الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قال عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ1.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 فِي "الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ" عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 فِي "الصَّلَاةِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَرْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَفِيهِ قِصَّةُ.
قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ آدَم عليه الصلاة والسلام رَجُلًا أَشْعَرَ، طِوَالًا، آدَم، كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، نَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ بِحَنُوطِهِ، وَكَفَنِهِ مِنْ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا مَاتَ غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ، وَالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَجَعَلُوا فِي الثَّالِثَةِ كَافُورًا، وَكَفَّنُوهُ فِي وِتْرِ ثِيَابٍ، وَحَفَرُوا لَهُ لَحْدًا، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذِهِ سُنَّةُ وَلَدِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ5 عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
1 هو حديث ابن مسعود، عند ابن ماجه: ص 83.
2 البخاري في "آخر الدعوات في باب: لله مائة اسم إلا واحداً" ص 949، ومسلم في "كتاب الذكر والدعاء في باب أسماء الله تعالى" ص 342 ج 2.
3 أبو داود في "باب استحباب الوتر" ص 207، والنسائي في "باب الأمر بالوتر" ص 246، والترمذي في "باب أن الوتر ليس بحتم" ص 160، وابن ماجه في "باب ما جاء في الوتر" ص 83، وأحمد في "مسنده" ص 110 ج 1، وص 143، وص 148.
4 لم أجد طريق ابن إسحاق في "المستدرك" ولا في غيره، والله أعلم.
5 الحاكم في "المستدرك" ص 344، والبيهقي في "السنن" ص 404 ج 3، وابن سعد في "الطبقات" ص 11 ج 1 في القسم الأول، كلهم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتى به، ورواه أحمد "مسنده" ص 136 ج 5 عن حماد عن سلمة عن الحسن به.
مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَفِيهِ: فَقَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ، هَذِهِ سُنَّتُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَذَاكُمْ فَافْعَلُوا، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِأَنَّ عُتَيَّ بْنَ ضَمْرَةَ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ فِي بَابِ حَدِيثِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ" أَخْرَجَاهُ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُنَّ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2، وَحَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، يُغْسَلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"4 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعُونَ كَبِيرَةً، وَمَنْ كَفَّنَهُ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ قَبْرًا حَتَّى يَجُنَّهُ، فَكَأَنَّمَا أَسْكَنَهُ مَسْكَنًا حَتَّى يُبْعَثَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَلُولٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ"، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ5 عَنْ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَلِيُّ غَسِّلْ الْمَوْتَى، فَإِنَّهُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا غُفِرَ لَهُ سَبْعُونَ مَغْفِرَةً، لَوْ قُسِمَتْ مَغْفِرَةٌ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ لَوَسِعَتْهُمْ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ مَنْ يُغَسِّلُ مَيِّتًا؟ قَالَ: يَقُولُ: "غُفْرَانَك يَا رَحْمَنُ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْغُسْلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَحَنَّطَهُ،
1 البخاري في "الجنائز في باب كيف كفن المجرم" ص 169، ومسلم في "الحج في باب ما يفعل بالمحرم إذا مات" ص 384.
2 البخاري في "الجنائز في باب ما يستحب أن يغسل وتراً" ص 167، ومسلم في "الجنائز" ص 305، وأبو داود في "باب كيف غسل الميت" ص 92 ج 2، والترمذي في "باب غسل الميت" ص 118، والنسائي في "باب غسل الميت وتراً" ص 266.
3 أبو داود: ص 93 ج 2.
4 والبيهقي في "السنن" ص 395 ج 3 عن المقرى باسناده، بسياق قريب من هذا، وكذا في "المستدرك" ص 354، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 21 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية" ص 140: إسناده قوي.
5 في نسخة "النصيبيني".
6 ابن ماجه في "باب ما جاء في غسل الميت" ص 106، قال الحافظ: إسناده واهٍ، اهـ.
وَحَمَلَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى، خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، انْتَهَى. وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ هَذَا مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ، وَقَدْ غَسَّلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَمَرَ بِتَغْسِيلِ ابْنَتِهِ، وَغَسَّلَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَالنَّاسُ يَتَوَارَثُونَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مَاتَ، فَدُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ إلَّا الشُّهَدَاءَ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ الْخَبَّازِيِّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَمَانِيَةُ حُقُوقٍ"، وَذَكَرَ مِنْهَا غُسْلَ الْمَيِّتِ، فَهَذَا حَدِيثٌ مَا عَرَفْتُهُ، وَلَا وَجَدْتُهُ، وَاَلَّذِي وَجَدْنَاهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ1" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: "رَدُّ السَّلَامِ. وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ. وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ. وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ. وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: خَمْسٌ2 يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ:"حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"، فَزَادَ: وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ، وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا، لَا بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا، إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْعَفْوِ: يغفر له ذلته. وَيَرْحَمُ عِتْرَتَهُ3. وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ. وَيَقْبَلُ مَعْذِرَتَهُ. ويرد غيبته. ويديم نصحته. وَيَحْفَظُ خُلَّتَهُ. وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ. وَيَعُودُ مَرَضَهُ. وَيَشْهَدُ مِيتَتَهُ. وَيُشَمِّتُ عَطْسَتَهُ. وَيُرْشِدُ ضَالَّتَهُ. وَيَرُدُّ سَلَامَهُ. وَيُطَيِّبُ كَلَامَهُ. وَيَبَرُّ إنْعَامَهُ. وَيُصَدِّقُ إقْسَامَهُ. وَيَنْصُرُهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. وَيُوَالِيهِ. وَلَا يُعَادِيهِ. وَيُحِبُّ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مِنْ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَدَعُ مِنْ حُقُوقِ أَخِيهِ شَيْئًا حَتَّى الْعَطْسَةَ، يَدَعُ تَشْمِيتَهُ عَلَيْهَا، فَيُطَالِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقْضَى لَهُ بِهَا عَلَيْهِ"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْبِدَايَةُ بِالْمَيَامِنِ، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ4، وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ5 أَيْضًا، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَتْ: لَمَّا غَسَّلْنَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُهَا:"ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ هِيَ: زَيْنَبُ زَوْجُ أَبِي الْعَاصِ، وَهِيَ أَكْبَرُ بَنَاتِهِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَنَا عليه السلام:"اغْسِلْنَهَا وِتْرًا"، الْحَدِيثَ، وَقَدْ جَاءَ
1 البخاري في "أوائل الجنائز" ص 166، ومسلم في "كتاب السلام في باب من حق المسلم على المسلم رد السلام" ص 213 ج 2.
2 هذا اللفظ لم أجد في البخاري، والله أعلم.
3 في نسخة الدار "عبرته"، ولعله أصوب "البجنوري".
4 تقدم تخريجه في "الوضوء"، في الحديث الرابع عشر: ص 34 ج 1.
5 تقدم تخريجه آنفاً.
