المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الحدث في الصلاة - نصب الراية - جـ ٢

[الجمال الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب الإِمامة

- ‌بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ

- ‌بَابُ النَّوَافِلِ

- ‌فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌بَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌فَصْلٌ فِي حمل الجنائز

- ‌فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ

- ‌بَابُ الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌كِتَابُ الزكاة

- ‌مقدمة

- ‌بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ

- ‌فَصْل فِي الْغَنَمِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ

- ‌بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ

- ‌بَابٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ

- ‌بَابٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ

- ‌كتاب الصوم

- ‌مقدمة

- ‌بَابُ الِاعْتِكَافِ

الفصل: ‌باب الحدث في الصلاة

وَهْمٌ1، فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ صَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَأَعَادُوا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، رَمَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ شَيْئًا قَطُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أن علياً صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مطرح عن أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَك أَنْ يُعِيدُوا، قَالَ: فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ لِلْخَصْمِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَيُّمَا إمَامٍ سَهَا، فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُمْ، وَلْيَغْتَسِلْ هُوَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَمِثْلُ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ جُوَيْبِرًا مَتْرُوكٌ، وَالضَّحَّاكَ لَمْ يَلْقَ الْبَرَاءَ، وَاحْتَجَّ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" لِمَذْهَبِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، ولهم، وإن أخطأوا، فَلَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3 وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.

ص: 60

‌بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ، فِي صَلَاتِهِ،

1قلت: أما الموضع الذي عزا الحافظ المخرج إليه الحديث، فليس فيه: قبل أن يكبر، ولا ما يؤدي مؤداه، وأما الموضع الذي عزوت إليه الحديث ففيه: حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر، انصرف، اهـ وهذا مفاده مفاد: قبل أن يكبر، والله أعلم.

2 ص 139، وروى عن عمر. وابنه. وعثمان أنهم صلوا على غير وضوء، ولم يأمروا من صلى خلفهم أن يعيدوا.

3 في "باب إذا لم يتم الإمام، وأتم من خلفه" ص 96.

ص: 60

فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. وَالْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ، أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: وَأَصْحَابُ ابْنِ جُرَيْجٍ الْحُفَّاظُ عَنْهُ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ مُرْسَلًا ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. وَغَيْرُهُمْ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ تَابَعَ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، مُسْنَدًا، قَالَ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمْ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ جُرَيْجٍ مُسْنَدًا أَيْضًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، قَالَ: وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ. وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ رِيَاحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ، ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ رِيَاحٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عُمَرُ بْنُ رِيَاحٍ، هُوَ عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَبْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ، يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِالْأَبَاطِيلِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَأَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَإِلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ: دَجَّالٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَسَلْمَانَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: عَنْ عَلْقَمَةَ. وَطَاوُسٍ. وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَالشَّعْبِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَعَطَاءٍ. وَمَكْحُولٍ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّهَارَةِ2". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الرَّضَاعِ".

1 في "باب ما جاء في البناء على الصلاة" ص 86، والدارقطني: ص 56.

2 في "باب فيمن يحدث في الصلاة" ص 31 وص 151، والترمذي في "الرضاع في باب كراهية إتيان النساء في أعجازهن" ص 139، وأحمد في "مسنده" ص 86، والدارمي: ص 135 تنبيه: حديث طلق بن علي أخرجه أحمد في "مسنده" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولعل هذا السهو ممن رتب المسند، أو اشتبه على الإمام نفسه، والعجب من الهيثمي أنه ظن أن هذا الحديث الذي في "مسند أحمد" عن علي بن أبي طالب، قاله: ص 299 ج 4 من "الزوائد".

ص: 61

وَالنَّسَائِيُّ فِي "عِشْرَةِ النِّسَاءِ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ1" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كتابه": وهذا حديث لايصح، فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ سَلَّامٍ الْحَنَفِيَّ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ مَجْهُولُ الْحَالِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً عَنْ ابْنِ أَرْقَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ، ثُمَّ لِيُعِدْ وُضُوءَهُ، وَلْيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالْبُخَارِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَقَاءَ. أَوْ رَعَفَ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَأَحْدَثَ، فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا:"إذَا أَمَّ الْقَوْمَ فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ رزا4، أَوْ رُعَافًا، أَوْ قَيْئًا، فَلْيَضَعْ ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ فَلْيُقَدِّمْهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ،

إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، قُلْت: تَقَدَّمَ.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْإِفْرِيقِيِّ

1 ذكر ابن حبان في "الصحيح" هذا الحديث، ثم قال: لم يقل: وليعد صلاته إلا جرير، وقال البيهقي: نسب جرير بن عبد الحميد إلى سوء الحفظ في آخر عمره، قال أحمد: لم يكن بالذكي في الحديث، اختلط عليه حديث أشعث، وعاصم الأحوال، حتى قدم عليه بمحضره، فعرفه "الجوهر النقي" ص 254.

2 ص 55.

3 وابن ماجه في "باب فيمن أحدث في الصلاة كيف ينصرف" ص 87 "الدارقطني" ص 57، "والبيهقي" ص 254. والحاكم في "المستدرك" ص 184 ج 1 وقال هو. والذهبي: على شرطهما، ومن أفتى بالحيل يحتج به. اهـ.

4 الرزأ: الصوت الخفي، وأريد به القرقرة.

5 "باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه" ص 98،

ص: 62

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ. وَبَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عبد الله بن عمر بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، وَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ1 ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُعْرَفُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّسْلِيمُ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إذَا قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ التَّسْلِيمُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ. وَبَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، قَالَا: سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِ السُّنَنِ2، وَلَفْظُهُ: قَالَ: إذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، فَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلَا يُعِيدُهَا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَخْلَدٍ الْمُفْتِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التشهد أقل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: مَنْ أحدث حدثاً بعد ما يَفْرُغُ مِنْ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ تمت صلاته، انتهى. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، تَفَرَّدَ بِهِ مُتَّصِلًا أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُرْسَلًا، حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَنْبَأَ عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَضَى التَّشَهُّدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلْيَقُمْ حَيْثُ شَاءَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: قَدْرَ التَّشَهُّدِ، قَالَ: وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي الشَّوَاهِدِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يُقْبَلْ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ عَنْ الْحَسَنِ. وَابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعَطَاءٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ.

والترمذي في "باب الرجل يحدث بعد التشهد" ص 54، والدارقطني: ص 145، والبيهقي: ص 176 ج 2، والطيالسي: ص 298.

1 قاضي أفريقة: ضعيف في حفظه، وكان رجلاً صالحاً "تقريب" وثقه يحيى بن سعيد القطان، قال أحمد: حديثه منكر، قال يعقوب بن شيبة: رجل صالح من الآمرين بالمعروف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، قال البخاري: مقارب الحديث، كذا في "الخلاصة"، قلت: وثقه غير واحد، وضعفه الآخرون.

2 ص 162.

3 أخرج الشافعي في "كتاب الأم" ص 153 عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق به، ولفظه: إذا أحدث في صلاته بعد السجدة، فقد تمت صلاته، وأخرجه الطحاوي من طريق أبي عاصم عن أبي عوانة عن الحكم عن عاصم

ابن ضمرة به، ومن طريق أبي عاصم أخرجه الدارقطني: ص 138، والبيهقي ص 173 ج 2، ولفظهما: إذا قعد قدر التشهد فقد تمت صلاته، اهـ.

ص: 63

بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَفْزَعُهُ "يَعْنِي الشَّافِعِيَّ" الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام:

"رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ"، وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ1، وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ لَا يَذْكُرُونَهُ إلَّا بِهَذَا اللفظ، وأقر مَا وَجَدْنَاهُ بِلَفْظِ:"رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا"، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَيَأْتِي، وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِلَفْظِ:"إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ"، هَكَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي ذَرٍّ. وَثَوْبَانَ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي بَكْرَةَ.

أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ فِي الطَّلَاقِ2" عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الطَّلَاقِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.

1 قال ابن السبكي في "طبقات الشافعية" ص 25 ج 2: وقفت على "كتاب اختلاف الفقهاء للإمام محمد نصر" قال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه". إلا أنه ليس له إسناد يحتج بمثله، اه: ثم قال: استفدت من هذا أن لهذا اللفظ إسناداً، ولكنه لم يثبت، ثم قال: قلت: ثم وجد رفيقنا في طلب الحديث، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي الحديث بلفظه، في رواية أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي المؤذن، المعروف بأخي عاصم، فإنه قال: حدثنا الحسين بن محمد حدثنا محمد بن المصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ. والنسيان. وما استكرهوا عليه"، لكن ابن ماجه روى في "سننه" الحديث بهذا الإسناد بلفظ غيره، ثم ذكر إسناد ابن ماجه. ولفظه، كما ذكر الحافظ المخرج رحمه الله تعالى.

2 في "باب طلاق المكره والناسي" ص 148 عن محمد بن المصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي بإسناده، والطحاوي في "باب طلاق المكره" ص 56 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 198 ج 2، والدارقطني: ص 797، كلهم عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس، سوى ابن ماجه، فإنه لم يذكر عبيداً، قال الحافظ في "التلخيص" ص 109: قال النووي في "الطلاق في الروضة، في تعليق الطلاق": حديث حسن، وكذا قال في "أواخر الأربعين له"،اهـ.

ص: 64

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً.

وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أبو النصر ثَنَا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ ثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، قُلْت: لَفْظُهُ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي ثَلَاثَةً: الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ".

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا2 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. قُلْت: لَفْظُهُ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ النِّسْيَانِ. وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ".

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مَالِكٍ": حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ السبيعي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصُّفْرِ3 السُّكَّرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ4" مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مُصَفَّى عَنْ الْوَلِيدِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ الْمُصَفَّى، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ جَسْرِ5 بْنِ فَرْقَدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا: الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَالْأَمْرَ يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ"، قَالَ الْحَسَنُ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، فَأَمَّا الْيَدُ، فَلَا، انْتَهَى. وَعَدَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ مُنْكَرَاتِ جَعْفَرٍ هَذَا، قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي الرِّجَالِ فِيهِ قَوْلًا، وَلَا أَدْرِي لِمَا غَفَلُوا عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَإِنَّ أَبَاهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ، لِأَنِّي لَمْ أَرَ جَعْفَرًا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ6": سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ.

1 ص 148، وشهر: فيه كلام، تقدم، وفيه انقطاع.

2 من حديث أبي الدرداء، ومن حديث ثوبان، وفي إسنادهما ضعف "تلخيص".

3 في نسخة "الصقر".

4 قال البيهقي: ليس بمحفوظ، وقال الخطيب: الخبر منكر عن مالك "التلخيص".

5 في نسخة "حشر".

6قال عبد الله بن أحمد في "العلل": سألت أبي عنه فأنكره جداً، ونقل الخلال عن أحمد، قال: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع، فقد خالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان الله أوجب في قتل النفس بخطأِ الكفارة "التلخيص الحبير" ص 109.

ص: 65

وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، وَعَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَعَنْ الْوَلِيدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ عَامِرٍ مِثْلُهُ، فَقَالَ أَبِي: هَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام:

"إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فقلت: واثكل أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ1"إنَّمَا هِيَ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ": إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ "بَابُ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ": وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ.

وَلِلْخَصْمِ عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: إنَّ قَوْلَهُ: "لَا يَصْلُحُ" لَيْسَ دَالًّا عَلَى الْبُطْلَانِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَلَيْسَ كُلُّ محظور مبطل. الثَّانِي2: قَالُوا: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ، فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي بِيَدِهِ، وَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ كَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي: هَكَذَا، وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ:"مَا فَعَلْت فِي الَّذِي أَرْسَلْتُك لَهُ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِيهِ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ جَدُّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَفِيهِ يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، إذَا انْفَرَدَ،

1 ص 250 ج 2

2 هذا جواب البيهقي في "سننه الكبرى".

3 في "باب لا يرد السلام في الصلاة" ص 162، ومسلم في "باب تحريم الكلام في الصلاة" ص 204، واللفظ له.

4 ص 63.

ص: 66

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، فَرَفَعَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ: مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ: إمَّا الظُّهْرَ. وَإِمَّا الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ:"مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ:"لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ"، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا3، قَالَ:"كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، قَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ4، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ، أَمْ قَصُرَتْ؟، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا5: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الظُّهْرَ. أَوْ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ: أَخُفِّفَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ عليه السلام:"مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، صَدَقَ، قَالَ: فَأَتَمَّ بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَقَصَهُمَا، ثُمَّ سَلَّمَ"، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ هَذَا قَبْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ اسْتَحْكَمَتْ الْأُمُورُ بَعْدُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" مَالِكٌ7 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إحْدَى صَلَاتَيْ النَّهَارِ: الظُّهْرَ. أَوْ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ

1 ص 145 ج 1.

2 في "باب تشبيك الأصابع في المسجد" ص 69، ومسلم في "باب السهو في الصلاة" ص 213، واللفظ له، وأبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 151، وابن ماجه: ص 86، الدارقطني: ص 140)

3 كل ذلك، الخ: هذا اللفظ لمسلم: ص 213، ولم أجده في "البخاري".

