان ابن موسى صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، كذا في "التقريب" وأخرجه البيهقي: ص 168 ج 4، وفيه أيوب بن موسى، وبقية الإسناد سواء، فلينظر.
4 أبو داود في "باب كم يؤدي صدقة الفطر" ص 334، والنسائي في "باب السببت" ص 348 عن حسين بإسناد أبي داود مختصراً، وليس فيه: فلما كان عمر، الخ، والله أعلم.
مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تلك الأشياء، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ التَّوَهُّمِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ إنَّمَا عَدَّلَ الْقِيمَةَ فِي الصَّاعِ مُعَاوِيَةُ، فَأَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ تَكَلَّمَ فِيهِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُوَثِّقُونَ لَهُ أَعْرَفُ مِنْ الْمُضَعِّفِينَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ اسْتِشْهَادًا انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ:"نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ مَعْرُوفٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو إسْحَاقَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَوَقَفَهُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ سُلْتٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِشْدِينَ ثَنَا سَعِيدُ بن عفير حدثنا الفضيل بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِالْفَضْلِ بْنِ مُخْتَارٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"1 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ،
1 مراسيل أبي داود: ص 16، والطحاوي عن شعيب بن الليث عن أبيه به: ص 320.
انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا مَعَ إرْسَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ تَفْسِيرًا مِنْ سَعِيدٍ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَدْ جَاءَ مَا يَرُدُّ هَذَا، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُدْفَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ1 الشَّيْبَانِيُّ بِهِ، قَالَ: كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ هُشَيْمِ2: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَحَضَّ عَلَيْهَا، وَقَالَ:"نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى"، قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ ثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا الْمُرْسَلُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ، وَكَوْنُهُ مُرْسَلًا لَا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4، وَنَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: حَدِيثُ مُدَّيْنِ خَطَأٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ بِمُدَّيْنِ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا طَرِيقٌ اسْتِدْلَالِيٌّ غَيْرُ رَاجِعٍ إلَى حَالِ الرُّوَاةِ، وَإِلَّا فَالسَّنَدُ كُلُّهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ اُشْتُهِرَ تَقْوِيَتُهَا، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي "أَوَّلِ الْفَصْلِ".
1 ظني أنه عبد الخالق بن سلمة الشيباني المتقدم في رواية الطحاوي أيضاً، والله أعلم.
2 ورواه ابن أبي شيبة: ص 36 ج 3 بهذا الاسناد.
3 لم أطلع على هذه الرواية، لا في "شرح الآثار" ولا في "المشكل" وقال الحافظ في "الدراية" ص 169 بعد ذكر رواية المراسيل، كما ذكره المخرج: تابعه الشافعي عن يحيى بن حسان عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد، اه، وكذا ابن الهمام في "الفتح".
4 وروى البيهقي في "سننه" ص 169 ج 4 أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي أنبأ شافع بن محمد أنبأ أبو جعفر الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن يحيى بن حسان به
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1، وَصَحَّحَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَذِكْرُ الْبُرِّ فِيهِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ الْحَاكِمُ2: وَأَشْهَرُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ الَّذِي عَلَوْنَا فِيهِ، لَكِنِّي تَرَكْته، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" لَهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَقَةَ رَمَضَانَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، فَفِي الْأَوَّلِ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: كَانَ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً، يَتَخَيَّلُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَنَّهُ كَانَ المتعمد لَهَا، انْتَهَى. وَفِي الثَّانِي: مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، كَانَ أَحْمَدُ يُضَعِّفُهُ، وَلَا يَعْبَأُ بِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" فَقَالَ: أَمَّا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ فَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ ابْنِ حِبَّانَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيثُ غَرَائِبُ حِسَانٌ، وَأَرْجُو أَنَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، فَيَرْفَعُ مَوْقُوفًا، وَيُرْسِلُ مُرْسَلًا، لَا عَنْ تَعَمُّدٍ، وَأَمَّا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، فَقَدْ حَسَّنَ أَمْرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ الْفَلَّاسُ: سَمِعْت عَفَّانَ يَقُولُ: كَانَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ثِقَةً، وَسَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ، فَقَالَ: يُدَلِّسُ كَثِيرًا، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "الْمُشْكِلِ"4 عَنْ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ، عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، قَالَ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ، نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ: بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ تَابَعَ ابْنَ شَوْذَبٍ عَلَى زِيَادَةِ الْبُرِّ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
1 "المستدرك" ص 410 ج 1، والدارقطني: ص 223، والبيهقي: ص 166 ج 4.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 411 ج 1.
3 الدارقطني: ص 221.
4 "المشكل" ص 337 ج 4.