فِي "سُنَنِ" أَبِي دَاوُد1. وَ"مُسْنَدِ" أحمد. و"تاريخ الْبُخَارِيِّ الْوَسَطِ" أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ، أَخْرَجُوهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، يُقَالُ لَهُ: دَاوُد، قَدْ وَلَدَتْهُ2 أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَيْلَى بنت قائف3 الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْت فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِقْوَ، ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الملحفة، ثم أردجت بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ، مَعَهُ كَفَنُهَا، يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَنْ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي زَيْنَبَ، لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ تُوُفِّيَتْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَائِبٌ بِبَدْرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَنُوحُ بْنُ حَكِيمٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: دَاوُد، فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَإِنَّ دَاوُد بْنَ أَبِي عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، رَجُلٌ مَعْرُوفٌ، يَرْوِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. وَابْنِ عُمَرَ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ، وقيس بن سعد. وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مَكِّيٌّ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَلَا يَجْزِمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ هُوَ، وَمُوجِبُ التَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وُصِفَ فِي الْإِسْنَادِ، بِأَنَّهُ وَلَدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَانَ لَهَا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ قَدِمَتْ بِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَدَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، الْمُفْتَتِنُ بِدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى هُنَالِكَ، وَاسْمُ هَذِهِ الْبِنْتِ: حَبِيبَةُ، فَلَوْ كَانَ زَوْجُ حبيبة هذه، أبو عَاصِمِ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَاوُد الْمَذْكُورَ ابْنُهُ مِنْهَا، فَهُوَ حِينَئِذٍ لِأُمِّ حَبِيبَةَ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُنْقَلْ، بَلْ الْمَنْقُولُ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّ زَوْجَ حَبِيبَةَ هَذِهِ، هُوَ دَاوُد بْنُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كَذَا قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ. وَغَيْرُهُ، فَدَاوُد الَّذِي لِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ، لَيْسَ دَاوُد بْنَ أَبِي عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، إذْ لَيْسَ أَبُو عَاصِمٍ زَوْجًا لِحَبِيبَةَ، وَلَا هُوَ بِدَاوُد بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ4 الَّذِي هُوَ زَوْجُ حَبِيبَةَ، فَإِنَّهُ لَا وِلَادَةَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ هُوَ. فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
قُلْت: يَبْقَى عَلَى هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بماء سدر، وَاجْعَلْنَ فِي
1 أبو داود في "باب كفن المرأة" ص 94 ج 2، وأحمد: ص 380 ج 6.
2 قيل: ولدته، بمعنى ربته، وهذا سائغ، قال صاحب "العون"، منه قول الله عز وجل، في الإنجيل، لعيسى عليه السلام: أنت وليي، وأنا ولدتك بالتشديد، أي ربيتك، اهـ.
3 في نسخة "قانف".
4 قال ابن سعد في "طبقاته" ص 68 ج 8: تزوج حبيبة، داود بن عروة بن مسعود الثقفي
5 ابن ماجه في "باب غسل الميت" ص 106.
الْآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَنِّي، فَلَمَّا فرغن، آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ، وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، رِجَالُهُ مُخْرَجٌ لَهُمْ فِي الْكُتُبِ، وَفِي "كِتَابِ الصَّحَابَةِ" لِابْنِ الْأَثِيرِ، قَالَ: زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَكْبَرِ بَنَاتِهِ، وَأُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، تُوُفِّيَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ، وَنَزَلَ عليه السلام فِي قَبْرِهَا، وَأُخْتُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ1 شَقِيقَتُهَا، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ، وَحَكَتْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا يُقَوِّي مَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ، قُلْت: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عبد الرحمن الرواسي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَسَكَتَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا3 عَنْ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى ثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: إذَا أَنَا مِتَّ، فَاجْعَلُوا فِي آخِرِ غُسْلِي كَافُورًا، وَكَفِّنُونِي فِي بُرْدَيْنِ. وَقَمِيصٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي قِصَّةِ آدَمَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ4، وَصَحَّحَهُ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ، فَأَوْتِرُوا"، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ5 الْمُخَرَّجِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، قَالَ لَهُنَّ عليه الصلاة والسلام:"اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كافرواً"، وَفِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ6. وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَفِي لَفْظِهِ: وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَيُّبَ لِلْمَيِّتِ كَانَ مَسْنُونًا عِنْدَهُمْ، وَأَنَّ الْمَعْرُوفَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ.
1 روى ابن سعد في "طبقاته" ص 25 عن الواقدي عن مالك بن أبي الرجال عن أبيه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، قالت: غسلها نساء من الأنصار فيهن أم عطية، اهـ.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 361، والبيهقي في "السنن" ص 405 ج 3، وابن سعد في "طبقاته" ص 68 ج 2، القسم الثاني.
3 الحاكم في "المستدرك" ص 361، والبيهقي في "سننه" ص 405 ج 3، وابن سعد في "طبقاته" ص 68 ج 2، القسم الثاني.
4 الحاكم في "المستدرك" 578 ج 3.
5 تقدم حديث أم عطية في "أوائل هذا الفصل".
6 تقدم ذكر هذا الحديث أيضاً في أوائل الفصل.