4 في "كتاب الأدب في باب ما يجوز من ذكر الناس" ص 894، وفي "السهو": ص 164 أيضاً، ولفظ البخاري: وفي القوم رجل، الخ.

5 البخاري في "باب يكبر في سجدتي السهو" ص 164 قريب منه، واللفظ لمسلم.

6 هذا اللفظ عند مسلم فقط ص 213.

7 في "باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً" ص 33، وأخرجه أحمد في "مسنده" ص 271 ج 2 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. وأبي بكر بن سليمان عن أبي هريرة، فذكره.

ص: 67

بْنِ كِلَابٍ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَمَا نَسِيتُ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، "فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَلَّمَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّقَصِّي": هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ1: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، فَقَالَ:"أَصَدَقَ هَذَا"؟ قَالُوا: نَعَمْ، "فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ، الْحَدِيثَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "يَعْنِي صَلَاةً" فَسَهَا فِيهَا، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ:"مَا قَصُرَتْ، وَلَا نَسِيتُ"، قَالَ: إنَّك صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ:"أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ. وَبِشْرِ بْنِ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَالْعَجَبُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، كَيْفَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو كُرَيْبٌ3. وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَبِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ تَخَلَّصَ بِقَوْلِهِ: لَا نَعْلَمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

1 حديث عمران هذا أخرجه مسلم في "باب السهو في الصلاة والسجود له" ص 214، وأما البخاري فلم أجد فيه هذا الحديث، والله أعلم، وأخرجه أبو داود: ص 153، وابن ماجه: ص 86.

1الحديث أخرجه ابن ماجه في "باب فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً" ص 86، والسياق سياقه، مع تفاوت يسير، وأخرجه أبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 153 عن أحمد بن محمد بن ثابت. ومحمد بن العلاء، ولم يسق المتن، وقال ابن أبي حاتم في "علله" ص 99: قال أبي: حديث أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر في قصة ذي اليدين منكر، أخاف أن يكون أخطأ فيه أبو أسامة، اهـ

3 قلت: وعلي بن محمد أيضاً روى ابن ماجه عنه، وعن أبي كريب، وأحمد بن سنان عن أبي أسامة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة، عند الطحاوي: ص 257.

ص: 68

فَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ، انْتَهَى.

وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَخْرَجَاهُ عَنْهُ2، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك، فَتَرُدُّ عَلَيْنَا، فَقَالَ:"إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ، وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك كُنْتَ تَرُدُّ عَلَيْنَا، قَالَ:"إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَتَدَاوَلَهُ الْفُقَهَاءُ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ يَتَوَقَّيَانِ رِوَايَةَ عَاصِمٍ، لِسُوءِ حِفْظِهِ، فَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ، انْتَهَى. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَذُو الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ4: إنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ، لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يروى مالا يَحْضُرُهُ5 بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ شَهِدَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَحَضَرَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْهُ، قَالَ:

1 في "باب ما ينهى من الكلام في الصلاة" ص 160، ومسلم في "باب تحريم الكلام في الصلاة" ص 204.

2البخاري: ص 160، ومسلم: ص 204، وأبو داود في "باب رد السلام في الصلاة" ص 140.

3 في "باب رد السلام في الصلاة" ص 140، والنسائي في "باب الكلام في الصلاة" ص 181، والطحاوي ص 261.

4 قال البيهقي: ص 341 ج 2، قال الزهري: كان ذلك قبل بدر، ثم استحكمت الأمور.

5 روى ابن سعد في "طبقاته" ص 13 ج 7، في النصف الأول منه عن الحسن بن موسى الأشيب، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك أنه حدث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فغضب غضباً شديداً، وقال: لا، والله ما كل ما نحدثكم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنا لا يتهم بعضنا بعضاً، اهـ. قال الجصاص في "أحكام القرآن" ص 527 ج 1: قال البراء: ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه، ولكنا سمعنا وحدثنا أصحابنا، اهـ. وقد تقدم أن جميع مسموعات ابن عباس سبعة عشر حديثاً، اهـ، وقال ابن حزم في "الفصل" ص 137 ج 4: إنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أزيد من ألف وخمسمائة حديث، اهـ.

ص: 69

صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، قَالَ:

1 قوله: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخ: استدل الشافعية بهذا اللفظ، على أن أبا هريرة كان حاضراً عند واقعة ذي اليدين، لاتفاق الجميع على أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، سنة سبع، وأن ذا الشمالين استشهد ببدر، فذو اليدين، غير ذي الشمالين:

وأجاب عنه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 261: بما روى عن ابن عمر أن إسلام أبي هريرة كان بعد قتل ذي اليدين، وإنما قول أبي هريرة: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعني بالمسلمين" وهذا سائغ في اللغة، ثم روى عن النزال بن سبرة، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا وإياكم ندعي ابن عبد مناف"، الحديث، وقال: نزال بن سبرة لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: روى عن طاوس أنه قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وأراد به قدومه اليمن، لأن قدومه كان قبل أن يولد طاوس، وقال: روى عن الحسن، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، يريد خطبته بالبصرة، والحسن لم يكن بالبصرة رحمه الله، اهـ. قلت: ما قال الطحاوي سائغ، وله أمثلة كثيرة: منها ما رواه هو في "شرح الآثار" ص 245 عن ابن أبي ليلى، قال: خطبنا عمر، وفي ص 209، قال: صلى بنا عمر، وفي النسائي: ص 209 في "كتاب الجمعة" عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر، اهـ. وروى البيهقي في "سننه الكبير" ص 168 ج 4 عن الحسن، قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة، وقال: قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من ابن عباس، وما رآه قط، قال: إنما هو كقول ثابت: قدم علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: خرج علينا علي، وكقول الحسن: إن سراقة بن مالك حدثهم، وروى البيهقي في "سننه" ص 491 ج 2 عن الحسن، قال: أمَّنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قلت: قالوا: إن الحسن لم يصح لقاءه لعلي رضي الله عنه، وأخرج أبو داود في "الخراج في باب كيف إخراج اليهود من المدينة" ص 66 ج 2 عن أبي هريرة أنه قال: بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر قصة إخراج اليهود، وكان هذا قبل حنين، وقبل إسلام أبي هريرة رضي الله عنه، وروى البخاري في "الحدود" ص 1002 عن السائب، قال: نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فنقوم إليه، الحديث، قال الحافظ في "الفتح" ص 59 ج 12:إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجاز، لان السائب كان صغيراً جداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان المراد بقوله: كنا، أي الصحابة، اهـ. وروى أبو داود في "باب الصلاة على المسلم يموت بأرض الشرك" ص 101 ج 2 عن أبي موسى الأشعري، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي، الحديث.

قلت: إن أبا موسى أول ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، وقد رجع عن الحبشة مع جعفر رضي الله عنه، ومن هذا الباب حديث زيد بن أرقم، عند ابن حبان، قال: معنى قول زيد: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون.

فإن قلت: هب أن هذا شائع في اللغة جائز، إذا كان بصيغة الجمع، وأما في لفظة: بينا أن أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا مساغ له، وقد روى مسلم من حديث يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بهذا اللفظ، قلنا: إذا ثبت أن أبا هريرة إنما أسلم بعد قتل ذي اليدين، وأن ذا اليدين هو ذو الشمالين، وأنه قتل ببدر، فاليؤوّل هذا اللفظ أيضاً، بما يؤوّل به أمثاله، روى الحاكم في "المستدرك" ص 48 ج 4 باسناد رواته ثقات عن أبي هريرة، قال: دخلت على رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، واتفقوا على أن رقية توفيت في السنة الثانية من الهجرة، في رمضان، قبل إسلام أبي هريرة بخمس سنين، وروى الدارقطني في "سننه" ص 232 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنت عند عمر، الحديث، وقال ابن معين لم يثبت سماع ابن أبي ليلى من عمر، اهـ. فنقول فيه: لعلّ أصل الحديث: دخلنا، وكنا فغيَّرة بعض الرواة إلى هذا، وهذا، وإن لم نعثر عليه في رواية، لكن لابد له إذا حفظنا الراوي عن نسبة الخطا إليه، وأما حديث يحيى الذي عند مسلم، فاللفظ الذي استدل به هو من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى، وهو ابن أبي كثير عن أبي سلمة، انفرد به شيبان من أصحاب يحيى، ويحيى مدلس، روى عن أبي سلمة بالعنعنة، وروى ابن المبارك الحديث عن يحيى، ولم يذكر هذا اللفظ، وروى الطحاوي الحديث: ص 258،

ص: 70

وَاَلَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ "عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو" خُزَاعِيٌّ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَيْضًا: وَهَمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ، وَذُو الشِّمَالَيْنِ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ1 بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يُقَالُ2 وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَذُو الشِّمَالَيْنِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، مِنْ خُزَاعَةَ، اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَا عَقِبَ لَهُ، وَأَمَّا ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ3: فِي حَدِيثِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ مُطَيْرٍ4 يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ بعد حديث ذو الْيَدَيْنِ، لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ مِنْ مُتَقَدِّمِي الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ عَشَرَةَ غَزْوَةً، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، وَصَحِبَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعًا، رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سِنِينَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ فَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا، لِأَنَّهُ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "مَغَازِيهِ"، وَهِيَ أَصَحُّ الْمَغَازِي عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ

من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه، اهـ فطريق حرب الذي فيه التصريح بتحديث أبي سلمة يحيى يوافق سائر من روى عن أبي سلمة. وأبي هريرة بلفظ الجمع، فطريق شيبان إما وهم منه، وتصرف في الرواية، خالف به جميع من روى عن يحيى بن أبي كثير. وأبي سلمة. وأبي هريرة، أو من تدليس يحيى. فبالجملة: هذا أخف وأهون من تخطئة الزهري. وعمران بن أبي أنس. وأيوب عن ابن سيرين.

وتأويل ما في الحديث من قوله: قالوا: صدق، لم تصلّ إلا ركعتين، وقوله: قالوا: نعم يا رسول الله، وغير ذلك مما أجاب به القوم نبي الله صلى الله عليه وسلم "بأومأوا" وقولهم: بأن ذا اليدينن قال للنبي صلى الله عليه وسلم: بعض ذلك، قد كان يا رسول الله، وكان يظن أنه أتم صلاته، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: لم تقصر الصلاة، وغير ذلك من التأويلات التي لا يسوى بها الحديث على ما هم عليه الآن من مذهبهم، فمن ارتكب هذه الأمور كلها لتسلم له: بينا أنا أصلي، في رواية شيبان، فهو كمن حفظ بيتاً، وهدم مدينة، والله أعلم، وعلمه أتم.

1 قلت: أخرج الطحاوي: ص 261 من طريق العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر له حديث ذي اليدين، فقال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين، اهـ. رواته ثقات، إلا العمري، وهو عبد الله بن عمر ابن حفص، قال الذهبي: صدوق، في حفظه شيء، اهـ. وقال أيضاً في "الميزان": قال ابن معين في نافع: ثقة صالح، اهـ.

2 أشار إلى ضعف مستند هذا القول، كما ستقف في الكلام على قول السهيلي إن شاء الله تعالى.

3 قلت: أخرج حديثه مسلم: ص 214، وأحمد في "مسنده" ص 433 ج 2 عن حسن بن موسى حدثنا شيبان بن عبد الرحمن حدثنا يحيى، فذكره، أجاب عنه الشيخ النيموي، بأن المراد به سليم بن ملكان، وهو من "خزاعة" لا سليم بن منصور، الذي ليس بخزاعي، اهـ.

4 أخرج حديث شعيب هذا أحمد في "مسنده" ص 77 من حديث معدي بن سليمان حدثنا شعيب بن مطير عن أبيه، قال: النيموي هذه سلسلة الضعفاء، ثم ذكر ضعف كل واحد منهم.

ص: 71

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ1، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى النَّجَاشِيِّ، وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا: فَبَادَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَاءَ فَشَهِدَ بَدْرًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ: كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ حَضَرَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَهْرَيْنِ، وَقَدْ حَضَرَ قِصَّةَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَيْنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ2 وَقَوْلُهُ:"إنَّ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ"، أَيْ الْكَلَامُ الْعَمْدُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كَلَامِ السَّهْوِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ3، وَأَسْنَدَ إلَى عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الْحَجَرِ لِيَسْتَلِمَهُ، فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا، وَقَالَ: مَا أتممنا الصلاة؟ فقلنا برؤوسنا: لَا، فَرَجَعَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا أَمَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ4": رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ التَّسْلِيمِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ

1 لابن مسعود هجرتان إلى الحبشة، كما قال ابن سعد وغيره من أهل السير، قال ابن حجر في "الفتح" ص 60 ج 3: أراد ابن مسعود رجوعه الثاني، وقد ورد أنه قدم المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، اهـ. ثم استدل على ذلك، ثم قال: فظهر أن اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه إلى الحبشة، كان بالمدينة.

2لم يأمره بالاعادة، قلت: أما قوله عليه السلام: هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فهذا أعم للمتعمد. والناسي، فكلام معاوية إن كان من كلام الناس، فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، وأما إنه عليه السلام لم يأخذه بيده، ولم يخرجه من المسجد، ولم يهيء له الوضوء، فهذا لم يفعله عليه السلام، لأن في قوله كفاية لمن اكتفى، والله أعلم.