عَنْ أَيُّوبَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا؟! وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلُوا صِنْفًا مَفْرُوضًا، بِبَعْضِ صِنْفٍ مَفْرُوضٍ مِنْهُ؟!، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ الْمَفْرُوضُ بِمَا سِوَاهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ" عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَفِيهِ: أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، مُخْتَصَرٌ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "آخِرِ الْبَابِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ عَنْ بَكْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَضَّ عَلَى صَدَقَةِ رَمَضَانَ، عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: بَكْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إلَّا فِي الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَفِي الزُّهْرِيِّ يَرْوِي أَشْيَاءَ خَالَفَ فِيهَا النَّاسَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، وَرَوَى لَهُ فِي "الْأَدَبِ وَفِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ"، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ"، وَبَكْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوقٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُعْطِيَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ، عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صاعاً في طَعَامٍ، مَنْ أَدَّى بُرًّا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى شَعِيرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى زَبِيبًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى سُلْتًا، قُبِلَ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ": سَأَلْت أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسحاق الْحُنَيْنِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، انْتَهَى. وَكَثِيرٌ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ،
1 الحاكم في "المستدرك" ص 410 ج 1، والدارقطني: ص 221.
وَلَمْ يُوَافَقْ التِّرْمِذِيُّ عَلَى تَصْحِيحِ حَدِيثِهِ فِي مَوْضِعٍ، وَتَحْسِينِهِ فِي آخَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ أَيْضًا تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْأَزْدِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَهْبَانَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ"، قَالَ:"وَطَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ: الْبُرُّ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ"، انْتَهَى. وَعُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَالرَّازِيِّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ: صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَقَالَا: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "عِلَلِهِ" بِتَمَامِهِ، وَفِي لَفْظَةِ أَيْضًا اخْتِلَافٌ، فَعِنْدَ الْحَاكِمِ هَكَذَا: صَاعٌ، وَفِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ" أَوْ نِصْفُ صَاعٍ.
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَأَنَّ رَجُلًا أَدَّى إلَيْهِ صَاعًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ سُلْتٍ، أَوْ زَبِيبٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ، مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ: إنَّمَا زَكَاتُك على سيدك، أن يؤدي عَنْك عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، انْتَهَى.
1 الحاكم في "المستدرك" ص 141 ج 1، والدارقطني: ص 224، والبيهقي ص 166 ج 4.
2 البيهقي: ص 169 ج 4، ولم يرده، وقال: منقطع، ورواه الطحاوي: ص 321، والدارقطني: ص 225
3 أبو داود في "باب كم يؤدي من صدقة الفطر" ص 234، وقد تقدم عن قريب ولم أجد في النسائي ما يتعلق به، وأخرجه الدارقطني: ص222.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَدُّوا زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مَوْصُولٌ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا2، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَيْضًا3، قَالَ: عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4 عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرُوِيَ أَيْضًا5 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا الْخَبَرُ الْوَقْفُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَإِنَّهُ بَلَاغٌ، لَمْ يُبَيِّنْ مَعْمَرٌ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى الْحِنْطَةِ، فَفِيهِ صَاعٌ، وَالْحِنْطَةُ نِصْفُ صَاعٍ، وَأَخْرَجَ6 نَحْوَهُ عَنْ طَاوُسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ7 عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي نِصْفِ صَاعٍ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ كُلِّ واحد منها في "افي الْخِلَافِيَّاتِ".انْتَهَى.
1 والطحاوي في "شرح الآثار" ص 321 ج 1، وقال البيهقي في: ص 169 ج 4، موصول.
2 قوله: أخرجه الطحاوي أيضاً، قلت: لم أجد حديث علي هذا في النسخة المطبوعة من "شرح الآثار" و"المشكل" وقال في "فتح القدير" ص 39 ج 2: أخرج هو أي الطحاوي، وعبد الرزاق عن علي، ثم ذكر الحديث، وظني أنه تبع الحافظ المخرج.
3 ومن طريقه الدارقطني: ص 225 عن علي، وابن مسعود، وجابر.
4 وابن أبي شيبة: ص 36 ج 3، وعن ابن عباس، وابن مسعود، وعلي، وأسماء، وعبد الله بن شداد، وعن غير واحد من التابعين، وقال ابن حزم في "المحلى" ص 129 ج 6: ومن طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قالت: كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع، فأما إذا وسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع، اهـ. هذا الأثر أورده ابن حزم لمن قال: بنصف صاع، وابن أبي شيبة عن جرير به، قالت: إني أحب إذا وسع الله تعالى أن يتموا صاعاً من قمح عن كل إنسان، اهـ، في "باب من قال: صدقة الفطر صاع من قمح" ص 37 ج 3.
5 ومن طريقه الطحاوي: ص 320، والدارقطني: ص 224، والبيهقي: ص 164، وأحمد: ص 270، قال الهيثمي ص 180 ج 3: صحيح موقوف.