3قلت: ورواه الطيالسي في "مسنده" ص 346، والبيهقي: ص 26 ج 2 عن حماد بن زيد عن عسل بن سفيان التميمي عن عطاء، فذكره، وعسل بن سفيان ضعيف، ورواه الطحاوي: ص 256، وفيه جابر، وهو ضعيف، وروى البيهقي من طريق أخرى، وفيه الحارث بن عبيد، ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: مضطرب الحديث، وعنه قال: لا أعرفه.

4قوله: قال السهيلي في "الروض الأنف"، الخ: قلت: أخطأ السهيلي في هذه العبارة في مواضع:

الأول: إن الحديث الذي استدل به هو. والبيهقي. وشيخه أبو عبد الله الحاكم على تأخر موت ذي اليدين، رواه أحمد في "مسنده" ص 77 ج 4، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 366 ج 2 من طريق معدي بن سليمان عن شعيب بن مطير عن أبيه، وهؤلاء كلهم ضعفاء، رد بهذه الرواية الضعيفة على الزهري، وهو: إمام الحديث. والمغازي، قال ابن تيمية في "فتاواه" ص 145 ج 2: إن الزهري من أعلم الناس في زمانه بالسنة، اهـ.

والثاني: أنه ظن أن مطيراً هو ابن لذي اليدين، وهذا غلط أيضاً، فان مطيراً هذا، مطير بن سليم الوادي، ذكره ابن حجر في "التهذيب" وسياق الحديث الذي استدل به يرده أيضاً، فان فيه قال شعيب لأبيه مطير: =

ص: 72

فِيهِ: فقال ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ عليه السلام:"أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا إلَّا الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ: ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ، وَاسْمُهُ "خِرْبَاقٌ وَذُو الشِّمَالَيْنِ"، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَالْحَدِيثُ شهده أبي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ، وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ابْنُهُ مُطَيْرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ، وَرَوَاهُ عَنْ مُطَيْرٍ ابنه شعيب بن مطر، وَلَمَّا رَأَى الْمُبَرِّدُ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذُو الْيَدَيْنِ، هو: ذو الشمالين، كما يُسَمَّى بِهِمَا جَمِيعًا، ذَكَرَهُ فِي آخِرِ "كِتَابِهِ الْكَامِلِ"، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، انْتَهَى.

= يا أبتاه! إنك أخبرتني أنه لقيك ذو اليدين بذي الخشب، فأخبرك، وهذا السياق يأبى أن يكون مطير ابناً لذي اليدين، والله أعلم.

والثالث: أنه زعم أن إسلام أبي هريرة كان بعد بدر بسنتين، وهذا بمعزل عن الصواب، لأن وقعة بدر كانت في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وأسلم أبو هريرة عام خيبر، ووافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وغزوة خيبر كانت في السنة السابعة عند الجمهور الذين أول عامهم من المحرم، وفي آخر السنة السادسة عند من يظن أن ابتداء السنة من ربيع الأول، كابن حزم، ومن وافقه، وبين بدر. وخيبر أكثر من أربع سنين.

والرابع: أنه ظن أن الزهري منفرد بذكر ذي الشمالين، وهذا أيضاً خطأ، فإنه كما روى الزهري هذا الحديث عن أبي سلمة. وأبي بكر بن سليمان. وابن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، روى حديثه النسائي: ص 183، والدارمي: ص 185، وأحمد: ص 271 ج 2، ومالك: ص 33. وسماه بذي الشمالين، كذلك روى عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وسماه بذي الشمالين، وروى حديثه النسائي: ص 182، والطحاوي: ص 258، وروى أحمد في "مسنده" ص 284 ج 2 عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة الحديث، وفيه: فقال ذو الشمالين: أخففت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يقول ذو اليدين؟! " الحديث، وهذه من رواية الثقات الإثبات، كما ترى.

والعجب من السهيلي، وكل من يفرق بين ذي اليدين. وذي الشمالين أنهم يعتمدون فيه على رواية معدي بن سليمان عن شعيب عن مطير، وهم ضعفاء، ولم أر لهم مسنداً غيرها، ويردون بها رواية الزهري عن أبي سلمة. وأبي بكر بن سليمان. وابن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، ورواية عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، ورواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وأن السهيلي يرد بها على مبرد، ويزعم أنه رأى إسناد الزهري فقط، والحال أن المتن الذي ذكره المبرد ليس من سياق الزهري في شيء، بل لو قال: إنه رأى طريق ابن سيرين فقط لكان له وجه، لأنه قال في "الكامل" ص 308 ج 3: ومنهم، أي من الأزواء، ثم من خزاعة، ذو اليدين، سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين وكان قبل يدعى: ذا الشمالين، الخ. وهذا يرشدك إلى أنه كان له اسم يسمى به، وهو: ذو الشمالين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسميه بهذا الاسم لتشاؤمه، كما في حديث الصدقة:"الصدقة يأخذها الله بيمينه، وكلا يديه يمين"، وكان يسميه بذي اليدين، صوناً له عن نبزه باللقب الجاهلي، كما سمى "مهاجره" بالمدينة، وكان قبل يسمى: بيثرب، وسمى "العتمة" بالعشاء، وهذا مصرح في طريق ابن سيرين، بعضه في البخاري: ص 164، وص 894 من طريق يزيد بن إبراهيم عنه، ولفظه: وفي القوم رجل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه ذو اليدين، والبعض في طريق أيوب عنه، عند أحمد: ص 284 ج 2، كما ذكرته آنفاً، ولهذا تراهم يتفقون على لفظة: ذي اليدين، فيما ينقلون من ألفاظه صلى الله عليه وسلم، وإنما يذكر الزهري. وعمران. ومحمد بن سيرين من لفظ أبي هريرة، فيما يسميه من عند نفسه، والله أعلم.

وأطنب الكلام في هذا المرام ابن التركماني في "الجوهر النقي" والشيخ النيموي في "آثار السنن" فارجع إليهما.

ص: 73

قُلْت: وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1: ذُو الْيَدَيْنِ، وَيُقَالُ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، انْتَهَى. الْجَوَابُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا: عَنْ حديث ذِي الْيَدَيْنِ، قَالُوا: إنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَغَيْرَهُمَا مِنْ النَّاسِ تَكَلَّمُوا عَامِدِينَ، وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَلَكِنَّهُمْ أَشَارُوا، وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، أنهم أومأوا2 أَيْ نَعَمْ، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ قَالُوا: نَعَمْ، إنَّمَا هُوَ تَجَوُّزٌ، وَنَقْلٌ بِالْمَعْنَى، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: قُلْت بِرَأْسِي: نَعَمْ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكُلُّ كَلَامٍ كَانَ جَوَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَيْرُ مَنْسُوخٍ جَوَازُهُ فِي الصَّلَاةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى3 قَالَ: كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَوَابَ الرَّسُولِ وَاجِبٌ، لَمْ يُبْطِلْ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي"الْإِمَامِ": وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ4: تَحْرِيمُ الْكَلَامِ إنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ سَكَتُوا،

1 "طبقات ابن سعد" ص ج 118 ج 3 من الحصة الأولى، وهكذا قال ابن حبان في ثقاته: ذو اليدين، ويقال: ذو الشمالين أيضاً، ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وقال أيضاً: ذو الشمالين، عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عامر ابن الحارث بن غيثان الخزاعي، حليف بني زهرة، اهـ: وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى العدني في "مسنده" قال أبو محمد الخزاعي: ذو اليدين أحد أجدادنا، وهو ذو الشمالين، اهـ. قال النيموي في "آثار السنن وفي مجمع الزوائد" ص 152 ج 2 عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ثم سلم، فقال له ذو الشمالين: أنقصت الصلاة، الحديث، رواه البزار. والطبراني في "الكبير" وفيه: جابر الجعفي، وثقه شعبة. والثوري. وضعفه الناس، اهـ.

2قوله: فأومأوا الخ: قال أبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 152: لم يقل فأومأوا إلى حماد ابن زيد، اهـ. وقال الدارقطني" ص 140، قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فأومأوا، إلا حماد ابن زيد، وقال البيهقي في: ص 357 ج 2، بعد ذكر قول أبي داود، وقال الشيخ: ولم يبلغنا إلا من جهة أبي داود عن محمد بن عبيد عن حماد بن زيد، وهم ثقات أئمة، اهـ. قلت: روى أبو الربيع الزعفراني عن حماد، عند مسلم، ولم يقل: فأومأوا، وروى أسد عن حماد، عند الطحاوي، وقال: نعم، وكذا سليمان بن أيوب، عند الدارقطني، وروى مسلم من حديث ابن عيينة عن أيوب، ولفظه: صدق، لم تصل إلا ركعتين، وروى النسائي من حديث الزهري، وفيه: صدق يا رسول الله.

3 عند البخاري ص 749.

4 قال الحافظ في "الفتح" ص 60 ج 3: أما قول ابن حبان: كان النسخ بمكة قبل الهجرة، بثلاث سنين، قال: ومعنى قول زيد بن أرقم: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون، لأن قومه كانوا يصلون قبل الهجرة مع مصعب بن عمير، وكان يعلمهم القرآن، فلما نسخ الكلام بمكة، بلغ ذلك أهل المدينة، تركوه، فهو متعقب بأن الآية مدنية بالاتفاق، وبأن إسلام الأنصار، وتوجه مصعب بن عمير إليهم إنما كان قبل الهجرة بسنة واحدة، وبأن في حديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا أخرجه الترمذي، فانتفى أن يكون المراد

ص: 74

فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَحْكِي الْحَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: نُسِخَ الْكَلَامُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَدْ كَانَ ذَاكَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسِنِينَ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ1 رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمًا، فَسَلَّمَ، وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَسِيتَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً، فَرَجَعَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً، فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ النَّاسَ، فَقَالُوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْت: لَا، إلَّا أَنْ أَرَاهُ، فَمَرَّ بِي، فَقُلْت: هَذَا هُوَ، فَقَالُوا: هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالُوا: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ هَذَا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَهْرَيْنِ، قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا سَبَقَ فِي "الصَّحِيحِ"، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هُمَا قَضِيَّتَانِ، وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَضِيَّةٌ، وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى. وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ، اسْمُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو العربان، عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَانًا، وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ، فَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا، وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ.

هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ، إلَّا الزُّهْرِيَّ، وقد اتفقوا على تغليظ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام:

"إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيُسَبِّحْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو

=الأنصار الذين كانوا بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب ابن حبان في موضع آخر: بأن زيد بن أرقم أراد بقوله: كنا نتكلم، من كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من المسلمين، وهو متعقب أيضاً بأنهم ما كانوا يجتمعون بمكة إلا نادراً، وبما روى الطبراني من حديث أبي أمامة، قال: كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه، فيخبره بما فاته فيقضي، ثم يدخل معهم، حتى جاء معاذ يوماً، فدخل في الصلاة، فذكر الحديث، وهذا كان بالمدينة قطعاً، لأن أبا أمامة. ومعاذ بن جبل إنما أسلما بها، اهـ. ومثل حديث أبي أمامة حديث معاذ، عند أحمد: ص 246 ج 5، ولفظه: وكان الرجل يشير إلى الرجل إن جاء، كم صلى؟ فيقول: واحدة. أو اثنتين، فصلاهما، اهـ. وفي أبي داود في "الأذان" ص 81، كان الرجل إذا جاء يسأل، فيخبر بما سبق من صلاته، اهـ. ثم ذكر مجيء معاذ، وتقدم الحديث في "الأذان" ص 140

1 معاوية بن حديج مصغراً بالحاء المهملة ثم الجيم.

2 في "السهو في باب إذا صلى خمساً" ص 153، والحاكم في "المستدرك" ص 261، وص 323، والطحاوي: ص 259.

3 في "باب من دخل ليؤم الناس، فجاء الإمام الأول" ص 94، ومسلم في "باب تقديم الجماعة من يصلي بهم" ص 179.

ص: 75

ابْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إلَيْهِ: أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُك". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مالي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ"؟! "مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" إلَّا لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عن سهل بن سعدن وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لايقطع الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ، قَالُوا:"لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ الْبُخَارِيُّ في "صحيحه"

1 قلت: أخرجه البخاري أيضاً من رواية مالك.

2 في "باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء" ص 111، والدارقطني: ص 141، والبيهقي: ص 278 ج 2.

3 ص 141، و"الموطأ في باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي" ص 55، والبخاري في المساجد في "باب لا يقطع الصلاة شيء" ص 72، من قول الزهري

ص: 76

عَلَى الزُّهْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ عَنْ الصَّلَاةِ، أَيَقْطَعُهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ".

وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ، فَمَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حِمَارٌ، فَقَالَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. سُبْحَانَ اللَّهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ الْمُسَبِّحُ آنِفًا؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي سَمِعْت أَنَّ الْحِمَارَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ فِي "التَّحْقِيقِ": أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَفِيهِ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانُ، قَالَ أَحْمَدُ: ضَعِيفٌ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَفِيهِ صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُحَدِّثُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْأَبَاطِيلِ، عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ مُنْكَرٌ، أَوْ مِنْ مَوْضُوعَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ"، وَقَالَ: إنَّهُ وَهَمَ فِي صَخْرٍ هَذَا، فَإِنَّ صَخْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَلَا ابْنُ حِبَّانَ، بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَ ابْنُ عَدِيٍّ صَخْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِالْحَاجِبِيِّ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ، رَوَى عَنْ مَالِكٍ. وَاللَّيْثِ. وَغَيْرِهِمَا، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط3" عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُصَلِّي، فَذَهَبَتْ شَاةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَسَاعَاهَا، حَتَّى أَلْزَقَهَا بِالْحَائِطِ، ثُمَّ قَالَ:"لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي

1 ص 141، وفي "الزوائد" ص 63 ج 2، روى الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن.

2 صخر بن عبد الله، قال في "التقريب": المدلجي الحجازي مقبول، غلط ابن الجوزي، فنقل عن ابن عدي أنه اتهمه، وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي، اهـ.

3 في "الزوائد" ص 62 ج 2، رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه: يحيى بن ميمون، وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" اهـ.

ص: 77

"كِتَابِهِ فِي الضُّعَفَاءِ": عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو سَلَمَةَ الْخَوَّاصُ الْوَاسِطِيُّ، يَرْوِي الْعَجَائِبَ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَحَدِيثُ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ" حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.

وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ1" عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ، فَقَالَتْ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَدَابَّةُ سُوءٍ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَرِضَةً، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: ذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَعُمْدَتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَآخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ"، قُلْت: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ؟ قَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ:"الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَفِي نَفْسِي مِنْ الْمَرْأَةِ. وَالْحِمَارِ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْت عَنْ الْحِمَارِ، وَتَرَكْته أَمَامَ الصَّفِّ، فَمَا بَالَاهُ، وَلَمْ يَجِدْ فِي الْكَلْبِ شَيْئًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ ابْنُ أَخِي أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، فِيهِ لِينٌ، وَكَذَلِكَ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِهِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ. وَالْكَلْبُ. وَالْحِمَارُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ ثَنَا قَتَادَةُ، سَمِعْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ. وَالْكَلْبُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ شُعْبَةَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَفَهُ سَعِيدٌ. وَهِشَامٌ. وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى

1البخاري في "باب الصلاة على الفراش" ص 56، ومسلم في باب سترة المصلي" ص 697.

2 ص 197، وأبو داود في "باب ما يقطع الصلاة" ص 109، وكذا النسائي: ص 122، والترمذي: ص 45، وابن ماجه ص 68.

3 البخاري في "باب سترة الإمام سترة من خلفه" ص 71، ومسلم في "باب سترة المصلي" ص 196.

4 في "باب سترة المصلي" ص 197.

5 ص 109، والنسائي في "باب ذكر ما يقطع الصلاة" ص 123، وابن ماجه في "باب ما يقطع الصلاة" ص 68.

ص: 78

ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ الْقَطْعَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَلَى قَطْعِ الْخُشُوعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ مَيْمُونَةَ1، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَعَلَيَّ مِرْطٌ، وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ، لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ، يَسْأَلُهُ، مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؟. قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمْ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَاقُونَ، إلَّا ابْنُ مَاجَهْ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَسَيَأْتِي، وَهُوَ فِي "الْأَرْبَعِينَ لِلرَّهَاوِيِّ": مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَعَزَاهُ إلَيْهِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ3" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بشر بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَفِيهِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ: "أَرْبَعِينَ خَرِيفًا". الثَّانِيَةُ: إنَّ مَتْنَهُ عَكْسَ مَتْنِ "الصَّحِيحَيْنِ"، فَالْمَسْئُولُ فِي لَفْظِ "الصَّحِيحَيْنِ" هُوَ أَبُو الْجُهَيْمِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمَسْئُولُ الرَّاوِي عِنْدَ الْبَزَّارِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، وَنَسَبَ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَهْمَ فِيهِ إلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ: وَقَدْ خَطَّأَ النَّاسُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ، لِمُخَالَفَتِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ خَطَؤُهُ بِمُتَعَيِّنٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أبو جهيم بعث بشر بْنَ سَعِيدٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بَعَثَهُ إلَى

1 البخاري في "باب إذا صلى إلى فراش حائض" ص 74 ومسلم في: ص 198.

2 في "باب إثم المار بين يدي المصلي" ص 73، ومسلم: ص 197، وأبو داود في "باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي" ص 108، والنسائي في "باب التشديد في المرور بين يدي المصلي" ص 123، والترمذي في "باب كراهية المرور بين يدي المصلي" ص 45، وابن ماجه في "باب المرور بين يدي المصلي" ص 68.

3 في "الزوائد" ص 61، رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، اهـ. قلت: ورواه الدارمي في "سننه في باب كراهية المرور بين يدي المصلي" ص 171 عن يحيى بن حسان، أنا ابن عيينة، باسناد مثل إسناد البزار. وإرسال أبي جهيم، إلا أنه لم يذكر خريفاً، وذكر: فلا أدري أسنة. أو شهراً، أو يوماً، اهـ.

ص: 79

أَبِي جُهَيْمٍ، بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ، لِيَسْتَثْبِتَهُ فِيمَا عِنْدَهُ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَحْفُوظِهِ، وَشَكَّ أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ الْآخَرُ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي النَّضْرِ، وَحَدَّثَ بِهِ الإمامين: مالك. وَابْنَ عُيَيْنَةَ، فَحَفِظَ مَالِكٌ حَدِيثَ أَبِي جُهَيْمٍ، وَحَفِظَ سُفْيَانُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.1، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ": رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَقْلُوبًا، فَجَعَلَ فِي مَوْضِعِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَبَا جُهَيْمٍ، وَفِي مَوْضِعِ أَبِي جُهَيْمٍ، زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ الثَّوْرِيُّ2 وَغَيْرُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ3" بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَزَّارِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ أَبَا جُهَيْمٍ، وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَالِمٍ أبي النضر عن بشر بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْسَلُونِي إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَأَخْبَرَنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:"لَأَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي، أَرْبَعِينَ سَنَةً. أَوْ شَهْرًا. أَوْ صَبَاحًا. أَوْ سَاعَةً، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ بِهِ، بِمَتْنِ "الصَّحِيحَيْنِ"، وَلَا أَدْرِي سُفْيَانُ هَذَا الَّذِي فِي السَّنَدِ الثَّانِي، أَهُوَ الثَّوْرِيُّ. أَوْ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ وَافَقَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَدْ خَالَفَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّنَدُ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ، كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَا"، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا، فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّهُ5 مَا مَرَّ أَمَامَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد6. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

1 قال الحافظ في "الدراية": ولا يخفى تكلفه.

2 قال الحافظ في "الدراية" ص 105: ومتابعة الثوري عند ابن ماجه، اهـ. قلت: أراد به من روى عنه وكيع في السند الثاني.

3 ص 68.

4 في "باب الخط إذا لم يجد عصا" ص 107.

5 في أبي داود: ثم، بدل: الواو.

6في "باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن المار بين يديه" ص 108، والنسائي: في "باب التشديد في المرور بين يدي المصلي" ص 123، وابن ماجه في "باب ادرأ ما استطعت" ص 68

ص: 80

"إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يَمُرُّ، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ1" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالْبَزَّارُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ2، فِي تَرْجَمَةِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ" حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ بِسَهْمٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا.

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ؟ "، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا جَعَلْت بَيْنَ يَدَيْك مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ، فَلَا يَضُرُّك مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ، مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي "غَزْوَةِ تَبُوكَ" عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: "مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ3" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جِئْت أَنَا. وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَتَانٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا، وَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ، وَدَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَقُلْ لَنَا

1 ص 251، وأحمد في "مسنده" ص 86 ج 2.

2 قلت: وأحمد في "مسنده" ص 404 ج 3 عن زيد عن عبد الملك به، والحاكم في "المستدرك" ص 252 ج 1 من طريق حرملة به.

3 في "باب سترة المصلي" ص 196، والبخاري أيضاً في خمسة مواضع منها: في "الصلاة في باب سترة الإمام سترة من خلفه" ص 71، واللفظ لغيرهما، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة، وفيه حديث ابن عباس ذكره في "الزوائد" ص 63 ج 2 عزاه إلى أبي يعلى، وقال: رجاله رجال الصحيح.

ص: 81

شَيْئًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِدُونِ سُتْرَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ فِي بادية، ومعه عَبَّاسٍ، فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ. وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يديه، فما بال ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْت أَنَا. وَالْفَضْلُ، عَلَى أَتَانٍ، فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ، وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ، وَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، انْتَهَى. وَلَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ، فَقَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ: الْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ لَا يَمْنَعُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، مُخْتَصَرٌ، فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْكَلْبَ. وَالْحِمَارَ، مَرَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، دُونَ السُّتْرَةِ، إذْ لَا يُقَالُ: مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا، لِشَيْءٍ يَمُرُّ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.

أَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ منهان فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4

1 في "باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة" ص 111.

2 في "باب سترة الإمام سترة من خلفه" ص 71،ومسلم: ص 196 أخرج الحديث البخاري في مواضع، وفيه، في "اللباس": رأيت الناس، والدواب يمرون بين يديه، من وراء العنزة، وفي لفظ لهما: وبين يديه عنزة، والمرأة. والحمار يمران من روائها، اهـ. وهذا يخالف ما ظنه المؤلف ظاهراً، والله أعلم.

3 في "باب الدنو من السترة" ص 108، وكذا النسائي ص 123، والحاكم في "المستدرك" ص 251.

4 في "باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه" ص 108، وابن ماجه في "باب ادرأ ما استطعت" ص 68.

ص: 82

بِلَفْظِ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْأَحْزَمُ الْأَصْفَهَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ1 الصُّرَيْفِينِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَمُرُّ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْجُبَيْرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، هَكَذَا وَجَدْته فِي "كِتَابِهِ"، وَأَحْسَبُهُ2 مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ3 بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا يَحْفَظُهُ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" أَيْضًا4 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، سَوَاءٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ بْنِ إيَاسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهِ، نَحْوُهُ، وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ"، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَا: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ بُرَيْدَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ:

وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوْ الْأَيْسَرِ، بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ حُجْرٌ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَى عُودٍ، وَلَا عَمُودٍ، وَلَا شَجَرَةٍ، إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوْ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِالْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ،

1 قال في "الزوائد" ص 59 ج 2: لم أجد من ذكره، وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح.

2قال في "الزوائد": محمد بن عبد الله بن عبيد ضعيف، اهـ

3 في نسخة "عبيد الله".

4 قال في "الزوائد" ص 59 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون، اهـ

5 في "باب إذا صلى إلى سارية، أو نحوها" الخ ص 107، وأحمد: ص 4 ج 6.

ص: 83

وَأَمَّا ابْنُ الْقَطَّانِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ عِلَّتَيْنِ: عِلَّةً فِي إسْنَادِهِ. وَعِلَّةً فِي مَتْنِهِ، أَمَّا الَّتِي فِي إسْنَادِهِ، فَقَالَ: إنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَجَاهِيلَ: فَضُبَاعَةُ1 مَجْهُولَةُ الْحَالِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهَا. وَكَذَلِكَ الْمُهَلَّبُ بْنُ حُجْرٌ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَالْوَلِيدُ بْنُ كَامِلٍ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَتُهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ كَثِيرُ شَيْءٍ، يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا الَّتِي فِي مَتْنِهِ، فَهِيَ أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ السَّكَنِ رَوَاهُ فِي "سُنَنِهِ" هَكَذَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَلَبِيُّ ثَنَا أَبُو تَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ ثَنَا الْمُهَلَّبُ بْنُ حُجْرٌ الْبَهْرَانِيُّ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى عَمُودٍ. أَوْ سَارِيَةٍ. أَوْ شَيْءٍ. فَلَا يَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَجْعَلْهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد عَنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، فَغَيَّرَ إسْنَادَهُ وَمَتْنَهُ، فَإِنَّهُ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، وَهَذَا الَّذِي رَوَى بَقِيَّةُ هُوَ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهَا، وَذَاكَ فِعْلٌ. وَهَذَا قَوْلٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فَمَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَتْنِ، بَقِيَّةُ يَقُولُ: ضُبَيْعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَامِ، وَابْنُ عَيَّاشٍ يَقُولُ: ضُبَاعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَادِ، فَالْوَهَنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ اخْتِلَافٌ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَمُوَرِّثٌ لِلشَّكِّ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ الْوَلِيدِ فِي نَفْسِهِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ مَنْ فَوْقَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْمُهَلَّبَ بْنَ حُجْرٌ، ذَكَرَهُ بِرِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ، وَأَمَّا ضُبَيْعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَامِ، فَجَاءَ هُوَ بِأَمْرٍ ثَالِثٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى الِاضْطِرَابِ، وَالْجَهْلِ بِحَالِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا.

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "فَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد3 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ:"لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ

1 في "التقريب": "لا تعرف".

2 في "باب الصلاة إلى العنزة" ص 71، ومسلم: ص 196.

3 في "باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء، ص 111، وتقدم في: ص 259، حديث الخدري. وابن عمر. وجابر، في "الحديث الثاني والسبعون".

4في "باب يرد المصلي من مرّ بين يديه" ص 73، ومسلم في "باب سترة المصلي" ص 96، واللفظ له، والطحاوي: ص 257 ج 1.

ص: 84

يُصَلِّي، فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: ومعناه أن معه شيطان يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، لَا أَنَّ الرَّجُلَ شَيْطَانٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَلُّوا إلَّا إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ الْمُصَلِّي أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ"، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ1"، وَزَادَ: "يَعْنِي الشَّيْطَانَ"، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ، مِنْ الْإِنْسِ. وَالْجِنِّ. وَالدَّوَابِّ، فَهُوَ شَيْطَانٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الشِّفَاءِ": وَقَدْ اسْتَمَرَّ كَلَامُ الْعَرَبِ فِي وَصْفِهِمْ كُلَّ قَبِيحٍ مِنْ شَخْصٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِالشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، وَقَالَ عليه السلام: "فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، وكلام الصِّحَاحِ أَخَصُّ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: "وَيَدْرَأُ" بِالْإِشَارَةِ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"هُنَّ أَغْلَبُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" هَكَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هَذَا لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِي طَبَقَتِهِ جَمَاعَةً بِاسْمِهِ، وَأُمُّهُ لَا تُعْرَفُ أَلْبَتَّةَ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِمَا لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِي "كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ" إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَطَّانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: عَنْ أُمِّهِ3، وَقَوْلُهُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ مَاجَهْ، بِقَوْلِهِ: هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي "تَهْذِيبِ الْكَمَالِ" أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

1 قلت: والطحاوي: ص 267، ولفظه:"فإن معه القرين".

2 في "باب ما يقطع الصلاة" ص 68.

3 قلت: قال ابن سعد في "طبقاته" ص 349 ج 8: أم محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، وأمها درة بنت عقبة بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، روت عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: مر بعض بني سلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، اهـ.

ص: 85

فَصْلٌ

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي "مُسْنَدِ الشِّهَابِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ. وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ. وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي "كِتَابِهِ الْمِيزَانِ"، وَعَدَّهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَادِيثِ الشِّهَابِ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. وَسَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا مَقْطُوعٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ شَامِيٌّ، مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَلَيْسَ بِالْمَكِّيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام لِأَبِي ذَرٍّ فِي تَقْلِيبِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ: "مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ، وَإِلَّا فَذَرْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ:"وَاحِدَةً، أَوْ دَعْ"، انْتَهَى. هَكَذَا عَزَاهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، عَلَى التَّحْقِيقِ1" وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، إلَّا عَنْ حُذَيْفَةَ2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: هِلَالٌ عَنْ حُذَيْفَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" كَذَلِكَ، سَوَاءً، وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، إلَى آخِرِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، فَرَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مُرْسَلًا، وَحَدِيثُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ3" عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَمْسَحْ الْحَصَى، وَأَنْتَ تُصَلِّي، فإن كنت لابد فَاعِلًا، فَوَاحِدَةٌ"، انْتَهَى.

1 قلت: صدق صاحب "التنقيح"، فإن حديث أبي ذر في "مسند أحمد" ص 163 ج 5 أحمد عن عبد الرزاق عن الثوري، وعن مؤمل عن الثوري، كذلك.

2 حديث حذيفة أخرجه أحمد في "مسنده" ص 385 ج 5.

3 البخاري في "باب مسح الحصى في الصلاة" ص 161، ومسلم في "باب كراهية مسح الحصى، وتسوية التراب في الصلاة" ص 206 ج 1، وأبو داود: ص 143، والترمذي: ص 50، وابن ماجه: ص 73.

ص: 86

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ. وَحُذَيْفَةَ. وَمُعَيْقِيبٍ. وَجَابِرٍ. انْتَهَى. وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا الزُّهْرِيُّ، انْتَهَى. لَكِنْ صَحَّحَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" حَدِيثًا في النهي عن الالتفاف فِي الصَّلَاةِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِتَمَامِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ أَبِي سَعْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ:"وَاحِدَةٌ، وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا، خَيْرٌ لَك مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ، كُلِّهَا سُودُ الْحَدَقِ"، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ التِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي"، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ:"لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ 3، أَخْرَجَهُ فِي "بَابِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ4".

وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُلْتَفِتُ، وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ. وَزَبَّانَ بْنَ فَائِدٍ. وَرِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ. وَسَهْلَ بْنَ مُعَاذٍ، كُلَّهُمْ ضُعَفَاءُ، والدارقطني أَوْرَدَهُ فِي حَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ، مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.

الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ5 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن

1 أبو داود في "باب مسح الحصى في الصلاة" ص 143، والنسائي في "السهو في باب النهي عن مسح الحصى في الصلاة" ص 177، والترمذي: ص 50، قال: حديث حسن، وابن ماجه في "باب مسح الحصى في الصلاة" ص 73.

2 وأحمد في "مسنده" وفي الزوائد: ص 86 ج 2، وقال: شرحبيل بن سعد ضعيف.

3 الحارث الأعور ضعيف. كذبه الشيعي.

4 أحمد في "مسنده" ص 438 ج 3، والدارقطني: ص 64، وقال في "الزوائد" ص 79 ج 2: فيه ابن لهيعة، وفيه كلام عن زبان بن فائد، وهو ضعيف.

5 البخاري في "باب الخصر في الصلاة" ص 163، ومسلم في "باب كراهية الاختصار في الصلاة" ص 206، وأبو داود في "باب الرجل يصلي مختصراً" ص 143، والنسائي في "باب النهي عن التحضر في الصلاة" ص 142، والترمذي في "باب النهي عن الاختصار في الصلاة" ص 50.

ص: 87

يُصَلِّيَ الرجل مختصر، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: "وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَاهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي "الِاخْتِصَارِ" تَأْوِيلَاتٌ: أَشْهَرُهَا مَا قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جنب ابن عمر، وضعت يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْهُ، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ3: وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَتَقُولُ: إنَّ الْيَهُودَ تفعله، انتهى. ذكره فِي "آخِرِ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ"، وَقِيلَ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا، وَقِيلَ: أَنْ لَا يُتِمَّ الرُّكُوعَ. وَالسُّجُودَ، وَقِيلَ: أَنْ يَخْتَصِرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي، مَا الْتَفَتَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط4" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا نَافِعُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إيَّاكُمْ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ:"مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَقُومُ مُصَلِّيًا إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ يُنَادِي: يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ تَعْلَمُ مَا فِي صَلَاتِك، وَمَنْ تُنَاجِي، مَا الْتَفَتَّ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الرَّمْلِيِّ عَنْ حَوْشَبٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُصَلِّي يَتَنَاثَرُ عَلَى رَأْسِهِ الْخَيْرُ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَمَلَكٌ يُنَادِي: لَوْ يَعْلَمُ هَذَا الْعَبْدُ مَنْ يُنَاجِي، مَا انْفَتَلَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ هَذَا رَوَى عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، كَانَ ابْنُ مَعِينٍ يُوَثِّقُهُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا شَيْءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هَذَا بِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الثَّقَفِيِّ، سَاكِنِ مَكَّةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الثَّقَفِيَّ مَاتَ قَبْلَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبَى الثَّوْرِيُّ أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى كَانَ طِفْلًا صَغِيرًا، انْتَهَى.

وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ5" عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْت

1 ص 264 ج 1.

2 في "باب التخصر والاقعاء" ص 137، في "باب النهي عن التخصر في الصلاة" ص 142.

3 في ذكر "بني إسرائيل" ص 491.

4 بإسناد واه، كذا في "الدراية" وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 80 ج 2: فيه الواقدي، وهو ضعيف.

5 في "باب الالتفات في الصلاة ص 104، وأبو داود: ص 138، والنسائي: ص 177.

ص: 88

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا، لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَهُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَقِيلَ: مَوْلَى بَنَى غِفَارٍ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ2 عِنْدَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ فِيهِ جَهَالَةٌ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، كَانَ يُلَاحِظُ أصحابه في صلاته بمؤق عَيْنَيْهِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ4 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مَرْفُوعًا، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"، وَقَدْ خَالَفَ وَكِيعٌ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُرْسَلًا5وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ

1 في "باب الالتفات في الصلاة" ص 138، والنسائي في "باب التشديد في الالتفات في الصلاة" ص 177، والحاكم في "المستدرك" ص 236، قال أبو الأحوص: هو مولى بني الليث، تابعي من أهل المدينة، وثقه الزهري، وروى عنه، اهـ. وقال الحافظ في "التقريب" مقبول، لم يرو عنه غير الزهري.

2 في نسخة "بالمبين".

3 في"باب الالتفات في الصلاة" ص 76.

4 ص 76، والنسائي:"في" باب الرخصة في الالتفات" ص 178، و"المستدرك" ص 236، وص 256 ج 1، والدارقطني: ص 195.

5 قلت: عبارة الترمذي هكذا: عن عبد الله بن سعيد عن بعض أصحاب عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الدارقطني: عن عبد الله بن سعيد عن رجل من أصحاب عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.

ص: 89

مُسْنَدًا مِثْلُ مَا رَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُتَّصِلًا، وَغَيْرُهُ يُرْسِلُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ بِهِ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ. وَثَوْرَ بْنَ زَيْدٍ ثِقَتَانِ، وَعِكْرِمَةُ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَنَزِيِّ1 عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا صَلَّى يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْتَفِتُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمِنْدَلٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَالسَّعْدِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَدِيثِ، وَإِلَى مَقْصُودِهِ أَيْضًا، إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُلَاحَظَةُ بمؤق الْعَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا شَيْءٌ مِنْ الِالْتِفَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، فَلَمَحَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنَيْهِ، رَجُلًا لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ، فَقَالَ:"إنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2 وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" وَسَنَدُ ابْنِ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ.

قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ، ولابيده، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى، حَتَّى لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قُلْت: أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَنَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهَمُ. أَوْ تُفْقَهُ، فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِابْنِ إسْحَاقَ، وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: أَبُو غَطَفَانَ، هو ابن ظريف، وَيُقَالُ: ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ فِيهِ: ثِقَةٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي "الْكُنَى": أَبُو غَطَفَانَ ثِقَةٌ، قِيلَ: اسْمُهُ سَعْدٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مَنْ أَشَارَ

1مندل بن علي العنزي الكوفي، من رجال الميزان.

2 في "باب الركوع في الصلاة" ص 63 ج 3.

3 في "باب الاشارة في الصلاة" ص 143، وقال: هذا الحديث وهم، والدارقطني: ص 195، والبيهقي: ص 264 ج 2، ولم يصحح الزيادة أبو حاتم، كذا في "العلل" ص 75 ج 1.

4 أبو غطفان: ثقة، من كبار الثالثة "تقريب".

ص: 90

فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ، فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد1: أَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَابِلٍ صاحب العبا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ، قَالَ: إشَارَةً بِإِصْبَعِهِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْت لِبِلَالٍ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اخْتَصَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ضَعُفَ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَدْخَلَهُ فِي "بَابِ مَنْ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ"، وَأَوْهَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَشَارَ بِيَدِهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ: إنَّمَا كَانَتْ إشَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ5: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَلَمْ يَقُلْ: فَأَشَارَ إلَيْنَا، وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ6 أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ جَائِزًا لَفَعَلَهُ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا: بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِشَارَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ نَسْخِهِ لَرَدَّ بِاللَّفْظِ، إذْ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَاجِبٌ، إلَّا لِمَانِعٍ، كَالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْكَلَامِ، قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَجَابِرٍ، فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الرَّدِّ فِيهِ الرَّدُّ بِالْكَلَامِ،

1 قال السلمي: سألت الدارقطني عن ابن أبي داود، فقال: كثير الخطأ في الكلام في الحديث، اهـ. "تذكرة الحفاظ" ص 3 1 ج 2، وفيه في: ص 302 ج 2، قال أبو داود: ابني كذاب، قال ابن عدي: كان ابن صاعد يقول: كفانا أبوه بما قال فيه، اهـ

2في "باب رد السلام في الصلاة" ص 140، والترمذي في "باب ما جاء في الإشارة في الصلاة" ص 48، والنسائي في "السهو في باب رد السلام بالإشارة في الصلاة" ص 177.

3 ص 140 والترمذي ص 48.

4 في "الاشارة في الصلاة" ص 143، والدارقطني: ص 196.

5أخرج الشيخان حديث ابن مسعود: البخاري في "باب ما ينهى من الكلام في الصلاة" ص 160، ومسلم في "باب تحريم الكلام في الصلاة" ص 204.

6 حديث جابر أخرجه مسلم: ص 204، والبخاري في "باب لا يرد السلام في الصلاة" ص 162.