6 وابن أبي شيبة نحوه عن طاوس، ومجاهد، والشعبي وابن أبي رباح، وابن القاسم، وسعد بن إبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي.
7 الطحاوي: ص 321 عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عباس، وابن أبي صعير، وابن المسيب، ومجاهد وحكم، وحماد، وابن القاسم.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَمَدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا، وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِي تَرْكِ الْمُصْطَفَى عليه السلام الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ قَالُوا: صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَلَمْ نَجِدْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا خِلَافًا فِي قَدْرِ الصَّاعِ، إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ، وَالْعِرَاقِيُّونَ، فَزَعَمَ الْحِجَازِيُّونَ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَصَحَّ أَنَّ صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ خَمْسَةَ أرطال وثلث، إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ2، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ: أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ثَبَتَ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ": عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الطَّائِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، كَمْ وَزْنُ صَاعِ النَّبِيِّ عليه السلام؟ قَالَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ، أَنَا حَزَرْته3. قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَالَفْت شَيْخَ الْقَوْمِ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْت: أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لبعض جلساته: يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ عَمِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدَّتِك، فَاجْتَمَعَتْ أَصْوُعٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: تَحْفَظُونَ فِي هَذِهِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْت هَذِهِ، فَوَجَدْتهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أُحَدِّثُك بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا عَنْهُ: أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ، وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: هَذِهِ أَعْجَبُ مِنْ الْأُولَى، بَلْ صَاعٌ تَامٌّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، هَكَذَا أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا بِبَلَدِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُظْلِمٌ، وَبَعْضُ رِجَالِهِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ، وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ4 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مِنْ الْحَجِّ، فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي، فَفَحَصْت عَنْهُ، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْت عن الصاع
1 والبيهقي في "سننه" ص 171 ج 4، وفيه عبد الله بن جعفر المديني، والأعلى، روى عن العلاء، وعبد الله ضعيف، والعلاء هو ابن عبد الرحمن.
2 ولا أعجب من هذا الاستدلال شيء، كذا في "فتح القدير" ص 42 ج 2.
3 قوله: أنا حزرته بالحاء المهملة، وتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة.
4 البيهقي ص 171 ج 4.
فَقَالَ: صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْت لَهُمْ: مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَأْتِيك بِالْحُجَّةِ غَدًا، فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الصَّاعُ تَحْتَ رِدَائِهِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرْت فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ، قَالَ: فَعَيَّرْته، فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ، فَرَأَيْت أَمْرًا قَوِيًّا، فَتَرَكْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الصَّاعِ، وَأَخَذْت بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا ناظره، واستدل عليه بالصيعان الَّتِي جَاءَ بِهَا أُولَئِكَ الرَّهْطُ، فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بن سعيد الدرامي: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ: عَيَّرْت صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام، فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِالتَّمْرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، أَوْ الصَّاعِ الَّذِي يُقْتَاتُ بِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهُوَ الْحُجَّةُ لِمُنَاظَرَةِ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ لَهُ:"صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يُطْعِمَ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِي شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَقَوْلُهُ: نِصْفُ صَاعٍ حُجَّةٌ لَنَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَالْفَرْقُ: اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْفَرْقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَالصَّاعُ ثُلُثُ الْفَرْقِ، خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُث، وَالْمُدُّ: رِطْلٌ وَثُلُثٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ4 عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ، فَأَخْرَجَ إلَيَّ مَنْ أَثِقُ بِهِ صَاعًا، وَقَالَ: هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ عليه السلام، فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَهُ لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ مَالِكٌ، وَسَمِعْت أَبَا حَزْمٍ يَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: هُوَ تَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَاعِ عُمَرَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: هَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ يَعْنِي ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ.قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ 5
1 ص 412 ج 1.
2 البخاري في "باب الاطعام في الفدية نصف صاع" ص 244، ومسلم في "جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى" ص 382.
3 هذا اللفظ في البخاري في "المناسك في باب النسك شاة" ص 234، ومسلم: ص 382 ج 1.
4 الطحاوي: ص 324.
5 ابن أبي شيبة: ص 54 ج 3، وفيه حنشاً، بدل: حسن بن صالح، والباقي سواء، والرواية الثانية: أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 518، أيضاً، قال: حدثني عبد الله بن داود عن على بن صالح به.
فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: سَمِعْت حَسَنَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ: صَاعُ عُمَرَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقَالَ شَرِيكٌ: أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَرْطَالٍ، وَأَقَلُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إبراهيم النخعي، قال: غيرنا الصَّاعَ فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا، وَالْحَجَّاجِيُّ عِنْدَهُمْ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَعَنْهُ قَالَ: وَضَعَ الْحَجَّاجُ قَفِيزَهُ عَلَى صَاعِ عُمَرَ، قَالَ: فَمَا ذَكَرَاهُ عِيَارٌ حَقِيقِيٌّ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، مِنْ تَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَاعِ عُمَرَ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ لَا حَقِيقَةَ مَعَهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: رَوَاهُ3 فِي "الطَّهَارَةِ" عَنْ مُوسَى بْنِ نَصْرٍ الْحَنَفِيِّ ثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ نَصْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ4 فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى الطَّلْحِيِّ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، صَاعٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، وَفِي الْوُضُوءِ. رِطْلَانِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَنْصُورٍ غَيْرُ صَالِحٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ5 هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
1 الطحاوي: ص 324.
2 الدارقطني: ص 226، قلت: وأخرج أبو داود في "سننه" ص 13 عن شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بإناء يسع رطلين، ويغتسل بالصاع، اهـ. وشريك مختلف فيه.
3 الدارقطني: ص 35.
4 الدارقطني: ص 226، وص 215، مع مغايرة قليلة في السياق، قلت: حديث عائشة هذا حديث آخر غير حديث أنس، وجابر رضي الله عنهم، ففيما عدَّ الشيخ حديث عائشة من طرق حديث أنس في النفس منه شيء، واستدل الطحاوي في "شرح الآثار" ص 322 ج 1 لأبي حنيفة بحديث عائشة، رواه هو، والنسائي في "السنن" ص 46 عن موسى الجهني عن مجاهد، قال: دخلنا على عائشة، فاستسقى بعضنا، فأتى بعس، قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا، قال مجاهد: فحزرته فيما أحزر: ثمانية أرطال، تسعة أرطال، عشرة أرطال، اهـ. قال الطحاوي: قالوا: لم يشك مجاهد في الثمانية، إنما شك فيما فوقها، فثبت الثمانية بهذا الحديث، وانتفى ما فوقها، وممن قال بهذا أبو حنيفة، اهـ.
5 البيهقي: ص 171 ج 4.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ الْوَجِيهِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرَ بْنَ موسى هذا عن الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّهُ فِي عِدَادِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ سَفِينَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مداً وثلاثاً بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ، فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ عليه السلام ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَمُدُّهُ رِطْلَيْنِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ: لَيْسَ فِيهِ الْوَزْنُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ5 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِهِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَامِلٌ فِي "بَابِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْفَرَدَ بِزِيَادَةٍ فِيهَا رَاوٍ وَاحِدٌ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمْهَرِيُّ6 ثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ
صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَخْرُجَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَقُولُ:"أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، انْتَهَى.
1 البخاري في "الطهارة في باب الوضوء بالمد" ص 33، ومسلم في "باب القدر المستحب من الماء" ص 149 ج 1.
2 مسلم: ص 149، والترمذي، وصححه.
3 البخاري في "الاعتصام في باب اتفاق أهل العلم" ص 1090، والنسائي في "الزكاة في باب كم الصاع" ص 348، وليس فيهما: في زمن عمر بن عبد العزيز.
4 "كتاب الأموال" ص 518.
5 وأخرجه البيهقي في "سننه" ص 175 ج 4 عن أبي الربيع حدثنا أبو معشر به، ولم يذكر القمح، وقال: أبو معشر هذا نجيح السندي المديني غيره أوثق منه، اهـ. قلت: ضعفه ابن المديني، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال يحيى، والنسائي، والدارقطني: ضعيف، وكان يحيى بن سعيد يستضعفه
1 في نسخة الدار "السمرى""البجنورى".، معرفة علوم الحديث ص131.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُخْرِجُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَطْعَمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ:"أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَمَشَّاهُ هُوَ، وَقَالَ: مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.4، وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَلَمْ يُعَلِّهِ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" إلَّا بِأَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى أَعْنِي حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالُوا: فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ بعد ما حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ عليه السلام فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَنْ يُخْرَجَ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ، وَأَمَرَ بإِخراجها قبل الغد، وإلى الصَّلَاةِ، وَقَالَ:"أَغْنُوهُمْ يَعْنِي الْمَسَاكِينَ عَنْ الطَّوَافِ هَذَا الْيَوْمَ"، انْتَهَى.
1 البخاري: ومسلم: ص 318، والدارقطني: ص 225.
2 ابن أبي شيبة: ص 25 ج 3، والدارقطني: ص 226.
3 الدارقطني: ص 225.
4 قال في "الميزان": قال ابن عدي: وأبو معشر مع ضعفه يكتسب حديثه.
5 ابن سعد في "الطبقات" ص 8 ج 3 القسم الأول وهذا إنجاز وعده في: ص 423، من هذا الجزء، قلت: الواقدي معروف.