ص: 91

بِدَلِيلِ لَفْظِ ابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرِ الدِّيكِ. وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ. وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: افْتِرَاشَ السَّبُعِ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ1، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ2" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةٍ، كَنَقْرَةِ الدِّيكِ. وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ، كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ عَلَى حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَرَاهِيَةُ الْإِقْعَاءِ. وَالْآخَرُ: كَرَاهَةُ الِافْتِرَاشِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ3 ذِكْرُ الِافْتِرَاشِ، لَكِنَّهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي "الصَّحِيحِ4"، وَفِيهِ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ أَحَادِيثُ:

مِنْهَا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَلِيُّ، لَا تُقْعِ إقْعَاءَ الْكَلْبِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5. وَابْنُ مَاجَهْ.

وَمِنْهَا عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ، فَلَا تُقْعِ، كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ، ضَعْ أَلْيَتَيْك بَيْنَ قَدَمَيْك، وَالْزَقْ ظَهْرَ قَدَمَيْك بِالْأَرْضِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6.

وَمِنْهَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ7"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "أَوَّلِ الْكِتَابِ" تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ،

1 قال الحافظ في "الدراية" لم أجده من حديث أبي ذر، اهـ.

2 ص 311 ج 2 بهذا اللفظ، وفي: ص 265 ج 2، بتغيير يسير، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 80 ج 2: أخرجه أحمد. وأبو يعلى. والطبراني في الإسناد، وإسناد أحمد حسن، اهـ. وأخرجه البيهقي: ص 120 ج 2.

3 فيه حديث علي، عند أحمد: ص 146،وفيه الحارث الأعور.

4 أي مسلم، أخرجه في "باب ما يجمع صفة الصلاة" ص 195.

5 في "باب كراهية الاقعاء بين السجدتين" ص 37، وابن ماجه في "باب الجلوس بين السجدتين" ص 64، والبيهقي: ص 120 ج 2، وأحمد: ص 146 ج 1 معناه.

6 ص 64، والبيهقي: ص 120 ج 2، معناه.

7ص 272 ج 1، ومن طريقه البيهقي: ص 120 ج 2.

ص: 92

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، وَلَكِنْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، قَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ، كَانُوا يُقْعُونَ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُسْتَحَبٌّ. وَالْآخَرُ: مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فالمنهي عنه أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَرُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَعَلَتْهُ الْعَبَادِلَةُ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ3"، وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ جَمَاعَةٌ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهِ مُتَعَارِضَةٌ، حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْجَمْعُ، وَلَا تَارِيخَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ النَّسْخُ؟، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ، سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ، يَقُولُ: رَأَيْت أَبَا رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ: وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ عَقَصَ شَعْرَهُ، فَأَطْلَقَهُ، وَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَهُوَ عَاقِصٌ شَعْرَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يُصَلِّي قَائِمًا، وَقَدْ غَرَزَ ضَفْرَهُ فِي قَفَاهُ، فَحَلَّهَا أَبُو رَافِعٍ، فَالْتَفَتَ حَسَنٌ إلَيْهِ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو رَافِعٍ: أَقْبِلْ عَلَى صَلَاتِك، وَلَا تَغْضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ذَاكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ، لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ6" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُخَوَّلُ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ7 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عبد الله الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سَعِيدٍ

1 في "باب جواز الاقعاء على العقبين" ص 202، والحاكم في "المستدرك" ص 272، كأنه استدرك به، وهو غير صحيح، وأخرجه الترمذي: ص 38، وحسنه.

2 ص 119 ج 2، وأجاب عنه بمثل ما أجاب النووي، بل هو الأسوة للنووي فيه.

3 "شرح المهذب" ص 438 ج 3.

4 في "باب كف الشعر والثوب في الصلاة" ص 74.

5 في "باب الرجل يصلي عاقصاً شعره" ص 101 ج 1، والترمذي في "باب كراهية كف الشعر في الصلاة" ص 50.

6 وأحمد في "مسنده" ص 391 ج 6 عن وكيع عن سفيان به، وفي ص 8 ج 6 عن عبد الرزاق عن سفيان به.

7 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 86 ج 2: رجاله رجال الصحيح.

ص: 93

الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، سَنَدًا وَمَتْنًا، وَزَادَ: قَالَ إسْحَاقُ: قُلْت لِلْمُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: أَفِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ؟، فَقَالَ: بِلَا شَكٍّ، هَكَذَا كَتَبْته مِنْهُ إمْلَاءً بِمَكَّةَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، قَالَ: وَوَهَمَ الْمُؤَمَّلُ فِي ذِكْرِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُ لَا يَذْكُرُهَا، وَرَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ أَصَحُّهُمَا إسْنَادًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ "الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو حُذَيْفَةَ. وَمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُمَا يَرْوِيهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ، وَلَا يَذْكُرُ أُمَّ سَلَمَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ. وشريط عَنْ مُخَوَّلٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أم سلمة، قالت: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، فَقَالَ أَبِي: أَخْطَأَ مُؤَمَّلٌ، إنَّمَا رُوِيَ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "مُشْكِلُ الْآثَارِ": يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ شَاهَدَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ قِصَّةَ الْحَسَنِ هَذِهِ، فَإِنَّ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاةُ عَلِيٍّ قَبْلَ ذَلِكَ بِخَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَوَفَاةُ أَبِي رَافِعٍ قَبْلَ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ كَانَ وَصِيَّ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْمَقْبُرِيَّ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَلَى مَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تُوُفِّيَ أَبُو رَافِعٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ: فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ، وَذَلِكَ إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَأَنَّ بَيْنَ وَفَاتِهِ وَوَفَاةِ عَلِيٍّ خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، لِأَنَّ عَلِيًّا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُضِيفَ إلَى ذَلِكَ أَيَّامَهُ، وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَأَيَّامُ عُثْمَانَ، وَهِيَ ثنتان عَشْرَةَ سَنَةً، فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، غَيْرَ رُبُعٍ، فَجَاءَ الْجَمِيعُ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ، فَلْيُفْرَضْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّ مَنْ يَضْبِطُ، كَثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ نَحْوِهَا، فَهَذِهِ مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَشْرٌ، فَيَحْتَاجُ سِنُّ أَبِي سَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ، وَلَا ذُكِرَ بِهِ، قَالَ: فَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، لَمْ تَكُنْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ، إلَّا الطَّحَاوِيَّ1، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ2

1 في "التهذيب" هذا وهم منه، فإن هذا تاريخ وفاة ابنه سعيد.

2 قال ابن سعد في "طبقاته" ص 62 ج 5: قال محمد بن عمر الواقدي: روى أبو سعيد عن عمر، وكان ثقة، كثير الحديث، وتوفي سنة مائة، في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقال غيره، أي الواقدي: توفي بالمدينة، في خلافة الوليد بن عبد الملك.

ص: 94

فِي وَفَاتِهِ، إمَّا سَنَةَ مِائَةٍ، كَمَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "كِتَابِهِ ذَيْلِ الْمُذَيَّلِ"، وَقَالَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَإِمَّا فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، كَمَا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَكَانَتْ وَفَاةُ الْوَلِيدِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ، وَإِمَّا فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَلْيُنَزَّلْ عَلَى أَبْعَدِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: سَنَةَ مِائَةٍ، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَ وَفَاتِهِ وَوَقْتِ حَيَاةِ أَبِي رَافِعٍ سِتُّونَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرُ بقليل، وهذا لابعد فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَقْدِيرِ سَمَاعِهِ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ، مَشْكُوكٌ فِيهِ1، وَلَمْ يَحْكُمْ بِإِسْنَادِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ: إنَّهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَهَذَا لَا يُنْكَرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُرْسِلُ عَنْهُ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: إنَّ الْمَقْبُرِيَّ لَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ مَرَّ بِالْحَسَنِ، فَفِي هَذَا اللَّفْظِ، أَنَّهُ رَأَى هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، وَشَاهَدَهُ، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى2، وَلَا أعرف حاله، وَلَا أَعْرِفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، وَفِيهِ: رَأَيْت أَبَا رَافِعٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَمُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، أَخْرَجَا لَهُ فِي "الصحيحن"، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبَاقُونَ.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ3" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا، وَلَا ثَوْبًا"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ وَرَاءَهُ، فَجَعَلَ يَحِلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى ابن عباس، فقال: مالك وَلِرَأْسِي؟. قَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي، وَهُوَ مَكْتُوفٌ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَعْقِصْ شَعْرَك فِي الصلاة، فإنه كفل الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، زَادَ أَبُو دَاوُد: وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ، انْتَهَى.

1في "التهذيب" أن البخاري جزم بأن أبا سعيد سمع من عمر.

2 ذكره ابن حبان في الثقات، وفي "التقريب" أنه مقبول.

3 البخاري في "باب السجود على سبعة أعظم" ص 112، ومسلم في "باب أعضاء السجود" ص 193.

4في "باب أعضاء السجود" ص 193.

5 في "باب السدل في الصلاة" ص 101، والحاكم في "المستدرك" ص 103، والترمذي في "باب كراهية السدل في الصلاة" ص 50.

ص: 95

وَرَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا فِيهِ: تَغْطِيَةَ الرَّجُلِ فَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ، كَمَا تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" عَنْ أَبِي بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيِّ1 وَاسْمُهُ "عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ" ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، إلَّا الْبَكْرَاوِيَّ، فَإِنَّهُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَسَنَدُ أَبِي دَاوُد فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ، ضَعَّفَهُ، ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، لَكِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَنَدُ التِّرْمِذِيِّ، فِيهِ عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ "بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَسُكُونِ السِّينِ، الْمُهْمَلَتَيْنِ" هُوَ: ابْنُ سُفْيَانَ التَّمِيمِيُّ، الْيَرْبُوعِيُّ، الْبَصْرِيُّ، كُنْيَتُهُ "أَبُو قُرَّةَ"، ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَغَيْرُهُمَا، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ2" عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ سَدَلَ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَضَمَّهُ3، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَطَعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَعَطَفَهُ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رُبَّمَا كان يستر فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِنَافِعٍ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ، إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، قَالَ لِي: وَلِّنِي ظَهْرَك، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقْعِدُ رَجُلًا، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ خَلْفَ النَّائِمِ. وَالْمُتَحَدِّثِ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4

وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ. وَلَا الْمُتَحَدِّثِ"، انْتَهَى. فِي سَنَدِ أَبِي دَاوُد رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَفِي سَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ أَبُو الْمِقْدَامِ، هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى5، وَعَائِشَةُ نَائِمَةٌ، مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ":

1 من ولد أبي بكرة.

2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 50 ج 2: رواه الطبراني في الثلاثة. والبزار، وهذا ضعيف، اهـ.

3 في نسخة "فقمه".

4 في "باب الصلاة إلى المتحدثين" ص 107. وابن ماجه في "باب من صلى، وبينه وبين القبلة شيء" ص 69) .

5 تقدم تخريجه في الحديث التاسع والسبعين.

ص: 96

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا أَبِي عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: نُهِيت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ. وَالْمُتَحَدَّثِينَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي صَلَّيْت، وَأَنْتَ تَنْظُرُ إلَيَّ، انْتَهَى. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَحْفَظُهُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْمُصَلِّيَ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الرَّجُلِ، فَوَجَّهَهُ، فَلَمْ يَتَنَحَّ عَنْ حِيَالِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: حديث جبرئيل: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.

فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي بَابِ إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: واعد النبي صلى الله عليه وسلم جبرئيل، فَرَاثَ عَلَيْهِ "أَيْ أَبْطَأَ"، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا، فَقَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: قَدْ اسْتَنْكَرْت هَيْئَتَك مُنْذُ اليوم، قال: إن جبرئيل كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِيَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَلْقَنِي، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوٌ كَلْبٌ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً، فَنَضَحَ مكانه، فلما لقيه جبرئيل، قَالَ:"إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةٌ"، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ، وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهَا، قَالَتْ:

1 عبد الأعلى بن عامر الثعلبي الكوفي: صدوق يهم "تقريب"، وقال في "الزوائد" ص 62 ج 2: فيه عبد الأعلى الثعلبي ضعيف، اهـ وفيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام"، رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به، اهـ.

2 في "اللباس في باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة" ص 881، منه اختصر المخرج لفظه، وأما السياق الذي في بدء الخلق، فهو مختصر مما ذكره المخرج، وهو في: ص 458 ج 1.

3 في "اللباس في باب تحريم تصوير صورة الحيوان" ص 199 ج 2، وأبو داود في "آخر اللباس" ص 219 ج 2، والطحاوي: ص 363 ج 2.

4 في "اللباس في باب تحريم تصوير صورة الحيوان" ص 199.

ص: 97

وَاعَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ، وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوٌ كَلْبٌ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ:"مَا هَذَا1 يَا عَائِشَةُ"؟ "مَتَى دَخَلَ هذا الكلب ههنا"؟ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جبرئيل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَاعَدْتَنِي، فَجَلَسْتُ لَك، فَلَمْ تَأْتِ" فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ2" عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْمُهُ "زَيْدُ بْنُ سُهَيْلٍ" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى. لِمُسْلِمٍ، وَلِبَعْضِهِمْ فِيهِ قِصَّةٌ، وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: يُرِيدُ صُورَةَ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاحُ، ذَكَرَهُ فِي "الْمَغَازِي فِي بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا"، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَجِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ"، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: الْجُنُبَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَجِيٍّ فِيهِ مَقَالٌ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ: وَلَا صُورَةُ رُوحٍ، وَلِشَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ ههنا وَهْمَانِ، قَلَّدَ فِيهِمَا غَيْرَهُ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَعْزُ الْحَدِيثَ إلَّا لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ4. وَالثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيِّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا لَفْظُهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبرئيل، فَقَالَ لِي: أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ،

1 قوله: ما هذا، ليس هذا اللفظ عند مسلم.

2 البخاري في "بدء الخلق في باب خمس من الدواب فواسق" ص 468، ومسلم في "اللباس" ص 200، وأبو داود في "آخر اللباس" ص 219 ج 2، والنسائي في "الزينة" في باب التصاوير" ص 299 ج 2، والترمذي في "الأدب في باب أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة" ص 102 ج 2، وابن ماجه في "اللباس في باب الصور في البيت" ص 268، والطحاوي: ص 363 ج 2.

3 ص 218 ج 2، والنسائي: ص 299، وابن ماجه: ص 268، ولم أجد في النسائي، إلا عن ابن المسيب عن علي، ولفظه:"إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تصاوير"، وأحمد في: ص 85 ج 1، وفيه:"تمثال"، بدل:"صورة" والدارمي: ص 357، والطحاوي: ص 363 ج 2، كلاهما بلفظ أبي داود، وأخرجه أحمد: ص 83، وص 85، وفيه "صورة روح".

4 قلت: عزا حديث أبي هريرة فيما قبل إلى مسلم فقط، وإني لم أجده في البخاري، فلعل الصواب في "الصحيح".

5 في "آخر اللباس" ص 219 ج 2، والترمذي في "الأدب في باب الاستئذان" ص 104 ج 2 والنسائي في "الزينة" ص 301 ج 1، مختصراً.

ص: 98

وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ، فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ، فَلْيُقْطَعْ، فَيُصَيَّرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ، فَلْيُقْطَعْ، وَلْيُجْعَلْ فِيهِ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ، تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ، فَلْيُخْرَجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا الْكَلْبُ لِلْحَسَنِ. أَوْ لِلْحُسَيْنِ، كَانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "اللِّبَاسِ". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الِاسْتِئْذَانِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الزِّينَةِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بجبرئيل، فِي وَاقِعَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلَيْسَ هَذَا حَدِيثُ الْكِتَابِ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنًى، وَيَا لَيْتَهُ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَقْصُودِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ. أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَوْ بِحِذَائِهِ تصاوير، أَوْ صُورَةٌ معلقة "يعني في الصلاة" لحديث جبرئيل عليه السلام "إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة"، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالصُّورَةِ، فَالْحَدِيثُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ صُورَةٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: استأذن جبرئيل عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: اُدْخُلْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ، وَفِي بَيْتِك سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ رُءُوسَهَا. أَوْ يُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ، "فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَفْظُهُ: فَإِنْ كنت لابد فَاعِلًا، فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا، أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ، أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ" عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا، فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَاِتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا في البيت نجلس عَلَيْهِمَا، زَادَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا، وَفِيهَا صُورَةٌ.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّمَاثِيلِ، أَنَّهُ رَخَّصَ فِيمَا كَانَ يُوطَأُ، وَكَرِهَ مَا كَانَ مَنْصُوبًا، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إلَّا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، انْتَهَى

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي

1 في "الزينة في باب أشد الناس عذاباً" ص 301 ج 2، والطحاوي: ص 365.

2 في "المظالم في باب كسر الدنان" ص 337، ومسلم: ص 201 ج 2.

3 سليمان بن أرقم ضعيف.

ص: 99

الصَّلَاةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عن ضمضم بن جرس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةَ. وَالْعَقْرَبَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَفِي النَّوْعِ السِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَضَمْضَمُ بن جرس مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، سَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ، وَهُوَ محرم؟، فقال: حدثني إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ. وَالْفَأْرَةِ. وَالْعَقْرَبِ. وَالْحِدَأَةِ. وَالْغُرَابِ. وَالْحَيَّةِ، قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي الْمِقْدَامِ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ. وَالْعَقْرَبَ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي صَلَاتِكُمْ" مُخْتَصَرٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "الْحَجِّ"، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِهِشَامٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَسَعَتْنِي عَقْرَبٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ عَقْرَبًا، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَقْتُلْهَا بِنَعْلِهِ الْيُسْرَى"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ الْعَدَوِيِّ، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ، وَمُرْسَلَ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُورِدْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "كِتَابِ الْإِمَامِ" لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا حَدِيثَ السُّنَنِ، فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ

1 أبو داود في "باب العمل في الصلاة" ص 140، والنسائي في "باب قتل الحية والعقرب في الصلاة" ص 178، والترمذي في "باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة" ص 51، وابن ماجه في "باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، ص 89، وأحمد: ص 333 ج 2، وص 248 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 256 ج 1.

2 في "الحج في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم" ص 382 ج 1.

3 في "باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوّله الإمام" ص 100، ومسلم في "باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه بالليل" ص 260.

ص: 100

أَبُو دَاوُد1 عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ: ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ: أُفٍّ، أُفٍّ، الْحَدِيثَ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ:"بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ"، وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: نَفَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ، انْتَهَى. وَفِي مَنْعِهِ حَدِيثَانِ، أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ الْأَزْهَرِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غُلَامٍ لَنَا، يُقَالُ لَهُ: رِيَاحٌ، فَرَآهُ سَجَدَ، فَنَفَخَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام:"يَا رِيَاحُ لَا تَنْفُخْ، فَإِنَّهُ مَنْ نَفَخَ، فَقَدْ تَكَلَّمَ". وَالثَّانِي: عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ:"مَنْ أَلْهَاهُ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، فَذَاكَ حَظُّهُ، وَالنَّفْخُ كَلَامٌ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَضْعَفُ مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُفَرَّقَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ، بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2.

أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ، بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَمُدَافَعَةِ الْحَدَثِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يُعَجِّلَنَّ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَا4 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ، قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 عَنْ هِشَامِ

1 في "الكسوف في باب من قال: يركع ركعتين" ص 176، والبخاري في "التهجد في باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة" ص 164، وقال الحافظ في "الفتح" ص 67 ج 3: أخرجه أحمد، وصححه ابن خزيمة. والطبري. وابن حبان. اهـ، قلت: والبيهقي: ص 252 ج 2.

2 في"باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة" ص 74، قلت: وأخرجه مسلم أيضاً في "باب جواز حمل الصبيان في الصلاة" ص 205 ج 1، ولا أدري لم أغفله، وفيه: يؤم الناس.

3 في "باب إذا حضر الطعام، وأقيمت الصلاة" ص 92، ومسلم في "كراهية الصلاة بحضرة الطعام" ص 208، وأبو داود: ص 171 ج 2، وكذا حديث عائشة.

4 البخاري في "آخر الأطعمة" ص 821، واللفظ الآخر له في: ص 92، ومسلم في: ص 208.

5 ص 208، وأبو داود: ص 13 ج 1.

6 أبو داود في "الطهارة في باب يصلي الرجل، وهو حاقن" ص 13، والترمذي في "الطهارة في باب إذا أقيمت الصلاة، ووجد أحدكم الخلاء، فليبدأ به، ص 20، وابن ماجه في "باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي" ص 48، وأحمد: ص 35 ج 4، وص 483 ج 3.

ص: 101

بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْخَلَاءِ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجُوا1 إلَّا النَّسَائِيّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ2 الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي حَيٍّ3 عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا، فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ دَخَلَ، وَلَا يُصَلِّي، وَهُوَ حَقِنٌ، حَتَّى يَتَخَفَّفَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَهُوَ حَاقِنٌ، حَتَّى يَتَخَفَّفَ"، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلٌ5 فِيهِ جَهَالَةٌ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد.

فَصْلٌ

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ6 فِي "الطَّهَارَةِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلَا تستقبلوا، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ7 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قِيلَ لَهُ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ: أَجَلْ! لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ8 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا" انْتَهَى.

1 أبو داود: ص 13، والترمذي في "باب كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء" ص 47، وابن ماجه في "باب لا يخص الإمام نفسه بالدعاء" ص 66، مختصراً.

2 يزيد بن شريح مقبول "تقريب".

3 أبو حيّ: اسمه "شداد" صدوق "تقريب".

4 ص 14

5 لا أدري من الرجل، فإني أرى رواته كلهم قد وثقوا.

6 البخاري في "باب قبلة أهل المدينة والشام" ص 57، ومسلم في "باب الاستطابة" ص 130، وأبو داود: ص 3 ج 1، والنسائي: ص 10، والترمذي: ص 3، وابن ماجه: ص 27.

7 مسلم: ص 130، وأبو داود: ص 3، والنسائي في "باب النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار" ص 16، وص 18، وابن ماجه: ص 27، والترمذي في "باب الاستنجاء بالحجارة" ص 4.

8 ص 131، وأبو داود: ص 3، وابن ماجه: ص 27، والنسائي: ص 16.

ص: 102

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ بِغَائِطٍ2 انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو زَيْدٍ مَوْلًى لِبَنِي ثَعْلَبَةَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ": وَأَبُو زَيْدٍ هَذَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الِاسْتِدْبَارُ.

وَمِثْلُهُ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جد الزُّبَيْدِيَّ، يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ"، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ4" عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ. أَوْ غَائِطٍ، فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، فَهُوَ كَالْمُنْقَطِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ النَّهْيُ لِأَجْلِ الْقِبْلَةِ، أَوْ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ: وَتَعَلَّقَ الْأَوَّلُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْآثَارِ5" عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ رِشْدِينَ الْجُنْدِيِّ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عز وجل، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ"، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَلَسَ بِبَوْلٍ، قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ، فَذَكَرَ، فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا، لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ"، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عز وجل، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا"، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ6": وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ، أَسْنَدَهُ أَحْمَدُ بن الحسن

1 ص 3، وابن ماجه: ص 27، وأخرج أحمد في "مسنده" ص 415 ج 5 عن أبي أيوب أنه قال: ما ندري كيف نصنع بكرابيس مصر، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ونستدبرهما.

2 قال في "الفتح" ص 216 ج 1: هو حديث ضعيف، لأن فيه راوياً مجهول الحال.

3 ص 27، والطحاوي: ص 335.

4 في "باب النهي عن استقبال القبلة، والانسان يريد حاجته" ص 68.

5روى الدارقطني: ص 21 عن عائشة، قالت: مر سراقة بن مالك المدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن التغوط، فأمر أن لا يتنكب القبلة، ولا يستقبلها، ولا يستدبرها، الحديث.

6 قلت: حديث طاوس المرسل، عند الدارقطني: ص 21 حديث طويل، رواه عن زمعة عن سلمة عن طاوس مرسلاً، الطرف الأول منه: إذا أتى أحدكم البزار، فليكرم قبلة الله، ولا يستقبلها، ولا يستدبرها"، وتمامه: "ثم ليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد"، الحديث. وذكر الدارقطني لهذا الطرف الآخر فقط إسناداً آخر، رواه عن ابن قانع عن أحمد بن الحسن المصري: حدثنا أبو عاصم حدثنا زمعة عن سلمة عن طاوس عن ابن عباس رفعه، وذكر نحواً من الطرف الثاني، وأما الطرف الأول الذي تعلق بالباب، فليس في طريقه المضري ولم يسنده هو. ولا غيره أصلاً، فيما عند الدارقطني، فإن أراد عبد الحق إسناد المضري إياه عند الدارقطني، فهذا ليس بصواب، وإن رأى إسناده في كتاب غير هذا، فهو أعلم.

ص: 103

الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالْمُرْسَلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ دَائِرٌ عَلَى زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ.

فَائِدَةٌ1: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي "كِتَابِهِ" أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ! لَقَدْ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، الْحَدِيثَ، كَذَا رَأَيْته فِي "كِتَابِهِ" مُسْتَقْبِلَ "بِالْمِيمِ"، وَبِهَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْلِمٍ، مِمَّا تَتَبَّعْته مِنْ نُسَخِهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَتَعَلَّقَ الْآخَرُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ3 قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: إنِّي أَعْجَبُ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: دَخَلْت بَيْتَ حَفْصَةَ، فَجَاءَتْ4 الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَيْت كَنِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ أبي هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا، قَالَ الشَّعْبِيُّ: صَدَقَا جَمِيعًا، أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ: إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا: مَلَائِكَةً. وَجِنًّا، يُصَلُّونَ، فَلَا يَسْتَقْبِلُهُمْ أَحَدٌ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمْ، وَأَمَّا كُنُفُهُمْ هَذِهِ، فَإِنَّمَا هِيَ بُيُوتٌ بُنِيَتْ لَا قِبْلَةَ فِيهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعِيسَى هَذَا: هُوَ ابْنُ مَيْسَرَةَ5، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَعِيسَى هَذَا، يُقَالُ فِيهِ: الْحَنَّاطُ "بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ" وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَبَّاطُ "بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ. وَمُوَحَّدَةٍ"، وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَيَّاطُ "بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ آخِرُ الْحُرُوفِ"، وَحَدِيثُ عِيسَى هَذَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لَيْسَ فِيهِ مَا قَصَدْنَاهُ.

(10) قوله: فائدة، قلت: هنا فائدة أخرى أحب التنبيه عليها، قال ابن حزم في "المحلى" ص 193 ج 1، لا يجوز استقبال القبلة واستدبارها للغائط. والبول، لا في بنيان، ولا في صحراء، ولا يجوز استقبال القبلة فقط، كذلك في حال الاستنجاء، ثم استدل على ذلك "الاستنجاء فقط" بحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يستنجيء أحد مستقبل القبلة"، اهـ. ذكره تعليقاً، وقال: ذكر قبل في "باب الاستنجاء" وأسند الحديث في "باب الاستنجاء" ص 96 عن طريق مسلم صاحب "الصحيح"، ولفظه: أنه نهانا أن يستنجي أحدكم بيمينه أو يستقبل القبلة، اهـ. وقال مصححه هنا: كان في الأصل مستقبل القبلة، وصححناه من مسلم، اهـ. قلت: أما ما ذكر من لفظ الحديث في الصحيح، فهو كما قال، وأما تصحيحه الحديث الذي رواه ابن حزم من طريق مسلم بلفظ، وجد في "صحيحه" فهذا ليس بتصحيح "للمحلى" بل هو تحريف له، لأن التصحيح إنما يكون حيث يظن غلط الناسخ، وأما إذا علم أن المؤلف ذكره كذا، واستدل الغائط فيه، فتبديل المصحح إياه، بما يظن صحيحاً، تحريف، وهجوم المصحح على مثل ذلك جهالة، والله أعلم.

2 البيهقي في "سننه" ص 93، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 337، والدارقطني: ص 23، وقال عيسى: ضعيف، وابن ماجه: ص 28، مختصراً في "باب الرخصة في ذلك في الكنيف" والحازمي: ص 26.

3 كان خياطاً، ثم ترك، وصار حناطاً، ثم ترك، وصار يبيع الخبط، قال ابن سعد: كان يقول: أنا خباطٌ وحناطٌ، وخياطٌ، كلاً قد عالجت "تهذيب"، وقال في "التقريب": عيسى بن أبي عيسى الخياط ضعيف.

4في نسخة "فخانت"

5 قال الدارقطني: عيسى بن أبي عيسى الخياط ضعيف.

ص: 104

أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ1 عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ فِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عن مجاهد بن جبير عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي الْقِسْمِ الثَّانِي. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ". والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَعِنْدَهُمْ الْأَرْبَعَةُ: حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، ولفظهم فِيهِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا، إذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ: يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ" الْكَبِيرِ3": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.

1 البخاري في "باب من تبرز على لبنتين" ص 26، ومسلم في "باب الاستطابة" ص 131 ج 1، وأبو داود: ص 3، والنسائي في "الرخصة في ذلك في البيوت" ص 10، وابن ماجه في "باب الرخصة في ذلك" ص 28، والترمذي: ص 3.

2 ص 4، والترمذي: ص 3، وابن ماجه: ص 28، والحاكم في "المستدرك" ص 154 ج 1، والدارقطني: ص 22، وقال: كلهم ثقات.

3 قال ابن القيم في "الهدى" ص 18 ج 2: هذا الحديث عزاه الترمذي بعد تحسينه، وقال الترمذي في "كتاب العلل": سألت محمداً "يعني البخاري" عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث صحيح، رواه غير واحد عن ابن إسحاق، فإن كان مراد البخاري صحته عن ابن إسحاق، لم يدل على صحته في نفسه، فإن كان مراده صحته في نفسه، فهي واقعة عين، حكمها حكم حديث ابن عمر، لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر الكعبة، وهذا يحتمل وجوهاً ستة: نسخ النهي به. وعكسه. وتخصيصه به صلى الله عليه وسلم. وتخصيصه بالبنيان. وأن يكون بعذر اقتضاه لمكان أو غيره. وأن يكون بياناً، لأن النهي ليس على التحريم، ولا سبيل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين، وإن كان حديث جابر لا يحتمل الوجه الثاني منها، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهي الصريحة الصحيحة المستفيضة بهذا المحتمل، وقول ابن عمر: إنما نهى عن ذلك في الصحراء، فهم منه لاختصاص النهي بها، وليس بحكاية لفظ النهي، وهو معارض بفهم أيوب للعموم، مع سلامة قول أصحاب العموم من التناقض الذي يلزم المفرقين بين الفضاء والبنيان، فإنه يقال لهم: ما حد الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان، ولا سبيل إلى ذكره حد فاصل؟ وإن جعلوا مطلق البنيان مجوزاً لذلك، لزمهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه، جبل قريب أو بعيد، كنظيره في البنيان، فإن النهي تكريم لجهة القبلة، وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان، وليس مختصاً بنفس البيت، فكم من جبل وأكمة بين البائل وبين البيت، بمثل ما يحول جدران البنيان، وأعظم، وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها، وعلى الجهة وقع النهي، لا على البيت نفسه، فتأمله، اهـ. وتحقيق هذه المسألة في "هوامش ابن حزم" ص 196 ج 1.

ص: 105

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عن حماد بن بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكٍ2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمْ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: أَرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا، أَسْتَقْبِلُ بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحْسَنُ مَا فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ، قُلْت لَهُ: فَإِنَّ عِرَاكًا يَرْوِيهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: سَمِعْت عَائِشَةَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ سَمِعَ عِرَاكٌ عَائِشَةَ بِمَا يَرْوِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا؟!، وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت، وَهَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةٍ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت،

1 ص 28، والطحاوي: ص 336 ج 2، والطيالسي: ص 216، والدارقطني ص 22، والبيهقي: ص 93 ج 1، وأحمد: ص 239 ج 6

2 حديث عراك عن عائشة، رواه الدارقطني: ص 22 عن أبي عوانة. والقاسم بن المطيب. ويحيى بن مطر عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة. مرفوعاً، وعن علي بن عاصم. وحماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة، كذلك، وروى هو. وأحمد في "مسنده" ص 183 ج 6 عن عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن رجل عن عراك به، ورواه أحمد في "مسنده" ص 227 ج 6 عن أبي كامل عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة، كذلك. قال الحافظ في "التهذيب" ص 97 ج 3: قال البخاري في "التاريخ": قال موسى: حدثنا وهيب عن خالد عن رجل أن عراكاً حدث عن عمرة عن عائشة، وقال ابن بكير: حدثني بكر عن جعفر بن ربيعة عن عراك عن عروة أن عائشة كانت تنكر قولهم: لا يستقبل القبلة، وقال: هذا أصح، اهـ.

قلت: هذا الحديث حسنه النووي في "شرحه لمسلم" ص 130 ج 1، وفي "سبل السلام" ص 111 ج 1 إسناده حسن، وطعن فيه غير واحد من أئمة أهل الحديث، وضعفوه، قال ابن قيم: قد طعن فيه البخاري. وغيره من أئمة الحديث، ولم يثبتوه اهـ. قلت: وأعلوه بعلل مختلفة: من الاضطراب. والوقف، وضعف خالد بن أبي الصلت، ونكارة الحديث. والانقطاع. وبعده، هذه كلها، قالوا بالنسخ: أما الاضطراب، فقد قال الحافظ: قال الترمذي في "العلل الكبير": سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال فيه: اضطراب، اهـ. قلت: هو ظاهر فيما قدمنا لك من الروايات، روى غير واحد عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة مرفوعاً، وأدخل بعضهم خالد بن أبي الصلت بين الحذاء. وعراك، وروى بعضهم عن الحذاء عن رجل عن عراك عن عائشة، وبعضهم عن خالد الحذاء عن خالد ابن أبي الصلت عن عراك عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة، وبعضهم عن عمر بن عبد العزيز عن عراك عن عائشة، وبعضهم عن عراك عن عروة عن عائشة، وبعضهم عنه عن عمرة عن عائشة، ورفعه بعضهم، ووقفه الآخرون، وهذا كله فيما ذكر من الروايات ظاهر، وأما الوقف، فقال البخاري: الصحيح عن عائشة قولها، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 29: عراك بن مالك عن عروة عن عائشة موقوف، وهذا أشبه، اهـ. قال الحافظ: ذكر أبو حاتم نحو قول البخاري: إن الصواب عراك عن عروة عن عائشة قولها، وأن من قال: قال عراك: سمعت عائشة، مرفوعاً، وهم فيه سنداً ومتناً، اهـ.

وأما ضعف خالد بن أبي الصلت، فقال عبد الحق: ضعيف، وقال ابن قيم في "الهدى" ص 18 ج 2: وله علة أخرى، وهي ضعف خالد بن أبي الصلت، اهـ، قال ابن حزم في "المحلى" ص 196 ج 1: أما حديث عائشة رضي الله عنها، فهو ساقط، لأنه من رواية الحذاء، وهو ثقة عن خالد بن أبي الصلت، وهو مجهول لا يدري من هو، اهـ. وقال الذهبي في "الميزان في ترجمة خالد هذا": لا يكاد يعرف، اهـ. وأجيب عن هذا بما لا يفيد، قال الحافظ: تعقب ابن المفوز كلام ابن حزم، فقال: هو مشهور بالرواية، معروف بحمل العلم، ولكن حديثه معلول، اهـ. وقال الذهبي في "الميزان": ما علمت أحداً تعرض إلى لينه، لكن الخبر منكر، اهـ.

ص: 106

قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ مِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا، وَلِعِرَاكٍ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ، قَوْلَهُ: سَمِعْتُ ثِقَةً، فَهُوَ مُقَدَّمٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَقِيَ الشَّيْخَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَدَّثَهُ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يمكن لقاءه، وَقَدْ ذَكَرُوا سَمَاعَ عِرَاكٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ هُوَ. وَعَائِشَةُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ عن عَائِشَةَ، مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لِمُسْلِمٍ أَنْ أَخْرَجَ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، الْحَدِيثَ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا رِوَايَةٌ صَرِيحَةٌ

وأما النكارة، فلما علمت من قول الذهبي آنفاً.

وأما الانقطاع، فيما قال المخرج من قول أحمد، وبما قال ابن القيم في "الهدى" ص 11 ج 2، قال: قلت: وله علة أخرى، وهي انقطاعه بين عراك. وعائشة، فإنه لم يسمع منها، اهـ.

فإن قيل: روى الدارقطني في "سننه" ص 22، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 92 ج 1، وأحمد في "مسنده" ص 184 ج 6 عن طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك، قال: حدثتني عائشة، الحديث. وفي "التهذيب" ص 97 ج 3، قال البخاري في "التاريخ": قال موسى: حدثنا حماد، وهو ابن سلمة، عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال عراك بن مالك: سمعت عائشة، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حوّلي مقعدتي إلى القبلة"، اهـ. قلت: هذا سماع لم يعتد به أحمد، وقد أخرج حديث علي بن عاصم هو في "مسنده" كما ذكرته، قال ابن حجر في "التهذيب": قال إبراهيم بن الحارث: أنكر أحمد قول من قال: عن عراك، سمعت عائشة، وقال عراك: من أين سمع من عائشة؟ وقال أبو طالب، عن أحمد: إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها، وقال أبو حاتم: الصواب عراك عن عروة عن عائشة قولها، وإن من قال: عراك سمعت عائشة مرفوعاً، وهم فيه سنداً ومتناً، اهـ. قلت: علي بن عاصم تكلم فيه غير واحد، وأغلظ القول فيه خالد، فقال: كذاب، فاحذروه، وكذا قال يحيى بن معين، وقال شعبة: لا تكتبوا حديثه، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال مرة: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: كان يغلط، ويثبت على غلطه، وحديث حماد بن سلمة رواه غير واحد: منهم أبو داود الطيالسي في "مسنده" ص 216. وابن ماجه، عن وكيع: ص 28، والطحاوي: ص 336 ج 2 عن أسد، وأحمد في "مسنده" ص 219 ج 6، عن بهز، وص 227 ج 6 عن أبي كامل، وص 239 ج 6 عن يزيد، كلهم عن حماد بن سلمة، ولم يقل أحد منهم: سمعت، قال الحافظ: قال أحمد بن حنبل، فيما روى ابن أبي حاتم في "المراسيل" عن الأثرم، وذكر صاحب خالد بن أبي الصلت عن عراك: سمعت عائشة مرفوعاً: "حولوا مقعدتي إلى القبلة"، فقال: مرسل عراك بن مالك، من أين سمع عن عائشة؟ إنما يروى عن عروة، هذا خطأ، ثم قال: من يروى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: قال غير واحد: عن خالد الحذاء، وليس فيه: سمعت، وقال غير واحد، عن حماد بن سلمة، ليس فيه: سمعت، وقال موسى بن هارون: لا نعلم لعراك سماعاً من عائشة، اهـ. أما النسخ، فقال ابن حزم في "المحلى" ص 197 ج 1: ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة، لأن نصه يبين، إنما كان قبل النهي، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن استقبال القبلة بالبول والغائط، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك، وهذا ما لا يظنه مسلم، ولا ذو عقل، وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم، فلو صح، لكان منسوخاً بلا شك، ثم لو صح لما كان فيه إلا إباحة الاستقبال فقط، لا إباحة الاستدبار أصلاً، فبطل تعلقهم بحديث عائشة، اهـ.

ص: 107